جوانبُ مِنْ سياسةِ الإمامِ عليٍّ (ع) معَ أهلِ البصرةِ

د . علاء حسن مردان اللاّميّ

المقدمة

  تنطلقُ دراسةُ التّاريخ الإسلاميّ من معرفة الشّخصيّات الإسلاميّة التي صنعتْ ذلك التّاريخ، أو أنّ التّاريخ هو مَن صنعها ، إذْ إنهّا مثّلتْ الدّورَ الأوّل للرّواية التّاريخيّة المبكّرة على أنّها صورة تلك الأحداث الحقيقيّة، فتناقلتها المصنّفات والمدوّنات التّاريخيّة على اختلافها، فجاء ذلك النّقل بصورٍ مختلفةٍ ومتفاوتةٍ في المعنى، تبعاً للمصنِّف أو المدوِّن، وهذا الأمر خلق صورة تاريخيّة تُؤَوَّل على أكثر من سياق أو وجهة نظر عند مَن يهتمّ لتاريخ الشّخصيّات، أو الأحداث الإسلاميّة بصورتها العامّة.
  من هذا المنطلق، جاء هذا البحث ليسلّط الضّوء على الرّواية التّاريخيّة التي نقلتْ خبر الإمام عليّ (ع) مع أهل البصرة، وطبيعة سياسته . معهم، وهل كان متفهّماً الوضع الذي حلّ بمدينتهم، أو إنّه تعامل معهم مِن منصب الخليفة والحاكم الآمر النّاهي على مَن هُم تحت سطوته، فيبرِّر أفعاله على وفق مصلحة السّياسة التي انتهجها لدولته ؟ فهل فعلاً هذه الأفكار هي أساس سياسة أمير المؤمنينَ (ع) بين رعيّته، أو هناك صورة أخرى قدْ غيّبها التّاريخ، أو لمْ تُفسرَّ بصورة أكثر قبولاً مع توجّه أمير المؤمنينَ (ع)، فليس كلّ ما يُقال صحيحاً، وليس كلّ ما يُعرف حقيقةً، بل في منهجيّة الكتابة التّاريخيّة يبقى المجال مفتوحاً لكلّ مَن يرغب في أنْ يطوِّع فكرته ويذوِّبها بناءً على الرّواية التّاريخيّة، ومحاولتنا هذه لمْ تأتِ من أجل تبرير موقف ما يخصّ أهل البصرة في القرن الأوّل من الهجرة، ولا يرفع مِنْ شأنهم في ظلّ شخص أمير المؤمنين (ع) ، وإنّما هي محاولة لاستيعاب تلك السّياسة الرّائعة التي نهجها قائدٌ منتصرٌ يمتلكُ كلَّ المقوّمات للتحكّم بمصير مدينةٍ مغلوبةٍ، تمرَّد بعض أهلها عليه، وصادروا حقّه في قيادة الدّولة الإسلاميّة، بناءً على رغبة أغلب المسلمين - آنذاك - ، إذْ هم مَن انتخب الإمام عليّاً (ع)، وبطريقة الحرّيّة الحقيقيّة، من دون أنْ يُمارس فيها شيئاً مِن الضّغط، أو التخبّط في المصلحة الشّخصيّة أو الفئويّة.
  إنّ نهج أمير المؤمنينَ (ع) مع أهل البصرة كان محاولة منه في تحقيق المصلحة الإنسانيّة، وتحقيق سبل العيش الكريم، مِنْ دون أيّ تجاوزات، أو أنْ يكون هناك طالب حقٍّ، أو مغبون لمْ يهتد إلى حقّة، ولا يرغبُ في الإساءة وإشاعتها بين أبناء المدينة الواحدة، بل رغّبهم في الحياة المبنيّة على الودّ والتّسامح، بعيداً عن التزلّف أو التلوّن في صفحات الحياة، تبعاً للمواقف التي تعرّضوا إليها، وعلّمهم أنّ المسيء له الحقّ في الحصول على فرصة للتّصحيح وإدراك ما فاته مِن واقعٍ سلبه حقّ الاختيار تبعاً لصعوبته، أو لشرود الذّهن في الاتّجاه غير الصّحيح.
  فسياسة أمير المؤمنينَ (ع) كانت منطلقاً للتّصحيح، مع تحقيق الصّورة اللاّئقة بها، وهذا الشّيء لا يتحقّق إلاّ من خلال معالجة البيئة الفكريّة والثقافيّة للنّاس، فكان . خيرَ مَن مثّل ذلك ، إذْ تجوّل في مدينة البصرة لأكثر مِنْ شهرين ، منْ أجل هدايتهم إلى الحقّ، وكشف زيف الآخرينَ، أو الّذين ادّعوا أنّم كانوا على حقّ في تطبيق حقّ الشّريعة الإسلاميّة، فنجده يكلّم النّاس على قدر معرفتهم، ويأمرهم باتّباع العقل في تحقيقِ الحقّ، لا اتّباع المشهور، وأيضاً بيّن . لهم بعض التصرّفات التي بدأوها في بيئتهم على أنهّا لا تمتّ لسمة الإنسانيّة بصلة، ومَن تعامَلَ بها عُدّ مِن تَبَعَةِ الجاهليّة، بل أكثر من ذلك، فقدْ يُعيَّ أبناؤه مِنْ بعده على فعلته تلك، وهذا يدلُّ على أنّه (ع) تعامل معهم على أساس عقولهم وفكرهم، لا على أساس ما يمتلكه مِنْ معارف وقيم إسلاميّة سامية.

المبحثُ الأوّلُ
نظرةٌ في البعدِ الدَّلاليِّ لمفردةِ الّسياسةِ

السياسة والتسيّس

  عرّف أصحابُ اللّغة السّياسة بأنّها : (القيام على الشّيء بما يُصلحُه)، وفي قولهم : سوَّسَهُ القومُ، جعلوه يسوسهم، ويقال : سوَّسَ فلان أمرَ بني فلان، أي : كُلِّف سياستَهم (1) ، وقال الجوهريّ : سُوِّسَ الرّجلُ أمورَ النّاس، على مالم يُسَمَّ فاعلُه، إذا مُلِّكَ أمرهم، ويذكرُ قول الحُطيئة :
لـقدْ سُوِّسْتِ أمرَ بنيكِ iiحتّى      تركتِهِمُ أدّقَّ مِنَ الطّحِيِْ  (2)
  وقيل : الإمام عارف بالسّياسة، وكان بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم، وهو القيام على الشّء بما يُصلحه (3).   وفي غريب الحديث، يقال : آلَ الأمير رعيّته، يؤولها أولاً وإيالاً، أي : ساسها، وأحسن رعايتها (4) ، فالسّياسة هي ولاية شؤون الرعيّة وتدبير أمورهم، والقيام على الشّيء بما يُصلحه، فكانتْ نظرتُم على أساس المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم، وربّما كانتْ هذه المسؤوليّة تفرض عليهم الخروج عن مبادئ الإسلام وقيمه الأصيلة من أجل إصلاح الشّيء بما يُناسبه، فربّما كانتْ ملازمة للحقّ، أو على النقيض من ذلك، بأنْ تقوم على أساس الخدعة بالأماني من أجل تلافي خطرٍ ما.
  أمّا نظرة المؤرّخينَ إلى السّياسة والمُلك بوصفهما ذواتَ ارتباط ثنائيّ، فيرى ابن حزم -مثلاً- أنّه يجبُ أنْ تتوافر بعض الشّروط بصاحب الإمارة، منها : (حُسنُ السّياسة، ونجدة النّفس، والرّفق في غير مهانة، والشدّة في غير عنف، والعدلُ بغير إسراف، وتمييز صفات النّاس في أخلاقهم، وسَعة الصّدر، معَ البراءة مِن المعاصي، والمعرفة بما يخصّه في نفسه وفي دينه، وإنْ لم يكن صاحب عبارة، ولا واسع العلم (5) وهناك مَن يذهبُ إلى أنّ ، السّياسة والمُلك هي كفالة للخلق وخلافة لله في العباد لتنفيذ أحكامه فيهم، وأحكامُ الله في خلقه وعباده إنّما هي بالخير ومراعاة المصالح، كما تشهد به الشّائع، وأحكامُ البشر إنّما هي من الجهل والشّيطان بخلاف قدرة الله سبحانه وقدره (6) فنظرة المؤرّخينَ تقومُ على أساس التّقريب بين الدّين والسّياسة في التّدبير (7)، يقول أحدُ الباحثينَ : (لا فصل بين المسائل السّياسيّة وبينَ أيّ مسألةٍ مِن المسائل الفقهيّة الدّينيّة على الإطلاق ، إذْ الدّين عينُ السّياسة، والسّياسة عينُ الدّين ، لأنّ التحرّك السّياسيّ في مختلف المجالات والأنحاء يحتاج إلى الفقيه ليعطيَ الشّرعيّة له (8).
  وقدْ أقام الإسلامُ سياسةً بنّاءة تقوم على العدل والمساواة وتحقيق الرّفاهية الشّاملة لجميع الأمم والشّعوب، من دون استثناء، فهي أجدر سياسة وأقومها بتحقيق العدل الاجتماعيّ (9) ، فقدْ حدّد الإسلام منطلقات الحكّام وأساليب التّدبير لحفظ الرعيّة، ومِن ثَمّ يكون هناك توازن بين الحاكم والمحكوم في إنصاف الطّرفين، لإشاعة روح التعاون والألفة الجماعيّة ، لأنّ السّياسة تقوم على أساس الحقوق الشّرعيّة، وليس على حساب المصالح والغايات والأطماع الشّخصيّة.
  أمّا نظرة الغرب للسّياسة، فقدْ عدّوها (حكم الدّول) (10)، على وفق النّظرة الحديثة القائمة على أساس العلاقات التّجاريّة والاقتصاديّة والتّبادل النفعيّ، وقدْ توسّعوا في دراسة هذا الاتجّاه ليتمكّنوا من الغطرسة والسّيطرة على الكيانات الضّعيفة والتحكّم بمصيرها على حساب مصالحها بالدّرجة الأولى، ومِن ثمَّ نظروا إلى الإسلام بنظرة التّصغير، وجرّدوه من تلك السّياسة الشّاملة، التي تقوِّض مشاريعهم الاحتكاريّة ، لذلك فجذور السّياسة الإسلاميّة هي منطلق لحفظ الشّعوب واستقلالها بكيانها لتواصل حياتها (11).

