أورد الشيخ جواد المحدثي ملخصا عن شخصية الوليد بن عتبة في موسوعته جاء فيه:
كان والياً على المدينة عند موت معاوية.
كتب إليه يزيد كتاباً ينعى إليه فيه موت معاوية ويأمره بأخذ البيعة له من الحسين وأن أبى فليضرب عنقه.
لقد كان من الصعب على الوليد أن يأخذ البيعة من الحسين بالإكراه، فأراد أن يقابله باللين .
ولكنه استشار مروان في المر فأخذ مروان يسخر من موقفه المتردد، وراح يحرضه على استدعائه ليلاً إلى دار الإمارة.
ذهب الحسين ليلاً إلى دار الإمارة، ودار حديث بينه وبين الوليد والي المدينة، وخرج من عنده دون أن يبايع .
ولمزيد من التوسع في هذا الخبر نورد لكم مجموعة من ما نقله بعض أعلامنا (أعلى الله مقامهم) في هذه الحادثة وهي كالتالي:
جاء في كتاب الإرشاد - للشيخ المفيد - ج 2 - ص 32 – 35 ما يلي:
خبر الوليد بن عتبة مع الإمام الحسين بن علي (ع):
فلما مات معاوية - وذلك للنصف من رجب سنة ستين من الهجرة - كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - وكان على المدينة من قبل معاوية - أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له، ولا يرخص له في التأخر عن ذلك. فأنفذ الوليد إلى الحسين عليه السلام في الليل فاستدعاه، فعرف الحسين الذي أراد فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح، وقال لهم: " إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، ولست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه، وهو غير مأمون، فكونوا معي، فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب، فإن سمعتم صوتي قد علا فأدخلوا عليه لتمنعوه مني. فصار الحسين عليه السلام إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم، فنعى الوليد إليه معاوية فاسترجع الحسين عليه السلام، ثم قرأ كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال له الحسين: " إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا، فيعرف الناس ذلك " فقال الوليد له: أجل، فقال الحسين عليه السلام: " فتصبح وترى رأيك في ذلك " فقال له الوليد: انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى يكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه، فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام وقال: " أنت - يا ابن الزرقاء - تقتلني أو هو ؟! كذبت والله وأثمت " وخرج (يمشي ومعه) مواليه حتى أتى منزله .
فقال مروان للوليد: عصيتني، لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا، فقال الوليد: (الويح لغيرك) يا مروان إنك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسينا، سبحان الله! أقتل حسينا أن قال لا أبايع ؟! والله إني لأظن أن امرءا يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة.
فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت ؟ يقول هذا وهو غير الحامد له في رأيه ، فأقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين ، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليه، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها إلى مكة، فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال، فبعث راكبا من موالي بني أمية في ثمانين راكبا، فطلبوه فلم يدركوه فرجعوا ، فلما كان آخر (نهار يوم) السبت بعث الرجال إلى الحسين بن علي عليهما السلام ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسين: " أصبحوا ثم ترون ونرى " فكفوا تلك الليلة عنه ولم يلحوا عليه، فخرج عليه السلام من تحت ليلته - وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب - متوجها نحو مكة ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية - رضوان الله عليه - فإنه لما علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدر أين يتوجه، فقال له: يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك وأنت أحق بها، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن تابعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون أنت لأول الأسنة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا، فقال له الحسين عليه السلام: " فأين أذهب يا أخي ؟ " قال: انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن (نبت بك) لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد، حتى تنظر (ما يصير أمر الناس إليه)، فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا.
فقال: " يا أخي قد نصحت وأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا ". فسار الحسين عليه السلام إلى مكة وهو يقرأ: (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت الطريق الأعظم كما صنع ابن الزبير لئلا يلحقك الطلب، فقال: " لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض ".
وجاء في كتاب مثير الأحزان لابن نما الحلي - ص 13 – 15 نفس الخبر الذي أورده الشيخ المفيد ونصه كالتالي:
فلما مات معاوية بن أبي سفيان (لع) في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة واستخلف ولده يزيد (لع) فبايع الناس على بيعة عامله بالمدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان واتاه بموته مولى معاوية يقال له ابن أبي زريق وكتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصة على الحسين ويقول إن امتنع عليك فاضرب عنقه وابعث برأسه إلي فأحضره لمروان بن الحكم واخذ رأيه فأشار باحضار الحسين وعبد الله ابن الزبير وعبد الله بن مطيع وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر واخذ بيعتهم فان أجابوا وإلا فاضرب أعناقهم فقال الوليد ليتني لم أك شيئا مذكورا لقد امرتني بأمر عظيم وما كنت لافعل ثم بعث الوليد إليهم فلما حضر رسوله قال الحسين للجماعة أظن أن طاغيتهم هلك رأيت البارحة أن منبر معاوية منكوس وداره تشتعل بالنيران فدعاهم إلى الوليد فحضروا فنعى إليهم معاوية وأمرهم بالبيعة فبدرهم بالكلام عبد الله بن الزبير فخافه ان يجيبوا بما لا يريد فقال إنك وليتنا فوصلت أرحامنا وأحسنت السيرة فينا وقد علمت أن معاوية أراد منا البيعة ليزيد فأبينا ولسنا (نأمن) أن يكون في قلبه علينا ومتى بلغه انا لم نبايع إلا في ظلمة ليل وتغلق علينا بابا لم ينتفع هو بذلك ولكن تصبح وتدعو الناس وتأمرهم ببيعة يزيد ونكون أول من يبايع قال وانا انظر إلى مروان وقد أسر إلى الوليد ان اضرب رقابهم ثم قال جهرا لا تقبل عذرهم واضرب رقابهم فغضب الحسين وقال ويلي عليك يا بن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت ولؤمت نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس ومثلي لا يبايع لمثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة فقال الوليد انصرف يا أبا عبد الله مصاحبا على اسم الله وعونه حتى تغدو علي فلما ولوا قال مروان بن الحكم والله لئن فارقك القوم لا قدرت عليهم حتى تكثروا القتلى فخرجوا من عنده وركبوا ولحقوا بمكة وتخلف الحسين فلما أصبح الوليد استدعى مروان وأخبره فقال أمرتك فعصيتني وستري ما يصير أمرهم إليه فقال ويحك انك أشرت إلي بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب ان ملك الدنيا لي وانى قتلت حسينا والله ما أظن أن أحدا يلقى الله بدمه إلا هو خفيف الميزان فلما أصبح الحسين لقيه مروان فقال أطعني ترشد قال قل قال بايع أمير المؤمنين يزيد فهو خير لك في الدارين فقال الحسين وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ولقد سمعت جدي يقول الخلافة محرمة على آل أبي سفيان وكان توجه الحسين إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين من الهجرة ورويت لما بلغ أهل الكوفة موت معاوية وان الحسين (ع). جاء في كتاب (عين العبرة في غبن العترة) للسيد أحمد آل طاووس - ص 66 – 67 ما يلي:
واما عداوة ولده مروان لأهل هذا البيت فبين وهو الذي أشار إلى الوليد بن عتبة بالتضييق على الحسين صلوات الله عليه في البيعة ليزيد بالازدراء في ترك ذلك إليه ثم عداوة أبي سفيان بن حرب لرسول الله صلى الله عليه وآله ثم عداوة هند بنت عتبة زوجة أبو سفيان أم معاوية ثم عداوة معاوية لأمير المؤمنين وقبل ذلك دعاء الرسول صلى الله عليه وآله ما أسلفت على معاوية ثم عداوة جد معاوية عتبة بن ربيعة لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى قتل ببدر بسيوف الهاشميين أمير المؤمنين وجماعته على ما مضى ثم عداوة شيبة اخى جد معاوية لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى قتل ببدر بيد الهاشميين أيضا ثم عداوة الوليد خاله حتى قتل بسيف علي أمير المؤمنين مغوار الجماعة المشار إليهم صلى الله عليهم ثم عداوة أخيه حنظلة لرسول الله حتى قتل على عداوته وبغضه بيد أمير المؤمنين عليه السلام ثم عداوة يزيد بن معاوية للحسين صلوات الله عليه حتى انتهت الحال إلى ما انتهت الهى ثم عداوة عقبة بن أبي معيط لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى روى الرواة في ذلك أنه كان يطأ عنقه الشريف بقدمه فلا يرفعها حتى يظن رسول الله صلى الله عليه وآله ان عيينة قد سقطتا حتى قتله الله بيد أمير المؤمنين عليه السلام ثم عداوة الوليد بن عقبة هذا لأمير المؤمنين عليه السلام ونزول الكتاب المجيد فيه بأنه من الفاسقين وهذا أخو عثمان لامه موليه الولايات مقدمه على الأقطار والجهات وهو الذي كتب إلى معاوية على ما يقع عندي لما أراد مصالحة أمير المؤمنين صلوات الله عليه مسلما حقه إليه فإنك والكتاب إلى علي * كدابغة وقد حلم الأديم ففتاه عن رابه وجرت الفتن وسفكت الدماء بين الفريقين بواسطة بغضته وسؤانحانه ثم عداوة عبد الله بن أبي سرح أخي عثمان من الرضاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وردته بعد الاسلام قاصدا بالتكذيب عليه والإشارة بالقص الهى هذا بعض من كل وجزء ذو قل إذا العدد الذين شينوا هذا البيت الهاشمي بنو أمية لا يقع عليهم حصر الأقلام ولا نحوي بهم حصون الافهام قال عبد الله بن إسماعيل اعتبر هذه البغضة وتبينها نجدهم فيها حائدين عن الطريق اللاحب حاصلين بالقدح الخائب محاربين للصفوة صلوات الله عليهم عن التمسك بحبل الله المتين دافع لهم عن السبيل الواضح المستبين وانظر إلى القبيل الهاشمي لتعرف الفارق بين القبيلتين والمائز بين الفئتين وما يستوي البحران هذا مكدر أجاج وهذا طيب الطعم سايغ .
« إبراهيم بن مالك بن الحارث الأشتر النخعي»
قال سماحة السيد محسن الأمين في ترجمة إبراهيم بن مالك في كتابه أعيان الشيعة...
من هو إبراهيم ؟
قتل إبراهيم سنة 71 وفي مرآة الجنان 72 مع مصعب بن الزبير وهو يحارب عبد الملك بن مروان وقبره قرب سامراء مزور معظم وعليه قبة .
والنخعي بفتحتين نسبة إلى النخع قبيلة باليمن وهم من مذحج ويأتي في إبراهيم بن يزيد النخعي الكلام عليهم بابسط من هذا. كان إبراهيم فارسا شجاعا شهما مقداما رئيسا عالي النفس بعيد الهمة وفيا شاعرا فصيحا مواليا لأهل البيت (ع).
كما كان أبوه متميزا بهذه الصفات ومن يشابه أبا فما ظلم وفي مرآة الجنان كان سيد النخع وفارسها انتهى وكان مع أبيه يوم صفين مع أمير المؤمنين (ع) وهو غلام وأبلى فيها بلاء حسنا وبه استعان المختار حين ظهر بالكوفة طالبا بثار الحسين (ع) وبه قامت إمارة المختار وثبتت أركانها وكان مع مصعب بن الزبير وهو يحارب عبد الملك فوفى له حين خذله أهل العراق وقاتل معه حتى قتل وقال مصعب بعد قتله حين رأى خذلان أهل العراق له يا إبراهيم ولا إبراهيم لي اليوم.
حربه يوم صفين:
روى نصر بن مزاحم المنقري في كتاب صفين ان معاوية اخرج عمرو بن العاص يوم صفين في خيل من حمير كلاع ويحصب إلى الأشتر فلقيه الأشتر أمام الخيل فلما عرف عمرو انه الأشتر جبن واستحيا أن يرجع فلما غشيه الأشتر بالرمح راع منه عمرو ورجع راكضا إلى المعسكر ونادى غلام شاب من يحصب يا عمرو عليك العفا ما هبت الصبا يا لحمير ابلغوني اللواء فاخذه وهو يقول:
إن يك عمرو قد علاه الأشتر... بأسمر فيه سنان أزهر
فذاك الله لعمري مفخر يا عمرو يكفيك الطعان iiحمير
واليحصبي بالطعان أمهر دون اللواء اليوم موت iiاحمر
فنادى الأشتر إبراهيم ابنه خذ اللواء فغلام لغلام فتقدم إبراهيم وهو يقول:
يا أيها السائل عني لا ترع أقدم فاني من عرانين iiالنخع كيف ترى طعن العراقي iiالجذع أطير في يوم الوغى ولا iiأقع ما ساءكم سر وما ضركم نفع أعددت ذا اليوم لهول المطلع
وحمل على الحميري فالتقاه الحميري بلوائه ورمحه ولم يبرحا يطعن كل واحد منهما صاحبه حتى سقط الحميري قتيلا .
خبره مع المختار:
كان أصحاب المختار قالوا له إن أجابنا إلى أمرنا إبراهيم بن الأشتر رجونا القوة على عدونا فإنه فتى رئيس وابن رجل شريف له عشيرة ذات عز وعدد فخرجوا إلى إبراهيم ومعهم الشعبي وسألوه مساعدتهم وذكروا له ما كان أبوه عليه من ولاء علي وأهل بيته فأجابهم إلى الطلب بدم الحسين (ع) على أن يولوه الأمر فقالوا له أنت أهل لذلك ولكن المختار قد جاءنا من قبل محمد بن الحنفية.
