موقف البصرة في اثناء حركة 1941

الاستاذ صالح محمد صالح العلي

تمهيد

 في شهري نيسان ومارس من عام 1941 ، حدثت في العراق انتفاضة شعبية ، وبالرغم من انشغال كل من بريطانيا وحلفائها من جهة وألمانيا من جهة ثانية بمعارك الحرب العالمية الثانية ، الا انهما أجبرتا على ان يعطيا جزءًا من اهتمامهما بتتبع حركة 1941 في العراق التي تمخضت في 2 مايس من العام نفسه عن قيام حرب بين الجيش العراقي والجيش البريطاني .
 واذا كانت الأحداث الأولى للحركة قد بدأت في بغداد ، فان البصرة قد استطاعت أن تخطف الانتباه بعد هروب الوصي عبدالاله إليها ، ولذلك فقد كانت البصرة المدينة الثانية في العراق ، التي أدت دورًا في أحداث نيسان ومايس 1941.
 وقبل ان أتناول أحداث البصرة أرى من الضروري ان اعطي نبذة مختصرة عن الحركة وعن الظروف التي قادت إليها .
 ولمعرفة أسباب حركة 1941 ، ارى من اللازم توضيح الظروف التي سبقت نيسان 1941 ، وأثرت في الأحداث بعدئذ ، اذ يمكن ان نقسمها إلى ظروف داخلية وظروف عربية وظروف دولية :
 1 ـ الظروف الداخلية : يرجع تدخل الجيش في السياسة وظهور الضباط الاحرار إلى مرحلة الثلاثينيات ، إذ اصبح العراق يمتلك جيشًا ذا قوة ضاربة بعد عام 1930 ، وذلك لان معاهدة 1930 (1) منحت العراق استقلالا جزئيا وجعلت الحكومة العراقية تهتم بتكوين نواة جيش يتفق مع الوضع الجديد (2) وبدأت عملية توسيع الجيش بعد 1930 ، فادخل نظام التجنيد الإجباري في عام 1934 ، واخذ الكثير من ابناء الطبقة المتوسطة يلتحقون بالكلية العسكرية ويصلون إلى مرتبة الضباط ، وبذلك أصبح الجيش العراقي يمثل قطاعًا واسعًا.
 اما الكتلة العسكرية التي شكلها قادة حركة 1941 ، فتعود إلى أواخر العشرينات اذ اتصل عدد من الضباط ، ومنهم صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ، بالكاتب السياسي محمد يونس السبعاوي وبالزعيم المعارض محمد جعفر ابو التمن ووضعت منذ ذلك التاريخ نواة الكتلة العسكرية ، وكانوا يدعون إلى تحرير العراق وسائر الأقطار العربية من النفوذ الأجنبي وقد ساعدت هذه الكتلة على القضاء على حركة بكر صدقي وبقي من ضباط هذه الكتلة سنة 1941 كل من العقيد صلاح الدين الصباغ والعقيد محمود سلمان والعقيد فهمي سعيد والعقيد كامل شبيب ، وقد انضم اليهم بعض المدنيين كما سيأتي ذكره .
 وقد تعاونت هذه الكتلة العسكرية مع عدد من الشخصيات السياسية المحلية والعربية ، فتعاونت مرة مع نوري السعيد ومع ياسين الهاشمي ومع طه الهاشمي وقد كانت قمة التعاون مع الحاج امين الحسيني الذي وصل العراق سنة 1941.
 وقد فرضت هذه الكتلة عددًا من الوزارات وساعدت على اقالة واستقالة عدد من من الوزراء (3).
 واذا كان الوزراء التقليديون في تلك الفترة يعتمدون من اجل استمرارهم بالحكم على العشائر لتثبيت سلطتهم ، او لاسقاط معارضيهم ، فان الزعماء في العرق قد اعتمدوا على الجيش ولا سيما بعد انقلاب بكر صدقي عام 1936 م بدلا من العشائر ... وان دل هذا على شيء فانما يدل على عجز الاحزاب السياسية والبرلمانات والجمعيات والنوادي عن خلق معارضة حقيقية وفعالة في المجلس النيابي او في الصحافة ... كما ان مجلس النواب كثرت قرارات حله ولم يكمل المجلس مدته الدستورية طوال العهد الملكي ، باستثناء مجلس واحد (4) كذلك كثرت التغييرات الوزارية في العراق مما سبب كثرة المشاكل والمنازعات .
 ومن الأسباب الداخلية لحركة 1941 وفاة الملك فيصل الأول في 8 ايلول 1933 إذ فقد العراق بوفاته شخصية دبلوماسية قائدة ، وكان لإتباعه سياسة خذ وطالب (5) الأثر الكبير في تضييق الخلافات مع بريطانيا ، كما كانت استفادته كبيرة من فترة بقائه ملكًا في سوريا .
 وبعد وفاة الملك فيصل الأول تسلم العرش الملك غازي ، وبالرغم من انه اتبع سياسة قومية لا ترضي بريطانيا ، خاصة موقفه من سوريا والكويت ، ونصبه اذاعة قصر الزهور ... الا ان مواقفه الطائشة وضعت البلاد في مواقف محرجة وقد صادف ظهوره على المسرح السياسي ، بروز شخصية نوري السعيد الذي وقع معاهدة 30 تموز 1930 مع بريطانيا باعتباره وزيرًا للخارجية والذي شكل وزراة في 23 اذار 1931 .
 ولا نحتاج لطول تدقيق لنعرف ان نوري السعيد (6) من المؤمنين بضرورة استمرار الصداقة والتحالف مع بريطانيا ، ولذلك فان العناصر الوطنية في العراق قد وقفت في وجه هذا الانحياز الذي لا موجب له ، لاسيما أن بريطانيا لم تشتهر بالصدق والوفاء في العلاقات الدولية مع العرب ولذلك اتجهت الأنظار إلى نوري السعيد وبريطانيا واعتبرتهم الجماهير من المساعدين على مقتل الملك غازي ليلة 3 / 4 نيسان 1939 ولما كان فيصل الثاني طفلا فقد ساعدت الكتلة العسكرية على تعيين عبدالاله وصيًا على العرش .
 2 ـ الظروف العربية : منذ عهد الملك غازي تمسك العراق بسياسة واضحة ترمي إلى توحيد الوطن العربي كونه يمتلك جيشًا قويًا ، وهو عضو في عصبة الأمم.
 3 ـ الظروف الدولية : كان العراق مرتبطًا مع بريطانيا بمعاهدة 1930 وقد تكدرت العلاقات العراقية البريطانية بعد مقتل الملك غازي إذ اعتبرت الأوساط الشعبية قتله بتحريض من بريطانيا وبعد إعلان الحرب العالمية الثانية بعد مقتل الملك غازي بخمسة شهور ازداد الموقف المعادي لبريطانيا في حين ان التوغل السياسي الألماني كان يزداد نموا وقد انقسم الشعب إلى صفين ، جهة تطالب بالوقوف على الحياد وعدم الاعتماد على الوعود البريطانية ويمثلها الضباط الأحرار وأكثرية الشباب ، اما الأقلية فقد وقفت مع نوري السعيد والوصي عبدالاله التي مالت إلى بريطانيا ، دون قيد او شرط وطالبوا بالدخول في الحرب.
 وقد وجد العسكريون أنفسهم مرشحين لقيادة الحركة الوطنية ومقاومة الاستعمار البريطاني ، بعد غياب الأحزاب الوطنية ، وارادوا الضغط على بريطانيا لتسليح العراق وتحرير فلسطين وتوحيد العرب ... وكانوا يحاولون جهد الإمكان التخلص من قيود معاهدة 1930 (7) .
 وكانت بريطانيا قد أصدرت في تلك الفترة (الكتاب الابيض) محاولة منها لكسب رضا العرب ، الا ان هؤلاء وبصورة خاصة القوى الوطنية المتحمسة ، وجدوا ان هذه الحلول غير مرضية ، في حين ان نوري السعيد وتوفيق السويدي كانا من مؤيدي هذه الحلول ويعتبرونها خطوة اولية على الطريق لتسوية مشرفة.
