دور معتزلة البصرة في مواجهة الفكر الأجنبي والدفاع عن الإسلام
الاستاذ جواد كاظم النصر الله
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
لما كان الدين الاسلامي يعطي الحرية في الاعتقاد « لا اكراه في الدين » لذا اجاز لاصحاب الديانات التوحيدية البقاء على دياناتها والعيش تحت سيادة الدولة الاسلامية ، ولما فشل أصحاب هذه الديانات في مواجهة اتباع الدين الاسلامي عسكرياً لذا استخدموا المواجهة الفكرية وذلك بطرح الشبهات حول العقائد الاسلامية .
لذا توجب على المسلمين مواجهة هذا التحدي وخير من واجه المتكلمون الذين اتخذا من علم الكلام مجالات لدراستهم ، وعلم الكلام هو العلم الذي يهتم بدراسة العقائد الاسلامية .
من بين المتكلمون كانت فرقة المعتزلة التى بذرت بذورها الاولى في مدينة البصرة ، فأخذ رجالاتها على عاتقهم مواجهة الفكر الاجنبي والدفاع عن العقائد الاسلامية .
وقد تمثل دور المعتزلة :
أولاً : نشر تعاليم الاسلام
أخذ البعض من رجالات المعتزلة نشر تعاليم الاسلام في الاقاصي التي يصلها الاسلام أو التي لم تنشر فيه تعاليم الاسلام ، حيث أفد واصل بن عطاء تلامذته لاقاصي البلاد في أرمينية وترمذ وخراسان والمغرب حتى سميت احدى مناطق المغرب بالواصلية لاعتناق اهلها الاسلام على يد اصحاب واصل بن عطاء .
ومن خلال جهود أبو الهذيل العلاف الذي يعد المؤسس الثاني للمعتزلة اسلم على يده أكثر من ثلاث اَلاف شخص .
ثانياً : التأليف
كان تأليف الكتب من الاساليب التي استخدمها المعتزلة للرد على اَراء المخالفين للإسلام ، وهذا يتوجب اطلاعهم على عقائد الاَخرين .
يقول الحاكم الجشمي : ( إن المعتزلة ... لهم الكتب المصنفة والمدونة والأئمة المشهورة ولهم الرد على المخالفين من أهل الإلحاد والبدع ولهم مقالات مشهورة في الذب عن الاسلام وكل من أخذ في الكلام او ما يوجد من كلام في أيدي الناس فمنهم أخذ ) .
وكان واصل بن عطاء اعلم الناس بكلام الزنادقة والدهرية وسائر المخالفين ، ويعد البلخي ذا معرفة واسعة بالأديان ، أما إبراهيم بن سيار النظام فيعرف بفيلسوف المعتزلة لسعة اطلاعه على اَراء أرسطوا طاليس حتى انه ضمن اراءه كثيراً من المصطلحات الفلسفية ، وكان ابو الحسين البصري على أطلاع واسع على الفلسفة القديمة وكلام الأوائل .
هذا الإطلاع مكن رجالات المعتزلة من تأليف والرد على مؤلفين الاديان الأخرى .
فكان أول من اضطلع بذلك واصل بن عطاء ومن مؤلفاته كتاب الألف مسألة في الرد على المانوية إحدى الديانات الفارسية .
ونقض أبراهيم بن سيار النظام كتاب ارسطو طاليس ، ورد عدد من رجالات المعتزلة على ابن الراوندي الملحد كما مثل الخياط في كتابه الانتصار ، وابو بكر محمد الزبيري الذي رد على مؤلفات الراوندي الأربعة ، وكذلك رد عليه الشيخ ابو علي الجبائي .
والف الجبائي أيضاً في الرد على الصابئة وعقائدهم في التنجيم ، وافرد البعض كتباً تحمل اسم المقالات تناولوا فيها مقالات الأديان الأخرى كما فعل البلخي وزرقان والناشىء وتميز القاضي عبد الجبار بردوده في العديد من كتبة العامة او الخاصة بالرد على المخالفين .
ثالثاً : المناظرات
دخل رجالات المعتزلة بمناظرات مع معتنقي الديانات الاخرى فعلى سبيل المثال ناظروا رجالات السيخية وهي من عقائد الهندوس حول الخالق ، وأرسل هارون الرشيد معمر بن عباد الى الهند للمناظرة علماء الهند إلا انه تم اغتياله في الطريق ، كذا الحال تم ارسال أبو كلدة للسند فاغتيل في الطريق ايضاً .
وكان لابي الهذيل مناظرات مع المجوس وهم الثنويه القائلين بوجود الهين قديمين النور والظلمة وكان ابرز رجالات الثنوية صالح بن عبد القدوس الذي دخل معه أبو الهذيل في مناظرات طويلة ومناظرة حول كتاب الشكوك .
وناظر ابو الهذيل زادان تحت الثنوي بحضرة المأمون حول النور والظلمة فيما ناظر البلخي علماء من اليهود حول نسخ الشرائع ، وحول معجزات موسى (ع) ومقارنتها بمعجزات المسيح (ع) ناظر ابو الهذيل علماء اليهود .
وفي البصرة حجم ابو الهذيل من دار الزنادقة ودخل البلخي في مناظرات مع السوفسطانية .
أما عن أهم المسائل التي كانت محل جدال دائم بين المعتزلة والأديان الاخرة فمع اليهود كانت مسألة التنزيه لله تعالى المطلق عن صفات المخلوقين والرد على فكره التشبيه لدى اليهود ان الله خلق اَدم على صورته وكذلك مسألة إمكانية نسخ الشرائع وعصمة الانبياء .
أما المسيحية فكانت موضوعات الكلمة وكلام الله ، وصفات الذات والرد على فكرة الاقانيم عند المسيحية .
فها كان الجدال حول تفسير اصل الشر وخالقه هل هو اله واحد ام الهين نقطة الخلاف مع الديانات الزرادشتة والمانويه والمزدكية .
أما الديانات الهندية فكانت مسألة التناسخ والثواب والعقاب في الوقت الذي شغلت مسألة التنجيم عند الصابئة .