فسكت ثم جاءه المختار في جماعة فيهم الشعبي وأبوه فقال له المختار هذا كتاب من المهدي محمد بن علي أمير المؤمنين وهو خير أهل الأرض اليوم وابن خير أهلها بعد الأنبياء والرسل وكان الكتاب مع الشعبي فدفعه إليه فإذا فيه من محمد المهدي إلى إبراهيم بن مالك الأشتر إني قد بعثت إليكم وزيري وأميني وأمرته بالطلب بدماء أهل بيتي فانهض معهم بنفسك وعشيرتك ولك أعنة الخيل وكل مصر ومنبر ظهرت عليه فيما بين الكوفة وأقصى الشام...
فقال إبراهيم قد كتب إلي ابن الحنفية قبل هذا فلم يكتب إلا باسمه واسم أبيه قال المختار إن ذلك زمان وهذا زمان.
قال فمن يعلم أن هذا كتابه فشهد جماعة إلا الشعبي فتأخر إبراهيم عن صدر الفراش واجلس المختار عليه وبايعه فلما خرجوا قال إبراهيم للشعبي رأيتك لم تشهد أنت ولا أبوك فقال هؤلاء سادة القراء ومشيخة المصر ولا يقول مثلهم الا حقا .
بداية التدبير وقتال الظالمين:
وبلغ عبد الله بن مطيع أمير الكوفة من قبل ابن الزبير أن المختار يريد الخروج عليه في تينك الليلتين فبعث العساكر ليلا سنة 66 إلى الجبانات الكبار بالكوفة...
وبعث صاحب شرطته اياس بن مضارب في الشرط فأحاط بالسوق والقصر وخرج إبراهيم تلك الليلة بعد ما صلى بأصحابه المغرب في مائة دارع قد لبسوا الأقبية فوق الدروع يريد المختار فقال له أصحابه تجنب الطريق فقال والله لامرن وسط السوق بجنب القصر ولأرعبن عدونا ولأرينهم هوانهم علينا فسار على باب الفيل وهو من أبواب المسجد الأعظم وقصر الامارة بجانب المسجد فلقيهم اياس في الشرط فقال من أنتم قال انا إبراهيم بن الأشتر قال ما هذا الجمع الذي معك ولست بتاركك حتى آتي بك الأمير قال إبراهيم خل سبيلنا فامتنع ومع اياس رجل من همدان اسمه أبو قطن وكان اياس يكرمه وهو صديق إبراهيم فقال له إبراهيم ادن مني فدنا ظانا انه يريد ان يستشفع به عند اياس فاخذ إبراهيم منه الرمح وطعن به اياسا في ثغرة نحره فصرعه وأمر رجلا فقطع رأسه وانهزم أصحابه واقبل إبراهيم إلى المختار فأخبره ففرح بذلك وقال هذا أول الفتح.
وخرج إبراهيم وأصحابه فلقيتهم جماعة فحمل عليهم إبراهيم فكشفهم وهو يقول اللهم انك تعلم إنا غضبنا لأهل بيت نبيك ثرنا لهم على هؤلاء القوم ثم حمل على جماعة آخرين فهزمهم حتى أخرجهم إلى الصحراء ثم رجع إلى المختار فوجد القتال قد نشب بينه وبين أصحاب ابن مطيع فلما علم أصحاب ابن مطيع بمجئ إبراهيم تفرقوا وخرج المختار بأصحابه ليلا إلى دير هند حتى اجتمع عنده ثلاثة آلاف.
وجمع ابن مطيع أصحابه من الجبانات ووجههم إلى المختار فبعث المختار إبراهيم في سبعمائة فارس وستمائة راجل وبعث نعيم بن هبيرة أخا مصقلة في تسعمائة وذلك بعد صلاة الصبح فقتل نعيم وأسر جماعة من أصحابه ومضى إبراهيم فلقيه راشد بن اياس في أربعة آلاف فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل راشد وانهزم أصحابه.
حملة إبراهيم على شبث بن ربعي:
واقبل إبراهيم نحو المختار وشبث بن ربعي محيط به فحمل عليهم إبراهيم فانهزموا وبعث المختار إبراهيم أمامه وخرج ابن مطيع فوقف بالكناسة وأرسل العساكر ليمنعوا المختار من دخول الكوفة ودنا إبراهيم من ابن مطيع فامر أصحابه بالنزول وقال لا يهولنكم أن يقال جاء آل فلان وآل فلان فان هؤلاء لو وجدوا حر السيوف لانهزموا انهزام المعزى من الذئب ثم حمل عليهم فانهزموا ودخل ابن مطيع القصر فحاصره إبراهيم ثلاثا فخرج منه ليلا ونزله إبراهيم ودخله المختار فبات فيه وأرسل إلى ابن مطيع مائة ألف درهم وقال تجهز بها وبايعه أهل الكوفة على كتاب الله وسنة رسوله والطلب بدماء أهل البيت وفرق العمال.
وكان عبيد الله بن زياد قد هرب بعد موت يزيد إلى الشام وجاء بجيش إلى الموصل فأرسل إليه المختار يزيد بن انس في ثلاثة آلاف فلقي مقدمة أهل الشام فهزمهم واخذ عسكرهم ومات من مرض به فعاد أصحابه إلى الكوفة لما علموا انه لا طاقة لهم بعسكر ابن زياد فأرسل المختار إبراهيم بن الأشتر في سبعة آلاف وأمره ان يرد جيش يزيد معه فلما خرج إبراهيم طمع أشراف أهل الكوفة في المختار واجمع رأيهم على قتاله فجعل يخادعهم ويعدهم بكل ما يطلبون فلم يقبلوا ووثبوا به فأرسل قاصدا مجدا إلى إبراهيم يأمره بالرجوع وامر أصحابه بالكف عنهم واجتهد في مخادعتهم فوصل الرسول إلى إبراهيم بساباط المدائن فسار ليلته كلها ثم استراح حتى امسى وسار ليلته كلها ثم استراح حتى امسى وسار ليلته كلها ويومه إلى العصر فبات في المسجد واشتد القتال ومضى ابن الأشتر إلى مضر فهزمهم واستقام أمر الكوفة للمختار .
قتل قتلة الحسين (ع):
وتجرد لقتل قتلة الحسين (ع) ثم سار إبراهيم بعد يومين لقتال ابن زياد وكان قد سار في عسكر عظيم من الشام فبلغ الموصل وملكها فنزل إبراهيم قريبا منه على نهر الخازر ولم يدخل عينه الغمض حتى إذا كان السحر الأول عبى أصحابه وكتب كتابه وامر أمراءه فلما انفجر الفجر صلى الصبح بغلس ثم خرج فصف أصحابه ونزل يمشي ويحرض الناس حتى أشرف على أهل الشام فإذا هم لم يتحرك منهم أحد وسار على الرايات يحثهم ويذكرهم فعل ابن زياد بالحسين وأصحابه وأهل بيته من القتل والسبي ومنع الماء وتقدم إليه وحملت ميمنة أهل الشام على ميسرة إبراهيم فثبتت لهم وقتل أميرها فاخذ الراية آخر فقتل وقتل معه جماعة وانهزمت الميسرة فاخذ الراية ثالث ورد المنهزمين فإذا إبراهيم كاشف رأسه ينادي:
أي شرطة الله أنا ابن الأشتر إن خير فراركم كراركم ليس مسيئا من اعتب.
وقعة خازر:
وحملت ميمنة إبراهيم على ميسرة ابن زياد رجاء أن ينهزموا لان أميرها كان قد وعد إبراهيم ذلك لأنه وقومه كانوا حاقدين على بني مروان من وقعة مرج راهط فلم ينهزموا أنفة من الهزيمة فقال إبراهيم لأصحابه :
اقصدوا هذا السواد الأعظم فو الله لئن هزمناه لا نجفل من ترون يمنة ويسرة انجفال طير ذعرت فمشى أصحابه إليهم فتطاعنوا ثم صاروا إلى السيوف والعمد وكان صوت الضرب بالحديد كصوت القصارين.
قتل بن زياد على يدي إبراهيم:
وكان إبراهيم يقول لصاحب رايته انغمس فيهم فيقول ليس لي متقدم فيقول بلى فإذا تقدم شد إبراهيم بسيفه فلا يضرب رجلا إلا صرعه وحمل أصحابه حملة رجل واحد فانهزم أصحاب ابن زياد فقال إبراهيم إني ضربت رجلا تحت راية منفردة على شاطئ نهر الخازر فقددته نصفين فشرقت يداه وغربت رجلاه وفاح منه المسك وأظنه ابن مرجانة فالتمسوه فإذا هو ابن زياد فوجدوه كما ذكر قطع رأسه وأحرقت جثته.
وقتل في هذه الوقعة من أصحاب ابن زياد:
ـ الحصين بن نمير السكوني
ـ وشرحبيل بن ذي الأكلاع الحميري.
ولما انهزم أصحاب ابن زياد تبعهم أصحاب إبراهيم فكان من غرق أكثر ممن قتل وأنفذ إبراهيم عماله إلى نصيبين وسنجار ودارا وقرقيسيا وحران والرها وسميساط وكفر توثا وغيرها وأقام هو بالموصل وقال سراقة البارقي يمدح إبراهيم بن الأشتر:
اتاكم غلام من عرانين iiمذحج جرئ على الأعداء غير نكول جزى الله خيرا شرطة الله انهم شفوا من عبيد الله حر غليلي
وقال عبد الله بن الزبير الأسدي بفتح الزاي وقيل عبد الله بن عمرو الساعدي يمدح إبراهيم ويذكر الوقعة:
الله أعطاك المهابة iiوالتقى وأحل بيتك في العديد iiالأكثر وأقر عينك يوم وقعة iiخازر والخيل تعثر بالقنا iiالمتكسر من ظالمين كفتهم iiآثامهم تركوا لعافية وطير iiحسر ما كان أجرأهم جزاهم iiربهم شر الجزاء على ارتكاب المنكر
وفي الأغاني بسنده عن الهيثم بن عدي ان عبد الله بن الزبير الأسدي اتى إبراهيم بن الأشتر فقال اني قد مدحتك بأبيات فاسمعهن قال إني لست أعطي الشعراء قال اسمعها مني وترى رأيك فقال هات إذن فانشده البيتين الأولين وبعدهما:
اني مدحتك إذ نبا بي منزلي وذممت اخوان الغنى من معشري وعرفت انك لا تخيب iiمدحتي ومتى أكن بسبيل خير iiأشكر فهلم نحوي من يمينك iiنفحة ان الزمان ألح يا ابن الأشتر
فقال كم ترجو أن أعطيك قال ألف درهم فأعطاه عشرين ألفا.
قال هذا مع أن عبد الله بن الزبير هذا كان من شيعة بني أمية وذوي الهوى فيهم والتعصب لهم أقول ولكن قد نسب إليه رثاء في الحسين (ع) مما يدل على خلاف ذلك ويشبه أن يكون وقع من المؤرخين خلط بين أبيات الأسدي والساعدي لاتحاد الوزن والقافية ومثله قد وقع منهم كثيرا والله أعلم وقال يزيد بن المفرع الحميري يهجو ابن زياد ويذكر مقتله:
إن الذي عاش ختارا iiبذمته وعاش عبدا قتيل الله iiبالزاب العبد للعبد لا أصل ولا طرف ألوت به ذات أظفار وأنياب ان المنايا إذا ما زرن iiطاغية هتكن عنه ستورا بين أبواب هلا جموع نزار إذ لقيتهم كنت امرأ من نزار غير iiمرتاب لا أنت زاحمت عن ملك iiفتمنعه ولا مددت إلى قوم بأسباب ما شق جيب ولا ناحتك iiنائحة ولا بكتك جياد عند iiاسلاب لا يترك الله انفا تعطسون iiبها بين العبيد شهودا غير غياب أقول بعدا وسحقا عند iiمصرعه لابن الخبيثة وابن الكودن الكابي
رحيل المختار:
ثم إن مصعب بن الزبير خرج من البصرة إلى المختار فقتله بعد حرب شديدة وأقر إبراهيم بن الأشتر على ولاية الموصل والجزيرة ثم إن عبد الملك بن مروان سار إلى العراق بجيش لحرب مصعب فاحضر مصعب إبراهيم من الموصل وجعله على مقدمته والتقى العسكران بمسكن من أرض العراق وكان أشراف العراق قد كاتبوا عبد الملك فكتب إلى من كاتبه ومن لم يكاتبه وكتب إلى إبراهيم فكلهم اخفى كتابه إلا إبراهيم فجاء به مختوما إلى مصعب ففتحه فإذا فيه انه يدعوه إلى نفسه ويجعل له ولاية العراق.
غدر أهل العراق و استشهاد إبراهيم الأشتر:
فقال له إبراهيم انه كتب إلى أصحابك كلهم مثل ما كتب إلي فأطعني واضرب أعناقهم فأبى فقال احبسهم فأبى وقال رحم الله الأحنف إن كان ليحذرني غدر أهل العراق ويقول هم كمن تريد كل يوم بعلا وقدم عبد الملك أخاه محمدا وقدم مصعب إبراهيم بن الأشتر فقتل صاحب لواء محمد وجعل مصعب يمد إبراهيم فأزال محمدا عن موقفه وأمد إبراهيم بعتاب بن ورقاء فساء ذلك إبراهيم وقال قد قلت له لا تمدني بأمثال هؤلاء فانهزم عتاب وكان قد كاتب عبد الملك وصبر إبراهيم فقاتل حتى قتل وحمل رأسه إلى عبد الملك.