 ويعتبر نوري السعيد ان عمل العراق هذا هو أقصى ما تستطيع دولة عمله في سبيل قضية مهمة ، اذ عرض اقتراحًا على وزير المستعمرات البريطانية يقوم على اشتراك العراق في الحرب إلى جانب بريطانيا في الساحات الشرقية لقاء قيام بريطانيا بحل القضية الفلسطينية (8) وعلى كل فقد كان نوري السعيد على رأس الوزارة حينما اندلعت الحرب العالمية الثانية اثر احتلال ألمانيا لبولندة وإعلان بريطانية وفرنسا الحرب على ألمانيا فأسرعت حكومة نوري السعيد ، بناء على طلب من بريطانيا بقطع علاقات العراق الدبلوماسية مع ألمانيا وترحيل الرعايا الالمان الموجودين في العراق (9).
 وبالرغم من ان نوري السعيد قد وصل إلى وزارته بضغط من الكتلة العسكرية الا ان هذه الكتلة قد وقعت ضده بعد قطعه العلاقات مع المانيا ، وفي هذا الإثناء وصل المفتي إلى العراق فأحتج السفير البريطاني على وجوده في بغداد.
 ان هذه الإجراءات التي اتخذها نوري السعيد كانت دون الرجوع إلى المجلس النيابي والجيش الذي جاء به إلى الحكم بعد وزارة المدفعي ، وقد قدم نوري السعيد اقتراحًا إلى مجلس الدفاع الأعلى بإعلان الحرب ضد ألمانيا ، وقد رد اقتراحه من وزير الدفاع (طه الهاشمي) ورستم حيدر وزير المالية ، وحسين ، فوزي (رئيس أركان الجيش) مما ادي به إلى الاستقالة في 28 شباط 1940 ودخل مع وزارة رشيد عالي الكيلاني ، وكانت هذه الوزارة تتسم بالحياد ولكن بريطانيا ألحت على الكيلاني ان يقطع علاقاته مع ايطاليا بعد دخولها الحرب إلى جانب ألمانيا ، فأجابت الوزارة بانه لا يسعها إجابة هذا الطلب لأن هذا خارج بنود المعاهدة التي تلتزم الحكومة العراقية بتنفيذها نصًا وروحًا وترى الوزارة ان مصلحة البلد تقضي ان يتجنب الدخول في حرب لا مصلحة له فيها .
 ولكن وزير الخارجية نوري السعيد أصر على قطع العلاقات السياسية مع ايطاليا ومساعدة بريطانيا بتحشيد جيوشها في العراق ، وقد قدم صلاح الدين الصباغ مذكرة باسم رئاسة أركان الجيش عارض فيها نوري السعيد وابتدأت القطيعة بينه وبين كتلة الضباط الأحرار (10).
 وبعد فشل نوري السعيد حاول الوصي عبدالاله ان يدعو مجلس الوزراء لعقد جلسة برئاسته وقد عقدت الجلسة في 11 حزيران 1940 ، ولم يوافق المجلس على قطع العلاقات مع ايطاليا ، طالبًا التريث في هذا الأمر (11).
 ولما أصر السفير البريطاني بازل نيوتن على رغبة حكومته ودهشتها من تردد مجلس الوزراء العراقي منوها باستعمال القوة لتحقيق أغراضها وان الحكومة البريطانية قد قررت إنزال بعض الجنود البريطانيين في البصرة للتوجه منها إلى حيفا عن طريق بغداد والموصل ، وطالب بتأسيس معسكرات للاستراحة في البصرة وبغداد والموصل ... فقد وافقت الحكومة العراقية على ذلك (12).
 وفي هذه الحقبة قام نشاط دبلوماسي بين العراق وتركيا والمانيا وايطاليا حيث أجرى وزير العدلية ناجي شوكت مباحثات مع تركيا وسفير المانيا في تركيا (فون بابن) كذلك سافر كمال عثمان حداد (سكرتير المفتي) إلى تركيا ومنها إلى المانيا ، وعرض هناك موقف حكومة العراق ورغبتها في اعتراف المانيا وايطاليا بحقوق الوطن العربي ورغبته في التحرير .
 ولكن المانيا كانت مشغولة في الحرب ، وايطاليا غير موثوق بها من العرب وقد أعلنت بريطانيا بانها لا تثق بوزارة الكيلاني بعد معرفتها بهذه الاتصالات وقد احتجت الوزارة الكيلانية على هذا التدخل السافر ... مما دفع نوري السعيد إلى الاستقالة وقد تبعه بعض الوزراء ، لذلك سارع الكيلاني إلى تنظيم المراسيم بملء الفراغات الوزارية ، وقد انبرى البرلمان بتحريض من الوصي ونوري السعيد للضغط على الكيلاني للاستقالة ، مما دفعه إلى الطلب من الوصي باستصدار (ارادة) بحل البرلمان (13).
 وقد هرب الوصي إلى الديوانية لكي يوقع على هذه الارادة ، وكان يأمل ان يجر الفرقة الرابعة بقيادة اللواء الركن ابراهيم الراوي للتعاون معه ويقسم الجيش ، ولكنه فشل ، وقد أدت وساطة محمد الصدر وطه الهاشمي إلى تسوية ، الازمة ، فاستقال الكيلاني وشكل طه الهاشمي وزارته في 4 شباط 1941 وبعدها عاد الوصي إلى بغداد .
 وفي هذه الفترة ظهر نشاط العقداء الأربعة بصورة واضحة ، كما أصبح مسكن المفتي ملتقى للسياسيين العراقيين والعرب ... وأصبحت اللجنة العربية برئاسة المفتي تتدخل في كثير من الأمور السياسية ، مما دفع طه الهاشمي إلى التفكير بتشتيت شمل العقداء الأربعة ، فاصدر قرارًا في 26 اذار 1941 بنقل كامل شبيب من قيادة الفرقة الأولى في بغداد إلى قيادة الفرقة الرابعة في الديوانية ، وان يحل محله اللواء إبراهيم الراوي قائد الفرقة الرابعة .... كما تقرر نقل المقر العسكري لصلاح الدين الصباغ من بغداد إلى جلولاء (14).
 ويتبين ان هذا الاجراء هو العامل المباشر لحركة 1941 ، والذي لم يتوقع العقداء الأربعة حدوثه ، مما دفعهم إلى الاستعجال بقيام الحركة دون ان يكون لديهم التهيؤ لذلك .... وقد رفض كامل شبيب تنفيذ الأمر رغم إصرار الوصي ، وعندما عقدت اللجنة العربية اجتماعًا في 31 آذار 1941 قررت القيام بالحركة (15).
 وفي 1 نيسان 1941 اجتمع العقداء الأربعة مع الكيلاني في معسكر الرشيد بحضور أمين زكي وكيل رئيس أركان الجيش ، وأعلنوا حالة الطوارئ في الجيش واختاروا أمين زكي وفهمي سعيد لمقابلة الهاشمي لتقديم استقالته ، وقد وافق الأخير بعد تردد على كتابة استقالته وسلمها اليهما ... ولما علم الوصي بذلك هرب ليلا إلى دار عمته صالحة لكي لا يصادق على الاستقالة وفي صباح 2 نيسان 1941 خرج متنكرًا وركب عربة إلى دار المفوضية الأمريكية حيث هربه الوزير المفوض الأمريكي وزوجته بسيارتهما إلى الحبانية وهناك التحق به مرافقه عبيد عبدالله المضايفي وعلي جودت الأيوبي وفي مطار الحبانية التقى الوصي بكورنواليس الذي وصل لتوه لاستلام منصبه سفيرًا لبريطانيا (16) والذي شجع الوصي على الهروب إلى البصرة والعمل من هناك ضد الكتلة العسكرية وقد زوده بمبلغ من المال ... ونقل الوصي مع مرافقه والأيوبي بطائرة حربية إلى البصرة فوصلوها في 3 نيسان 1941.

