البصرة تأريخ وحضارة العرب
المقدمة
البصرة ثاني اكبر المدن العراقية تبعد عن بغداد 450 كلم جنوباً والبصرة ميناء الطرق الشمالي من شط العرب ملتقى دجلة والفرات والمؤدي الى مياه الخليج العربي وتقع البصرة في أقصى الجهة الجنوبية الشرقية من العراق .
وتمثل منفذه البحري الوحيد على العالم وتحيط بها ثلاثة بلدان هي إيران من الشرق والكويت من الجنوب والسعودية من أقصى الجنوب الغربي وتختلف بطبيعة الحال ظروف وتربة البصرة فالمنطقة الشمالية والشرقية تكون غروية صالحة لزراعة أنواع متعددة من الاشجار والمحاصيل بينما تكون الارض رملية صحراوية كلما أتجهنا غرباً (من شط البصرة) لتصبح قاحلة ملحية قرب الفاو .
تتميز البصرة بوجود جبل فيها في منطقة صفوان جنوب البصرة يسمى جبل سنام مكونه الاساسي الصخور الكلسية ، تبلغ مساحة البصرة (19070) كيلو متر مربع تمثل حوالي 4% من مساحة العراق الكلية البالغة (435052) كيلو متر مربع فيما تتكون المياه الاقليمية التابعة للعراق (924) كيلو متر مربع وتحد المحافظة محافظات ميسان وذي قار من الشمال والمثنى من الغرب ويتجاوز سكانها 2 ، 6 مليون نسمة وتقسم البصرة إدارياً الى سبعة أقضية هي :(البصرة) المركز التي يسكنها اطياف عديدة من العراقيين السنة والشيعة والمسيح والصائبة ، وقضاء الزبير الذي يعتبر اكبر قضاء في البصرة حيث يشكل أكثر من نصف مساحة البصرة وتسكنه أسر عربية أصيلة يرجع أصول أغلبهم الى مدينة نجد حيث هاجروا الى الزبير بعد انتشار الطاعون والقحط وتدني الحالة الاقتصادية هناك ، وقضاء الفاو وقضاء أبي الخصيب وقضاء شط العرب وقضاء القرنة والمدينة ...
والبصرة في اللغة هي الارض الغليظة الرخوه الضاربة الى البياض او فيها بياض والبصرة مدينة عراقية قديمة ، كانت في الاصل منطقة ريفية سميت بالارامية العراقية (بصرياثا / او بصريافا) ومعناها (منطقة الصرايف/ باصريفي ) و (الصيرفة) تعني بيت الطين العراقي ففي عهود التدوين التأريخية المختلفة حملت منطقة البصرة الكثير من الاسماء ، منها (باب سالميتي) وهي كلمة مأخوذة من الاكدية (شابليتيوم) أي البحر الاسفل فيكون معناها (باب البحر الاسفل) .
منطقة البصرة وردت أخبارها في حملة الملك الاشوري سنحاريب البحرية على بلاد عيلام اي إيران إذ عسكر فيها ، وحدد موقعها في حولياته عام 695 ق . م . وعرفت باسم ميناء طريدون اذ ذكرها كتاب الرومان والاغريق بأسم تريدون او ديري دوست ، وقد قلبها العرب الى (تردن) و (تردم) و (تدمر) والاسم الاخير عرفت به البصرة كأحد اسمائها كما جاء في تاج العروس للزبيدي ، كانت البصرة تسمى في القديم (تدمر) وفي مسند زيد بن علي قال (ويقال لها أي البصرة تدمر ويقال لها حزام العرب ، وقد اطلق عليها ايضاً البصيرة .
البصيرة من اسماء البصرة القديمة وقد أعاد بناءها اردشير ملك الفرس وسماها (وهشتا باذ اردشير) وذكرها الازهري في تاج اللغة بـ (الخريبة)، وهي جزء من البصرة كان يطلق عليه البصيرة الصغرى ، وفي خطبة الامام علي (عليه السلام) نقلها ياقوت الحموي في معجم البلدان مخاطبا أهلها (يا اهل البصرة والبصيرة والسبخة والخريبة) .
وردها يعقوب سركيس الى الكلدانية اذ تعني الاقنية او باصرا (محل الاكواخ) إن كلمة بصرة او بصيرة كلمة اكدية مشتقة من كلمة (باب وصري) فأصبحت (صابي صيري) اي سكان الصحراء فيكون اسمها (باب الصحراء) .
هناك اشارة الى وجود مدن مندثرة تحت أنقاض البصرة القديمة ، فعندما جاء عتبة بن غزوان المازني عام 14 هـ الى منطقة البصرة شاهد انقاض مدينة قديمة كانت حسب روايات محمد بن اسحاق سبع دساكر ، وذكر وجود قصر (سنبيل) في رواية أبي عبيدة على انه حصن فارسي في الجاهلية على مرتفع وهو داخل البصرة ، وقد سكنها بنو تميم وبني العنبر وغيرها .