وانهزم أهل العراق عن مصعب حتى قتل وقيل إنه سأل عن الحسين (ع) كيف امتنع عن النزول على حكم ابن زياد فأخبر فقال متمثلا بقول سليمان بن قتة:
فان الأولى بالطف من آل هاشم تأسوا فسنوا للكرام iiالتأسيا
وقال يزيد بن الرقاع العاملي أخو عدي بن الرقاع وكان شاعر أهل الشام:
نحن قتلنا ابن الحواري iiمصعبا أخا أسد والمذحجي iiاليمانيا ومرت عقاب الموت منا لمسلم فاهوت له طير فأصبح ثاويا
المذحجي هو ابن الأشتر ومسلم هو ابن عمرو الباهلي وكان على ميسرة إبراهيم بن الأشتر.
وفي الأغاني ان إبراهيم بن الأشتر بعث إلى أبي عطاء السندي ببيتين من شعر وسأله أن يضيف إليهما بيتين وهما:
وبلدة يزدهي الجنان iiطارقها قطعتها بكناز اللحم iiمعتاطه وهنا وقد حلق النسران أو كربا وكانت الدلو بالجوزاء iiحتاطه
فقال أبو عطاء:
فانجاب عنها قميص الليل فابتكرت تسير كالفحل تحت الكور لطاطه في أينق كلما حث الحداة iiلها بدت مناسمها هوجاء iiخطاطه
وعرف لإبراهيم من الأولاد ولدان. النعمان ومالك...
« رفاعة بن شداد البجلي»
ننقل لكم ما أورده سماحة السيد محسن الأمين في ترجمة رفاعة بن شداد في كتابه أعيان الشيعة مع شيء من التصرف، وهو كالتالي:
من هو رفاعة بن شداد ؟
يعد رفاعة بن شداد رحمه الله من التابعين وقد عده الشيخ في رجاله من أصحاب علي وابنه الحسن (ع).
قتل سنة 66 مع المختار طلبا بالثار الحسين (ع).
وكان من التوابين من رؤسائهم حضر يوم عين الوردة ولم يقتل ورجع بالناس لما رأى أنه لا قبل لهم بأهل الشام كما يأتي وكان قد حضر الصلاة على أبي ذر الغفاري مع مالك بن الحارث الأشتر بالزبدة .
وفي رواية الكشي عن أبي ذر أنه قال لزوجته أن رسول الله (ص) اخبرني أني أموت بأرض غربة وأنه يلي غسلي ودفني والصلاة على رجال من أمتي صالحون فولي ذلك منه جماعة فيهم مالك الأشتر وعبد الله بن فضل التميمي ورفاعة بن شداد البجلي.
وكان مع علي أمير المؤمنين (ع) يوم الجمل وانشد يومئذ برواية ابن شهرآشوب في المناقب:
ان الذين قطعوا iiالوسيلة ونازعوا عليا الفضيلة
في حربه كالنعجة الأكيلة
وكان معه بصفين ولما عقد أمير المؤمنين (ع) الألوية وأمر الأمراء وكتب الكتائب يوم صفين جعله على قبيلته بجيلة .
قال نصر في كتاب صفين وقال أيضا (ص 163) انه لما رفعت المصاحف قال رفاعة ابن شداد:
أيها الناس انه لا يفوتنا شئ من حقنا وقد دعونا في آخر أمرنا إلى ما دعوناهم إليه في أوله فان يتم الأمر على ما نريد وإلا آثرناها جذعة وقال في ذلك:
تطاول ليلي للهموم iiالحواضر وقتلى أصيبت من رؤوس المعاشر بصفين أمست والحوادث iiجمة يهيل عليك الترب ذيل iiالأعاصر فان يك أهل الشام نالوا iiسراتنا فقد نيل منهم مثل جزرة iiجازر وقام سجال الدمع بنا iiومنهم يبكين قتلى غير ذات مقابر وما ذا علينا ان نريح iiنفوسنا إلى سنة من بيضنا والمغافر ومن نصبنا وسط العجاج iiجباهنا لوقع السيوف المرهفات البواتر وطعن إذا نادى المنادي ان iiركبوا صدور المذاكي بالرماح الشواجر فان حكما بالحق كان iiسلامة ورأي وكانا منه في شؤم iiثائر
ولكن ابن شهر آشوب في المناقب أورد هذا البيت هكذا:
فان حكموا بالعدل كانت سلامة وإلا أثرناها بيوم iiقماطر
وهذا يدل على أنه قد مال إلى الموادعة وانطلت عليه الحيلة.
قال ابن الأثير في حوادث سنة 51 أنه لما قتل معاوية حجر بن عدي خرج عمرو بن الحمق حتى أتى الموصل ومعه رفاعة بن شداد فاختفيا بجبل هناك فرفع خبرهما إلى عامل الموصل فسار إليهما فخرجا فأما عمرو فكان قد استسقى بطنه ولم يكن عنده امتناع وأما رفاعة فكان شابا قويا فركب فرسه يقاتل عن عمرو فقال له عمرو وما ينفعني قتالك عني انج بنفسك فحمل عليهم فأفرجوا فنجا وكان رفاعة ممن كاتب الحسين (ع) من شيعة الكوفة.
خبره في الطلب بثار الحسين (ع) في مروج الذهب:
في سنة 65 تحركت الشيعة بالكوفة وتلاقوا بالتلاوم والتندم حين قتل الحسين فلم يغيثوه ورأوا أنهم قد أخطأوا خطا كبيرا وأنه لا يغسل عنهم ذلك الجرم الا قتل من قتله أو القتل فيه ففزعوا إلى خمسة نفر منهم سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة الفزاري وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي وعبد الله بن وال التميمي ورفاعة بن شداد البجلي اه.
وكان رفاعة من رؤسائهم ومن خيار أصحاب علي بنص ابن الأثير ومن رؤسائهم المسيب بن نجبة فقام المسيب فخطبهم وقال في آخر خطبته ولوا عليكم رجلا منكم فإنه لا بد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفون بها وقام رفاعة بن شداد:
أما بعد فان الله قد هداك لأصوب القول وبدأت بأرشد الأمور بدعائك إلى جهاد القاسطين وإلى التوبة من الذنب العظيم فمسموع منك مستجاب إلى قولك وقلت ولوا أمركم رجلا تفزعون إليه وتحفون برايته وقد رأينا مثل الذي رأيت فان تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيا وفينا منتصحا وفي جماعتنا محبوبا وإن رأيت ورأى أصحابنا ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة وصاحب رسول الله (ص) وذا السابقة والقدم سليمان ابن صرد الخزاعي المحمود في بأسه ودينه الموثوق بحزمه .
ثورة سليمان بن صرد ورحيله (رحمه الله):
ولما التقوا مع أهل الشام واشتد القتال وقتل سليمان وجماعة بقيت الراية ليس عندها أحد فنادوا عبد الله بن وال فإذا هو قد اصطلى الحرب في عصابة معه فحمل رفاعة بن شداد فكشف أهل الشام عنه فأتى واخذ الراية ثم قتل فاتوا رفاعة بن شداد وقالوا لتأخذ الراية فقال ارجعوا بنا لعل الله يجمعنا ليوم شرهم فقال له عبد الله بن عوف بن الأحمر هلكنا والله إذا لئن انصرفنا ليركبن أكتافنا فلا نبلغ فرسخا حتى نهلك هذه الشمس قد قاربت الغروب فنقاتلهم على خيلنا فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا وسرنا فقال رفاعة نعم ما رأيت واخذ الراية وقاتلهم قتالا شديدا فلما أمسوا رجع أهل الشام إلى معسكرهم ونظر رفاعة إلى كل رجل قد عقر به فرسه وجرح فدفعه إلى قومه ثم سار بالناس ليلته فلما أصبح أهل الشام لم يجدوا لهم أثرا فلم يتبعوهم .
رواية المسعودي عن ثورة التوابين:
هذه رواية ابن الأثير أما المسعودي فإنه قال في مروج الذهب لما علم من بقى من التوابين انه لا طاقة لهم بمن بإزائهم من أهل الشام انحازوا عنهم وارتحلوا وعليهم رفاعة بن شداد البجلي وتأخر أبو الحويرث العبدي في حامية الناس وطلب منهم أهل الشام المكافة والمتاركة لما رأوا من بأسهم وصبرهم مع قلتهم فلحقوا ببلادهم .
رجوع رفاعة إلى الكوفة:
قال ابن الأثير وسار رفاعة وأصحابه حتى أتوا قرقيسيا فعرض عليهم زفر الإقامة فأقاموا ثلاثا فأضافهم ثم زودهم ثم ساروا إلى الكوفة ولما بلغ رفاعة الكوفة كان المختار محبوسا فأرسل إليهم يمدحهم ويقول إنه هو الذي يقتل الجبارين وفي حوادث سنة 66 أنه أرسل إليهم كتابا من الحبس يثني عليهم ويمنيهم الظفر وكان ممن قرأ كتابه رفاعة بن شداد .
خبر رفاعة مع المختار:
ولما خرج المختار كان رفاعة ممن قاتل معه ولما اجتمع أهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلوات فكره كل رأس من أهل اليمن أن يتقسمه صاحبه فقال لهم عبد الرحمن ابن مخنف هذا أول الاختلاف قدموا الرضا فيكم سيد القراء رفاعة بن شداد البجلي ففعلوا فلم يزل يصلي بهم حتى كانت الوقعة.
ولما خرجوا إلى جبانة السبيع نادوا يا لثارات الحسين فسمعها يزيد بن عمير بن ذي مران الهمداني فقال يا لثارات عثمان فقال لهم رفاعة بن شداد ما لنا ولعثمان لا أقاتل مع قوم يبغون دم عثمان فقال له ناس من قومه جئت بنا وأطعناك حتى إذا رأينا قومنا تأخذهم السيوف قلت انصرفوا ودعوهم فعطف عليهم وهو يقول:
أنا ابن شداد على دين علي لست لعثمان بن أروى بولي لأصلي اليوم فيمن iiيصطلي بحر نار الحرب غير مؤتلي
فقاتل حتى قتل رحمه الله...
« سليمان بن صرد الخزاعي »
وردت في كتب التاريخ والرجال تراجم عدة لشخصية سليمان بن صرد الخزاعي، حيث ذكره الشيخ الطبسي في كتابه (رجال الشيعة في أسانيد السنة)، وذكره آية الله الإمام الخوئي في (معجم الرجال الحديث)، وذكر السيد محسن الأمين تفصيلاً عن سليمان وثورته في كتابه (أعيان الشيعة)، وقد جمعنا هذه التراجم التي وردت ونقلناها لكم مع شيء من التصرف لكي تعم الفائدة:
أولا: قال سماحة الشيخ محمد جعفر الطبسي في ترجمة سليمان بن صرد في كتابه (رجال الشيعة في اسانيد السنة):
سليمان بن صرد
1 - شخصيته ووثاقته:
قال الذهبي: سليمان بن صرد الأمير أبو مطرف الخزاعي الكوفي الصحابي... كان دينا عابدا، خرج في جيش تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين الشهيد... (1) وقال ابن الأثير: وكان خيرا فاضلا له دين وعبادة، سكن الكوفة أول ما نزلها المسلمون، وكان له قدر وشرف في قومه، وشهد مع علي بن أبي طالب مشاهده كلها (2).
2 - تشيعه:
قال الذهبي: من شيعة علي ومن كبار أصحابه (3).
3 - طبقته ورواياته:
قال المزي: روى عن: النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الكتب الستة، وعن أبي بن كعب في أبي داود وعمل اليوم والليلة، وجبير بن مطعم في البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة، والحسن بن علي بن أبي طالب، وأبيه علي بن أبي طالب. روى عنه: تميم بن سلمة، وشقير العبدي، وشمر، وضبثم الضبي، وعبد الله بن يسار الجهني في النسائي، وعدي بن ثابت في البخاري ومسلم وأبي داود وعمل اليوم والليلة، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي في الكتب الستة، وأبو الضحى مسلم بن صبيح، ويحيى بن يعمر في أبي داود، وأبو حنيفة والد عبد الأكرم بن أبي حنيفة في ابن ماجة، وأبو عبد الله الجدلي (4).
4 - رواياته في الكتب الستة:
صحيح البخاري (5)، ومسلم (6)، وسنن أبي داود (7)، وابن ماجة (8)، والترمذي (9)، والنسائي (10).
5 ـ ترجمته في رجال الشيعة: عده الشيخ الطوسي في أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإمام الحسن بن علي، والامام أمير المؤمنين (عليهما السلام) (11).
ثانيًا: نقل زعيم الحوزة العلمية آية الله السيد أبو القاسم الخوئي، في (معجم رجال الحديث) ما يلي:
سليمان بن صرد
هو من التابعين الكبار، ورؤسائهم، وزهادهم، حكاه الكشي عن الفضل ابن شاذان في ذيل ترجمة صعصعة بن صوحان، وتقدم كلامه في جندب بن زهير.
وعده الشيخ في رجاله:
- (تارة) في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله.
- (وأخرى) في أصحاب علي عليه السلام، قائلا: (سليمان بن صرد الخزاعي المتخلف عنه يوم الجمل المروي عن الحسن عليه السلام، أو المروي على لسانه كذبا في عذره في التخلف).
- (وثالثة) في أصحاب الحسن عليه السلام، قائلا: (سليمان بن صرد الخزاعي، أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله).
وعن ابن نما في شرح الثار أنه أول من نهض بعد قتل الحسين طالبا بثاره عليه السلام.