الأحداث في البصرة

 اختار الوصي البصرة مقرًا ثانيًا له بعد هربه اليها وذلك لان البصرة كانت في تلك الحقبة المدينة الثانية في العراق من حيث الاهمية ، فهي ميناء العراق البحري الوحيد الذي يتصل بواسطته بالعالم ، كما انها تقع على الخليج العربي الذي كان تحت سيطرة بريطانيا دون منازع ... فضلا عن النفوذ البريطاني في هذه المدينة عن طريق وجود قاعدة الشعيبة الجوية البريطانية وعن طريق البصرة تصل الإمدادات فيها ... وأمور أخرى مثل وجود صالح جبر احد أعوانه متصرفًا واحتمال مساعدة القوات العسكرية العراقية في الجبيلة له لاسترداد سلطته في بغداد.
 بعد وصول الوصي إلى البصرة في 3 نيسان 1941 عقدت في البصرة اربعة اجتماعات خطيرة هي :
 1 ـ الاجتماع الذي عقده الوصي مع المسؤولين والضباط الكبار في البصرة : بعد وصول الوصي مباشرة الى البصرة ، استقر في فندق شط العرب واستدعى متصرف اللواء صالح جبر واتفقا على استدعاء آمر حامية البصرة العقيد رشيد جودت وقائد شط العرب اللواء احمد رشدي إلى الفندق ، وكان حاضرًا الاجتماع علي جودت الأيوبي ، وقد شرح الوصي للحاضرين تهديد الجيش له وإقالة طه الهاشمي وهروبه من بغداد ، واستمر الاجتماع حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل (17).
 2 ـ الاجتماع مع أمري حامية البصرة : كان يوم 4 نيسان 1941 يوم جمعة ويوم عطلة رسمية بمناسبة تتويج الملك فيصل الثاني ... وفي صباح ذلك اليوم قام العقيد رشيد جودت باستدعاء المقدم عامر حسك باعتباره مقدم لواء المشاة الرابع وأوعز له الذهاب إلى ثكنة الجبيلة والطلب من الضباط الخفر اصدار الأوامر بمنع الجنود من التمتع بعطلتهم واستدعائهم من بيوتهم ، وإعلان الإنذار ، كم طلب منه جلب مفتاح (الجفرة) من خزانة اللواء حيث توجد برقية رمزية من وزارة الدفاع يراد حلها ثم دعا آمري الأفواج وآمر القوة النهرية وهم كل من الرئيس الأول مهدي صالح والرئيس الأول يونس عمر والرئيس عزت حكمت والرئيس نوح عبدالله أمر القوة النهرية ... حيث تم اجتماعهم مع آمر لواء المشاة السابع ، وتم حل رموز البرقية وكان نصها كالأتي :
 ((من رئاسة أركان الجيش إلى آمر حامية البصرة الأمير عبدالاله عندكم في البصرة وليس له صفة الوصاية سيطروا على الموقف في البصرة ، تتلقون أوامركم من رئاسة أركان الجيش مباشرة انبؤونا)) (18).
 وبعد اطلاع آمر اللواء وآمري الأفواج على نص البرقية ومضمونها ، أعلن العقيد رشيد جودت ان الوصي قد وصل فعلا ليلة البارحة ونزل في فندق شط العرب وبرفقته المرافق عبيد عبدالله المضايفي وعلي جودت الأيوبي وشرح لهم استدعاء عبدالاله له ليلة البارحة ، وذكر لهم انه شاهد ضابط الاستخبارات البريطانية الموجود في البصرة (الكابتن ملتك) يتكلم مع الوصي ، وانه غادر بعد مشاهدة آمر الحامية ، وشرح العقيد رشيد جودت الموقف في بغداد وطلب الوصي له ان يهيئ اللواء للتقدم نحو بغداد لقمع تلك الحركة ، حيث ذكر له ان الضباط في بغداد وقطعات الجيش في المناطق الأخرى غير راضين عن تصرفات أولئك الضباط المتمردين (19) وانهم سينضمون إلى قوات البصرة ، واخبره ان قوات انكليزية كثيرة ومزودة بالأسلحة الحديثة على وشك الوصول إلى البصرة وسوف تنضم إلى القوات المتقدمة نحو بغداد (20).
 وكان عبدالاله قد طلب من متصرف لواء البصرة صالح جبر الاتصال بمتصرفي الألوية الجنوبية لقطع صلتهم عن بغداد (21) ، وطلب من الوزراء في بغداد المجيء إلى البصرة ، حيث كان في نيته ان ينقل الحكومة إلى البصرة ليكون بعيدًا عن ضغط الجيش الثائر عليه ، وليهيئ للتقدم لاسترداد بغداد من قبضة الجيش .
 وقد طلب رشيد جودت من المجتمعين مناقشة الموقف على ضوء هذه المعلومات واتخاذ قرار يتفق مع مصلحة البلاد ، وقد اتخذ المجتمعون القرار التالي :
 1 ـ من تقاليد الجيش العراقي ان لا يقاتل بعضه ، ولذا نرفض رفضًا باتا التقدم نحو بغداد لقتال وحدات جيشنا هناك مهما كانت الأسباب والمبررات .
 2 ـ لن نجعل من بلادنا ساحات قتال وندخل في صراعات داخلية تكون نتائجها كما حدث في اسبانيا ، حيث جرت عليها كوارث كثيرة .
 3 ـ ليس من الصحيح ان نسير إلى جانب الجيش البريطاني ونقاتل إخواننا بالدم والسلاح والمصلحة المشتركة ونسجل على أنفسنا لعنة التاريخ .
 4 ـ تعتبر رئاسة أركان الجيش المصدر القيادي الأعلى لإصدار الأوامر الينا ، وما علينا الا تنفيذ هذه الأوامر بصفتنا قيادة ثانوية .
 5 ـ عدم السماح للقوات البريطانية بالإنزال في البصرة الا بعد موافقة رئاسة أركان الجيش .
 6 ـ عدم السماح بتشكيل حكومة او إدارة مدنية او عسكرية في البصرة لان هذا يؤدي إلى عدم استتباب الأمن باعتباره ضد الحكومة الشرعية في بغداد .
 7 ـ من الواجب تأمين الأمن واستتبابه وعدم فسح المجال للفوضى والمحافظة على الهدوء والاستقرار في البصرة .
 8 ـ لما كان الوصي قد جاء إلى البصرة يجب ان يحافظ على امنه وراحته ويمنع اي اجراء من شأنه إجباره على العودة إلى بغداد ضد رغبته ، وفسح المجال للمحاورة لحل الأمور سلميًا كما حدث عند ذهابه إلى الديوانية (22).
 وقد وافق جميع الحاضرين على تلك القرارات ، وأعلن رشيد جودت ان عبدالاله يرغب في مقابلة أمراء الوحدات .
 3 ـ الاجتماع الذي عقده أمراء الوحدات مع قائد قوات شط العرب :
 بعد انتهاء أمراء الوحدات من اجتماعهم توجهوا إلى فندق شط العرب وفي طريقهم عرجوا على دار قائد قوات شط العرب اللواء احمد رشدي وأحيط علما بما اتخذ من قرارات للعلم فقط ، فايدها وقال هذا ما يجب عمله لمصلحة البلد ومستقبله وفي داره سمع الضباط خطابي رئيس أركان الجيش ورئيس حكومة الدفاع الوطني رشيد عالي الكيلاني (23) الذي اعلن الوقوف على الحياد وعدم توريط البلاد في اخطار حرب لا مصلحة للبلاد فيها والمحافظة على التعهدات الدولية ولاسيما المعاهدة العراقية ـ البريطانية سنة 1930 ، وتقوية واستمرار العلاقات الطيبة مع الدول العربية المجاورة .
 4 ـ اجتماع الوصي مع آمري وحدات حامية البصرة :
 تتألف حامية البصرة من لواء المشاة السابع ، وقد طلب الوصي من رشيد جودت احضارهم لفندق شط العرب ، ولما حضروا قابلهم الوصي والقى عليهم نفس الكلام الذي ذكره لآمرهم في الليلة السابقة واكتفى الضباط بالاستماع إلى حديث الوصي ولم يعلقوا عليه ولم ينطق اي منهم بكلمة لاسلبًا ولا ايجابًا ، وبعد نهاية الاجتماع عاد الضباط إلى ثكناتهم ليكونوا على رأس قطعاتهم (24).
 واثناء هذا الاجتماع انزوى متصرف البصرة صالح جبر مع شاكر نعمة صاحب جريدة الثغر ، لأعداد بيان لنشره في البصرة يشرحان فيه الموقف وسبب مجيء الوصي إلى البصرة وما ?يطلب من أهالي البصرة .

الاجراءات العسكرية :

