وصلت البصرة في أوائل القرن الثالث الهجري الى درجة عالية من الرقي والعمران ويبلغ بعض المؤرخين في وصف هذه المدينة فقد كتبوا ان بعض خلفاء بني العباس في بغداد سنة 210 هـ سأل عن عدد العلماء والطلاب في البصرة ، فأخبروه ان فيها سبعمائة مدرس ، وعشرة الآف طالب علم .
فطلب الخليفة نسخة من كل مؤلف من مؤلفات علماء البصرة فحصلوا على نسخة من كل كتاب من الكتب التي ألفت في مختلف العلوم خلال عشرين سنة ، فأجتمع لديهم أكثر من مائتي الف مجلد حملوها الى بغداد في ثلاث سفن .
وذكر انه كان في هذه المدينة عام 226 هـ سبعة عشر الف مسجد كبير وصغير وسبعة الآف حمام ، وان عدد الدراويش الذين سكنوا المساجد كان قد وصل الى ( 160 ) الف درويش ، وأن طول حدائق النخيل في البصرة وصل الى ( 54 ) فرسخاً وعرضها ما بين ( 5 ، 3 ـ 4 ) فراسخ ، وان عدد الانهار والجداول الكبيرة المتفرعة من شط العرب لإرواء الحدائق قد زاد عن ( 120 ) الف نهر وجدول .
يسير فيها أكثر من خمسمائة الف زورق ، وقد وصل عدد السفن التجارية القادمة من الهند والصين ومؤانئ فارس وعمان وغيرها ورست في ميناء البصرة خلال شهر واحد الى ( 150 ) الف سفينة .
اما اصحاب الثراء الذين كانوا في البصرة في هذا القرن ومنهم ، محمد بن سليمان الذي كان معروفاً بين بني العباس بالعدل والسخاء والثراء .
فقد استلم ذات يوم مائة الف درهم عائدات من أملاكه ، وبني قصراً فخماً على شاطئ احد الانهار مع حديقة جمع فيها الغزلان ، والحمر الوحشية والنعام ، وجميع انواع الحيوانات الوحشية والطيور المغردة ، ونضمها على شكل حديقة حيوانات وللشعراء اقوال في وصف القصر وحديقته من ضمنها قول احدهم :
زر وادي القصر نعم القصر والوادي
فـي منزل حاضر ان شئت او iiبادي
وفي القصور الفخمة التي شيدت في البصرة وأعتبرها اصحاب التواريخ جديرة بالذكر ، قصر عبيد بن زياد الموسوم بقصر البيضاء ، فقد كان الناس يأتون اليه ويتجولون فيه للاستمتاع بزينته وجماله ، وكذلك قصر آوس بن ثعلبه الذي كان والياً على العراق وخرسان من قبل بني امية .
ويقع القصر في مرج اخضر بالقرب من المربد ، وقد ارتفعت شرفاته وغرفه حتى وصلت السحاب .
وكانت حوله الاشجار الخضراء والمروج الخضراء مما يزيد في صفائه وبهجته ، قال شاعر في وصفه :
يـفـرس كـأبكار الجواري وتربة فيا طيب ذاك القصر قصرا iiونزهة
كـأن ثراها ماء ورد على iiمسك ويـا قبيح سهل عن وعر ولاضنك
كان سكان البصرة في هذا العهد ـ حسب القرائن الصحيحة يزيدون على المليون ، فقد ذكر ان أبا جعفر المنصور وزع على أهل البصرة مليون درهم .
فوصل لكل رجل درهمان ومن المؤكد ان النساء والاطفال كانوا اكثر من خمسمائة الف ، وهذه قاعدة كلية فأن النساء والاطفال في اي مكان اكثر من الرجال .
من ذلك يتبين ان البصرة في هذا العهد كانت من مدن الدرجة الاولى من حيث التمدن والعمران والرقي المادي والمعنوي .