شعرية المفارقة في نماذج من
قصيدة النثر في البصرة
المقدمة
في تجربة قصيدة النثر البصرية المتسعة ثمة صور من السعي الحثيث نحو امتلاك شعرية مغايرة ، لا تخطئها عين القارئ المتتبع لما يصدر من أعمال شعرية ، قصائد ومجاميع ، لشعراء بصريين سجل ـ بعضهم ـ حضوراً فاعلاً في عائلة الشعر العراقي الحديث .
وطموح هذه الورقة المتواضعة هوفحص وقراءة وجه من وجوه شعرية هذه القصيدة, عبر نماذج منها ، دون زعمٍ بإمتلاك هذه القصيدة فرادةً كبرى أو تخطياً لفضاء العائلة الأرحب إلى آخر منعزلٍ بشكلٍ تام .
لقد جاء هذا الافراد في القراءة لسببين ، الأول : استجابة لاجراء نقدي تفرضه طبيعة الدراسة الأكاديمية في معاينة ظاهرة أو دراستها دراسة متأنية ، والثاني : لاختبار فرضيتنا التي أشرنا اليها من (سعي) هذه القصيدة الى استنبات شعرية نامية ، تحاول الاضافة ولا تقف عند حدود المنجز .
اتخذت العديد من الدراسات النقدية التي اهتمت بمحاولة تحديد السمات الفنية ، والمزايا الفائقة لقصيدة النثر ، من كتاب سوزان بيرنار( 1 ) مظلة نقدية لها ، وهي تؤشر الوعي والايجاز والتوهج والمجانية شروطاً لقصيدة النثر .
ولعل بروز هذه الخصائص في قصيدة النثر لا يعني تفردها بها ، لذا فان الأجدى في مقاربة هذه القصيدة هو البحث عن انفلاتاتها من التأطير والرسم المغلق ، حتى في توسلها المظاهر الجمالية المستنزفة تداولياً في صنع شعريته ، ذلك من خلال تلمس القنوات التي تقوم بضخ النص الشعري بكل محفز ومستثير للكامن من الطاقات الجمالية في اللغة ، خصوصاً ، وفي عناصر البناء الأخرى عموماً .
إن " الثوابت أو الملامح الشكلية الثابتة تكون مفقودة في هذا النمط الابداعي ، ومن ثم ان الحدود المباشرة والخصائص المركزية غير واردة ولا مرئية فيها" ( 2 ) ، على أن ذلك لا يحبط رغبة القراءة عند المتلقي ، بل يدفعها الى دخول فضاء مفتوح لاستنتاج دلالات احتمالية ، متحركة غير قارة ، لا تكف عن تحفيز فعل القراءة ، وفتح أبواب مقاربات عدة .
من هنا تأتي دراستنا لبنية المفارقة ودورها في صنع شعرية قصيدة النثر ، ولا أريد لروح المغامرة التي تتسم بها هذه القصيدة أن تستدرجني لمواقع قد أكون مقصراً في التمهيد له ، فأسارع لأقول ان دراسة هذه المفردة بالذات لا يعني تفرد قصيدة النثر بها ، ولكن اعتماد الأخيرة لها بشكل يتجاوز الحدود المألوفة هو ما يغري بتشخيصها بنيةً مشعةً في نص مغامر .
إن شعرية المفارقة ناتجة من أديمها الذي تخلقت منه ، فهي كما يقول (سجك) " تستمد قوتها من واحدة من أشد وأقدم وأكثر المتع دواماً في الذهن البشري المتأمل متعة مقابلة المظهر بالحقيقة " ( 3 ) .
فهي اذاً تولي عنايتها ابراز حدة التناقض بين طرفين ، مستفزة هدوء التناقض البسيط الى أعلى درجات انفجار صراخه وأكثرها امتداداً كما أنها" قول شيء بطريقـة تستثير لا تفسيراً واحداً بل سلسلة لا تنتهي من التفسيرات المغيرة "( 4 ) عند المتلقي .