 صدرت أوامر من مقر اللواء السابع في الجبيلة بفرض السيطرة على دوائر البرق والبريد والتلفونات ، وصودر البيان المعد للنشر ، وتم إخضاع جميع الدوائر والمؤسسات الحكومية ومراكز الشرطة إلى سيطرة مقر الحامية .
 وكانت حكومة الدفاع الوطني قد اجتمعت بوزارة الدفاع برئاسة رشيد عالي الكيلاني وحضر الاجتماع رئيس أركان الجيش أمين زكي ومدير شؤون الدفاع إسماعيل نامق ومدير الحركات نور الدين محمود وقادة الفرق ، واتخذ المجلس عدة مقررات منها تقديم مذكرة إلى الحكومة الوطنية لضرورة احترام نصوص المعاهدة وعدم التدخل في شؤون العراق الداخلية واحترام الحقوق الدولية ، وقرروا كذلك ايفاد قوة إضافية لتعزيز حامية البصرة وقمع اية حركة من حركات العصيان التي قد يثيرها عملاء بريطانيا ، وعلى ذلك تحرك لواء مشاة من ألوية الفرقة الأولى ولواء مدفعية الصحراء الأول وهما من قطعات الفرقة الأولى وعسكرا في البصرة ، كذلك قرر المجلس عزل متصرف البصرة صالح جبر وجلبه إلى بغداد مخفورًا لأنه قطع الاتصال بالعاصمة وقرر المجلس أيضا عدم حجز الوصي وإطلاق الحرية له على ان لا يسمح له بالاتصال مع العشائر (25).
 اما في البصرة فقد وصلت إلى المتصرف حوالي الساعة الثانية عشرة ظهرًا برقيتان من رئيس حكومة الدفاع الوطني فحواهما ... انه ((نظرًا إلى تآمرك على سلامة الدولة قررنا عزلكم وإرسالكم مخفورًا إلى بغداد)) (26) والثانية من رئاسة أركان الجيش معنونة إلى آمر الحامية فحواها ... ((القوا القبض على المتصرف صالح جبر وأرسلوه مخفورا بحراسة قوية إلى بغداد هذه الأوامر نهائية وقطعية انبؤونا)).
 وجرى إعطاء هاتين البرقيتين إلى الرئيس الأول مهدي صالح احد آمري الأفواج وبلغهما إلى المتصرف في داره ... وفي المساء حجزت له مقطورة خاصة بالقطار وأرسلت برفقته مجموعة حراسة بأمرة ضابط وعومل معاملة حسنة تتناسب ومركزه كمتصرف (27).
 ووصلت إلى البصرة بعد ظهر يوم الجمعة 4 نيسان 1941 برقية من رئاسة اركان الجيش تمنع اتصال الوصي بالخارج ، فما كادت دوائر الاستخبارات البريطانية تحاط علما بوصولها حتى انتقل الوصي من فندق شط العرب الى دار (الكولونيل وورد) مدير الميناء ، ومنها انتقل إلى الدارعة الحربية البريطانية المسماة (كوك شبير) حيث اتخذها مقرا له ، فنصبت له الحكومة البريطانية محطة اذاعية لاسلكية فيها ، وعينت له (انور مخلص) مذيعا كما عينت سفيرا لها لديه هو (ديكوري Eeraldy de Goury ) الذي قدم اوراق اعتماده إلى الامير ، وهو على ظهر الدراعة البريطانية ، وكان جميل المدفعي قد لحق بالوصي ايضا فانتقل معه إلى الدراعة المذكورة مع علي جودت والمرافق عبدالله المضايفي (28).
 وفي اثناء اثناء ذلك ، طلب العقيد رشيد جودت من المقدم عامر حسك ان يذهب بصحبة مجموعة من الحراس الى فندق شط العرب لتأمين راحة وامن الوصي ، تنفيذا لما جاء في الفقرة الثانية من مقررات آمري الوحدات ولما وصل الاخير إلى فتدق شط العرب فهم ان الوصي ومرافقه سبق ان غادرا فندق شط العرب حالما علما بالإجراءات التي اتخذت في مقر الحامية من السيطرة على الدوائر الحكومية ومراكز الشرطة قبل وصولهم الفندق ... وبعد رجوعهم إلى ثكنة الجبيلة ابرقوا إلى بغداد (بان الوصي قد غادر البصرة إلى جهة مجهولة ... ) (29)
 اما الوصي ، فقد انتهز فرصة اقامته في الدراعة المذكورة ، فاعدت له الحكومة البريطانية منشورًا اذيع من المحطة اللاسلكية في المعقل ، ومن محطة اذاعة ، لندن باللغة العربية في الساعة الثامنة من مساء اليوم الرابع من نيسان 1941 وتولت السفارة البريطانية توزيع أربعة الالف نسخة منه في بغداد (30).
 لم تكد حكومة الدفاع الوطني تطلع على هذا المنشور وتصادر نسخة حتى اصدرت أوامرها بمراقبة الوصي مراقبة دقيقة ، ولكن هذه الاوامر صعب تنفيذها حيث كان الوصي ينتقل بين الدارعة كوك شبير وبين مقر القوة البريطانية في المعقل المعروف ب (رقم 7) ، بملء حريته وكان هذا المقر من المناطق المحرمة ، فالذهاب اليه لمراقبة الوصي ، معناه استفزاز القوة البريطانية المرابطة فيه .
 وفي مساء يوم 5 نيسان جاء احد معاوني الشرطة واخبر انه شاهد الوصي وحاشيته في الباخرة البريطانية (كوك شبير) الراسية في شط العرب مقابل بيت الكولونيل وورد مدير الموانيء العراقية ، فارسل ضابط استخبارات الحامية الملازم صالح الزهير بزورق بخاري فتجول حول الباخرة المذكورة فلم يشاهد شيئا.
 وفي اليوم المذكور نفسه وهو الخامس من نيسان جاء بطائرة الى البصرة كل من الرئيس الأول الرائد الركن محمود حسن الدره ، والرئيس الأول الركن الرائد محمد حسن الطريحي ليشرحا لضباط حامية البصرة موقف بغداد والتطورات التي أدت إلى هذا الموقف وليطلعا عن كثب على موقف حامية البصرة بصورة حقيقية نظرًا لتسرب بعض الاخبار إلى بغداد توصف موقف حامية البصرة ببعض الشوائب خاصة وان العقيد صلاح الدين الصباغ يخشى آمر حامية البصرة العميد رشيد جودت الذي كان يسيطر على لواء مشاة كامل فيها ، فهو لم يكن على وفاق مع الضباط الذين يرأسهم الصباغ ، وكان من أنصار انقلاب بكر صدقي .
 وقبل يومين اتصل الكيلاني بمتصرف العمارة ماجد مصطفى (قريب رشيد جودت) للتأثير على الأخير ، فأعلن ماجد مصطفى تأييده لحكومة بغداد ، وسافر بأحد الزوارق البخارية من العمارة إلى البصرة لإقناع قريبه رشيد جودت بالوقوف إلى جانب حكومة بغداد (31) وبعد ذلك اتصل بالعقيد رشيد جودت أيضا كل من رئيس أركان الجيش الفريق امين زكي والعقيد صلاح الدين الصباغ قائد الفرقة الثالثة اتصالا هاتفيا ، فوعدهما خيرا وانه لا ينفذ الا اوامرهما .
 ولهذا فان لقاء الدرة والطريحي برشيد جودت كان آخر لقاء للتأكد من موقف حامية البصرة ،حيث وجدا ان الموقف طبيعي وان الحامية بآمرها وضباطها تؤيد بغداد تأييدا كاملا وقد حالت الاحوال الجوية السيئة ذلك اليوم دون رجوعهما إلى بغداد ، وأخرا سفرهما الى يوم 6 نيسان (32) وقد عقدا اجتماعا مع وكيل متصرف اللواء صالح حمام ووكيل مدير الشرطة حسين الملي ، والضباط الأقدمين في اللواء واتفقوا على التدابير اللازمة لحراسة مداخل الطرق المؤدية الى القاعدة البريطانية للحيلولة دون اتصال احد من الاهلين بالوصي ، وبعد عودتهما الى بغداد اطلعا العقيد صلاح الدين الصباغ على الموقف في البصرة واتفق مع رئاسة الاركان على تعزيز حامية البصرة بقوات اضافية (33).
 وطلب إلى الرئيس الأول الركن محمود الدره العودة الى البصرة بقطار مساء يوم 6 نيسان ليكون ضابط ركن مساعد لامر الحامية وممثلا لرئاسة اركان الجيش وذلك من اجل السرعة في اتخاذ الإجراءات وقد وصل البصرة يوم 7 نيسان نظرًا لتسلم امر حامية البصرة البرقية الثانية في ذلك اليوم .
 ((يصلكم محمود الدره بقطار اليوم ، استعملوا الشيفرة التي معه حتى اشعار آخر بين مقرنا ومقركم فقط وستبلغون بالشيفرة الجديدة )) (34).
 وفي خلال هذه الفترة تم اجتماع مشترك لمجلس الأعيان والنواب للنظر في الأمور التالية :
 1 ـ وضع البلاد بعد هروب الوصي وتركه واجبات الوصاية ، وتعطيل الدستور على اثر استقالة طه الهاشمي .
 2 ـ تنصيب وصي جديد على عرش العراق .
 وعقدت الجلسة برئاسة علوان الياسري احد زعماء ثورة 1920 وكان حلول الوصي عبدالاله في الدارعة البريطانية المسوغ القانوني لانتخاب وصي بدله ، حيث تم انتخاب (الشريف شرف) وصيًا على العرش وذلك في يوم 10 نيسان 1941.
 وعند ذلك اضطر الأمير عبدالاله وصحبه لمغادرة العراق كما جاء في البلاغ التالي الذي اصدره مدير الدعاية العام .
 (ان الامير عبدالاله ، وجميل المدفعي ، وعلي جودت الايوبي ، كانوا قد غادروا المياه العراقية إلى الخليج ، ثم حملتهم طائرة إلى القدس ، وعلمنا انهم قد وصلوا اليها اليوم) .
 وعلى آثر ذلك اتفق الساسة العسكريون والمدنيون كافة على انهاء الحكم العسكري وتكوين وزارة جديدة تأخذ على عاتقها السير بالبلاد ، فتألفت في 12 نيسان الوزارة الكيلانية الرابعة (35).
 وفي 13 نيسان 1941 تحرك وفد من البصرة وقصدوا ديوان مجلس الوزارء للتهنئة والتأييد وهناك قابلوا رشيد عالي الكيلاني ، ويصحبهم نائب البصرة عبدالقادر السياب (36).
 التحركات العسكرية البريطانية في البصرة لم يكن لدى بريطانيا في العراق عند قيام حكومة الدفاع الوطني بتاريخ 3 نيسان 1941 جيش او قوة عسكرية بالمعنى الحقيقي للكلمة ، الا ان الموقف تطور بسرعة خلال شهر نيسان على النحو التالي (37)

قاعدة الحبانية :

 كانت غالبية الطائرات الموجودة في مطار سن الذبان طائرات تدريب .
 وفي خلال شهر نيسان أرسل اليها سرب مؤلف من تسع طائرات مقاتلة قدمت من مصر على عجل فبلغ مجموع الطائرات في القاعدة (82) طائرة ، وكان في القاعدة فوج مشاة (1200) جندي متطوع نصفهم عرب وأكراد والنصف الاخر من الاثوريين ، فضلا عن (1000) رجل من رجال القوة الجوية من الفنيين .
 وبتاريخ 29 نيسان 1941 عززت القوة الأرضية بفوج مشاة بريطاني من (400) مقاتل وأنيطت قيادة القوة الأرضية بالمقدم روبرت .