المبحثُ الثاني
ّسياسةُ الإمامِ عليٍّ (ع) في احتواءِ المخالفينَ وعدمِ إقصائهم

  ونظراً إلى اتّباع سياسة الإسلام الحكيمة في تدبير شؤون الخلق، كانتْ سياسة أمير المؤمنينَ عليّ بن أبي طالب (ع) في أهل البصرة خيراً لمَنْ اتّبعه واقتفى منهجه ممّا طلعتْ عليه الشّمس (12) ، فهدف الإمام هو الحفاظ على روح الإسلام الفتيّ، والدّفاع عن مبادئه وتحقيق العدالة، وهذه الإجراءات ليس كما عرفها أهلُ اللّغة من القيام على الشّيء بما يُصلحه، بل التزم أمير المؤمنينَ (ع) سياسة التّعامل على قدر عقول البصريّين واحتواء أفكارهم، فهو لمْ يوجِّه التُّهم وإصدار العقوبة لمَنْ خالفه بعد نهاية معركة الجمل، بل التزم مبدأ الحرّيّة والتّعبير عن الرّأي، الذي يعكس منهج الإمام السّياسيّ المتكامل ، إذْ إنّه جاء للحفاظ على الوحدة السّياسيّة والاجتماعيّة، وتوجيه النّصح، ومنح الفرصة لمَن انحرف عن جادّة الصّواب (13) وهذا التوجّه استخدمه (ع) قبل دخوله البصرة، وقبل وقوعِ القتال ، كي يتسنّى للنّاس مراجعة أمرهم ومعرفة الحقيقة على أوضح صورة، فالإمام (ع) اعتمد على السّياسة الإسلاميّة، كي لا يكون هناك مغبونٌ، أو طالب حقّ لمْ يجد الدّليل إلى مطلبه، لذلك كانتْ سياسته ضمن إطار الإسلام والشّريعة ككلٍّ، حتّى يكون مقبولاً عند الله -عزّ وجلّ-، وتترتّب عليه آثار الطّاعة في الحياة، ويؤدّي ثماره كاملة (14) . ثمّ إنّ خروج أمير المؤمنينَ عليّ (ع) إلى البصرة كان لحفظ أهلها من الانحراف، وتخليصهم من الفتنة التي ابتُلوا بها، فهو لمْ يكن بعيداً عن صوت النّاس في البصرة، بل إنّه (ع) كان على علمٍ بحال أهلها وما يواجهونَ مِن الضّغوط التي سيفرضها الطّرف الآخر في سبيل الحصول على مبتغاه السّياسيّ، فما إنْ علمَ بحال أهل البصرة، حتّى نجده يتأسّف عليهم، وكأنّه قدْ كان معهم في وقيعتِهم (15).
  ويُروى أنّ الإمام عليّاً (ع) التقى بعضَ أهل البصرة قبل وقوع معركة الجمل، ومِن بين أهلها (كليب الجرميّ) (16)، وقدْ أرسله قوم من أهل البصرة لمّا قرب (ع) منها، ليعلمَ لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل، لتزول الشّبهة من نفوسهم، فبيََّن (ع) له من أمره معهم ما علم به أنّه على الحقّ، ثمّ قال : (بايعْ، فقال : إنّ رسولُ قومٍ لا أُحدِثُ حدثاً حتّى أرجع إليهم، فقال (ع) : ( أرأيتَ لو أنّ الّذينَ وراءك بعثوكَ رائداً تبتغي لهم مساقطَ الغَيث، فرجعتَ إليهم فأخبرتهم عن الكلاء والماء، فخالفُوا إلى المعاطش والمجادب، ما كنتَ صانعاً ؟ ) ، قال : كنتُ تاركَهم ومخالفَهم إلى الكلاء والماء، فقال (ع) : ( فامدُدْ إذاً يدكَ )، فقال الرّجل : فو الله ما استطعتُ أنْ أمتنع عند قيام الحجّة عليَّ، فبايعتُه (ع) (17) . ويبدو أنّ هذا التّشكيك الذي أثاره بعض أهل البصرة جاء بناءً على مشروع النّاكثينَ التثقيفيّ بشأن أحقيّة الإمام عليّ (ع)، وهل هو على الصّواب أو على الباطل ، إذْ كان عبد الله بن الزّبير يشتمه على رؤوس الأشهاد، وخطب يوماً في البصرة، فقال : قدْ أتاكم الوغد اللّئيم عليّ بن أبي طالب (ع) (18).
  فالأحداث السّياسيّة التي نشأتْ في البصرة، أصبحتْ ذات اتّجاهات متشعّبة، وكلّ اتجّاه يحُاول أنْ يكسب الصّاع لمصلحته، من دون الالتفات إلى مبادئ الدّين الإسلاميّ، فأصبحتْ العاطفة في جانب، والهوى والعصبيّة في جانبٍ آخر، فكانَ على أمير المؤمنين (ع) أنْ يعمل على وفق تلك الاختلافات، وأنْ يوفِّق بينها وبين حقيقة الإسلام ما أمكنه، حتّى إنّ الإمام (ع) كان يقول : (العدلُ أفضلُ السّياستين (19) )، فهو يحاولُ أنْ يطبِّق الشرّع على منهجه السّياسيّ في معاملته أهل البصرة والعدل دينيّاً ودنيويّاً، فالعلم بالمسائل السّياسيّة جزء لا يتجزّأ عن العلم الفقهيّ العباديّ أو الاجتماعيّ (20). وهذه السّياسة جعلتْ البعض يتّهمونَ أمير المؤمنينَ (ع) بضعف التّدبير في هذا المجال، فيقول ابن أبي الحديد : (إنّ السّائس لا يتمكّن مِن السّياسة البالغة إلاّ إذا كان يعمل برأيه، وبما يرى فيه صلاح ملكه، وتمهيد أمره، وتوطيد قاعدته، سواء وافق الشّريعة أو لمْ يوافقها، ومتى لمْ يعمل في السّياسة والتّدبير بموجب ما قلناه، فبعيدٌ أنْ ينتظم أمره، أو يتوثّق حاله ) لكنّ أمير المؤمنين عليّاً (ع) كان بعيداً عن وصف ابن أبي الحديد، الّذي حاول أنْ يطبِّق نظريّة السّياسة على كلّ حكم، ولا يتمكّن الحاكم من النّجاح في مجال حكمه، إلاّ إذا اتّبع هواه في سياسته، وهو ما يخالف تعاليم الدّين الإسلاميّ ومنهجه، فالإمام عليٌّ (ع) لمْ يكن من هذا النّوع الذي يسعى لتحقيق مصالحه الشّخصيّة، أو الظّهور بمظهر الحاكم المهيمن على شعبه، بل كان يسعى إلى تطبيق حدود الله على أحسن وجه، ( فعليٌّ كان بالورع ملجماً عن جميع القول إلاّ ما هو لله فيه رضاً، ولا يرى الرِّضا إلا فيما دلّ عليه الكتاب والسّنّة، وممنوع اليد من البطش، إلاّ ما هو لله رضاً، دون ما يعوّل عليه أصحاب الدّهاء، والنّكرى - ناكر الحقيقة متغير - والمكايد والآراء (22) . فأمير المؤمنينَ (ع) هو الرّاعي الذي يسهر على شعبه ويحرص على عدم المساس به بسوء (23) ، وهذا الأمر جعله يُعرض عن المصانعة وبذل الأموال على حساب الدّين، في سبيل التّأثير على عقيدة النّاس ، لذلك قيل : (إنّ مسألة قعود العرب عن نصرة الإمام عليٍّ (ع) هو أمر المال ، لأنّ الإمام لم يكن يفضِّل شريفاً على مشروف، ولا عربيّاً على أعجميّ، ولا يُصانع الرّؤساء وأمراء القبائل، كما يفعل الآخرون، ولا يستميل أحداً لنفسه، كما فعل معاوية ، لذا ترك النّاس عليّاً ) (24).
  فسياسة التّساوي والإنصاف بين الرّعيّة أصبحتْ معكوسة بنظر البعض ، إذْ يرونَ أنّ الإمام عليّاً (ع) غير أهل للسّياسة، متناسينَ دوره القياديّ في حفظ الأمّة الإسلاميّة مِن التمزّق والفرقة والانحراف.
  ثمّ إنّ أمير المؤمنينَ (ع) اتّبع سياسة العفو عند المقدرة مع أهل البصرة، فلمّ انتهتْ معركة الجمل لصالحه، نادى منادٍ : (لا يُهَز على جريح، ولا يُتبع مولٍّ، ولا يُطعَنُ في وجه مدبرٍ، ومَنْ ألقى السّلاح فهو آمن، ومَنْ أغلقَ بابَه فهو آمن ) (25)، وعن الإمام الصّادق (ع)، قال : (وكانتْ السّيرة فيهم - أهل البصرة - من أمير المؤمنينَ، ما كان من رسول الله (ص) إلى أهل مكّة يوم الفتح ) (26)، لذلك قيل : ( مَنْ تأمّل حال الرجّلين - النبيّ محمّد (ص)، والإمام عليّ (ع) - وجدهما متشابهتين في جميع أمورهما ) (27)، وهذا ما جعل أمير المؤمنينَ (ع) يسير بالمنِّ والعفو في أهل البصرة، فأحبّ أنْ يقتديَ مَنْ جاء مِن بعدِهِ، فيسير في المسلمين بسيرته، ولا يجُاوز فعلَه، فيرى النّاس أنّه قدْ تعدّى وظَلَمَ (28).
  وقيل : إنّ أهل البصرة من أهل البغي، الذينَ يقاتلونَ ولا رئيسَ لهم، فإذا لمْ يكنْ لهم رئيس يرجعونَ إليه، فإنّه لا يُهَز على جريحهم، ولا يُتّبع هاربهم، ولا تُسبى ذراريهم، ولا يُقتل أسيرهم، ومتى كان لهم رئيس يرجعونَ إليه، جاز للإمام أنْ يُهِز على جريحهم، ويَتّبع هاربهم، وأنْ يقتلَ أسيرهم (29). وكأنّ أمير المؤمنين (ع) حاول أنْ يسنّ سنّةً في أهل الإسلام لمَِن جاء مِن بعدِهِ من الحكّام، على التزام الشّرع في دار الهجرة والإسلام، فلا يجوز سبيهم وقتل أسيرهم (30)، فكان تعامله (ع) مع أهل البصرة بصفةِ أنّ مدينتهم دار هجرة، وهي تابعه للمسلمينَ، وليس مِن حقّ الحكّام التّجاوز عليها، أو انتهاك حرمة أهلِهَا، فلمّ التمس جماعة من جيشه تقسيم ذراري أهل البصرة وأموالهم ونسائهم بين المجاهدينَ، (قال أصحابُه : اقسمْ بيننا ذراريهم وأموالهم ؟ فقال : ليس لكم ذلك، قالُوا : كيف أحللتْ لنا دماءهم ولا تحُلّ لنا سبي ذراريهم ؟ قال : حارَبَنَا الرّجالُ فحاربناهم، فأمّا النّساءُ والذّراريّ، فلا سبيلَ لنا عليهم، لأنهّنَّ مسلماتٌ، وفي دار هجرةٍ، فليسَ لكُمْ عليهنَّ سبيلٌ، فأمّا ما أجلبُوا عليكُمْ به، واستعانُوا به على حربِكُمْ، وضمَّهُ عسكرُهُمْ وحواهُ، فهُوَ لَكُمْ ) (31). فالتزم أمير المؤمنينَ (ع) سياسة المثل في أصحابه، وأنّ النّساء يخضعنَ لشروط الدّين الإسلاميّ، فلا يُمكن التّجاوز على حقّهنّ، ولا سبيهنّ، (وما كان في دورهم، فهو ميراث على فرائض الله -تعالى- لذراريهم، وعلى نسائهم العدّة، وليس لكم عليهنّ ولا على الذّراري من سبيل ) (32). فلماّ كثر على أمير المؤمنينَ الاحتجاج من أصحابه بشأن النّساء والذّراريّ، قال : (أيّكُم يأخذُ عائشة في سهمِهِ)، فسكتُوا عن ذلك . فهذه السّياسة ناتجة عنْ عبقريّة أمير المؤمنينَ (ع) في تطبيق الشرّع، وإرضاء جيشه فيما يبغونَ إليه على وفق حدود الدّين الإسلاميّ، وهو قادرٌ على تلبية رغبات جيشه، لكنّه أبى البطش، وأعلنَ الصّفح والعفو والالتزام بحقوق الدّين الإسلاميّ التي لا يجوز تخطّيها، ومِنْ ثَمَّ كان التزامُهُ تلكَ الطّريقة من أجل التّشريع، فجَعَلَ أصحابه على بيِّنةٍ من أحكام الإسلام، لتتسنّى لهم قاعدة فقهيّة يلتزمونها في الأوقات المشابهة لما حصل في حرب البصرة، فالإمام (ع) كان يتصرّف تصرّف إقامة الحجّة بين أتباعه ، لأنّ (أمير المؤمنينَ كان مقيّداً بقيود الشّريعة، مدفوعاً إلى اتّباعها ورفض ما يصلح اعتماده منْ آراء الحرب والكيد والتّدبير، إذا لمْ يكن الشرّع موافقاً، فلمْ تكنْ قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممّن لمْ يلتزم بذلك ) (33) ، لذلك نجد الإمام (ع) لمْ يخالف الشرّع منْ أجل السّياسة (34) والمصالح الدّنيويّة في الوصول إلى السّلطة، ويبدو أنّ الإمام عليَّ بن أبي طالب (ع) لمْ يكن مثل الحكّام الّذين كانَ همُّهم صنع المجد وإثرة الرّياسة على طول عهودهم، منتهكينَ تعاليم الدّين الإسلاميّ، بل كان أمير المؤمنينَ أعلى مرتبةً مِنْ تلك الصّفات التي تميلُ نحو حبِّ اللذّات من أجل العيش للدّنيا فقط، فسياسة الإمام (ع) كانتْ مرتبطةً بالمشروع السّماويّ الذي بدأ به الرّسول الأكرم محمّد (ص) .