إن اعتماد بنية المفارقة نسقاً جمالياً في النص أمر لا يمكن النظر اليه بمعزل عن آفاق التجربة الحياتية والجمالية للشاعر ، وما يدفع الى هذا ما يعقده الشاعر من قنوات تحاورية بين ما هو جمالي فني وما هو حياتي يومي في مقاربته الشعرية للحياة (القصيدة) فـ" التعبير بالمفارقة ، يرتبط لدى الشاعر المعاصر بالموقف الجدلي من الحياة والعصر ، وما يشوبه من صراع يجعل الفعل يرتمي من أحضان اللامعنى ، حيث تصبح المفارقة هي الوسيلة الوحيدة التي تقرر المعنى بافتراض خلفية لجميع مظاهر الصراع في هذا العصر "( 5 ) .
إلا أن الامساك بشعرية المفارقة والقدرة على تحويلها الى بنية فاعلة في النص أمر لا يقدر لكل شاعر أو نص ، وذلك لارتكاز التناول على مدى حساسية الوجوه المتنافضة من صور الحياة ، واقتناص المدهش من مرجعيات متزاحمة قد ترتبك أو تتفلت من بين أصابع بعض الشعراء ، وتفقد حضورها الفاعل وهي تدخل فضاء النص .
لذا فان توظيف المفارقة في بناء النص الشعري لا بد أن " يشكل نسقاً دالاً يتجاوز الاطار اللساني البسيط للجملة كوحدة جزئية الى أخذ النص ككل في الاعتبار " لأن المفارقة " ترتبط بالمجال الفكري الذي يثير الموقف العام داخل القصيدة "( 6 ) .
فالعملية اذن عملية كشف عن طاقة المفارقة ، وحثها على خلق مناخها الفاعل في السياق متزاوجةً ومتوحدةً مع كلية النص ،
بناءً على ما سبق سنفرد البحث لقراءة (القصيدة المفارقة) التي ستكون المفارقة فيها " بناءً تقوم عليه القصيدة ، ووعاءً يتسع لها بكاملها "( 7 ) ، متجاوزة حدود النسق البسيط الذي يقف عند وصفه وسيلةً جماليةً من وسائل عدة يعتمدها النص في بنائه .
سنتناول مجموعة من القصائد المفارقة ، حاولنا في اختيارها أن تكون مبرزة لحضور هذه التقنية حضوراً فاعلاً في بناء القصيدة .
وهذه النصوص هي :
1 ـ قصيدة (على آخر الرمل) لطالب عبد العزيز( 8 ) .
2 ـ قصيدة (الملوك سلالات لا تنتهي) لكريم جخيور( 9 ) .
3 ـ قصيدة (جمرات) لفرات صالح( 10 ) .
4 ـ قصيدة (هل يكفي اعتذاراً ) لعبد السادة البصري( 11 ) .
5 ـ قصيدة (مازحاً يقرص أذني) لعادل مردان( 12 ) .
* المفارقة المتنامية :
1 ـ (على آخر الرمل ) لطالب عبدالعزيز :
تبني القصيدة استهلالها بشكل يهيئ القارئ لارصاد خاتمها :
" انكسار الصباح على الفرات " |
" والشمس سطر فسيفساء لم يتهشم بعد " |
وما بين السطرين :
" والشمس سطر فسيفساء لم يتهشم بعد " |
هكذا يبدأ بناء المفارقة ، وهي تدخل فضاء واقعة تاريخية بارزة (واقعة الطف) حين يحصر الشاعر شخصية الامام الحسين (عليه السلام) وصحبه وأهله بين صباح عاشوراء المتكسر ، وظهيرته التي ستتهشم بشكل ينبئ بانفراط الشمل وتفرقه .
هذه المفارقة التي تجسدها بنية المشهد الاستهلالي تؤسس ارتباطاً تركيبياً مع بنية النص الكلية ، وتكاد تشكل نواةً أو ثيمةً أساسية مكتنزة لدلالة النص بأكمله .