قاعدة الشعيبة :

 كان يرابط في هذه القاعدة الجوية القريبة من البصرة في بداية شهر نيسان سرب واحد قاصف من الطائرات مؤلف من (15) طائرة و ( 380 ) جنديًا بريطانيا ثم أرسل اليها في منتصف نيسان سرب اخر من الطائرات القاصفة سحب من جبهة القتال في شمال افريقيا .
 اما بالنسبة للقوة البحرية ، فقد دخلت مياه شط العرب طرادة بريطانية واحدة هي (اميرالد) ودارعة واحدة هي(فالموث) ، ورستا على حين غره في ميناء البصرة بدون اشعار رسمي وذلك في 3 نيسان 1941 .
 وبتاريخ 18 نيسان وصلت البصرة أولى طلائع الجيش البريطاني القادمة في قافلة مؤلفة من (13) سفينة بريطانية ، بقيادة الفرقة الهندسة العاشرة اللواء (فريزر) وهي مؤلفة من لواء المشاة العشرين الذين يتألف من مشاة (السيك والكوركا) وكتيبة مدفعية الميدان الثانية وبطارية مقاومة الدبابات الأولى وسرية هندسة الميدان والألغام العاشرة وسرية رحبة الميدان رقم ( 41 ) ، ورست سفنهم في منطقة (الروكة) قبالة الفاو في منفذ شط العرب إلى البحر.
 واستقبل القوة عند مدخل شط العرب رئيس البعثة العسكرية البريطانية في الجيش العراقي الجنرال (ووترهاوس) وبرفقته قائد الفرقة الرابعة اللواء إبراهيم الراوي الذي حل محل الرئيس الأول الركن محمود حسن الدره اعتبارًا من 18 نيسان والذي أنيط به واجب ارتباط بين الجيشين العراقي والبريطاني (38) ... وقد اخبر اللواء إبراهيم الراوي قائد الحملة بأن الحكومة البريطانية لم تنبىء الحكومة العراقية بقدوم هذه القوة إلى العراق الا في وقت متأخر ... وكانت بريطانيا ترمي من ذلك إلى مفاجاة العراق كي لا يتهيأ لمقاومة الإنزال ، ولذلك اضطرت الحكومة الكيلانية تنفيذًا لمعاهدة التحالف العراقية البريطانية سنة 1930 على الموافقة على دخول هذه القوات الأراضي العراقية ... وحالما نزلت هذه القوات إلى الأرض العراقية ، اتخذت لها مواقع بين منطقة المطار المدني في الشعيبة ، ونظمت الدفاعات ضد اي هجوم ارضي او جوي ، كما اتخذت الترتيبات ضد عمليات التخريب والتسلل إلى معسكراتها ومن الجدير بالذكر ان بريطانيا قد أخلت بالتزاماتها بموجب معاهدة سنة 1930 فامتنعت عن استخدام القوات العراقية لحراسة قاعدتيها الجويتين كما كان متفقًا عليه ، وامتنعت عن تقديم الأسلحة إلى العراق لتسليح جيشه ، كما أرادت بريطانيا ان يخضع العراق لسيطرتها العسكرية السياسية والاقتصادية وبدون حدود او مقابل وأسست قواعد لتحشيد قواتها داخل أراضيه واستخدمت خطوط مواصلاته داخل البلاد وخارجها عبر الصحراء (39) فمن اجل مرور القوات البريطانية إلى البصرة والتي سبق ذكرها ، جمع الكولونيل وورد مدير الموانئ العراقية ، جميع أدلاء السفن في المعقل وارسلهم إلى الفاو بقيادة القافلة في شط العرب صعودًا ، إلى البصرة وقد ترك جميع الموظفين البريطانيين الموجودين في المعقل والفاو ودوائرهم ومحلات اعمالهم والتجأوا هم وعوائلهم إلى قافلة السفن المذكورة .ولذا فعندما اخبر وكيل القنصل البريطاني في البصرة وكيل المتصرف ان القوة البريطانية الموجودة قبالة الفاو قررت الإنزال في البصرة خلال (48) ساعة لم يستطيع المتصرف منع الإنزال حسب التعليمات الصادرة من بغداد ، نظرًا لعدم وجود قوة كافية تحت تصرف حامية البصرة في البصرة و في الفاو إذ كان فيها (111) جنديًا ومدفعان عيار 2,75 ومن غريب الصدف ان عدد القوة التركية في الفاو سنة 1914 عندما نزلت القوات البريطانية كان ( 110 ) جندي ومدفعين عيار 2,75 اي ان قوة الفاو زاد عددها بعد (27 سنة) جندي واحد فقط (40).
 وكان موقف حامية البصرة بضرورة مقاومة القوة البريطانية وارسال اكثر قواتها لمواجهتها وقبول قيام معركة هناك مهما كانت نتائجها الا ان موافقة الحكومة البريطانية على الاعتراف بالعهد الجديد مقابل موافقة الحكومة العراقية على انزال القوات البريطانية في البصرة ، على ان ترحل بعد (فترة استراحة) قصيرة ، حيث يتسنى ان تأتي قوة اخرى وهكذا دواليك ، وذلك وفقًا لنصوص معاهدة 1930 أدى الى السماح بتقدم القوات البريطانية نحو البصرة (41) وقد اعلن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا امام مجلس العموم البريطاني بأن الغرض من انزال القوات البريطانية في البصرة ، كان لحماية مواصلات الامبراطورية البريطانية في منطقة الشرق الاوسط ولاسيما بين الهند والبحر المتوسط ، وكان تشرشل قد وصلته برقية السفير البريطاني الجديد في بغداد والتي قال فيها ((يجب ان ترسلوا جيشًا كافيًا للعراق ، او تنظروا لتروا البلاد في ايدي الالمان)) فلذلك ابرق في 8 نيسان الى وزير الهند لارسال قوات إلى البصرة للتأكد من سلامتها (41 ب) .
 وقد تأزم الوضع بين بريطانيا وحكومة الدفاع الوطني وذلك لان بريطانيا صرفت النظر عن الاعتراف بالعهد الجديد خلافًا لما وعد (كورنواليس) فضلا عن ان جميع الدلائل تشير إلى ان القوات البريطانية لم يكن ضمن مخططها الرحيل عن البصرة ، وانما تتطلع إلى وصول قوات جديدة تضمها إلى قواتها في البصرة .

نقل وحدات عسكرية من الجبيلة إلى كرمة علي :