أقول: لا ينبغي الاشكال في جلالة سليمان بن صرد، وعظمته، لشهادة الفضل بن شاذان بذلك، وأما تخلفه عن أمير المؤمنين عليه السلام في وقعة الجمل فهو ثابت، ولعل ذلك كان لعذر أو بأمر من أمير المؤمنين عليه السلام، فإن ما روي عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم، عن أبي عبد الله سيف بن عمر، عن إسماعيل بن أبي عمرة، عن عبد الرحمان بن عبيد بن أبي الكنود، من عتاب أمير المؤمنين عليه السلام، وعذله سليمان بن صرد في قعوده عن نصرته بعد رجوعه عليه السلام من حرب الجمل لا يمكن تصديقه لان عدة من رواته لم تثبت وثاقتهم، على أنه لم يثبت كون هذا الكتاب عن نصر بن مزاحم بطريق معتبر، فلعل القصة مكذوبة عليه كما احتمله الشيخ - قدس سره .
ثم إن ما ذكره الشيخ - من كون سليمان بن صرد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله - لعله مأخوذ من بعض كتب العامة، وإلا فقد صرح الفضل بن شاذان بأنه من التابعين كما مر .
ثالثا: نقل سماحة السيّد محسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة) ترجمة سليمان مع ذكر مفصل لثورته –ثورة التوابين- وهي كالتالي:
سليمان بن صرد ترجمة سليمان:
- سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون بن منقذ بن ربيعة بن أصرم الخزاعي.
- من ولد كعب بن عمرو بن ربيعة وهو لحي بن حارثة بن عمرو بن عامر وهو ماء السماء عامر بن الغطريف والغطريف هو حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن .
- يكنى أبا المطرف.
- استشهد يوم عين الوردة من أرض الجزيرة طالبا بثار الحسين (ع) في ربيع الآخر سنة 65 من الهجرة.
- وكان عمره يوم قتل 93 سنة.
هكذا ساق نسبه صاحب الاستيعاب وقال وقد ثبت نسبه في خزاعة لا يختلفون فيه كان اسمه في الجاهلية يسارا فسماه رسول الله (ص) سليمان .
وفي أسد الغابة سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون بن منقذ بن ربيعة بن اصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وهو لحي الخزاعي وولد عمرو هم خزاعة، صرد بفتح الصاد وسكون الراء.
أقوال العلماء فيه:
في الاستيعاب: كان رضي الله عنه خيرا فاضلا له دين وعبادة وكان له سن عالية وشرف وقدر وكلمة في قومه .
وفي أسد الغابة: كان خيرا فاضلا له دين وعبادة.
وفي الإصابة: كان خيرا فاضلا وقال ابن سعد هو من الطبقة الثالثة من المهاجرين صحب رسول الله (ص) وكان له سن عالية وشرف في قومه.
وفي تاريخ بغداد: بسنده عن محمد بن جرير عن رجاله قال سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون وهو عبد العزى بن منقذ بن ربيعة بن اصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزبقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد أسلم وصحب النبي (ص) وكانت له سن عالية وشرف في قومه نزل الكوفة وورد المدائن وبغداد.
وقال الطبري في ذيل المذيل: وكانت له سن عالية وشرف في قومه وقال الحاكم في المستدرك وكانت له سن عالية وشرف في قومه .
أخباره:
كان مع علي (ع) بصفين وجعله على رجالة الميمنة وفي أسد الغابة شهد مع علي بن أبي طالب مشاهده كلها قال نصر خرج حوشب ذو ظليم يوم صفين وهو يومئذ سيد أهل اليمن فاقبل في جمعه وصاحب لوائه يقول:
نحن اليمانيون منا iiحوشب أي ذو ظليم أين منا المهرب فـينا الصفيح والقنا iiالمغلب والخيل أمثال الوشيج iiشرب إن الـعراق حـبلها iiمذبذب إن عـلـيا فـيكم iiمـحبب
فـي قتل عثمان وكل iiمذنب
فحمل عليه سليمان بن صرد الخزاعي وهو يقول:
يا لك يوما كاشفا عصبصبا يا لك يوما لا يواري iiكوكبا يـا أيها الحي الذي iiتذبذبا لسنا نخاف ذا ظليم iiحوشبا لأن فـينا بـطلا iiمـجربا ابـن بديل كالهزبر iiمغضبا أمـسى علي عندنا iiمحببا نـفديه بـالام ولا نبقي iiأبا
فطعن سليمان حوشبا فقتله وأتى سليمان بن صرد عليا أمير المؤمنين (ع) بعد كتاب الصحيفة بصفين ووجهه مضروب بالسيف فلما نظر إليه علي (ع) قال: (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) فأنت ممن ينتظر وممن لم يبدل .
فقال يا أمير المؤمنين اما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه الصحيفة أبدا.
وقال نصر في كتاب صفين: أيضا ان عقبة بن مسعود عامل علي على الكوفة كتب إلى سليمان بن صرد يوم صفين يوصيه بالصبر ويقول إنهم ان يظهروا عليكم الآية وقال ابن سعد لما قبض رسول الله (ص) تحول فنزل الكوفة وشهد مع علي (ع) الجمل وصفين.
خبر ثورة التوابين واستشهاد سليمان:
وكان من الذين كتبوا إلى الحسين ان يقدم الكوفة غير أنه لم يقاتل معه خوفا من ابن زياد، ثم قدم بعد قتل الحسين فجمع الناس فالتقوا بعين وردة وهي من اعمال قرقيسيا وعلى أهل الشام الحصين بن نمير فاقتتلوا فترجل سليمان فرماه الحصين بن نمير بسهم فقتله فوقع وقال فزت ورب الكعبة وقتل معه المسيب بن نجبة فقطع رأسيهما وبعث بهما إلى مروان بن الحكم.
وفي الاستيعاب سكن الكوفة وابتنى بها دارا في خزاعة وكان نزوله بها في أول ما نزلها المسلمون شهد مع علي صفين وهو الذي قتل حوشبا ذا ظلم الألهاني بصفين مبارزة .
خبر مقتله وامر التوابين في الاستيعاب:
كان فيمن كتب إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما يسأله القدوم إلى الكوفة فلما قدمها ترك القتال معه فلما قتل الحسين ندم هو والمسيب بن نجبة الفزاري وجميع من خذله .
ثم قالوا ما لنا مما فعلنا الا ان نقتل أنفسنا في الطلب بدمه فخرجوا فعسكروا بالنخيلة وذلك مستهل ربيع الآخر سنة 65 وولوا أمرهم سليمان بن صرد وسموه أمير التوابين.
ثم ساروا إلى عبيد الله بن زياد فلقوا مقدمته في أربعة آلاف عليها شرحبيل بن ذي الكلاع فاقتتلوا فقتل سليمان بن صرد والمسيب بموضع يقال له عين الوردة -وهو رأس عين-.
وقيل إنهم خرجوا إلى الشام في الطلب بدم الحسين فسموا التوابين وكانوا أربعة آلاف فقتل سليمان بن صرد رماه يزيد بن الحصين بن نمير بسهم فقتله وحمل رأسه ورأس المسيب بن نجبة إلى مروان بن الحكم وفي الشذرات يسمى جيشهم جيش التوابين وجيش السراة.
ما نقله ابن الأثير عن ثورة التوابين وسليمان بن صرد:
لما قتل الحسين ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة إلى الكوفة تلاقت الشيعة بالكوفة بالندامة والتلاوم ورأت ان قد أخطأت خطا كبيرا وانه لا يغسل عارهم والاثم عليهم الا قتل من قتله فاجتمعوا بالكوفة في منزل سليمان بن صرد إلى خمسة نفر من رؤساء الشيعة سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة الفزاري وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي وعبد الله بن وال النيمي تيم بكر بن وائل ورفاعة بن شداد البجلي وكانوا من خيار أصحاب علي.
فخطبهم المسيب وقال في آخر كلامه ان رأيتم ولينا هذا الأمر شيخ الشيعة وصاحب رسول الله (ص) وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد الخزاعي المحمود في بأسه ودينه الموثوق بحزمه وتكلم عبد الله بن سعد بنحو ذلك فخطبهم سليمان وقال في آخر خطبته الا انهضوا فقد سخط عليكم ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الا لا تهابوا الموت فما هابه أحد قط الا ذل وكونوا كبني إسرائيل إذ قال لهم ربهم انكم ظلمتم أنفسكم إلى قوله فاقتلوا أنفسكم أحدوا السيوف وركبوا الأسنة واعدوا لهم ما استطعتم من القوة ومن رباط الخيل. وقال خالد بن سعد بن نفيل انا أشهد كل من حضر ان كل ما أملكه سوى سلاحي صدقة أقوى به المسلمين على قتال الفاسقين وقال غيره مثل ذلك فقال سليمان حسبكم من أراد من هذا شيئا فليأت به عبد الله بن وال فإذا اجتمع عنده جهزنا به ذوي الحاجة.
وكتب سليمان إلى سعد بن حذيفة بن اليمان يعلمه بما عزموا عليه ويدعوه إلى مساعدتهم ومن معه من الشيعة بالمدائن فقرأ عليهم سعد الكتاب فأجابوا إلى ذلك وكتبوا إلى سليمان انهم على الحركة إليه والمساعدة له .
وكتب سليمان إلى المثنى بن مخرمة مخربة العبدي بالبصرة بمثل ذلك فاجابه المثنى انا موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت فكان أول ما ابتدأوا به أمرهم بعد قتل الحسين (ع) سنة 61.
فما زالوا بجمع آلة الحرب ودعاء الناس في السر إلى أن هلك يزيد بن معاوية سنة 64 فجاء إلى سليمان أصحابه وطلبوا الوثوب على عمرو بن حريث خليفة ابن زياد على الكوفة والطلب بثار الحسين فقال سليمان لا تعجلوا اني رأيت قتلة الحسين هم أشراف الكوفة وفرسان العرب ومتى علموا ما تريدون كانوا أشد الناس عليكم ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت انهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم وكانوا جزرا لعدوهم بثوا دعاتكم ففعلوا واستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد .
فلما مضت ستة أشهر بعد هلاك يزيد قدم المختار الكوفة وقد كان عبد الله بن يزيد الأنصاري أميرا على الكوفة من قبل ابن الزبير وكانوا قد بايعوا له فاخذ المختار يدعو إلى الطلب بثار الحسين وكان يقول يريد سليمان ان يخرج فيقتل نفسه ومن معه وقال عبد الله بن يزيد ان المختار وأصحابه يطلبون بدم الحسين فليخرجوا ظاهرين .
ثم إن أصحاب سليمان خرجوا يشترون السلاح ظاهرين ويتجهزون ثم إن المختار خرج إلى ابن الزبير فلما رأى أنه لا يواليه عاد إلى الكوفة واختلفت إليه الشيعة وسال عن سليمان بن صرد فأخبر خبره وانه على المسير وبعث إلى الشيعة وهم عند سليمان وقال لهم ان سليمان له بصر بالحرب ولا تجربة بالأمور وانما يريد ان يخرج بكم فيقتلكم ويقتل نفسه فاستمال بذلك طائفة من الشيعة وعظماء الشيعة مع سليمان لا يعدلون به أحدا وهو أثقل خلق الله على المختار.
ولما أراد سليمان الشخوص سنة 65 بعث إلى رؤوس أصحابه فأتوه فلما أهل ربيع الآخر خرج فلما اتى النخيلة دار في الناس فلم يعجبه عددهم فأرسل حكيم بن منقد الكندي والوليد بن عصير الكناني فناديا في الكوفة يا لثارات الحسين فكانا أول خلق الله دعيا بذلك فاتاه نحو مما في عسكره.
ثم نظر في ديوانه فوجدهم ستة عشر ألفا ممن بايعه فقال سبحان الله ما وافانا من ستة عشر ألفا الا أربعة آلاف فقيل له ان المختار يثبط الناس عنك وقد تبعه ألفان فقال وقد بقي عشرة آلاف وأقام بالنخيلة يبعث إلى من تخلف عنه فاتاه نحو من ألف فقام إليه المسيب بن نجبة فقال إنه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك الا من أخرجته المحبة فلا تنتظر أحدا وجد في أمرك قال نعم ما رأيت.
ثم قام سليمان في أصحابه فقال أيها الناس من كان خرج يريد بخروجه وجه الله والآخرة فذلك منا ونحن منه ومن كان انما يريد الدنيا فوالله ما يأتي فئ نأخذه وغنيمة نغنمها ما خلا رضوان الله وما معنا من ذهب ولا فضة ولا متاع ما هو الا سيوفنا على عواتقنا وزاد قدر البلغة فتنادى أصحابه من كل جانب انا لا نطلب الدنيا ثم قال عبد الله بن سعد بن نفيل لسليمان انا خرجنا نطلب بثار الحسين وقتلته كلهم بالكوفة منهم عمر بن سعد ورؤوس الأرباع والقبائل فأين نذهب من هنا وندع الأوتار وقال أصحابه كلهم هذا هو الرأي فقال سليمان ان الذي قتله وعبى الجنود إليه هذا الفاسق ابن الفاسق عبيد الله بن زياد فسيروا إليه على بركة الله فان يظفركم الله رجونا ان يكون من بعده أهون علينا منه ورجونا ان يدين لكم أهل مصركم في عافية فينظرون إلى كل من شرك في دم الحسين فيقتلونه وان تستشهدوا فإنما قاتلتم المحلين وما عند الله خير للأبرار ولو قاتلتم أهل مصركم ما عدم رجل ان يرى رجلا قتل أخاه وأباه وحميمه فاستخيروا الله وسيروا .