تاريخ البصرة
البصرة اول مدينة اسلامية تأسست خارج الجزيرة العربية سنة 14 هـ 635 وكانت تسمى قبل ذلك (أرض الهند)، وقد جاء تأسيسها عند تولي القائد عتبة بن غزوان أثناء قيادة الحركات العسكرية في المنطقة تشير المصادر التأريخية الى ان موقع مدينة البصرة القديمة كان يشغل مساحة واسعة يمتد من الشعيبة الى منطقة الدريهمية في ضواحي منطقة الزبير ، بمسافة تزيد على 144 كم 2 .
وتقع البصرة على الضفة الشرقية من شط العرب ، على بعد حوالي 67 كيلو متراً عن الخليج العربي ، و 459 كيلو متراً الى الجنوب الشرقي من بغداد ، وهذه المسافة تقطعها السيارة بست ساعات ، بينما يقطعها القطار بـ (12) ساعة من تلال واطئة تعلوها كسر من الطابوق والفخار .
وفي العصر العباسي الاول ازدهرت البصرة وبرز فيها أعلام في اللغة والفقه والادب ، في 781 م ، احتلها صاحب الزنج وعاثها خراباً كما أشاعوا في التأريخ ثم احتلها القرامطة سنة 924 م فخربوا ودمروا كل ما وقع في أيديهم .
وفي سنة 1258 م واستولى عليها المغول ، ثم احتلها العثمانيون 1534 م ، وفي عهود غير بعيدة كان الجندرمة يحكمون المدينة نهاراً وفي الليل يغلقون ابواب القشلة وهي قلعة بناها العثمانيون ، وعن
الاوائل الذين سكنوا البصرة فقد تناولت الاسر البصرية حيث تعتبر اسرة آل ابي بكرة أول اسرة سكنت البصرة سنة 14 هـ 635 م بعد فتح البصرة من قبل القائد عتبة بن غزوان وكان لهذه الاسرة دورها الكبير في المجالات الاقتصادية والدينية .
كما ابرزت دور اسرة آل ابي بكرة بأنهم اول من زرع نخلة في البصرة واول من بنو الحمامات واول اسرة يولد فيها ولد في البصرة هو عبد الرحمن بن آل ابي بكرة وساهموا في بناء البصرة وشقوا الانهار والجداول لايصال المياه من شط العرب .
ومن تأريخ البصرة وغرائب الاحداث التاريخية في هذه فهناك احداث تاريخية لا يعرفها المواطن البصري عن هذه المدينة ومن هذه الاحداث ان مدينة البصرة هي مدينة ال (1000) والي ، وال (1000) معركة .
مشاهد من البصرة
تجد الشناشيل التي عرفت بها البصرة وكذلك تجد تمثال السياب بالقرب من الكورنيش وكذلك يطل عليك الكثير من رموز البصرة ، ويشخصون أمامك بكامل هيئاتهم .
فالحريري والفراهيدي والجاحظ والاصمعي والدؤلي اما الاماكن فسوق الجمعة في البصرة العتيقة ، وحديقة الاندلس التي أعيد رونقها وكذلك مقبرة الحسن البصري ومن مشاهير أهل البصرة الذين دفنوا في مقبرة الحسن البصري ورابعة العدوية ومعاذة العدوية ، ومريم البصرية وشعبة بن حجاج وخالد بن صفوان والشاعر الفرزدق .
في حين ذكر ابن بطوطة في زيارته البصرة ان من بين القبور قبر حليمة السعدية مرضعة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) والى جانبها ابنها عبد الله بن الحارث ومالك بن دينار وسهل بن عبد الله .
جوامع ومقامات البصرة
لو حاكينا كتب التأريخ والادب والتراجم لعرفنا انه كان في البصرة 17 الف جامع ومسجد ، وقد لا يصدق المرء وجود مثل هذا العدد من الجوامع والمساجد ، لكن ذلك هو الرقم الصحيح وسبب كثرتها سعة رقعة البصرة وكثرة السكان وتمكن العقيدة الاسلامية من قلوب البصريين .
وتؤكد الكتب أيضاً أن أبا جعفر المنصور كان قد احصى فقراء الدراويش في مساجد البصرة فبلغ عددهم 60 الف مسكن بمعنى انه في كل مسجد كان يرابط اربعة او ثلاثة من الفقراء والدراويش ، هناك عدة مساجد في البصرة ومنها جامع الامام علي (عليه السلام) ومسجد بني مجاشع بناه زياد بن ابي سفيان ومسجد الحدان وجامع انس بن مالك ومسجد عثمان ومسجد بني عباد ومسجد طلحة بن الزبير .