 لما كانت القوات البريطانية التي نزلت البصرة يوم 18 نيسان قد عسكرت بين المعقل وثكنات الجبيلة ، ونقل قسم منها إلى الشعيبة ، وبهذا النقل أصبحت خطوط مواصلات حامية البصرة مهددة بهذه القوات البريطانية ، حيث يصعب اتصالها ببغداد شمالا بسبب قوات الشعيبة عن طريق القرنة بسبب قوات المعقل.
 لهذا السبب ولا سباب أخرى قرر أمر اللواء العقيد رشيد جودت ان ينقل فوجين من قواته وبعض الوحدات الملحقة بها إلى منطقة الماجدية شمال كرمة علي تحسبًا لظروف المستقبل ، ولان الماجدية فيها بساتين نخيل يسهل فيها الإخفاء والدفاع ، وكذلك نقل حامية الفاو بعد ان انتفت الفائدة منها ، وأوعز إلى القوة النهرية ان ترابط في شط العرب قبالة الماجدية .
 وفي صبيحة يوم الجمعة 2 آيار (مايس) 1941 دخل العقيد رشيد جودت آمر حامية البصرة على اللواء الركن إبراهيم الراوي ، وابلغه ان القوات الجوية البريطانية قد هاجمت القوات العراقية المرابطة بجوار الحبانية وقصفتها ، وان (الجنرال فريزر) قائد القوات البريطانية النازلة إلى البصرة قد امر بأسر الفوج العراقي المرابط في البصرة (42).
 ثم جاء اليه اللواء احمد رشدي قائد قوات شط العرب ومعه معاون مدير الميناء واقترحا عليه ان يزور الجنرال في مقره ليبحث واياه قضية الفوج العراقي في البصرة .
 لما ذهب اللواء الركن إبراهيم الراوي واحمد رشدي وانور مخلص ( معاون مدير الميناء) وقابلوا قائد القوات البريطانية فريزر في مقره بالباخرة الحربية (اميرالد) وبحثوا معه امر انسحاب فوج مشاة التدريب من البصرة ، أجاب بأنه يسمح للفوج العراقي بالانسحاب بشرط ان يسلم سلاحه إلى الجيش البريطاني ويعاد اليه سلاحه بعد انتهاء الحركات .
 وبعد توسط وكيل المتصرف صالح حمام وافق الجنرال فريزر على ان ينسحب الجيش العراقي بكامل أسلحته على ان يتم ذلك قبل الساعة الثانية من ظهر ذلك اليوم (43) وقبل ان يتم الانسحاب المتفق عليه فتحت القوات البريطانية نيرانها على القطعات العراقية المتجمعة في الهارثة ، فقابلتها القوات العراقية بالمثل وأسقطت إحدى الطائرات البريطانية وأوقعت إصابات غير قليلة بجنودهم واشتركت البواخر الحربية البريطانية بقصف المعسكر ولكن قصف القوات البريطانية للمعسكر كان غير مؤثر لخلو المعسكر من الجنود اذ لاحظت القيادة العراقية ان الطائرات البريطانية قد نشطت لاستطلاع المعسكر وتصوير نقاطه يوميا وخاصة بعد استكمال تجمع القوات العراقية في الماجدية ... ولهذا السبب قررت القيادة العراقية نقل الأفواج إلى مناطق بعيدة مع ابقاء خيامهم ومستودعاتهم تمويها للبريطانيين ، ولذلك فقد كان الهجوم البريطاني يوم 2 مايس على الخيام التي كانت خالية من الجنود (44)
 ان الفوج العراقي الأخير قد انسحب من الجبيلة نحو العشار ثم عبر شط العرب من ابي الخصيب إلى الجانب الثاني في الطويلة سائرا على طريق الشلامكة ـ السويب ـ نهران عمر حتى وصل إلى جوار القرنة فعسكر فيها اما القطعات العراقية المعسكرة في الهارثة فقد انسحبت هي الأخرى إلى جوار القرنة بعد ان دمرت جسر الماجدية العائم قرب كرمة علي (45) ، وكان الانسحاب مشيا على الاقدام ، اما فصيل المدفعية فكان محمولا على البغال بقيادة الملازم عبدالعزيز العقيلي ، وساعد متصرف العمارة ماجد مصطفى بعدد من السيارات لنقل المخازن الخاصة بالعتاد ومستودعات التجهيز والأرزاق، وفي صباح يوم 3 مايس 1948 وصل آخر جندي إلى القرنة ، اذ اتخذت وحدات اللواء مواضع جديدة ، وكان الجنود يتمتعون بمعنويات عالية وقد تركت القوات العراقية مفارز أمامية في الماجدية لتبقى على تماس بالقوات البريطانية ، واعد جسر الشافي وبعض القناطر التي على الطريق للنسف في حالة تقدم القوات البريطانية ، وأغرقت (دوبه) في شط العرب عند مصب نهر السويب لغرض منع تقدم السفن البريطانية نحو القرنة .
 واتخذ المقر العام في بغداد بعض الإجراءات ، فسمى قوات الفرقة الرابعة والتشكيلات التابعة لها بقوات المنطقة الجنوبية ، وعين اللواء ابراهيم الراوي قائدا لها ومقره في الديوانية ، وسميت قوات القرنة (برتل دجلة) وعين العقيد رشيد جودت آمرًا لهذا الرتل وعين المقدم عامر حسك والرئيس مزهر الشاوي ضابطي ركن الرتل ، وعين الرئيس طارق سعيد ضابطًا للأستخبارات.
 واتخذ اللواء احمد رشدي مقره في العمارة ورابطت القوات النهرية في (العزير) (46).

احتلال البصرة :

 في 3 مايس 1941 وجهت القيادة البريطانية الى وكيل متصرف البصرة الكتاب التالي نصه (47) ((اقتضت الضرورة بأن أحتل منطقة المعقل (ميناء البصرة) لمحافظة الجيش البريطاني مهما امكنني (بقدر المستطاع) ولا مانع من قيامكم (استمراركم) بالمسؤولية ، واتخاذ ما يلزم من التدابير لحماية السكان من الاجانب والأهالي في منطقتي البصرة والعشار فاذا لم تتمكنوا من ذلك وحصل ما يعرقل الامن العام فأكون مضطرًا لاتخاذ التدابير لجلب الاطمئنان والسكون ليفتننت جنرال / قائد القوات البريطانية في البصرة )) وفي لندن صدر اول بلاغ لوزارة الدفاع البريطاني حول الموضوع ذكر فيه ((ان القوات البريطانية قد اخرجت القوات العراقية من البصرة ، وقد حدث في يوم 2 / 19 مايس بعد الاشتباك الذي وقع في الحبانية ، ان احتلت قواتنا منطقة الرصيف والمطار ومحطة توليد الكهرباء في البصرة ، وقد طلب الى الجنود العراقيين ان ينسحبوا من هذه الأماكن في ساعة معينة ، ووافق احد كبار الضباط العراقيين على هذا الطلب وهو اللواء الركن ابراهيم الراوي ، وبالرغم من انتهاء الفترة المعينة لم يبد الجنود العراقيين حراكًا ( تجنبوا الاصدام) فاضطرت قواتنا إلى القاء قنابل الطائرات واطلاق نيران المدفعية عليهم واخراجهم من المنطقة)) .
 وقد احتج القائد العام للقوات المسلحة في الشرق الأوسط (الجنرال ويفل) على احداث الارتباكات في العراق لعدم تمكنه من مساعدة العراق من فلسطين ، وذلك ببرقية إلى تشرشل فرد عليه بالبرقية التالية : (( لم يكن بالإمكان تجنب التدخل في العراق ، كان علينا ان نؤسس قاعدة في البصرة وان نراقب هذا الميناء بقصد المحافظة على نفط ايران عند اللازم)) (48).
 وتنفيذا لذلك فقد دخلت منطقة العشار 25 سيارة مصفحة وأحاطت صباح يوم الأربعاء 7 مايس 1941 تساندها قوات بحرية بدار المتصرفية والمصارف الأجنبية ودوائر الدولة الأخرى ، وقد قام الجنود (من الكوركا) والضباط البريطانيين باحتلال الجسور القائمة على نهر العشار واحتلال مفترقات الطرق، وما لبثوا ان أطلقوا النار على السكان النيام من غير سابق انذار ، واستمرت الحالة مدة ساعتين ، ثم وصل بعد ذلك الجنرال فريزر يرافقه رئيس جمعية التمور العراقية لويد ومعهما قادة آخرون ، وصعدوا إلى ديوان المتصرفية، ولما سأل صالح حمام وكيل المتصرف عن أسباب هذه المفاجأة رد عليه فريزر : ((ان مضايقتنا أدت إلى ان نلج هذا السبيل)) ولما استؤنف القتال اضطر سكان منطقة (ام البروم) إلى الدفاع عن أنفسهم ، واشترك معهم افراد من الشرطة وجماعة من سكان الأرياف الذين جاءوا الى المدينة لنجدة أهلهم وذويهم ، وكانوا قد سحبوا من مستودعات الحكومة مالزمهم من السلاح ، وقد أسفر الاشتباك عن قتل مابين( 60 ـ 100 ) جندي بريطاني ولم يفقد المدافعون شخصا واحدا ، وذلك لان المقاتلين البريطانيين يقاتلون في شوارع مكشوفة بينما قوات الشرطة تقاتل من وراء الأسوار وكان لصمود مدير شرطة البصرة (مزاحم ماهر الكنعاني) ورفضه تسليم مدينتي العشار والبصرة الاثر في هذه المعركة ، وبعد ان نفد عتاد الشرطة ، ترك المدير مقر مديريته عابرا إلى ضفة شط العرب الشرقية ومنها إلى القرنة مشيا على الاقدام (49).
 وقبل ذلك استطاع وكيل متصرف البصرة ان يحصل على تعهد من الجنرال فريزر بأنه في حالة استسلام الشرطة ، يعطي الامان لكل من يستسلم ، فأوعز الوكيل الى مدير الشرطة ان يرسل معاونه مع ( 12 ) شرطيًا الى ديوان المتصرفية ، فما كان هولاء يقتربون من الهدف حتى أطلق الجند البريطانيون النار عليهم ، فصرع ثلاثة منهم وفر الآخرون ، ولما عاتب وكيل المتصرف القائد البريطاني على هذا التصرف ، أجابه بأنه يأسف لوقوع هذا الخطأ ... ثم خرج الجنرال فريزر (50) وقد احتل لويد بناية المتصرفية حيث كان يلبس بدلة عسكرية برتية (ميجر) في الجيش البريطاني ، مع انه كان موظفا لدى الحكومة العراقية ، وقد دهش الناس حينما اعلن نفسه حاكما عسكريا على العشار واخذ يصدر الأوامر والنواهي بمنع الناس حمل السلاح والاستماع إلى الإذاعات العربية المعادية لبريطانيا وخاصة اذاعة بغداد وروما وبرلين .
 اما صالح حمام فقد انتقل إلى دار ال باش اعيان في البصرة ، حيث اعد تقريرا اضافيًا عن كل ما حدث ، وبعث بالتقرير مع رسول خاص إلى (القرنة) ليبرق منها الى وزارة الداخلية في بغداد وقد استنكرت الجاليات الأجنبية والشركات البريطانية وممثلوا الدول الأجنبية في البصرة فعل الجنرال فريزر وشكوا إلى المراجع المختصة فأبدل بالجنرال كونيان،وكان اول عمل قام به هو تعويض عوائل الشرطة الثلاث الذين قتلوا خطأ (51)
 اما مدير الشرطة مزاحم ماهر الكنعاني ، فبعد وصوله للقرنة مع بعض افراد الشرطة اتصل ببغداد هاتفيا واوعز اليه ان يذيع البيان التالي : اخواني الضباط والمفوضين والافراد : الواجب يدعوكم لخدمة البلاد ، وأنا الان في القرنة ارجو الالتحاق بي ، ودمتم ذخرا للبلاد (52).
 فلبى هذا النداء فريق وتجاهله فريق اخر ، ولما اطلع وكيل المتصرف على هذا البيان في صباح اليوم التالي ، جمع رؤساء الدوائر في بناية (بلدية البصرة) ، وأوضح لهم ان هذا العمل غير اصولي ، فضلا عن انه يعرض الأمن العام للفوضى ، باعتبار ان النداء يجب ان يوجه بواسطة المرجع الأعلى في اللواء وهو المتصرف ، فضلا عن أن مدينة البصرة وقضاء ابي الخصيب وناحية شط العرب والزبير والسيبة لم يحصل احتلالها حتى ذلك الوقت.
 واصدروا بيانا بهذا الخصوص وقعه كل من رؤساء الدوائر في اللواء ، وذلك في 12 مايس 1941 طلبوا من الشرطة البقاء لحفظ الأمن وعدم الالتحاق بمديرهم في القرنة (53).