ثم يتواصل النص عبر اتكائه على بنية الوصف والاخبار في تحقيق المفارقة وتناميها ، فعلى لسان (الصبي) الذي يبرز الى ساحة الحرب تتجسد صورة طرفي المعركة ؛ الجانب الحسيني الذي ينتمي له الصبي ، فهو ابن الامام الحسن(عليه السلام) ، والجانب الآخر تمثله سيوف الأعداء المشرعة ، والرماح التي تحتطب المنايا في العراء .
ويأتي السطر الشعري :
" لكن نصرنا لا بد أن يقطر من سيوفهم " |
ليعيد تشكيل بنية المفتتح للقصيدة عبر مفارقة واضحة ، فالنصر لابد أن يكون بإلإستشهاد ويقف (الصبي) متأملاً المشهد :
" ولما كانت الشمس تذبل آخر الرمل كـــرهـــت iiدمــــــي فـجعلت قـلبي عـلى راحة سيفي ومــضــيـت إلــيــهـم " |
وهكذا تتدفق صور المفارقة راسمة ً جو المعركة من خلال عين الصبي الذي, وعلى نحوٍ منسجم تماماً على إنباء المفتتح يختار نصره في أن يكمل نزف دمه بين يدي عمه الحسين (عليه السلام) :
" ولما بلغت جراح المائة آويــت إلـى iiعـمي كـي أمـوت أمـامه " |
ان التماثل الدلالي القائم بين أول سطر شعري وآخر سطر من النص يؤكد دوران المفارقة التي نمت بشكل عضوي داخل النص :
وعلى المستوى الجمالي لبنى الوصف المستخدمة في البناء ، فإن انتقالات المفارقة لم تسقط في نثرية باردة ، بل حافظت وعبر انسجامها مع بنية النص الكلية على حرارة شعريتها وهي تنمو وصولاً الى الخاتمة .
2 ـ (الملوك / سلالات لا تنتهي) للشاعر كريم جخيور :
يعتمد النص تساؤلاً على لسان الشاعر بوساطة الأداتين (ما) و(هل) الاستفهاميتين عن سبب اهتمام الشاعر بالملوك وأحوالهم ، وبشكل يفلح فيه الشاعر في أن نشاركه استغرابه وحيرته من سبب ذلك ، ويأتي التساؤل عفوياً ، مفاجئاً ، ينتبه الى نفسه هكذا دون مقدمات .
والقارئ حينما يستدرجه الشاعر الى تعداد مفردات حياة الملوك لا يلبث أن ينشئ في دواخله توقعات عديدة تصلح أن تكون اجابة عن سؤال لحوح وغريب كهذا :
" هـل كـنت أحـلم أن أكون ملكاً ii؟ هل كنت أنتمي الى إحدى سلالاتهم ؟" |
الا أن اصطدام هذه التساؤلات بجواب متيقن :
ثم ايضاح هذا النفي بجمل تحقق مفارقة لفظية ودلالية صادمة تعزل كل التوقعات السابقة التي أنشئت لتضعنا أمام واقع جديد :
" فإن جدي السابع عشر كـان فـلاحاً بلا iiأرض أو راعـياً بدون قطيع " |
وتستمر القصيدة حتى النهاية في تخليق مفارقاتها القصدية بعد أن مهدت لذلك بتساؤلات بدت عفوية كما رأينا ، وقد كان استثمار طاقة التساؤل بما فيه من حيرة واستغراب ثم الانتقال الى واقع مشحون بمفارقات جزئية ، ناجحاً في بناء مفارقة نامية استكمل النص بها بناءه ، وصولاً الى لحظة الإخبار الكاشفة في نهاية القصيدة ، حينما يذكر الشاعر حالة جده ومصيره :
" إنه ينام الآن سعيداً في قبره الخرب لأن أحـــد أفــراد iiسـلالاتـه وهــــو أنـــا iiبـالـتـأكيد قــــد أصــبـح شــاعـراً يـتـجمع عـلى أبـوابه الـملوك " |
ومن عودة الى البداية ، وقراءة العنوان ، نجد أن دلالته جاءت واضحة تفيد استمرارية المتسلطين بكل اهتماماتهم الباذخة على حساب المعدمين .