فجاءهم والي الكوفة وأمير خراجها وقالوا أقيموا معنا حتى نتهيا فإذا سار عدونا إلينا خرجنا إليه بجماعتنا وجعلا لسليمان وأصحابه خراج جوخى ان أقاموا فقال لهما سليمان قد محضتما النصيحة ونسأل الله العزيمة على الرشد ولا ترانا الا سائرين فقال الوالي أقيموا حتى نعبي معكم جيشا كثيفا وكان بلغهم ان عبيد الله بن زياد أقبل من الشام في جنود كثيرة .
فلم يقم سليمان وسار عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الآخر سنة 65 فوصل دار الأهواز وقد تخلف عنه ناس كثير فقال:
ما أحب ان لا يتخلفوا ولو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ان الله كره انبعاثهم فثبطهم وخصكم بفضل ذلك.
ثم ساروا فانتهوا إلى قبر الحسين فصاحوا صيحة واحدة فما رئي أكثر باكيا من ذلك اليوم وتابوا وأقاموا عنده يوما وليلة يبكون ويتضرعون وزادهم النظر إليه حنقا ثم ساروا بعد أن كان الرجل يعود إلى ضريحه كالمودع له فازدحم الناس عليه أكثر من ازدحامهم على الحجر الأسود.
ثم ساروا على الأنبار وكتب إليهم والي الكوفة ينهاهم عن المسير نصيحة ويطلب منهم الرجوع إلى الكوفة فكتب إليه سليمان يشكره ويثني عليه ويقول إن القوم استبشروا ببيعهم من ربهم وتابوا فقال الوالي استمات القوم والله ليموتن كراما مسلمين .
ثم ساروا حتى انتهوا إلى قرقيسيا على تعبية وبها زفر بن الحارث الكلابي قد تحصن بها خوفا منهم لأنه لم يعرفهم فلما عرفهم رحب بهم فطلبوا إليه ان يخرج لهم سوقا فأخرجه وبعث إليهم بخبز كثير وعلف ودقيق فاستغنوا عن السوق الا قليلا وخرج إليهم زفر يشيعهم وقال لسليمان قد سار خمسة أمراء من الرقة أحدهم عبيد الله بن زياد في عدد كثير مثل الشوك والشجر فان شئتم دخلتم قريتنا وكانت أيدينا واحدة.
فقال سليمان قد طلب أهل مصرنا ذلك منا فأبينا قال زفر فبادروهم إلى عين الوردة فاجعلوا المدينة في ظهوركم ويكون الرستاق والماء والمادة في أيديكم وما بيننا وبينكم فأنتم آمنون منه واطووا المنازل فوالله ما رأيت جماعة قط أكرم منكم ولا تقاتلوهم في فضاء فإنهم أكثر منكم وأوصاهم بوصايا كثيرة حربية مما دل على معرفته الكاملة بالحرب .
ثم ساروا مجدين فانتهوا إلى عين الوردة وأقاموا على مسيرة يوم وليلة فخطب سليمان أصحابه وذكر الآخرة ورغب فيها .
ثم قال إذا لقيتموهم فأصدقوهم القتال واصبروا ان الله مع الصابرين ولا يولهم امرؤ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ولا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا أسيرا من أهل دعوتكم الا ان يقاتلكم بعد أن تأسروه فان هذه كانت سيرة علي في أهل هذه الدعوة فان أنا قتلت فأمير الناس مسيب بن نجبة فان قتل فعبد الله بن سعد بن نفيل فان قتل فعبد الله بن وال فان قتل فرفاعة بن شداد رحم الله امرأ صدق ما عاهد الله عليه.
ثم بعث المسيب في أربعمائة فارس وقال له شن عليهم فان رأيت ما تحب والا رجعت فسار يومه وليلته ثم بث أصحابه في الجهات فجاءوه بأعرابي فسأله فقال أدنى عساكرهم منك على رأس ميل فساروا مسرعين فأشرفوا عليهم وهم غارون فحملوا في جانب عسكرهم فانهزم العسكر وأصاب المسيب منهم رجالا فأكثروا فيهم الجراح وأخذوا الدواب وخلى الشاميون معسكرهم وانهزموا فغنم منه أصحاب المسيب ما أرادوا.
ثم انصرفوا إلى سليمان موفورين وبلغ الخبر ابن زياد فأرسل الحصين بن نمير في اثني عشر ألفا فخرج إليه سليمان بأصحابه لأربع بقين من جمادى الأولى فدعاهم أهل الشام إلى الجماعة على عبد الملك بن مروان -قال ابن الأثير وفي هذا نظر فان مروان كان حيا- ودعاهم أصحاب سليمان إلى خلع عبد الملك وتسليم عبيد الله بن زياد إليهم وانهم يخرجون من بالعراق من أصحاب ابن الزبير ثم يرد الأمر إلى أهل البيت فأبى كل منهم فحملت ميمنة سليمان على ميسرة الحصين والميسرة على الميمنة وحمل سليمان في القلب فانهزم أهل الشام إلى معسكرهم وما زال الظفر لأصحاب سليمان إلى أن حجز بينهم الليل.
فلما أصبحوا أمد ابن زياد الحصين بثمانية آلاف وخرج أصحاب سليمان فقاتلوهم قتالا لم يكن أشد منه طول النهار ولم يحجز بينهم الا الصلاة فلما أمسوا تحاجزوا وقد كثرت الجراح في الفريقين فلما أصبح أهل الشام أمدهم ابن زياد بعشرة آلاف فاقتتلوا يوم الجمعة قتالا شديدا إلى ارتفاع الضحى.
ثم إن أهل الشام كثروهم وتعطفوا عليهم من كل جانب ورأى سليمان ما لقي أصحابه فنزل ونادى عباد الله من أراد البكور إلى ربه والتوبة من ذنبه فإلي.
ثم كسر جفن سيفه ونزل معه ناس كثير وكسروا جفون سيوفهم ومشوا معه فقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة وأكثروا الجراح فبعث الحصين الرجال ترميهم بالنبل واكتنفتهم الخيل والرجال فقتل سليمان رحمه الله... رماه يزيد بن الحصين بسهم فوقع .
وقال أعشى همدان في أمر التوابين ورئيسهم سليمان قال ابن الأثير وهي مما يكتم ذلك الزمان:
ألــم خـيال مـنك يـا أم iiغـالب فـحييت عـنا مـن حـبيب iiمجانب فما انس ولا انس انتقالك في الضحى إلـينا مع البيض الحسان iiالخراعب تـراءت لنا هيفاء مهضومة iiالحشي لـطيفة طـي الـكشاح ريا iiالحقائب فتلك النوى وهي الجوى لي iiوالمنى فـاحبب بـها مـن خلة لم تصاقب ولا يـبـعد الله الـشـباب iiوذكـره وحـب تصافي المعصرات iiالكواعب فـانـي وان لـم أنـسهن iiلـذاكر رويـة مـخبات كـريم iiالـمناسب تـوسل بـالتقوى إلـى الله صـادقا وتـقوى الالـه خير تكساب iiكاسب وخـلى عـن الـدنيا فلم يلتبس iiبها وتـاب إلـى الله الـرفيع iiالـمراتب تـخلى عـن الـدنيا وقال iiطرحتها فـلست إلـيها مـا حـييت بـآيب ومـا انـا فـيما يـكره الناس iiفقده ويـسعى لـه الساعون فيها براغب تـوجه مـن نحو الثوية سائرا iiإلى ابـن زيـاد فـي الـجموع iiالكتائب بـقوم هـم أهـل الـتقية iiوالـنهى مـصاليت أنـجاد سـراة iiمـناجب مـضوا تاركي رأي ابن طلحة حسبة ولـم يـستجيبوا لـلأمير المخاطب فـساروا وهم ما بين ملتمس التقى وآخـر مـما جـر بـالأمس iiتائب فـلاقوا بـعين الوردة الجيش فاصلا إلـيهم فـحسوهم بـبيض iiقواضب يـمـانية تـذري الأكـف iiوتـارة بـخيل عـتاق مـقربات iiسـلاهب فـجاءهم جـمع مـن الـشام iiبعده جـموع كـموج البحر من كل جانب فـما بـرحوا حـتى أبيدت iiسراتهم فـلم يـنج مـنهم ثم غير iiعصائب وغودر أهل الصبر صرعى iiفأصبحوا تـعاورهم ريـح الـصبا iiوالجنائب فـأضحى الـخزاعي الرئيس iiمجدلا كــان يـقـاتل مـرة iiويـحارب
**************************************************************
1 ـ سنن الترمذي: 2 / 27 ، أبواب الصلاة ، باب 184 ، الحديث 248 ، وج 3 / 95 ، كتاب الصوم ، باب 22 ، الحديث 716 ، وص 607 ، كتاب البيوع ، باب 75 ، الحديث 1316 ، وص 608 ، الحديث 1317 ، وج 5 / 637 ، كتاب المناقب ، الحديث 3723.
2 ـ رجال الشيخ الطوسي: 66 الرقم 593 ، وص 114 الرقم 139 ، وص 219 الرقم 2908.
3 ـ سير أعلام النبلاء: 3 / 394 الرقم 61.
4 ـ أسد الغابة: 2 / 351 ، راجع الاستيعاب: 2 / 650.
5 ـ تاريخ الاسلام ، حوادث سنة 61: ص 46.
6 ـ تهذيب الكمال: 11 / 454 الرقم 2531.
7 ـ صحيح البخاري: 1 / 69 ، باب من أفاض على رأسه ثلاثا ، وج 4 / 93 ، وج 5 / 48 ، وج 7 / 84 ، وص 99 ، باب الحذر من الغضب.
8 ـ صحيح مسلم: 1 / 258 ، كتاب الحيض ، الحديث 54 ، وص 259 ، الحديث 55.
9 ـ سنن أبي داود: 1 / 62 ، كتاب الطهارة ، باب الغسل من الجنابة ، الحديث 239 ، وج 4 / 249 ، كتاب الأدب ، باب ما يقال عند الغضب ، الحديث 4781.
10 ـ سنن ابن ماجة: 1 / 190 ، كتاب الطهارة ، باب الغسل من الجنابة ، الحديث 239 ، وج 2 / 897 ، كتاب الديات ، الحديث 2689 ، وص 1389 ، الحديث 4149.
11 ـ سنن الترمذي: 3 / 377 ، كتاب الجنائز ، باب ما جاء في الشهداء من هم ، الحديث 1064.
«شريح القاضي »
ورد في موسوعة بحار الأنوار للعلامة المجلسي (قدس الله نفسه الزكية) - ج 42 - ص 175 – 176 ما يلي:
أحوال شريح القاضي:
هو شريح بن الحارث بن المنتجع الكندي وقيل: اسم أبيه معاوية، وقيل: هاني، وقيل: شراحيل، ويكنى أبا أمية، استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة، فلم يزل قاضيا ستين سنة، لم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين في فتنة ابن الزبير، امتنع من القضاء، ثم استعفى الحجاج من العمل فأعفاه، فلزم منزله إلى أن مات، وعمر عمرا طويلا، قيل: إنه عاش مائة وثمان سنين، وقيل: مائة سنة، وتوفي سنة سبع وثمانين.
وأقر علي (عليه السلام) شريحا على القضاء مع مخالفته له في مسائل كثيرة من الفقه مذكورة في كتب الفقهاء.
وسخط علي (عليه السلام) مرة عليه فطرده عن الكوفة ولم يعزله عن القضاء، وأمره بالمقام ببانقيا، وكانت قرية قريبة من الكوفة أكثر ساكنيها اليهود فأقام بها مدة حتى رضي عنه، وأعاده إلى الكوفة.
وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب: أدرك شريح الجاهلية، ولا يعد من الصحابة بل من التابعين، وكان سناطا لا شعر في وجهه.
ورد في موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ – للمحقق محمد الريشهري ما يلي:
خبر شريح مع أمير المؤمنين الإمام علي (ع):
روي أن شريح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين (عليه السلام) اشترى على عهده دارا بثمانين دينارا، فبلغه ذلك فاستدعى شريحا وقال له: بلغني أنك ابتعت دارا بثمانين دينارا، وكتبت لها كتابا، وأشهدت فيه شهودا! فقال له شريح: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين.
قال: فنظر إليه نظر المغضب ثم قال له: يا شريح! أما إنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصا، ويسلمك إلى قبرك خالصا .
فانظر يا شريح! لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك، أو نقدت الثمن من غير حلالك ؛ فإذا أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة.
أما إنك لو كنت أتيتني عند شرائك ما اشتريت، لكتبت لك كتابا على هذه النسخة، فلم ترغب في شراء هذه الدار بدرهم فما فوق .
والنسخة هذه في نهج البلاغة:
هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت قد أزعج للرحيل، اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب الفانين، وخطة الهالكين، وتجمع هذه الدار حدود أربعة: الحد الأول ينتهي إلى دواعي الآفات، والحد الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات، والحد الثالث ينتهي إلى الهوى المردي، والحد الرابع ينتهي إلى الشيطان المغوي، وفيه يشرع باب هذه الدار.
اشترى هذا المغتر بالأمل، من هذا المزعج بالأجل هذه الدار بالخروج من عز القناعة، والدخول في ذل الطلب والضراعة ، فما أدرك هذا المشتري فيما اشترى منه من درك .