  فالشرّع أفضل طريقة لإنجاح السّياسة لدى الحكّام، ولكنّ هذه السّياسة تتضارب مع أصحاب البِدَع والأهواء، وذوي الغلط الفاحش، الّذين يميلونَ لحساب جماعةٍ ما (أحزابهم)، لتحقيق ما يرغبونَ إليه منْ مكاسب دنيويّة، ومنْ أجل تحقيق مآربهم هذه، توهمّوا أنّ السّياسة الشّرعيّة قاصرة عن سياسة الخلق ومصلحة الأمّة، فتعدّوا حدود الله تعالى، وخرجوا من الشرّع إلى أنواعٍ من الظّلم والبِدَع في السّياسة (35) . فالإمام عليٌّ (غ) عمل بأمر الله -عزّ وجلّ- ونهيه، فقدْ استنقذ نفسه، واستنقذ مَنْ أطاعه مِن أصحابه منْ عذاب الله، وأحرز وأحرزوا به ثوابه -جلّ ذكره- (36).
  وهناك رواية تاريخيّة تُشير إلى أنّ أمير المؤمنينَ (ع) كان خشِناً في ذات الله، لا يتعاطف مع الضّلالة على حساب الهداية، وهذا الأمر حدث في البصرة بعد انتصاره في معركة الجمل، فالرّوايات تُشير إلى أنّ سبعينَ رجلاً من الزُّطّ أتوه (ع) يدعونَه إلهاً بلسانهم، وسجدُوا له، فقال لهم : ( ويلَكُم، لا تفعلُوا، إنّما أنَا مخلوقٌ مثلُكُم ) (37)، فأبَوا، فحَفَرَ لهم أخاديد، وأوقد ناراً، فكان قنبر (38) يحمل الرّجل فيقذفه في النّار، (فجعلُوا يقولونَ وهم يُرمونَ في النّار : الآن صَحَّ عندنا أنّه اللهُ ، لأنّه لا يُعذِّبُ بالنّار إلاّ الله ) (39)، وفي ذلك كان الإمام (ع)، يقول :
إنـيّ إذَا أبصرتُ أمْراً مُنكراً      أوقَـدْتُ  نَاراً ودَعَوْتُ iiقنبراً
ثـمَّ  احـتفرتُ حُفَراً فحُفَرا iiً      وقنبرٌ يَطمُ خَطماً مُنكَراً (40)
  ويقول ابن حزم : .فإنّ مِحنةَ أبي الحسن رضي الله عنه من بين أصحابه رضي الله عنهم كمِحنةِ عيسى صلّى الله عليه وسلّم بين أصحابه منْ الرّسل (ع) (41).
  فهل تصحُّ هذه الرّواية التي نُقلتْ في الكتب التّاريخيّة على اختلافها (42)، ومن ثَمّ تُرسم سياسة للإمام عليٍّ (ع) مع غلاة البصرة، أو الحكم بحرق مَن ارتدّ عن الدّين الإسلاميّ بالنّار ، ليضعَ حدّاً لكلّ مَن تسوِّلُ له نفسُه بالارتداد، أو المغالاة في الدّين الإسلاميّ ؟
  فإذا صحّتْ هذه الرّواية، فهي تكشف عن وجهة نظر أمير المؤمنينَ (ع) في محاربة كلّ مَن تطرّف في فهم الدّين، أو ممّن يُاولُ أنْ يحقّقَ مكاسبَ دنيويّة تحت ظلِّ الدّين والحكومة معاً، مع ملاحظةِ أنّ الإمامَ (ع) (لمْ يقتلهم دفعةً واحدةً، بل حبسهم، وبيّن لهم، وأتمّ عليهم الحجّة، واستتابهم، فلمْ يرجعوا، ثمّ حفر لهم حفراً مثقوبة على بعضها، ودخَّن عليهم، فلمْ يتوبُوا، فقتلهم (43) قال ابن عبد البَرّ : (فاتخذوه ربّاً، وادّعوه إلهاً، وقالُوا له : أنتَ خالقُنا ورازقنا، فاستتابَم، واستأنى، وتوعّدهم، فأقامُوا على قولهم، فحَفَرَ لهم حفراً دخَّنَ عليهم فيها طمعاً في رجوعهم، فأبوا، فحرقَهُم (44) .
  وقدْ قامَ الإمام (ع) بمعالجة البنية الفكريّة لبعض النّاس الذين ابتعدوا بتفكيرهم عن جادّة الصّواب، محاولة تحرير الفكر من أنْ يكون جامداً في قضايا الدّين، مع الإشارة إلى أنّ أمير المؤمنينَ (ع) لمْ يكنْ يسعى وراء المناصب الدّنيويّة، أو الاستعلاء في الأرض، فلو كان من هذا القبيل لكان في هذه الحادثة الكفاية لتحقيق تلك المطالب، وحاشا للإمام (ع) أنْ يكون من ذلك النّوع، وهو القائل : (إنّ دينَ اللهِ لا يُعرفُ بالرّجالِ، بل بآيةِ الحقِّ، فاعرفْ الحقّ تعرِفْ أهلَهُ) (45) .
  وفي بعض الرّوايات التّاريخيّة، قال له الحارث بن حوط الرّانيّ (46) : (أترى طلحة والزّبير وعائشة اجتمعُوا على باطل ؟ فقال : يا حارثُ، إنّه ملبوسٌ عليكَ، وإنّ الحقّ والباطلَ لا يُعرفانِ بالنّاس، ولكنْ، اعرفْ الحقَّ تعرفْ أهلَه، واعرفْ الباطلَ تعرفْ مَن أتاهُ ) (47) ، لذلك استعصى على فلاسفة التّاريخ مِن عربٍ ومستشرقين فَهْم شخصيّة الإمام عليٍّ (ع) ، فأخطأوا، ونزعوا عنه صفة السّياسة، واكتفوا بوصفه بالوَرعِ في الدّين والزّهد في الدّنيا، ولكنّ اجتهاد أمير المؤمنينَ (ع) ونزعه الشّديد إلى منهج التّوفيق بين الورع في الدّين والصّراحة في السّياسة، كان فوق مدارك هؤلاء المؤرّخينَ (48) ، لذلك كان (ع) يقول على منبر البصرة : (لَيحبُنّي أقوام حتّى يُدخلُهُم حبّي النّار، ولَيُبغضُني أقوامٌ حتّى يُدخلُهُم بغضي النّار ) (49).
  فأمير المؤمنين (ع) كان يحذِّر القوم من الإفراط أو التّفريط في حقّه، من ناحيتي الحبّ، أو البغض، وعلى الإنسان أنْ يميّز بين الصّالح والطّالح، لا أنْ يتّبع خطى الآخرين فيما قدموا عليه، منْ دون أنْ يتأكّد من الأمور حالة حدوثها، كما هو حال أهل البصرة ، إذْ ابتُلوا بفتنةِ الصّحابة، وزوج النّبيّ عائشة، وما إنْ انتهتْ المعركة حتّى تبدّلتْ النّفوس، وأصبحتْ المسألة تمسّ العقيدة الإسلاميّة، فالتزم الإمام (ع) سياسة التّغيب والتّهيب، كلٌّ في محلّه، حتّى يتسنّى للقوم ركوب المسار الصّحيح، لهذا قيل : (سياسةُ عليٍّ لمْ تورّطه في غلطات كان يسهل عليه اجتنابها باتّباع سياسةٍ أخرى، وهي كذلك لمْ تبلغه مآرب مستعصية، كان يعزّ عليه بلوغها في موضعه الذي وُضع فيه، وعلى مجراه الذي جرى عليه ) (50) ، لذلك كان يأمل في أنْ يهدي الرّعية إلى جادة الصّواب، وإصلاح حال أهل البصرة عن طريق العفو والتّسامح، فكان يحبُّ أنْ يقودهم إلى الله - عزّ وجلّ - (51) .
  وهذا الأمر طبّقه الإمام عليٌّ (ع) حتّى مع أصحاب الدّيانات الأُخَر ، إذْ إنّ هناك رواية تبيّ الطريقة التي نهجها أمير المؤمنينَ مع النّصارى في البصرة - آنذاك -، فقدْ رُوي أنّه لمّا بايع أهل البصرة عليّاً (ع) بعد الهزيمة، دخلُوا في الطّاعة غير بني ناجية، فإنهّم عسكروا، فبعث إليهم عليٌّ (ع) رجلاً من أصحابه في خيل ليقاتلهم، فأتاهم فقال : ما بالكم عسكرتُم وقدْ دخل النّاس في الطاعة غيركم ؟ فافترقوا ثلاث فرق، فرقة قالُوا : كنّا نصارى، فأسلمنا، ودخلنا فيما دخل فيه النّاس من الفتنة، ونحنُ نبايع كما بايع النّاس، فأمرهم، فاعتزلوا، وفرقة قالُوا : كنّا نصارى ولمْ نُسلمْ، فخرجنا مع القوم الّذين كانوا خرجوا، قهرونا، فأخرجونا كرهاً، فخرجنا معهم، فهُزموا، فنحنُ ندخلُ فيما دخل فيه النّاس ونعطيكم الجزية كما أعطيناهم، فقال لهم : اعتزلوا، وفرقة قالُوا : إنّا كنّا نصارى، فأسلمنا، فلمْ يُعجبنا الإسلام، فرجعنا إلى النّصرانيّة، فنحنُ نُعطيكم الجزية كما أعطاكم النّصارى، فقال لهم : توبُوا وارجعوا إلى الإسلام، فأبوا، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، فقدم بهم على عليٍّ (52).
  والظّاهر من الرّوايات التّاريخيّة أنّ الإمامَ عليّاً (ع) كان طويل النَّفَس في تعامله مع أهل البصرة، فلمْ يكنْ يتعامل معهم على وِفق منصبِهِ بوصفه حاكمَ الدّولة الإسلاميّة، أو بوصفه إماماً معصوماً مفترض الطّاعة، أو شخصاً قادراً على أنْ يتّخذ موقفاً متشدّداً على جميع أهلها، فيُطبَّق حالة صدوره، بل ابتعد عن ذلك الشّأن ، لأنّه لا يُقدِّم إلاّ المرجوَّ في صلاح أهلها، بل قدْ يُفهم ذلك على أنّه تعدٍّ على حقوقهم، لاسيّما وأنّ معارضي الإمام عليٍّ (ع) كانوا مازالوا متواجدينَ في مدينة البصرة، وأيّ نقطة مثيرة للجدل يعملونَ على استغلالها، فحاجج (ع) أهلها، وأبطل جميع ما أثاروه من أمور الجدل، ففي الرِّواية : (لمّا انهزمَ أهلُ البصرة، قام فتى إلى عليٍّ صلوات الله عليه، فقال : ما بال ما في الأخبية لا تقسَّم ؟ فقال عليٌّ (ع) : لا حاجة لي في فتوى المتعلِّمينَ، قال : ثمّ قام إليه فتىً آخر، فقال مثل ذلك، فردَّ عليه مثل ماردَّ أوّلاً، قال له الفتى : أمَا والله ما عدلتَ، فقال له عليٌّ (غ) : إنْ كنتَ كاذباً، فبلغَ اللهُ بكَ سلطانَ فتى ثقيف، ثمّ قال عليٌّ (ع) : اللّهمّ إنّ قدْ مللتُهُم وملُّونِ، فأبدلْنِي بهم ما هو خيرٌ منهم، وأبدلْم بي ما هو شرٌّ لهم ) (53).
  فهذا الأمر الذي اتّبعه الإمام (ع) لا يُفسَّر على أساس أنّهُ ضعفٌ منه في مواجهة أولئك الفتيان، بل حاول أنْ يستدرجهم إلى حكمته، فيتعامل على أساس معارفه لاحتواء فكرهم، وهذا الأمر له أثرٌ كبيرٌ جدّاً في واقع النّفوس لتتغيرّ ، إذْ إنّ عقليّة العرب - آنذاك - كانتْ تسلِّم للأمور الغيبيّة، التي يدلُّ الحديث على وقوعها في المستقبل، ومِنْ هنا تعامَلَ أميرُ المؤمنينَ (ع) على مخاطبة أفكارهم، وما احتاجوه مِنْ معالم ثقافيّة، على وفق بيئتهم ومستوى التّفكير حينها، لهذا خاطبهم (ع) مِنْ على منبر جامع البصرة، قائلاً : (يا أهلَ البصرة، إنْ كنتُ قدْ أدّيتُ لكم الأمانةَ، ونصحتُ لكُم بالغيب، واتّمتمُوني، وكذّبتمُوني، فسلّط الله عليكم فتى ثقيف . فقام رجلٌ، فقال له : يا أميرَ المؤمنينَ، وما فتى ثقيف ؟ قال : رجلٌ لا يدعُ للهِ حرمةً إلاّ انتهكها، بهِ داءٌ يعتري الملوك، لو لمْ تكنْ إلاّ النّار، لدخلها ) (54) . وفتى ثقيف هو الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ( 40 - 95 هـ/ 660 - 714 م ) ، عامل بني أميّة على العراق، وقيل : إنّ الفتى البصريّ الذي ردّ على أمير المؤمنينَ (ع) -آنذاك- قدْ بقي حتّى ولاية الحجّاج فقتله (55).
  وقدْ ذكر المجلسيّ خطبةً للإمام عليّ (ع) يمدحُ فيها أهل البصرة، ويحثّهم على فهم واقعهم، وعلاقة الإسلام بأهله، جاء فيها : ( وأُقسمُ لكُم يا أهلَ البصرة، ما الّذي أبتدئكُم به مِنَ التّوبيخ، إلاّ تذكيرٌ وموعظةٌ لما بعد ، لكي لا تُسرعُوا إلى الوثوب في مثل الذي وثبتُم، وقدْ قال اللهُ لنبيّه (ص) : ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُْؤْمِنِين) (56) ، ولا الّذي ذكرتُ فيكم من المدحِ والتّطريةِ بعد التّذكير والموعظة رهبةً منّي لكم، ولا رغبةً في شيءٍ ممّا قِبَلَكُم ) (57) وجاء في أحد كتبه إلى ابن عبّاس، عندما تركه على ولاية البصرة : (فحادِثْ أهلَها بالإحسانِ إليهم، واحلُلْ عقدةَ الخوفِ عنْ قلوبهِم، وقدْ بلغنِي تنمّرُكَ (58) لبني تميم، وغلظتُكَ عليهم، وإنّ بني تميم لمْ يغِبْ لهم نجمٌ، إلاّ طلع لهم آخَر، وإنّهم لم يُسبقُوا بوَغْمٍ (59) في جاهليّةٍ ولا إسلامٍ ) (60) . فالإمام (ع) حاولَ أنْ يكشفَ سلبيّات الوالي، وإصلاحها بطريقةٍ أفضل، تلائم واقع أهل البصرة، وكلٌّ حسب انتمائه القبليّ، فكان يراقب ولاته، ويحملُهم على الإصلاح ما وجد إلى ذلك سبيلاً) 61 (، وتبنّى العدل بجميع رحابه ومفاهيمه، فكان يُشرف على كلّ أمرٍ في رقاع دولته، ويتفقّد أحوال رعيّته.