إلا أن هذه الدلالة تنتهي في خاتمة القصيدة الى إحالة دلالية أخرى ، تحقق مفارقة ضاربة لكل ما اشتغلت على بنائه القصيدة ، فالدلالة المحال اليها ستكون (ان الشعراء سلالات لا تنتهي) ايضاً ، طالما استمر تجمع سلالات الملوك على أبوابهم ، وهكذا أيضاً ، تتحقق مفارقة مغيبة في نص غائب أو مفترض يمكن أن يكون فيه ملك ما يتساءل عن سبب اهتمامه بالشعراء ، رغم أنه لا يملك من كنوز المعرفة حرفاً ، الى أن ينتهي الأمر الى صنع مفارقته المنكسرة ، فهو يدمن الوقوف على أبواب الشعراء ، ارضاءً لنرجسية شرهة لا يفلح في إسكاتها .
إن النص قدم لنا مفارقة متنامية تنكرت بشكل ايهامي في النهاية ، ولكنها سرعان ما غادرتها عبر إحالة ايحائية الى بداية أخرى لنص آخر ، يحتفي بصنع مفارقة أخرى جديدة .
* الجملة الشعرية المفارقة :
3 ـ قصيدة ( جمرات ) للشاعر فرات صالح .
4 ـ قصيدة ( هل يكفي اعتذاراً ) للشاعر عبد السادة البصري .
5 ـ قصيدة ( مازحاً يقرص أذني ) للشاعر عادل مردان .
تفتح هذه النصوص الثلاثة مجالاً رحباً لاشتغال القراءة النقدية ، ولكني سأختار مقترباً نقدياً واحداً في قراءة هذه النصوص ، يحاول التقاط المشترك البنائي الذي تعتمده في تخليق مفارقتها ، وهو اعتمادها الجملة الشعرية المكثفة لغوياً والساعية الى تحقيق انفتاح وثراء دلالي عبر موازنة صعبة .
يتكون التجسد النصي لقصيدة (جمرات) من أربع عشرة جملة شعرية وثلاثة عشر بياضاَ فاصلاً بين الجمل .
وابتداءً يشير العنوان الى دلالة التوهج رغم التعدد والتجزؤ فـ(الجمرات) النصية رغم احتفاظها بحرارة دلالتها الجزئية في كل (جمرة / جملة) فهي في النهاية لا تملك الا أن تنخرط في مجموع كلي ، وتوهج كلي يمثله النص بأكمله .
وكل جملة تطرح مفارقة لفظية ودلالية تكون ذات الشاعر فيها حلقة وصل بما يليها دون أن تضيع خصوصية كل جملة ، وهكذا نقرأ :
" أنـــا iiالـبـرئ أشــرح iiجـرائمي جــــســـدي أعـمى يـقود iiقطيعاً مـن رغـائب iiجائعة مساءات بأكمام ضيقة لـــي iiوحــدي يـخيطها الـغياب ii" |
وتستخدم المفارقة في بنيتها ألفاظاً تنتمي الى فضاء واحد هو فضاء الوحشة والإستلاب ، والذات مرتكز أو محور دوران النص .
ويتكفل البياض بصبغ فواصل زمنية خاملة ، لا تغير من وطأة الشعور بالاستلاب وتمظهراته الواقعية في حياة الشاعر أو جمراته ، وربما تعيننا في استنطاق دلالة البياض ، الجملتان الشعريتان المتتاليتان في النص :
" يـضـحـك iiالـحـلـزون سلحفاة الوقت مرت بسرعة ! وحـشي عميق أيها iiالبياض أنــت والـسواد تـماماً ii" |
وهكذا يمكن أن نلمح تعالقاً دلالياً بين الجمل الشعرية من خلال ما تنتجه هذه الجمل من مفارقات تهدف الى اشاعة فضاء واحد وعبر تناوبها الإنتقالي في الظهور بين السواد / والبياض داخل النص .