فعلى مبلبل أجسام الملوك، وسالب نفوس الجبابرة، ومزيل ملك الفراعنة، مثل كسرى وقيصر، وتبع وحمير، ومن جمع المال على المال فأكثر، ومن بنى وشيد وزخرف، ونجد (1) وادخر، واعتقد ونظر بزعمه للولد - إشخاصهم (2) جميعا إلى موقف العرض والحساب، وموضع الثواب والعقاب إذا وقع الأمر بفصل القضاء (وخسر هنالك المبطلون) (3) شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى وسلم من علائق الدنيا (4).
ونقل سماحة السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة ما يلي:
خبر معاوية (لعنه الله) مع حجر بن عدي (رضي الله تعالى عنه):
قال ابن الأثير في حوادث: سنة 51 ان زياد بن سمية لما بعث بحجر وأصحابه إلى معاوية دعا رؤساء الأرباع وهم عمرو بن حريث وخالد بن عرفطة وقيس بن الوليد وأبا بردة بن أبي موسى...
واستشهدهم ان حجرا جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حرب أمير المؤمنين وزعم أن هذا الأمر لا يصلح الا في آل أبي طالب...
ووثب بالمصر واخرج عامل الخليفة وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وان هؤلاء النفر الذين معه هم رؤوس أصحابه على مثل رأيه ونظر زياد في شهادة الشهود وقال أحب ان يكونوا أكثر من أربعة فشهد إسحاق وموسى ابنا طلحة والمنذر بن الزبير وعمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمر بن سعد وغيرهم...
سكوت شريح وسوء عاقبته:
وكتب في الشهود شريح القاضي وشريح بن هانئ أي كتبت شهادتهما ولم يكتباها هما فأما شريح بن هانئ فكان يقول ما شهدت وقد لمته فلما بلغ حجر وأصحابه الغريين لحقهم شريح بن هانئ وأعطى كتابا إلى وائل أحد الرجلين الموكلين بهم وقال أبلغه أمير المؤمنين فدفعه وائل إلى معاوية فإذا فيه بلغني ان زيادا كتب شهادتي وان شهادتي على حجر انه ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر حرام الدم والمال فان شئت فاقتله وان شئت فدعه فقال معاوية ما أرى هذا الا قد اخرج نفسه من شهادتكم .
أما شريح القاضي فأبى له سوء طويته إلا أن يسكت عن الشهادة التي كتبت بدون علمه...
وورد في كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب - ج 3 - ص 241 – 244 ما يلي:
خبر إعانة شريح القاضي عبيد الله بن زياد على هانئ بن عروة ومسلم بن عقيل:
دخل مسلم الكوفة فسكن في دار سالم بن المسيب، فاختلف إليه الشيعة فقرأ عليهم كتابه، فبايعه اثنا عشر الف رجل، فرفع ذلك إلى النعمان بن بشير وهو والي الكوفة فجمع الناس وخطب فيهم ونصحهم.
وكتب عبد الله بن مسلم الحضرمي، وعمارة بن عقبة بن الوليد، وعمر بن سعد بن أبي وقاص إلى يزيد: إن كان لك حاجة في الكوفة فابعث رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك فان النعمان بن بشير اما ضعيف أو متضعف فكتب يزيد على يدي مسلم بن عمر الباهلي إلى عبيد الله بن زياد وهو والي البصرة وولاه الكوفة مع البصرة وأن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله أو ينفيه فالعجل العجل.
فلما وصل المنشور إلى ابن زياد قصد الكوفة ودخلها بغتة في الليل وهو ملثم فزعم من رآه انه الحسين، فكانوا يقولون: مرحبا يا بن رسول الله قدمت خير مقدم، حتى نزل دار الامارة، فانتقل مسلم من دار سالم إلى دار هاني بن عروة المذحجي في الليل ودخل في أمانه.
وكان يبايعه الناس حتى بايعه خمسة وعشرون الف رجل، فعزم على الخروج فقال هاني: لا تعجل.
ثم إن عبيد الله أعطى مولاه معقل ثلاثة آلاف درهم وقال له: اذهب حتى تسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة فاعلمه انك رجل من أهل حمص جئت لهذا الامر وهذا مال تدفعه لتتقوى به .
فلم يزل يتلطف ويسترشد حتى دل عل مسلم بن عوسجة الأسدي، وكان الذي يأخذ البيعة فأدخله على مسلم وقبض منه المال وبايعه، ورجع معقل إلى عبيد الله فأخبره .
وكان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد، فمرض ‹ صفحة 243 › فنزل في دار هاني بن عروة أياما، ثم قال لمسلم: ان عبيد الله يعودني واني مطاوله الحديث فأخرج إليه بسيفك فاقتله وعلامتك أن أقول: أسقوني ماء، ونهاه هاني عن ذلك.
فلما دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعه وطال سؤاله، ورأي أن أحدا لا يخرج فخشي أن يفوته فأخذ يقول: ما الانتظار لسلمى ان يحييها * كأس المنية بالتعجيل اسقوها فتوهم ابن زياد وخرج، فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر فإذا فيه: للحسين بن علي، اما بعد: فاني أخبرك انه قد بايعك من أهل الكوفة كذا فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فان الناس معك وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى.
فأمر ابن زياد بقتله، وقال لمحمد بن الأشعث الكندي، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وأسماء بن خارجة الفزاري: احضروا هاني ابن عروة، فأحضروه باللطف، فالتفت ابن زياد إلى شريح القاضي وتمثل:
أريـد حـياته ويريد iiقتلي عذيرك من خليلك من مراد
فقال هاني: ما هذا أيها الأمير ؟ قال: جئت بمسلم بن عقيل وأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في دور حولك وظننت ان ذلك يخفى علي!
فأنكر هاني بن عروة ذلك، فقال: علي بمعقل، فلما جئ به قال: أتعرفه ؟
قال هاني: ما دعوت مسلما وإنما جاءني بالجوار فإذ قد عرفت أخرجه من جواري، قال: لا والله لا مناص لك مني إلا بعد أن تسلمه إلي، قال: لا يكون ذلك أبدا، فكلمه مسلم بن عمرو الباهلي في ذلك قال: ليس عليك في دفعه عار إنما تدفعه إلى السلطان، فقال هاني: بلى والله علي أعظم العار أن أسلم جاري وضيفي ورسول ابن رسول الله وأنا حي صحيح الساعدين كثير الأعوان والله لو لم أكن إلا واحدا لما سلمته أبدا حتى أموت من دونه، فقال ابن زياد: إن لم تحضره لأضربن عنقك، وضرب قضيبا على أنفه وجبهته حتى هشمه وأمر بحبسه .
وبلغ ذلك مذحجا فأقبلت إلى القصر فأمر ابن زياد شريحا القاضي أن يخرج إليهم ويعلمهم انه حي سالم فخرج إليهم شريح القاضي، فقال: ما به بأس، وإنما حبسه أميره، وهو حي صحيح .
فقالوا: لا بأس بحبس الأمير، وجاءت أرباع مسلم بن عقيل فأطافوا بالقصر، فخذلهم الناس.
وبقي هاني عنده إلى أن قبض على مسلم فقتلهما وجرهما بالأسواق .
والنتيجة التي ننتهي لها في نهاية هذا البحث أن هذا الرجل – شريح – قد سولت له سوء سريرته أن يستغل منصبه كقاض لمآربة ومصالحه الدنيوية، وباع آخرته بدراهم معدودة، حيث أساء القضاء في ربيع عمره واستغله لمآربه وهذا ما يتضح من طرد أمير المؤمنين له في فترة من الفترات، وأعان معاوية على قتل الرجل العظيم حجر بن عدي (رحمه الله)، وسولت له نفسه مرة أخرى أن أعان الدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد على قتل سفير الحسين (ع) مسلم بن عقيل والشيخ الكبير هانئ بن عروة (رحمه الله)، وبذلك يكون قد ساهم وأعان على قتل الحسين (ع)، فلعنة الله والملائكة والناس أجمعين على ظالمي أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
**************************************************************
1 ـ من التنجيد: التزيين (النهاية: 5 / 19).
2 ـ إشخاصهم، مبتدأ مرفوع، وخبره الجار والمجرور المقدم ؛ وهو قوله: " فعلى مبلبل أجسام الملوك ".
3 ـ غافر: 78.
4 ـ نهج البلاغة: الكتاب 3، روضة الواعظين: 489 نحوه.
«عبد الله بن الزبير »
قال سماحة السيد أبو القاسم الخوئي في ترجمة عبد الله بن الزبير في كتابه معجم رجال الحديث ما يلي:
عبد الله بن الزبير
من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) .(1)
ذكر الصدوق - قدس سره - أنه سمعت شيخنا محمد بن الحسن رضي الله عنه يروي أن الصادق (عليه السلام)، قال: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى أدرك فرخه ونهاه عن رأيه. (2)
وقال عنه محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني الكرباسي في كتابه إكليل المنهج في تحقيق المطلب...
عبد الله بن الزبير بن العوام
- أبوه الزبير.
- وأمه أسماء بنت أبي بكر. - وجدته صفية عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
- وعمته خديجة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله).
قال أهل التاريخ: هو أول مولود ولد بالمدينة من المسلمين، وقيل: بل من المهاجرين، كان عبد الله بن الزبير يقول: هاجرت أبي أمي وأنا حمل في بطنها .
قتله الحجاج على عقبة المدينة على الجذع.
قال أهل التاريخ: قيل: وهو ابن ثلاث وسبعين.
قالوا: وبعث الحجاج بكف عبد الله بن الزبير مقطوعة إلى أخيه محمد بن يوسف بصنعاء. **************************************************************
1 ـ رجال الشيخ.
2 ـ الخصال: باب الثلاثة، الحديث 199 في بيان ثلاث خصال في السفرجل.
«عبد الله بن العباس»
أورد لنا آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) في كتابه معجم رجال الحديث بحثا مفصلاً عن ترجمة عبد الله بن العباس نوردها لكم مع شيء من التصرف:
عبد الله بن العباس:
قال السيد الخوئي: عده الشيخ...
- (تارة) في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله.
- و (أخرى) في أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
- و (ثالثة) في أصحاب الحسين عليه السلام، قائلا: " عبد الله وعبيد الله معروفان ".
وعده البرقي:
في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وروى عنه عطاء بن أبي رباح .
تفسير القمي:
سورة محمد صلى الله عليه وآله، في تفسير قوله تعالى: ?فهل ينظرون إلا الساعة?.
قال العلامة: (1)
" عبد الله بن العباس، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، كان محبا لعلي عليه السلام، وتلميذه، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين (عليه السلام)، أشهر من أن يخفى .
وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه! وهو أجلُّ من ذلك، وقد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عنها رضي الله تعالى عنه ".
وذكره ابن داود في القسم الأول:
قال: " عبد الله بن العباس رضي الله عنه، حاله أعظم من أن يشار إليه في الفضل والجلالة ومحبة أمير المؤمنين (عليه السلام) وانقياده إلى قوله ".
إفحامه لمعاوية وبن العاص:
وله مفاخرة مع معاوية وعمرو بن العاص وقد ألقمهما حجرا، رواها الصدوق في الخصال: في باب الأربعة، قول معاوية: إني لأحبك لخصال أربع، (2).
وقد شهد عند معاوية بأنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ذكر بعد ذلك علي بن أبي طالب، والحسن بن علي، والحسين، وأولاده التسعة (عليهم السلام). (3)
ثم إن الكشي ذكر في عبد الله بن العباس عدة روايات مادحة وهي كما تلي :
إخبار رسول الله (ص) له بما سيجري عليه:
" حمدويه وإبراهيم، قالا: حدثنا أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن سلام بن سعيد، عن عبد الله بن يا ليل - رجل من أهل الطائف - قال: أتينا ابن عباس نعوده في مرضه الذي مات فيه، قال: فأغمي عليه في البيت فأخرج إلى صحن الدار، قال: فأفاق، فقال: إن خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أني سأهجر هجرتين وأني سأخرج من هجرتي، فهاجرت هجرة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهجرة مع علي (عليه السلام)، وأني سأعمى فعميت، وأني سأغرق فأصابتني حكة فطرحني أهلي في البحر فغفلوا عني فغرقت ثم استخرجوني بعد .
وأمرني أن أبرأ من خمسة: من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا لا قدر، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا: الله أعلم، قال: ثم قال: اللهم إني أحيى على ما حيي عليه علي بن أبي طالب، وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب .
خبر انتقاله إلى رحمة الله:
قال: ثم مات فغسل وكفن ثم صلى على سريره، قال: فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه فرأى الناس إنما هو فقهه فدفن .
جعفر بن معروف قال: حدثني محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن (ابن شريح) بن جريح، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أن ابن عباس لما مات وأخرج خرج من كفنه طير أبيض يطير ينظرون إليه يطير نحو السماء حتى غاب عنهم، فقال: وكان أبي يحبه حبا شديدا، وكانت أمه تلبسه ثيابه وهو غلام فينطلق إليه في غلمان بني عبد المطلب، قال: فأتاه بعدما أصيب ببصره، فقال: من أنت؟ قال: أنا محمد بن علي بن الحسين، فقال: حسبك من لم يعرفك فلا عرفك .