المبحثُ الثالثُ
الّسياسةُ الماليّةُ للإمام (ع) في أهلِ البصرةِ

  أمّا سياستُه الماليّة في أهل البصرة، فإنّ أمير المؤمنين (ع) كان زاهداً في الأموال، بل حاول أنْ يعكس للآخرينَ من أهل البصرة أنّ الأموال لا تعني له شيئاً، وهي سبب في اغترار غيره ممّن نكث بيعتَه، ليقدم على مدينة البصرة فينهب مِنْ أموالها، أو يستولي على خيراتها، بداعي مرتبته في الإسلام، يروى عن أبي حرب بن أبي الأسود (62) ، قال : (إنّ عليّاً لمّا قدم البصرة، دخل إلى بيت المال، فنظرَ إليه، ثمّ أضرطَ به (63) ، وقال : غُرِّي غيري، غُرِّي غيري ) (64).
  وقبل أنْ يتوجّه إلى الكوفة، قام (ع) في أهل البصرة، فقال : (ما تنقِمونَ عليَّ يا أهل البصرة ؟ وأشار إلى قميصه وردائه، فقال : واللهِ، إنهّما لمَِنْ غَزْلِ أهلي، ما تنقِمونَ منّي يا أهل البصرة ؟ وأشار إلى صرّة في يده فيها نفقتُه، فقال : والله، ما هي إلاّ مِن غَلّتي بالمدينة، فإنْ أنا خرجتُ مِنْ عندِكُم بأكثر ممّا ترونَ، فأنا عندَ الله مِنَ الخائنينَ ) (65) . والظّاهر مِنْ هذه الرّواية، أنّ البعض كان يخطّط للترّويج لبعض الأفكار غير الصّحيحة تُجاه أمير المؤمنينَ (ع) ، غايتُهُ من ذلك بثّ فكرٍ معارضٍ لحكومة الإمام عليٍّ على أنهّا حكومة انتهازيّة، همُّها أشخاصها، وهذا الأمرُ ردّ عليه أميرُ المؤمنينَ (ع) في خطبته أعلاه ، ليُحرِّر عقليّة بعض أهلِ البصرة مِنْ هذه التُّهم التي يردِّدُها بعض أعدائه هناك.
  ولمّا قسّم (ع) بيت مال البصرة على أصحابه، كان نصيبُ كلِّ واحدٍ خمسمائة درهم، وأخذ هو خمسمائة درهم كواحدٍ منهم، فجاءه إنسان لمْ يحضر معركة الجمل، فقال : يا أميرَ المؤمنين، كنُتُ شاهداً معك بقلبي، وإنْ غابَ عنك جسمي، فأعطِني مِنَ الفيء شيئاً، فَدَفَعَ إليه الذي أخذه لنفسه، وهو خمسمائة درهم، ولَْم يُصِبْ مِنَ الفيء شيئاً (66)، وهذا وجهٌ آخر من سياسة أمير المؤمنينَ الماليّة، فهو لمْ يترك المحتاجينَ منْ دون الحصول على مبتغاهم ، لأنّ حرمانهم سوف يجرّهم إلى السّعي للحصول عليها بأيِّ شكلٍ من الأشكال، حتّى لو حصلوا عليها بطرقٍ غير شرعيّة، وهذا الأمر له أثرٌ سياسيٌّ ونفسيٌّ في الوقت نفسه، فالشّخص الذي يطلب مبلغاً من المال ما هو إلاّ لحاجته إليه، وعدم حصوله عليه سوف يجرُّه نحو الأسوَأ، وربّما ينحرف عن طريق الإسلام وموقفه السّياسيّ الصّحيح ، سعياً وراء مَن يُعطيه، حتّى لو كان عدوّه، وهذا الأمر لمْ يتركه الإمام عليٌّ (ع) مع أهل البصرة، بل عالجه بحكم مسؤوليّته على الرّعيّة، وإنصاف الجميع من دون تمييز.
  فلمْ يكنْ الطّمع في النّعيم، ومنع الضّعيف والمحتاج، من نظريّات الإمام عليٍّ (ع) ، بل كان يرجو أنْ يُعطيَه الله أجر المتواضعينَ المتصدّقينَ، (ألاَ وإنّ إمامَكم قدْ اكتفى مِنْ دُنياه بطمرَيْه (67)، ومِنْ طُعْمِه بقُرصَيه، ألاَ وإنّكُم لا تقدرونَ على ذلك، ولكنْ، أعينوني بورعٍ واجتهادٍ، وعفّةٍ وسَدادٍ، فو اللهِ، ما كنزتُ مِنْ دنياكم تِبراً - الذّهب -، ولا ادّخرتُ مِنْ غنائمها وفراً- المال-، ولاَ أعددتُ لبالي ثوبي طِمْراً، ولا حُزتُ مِنْ أرضها شِبراً ) (68).
  فأمير المؤمنينَ (ع) تركَ ملذّات الدّنيا وشهوتها من أجل إصلاح الرّعيّة، وتحقيق الإنصاف والعدالة على أحسن وجه، وتحقيق الرّفاهيّة الاجتماعيّة على ما يستطيع إلى ذلك سبيلاً، كأنّه (ع) أراد أنْ يعكس للحكّام أهمّيّة الورع في إصلاح شؤون الرّعيّة التي تتّبع حكّامها، وليس مِن شيمتهم أنْ يستغلّوا ضَعف النّاس، فيتسلّطونَ عليهم، ويحتكرونَ خيراتهم، وينعمونَ بملذّات الدّنيا، ويحرمونَ الفقراء مِن أبسط الحقوق، التي هي مِنْ واجبات الحكّام تجُاه شعوبهم.
المبحثُ الرابعُ
سياسةُ الإمامِ (ع) في كشفِ الحقائقِ وعدمِ طمِسها

