مسجد الامام علي عليه السلام في البصرة

المقدمة


  البصرة أوَّل حاضرة تاريخيّة في الإسلام، يُعدُّ مسجدها (جامع وخطوة الإمام علي (عليه السلام)) في مدخل مدينة الزبير غرب مدينة البصرة من المساجد الإسلامية القديمة في العالم الإسلامي فقد أسس بعد فتحها عام 14 هـ على يد عتبة بن غزوان، فكان المسجد الثاني الذي بُنِيَ في الإسلام بعد المسجد النبويّ الشّريف الذي بناه الرّسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) بعد هجرته إلى مدينة يثرب التي تنوّرت بقدومه المبارك.
  مسجد البصرة المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من الوحدات العمرانيّة التي تبيِّن الطِّراز الإسلامي الأصيل في البناء والعمران فهو إرثٌ إسلاميٌّ وتحفةٌ تراثيّةٌ عظيمةُ الأهميّة، لم يقتصر المسجد على إقامة الصّلاة فحسب بل كان بمثابة جامعةٍ إسلاميةٍ متكاملةٍ، ففيه تُدرَّسُ علوم اللغة والنحو والفقه والحديث والعقائد وما إلى ذلك من العلوم، وصفه الشاعر أبو عبد الله المفجع بقوله :
ألَا يـا جامع iiالبصرة      لا خــربــك iiاللهُ
وأسقى صحنَكَ الغيثَ      مـن  الـمزن iiفروّاه
فـكم من عاشق iiفيك      يـرى  مـا iiيـتمناه

  ذكره ابن بطوطة في أدب الرحلات عند وصفه مدينة البصرة بالقول : وكنتُ رأيتُ عند قدومي عليها على نحو ميلين منها بناءً عالياً مثل الحصن، فسألت عنه، فقيل لي : هو مسجد علي بن أبي طالب (ع) وكان البصرة من اتساع الخطة وانفساح الساحة بحيث كان هذا المسجد في وسطها)

دخول أمير المؤمنين (عليه السلام) البصرة :
  كان دخول الإمام علي (عليه السلام) البصرة عام 36 هـ لمحاربة أهل الجمل الذين نكثوا البيعة، وبعد دخوله تنامت الحركة الفكرية والثقافية في البصرة، خصوصاً بعد إلقائه مجموعةً من الخطب الهامّة من على منبر مسجدها.
  ثم إنَّه (عليه السلام) عيَّن على البصرة حبر الأمّة عبد الله بن عبّاس المعروف بفقهه وعلمه فأخذ يُلقي دروساً في الفقه والتفسير والأخبار وتخرّج على يديه الكثير من العلماء في البصرة.
  كما تشكّلت حينها الكثير من المدارس في الفقه والتفسير والنحو والكلام والأخبار وغيرها.
  وفي هذا المسجد علَّم أمير المؤمنين (عليه السلام) تلميذَهُ كميلَ بن زياد الدعاءَ المعروف بـ( دعاء كميل) بعد أنْ قرأهُ الإمام في المسجد فتبعه كميل إلى الدار فعلمه.

أدوار المسجد ومهامه :
  للمسجد أدوار ومهامٌ كثيرةٌ منها :
  الدور العبادي : حيث تُقام فيه الصّلاة العباديّة فهو من المساجد الجامعة التي تُقام فيه صلاة الجمعة بالإضافة إلى الجماعة.

سلطة القرار :
  يعد جامع وخطوة الإمام علي "عليه السلام" مقرّاً للحكومة يتداول فيه الرأي وتتّخذ فيه القرارات الهامّة والمصيريّة، وتُعقَدُ فيه الاتفاقيّات وتُرسَل منه الرُّسل وتُستَقبَلُ فيه الوفود، وحتى بعد إنشاء دار الإمارة بقي المسجد محتفظاً بدوره في هذا الإطار.

جامعةٌ متكاملةٌ :
  كان جامع وخطوة أمير المؤمنين (عليه السلام) بمثابةِ جامعةٍ علميّةٍ ثقافيّةٍ متكاملةٍ يجتمع فيه العلماء بمختلف أطيافهم واختصاصاتهم حيث تُشكَّلُ في المسجد عدَّةُ حلقات منها ما يخصُّ النحو الذي اشتهرت به المدرسةُ البصريَّةُ، وأخرى تخصُّ تدريس اللُّغة وثالثة للكلام والقضايا الفلسفيّة ومن بين أولئك العلماء الذين كانوا يلقون دروسهم في ذلك المسجد أبو الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي والأصمعي وواصل بن عطاء وقتادة السّدوسي والحسن البصريّ وكانت هذه الدروس تشمل أهالي البصرة والقادمين إليها طلباً للعلم والتزوّد من علمائها.

سلطة القضاء :
  يعدُّ المسجدُ مكاناً لفضِّ النزاعات والخصومات بين الناس في فترةٍ غير قليلةٍ من تأسيسه إلَّا أنَّهُ استعيض عنه بتأسيس دار القضاء فيما بعد. كما كان مكاناً لتوزيع الأموال على المستحقّين إلى أن أُنشئ بيت المال.

حلقات التدريس :
  كانت تُعقَدُ في المسجد عدَّةُ حلقات للتدريس منها حلقة أبي عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد الفراهيدي ويونس بن حبيب والأصمعي، كما ذكرنا، وكان المسجد يستقبل طلبة العلوم من مختلف أرجاء العالم الإسلامي.

الزيارة المليونية :
  يتوافد الكثير من الزائرين من أهالي البصرة في العديد من المناسبات الدينيّة على جامع وخطوة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) لأداء شعائرهم الدينيّة في هذا المكان المقدّس.


BASRAHCITY.NET