خبر مناظرة عبد الله بن عباس لعائشة:
جعفر بن معروف، قال: حدثني الحسين بن علي بن النعمان، عن أبيه، عن معاذ بن مطر، قال: سمعت إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: حدثني بعض أشياخي، قال: لما هزم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أصحاب الجمل بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة، قال ابن عباس: فأتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة، قال: فطلبت الاذن عليها فلم تأذن فدخلت عليها من غير اذنها فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس، فإذا هي من وراء سترين، قال: فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة، قال: فمددت الطنفسة فجلست عليها، فقالت من وراء الستر: يا ابن عباس أخطأت السنة! دخلت بيتنا بغير إذننا، وجلست على متاعنا بغير إذننا، فقال لها ابن عباس: نحن أولى بالسنة منك ونحن علمناك السنة، وإنما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخرجت منه ظالمة لنفسك غاشية لدينك عاتبة على ربك عاصية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا باذنك ولم نجلس على متاعك إلا بأمرك، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعث إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة وقلة العرجة، فقالت: رحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر ابن الخطاب! فقال ابن عباس: هذا والله أمير المؤمنين وإن تربدت فيه وجوه ورغمت فيه معاطس، أما والله لهو أمير المؤمنين، وأمس برسول الله رحما، وأقرب قرابة، وأقدم سبقا، وأكثر علما، وأعلى منارا، وأكثر آثارا من أبيك ومن عمر، فقالت: أبيت ذلك.
فقال: أما والله إن كان إباؤك فيه لقصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشؤم بين النكد مبين المنكر، وما كان إباؤك فيه إلا حلب شاة حتى صرت ما تأمرين ولا تنهين ولا ترفعين ولا تضعين، وما مثلك إلا كمثل ابن الحضرمي بن نجمان أخي بني أسد حيث يقول:
ما زال إهداء القصائد iiبيننا شتم الصديق وكثرة الألقاب حـتى تـركتم كأن iiقلوبهم في كل مجمعة طنين iiذباب
قال: فأراقت دمعتها وأبدت عويلها وتبدى نشيجها، ثم قالت: أخرج والله عنكم فما في الأرض بلد أبغض إلي من بلد تكونون فيه، فقال ابن عباس: فوالله ماذا بلاؤنا عندك ولا بصنيعنا إليك، إنا جعلناك للمؤمنين أما وأنت بنت أم رومان، وجعلنا أباك صديقا وهو ابن أبي قحافة، فقالت: يا ابن عباس تمنون علي برسول الله ؟! فقال: ولم لا نمن عليك بمن لو كان منك قلامة منه مننتنا به، ونحن لحمه ودمه ومنه وإليه، وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده لست بأبيضهن لونا، ولا بأحسنهن وجها، ولا بأرشحهن عرقا، ولا بأنضرهن ورقا، ولا بأطرأهن أصلا، فصرت تأمرين فتطاعين، وتدعين فتجابين، وما مثلك إلا كما قال أخو بني فهر:
قال: ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها، فقال: أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك ".
خبر عبد الله بن عباس مع الإمام المجتبى (ع):
وقال المفيد - قدس سره - في الارشاد: باب ذكر الإمام بعد أمير المؤمنين (عليه السلام): روى أبو مخنف لوط بن يحيى، قال: حدثني أشعث بن سوار، عن أبي إسحاق السبيعي وغيره، قالوا: خطب الحسن بن علي (عليهما السلام) في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام)، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولا يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقيه بنفسه...(إلى أن قال) وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله - إلى أن قال -: فالحسنة مودتنا أهل البيت، ثم جلس ...
فقام عبد الله بن العباس رحمه الله بين يديه فقال: معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه، فاستجاب له الناس، فقالوا: ما أحبه إلينا وأوجب حقه علينا، وبادروا إلى البيعة له بالخلافة وذلك في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فرتب العمال وأمر الأمراء، وأنفذ عبد الله بن العباس إلى البصرة، ونظر في الأمور... (إلخ).
الرأي الذي ساقه آية الله العظمى السيد الخوئي عن عبد الله بن عباس:
هذا والأخبار المروية في كتب السير والروايات الدالة على مدح ابن عباس وملازمته لعلي ومن بعده الحسن والحسين (عليهم السلام) كثيرة، وقد ذكر المحدث المجلسي - قدس سره - مقدارا كثيرا منها في أبواب مختلفة من كتابه البحار، من أراد الاطلاع عليها فليراجع سفينة البحار في مادة عبس.
ونحن وإن لم نظفر برواية صحيحة مادحة، وجميع ما رأيناه من الروايات في إسنادها ضعف، إلا أن استفاضتها أغنتنا عن النظر في إسنادها، فمن المطمأن به صدور بعض هذه الروايات عن المعصومين إجمالا.
وبإزاء هذه الروايات روايات قادحة ذكرها الكشي، قد استعرضها آية الله أبو القاسم الخوئي في كتابة معجم الرجال الحديث وفندها بعد التحقيق في أسانيدها ومضامينها التي تفوح منها رائحة الوضع وقد قال قدس الله نفسه الزكية:
" أقول: هذه الرواية وما قبلها من طرق العامة، وولاء ابن عباس لأمير المؤمنين وملازمته له (عليه السلام) هو السبب الوحيد في وضع هذه الأخبار الكاذبة وتوجيه التهم والطعون عليه، حتى أن معاوية لعنه الله كان يلعنه بعد الصلاة! مع لعنه عليا والحسنين وقيس بن عبادة والأشتر!! كما عن الطبري وغيره، وأقل ما يقال فيهم أنهم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكيف كان يلعنهم ويأمر بلعنهم!!
وتطرق آية الله أبو القاسم الخوئي إلى روايات أخرى قادحة وفندها وأكد مرة أخرى على علو مقام ابن عباس حيث قال: "والمتحصل مما ذكرنا أن عبد الله بن عباس كان جليل القدر، مدافعا عن أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام)، كما ذكره العلامة وابن داود.
**************************************************************
1 ـ في القسم الأول من الخلاصة، من الباب من حرف العين...
2 ـ الحديث 35.
3 ـ الخصال: باب الاثني عشر، في أن الخلفاء والأئمة بعد النبي اثنا عشر، الحديث 41.
«عبد الله بن جعفر الطيار»
أورد لنا آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) في كتابه معجم رجال الحديث بحثا مفصلاً عن ترجمة عبد الله بن جعفر الطيار نوردها لكم مع شيء من التصرف:
عبد الله بن جعفر:
من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
رجال الشيخ ذكره..
- (تارة) قائلا: " عبد الله بن جعفر ".
- و (أخرى) من أصحاب علي (عليه السلام)، قائلا: " عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب (عليهم السلام)، قليل الرواية ".
- و (ثالثة) من أصحاب الحسن (عليه السلام)، قائلا: " عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب ".
وعده البرقي:
من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضا، قائلا: " عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ".
بعض ما روي في جلالة عبد الله بن جعفر وعظمته:
روى الصدوق عن أبيه - رضي الله عنه - قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، وسهل بن زياد الرازي، عن إسماعيل بن مرار وعبد الجبار بن مبارك، عن يونس بن عبد الرحمان، عمن حدثه من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال (عليه السلام): إن رجلا مر بعثمان بن عفان وهو قاعد على باب المسجد فسأله فأمر له بخمسة دراهم، فقال له الرجل: أرشدني، فقال له عثمان: دونك الفتية الذين ترى وأومأ بيده إلى ناحية من المسجد فيها الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر فمضى الرجل نحوهم حتى سلم عليهم وسألهم، فقال له الحسن والحسين: يا هذا إن المسألة لا تحل إلا في أحد ثلاث: دم مفجع، أودين مقرح، أو فقر مدقع، ففي أيها تسأل ؟
فقال: في واحدة من هذه الثلاث فأمر له الحسن (عليه السلام) بخمسين دينارا، وأمر له الحسين (عليه السلام) بتسعة وأربعين دينارا، وأمر له عبد الله بن جعفر بثمانية وأربعين دينارا، فانصرف الرجل فمر بعثمان، فقال له: ما صنعت؟فقال له: مررت بك فسألتك فأمرت لي بما أمرت ولم تسألني فيما أسأل وإن صاحب الوفرة لما سألته قال لي يا هذا في ما تسأل فإن المسألة لا تحل إلا في أحد ثلاث، فأخبرته بالوجه الذي أسأله من الثلاثة فأعطاني خمسين دينارا، وأعطاني الثاني تسعة وأربعين دينارا، وأعطاني الثالث ثمانية وأربعين دينارا، فقال له عثمان: ومن لك بمثل هؤلاء الفتية أولئك فطموا العلم فطما، وحازوا الخير والحكمة. (إنتهى). (1)
أقول: جلالة عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب بمرتبة لا حاجة معها إلى الإطراء.
ومما يدل على جلالته أن أمير المؤمنين (عليه السلام)، كان يتحفظ عليه من القتل كما كان يتحفظ على الحسن والحسين (عليهما السلام)، ومحمد بن الحنفية.
ذكره الصدوق (2): عند بيان الموطن السادس من سبعة مواطن التي امتحن الله عليا (عليه السلام) بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، بعد ذكر المواطن السبعة التي امتحنه الله بها قبل وفاته (صلى الله عليه وآله).
مناظرته لمعاوية:
وله مكالمة مع معاوية ذكر فيها أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثم أخي علي بن أبي طالب (عليه السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا استشهد علي (عليه السلام) فالحسن بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابني الحسين بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم... الحديث. (3)
قال الشيخ - قدس سره - وفي رواية عبد الله بن جعفر، قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل... (4)
أقول: الظاهر أن عبد الله بن جعفر هذا هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام). **************************************************************
1 ـ الخصال: باب الثلاثة، الحديث 149.
2 ـ في الخصال: باب السبعة، باب امتحان الله عز وجل أوصياء الأنبياء، الحديث 58
3 ـ الخصال: أبواب الاثني عشر باب الخلفاء والأئمة بعد النبي اثنى عشر، الحديث 6.
4 ـ التهذيب: الجزء 8، باب السراري وملك الايمان، الحديث 738.
« عبد الله بن عمر»
قال سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي في ترجمة عبد الله بن عمر في كتابه معجم رجال الحديث ما يلي:
من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أقول: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب.
وقال الكشي: " محمد بن مسعود، قال: حدثني أحمد بن منصور، عن أحمد بن الفضل، عن محمد بن زياد، عن سلمة بن محرز، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ألا أخبركم بأهل الوقوف ؟
قلنا: بلى، قال: أسامة بن زيد وقد رجع فلا تقولوا إلا خيرا، ومحمد بن مسلمة، وابن عمر مات منكوثا !.
قال أبو عمرو الكشي: وجدت في كتاب أبي عبد الله الشاذاني، قال: حدثني جعفر بن محمد المدائني، عن موسى بن القاسم العجلي، عن صفوان، عن عبد الرحمان بن الحجاج، عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: كتب علي (عليه السلام)، إلى والي المدينة لا تعطين سعدا ولا ابن عمر من الفئ شيئا، فأما أسامة بن زيد، فإني قد عذرته في اليمين التي كانت عليه ".
«عطية العوفي»
نقل سماحة الشيخ محمد صنقور في تحقيق له عن العبد الصالح (عطية العوفي) ما يلي:
عطية العوفي
عطية العوفي كما أفاد المحقق القمي في كتابه الكنى والألقاب (أحد رجال العلم والحديث يروي عنه الأعمش وغيره وروي عنه أخبار كثيرة في فضائل أمير المؤمنين (ع) وهو الذي تشَّرف بزيارة الحسين (ع) مع جابر الأنصاري الذي يُعدُّ من فضائله أنه كان أول من زاره.
قال أبو جعفر الطبري في كتاب ذيل المذيَّل: عطية بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس يكنَّى أبا الحسن، قال ابن سعد أخبرنا سعد بن محمد بن الحسن بن عطية قال: جاء سعد بن جنادة إلى علي بن أبي طالب (ع) وهو بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إنه قد ولد لي غلام فسمِّه فقال (ع): هذا عطية الله فسمِّيَ عطية وكانت أمه رومية.
قال المحقق القمي: (وحكي عن ملحقات الصراح قال: عطية العوفي ابن سعيد له تفسير في خمسة أجزاء، قال عطية عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات على وجه التفسير وأما على وجه القراءة فقرأت عليه سبعين مرة).
وأفاد المحقق القمي أن الحجاج بن يوسف الثقفي كتب إلى محمد بن القاسم الثقفي أن ادع عطية فإن لعن علي بن أبي طالب وإلا فاضربه أربعمائة سوط واحلق رأسه ولحيته، فدعاه وأقرأه كتاب الحجاج وأبى عطية أن يفعل فضربه أربعمائة سوط وحلق رأسه ولحيته.
«محمد بن الحنفية»
وردت في كتب التراجم والتاريخ تراجم عدة لمحمد بن الحنفية، وقد جمعنا جملة من أهم الترجمات التي وردت عنه:
نقل سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي في ترجمة محمد بن الحنفية في كتابه معجم رجال الحديث ما يلي:
محمد بن الحنفية: نسبه:
ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن من المحامدة الذين تأبى أن يعصى الله عز وجل محمد بن أمير المؤمنين، ولكن الرواية ضعيفة .
خبر محمد بن الحنفية مع الإمام السجاد (ع) بعد استشهاد الحسين (ع):
روى محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة وزرارة جميعا، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: لما قتل الحسين (عليه السلام) أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، فخلى به، فقال له: يا ابن أخي قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم إلى الحسن (عليه السلام)، ثم إلى الحسين (عليه السلام)، وقد قتل أبوك رضي الله عنه، وصلى على روحه ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي (عليه السلام) في سني وقدمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والإمامة، ولا تحاجني .
فقال علي بن الحسين (عليه السلام): يا عم، اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق، إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي، يا عم، صلوات الله عليه أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله عندي، فلا تتعرض لهذا، فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (عليه السلام).