  الملاحظُ على أمير المؤمنين (ع) أنّه سعى في تعريف أهل البصرة الحقيقة التّاريخيّة المغيّبة عنهم بفعل الإعلام المضادّ لشخص عليِّ بن أبي طالب (ع) ، وهذا المجال يدلّ على سعة نظره (ع) ، فضلاً عنْ صبره على استيعاب النّاس على اختلاف طبقاتهم وتفاوت تفكيرهم ، إذْ كشف لهم عن الحقائق التّاريخيّة التي هي أساس الاختلاف في العقيدة الإسلاميّة والعاطفة الاجتماعيّة.
  ففي الرّواية التاريخيّة تبرز هذه الأسس المنطقيّة في بيان الحقيقة من أمير المؤمنينَ (ع) ، لعلّه يتمكّن من معالجة الأفكار الخاطئة، فيُروى عن معاذة العدويّة (69) أنهّا تقول : سمعتُ عليّاً (ع) على منبر البصرة، يقول : (أنا الصّدّيقُ الأكبرُ، آمنتُ قبلَ أنْ يؤمنَ أبو بكر، وأسلمتُ قبلَ أنْ يُسلمَ ) (70) . في حين الرّواية التّاريخيّة الأخرى قدْ مهّدتْ وبسطتْ فكرة الصّدّيق لشخص أبي بكر حسب زعمها ، لأنّه صدّق برسول الله (ع) حين كذّبه النّاس، إثر حادثة الإسراء (71).
  إذن، الأمر ليسَ كما نتوقّعه، أو نقرأه منْ أفكارٍ احتُضنتْ وجُعلتْ واقع حال يعبّ عن شخصيّاتٍ ودولةٍ وأفضليّةٍ، بل أكثر من ذلك، وحسب التّعميم التّاريخيّ، وفي زمن متقدّم جدّاً ساده لون من التّحريف في الحقائق، ليعكسَ البيئة التي نشأ في أحضانها ذلك التّاريخ غير الصّحيح، فيجعل صورةً مشرقةً للبعض، غُيّبتْ على أثرها كلّ الإنجازات التي تحقّقتْ زمن الدّعوة الإسلاميّة، لاسيّما من الطّرف القريشيّ، وهذا الأمر تحدّد في كلام الإمام عليّ (ع) أثناء تطوافه على قتلى معركة الجمل ، إذْ قال : (هذه قريشٌ، جدعتُ أنفِي، وشفيتُ نفسي، لقدْ تقدّمتُ إليكم أُحذِّرُكم عضَّ السّيوف، وكنتُم أحداثاً لا علمَ لكُم بما ترونَ، ولكنّه الحَيُْن وسوءُ المصرعِ، فأعوذُ باللهِ مِنْ سوءِ المصرع) (72) .
  إذن، فالإمام (ع) يُعرِّفُ أهل البصرة حقيقة الأمر الذي وقع، وما كان من قريش، التي نازعتْه كلّ شيء، ليتحوّل ذلك النّزاع إلى خارج حدود قريش، فيعمّ كلّ أرضٍ تابعة لدولة الإسلام، وليكشف عن ضغينةٍ تُجاهه، لا لشيءٍ سوى أنّه كان على الحقّ، ووقف إلى جانب رسول السّماء محمّد (ص)، وهذا الأمر يؤسَف له ، إذْ جَعَلَ الحقيقة مغيّبة، ومازال أثر ذلك التغييب يُؤوّل إلى أكثر مِنْ رأي تابع لعاطفة، أو نصر مذهب، أو شخصيّة.
  لذلك، بدأ الإمام عليّ (ع) مشروعه الثقافيّ في إيضاح الحقيقة التي غُيِّبتْ عنْ بعضِ أهل البصرة، حتّى قيل : إنّه (ع) صعد المنبر يوماً في البصرة بعد الظّفر بأهلها، وقال : (أقولُ قولاً لا يقولُه أحدٌ غيري إلاّ كان كافراً : أنا أخو نبيِّ الرَّحمةِ، وابنُ عمّه، وزوجُ ابنتِهِ، وأبو سبطيه، فقام إليه رجلٌ مِنْ أهل البصرة، وقال : أنا أقولُ مثل قولك هذا : أنا أخو الرّسول، وابنُ عمِّه، ثمّ لمْ يُتمّ كلامه حتّى أخذتْه الرَّجفة، فما زال يرجفُ حتّى سَقَطَ ميّتاً لعنه الله ) (73) . وجاء في روايةٍ أُخرى، عن أصبغ بن نباتة الحنظليّ (74)، قال : (رأيتُ أميرَ المؤمنينَ (ع) يوم افتتح البصرة، ركب بغلة رسول الله (ص) ، ثمّ قال : (أيهّا النّاسُ، ألاَ أخبركُم بخيرِ الخلقِ يومَ يجمعُهُم الله ؟ ) ، فقامَ إليه أبو أيوبٍ الأنصاريّ، فقال : بلى، يا أمير المؤمنينَ، حدِّثنا، فإنّك كنتَ تشهدُ ونغيبُ، فقال : (إنّ خيرَ الخلقِ يومَ يجمعُهُم اللهُ سبعة مِنْ وُلْدِ عبد المطّلب، لا يُنكِرُ فضلُهُم إلاّ كافرٌ، ولا يجحدُ به إلاّ جاحدٌ ) ، فقام عمّر بن ياسر - رحمه الله - فقال : يا أمير المؤمنينَ، سمِّهم لنا لنعرفهم، فقال : إنّ خير الخلق يوم يجمعهم الله الرّسل، وإنّ أفضلَ الرّسل محمّد صلّ الله عليه وآله، وإنّ أفضلَ كلّ أمّةٍ بعد نبيّها وصيُّ نبيِّها، حتّى يُدركه نبيٌّ، ألا وإنّ أفضلَ الأوصياء وصيُّ محمّدٍ عليه وآله السّلام، ألا وإنّ أفضل الخلق بعد الأوصياء الشّهداء، ألا وإنّ أفضلَ الشّهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب، له جناحانِ خضيبانِ يطيرُ بهما في الجنّة، لمْ يُنحلْ أحدٌ من هذه الأمّة جناحان غيره، شيء كرَّم الله به محمّداً صلىّ الله عليه وآله، وشرّفه، والسّبطان الحسن والحسين، والمهديّ عليهم السّلام، يجعله الله مَن شاءَ منّا أهل البيت، ثمّ تلا هذه الآية (وَمَنْ يُطِعِ اللهََّ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهَُّ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالحِِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) (75)، ذلك الفضلُ منَ اللهِ، وكفى باللهِ عليماً ) (76).
  وواقعُ الحال يُشيرُ إلى أنّ هناك بعض أهل البصرة كانوا حتّى ذلك الوقت الذي انتصر به الإمامُ عليٌّ (ع) على ناكثي بيعته ما يزالون غير مصدّقينَ قولَه، بل كأنهّم يشكّونَ في كلامه، وهذا راجعٌ إلى خلفيّتهم الثقافيّة مع أهوائهم التي ليس مِنَ السّهل التخلّص منها والعدول إلى هوىً جديد . ومنْ ثَمَّ لمْ نجدْ الإمامَ عليّاً (ع) يعتمد على الآخرين في توضيح حقّه، أو نشر حقائق غائبة عن العامّة من النّاس، بل كان هو مَنْ يتحدّث مباشرةً لأهل البصرة ، رغبةً منه في توضيح ما اشتبه مِن القول، وإصلاح ما أفسده الآخرون، مع التحفّظ على شخصيّات الإسلام الأوائل منْ دون المساس بها، أو تسقيطها، وهذا الأمر مِنْ روائع الإمام عليّ (ع) في توجّهه السّليم لإصلاح شأن الرّعيّة، ومراعاة شعورهم، وهذا الحال تكشفه الرّوايات التّاريخيّة، التي عبّتْ عن صورة القول من طرف بعض أهل البصرة وردّ أمير المؤمنينَ بالمقابل على أسئلتهم ، إذْ لمْ ينلْ (ع) حتّى مِنَ الّذينَ تسبّبوا في قتل النّاس، وإحلال الفساد في ملّة الإسلام، بل كان هدفُهُ . أوسع مِن ذلك، رغبةً في الابتعاد عن ابتزاز الآخرينَ من العامّة (77) ، وهذا يدلّ على حقيقة أمير المؤمنينَ في إصلاح الشّأن، ويعمِّم ثقافة التّآخي وعدم التشهير بالآخرين، أو التّفكير في النّيل منهم، وهذه الميزة جديرة بخلق مجتمعٍ متعايشٍ سلميٍّ بعيدٍ عن الجدل غير الصّائب، أو التطرّف في الفكر.
  وههنا نقطةٌ مهمّةٌ لابدَّ منْ تجليتها، وهي : أنّه قدْ ظهرتْ مِن أمير المؤمنين (ع) مجموعةٌ من المواقف مِن بعض القتلى في معركة الجمل - وقدْ تقدّم بعضها - تتّسم بالتّألّم والحُزن، والذي يقرأ هذه المواقف بمفردها قدْ يتبادر إلى ذهنه أنّ أميرَ المؤمنينَ (ع) غيرُ متيقِّنٍ مِن مشروعيّة حربه معهم، أو أنّ هؤلاء كانوا محقّينَ في خروجهم على دولة الإمام (ع) ، وهذا ما يتطلّب إلى الإيضاح، فنقول : يُعدّ البعدُ الإنسانيّ البعدَ الأهمَّ الذي يميّزُ حروب أمير المؤمنينَ (ع) ، فقدْ أظهر (ع) ، حُزنَه وقلقَه وتألمّه على المصير الذي وصل إليه حال بعض الشّخصيّات، كطلحة بن عبيد الله، وابنه محمّد بن طلحة، وكذا الزّبير بن العوّام، وغير هؤلاء، إذن، يا ترى، بماذا نعلّل هذه المواقف ؟ والإجابة على ذلك تتركّز في النّقاط الآتية (78) :
  أوّلاً : إنّ بعضاً مِن هؤلاء لهم مواقف بطوليّة في الدّفاع عن الإسلام، فكان (ع) يتمنّى أنْ يقاتلَ بهم أعداء الإسلام، ويُدافع بهم عن الرّسالة السّامية، التي تتعرّض إلى مجموعة مِن الفتن.
  ثانياً : لا يُمكن أنْ نتصوّر ذلك بأنّه نابعٌ من حالة الشكّ، أو النّدم على ما أقدم عليه، وهو العالم علم اليقين بحجّة فعله، لكنّ حالة التألّم على مَنْ قُتل في هذه المعارك هي دافعُ ذلك، وما يترتّب عليه منْ آثار سلبيّة في مسيرة الدّولة الإسلاميّة، وهذا بطبيعة الحال نابعٌ من الرّوح الإنسانيّة العظيمة التي عُرفَ بها، وكانتْ الطاغية على جميع أفعاله وتصرّفاته (ع) .
  ثالثاً : إنّ ما أظهره الإمام (ع) كان في بعض جوانبه من حالة العتب ، نتيجة نكران هؤلاء للإحسان الذي أسداه لهم في مواقف مختلفة، ومقابلتهم هذا الإحسان بالإساءة، عندما نكثوا بيعته، وخرجوا عليه يقاتلونه.
  رابعاً : إنّ رثاءَ أميرِ المؤمنينَ (ع) بعض قتلى الجمل، مصداقٌ رائعٌ من مصاديق عظمته وسلامة نفسه وطهارتها من كلّ رجسٍ وغلٍّ.
  خامساً : إنّ قيامه (ع) بالصّلاة على القتلى والعفو عن الجرحى، قدْ جسّد البعد الإنسانيّ بكلّ معانيه، وقدْ أثمرتْ هذه السّياسة في نفوس أهل البصرة من خلال انضمام كثيرٍ منهم إلى معسكرهِ.
  سادساً : إنّ الغالب على شخصيّته . في حروبه، العفو والصّفح، التي عَبّ مِن خلالها عن حقيقة أخلاقه السّامية، التي هي انعكاسٌ واقعيٌّ لأخلاق الإسلام.
  سابعاً : إنّ هذه المواقف أشارتْ إلى رسوخ صفات المحبّة والودّ وصفاء النِّيّة، وانعدام كلّ حالات العداوة والبغضاء.
  وقدْ جاء في روايةٍ ذكرٌ لموقف الإمام عليٍّ (ع) منْ المرأة وطبيعة التّعامل معها بشكلٍ عامٍّ، فقدْ أوصى (ع) بالابتعاد عن السّلوك القاسي، وأنْ لا يتناولها أحدٌ بأذىً، بل أنْ يكونوا على قدرٍ من التفكير لاستيعاب الحالة المؤقّتة التي ظهرتْ عليها بعض النّساء، جرّاء شدّة حزنهنّ على مَنْ فقدنَ مِن أقاربهنّ، فبعد نهاية معركة الجمل، وعند دخول الإمام عليّ (ع) الدّار التي نزلتْ فيها عائشة في البصرة، تعرّضتْ له إحدى النّساء بالدّعاء عليه عند دخوله وخروجه، فقال له مَن كانَ بصحبته : (واللهِ لا تَفْلِتُنا هذه المرأة، فغضبَ، وقال : صَه، لا تهتكُنّ ستراً، ولا تدخُلنّ داراً، ولا تهيجُنَّ امرأة بأذىً، وإنْ شتمنَ أعراضَكم، وسفّهنَ أمراءَكم وصلحاءَكم، فإنهّنّ ضِعافٌ، ولقدْ كنّا نؤمَرُ بالكَفِّ عنهنَّ وإنّهنَّ لمشركاتٌ، وإنّ الرّجلَ ليُكافِئ المرأة ويتناولها بالضرّب، فيُعيُّ بها عقبُه مِنْ بعدِهِ، فلا يبلغني عن أحدٍ عَرَضَ لامرأةٍ، فأنكلّ به شرار النّاس ) (79).
  إنّ هذا اللّون مِن التّعامل لجَديرٌ بالتأمّل والتدبّر ، إذْ يكشف عن الوجهة الحقيقيّة للشرّيعة الإسلاميّة في تعاملها مع الضّعفاء، لا سيّما المرأة، فهناك أكثر مِن إشارة في الرّواية المتقدّمة ذكرها الإمامُ عليٌّ (ع) ، وجاء بالدّرجة الأولى التعامل على قدر القوّة ، إذْ ليس من الحكمة استغلال الضّعيف نسبة لموقفه، فإذا غلب أحلّ لنفسه كلّ رغباته، وأصبح سيّد القانون، يُشرِّعُ حسب هواه، بل على الضّدّ تماماً، عليه أنْ يتّبعَ نهجَ الشّريعة الإسلاميّة في الاحتراز من المرأة، على أنهّا تتأثّر بعاطفتها، فتغلبُ على تصرّفاتها، وكذلك للأثر الاجتماعيّ والعار الذي يلحقُ الرّجل عندما يتعرّض لامرأةٍ، أو يحُاول قهرَها في موقفٍ يُمكنه ذلك، وبهذا يكون مشروع أمير المؤمنين (ع) في تثقيف أهل البصرة -آنذاك- شاملاً لكلّ ما وجده بحاجة إلى إصلاح وتنبيه، أو ما تربّى عليه بعضهم منْ صورٍ نُقلتْ إليهم على أنّها واقعٌ ومصداقٌ لحياة المسلم ينبغي عليه أنْ يُسلّم بصحّتها، أو يجعلها منهجاً لحياته، سواء في ما صُنِعَ من مناقبَ لشخصيّاتٍ على أنّهم أبطال الدّين الإسلاميّ، أم ما تربّوا عليه من ثقافةٍ اجتماعيّةٍ سادتْ في بيئتهم، فلمْ يتخلّصوا منها حتّى في ظلّ الشّريعة الإسلاميّة.