ولعل هذا الأمر يجسد قصدية الشاعر في أن يمنح القارئ دخولاً مباشراً ، يتمكن من خلاله الكشف عن مفارقة مغيبة أو مخفية .
إن اعتماد النص البياض الفاصل بين الجمل الشعرية ، يحقق الى درجة ما ، تعزيزاً دلالياً لما تقدمه الألفاظ المكتوبة من دلالة وهو أمر يندرج فيما يمكن تأشيره ، بتحفيز القراءة الفاعلة ، المتحركة ، في أن تسهم في عملية استنطاق الدلالة وانتاجها ، ولكن السؤال هنا : هل أسهمت هذه البياضات الفاصلة في إثراء شعرية المفارقة في النص أم أنها توقفت عند حدود كونها موجهاً قرائياً فقط ؟
إن غياب الكتابة متمثلاً بالبياض بين المقاطع ، يمنح الأخير فرصة الحضور الفاعل فـ" كما أن السواد ينتج ملفوظاً شعرياً ، هو في المحصلة مقولٌ دلالي ، فان البياض بوجود السواد ينتج مسكوتاً عنه شعرياً ، هو في المحصلة مقول دلالي أيضاً ، ولولا المقول الدلالي الذي ينتجه السواد لما حظي بهذه المرتبة "( 13 ).
ويشترك نص عبد السادة البصري (هل يكفي اعتذاراً) في كثير من ملاحمه بنص فرات ، من أنه يبني مفارقته الكلية عبر جمل شعرية (وهي هنا أربعة) ، مكثفة ومختزلة تحمل كل منها مفارقتها الخاصة ، والتي تكون الذات محورها أيضاً :
" أجسادنا محض افتراء ii، إنــنــا iiثــيــاب تـصـافح iiالأرصـفـة على البعد تربض iiأسماؤنا خلف متاريس من الصفات لـم تشبهنا واحدة أبداً ii" |
وهنا تسعى هذه الجمل الى تحقيق درجة من الترابط العضوي الفاعل بينها ، من شأنها أن تسم النص بوحدة دلالية كلية ، رغم أن هذه الجمل الشعرية قد بدت مستقلة في ظاهرها .
وربما تكون المفارقة اللفظية المكثفة أنسب أشكال المفارقة في تكوين بنية النص القائم على الجملة الشعرية ، وهذا أمر لا تخفى صعوبته كما لا يخفى اخفاق الكثير من النصوص الشعرية في تحقيق ذلك ، فترشيق العبارة الى أقصى حد ممكن لبلوغ دلالة متسعة ، مشعة أمر في غاية الصعوبة .
أما في نص عادل مردان (مازحاً يقرص أذني) فإننا نقرأ تكريساً لصور الموت عبر أربعة مقاطع فصلها الشاعر عن بعضها بدوائر سوداء ، ايهاماً منه للقارئ باستقلالية كل منهما .
الا أن صدمة المفارقة التي تصنعها كل جملة شعرية تحمل القارئ على أن يستشعر توافقاً نفسياً يكاد أن يكون متعادلاً في جمل النص الأربعة ، وبالشكل الذي سيبدو فيه الفصل فيما بينها قسرياً ، ربما أراده الشاعر دلالةً على القطع الزمني الذي يخلف احساسا ً بوجودٍ مهدد بالفناء :
" تـحـت شـجرة iiالأبـد أعـزل حـتفي الأبـيض مـازحـاً يـقرص أذنـي الموت الذي لا صاحب له " |
إن تكريس صور الموت جاء مجسداً في مفارقات اعتمدت الجمل الأربعة في بنائها على ألفاظ من مثل (الألم ، أوهامي ، يدك الشاحبة ، حتفي الأبيض ، الموت) وهي مفردات لايمكن النظر اليها متحررة في صورتها المنفصلة هذه ، فكيف وهي تنتمي الى نص واحد ، تنتقل مفارقاته من جملة الى أخرى انتقالاً متنامياً .