فإذا أردت أن تعلم ذلك، فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك، قال أبو جعفر (عليه السلام): وكان الكلام بينهما بمكة فانطلقا، حتى أتيا الحجر الأسود، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) لمحمد بن الحنفية: ابدأ أنت فابتهل إلى الله عز وجل وسله أن ينطق لك الحجر، ثم سل، فابتهل محمد في الدعاء، وسأل الله ثم دعا الحجر، فلم يجبه، فقال علي بن الحسين: يا عم لو كنت وصيا وإماما لأجابك .
قال له محمد: فادع الله أنت يا ابن أخي، وسله، فدعا الله عز وجل علي بن الحسين (عليه السلام) بما أراد، ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي (عليه السلام) ؟
قال: فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي (عليه السلام) إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: فانصرف محمد بن علي وهو يتولى علي بن الحسين (عليه السلام). (1)
أقول: الرواية صحيحة السند ودالة على إيمانه، وقوله بإمامة علي بن الحسين (عليه السلام).
اعتقاد محمد بن الحنفية بالإمامة:
وتقدم في ترجمة كنكر: رواية الكشي بإسناده، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول، فذكر أن أبا خالد الكابلي كان يعتقد بإمامة محمد ابن الحنفية، حتى أن محمدا أخبره بأن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، عليه وعلى كل مسلم .
وتقدم في ترجمة حيان السراج رواية الكشي، باسناده عن عبد الله بن مسكان، قول حيان أن مثل محمد بن الحنفية في هذه الأمة، مثل عيسى بن مريم، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): ويحك يا حيان شبه على أعدائه.
فقال : بلى شبه على أعدائه، فقال (عليه السلام): تزعم أن أبا جعفر عدو محمد بن الحنفية - لا - (الحديث).
رعاية أمير المؤمنين له وعطفه عليه:
قال الصدوق: كان محمد موردا لعطف أمير المؤمنين (عليه السلام) وشفقته وعنايته، وقد قال (عليه السلام) فيما قاله لرأس اليهود، في حديث رواه الصدوق: فوالله ما منعني أن امضي على بصيرتي، إلا مخافة أن يقتل هذان، وأومأ بيده إلى الحسن والحسين عليهما السلام، فينقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وذريته من أمته، ومخافة أن يقتل هذا، وهذا، وأومى بيده إلى عبد الله بن جعفر، ومحمد بن الحنفية. (2)
وذكره الشيخ المفيد في الاختصاص: في كتاب محنة أمير المؤمنين (عليه السلام):
وقال ابن شهر آشوب: " وجعله أمير المؤمنين (عليه السلام) في حرب صفين مع محمد بن أبي بكر وهاشم المرقال على ميسرة العسكر، وجعل الحسن والحسين ومسلم بن عقيل وعبد الله بن جعفر على الميمنة ". (3)
ونقل سماحة السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة عن شخصية محمد بن الحنفية ما يلي: محمد بن الحنفية
ترجمته:
- محمد ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية ...
- أبو القاسم أو أبو عبد الله ...
- هو من الطبقة الأولى من التابعين ...
- ولد بعد وفاة رسول الله (ص) ...
- وتوفي سنة 81 في أيام عبد الملك بن مروان وعمره خمس وستون سنة ...
واختلفوا في أي مكان توفي على ثلاثة أقوال:
- أحدها بأيلة ..
- والثاني بالمدينة وصلى عليه أبان بن عثمان بإذن ابنه أبي هاشم ودفن بالبقيع..
- والثالث بالطائف ..
غلبت عليه النسبة إلى أمه خولة الحنفية من بني حنيفة، وهي خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج:
ما حاصله اختلف في أمرها فقيل أنها سبية من سبايا حنيفة على يد خالد بن الوليد أيام أبي بكر أقول وبذلك قد يحتج بعضهم على اعتراف أمير المؤمنين علي (ع) بصحة سبيها وفيه أن الحال في ذلك لا يمكن الجزم بها ولا دعوى العلم بأنه كيف تزوجها لجواز أن يكون عقد عليها مع أن المؤرخين مختلفون في أمرها كما سمعت وستسمع فكيف يمكن الاحتجاج بأمر مختلف فيه إذ متى وجد الاحتمال سقط الاستدلال.
على أن عمر نفسه لم يعترف بصحة سبي بني حنيفة وكان يطلب إلى الخليفة أن يقيم الحد على خالد قال: وقال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدايني هي سبية في أيام رسول الله (ص) قالوا بعث عليا إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد وقد ارتدوا مع عمر بن معد يكرب وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم فصارت في سهم علي..
فقال له رسول الله (ص) إن ولدت منك غلاما فسمه باسمي وكنه بكنيتي فولدت له بعد موت فاطمة محمدا فكناه أبا القاسم قال وقال قوم وهم المحققون وقولهم الأظهر أن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة فباعوها من علي فقدم قومها عليه فأخبروه بموضعها منهم فأعتقها ومهرها وتزوجها، قال هذا القول اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه المعروف بتاريخ الأشراف.
أخباره:
كان محمد من فضلاء التابعين حتى ادعى قوم فيه الإمامة وهم الملقبون بالكيسانية وكان منهم السيد الحميري في أول امره وله في ذلك شعر معروف ويقال أن منهم كثير عزة الشاعر.
خبره في حرب الجمل:
وكانت راية أمير المؤمنين (ع) السلام يوم الجمل مع ابنه محمد قال ابن أبي الحديد دفع أمير المؤمنين يوم الجمل رايته إلى محمد ابنه وقد استوت الصفوف وقال له احمل فوقف قليلا فقال له احمل فقال يا أمير المؤمنين أما ترى السهام كأنها شآبيب المطر فدفع في صدره فقال: أدركك عرق من أمك ثم أخذ الراية فهزها ثم قال:
اطـعن بها طعن أبيك iiتحمد لا خير في الحرب إذا لم توقد
بـالمشرفي والـقنا iiالمسدد
ثم حمل وحمل الناس خلفه فطحن عسكر البصرة.
قيل لمحمد لم يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين ؟
فقال إنهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه ثم دفع علي الراية إلى محمد وقال امح الأولى بالأخرى وهذه الأنصار معك وضم إليه خزيمة ابن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الأنصار كثير منهم من أهل بدر وحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم وأبلى بلاء حسنا ..
فقال خزيمة بن ثابت لعلي أما أنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح ولئن كنت خفت عليه الجبن وهو بينك وبين حمزة وجعفر لما خفناه عليه وأن كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال..
وقالت الأنصار يا أمير المؤمنين لولا ما جعل الله تعالى للحسن والحسين (ع) لما قدمنا على محمد أحدا من العرب فقال علي (ع): ابن النجم من الشمس والقمر، أما أنه قد أغنى وله فضله ولا ينقصه فضل صاحبيه عليه وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه...
فقالوا يا أمير المؤمنين إنا والله لا نجعله كالحسن والحسين ولا نظلمهما له ولا نظلمه لفضلهما عليه فقال علي (ع) أين يقع ابني من ابني رسول الله (ص) فقال خزيمة بن ثابت فيه:
مـحمد مـا فـي عودك اليوم iiوصمة ولا كـنت في الحرب الضروس iiمعردا أبـوك الـذي لـم يـركب الخيل مثله عـلـي وسـمـاك الـنـبي iiمـحمدا فـلو كـان حـقا مـن أبـيك iiخليفة لـكان ولـكن ذاك مـا لا يـرى iiابدا وأنــت بـحـمد الله أطـول iiغـالب لـسـانا وأنـداها بـما مـلكت iiيـدا وأقـربـها مــن كـل خـير تـريده قـريش وأوفـاها بـما قـال مـوعدا وأطـعـنهم صـدر الـكمي iiبـرمحه وأكـسـاهم لـلـهام عـضبا iiمـهندا ســوى أخـويك الـسيدين iiكـلاهما امـام الـورى والـداعيان إلى iiالهدى أبــى الله أن يـعطي عـدوك مـقعدا من الأرض أو في اللوح مرقى ومصعدا
وقال عمر بن حارثة الأنصاري وكان مع محمد بن الحنفية يوم الجمل وقد لامه أبوه لما أمره بالحملة فتقاعس:
أبا حسن أنت فضل الأمور يـبين بك الحل iiوالمحرم
إلى آخر أبياته المذكورة في ترجمته.. وقال الزهري:
كان محمد من أعقل الناس وأشجعهم، معتزلا عن الفتن وما كان فيه الناس..
خبره مع ابن الزبير ومذهب الكيسانية: وقال ابن سعد في الطبقات:
لما استولى ابن الزبير على الحجاز، وقُتل الحسين بعث ابن الزبير إلى ابن الحنفية يقول له بايعني وبعث إليه عبد الملك بن مروان يقول له كذلك..
فقال لهما: إنما أنا رجل من المسلمين إذا اجتمع الناس على إمام بايعته فلما قتل ابن الزبير بايع عبد الملك..
وقال وهب بن منبه:
كانت القلوب مائلة إلى محمد بن الحنفية وكان المختار بن أبي عبيدة يدعو إليه بالكوفة ويراسله ويقول أنه المهدي وهذا مذهب الكيسانية وهم طائفة من الإمامية أصحاب المختار ابن أبي عبيدة وكان المختار يلقب بكيسان وجماعة من الكيسانية يزعمون أن محمد بن الحنفية لم يمت وأنه مقيم بجبل رضوى في شعب منه ومعه أربعون من أصحابه دخلوا ذلك الشعب فلم يوقف لهم على اثر وأنهم أحياء يرزقون وفيه يقول كثير عزة وكان من الكيسانية:
إلا أن الأئـمة من iiقريش ولاة الأمـر أربـعة سواء عـلي والـثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس لهم خفاء فـسبط سـبط إيمان iiوبر وسـبط غـيبته iiكـربلاء وسبط لا يذوق الموت حتى يـقود الخيل يقدمها iiاللواء
وقوله سبط مجاز وإنما أراد الولد وقال السيد الحميري:
ألا قـل لـلإمام فـدتك iiنفسي أطـلت بـذلك الـجبل iiالمقاما أضـر بـمعشر والـوك iiمـنا وسـموك الـخليفة والإمـاما وعـدوا أهـل هذا الأرض iiطرا مـقامك فـيهم سـتين عـاما ومـا ذاق ابن خولة طعم iiموت ولا وارت لـه ارض iiعـظاما لقد أمسى بمورق شعب رضوى تـراجـعه الـملائكة iiالـكراما هـدانـا الله إذ صـرنا لأمـر بـه ولـديه نـلتمس iiالـتماما
وقال السيد أيضا:
يا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى وبـنا إلـيه مـن الصبابة iiأشوق حـتى مـتى وإلـى متى ولم الذي يـا بـن الوصي وأنت حي iiترزق
قال الواقدي: ولما علم ابن الزبير بقصة محمد مع المختار حبسه في مكان يقال له حبس عارم وفيه يقول كثير يخاطب ابن الزبير:
تـخـبر مــن لاقـيت انـك iiعـابد بـل الـعابد المظلوم في حبس iiعارم ومن بر هذا الشيخ في الخيف من منى مـن الـناس يـعلم أنـه غـير ظالم سـمـي نـبـي الله وابـن iiوصـيه وفـكاك أغـلال وقـاضي iiالـمغارم
وقال هشام:
وانما حبسه في قبة زمزم وحبس معه عشرين من وجوه عشيرته وجماعة من بني هاشم لم يبايعوه وضرب لهم أجلا أن يبايعوه فيه وإلا حرقهم بالنار .
وأشار بعض من كان مع محمد أن يبعث إلى المختار فيعرفه حديثهم وما توعدهم به ابن الزبير وقال في كتابه: يا أهل الكوفة لا تخذلونا كما خذلتم الحسين فلما قرأ المختار كتابه بكى وجمع الأشراف وقرأ عليهم الكتاب وقال هذا كتاب مهديكم وسيد أهل بيت نبيكم وقد تركهم الرسول ينتظرون القتل والحريق ولست أبا إسحاق إن لم انصرهم وأسرب الخيل في اثر الخيل كالسيل حتى يحل بابن الكاهلية الويل.
ثم سرح إليهم عبد الله الجدلي في ألف فارس واتبعه بألف ثم بألف وألف فساروا حتى هجموا مكة ونادوا يا لثارات الحسين وألقوا الحطب على باب القبة ولم يبق من الأجل سوى يومين فكسروا باب القبة واخرجوا محمدا ومن معه وسلموا عليه وقالوا خل بيننا وبين عدو الله المحل ابن الزبير.
فقال محمد لا استحل القتال في حرم الله ثم تتابع عدد المختار حتى خرج محمد في أربعة آلاف فخرج إلى إيلة فأقام بها مدة سنتين وكان ابن الزبير قد احرق داره وقيل بل أقام بالطايف وهو الأشهر.
وقال الثوري: قال محمد يوما لبعض ولده إذا شئت أن تكون أديبا فخذ من كل شئ أحسنه وأن شئت أن تكون عالما فاقتصر على فن من الفنون.
**************************************************************
1 ـ الكافي: الجزء 1، كتاب الحجة 4، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة 81، الحديث 5.
ورواها أيضا، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام).
2 ـ الخصال: باب السبعة، باب امتحان الله عز وجل أوصياء الأنبياء في حياتهم في سبعة مواطن، وبعد وفاتهم في سبعة مواطن، الحديث 58، في ذيل الموطن السادس من السبعة الثانية.
3 ـ المناقب: الجزء 3، باب إمامة أمير المؤمنين، فصل في حرب صفين.