الخاتمة
  مِنْ خلال ما تقدّم، وفي سياق هذه الدّراسة، يتّضح أنّ هناك أفكاراً تاريخيّةً بحاجة إلى الكشف عنها، والتحقّق منها، برؤيةٍ سليمةٍ بعيدةٍ عن التعصّب، أو التصنّع في البحث التاريخيّ، لاسيّما وأنّ أحداث القرن الأوّل من الهجرة مازالتْ بحاجة إلى استقراء نصوصها، أو التدبّر فيها، حتّى نكشف عن أوضاعها مع سبب ظهورها بالشّكل النّهائيّ في مرحلة التدوين التاريخيّ.
  يتّضحُ -أيضاً- أنّ الإمامَ عليّاً (ع) كان على قدرٍ كبيرٍ من التدبّر، وهذا الأمر لمْ ينتج عن كونه رئيساً، أو حاكمَ دولةٍ فقط، بل جاء نتيجة لأنّه مكمِّلٌ لمشروع الهداية من باب الولي أو الوصيّ، فضلاً عنْ كونه إماماً معصوماً مفترض الطّاعة، كان عليه أنْ يؤسّس لأفكار صحيحة في ظلِّ تواجده في مدينة البصرة، وهذا ما جعله يتّبع سياسة العفو والصّفح والتّجاوز عن المُسيء، لحكمة : ( العفو عند المقدرة ) .
  وقدْ حاول الإمام (ع) أنْ يسوسَ أهل البصرة بطريقته الخاصّة، لا بطريقة مَنْ سبقه مِن الحكّام، أو الولاة ، فقدْ وَجَدَ أنّ الأفكار المبثوثة في مدينة البصرة بعيدة عن التيّار الثقافيّ الصّحيح لوقائع التاريخ، أو التنشئة الفكريّة لبعض أهل المدينة -البصرة- ما عمل جاهداً على تنقية فكرهم مِنْ تراكم الأفكار الخاطئة، أو المقصودة، لمصلحة جهات رسميّة مثّلتْ الدّولة الإسلاميّة، قدْ سبقتْه (ع) في حكم الدّولة، فكانتْ البصرة جزءاً منها.
  وقدْ حاول (ع) أنْ يتركَ بصمةً رائعةً جدّاً بخصوص التّعامل بين طبقات المجتمع البصريّ ، إذْ أطلقَ لهم أكثر من فكرةٍ تكشف لهم التدبّر في أمور الحياة، وما بعد الممات، سواء كان المقصود طريقة اتّباعهم الحقّ، أمْ نهجهم سبل النّجاة، وتمييز الأفكار والأقوال الرّديئة المتناقلة فيما بينهم، أو التي يسمعونَ بها من أطراف أُخَر تفِدُ على مدينتهم.