ختاماً لم تكن هذه المقاربة سوى قراءة أولى ، لم تهدف الى تقصي روافد شعرية المفارقة في قصيدة النثر البصرية بكل أشكالها وأنماطها ، بقدر ما سعت الى أن تتجاوز حدود الحساسية النقدية تجاه هذه القصيدة (قصيدة النثر) القائمة حتى الآن ، بين القبول والرفض, الى منطقة القراءة الاجرائية والمراجعة الشعرية التي تحتكم الى المنجز الشعري بما هو كائن وتختبر فاعلية وجوده وخصوصيته .
الهوامش
1 ـ الكتاب في الأصل أطروحة دكتوراه للكاتبة ، ترجمه عن الفرنسية ، الدكتور زهير مجيد مغامس ، بعنوان : قصيدة النثر من بود لير الى أيامنا ، وصدر عن دار المامون للترجمة والنشر ، بغداد ـ 1993 .
2 ـ المرآة والنافذة : د . بشرى موسى صالح ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 2001 ، ص 194 .
3 ـ المفارقة وصفاتها : د . سي . ميوبك ، ت : د .عبدالواحد لؤلؤة ، دار المأمون للترجمة والنشر ، بغداد ـ د.ت. ص 58.
4 ـ ن . م : ص 43
5 ـ اللغة الشعرية دراسة في شعر حميد سعيد : محمد كنوني ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ـ 1997 م ، ص 271 .
6 ـ ن . م : ص 271
7 ـ المفارقة في شعر محمود درويش : خالد سليمان ، مجلة أبحاث اليرموك ، مج13 ، ع2 ، 1995 ، ص 230 .
8 ـ ما لا يفضحه السراج : طالب عبدالعزيز ، دار الشموس للدراسات والتوزيع والنشر ، دمشق ، ط1 ، 2000 ، ص 29 ـ 30 .
9 ـ عزلة من زمرد : مجموعة شعرية مشتركة ، كتاب فنارات (1) اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة ، ص 13 ـ 15 .
10 ـ ن . م : ص 20 ـ 23.
11 ـ لا شيء لنا : عبدالسادة البصري ، دار أزمنة ، الأردن ، ط 1 ، 1998 .
12 ـ مجلة أسفار ، ع ( 17/18) صيف 1994 ، ص 10 .
13 ـ فضاء البياض أو المسكوت عنه في القصيدة المعاصرة : د. سمير الخليل ، جريدة الأديب ، س ، ع 82 ، ص 6 .
مصادر الدراسة
أ ـ الكتب
1 ـ عزلة من زمرد: مجموعة شعرية مشتركة ، كتاب فنارات (1) إتحاد الأدباء والكتاب في البصرة .
2 ـ قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا ، دار المأمون للترجمة والنشر ، بغداد ـ 1993 .
3 ـ مالا يفضحه السراج: طالب عبدالعزيز ، دار الشموس للدراسات والتوزيع والنشر، دمشق ، ط 1 ، 2000 .
4 ـ المرآة والنافذة: د. بشرى موسى صالح ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ـ 2001 .
5 ـ المفارقة وصفاتها: د. سي.ميوبك ، ت: د. عبدالواحد لؤلؤة ، دار المامون للترجمة والنشر ، بغداد ـ د.ت.
6 ـ لاشيء لنا: عبدالسادة البصري ، دار ازمنة ، الاردن ، ط1 ـ 1998 .
ب ـ المجلات والصحف
1 ـ جريدة الاديب ، بغداد ، س 2 ، ع 82 .
2 ـ مجلة ابحاث اليرموك ، مج 13 ، ع 2 ، 1995 .
3 ـ مجلة اسفار ، بغداد ، ع [ 17 / 18 ] صيف 1994 .
|
|
|
|