وكما ذكر البلاذري في فتوح البلدان ومسجد عاصم بن دلف ومسجد اياس بن قتادة حتى ان الاحصاءات ذكرت ان مساجد البصرة زادت خلال سنوات قليلة من دخول الاسلام على 7 الاف ، وجامع القبلة وجامع الغنامة وغيرها وجامع الكواز وهو الاثر التأريخي الكبير ايضاً بين جوامع ومساجد البصرة ودور عبادتها ويقف جامع الكواز ايضاً من تأريخ المدينة وكذلك يقال كانت رابعة العدوية مدفونة في البصرة .
جامع الامام علي (ع)
صعد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) ليخطب بالناس خطبة قال فيها اني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول تفتح ارض يقال لها البصرة اقوم ارض الله قبلة قارؤها اقرأ الناس وعبادها اعبد الناس .
فقد كان الامام علي (عليه السلام) اول خليفة في الاسلام دخل الجامع ولذلك سمي باسمه فكان الجامع في عهده اشبه بمدرسة جامعة انتشرت في اروقته الواسعة جميع حلقات العلم والدراسة واستمر المسجد .
مرقد الزبير بن العوام
ومن المعالم الاثرية الاسلامية الاخرى الموجودة في محافظة البصرة مرقد الزبير بن العوام الذي يتوسط مركز الزبير حالياً وكانت اول محاولة لبنائه عام 368 هـ ، وبناه والي البصرة وتعلق عليه القناديل والحصر والسجاد .
ثم اعاد بناءه باتكين الرومي والي البصرة عام 629 هـ وزاره الهروي السائح عام 612 هـ وذكر انه في المربد بخارج البصرة وله مسجد وزاوية يقدم فيها الطعام لعابري السبيل .
وفي عام 979 هـ قام السلطان سليمان القانوني بإنشاء قبة عليه وأجريت ترميمات وتوسيع على المسجد بأمر من شيخ الزبير قاسم الزهير في عام 1335 هـ .
ومن المراقد الاثرية الاسلامية مرقد طلحة بن عبد الله ، وكذلك مرقد انس بن مالك في منطقة الشعيبة في الجهة الشمالية الغربية من البصرة القديمة ، على بعد 14 كم .
مقبرة الحسن البصري
تعد مقبرة الحسن البصري واحدة من اقدم المقابر الإسلامية ، إذ يزيد على اربعة عشر قرناً ، وتقع حالياً في الزبير وتقدمت المعالم الاثارية الرئيسة ، سميت بأسم قبر الحسن البصري الفقيه الزاهد المعروف الذي توفي عام 110 هـ/ 728 م ودفن فيها ، ثم توفي محمد بن سيرين مفسر الاحلام المشهور فدفن الى جانب الحسن البصري وقد اكد ذلك ابن حيان المتوفي 230هـ/ 744م فقال : وأن قبر ابن سيرين بإزاء قبر الحسن البصري) .
نخيل البصرة
البصرة تعرف بمدينة النخيل والبصرة التي كانت تزهي فيها غابات النخيل وكما تشير التقديرات الى إن عدد النخيل في العراق وحسب إحصاء عام 1956 كان بحدود 70 مليون نخلة ، منها 50 مليون في منطقة شط العرب فقط .
وهذا الرقم يمثل 70% من عدد نخيل العالم ، بينما يساوي 75% من انتاج العالم للتمور ، فقد اخذ هذا الرقم بالتراجع بشكل مستمر حتى وصل الى 45 مليون نخلة عام 1975 والانتاجية هبطت الى الثلث ما كانت عليه في عام 1956 أما عدد النخيل في الوقت الحاضر فانه يخمن بين عشرة الى عشرين مليون نخلة فقط ، كما وان معظم النخيل هو في حالة رديئة ، وخاصة في مدينة البصرة حيث تم قطع الملايين من أشجار النخيل إضافة لموت الاشجار الاخرى بسبب العطش لعدم كري الانهار وشحة المياه فيها ، ووصل عدد النخيل الى 4 ملايين نخلة فقط .
أما أنواع التمور فتصل الى اكثر من 100 نوع من التمور ، وكان في البصرة قبل محنة العراق ما لا يقل عن 26 مليون نخلة ، واليوم لم يبق منها غير 9 ملايين نخلة .
وأخيراً أقول لعراقة ومتن تأريخ هذه المحافظة الكبيره هذه المدرسة في كل العلوم ولم نذكر العديد من المفاخر والاصرحة العلمية والثقافية وفي كل المجالات ، فلنعمل جميعاً لحفظ تراث هذه المحافظة العريقة في الحضارة والتأريخ الإسلامي هذه البصرة مدينة المبدعين والعلماء ومحافظة تراث وحضارة العرب والمسلمين منذ القدم والى الان تبقى البصرة زاخرة بالعلم والابداع وفي كل المجالات .
|
|
|
|