الهوامشُ
(1) يُنظر : ابن منظور، لسان العرب : 6/ 108 - 109 .
(2) يُنظر : الجوهريّ، الصّحاح : 3/ 398 ، وابن منظور، لسان العرب : 6/ 108 ، والزّبيديّ، تاج العروس : 8/ 322 ، ويُنظر : باقر شريف القرشيّ، النّظام السّياسيّ في الإسلام : ص 43 .
(3) يُنظر : الطّريحيّ، مجمع البحرين : 2/ 453 .
(4) يُنظر : ابن الأثير : 2/ 421 .
(5) الإحكام : 7/ 987 .
(6) ابن خلدون، تاريخ : 1/ 143 .
(7) قيل : الفرق بين السّياسة والتّدبير، أنّ السّياسة في التّدبير المستمرّ، ولا يُقال للتدبير الواحد سياسة، فكلّ سياسة تدبير، وليس كلّ تدبير سياسة . أبو هلال العسكريّ، الفروق اللّغوية : ص 288 .
(8) محمّد حسين الحاج، حقوق آل البيت (ع) : ص 96 .
(9) يُنظر : باقر شريف القرشيّ، النّظام السّياسيّ في الإسلام : ص 57 .
(10) يُنظر : عبد الرّضا الزّبيديّ، الرّسائل السّياسيّة بين الإمام عليّ ومعاوية : ص 15 .
(11) هذه إشارة إلى السّياسة الغربيّة البعيدة عن سياسة الإسلام، ولمْ نرغبْ في التعمّق فيها بقدر توضيح اختلافها مع سياسة الإسلام في العهود الأولى.
(12) يُنظر : الكلينيّ، الكافي : 5/ 33 ، والصّدوق، علل الشّائع : 1/ 150 .
(13) يُنظر : عبد الرّضا الزّبيديّ، الرّسائل السّياسيّة بين الإمام عليّ ومعاوية : ص 30 .
(14) يُنظر : علي خان، التديّن في السّياسة والعمل السّياسيّ : ص 29 .
(15) لقدْ تأثّر الإمام عليّ (ع) عندما علم بما لقيته ربيعة في البصرة، وخروج عبد القيس عنها . للتفصيل، يُنظر : الطبريّ، تاريخ : 3/ 496 ، والمجلسيّ، بحار الأنوار : 3/ 18 .
(16) كليب الجرميّ : هو كليب بن شهاب، الجرميّ، من بني قضاعة، عُدّ من الصّحابة، وقيل : إنّه مِنْ تابعي البصرة، وقيل : إنّه كان من الثّقات، ويُستحسن حديثه، وحدّث عن الإمام عليّ (ع) بعض الرّوايات التّاريخيّة، يُنظر : ابن سعد، الطبقات الكبرى : 6/ 123 ، والعجليّ، معرفة الثّقات : 2/ 228 ، وابن عبد البرّ، الاستيعاب : 3/ 1329 .
(17) قطب الدّين الرّاونديّ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : 2/ 145 - 146 ، وابن حمدون، التّذكرة الحمدونيّة : 7/ 162 - 162 .
(18) يُنظر : ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : 1/ 22 - 23 .
(19) محمّد الرّيشهري، ميزان الحكمة : 2/ 1385 .
(20) يُنظر : محمّد حسين الحاج، حقوق آل البيت (ع) : ص 98 .
(21) شرح نهج البلاغة : 10 / 358 .
(22) الجاحظ، الرّسائل السّياسيّة : ص 366 .
(23) يُنظر : علي نجيب عطوي، الكميت بن زيد الأسديّ : ص 93 .
(24) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : 2/ 197 ، ويُنظر : جواد كاظم النّصر الله، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزليّ، رؤية اعتزاليّة عن الإمام عليّ (ع) : ص 373 .
(25) اليعقوبيّ، تاريخ : 2/ 127 ، ويُنظر : المسعوديّ، مروج الذّهب : 3/ 107 .
(26) العلّمة الحلّّ، مختلف الشّيعة : 4/ 451 .
(27) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : 10 / 364 .
(28) يُنظر : القاضي نعمان، دعائم الإسلام : 1/ 394 .
(29) يُنظر : ابن إدريس الحلّّ، السّائر : 2/ 16 .
(30) يُنظر : المفيد، الجمل : ص 217 .
(31) القاضي نعمان، دعائم الإسلام : 1/ 395 ، ويُنظر : محمّد باقر المحموديّ، نهج السّعادة : 1/ 328 .
(32) القاضي نعمان، دعائم الإسلام : 1/ 395 .
(33) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : 10 / 212 .
(34) يُنظر : أحمد الرّحمانيّ الهمدانيّ، الإمام عليّ بن أبي طالب : ص 692 .
(35) يُنظر : ابن عابدين، حاشية ردّ المحتار : 4/ 245 .
(36) يُنظر : القاضي نعمان، شرح الأخبار : 2/ 105 .
(37) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب : 1/ 227 ، والخوئيّ، معجم رجال الحديث : 88/15 .
(38) قنبر : مولى أمير المؤمنين عليّ (ع) ، قتله الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، بسبب حبّه للإمام عليّ (ع) ، ذُكِرتْ له رواية عن أمير المؤمنين (ع) ، يُنظر : ابن داوود، الرّجال : ص 154 ، والخوئيّ، معجم رجال الحديث : 15 / 87 .
(39) ابن حزم، الفصل في الملل : 4/ 186 .
(40) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب : 1/ 227 .
(41) الفصل في الملل : 4/ 186 .
(42) يُنظر : ابن حزم، الفصل في الملل : 4/ 186 ، والطوسيّ، اختيار معرفة الرّجال : 288/1 ، وابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب : 1/ 227 ، والمجلسيّ، بحار الأنوار : 285/25 .
(43) المعجم الموضوعيّ لأحاديث الإمام المهديّ (ع) ، الشّيخ عليّ الكورانيّ : 1045 .
(44) في التّمهيد : 5/ 317 .
(45) المفيد، الأمالي : ص 5 ، والطوسيّ، الأمالي : ص 626 ، ومحمّد بن عليّ الطبريّ، بشارة المصطفى : ص 22 . وهذا القول قاله الإمام (ع) للحارث الهمدانيّ، والد شريك الحارثيّ بمسجد البصرة.
(46) لمْ أعثر على ترجمةٍ له.
(47) البلاذريّ، أنساب الأشراف : 2/ 238 - 239 ، واليعقوبيّ، تاريخ : 2/ 210 .
(48) يُنظر : حامد حفني داوود، نظرات في الكتب الخالدة : ص 47 .
(49) البلاذريّ، أنساب الأشراف : 1/ 362 .
(50) العقاد، عبّاس محمود، موسوعة العقّاد : 2/ 116 .
(51) يُنظر : خطبة الإمام عليّ، المفيد، الإرشاد : ص 197 .
(52) يُنظر : الثّقفيّ، الغارات : 1/ 330 - 331 ، وابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : 127/3 .
(53) القاضي النّعمان، شرح الأخبار : 2/ 290 .
(54) القاضي النّعمان، شرح الأخبار : 2/ 291 .
(55) يُنظر : القاضي النّعمان، شرح الأخبار : 2/ 290 .
(56) منْ سورة الذّاريات، الآية (55).
(57) بحار الأنوار : 32 / 256 .
(58) تنمّرك : تنمّر له، أي : تنكّر له وتغيّر . الجوهريّ . الصّحاح : 2/ 838 .
(59) بوَغْم : وَغِمَ عليه بالكسر، أي : حَقَدَ، والوَغْم، التِّة، يُنظر : الجوهريّ، الصّحاح : 1998/5 .
(60) الشّيف الرّضي، نهج البلاغة : 3/ 18 .
(61) يُنظر : محمّد مهدي شمس الدّين، دراسات في نهج البلاغة : ص 73 .
(62) أبو حرب بن أبي الأسود الدّؤليّ : قيل : إنّ اسمه محجن، وقيل : اسمه عطاء، وقيل : إنّ عطاءً وأبا حربٍ اثنان ، إذْ يُذكر بهذا الشّأن أنّه ولد لأبي الأسود عطاء وأبو حرب، ولا عقب لعطاء، وكان أبو حرب بصريّاً، عاقلاً، شاعراً، له عقب في مدينة البصرة، ولَّه الحجّاج ابن يوسف الثقفيّ في أيّام ولايته على العراق (جوخا - نهر)، عليها كورة واسعة في سواد بغداد، فلمْ يزلْ عليها حتّى مات الحجّاج، ويُقال : إنّه كان كريماً، يُقدِّم المساعدة للمحتاجين، مات سنة ( 108 ، أو 109 هـ)، يُنظر : ابن قتيبة، المعارف : ص 435 ، والذّهبيّ، العبر في خبر مَن غَبرَ : 1/ 134 .
(63) أضرط به : معناه : استهزأ به. الجوهريّ، الصّحاح : 3/ 1140 .
(64) محمّد بن سليمان الكوفيّ، مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع) : 55/2 .
(65) البلاذريّ، أنساب الأشراف : 1/ 371 .
(66) يُنظر : ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : 1/ 187 .
(67) طمريه : طمر : جمع أطمار، والطّمر الثّوب الخَلِق البالي. الجوهريّ، الصّحاح : 726/2 .
(68) الشّيف الرّضي، نهج البلاغة : 3/ 70 .
(69) هي معاذة العدويّة بنت عبد الله، امرأةُ صِلة بن أشيم، وهي مِن أهل البصرة، أمّ الصّهباء، رُوي عنها في كتب الصِّحاح وكتب الحديث الأُخَر بعض الأحاديث والرّوايات التّاريخيّة، وقيل : إنّا كانتْ من العابدات، وحديثها يُتجُّ به، تُوفّيت على رواية سنة (83 هـ) ،يُنظر : ابن سعد، الطّبقات الكبرى : 8/ 483 ، والذّهبيّ، الكاشف في معرفة مَنْ له رواية في الكتب السّتّة : 2/ 517 .
(70) الجاحظ، العثمانيّة : ص 290 ، وابن قتيبة، المعارف : ص 169 ، والبلاذريّ، أنساب الأشراف : 2/ 146 ، والعقيليّ، الضّعفاء : 2/ 131 ، وعبد الله بن عدي، الكامل : 3/ 247 ، والمفيد، أوائل المقالات : 1/ 31 ، وابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : 42 / 33 ، وابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : 13 / 228 ، والمزّي، تهذيب الكمال : 12 / 18 ، والذّهبيّ، المُغنيفي الضّعفاء : 1/ 440 ، وابن كثير، البداية والنّهاية : 7/ 370 ، وابن حجر، تهذيب التّهذيب : 179/4 .
(71) يُنظر : ابن هشام، السّيرة النّبويّة : 2/ 270 .
(72) المفيد، الإرشاد : 1/ 254 .
(73) ابن شاذان، الفضائل : ص 98 .
(74) أصبغ بن نباتة الحنظليّ : أبو القاسم، المجاشعيّ، الدّارميّ، الكوفيّ، مِنْ خواصّ أمير المؤمنينَ عليٍّ (ع) ، سَمِعَ منه، وروى عنه، ومِن الوجوه البارزة بين أصحابه، وأحد ثقاته، وهو مشهورٌ بثباته واستقامته على حبّه، وصَفَتْه النّصوص التّاريخيّة القديمة بأنّه شيعيٌّ . كان مِن شرطة الخميس، ومِنْ أمرائهم، عاهد الإمام (ع) على التّضحية والفداء والاستشهاد، وشهد معه الجمل، وصِفِّين، وكان معدوداً في أنصاره الأوفياء المخلصين، له كتاب (مقتل الحسين (ع)) ، قيل : إنّه عُمّر حتّى كانتْ وفاته في القرن الثّاني من الهجرة، يُنظر : البخاريّ، التّاريخ الكبير : 2/ 35 ، ومحسن الأمين، أعيان الشّيعة : 3/ 464 .
(75) من سورة النّساء، الآية (69) .
(76) الكلينيّ، الكافي : 1/ 450 .
(77) يُنظر في ذلك : الواقديّ، المغازي : 1/ 256 .
(78) يُنظر : الميّاحيّ، شكري ناصر، الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) ، دراسة في فكره العسكريّ : ص 79 - 88 .
(79) الطبريّ، تاريخ : 3/ 544 ، ومسكويه، تجارب الأمم : 1/ 505 .

