الأبلة . . . من جنان الدنيا الأربع

الاستاذ عبد الله رمضان العيادة

   المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
  الابلة بضم أولها وثانيها وتشديد اللام ، وهي اسم البلدة التي كانت بها امرأة خمارة تعرف بـ ( هوب ) في زمن النبط فطلبها قوم من النبط فقيل لهم ( هوب لاكا ) بتشديد اللام أي ليست هوب هنا فجاءت الفرس فغلظت اللفظة فقالت ( هوبلت ) ثم عربتها العرب فقالت الابلة واشتق اسمها من مربض الإبل وهي تعريب لاسمها باليوناني ( Apologos ) معروفاً في المئة الرابعة ( 400 ق . م ) فقد ذكرها ( نيارخس ) ( Nearchus ) البحارالاقريطيشي وكان قائدا لاسطول الاسكندر المقدوني الذي قال عن مدينة الابلة ( إنها مستودع لتجارات الخليج ) وأهل البحر ، أهل الخليج العربي ويسميه العرب ( خليج البصرة ) واشتهرت البصرة في كل الأزمنة بأنهارها التي عدت على ما ذكره ابن حوقل الرحالة سنة ( 400 هـ ـ 1000 م ) التي زادت على ( مئة ألف ) نهر تجري في أكثرها الزوارق والسفن ونهر المعقل هو النهر الكبير الآتي من جهة بغداد ، حفره ( معقل بن يسار المازني ) الصحابي في أيام الخليفة عمر وكذلك نهر الابلة ، ويمتدان من البصرة نحو الجنوب الشرقي ، كان طول كل منهما أربعة فراسخ وكانت بساتين وقصور وأسواق الابلة على نهرها معروفة بأنها جنة من جنان الدنيا الأربع ، والابلة هذه يرجع تاريخها إلى العهد الأسباني بل إلى أقدم من ذلك وهي على الفيض ( نهر شط العرب ) ذات الهواء الحار .
  ولما بنى المسلمون البصرة مدينتهم الجديدة جعلوها في الداخل عند طرف البادية ، وكانت الابلة ، عند مدخل النهر من قبل الشمال في الجزيرة الكبرى وبإزائها من نحو الجنوب للبلدة المسماة بشق عثمان ( ويقال ان عثمان هذا حفيد سمية أم الخليفة الثالث العباسي ) وكانت الابلة في سنة ( 400 هـ ـ 1000 م ) بلدة كبيرة ذات مسجد جامع ونهر ، وهما على ما روى المقدسي عامرتان ، و ذكرهما السائح الإيراني ( ناصر خسرو ) .
  إن قصور هاتين المدينتين وأسواقهما وجامعهما في حالة حسنة ولكن المغول خربوها ، و كتب القزويني في سنة ( 700 هـ ـ 1300 م ) قال : أن هذه المواضع قد آلت الى الخراب ، وبقي النهر مشهوراًَ بسدوده ، وبعد ذلك بقرن وصف الرحالة ابن بطوطة الأبله فقال ( هي الآن قرية ، وقد نهضت من حالتها هذه التي آلت أليها حين قامت البصرة الحديثة من موضوعها القديم الى الجديد ) وكان على ركن الأبله دجلة ، خور عظيم الخطر جسيم الضرر ، وكانت أكثر السفن تغرق فيه . . . وعلى ما جاء في قول أبن حوقل ( احتالت بعض نساء بني العباس ـ ذكر بعضهم زبيدة ـ بمراكب أو سقتها بالحجارة العظام وابتلعها نهر الأبله . . . ) ، وذكر ابن سرابيون الأنهار التسعة التي تصب في شط العرب وما يسمى بفيض البصرة والأنهار التسعة هي ( نهر المرأة في السيبة ونهر الدير ـ ما يعرف بنهر شق شيرين ، ونهر الأبله ونهر اليهودي ونهر أبي الخصيب ونهر الأمير ( مدخل نهر شط العشار ) ونهر الخندق ) ومن جانبي نهر الأبلة وثلاثة فوق أو أربعة جنوب البصرة و بين نهر الأبله وفم الفيض ( شط العرب ) على أن أهم هذه الأنهار هو نهر ابي الخصيب ـ وإنما سُمي بذلك نسبة الى مولى من موالي الخليفة المنصور فقد بني عليه في عام ( 300 هـ ـ 900 م ) حصن عظيم للثوار الزنج وهذه المدينة سماها الزنج المختارة في أواسط المئة الثالثة سنة ( 257 هـ ) وكانت حصينة مكينة فامتنعت زمناً طويلاً على جيوش الخليفة العباسي التي جردها عليها ولم يقض بعد ذلك على فتنة الزنج القضاء النهائي إلا بعد حروب دامت خمس عشرة سنة .
  وكانت أهم الأنهار في شرق فيض دجلة ( شط العرب ) على ما ذكره أبن سرابيون ، نهر الريان وعلى مقربة منه مدينتنا ( المفتح والدسكرة ) ولا يُعلم موضعها الآن، وأن كانت الأولى ذات شأن بحيث غلب أسمها على الفيض فسمي دجلة المفتح ، واسفل هذا النهر ، نهر بيان وعند مدخله بلدة بيان على بعد خمسة فراسخ من الأبله على الفيض ( شط العرب ) ومن موضعها اليوم ميناء المحمرة على نهر الكارون ، وهذا النهر يصل أعالي فيض دجلة بفيض دُجيل ( كارون ) قال أبن سرابيون : أن هذا النهر طوله أربعة فراسخ وقد شقهُ عضد الدولة البويهي ، وبعد ذلك بقرن ذكرهُ قدامه باسم ( النهر الجديد ) وكانت تسير فيه السفن الآتية من البصرة الى الاهواز وكانت السفن قبل أن يشق النهر العضدي ( على ما سماهُ المقدسي ) تذهب في النهر الى البحر ثم تعود فتدخل من البحر الى فيض دجلة ( وشط العرب ) مارة بنهر الأبله .


BASRAHCITY.NET