المكتبةُ الاهليةُ في البصرة إحدى واحات الثقافة في المحافظة

الاستاذ مجيد محمد

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم


   يُعد الكتاب أهمّ مصدر من مصادر المعرفة التي يمتاز بها الإنسان عن باقي الكائنات الحية، فقد امتاز عن غيره من المخلوقات بأنَّه كائن مُفكّرٌ يسعى للبحث عن الحقيقة وكشف المجهول من خلال التصاقه الوثيق بالكتاب، وأنَّ انتشار المكتبات في بلدٍ ما دليلٌ على العُمق الحضاري والإرث التاريخي لذلك البلد وارتباطه بالثقافة المُهمَّة ، لصنع إنسان ناضجٍ له القدرةُ على القيادة والإبداع، وهي بَساتين العلماء كما قيل، ويحظى العراق بشكل عام بإنشاء هذه البساتين التي أمدّتْ المُجتمعات بالعلوم والمعارف على اختلاف صُنوفها وتشعب علومها، ولم تكن البصرة حاضرة الأدب والثقافة غائبة عن هذه المعادلة، فقد حرص علماؤها على تأسيس الخزانات والمكتبات التي تضمُّ النوادر من المخطوطات، والكتب والدوريات، وانتشرتْ فيها الكتب بمختلف أنواعها منذ تمصيرها إلى يومنا هذا، وعندما تُذكر مكتبات البصرة تَستحضر الذاكرة خِزانة ابن دُريد والجاحظ، والمكتبة العباسيّة وغيرها من المكتبات التي أثرتْ الساحة الأدبية والعلمية بالكثير من المعارف والعلوم، وكانتْ مرجعاً للباحثين والدارسين يَقتطف منها المثقفون والأدباء ثِماراً جنيّة فيقرّون بها عيناً.
  ومن هذه المكتبات التي لها دورٌ كبيرٌ في عملية التنميةَ وإرساء قواعد المعرفة والثقافة في المجتمع البصريّ هي المكتبة الأهلية، فهي من المعالم البصريّة المُهمّة في المحافظة، إذ يرجع تأريخ تأسيسها لعام 1928 م، وتقع في منطقة البصرة القديمة، وتُعدُّ هذه المكتبة رافداً ثقافياً لمرتاديها من داخل البصرة وخارجها، وهي مُلتقى الأُدباء والشُعراء والمُثقفين، ويُذكر أنَّ أبرز من ارتادها سابقاً السيّد عبّاس شُبَّر القاضي، والأستاذ محمد جواد جلال، والشّاعر بدر شاكر السياب، ومحمود البريكان وآخرون غيرهم، قام بتأسيسها الأستاذ فيصل حمود الذي عُرف باهتماماته الأدبيّة وعلاقاته الواسعة بالمؤرخين والأدباء والمُثقفين.
  وقد استطاعتْ مُنذ تأسيسها ولحدِّ اليوم أنْ تَمدَّ المُجتمع البصريّ بصنوف المعارف والفكر، وأن تكون إحدى قنوات التواصل المعرفي وبثِّ الوعي الثقافي بين صنوف المجتمع البصري، حيث يجد المثقفُ فيها بُغيته لسدّ جوعه الفكري والمعرفي.
  ويقوم على إدارتها اليوم الأستاذ غازي فيصل حمود نجل المؤسس، ونجله الكاتب والصحفي مصطفى غازي.
  وتضمُّ المكتبة كثيرا من الكُتب العلميّة، والأدبيّة، والفكريّة، ومجلّات، وجرائد قديمة، وقد تعرضتْ إلى الحرق والتخريب، ممّا سبب ضَياع الكثير من الكتب القديمة والدوريات والجرائد.
  وما زالت البصرة تحتضن هذه المكتبة رغم انتشار المكتبات الالكترونية في أرجاء المحافظة، ويفوح من رفوفها وجُدرانها وبين ثنايا كتبها عبيرُ البصرة من خلال ما تكتنزه من مُختلف أنواع الكُتب لينتشر ضوعها في أرجاء واسعة من المدينة، وتحتفظ ببريقها السابق، ويرتادها أهل العلم والمثقفون والأدباء والمفكرون في مختلف شرائح المجتمع البصري، وينهلون من نميرها العذب ويجالسون خير جليس في هذا الزمان.

BASRAHCITY.NET