المصادرُ والمراجعُ

  أوّلاً : المصادرُ الاوليّةُ
  - القرآنُ الكريمُ.
  - ابن الأثير، مجد الدّين، أبو السّعادات المبارك بن محمّد، الجزريّ (ت 606 #/ 1210 م).
  1 ـ النّهاية في غريب الحديث، تح : طاهر أحمد الزّاوي، محمود الطناحيّ، مطبعة مؤسّسة إسماعيليان، ط 4، قم، 1945 م.
  - البخاريّ، أبو عبد الله، محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، الجعفيّ (ت 256 #/ 870 م).
  2 ـ التّاريخ الكبير، نشر المكتبة الإسلاميّة، ديار بكري، تركيا، (د.ت).
  - البلاذريّ، أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 #/ 892 م).
  3 ـ أنساب الأشراف، تح : سهيل زكار، رياض زركلي، ط 1، بيروت، 1997 م.
  - الجاحظ، أبو عثمان، عمرو بن بحر بن محبوب (ت 255 #/ 868 م).
  4 ـ العثمانيّة، تح : عبد السّلام محمّد هارون، مطبعة دار الكتاب العربيّ، مصر، 955 1 م .
  - الجوهريّ، إسماعيل بن حمّاد (ت 393 #/ 1003 م).
  5 ـ الصّحاح تاج اللّغة وصحاح العربيّة، مطبعة دار العلم للملايين، ط 4، بيروت، 1987 م.
  - ابن حجر، شهاب الدّين العسقلانيّ (ت 852 #/ 1449 م).
  6 ـ تهذيب التّهذيب، ط 1، 1984 م.
  - ابن أبي الحديد، عزّ الدّين، أبو حامد، عبد الحميد بن هبة الله، المدائنيّ (ت 656 #/ 1258 م).
  7 ـ شرح نهج البلاغة، تح : محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار أحياء التّاث العربيّ، عيسى البابي الحلبيّ وشركاؤه، ط 1، 1978 م).
  - ابن حزم، أبو محمّد، عليّ بن أحمد الظاهريّ (ت 456 #/ 1064 م).
  8 ـ الإحكام في أصول الأحكام، تح : أحمد شاكر، مطبعة العاصمة، القاهرة، (د.ت).
  9 ـ الفصل في الملل والأهواء والنّحل، مطبعة التمدّن، ط 1، 1908 م.
  - ابن حمدون، محمّد بن الحسن بن محمّد بن عليّ (ت 562 هـ/ 1166 م).
  10 ـ التّذكرة الحمدونيّة، تح : إحسان عبّاس، بكر عبّاس، ط 1، 1996 م.
  - ابن خلدون، عبد الرّحمن بن محمّد بن خلدون، الحضرميّ، المغربيّ (ت 808 هـ/ 1406 م).
  11 ـ تاريخ ابن خلدون، ط 4، بيروت، (د.ت).
  - ابن داوود، أبو بكر، تقيّ الدّين، الحسن بن عليّ، الحلّّ (ت 707 #/ 1307 م).
  12 ـ رجال ابن داوود، تح : محمّد طارق آل بحر العلوم، مطبعة الحيدريّة، النّجف الأشرف، 1972 م.
  - الذّهبيّ، شمس الدّين، محمّد بن أحمد بن عثمان (ت 748 #).
  13 ـ العبر في خبر مَن غبر، تح : فؤاد سيّد، الكويت، 1961 م.
  14 ـ الكشف في معرفة مَنْ له رواية في الكتب السّتّة، تقديم وتعليق وتخريج : محمّد عوامة، أحمد محمّد نمر الخطيب، ط 1، 1992 م.
  15 ـ المُغني في الضّعفاء، تح : أبي الزّهراء حازم القاضي، ط 1، 1997 م.
  - الزّبيديّ، محمّد مرتضى، الحسنيّ، الواسطيّ، الحنفيّ (ت 1205 #/ 1790 م).
  16 ـ تاج العروس من جواهر القاموس، مكتبة الحياة، بيروت، (د.ت).
  - ابن سعد، محمّد بن منيع، الزّهريّ (ت 230 #/ 845 م).
  17 ـ الطّبقات الكبرى، مطبعة دار صادر، بيروت، (د.ت).
  - الشّيف الرّضي، أبو الحسن، محمّد بن الحسين بن موسى (ت 406 #/ 1015 م).
  18 ـ نهج البلاغة، تح : محمّد عبده، مطبعة دار المعارف، بيروت، (د.ت).
  - شكري ناصر الميّاحيّ، (معاصر).
  19 ـ الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) ، دراسة في فكره العسكريّ، ط 1، دار الفيحاء، بيروت، 2013 م.
  - ابن شهر آشوب المازندرانيّ، رشيد الدّين، أبو عبد الله، محمّد بن عليّ بن أبي نصر بن أبي الجيش، السّويّ (ت 588 #/ 1192 م).
  20 ـ مناقب آل أبي طالب، تح : لجنة مِن أساتذة النّجف الأشرف، مطبعة الحيدريّة، النّجف الأشرف، 1996 م.
  - الصّدوق، أبو جعفر، محمّد بن عليّ بن الحُسين بن موسى بن بابويه، القمي (ت 381 #/ 930 م).
  21 ـ علل الشّائع، تح : محمّد صادق بحر العلوم، المطبعة الحيدريّة، النّجف، 1966 م.
  - الطبريّ، أبو جعفر، محمّد بن جرير ( 310 #/ 922 م).
  22 ـ تاريخ الطبريّ، تح : نخبة مِن العلماء الأجلّء، مطبعة الاستقامة، القاهرة، 1939 م.
  - الطّريحيّ، الشّيخ فخر الدّين (ت 1085 #/ 1674 م).
  23 ـ مجمع البحرين، تح : أحمد الحسينيّ، ط 2، 1988 م.
  - الطوسيّ، الشّيخ أبو جعفر، محمّد بن الحسن بن عليّ (ت 460 #/ 1067 م).
  24 ـ اختيار معرفة الرّجال، تح : مهدي الرّجائيّ، مطبعة بعثت، قم، 1984 م.
  25 ـ الأمالي، تح : قسم الدّراسات الإسلاميّة، مؤسّسة البعثة، ط 1، قم، 1994 م.
  - ابن عابدين، محمّد أمين (ت 1232 #/ 1817 م).
  26 ـ حاشية ردّ المحتار، إشراف : مكتب البحوث والدّراسات، مطبعة الفكر، بيروت، 1995 م.
  - عبد الله بن عدي، أبو أحمد (ت 365 #/ 976 م).
  27 ـ الكامل في ضعفاء الرّجال، تح : سهيل زكار، مطبعة دار الفكر، ط 3، بيروت، 1989 م.
  - ابن عبد البَّر، يوسف بن عبد الله بن محمّد، النّمريّ، الأندلسيّ (ت 463 #/ 1070 م).
  28 ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تح : علي محمّد البجّاوي، مطبعة دار الجيل، ط 1، بيروت، 1992 م.
  29 ـ التّمهيد، تح : مصطفى بن أحمد العلويّ ، محمّد عبد الكبير البكريّ، مطبعة المغرب، وزارة عموم الأوقاف والشّؤون الإسلاميّة، 1387 #.
  - ابن عساكر، أبو القاسم، عليّ بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله، الشّافعيّ (ت 571 #/ 1175 م).
  30 ـ تاريخ مدينة دمشق، تح : على شيري، مطبعة دار الفكر، ط 1، بيروت، 1992 م.
  - العقيليّ، أبو جعفر، محمّد بن عمرو بن موسى بن حمّاد، المكّيّ (ت 322 #/ 934 م).
  31 ـ الضّعفاء، تح : عبد المعطي أمين قلعجي، مطبعة دار الكتب العلميّة، ط 3، بيروت، 1998 م.
  - العلّمة الحلّّ، الحسن بن يوسف بن المطهّر (ت 726 #/ 1326 م).
  32 ـ مختلف الشيعة، تح : لجنة التأليف، مطبعة مؤسّسة النشر الإسلاميّ التّابعة لجماعة المدرّسين، ط 1، قم 1993 م.
  - القاضي النّعمان، أبو حنيفة بن محمّد، التّميميّ، المغربيّ (ت 363 #/ 974 م).
  33 ـ دعائم الإسلام، تح : آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، القاهرة، 2003 م.
  34 ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار، تح : محمّد الحسينيّ الجلاليّ، مطبعة مؤسّسة النّشر الإسلاميّ، قم، (د.ت).
  - ابن قتيبة الدِّينوريّ، عبد الله بن مسلم (ت 276 #/ 889 م).
  35 ـ المعارف، تح : ثروت عكاشة، مطبعة دار المعارف، القاهرة، (د.ت).
  - قطب الدّين الرّاونديّ، أبو الحسين، سعيد بن هبة الله (ت 573 #/ 1185 م).
  36 ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تح : عبد اللّطيف الكوهكمريّ، مطبعة الخيّام، قم، 1983 م.
  - ابن كثير، أبو الفداء، إسماعيل، الدّمشقيّ (ت 774 #/ 1373 م).
  37 ـ البداية والنّهاية، مطبعة دار إحياء التّاث العربيّ، ط 1، بيروت، 1988 م.
  - الكلينيّ، أبو جعفر، محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الرازيّ (ت 329 #/ 941 م).
  38 ـ الكافي، تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاريّ، المطبعة الحيدريّة، ط 3، تهران، 2009 م.
  - الكوفيّ، محمّد بن سليمان (ت بعد 300 #/ 913 م).
  39 ـ مناقب الإمام أمير المؤمنينَ، تح : محمّد باقر المحموديّ، مطبعة النّهضة، ط 1، قم، 1992 م.
  - المجلسيّ، العلّمة محمّد باقر (ت 1111 #/ 1700 م).
  40 ـ بحار الأنوار، مطبعة مؤسّسة الوفاء، ط 2، بيروت، 1983 م.
  - المزّي، جمال الدّين، أبو الحجّاج يوسف (ت 742 #/ 1341 م).
  41 ـ تهذيب الكمال، تح : بشّار عوّاد معروف، ط 4، بيروت، 1986 م.
  - المسعوديّ، عليّ بن الحسين بن عليّ (ت 346 #/ 957 م).
  42 ـ التنبيه والإشراف، دار صعب، بيروت، (د.ت).
  43 ـ مروج الذّهب ومعادن الجوهر، مطبعة شريعت، ط 1، 2002 م.
  - مسكويه، أبو عليّ، أحمد بن محمّد مسكويه، الرّازيّ ( 421 هـ/ 1030 م).
  44 ـ تجارب الأمم، تح : أبو القاسم إمامي، مطبعة دار سروش، ط 1، 2001 م.
  - المفيد، محمّد بن محمّد بن النّعمان، العكبريّ، البغداديّ (ت 413 #/ 1022 م).
  45 ـ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، مطبعة السّور، ط 1، إيران، 2007 م.
  46 ـ الأمالي، تح : حسين الأستادلي، علي أكبر غفاري، ط 2، 1994 م.
  47 ـ أوائل المقالات، تح : الشّيخ إبراهيم الأنصاريّ، ط 2، 1993 م.
  - ابن منظور، أبو الفضل، جمال الدّين، محمّد بن مكرم، الأفريقيّ، المصريّ (ت 711 #/ 1311 م).
  48 ـ لسان العرب، مطبعة دار إحياء التّاث العربيّ، ط 1، قم، 1985 م.
  - الواقديّ، أبو عبد الله، محمّد بن عمر (ت 207 ه/ 822 م).
  49 ـ المغازي، تح : مارسدن جونس، نشر دانش إسلاميّ، 1984 م.
  - ابن هشام، أبو محمّد، عبد الملك بن هشام بن أيّوب، الحميريّ (ت 218 #/ 833 م).
  50 ـ السّيرة النبويّة، تح : محمّد محيي الدّين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة، 1963 م.
  - اليعقوبيّ، أبو يعقوب، أحمد بن إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح، البغداديّ (ت 292 #/ 904 م).
  51 ـ تاريخ اليعقوبيّ، دار صادر، بيروت، (د.ت).

  ثانياً : المراجع
  - الأمين، محسن.
  52 ـ أعيان الشّيعة، تح : حسن الأمين، مطبعة دار المعارف، بيروت، 1983 م.
  - الحاج، محمّد حسين.
  53 ـ حقوق آل البيت، تح : جعفر السّبحانيّ، مطبعة مهر، ط 1، 1995 م.
  - الخوئيّ، أبو القاسم الموسويّ.
  54 ـ معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرّواة، تح : لجنة التحقيق، ط 5، 1993 م.
  - داود، حامد حفني.
  55 ـ نظرات في الكتب الخالدة، تح: مرتضى الرّضويّ، مطبعة دار العلم، ط 1، القاهرة، 1979 م.
  - الزبيديّ، عبد الرّضا.
  56 ـ الرّسائل السّياسيّة بين الإمام عليّ ومعاوية، مطبعة أمير، ط 1، قم، 2000 م.
  - شمس الدّين، محمّد مهدي.
  57 ـ دراسات في نهج البلاغة، مطبعة دار الزّهراء، ط 2، بيروت، 1972 م.
  - العقّاد، عبّاس محمود.
  58 ـ موسوعة أعمال عبّاس محمود العقّاد، العبقريّات الإسلاميّة، ط 2، بيروت، 1991 م.
  - علي خان، عبد الله.
  59 ـ التديّن في السّياسة والعمل السّياسيّ، مطبعة دار البيان العربيّ، ط 1، بيروت، 1990 م.
  - القرشيّ، باقر شريف.
  60 ـ النّظام السّياسيّ في الإسلام، مطبعة دار التعارف، ط 2، بيروت، 1978 م.
  - الكوراني، الشّيخ علي (معاصر).
  62 ـ المعجم الموضوعيّ لأحاديث الإمام المهديّ (عج)، ط 1، (د.مط)، 1426 #- 2006 م.
  - المحموديّ، محمّد باقر.
  63 ـ نهج السّعادة في مستدرك نهج البلاغة، مطبعة النّعمان، ط 1، النّجف الأشرف، 1966 م.
  - النّصر الله، جواد كاظم.
  64 ـ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزليّ، رؤية اعتزاليّة عن الإمام (ع) ، ط 1، طهران، 2004 م.
  - الهمدانيّ، أحمد الرّحمانيّ.
  65 ـ الإمام عليّ بن أبي طالب، مطبعة أفست فتّاحي، ط 1، تهران، 1997 م.

BASRAHCITY.NET