الموقف الشعبي في البصرة :

 من اجل توضيح الموقف الشعبي في البصرة من احداث نيسان ومايس 1941 ، لابد من ملاحظة الأحداث التالية :
 بعد احتلال العشار في 7 مايس وبعد خسارة البريطانيين 100 جندي من الكوركا، اوعز البريطانيون لجنودهم بكسر ابواب بعض الحوانيت والمخازن لحمل الناس على نهب وسلب الموجود فيها ، ونظرا لتعاون اليهود مع الجيش المحتل فقد عمد افراد العشائر المجاورة لمدينة البصرة إلى تحطيم أبواب مخازن اليهود دون غيرها ونهبوا دون ان يعتدوا على احد منهم ... وأسلوب النهب كثيرًا ما يمارسه المحتلون من اجل إشغال الجماهير بالنهب من الدفاع عن مدينتهم .
 ومن اجل اشغال منطقة البصرة خوفا من قيامهم بنجدة العشار انتقلت حركة النهب والسلب من العشار الى منطقة البصرة ، فعمت الفوضى في الأسواق ، وقد دخلت منطقة البصرة عناصر الهدم والتخريب ، وقد ساعد على انتشار هذه الفوضى تخلي افراد الشرطة عن واجباتهم وانسحابهم الى بيوتهم بعد سماعهم بانسحاب مدير الشرطة الى القرنة (54).
 وبادر وجهاء البصرة لانقاذ الموقف ، فأخذوا بعض النساء اليهوديات إلى بيوتهم وارسلوا حراسا إلى الذين لم يبق محلا لايوائهم .
 وفي يوم الخميس 8 مايس تألف وفد من المحامي سليمان فيضي والحاج مصطفى الطه ، ومحمد سعيد العبد الواحد ، وعبد الجليل برتو وكيل رئيس البلدية وجابر منير مدير السجن ، فقصد الوفد الميجر لويد في ديوان المتصرفية بالعشار وقدموا اليه المطالب التاليه :
 1 ـ الاذن للمصارف بتقديم اموال البلدية اليها فورا لتتدارك الوضع الامني وتضع حراسا تجهزهم بالسلاح والعتاد اللازمين .
 2 ـ الايعاز إلى وكيل المتصرف بالانتقال إلى منطقة البصرة ليدير شؤونها وينظم حكومتها .
 3 ـ او احتلال البصرة من قبل الجيش البريطاني ، لان (الغوغاء) نهبت الاسواق وجاء دور البيوت والاعراض .
 وقد رفض الميجر لويد احتلال البصرة وقال ان الحكومة البريطانية ليست مكلفة بحفظ الامن في البصرة ولا في العشار ، وان الجيش البريطاني انما دخل العشار لتأمين تموينه ليس الا ورفض الايعاز للمصارف بتسليم اموال البلدية (55) وبعد فشل مهمتهم طلبوا من وكيل المتصرف ان يذهب معهم الى البصرة لصيانة الامن والنظام فيها فوافق على التكليف .

لجنة امن البصرة:

 لعب الشيخ صالح باش اعيان العباسي دورا بارزا في البصرة في اثناء احداث نيسان ومايس 1941 وكان بصورة عامة يؤيد سلطة الوصي عبد الاله ضد حكومة رشيد عالي الكيلاني الا انه لم يجاهر بهذا التأييد خوفا على عائلته.
 ومنذ بداية الحركة كان بعض المواطنين يراجعون ديوانه لمعرفة حقيقة الاحداث ولكن دون جدوى وقد اتصل صالح باش اعيان بالوصي عبد الاله بعد هروبه الى البصرة ، لكن اتصالاته توقفت بعد ان علم ان الجيش يشك باختفاء نوري السعيد في منزله ، حيث علم ان هناك خطة لمداهمة بيته ، ولكنه افلح في اقناعهم بهروب نوري السعيد خارج العراق (56).
 افراد الشرطة والتحاق قسم منها بمديرهم في القرنة ، وبعد اطلاع الكيلاني على التقرير الذي بعث به اليه صالح اصدر الكيلاني امرًا مكتوبا ارسله الى وكيل المتصرف مع رسول خاص يأمره فيه بالتوجه الى بغداد مع بقية الموظفين المدنيين (57) ، فما كاد الوكيل يتسلم هذا الامر يوم 16 مايس 1941 حتى استدعى زملاءه واطلعهم على مضمونه ، وفي صباح 17 مايس كان وكيل المتصرف والموظفون إلاالنزر اليسير والشرطة وآخرون ، قد استقلوا السيارات المؤجرة على حساب البلدية للرحيل الى بغداد (58).
 وبعد حركة السيارات من مركز الشرطة في البصرة بدأت عمليات النهب والسلب والاعتداء على مراكز الشرطة من الجماهير وعلى ذلك كلف الميجر لويد الشيخ صالح باش اعيان ان يتولى حماية الامن في البصرة حتى ينجلي الموقف ، فطلب الشيخ صالح من القيادة البريطانية ان تتولى حراسة السجن قبل كل شيء ، فاجيب إلى طلبه حيث ذهب فصيل من الجيش البريطاني للقيام بهذه المهمة ، وقد وجدوا ان عشرين سجينا قد هربوا وان الباقين يستعدون للهرب فاستطاع ان يقمع حركتهم فورا (59).
 ومن خلال الحديث الذي دار بين اعيان البصرة والميجر لويد تبين ان لويد لا يهمه الا امر العشار ، اما منطقة البصرة فلم تكن بها اي أهمية استراتيجية ، لاسيما أن فيها كثافة سكانية من المعارضين للتدخل والاحتلال البريطاني ، وخوفا من المقاومة فقد غض النظر عن قيام الشيخ صالح باش اعيان بتشكيل لجنة أمن البصرة ـ ويظهر أن فانيس (60) الممثل القنصلي الامريكي هو الذي نصح القائد البريطاني بان تبقى السيطرة على مدينة البصرة بيد الشيخ صالح باش اعيان .
 وقد اتصل صالح بوجوه البصرة ليكونوا عونا له في تأليف لجنة تحفظ الامن وتدير الامور ، وألح عليهم الحاحًا شديدا فأجابه بعضهم وتنصل اخرون وبعد احتلال العشار وازدياد حوادث النهب والسلب وتجميد سلطة وكيل المتصرف واقتصارها على منطقة البصرة وضواحيها ، وكذلك بعد انفراط عقد افراد الشرطة والتحاق قسم منها بمديرهم في القرنة ، وبعد اطلاع الكيلاني على التقرير الذي بعث به اليه صالح اصدر الكيلاني امرًا مكتوبا ارسله الى وكيل المتصرف مع رسول خاص يأمره فيه بالتوجه الى بغداد مع بقية الموظفين المدنيين (57) ، فما كاد الوكيل يتسلم هذا الامر يوم 16 مايس 1941 حتى استدعى زملاءه واطلعهم على مضمونه ، وفي صباح 17 مايس كان وكيل المتصرف والموظفون إلاالنزر اليسير والشرطة وآخرون ، قد استقلوا السيارات المؤجرة على حساب البلدية للرحيل الى بغداد (58).
 وبعد حركة السيارات من مركز الشرطة في البصرة بدأت عمليات النهب والسلب والاعتداء على مراكز الشرطة من الجماهير وعلى ذلك كلف الميجر لويد الشيخ صالح باش اعيان ان يتولى حماية الامن في البصرة حتى ينجلي الموقف ، فطلب الشيخ صالح من القيادة البريطانية ان تتولى حراسة السجن قبل كل شيء ، فاجيب إلى طلبه حيث ذهب فصيل من الجيش البريطاني للقيام بهذه المهمة ، وقد وجدوا ان عشرين سجينا قد هربوا وان الباقين يستعدون للهرب فاستطاع ان يقمع حركتهم فورا (59).
 ومن خلال الحديث الذي دار بين اعيان البصرة والميجر لويد تبين ان لويد لا يهمه الا امر العشار ، اما منطقة البصرة فلم تكن بها اي أهمية استراتيجية ، لاسيما أن فيها كثافة سكانية من المعارضين للتدخل والاحتلال البريطاني ، وخوفا من المقاومة فقد غض النظر عن قيام الشيخ صالح باش اعيان بتشكيل لجنة أمن البصرة ـ ويظهر أن فانيس (60) الممثل القنصلي الامريكي هو الذي نصح القائد البريطاني بان تبقى السيطرة على مدينة البصرة بيد الشيخ صالح باش اعيان .
 وقد اتصل صالح بوجوه البصرة ليكونوا عونا له في تأليف لجنة تحفظ الامن وتدير الامور ، وألح عليهم الحاحًا شديدا فأجابه بعضهم وتنصل اخرون غادروا البصرة فيما بعد (61) وقد تشكلت (لجنة الامن في البصرة) برئاسة الشيخ صالح باش اعيان واصدرت بيانا إلى اهالي البصرة بتاريخ 18 مايس 1941 (62) ذكرت فيه اسباب تاليف اللجنة لكونها منتخبة من المجلس البلدي ، ومن قراءة البيان نجد ان واجبات اللجنة تقتصر على حفظ الامن في مدينة البصرة من العبث وتأمين الناس على ارواحهم واعراضهم وأموالهم ، وقد قامت اللجنة بتعيين حراس لهذا الغرض ، كذلك من مهماتها ادارة المستشفى واعاشة المرضى فيها واعاشة المساجين في السجن وكذلك الاستمرار في القيام بالخدمات الصحية والبلدية ... وقد ختمت اللجنة المنشور بالتذكير بانهم قرروا البقاء في البصرة حماية لارواح المواطنين وان بامكانهم الانتقال إلى املاكهم في ضواحي البصرة وطلبت اللجنة من الموظفين البقاء معها .
 وقد قام عبد السلام باش اعيان بادارة البلدية بعد استقالة عبدالجليل برتو من منصبه كوكيل لرئيس البلدية .
 وقد اتصلت اللجنة بالجيش البريطاني واستعادت منه قسما من الأسلحة التي استولت عليها القوات البريطانية من الشرطة ووزعت هذه الأسلحة على الحرس الذين عينتهم اللجنة وأكثرهم من (البلوش) الذين يستخدمهم أغنياء البصرة والشركات الأجنبية في الحراسة ، وقد انتخب عبدالقادر الراجح الحمداني ليتولى الاشراف على الامن وحراسة المدينة وتشكلت كذلك في كل محلة جماعة تتناوب الحراسة زيادة في الحيطة والحذر (63).
 واستمرت اللجنة في اداء عملها حتى 5 حزيران 1941 وهي تتألف من : صالح باش اعيان ـ محمد صالح الرديني ـ الحاج مصطفى السلمان ـ عبدالرزاق الأمير ـ محمود المعتوق (64).
 وكان أعضاء اللجنة عرضه للاغتيال في كل حين ، وقد ظهرت بعض المناشير المحرضة على قتلهم بحجة انهم يصونون أرواح اليهود ويخدمون البريطانيين (65).
 وبالرغم من ذلك فأن اللجنة قد قامت بواجبها في حفظ الأمن داخل منطقة البصرة ، فقد جاء في تقرير الميجر لويد الذي قدمه الى جميل المدفعي في 10 حزيران 1941 انه لم تحدث اي حادثة او جريمة او مخالفة خلال فترة قيام لجنة الامن دلالة على يقظتها وحسن تدبيرها واصبح الأمن في منطقة البصرة أفضل من العشار وغيره ، ورجعت عوائل كانت قد نزحت إلى القرى القريبة (66).

موقف العشائر في البصرة :

 بعد اتخاذ اللواء الركن إبراهيم الراوي من القرنة مقرا لقيادة الجيش العراقي بعد احتلال بريطانيا للبصرة ، رحب به شيوخ العشائر واعربوا عن رغبتهم في المساهمة الفعالة في الدفاع عن كيان الوطن (67) ووصل إلى القرنة متصرف لواء العمارة ماجد مصطفى وعرض على إبراهيم الراوي اشراك قبائل لواء العمارة في الحركة ، فلم يؤيد عرضه احد من المتجمعين باعتبار ان العشائر قوة غير انضباطية ويجهلون أبعاد الصراع ، وربما يأتون بأعمال خارج نطاق اهداف الحركة قد تضر في مصلحة الجيش وانضباطة ، ولاسيما في الظروف غير الاعتيادية (68).
 ومما قاله اللواء الركن ابراهيم الراوي (ان اغلب افراد العشائر كانوا غير خاضعين لقانون الخدمة العسكرية ، فسنقبل شاكرين ان يلتحق إلى الجيش من كان متخلفًا دون ان تتخذ بحقه أي إجراءات قانونية ، وتعتبر هذه اكبر خدمة وأفضل من المشاركة وهم بعيدون عن نطاق الجيش وانضباطه) ويفهم من ذلك ان اللواء الركن إبراهيم الراوي غير راغب في اشراك العشائر ، ولكن الحكومة في بغداد أشارت باشراك العشائر لاغراض سياسية وهكذا ، أخذت عشائر العمارة وسوق الشيوخ ومنطقة القرنة تتوارد ، وخصص لها مناطق كرمة علي ، وما جاورها لأقامتهم (69).
 من هنا يظهر ان جميع عشائر البصرة لم تشارك بالحرب باستثناء عشائر القرنة ، وقد اوكل إلى النقيب ( إسماعيل عبوي توحله ) تدريب المتطوعين من عشائر العمارة والقرنة وسوق الشيوخ ، وكلفوا بالاغارة على المعسكرات البريطانية في البصرة والشعيبة ونظرًا للخلاف المستحكم بينهم ، فانهم لم يقوموا بعمل يذكر (70).

موقف الصحافة في البصرة :

 كانت تصدر في البصرة خلال شهر نيسان 1941 وحتى احتلال البصرة في 7 مايس 1941 اربع جرائد ابرزها (71).
 1 ـ الناس : وكان صاحب امتيازها عبدالقادر السياب ، وقد اعتقل في 8مايس وكانت سابقًا تؤيد ياسين الهاشمي، وقد وقفت الى جانب حركة الجيش في 1941.
 2 ـ الثغر : لصاحبها شاكر النعمة ، وكانت مع انقلاب بكر صدقي ، وبعد قتله اخذت تؤيد الوصي عبد الاله وتنشر الاخبار ضد الحركة حين قيامها .
 فضلا عن جريدة (السجل) وكان صاحبها طه الفياض ، وجريدة (الانباء) وكان صاحبها عبدالرزاق الناصري ، فضلا عن ان القوات البريطانية اصدرت (البصرة تايمس) وهي تنشر اخبار قوات الاحتلال البريطاني .
 اما اخبار البصرة في صحف بغداد ، فكانت تنشرها بانتظام جريدة (الاستقلال) البغدادية وقد نشرت عدة مقالات تبين رفض البصريين للاحتلال البريطاني ، وموقف المواطنين في الكويت وتظاهرهم تأييدًا لثورة العراق (72).

نهاية الحركة

 يذكر عامر حسك ، انه في يوم 3مايس 1941 وحوالي الساعة الثالثة بعد الظهر ، وردت برقية من المقر العام كان مضمونها ، ان رئيس الوزراء وقادة الجيش قد التجأوا الى ايران وان جميع الضباط الموجودين في بغداد ، قد قرروا ايقاف القتال والدخول مع الجيش البريطاني في مفاوضة لعقد الهدنة ، على ان لا تمس شروطها بشرف الجيش العراقي بشيء ، ويطلب من العراق اكثر من تنفيذ المعاهدة العراقية البريطانية المعقودة سنة 1930 وخلاف ذلك سيواصل الجيش قتاله مهما كلفه الامر والى اخر جندي واخر اطلاقه (73).
 عند ذلك أعلن العقيد رشيد جودت آمر الرتل بانه قرر الالتجاء إلى إيران خوفًا من إعدامه باعتباره المسؤول عن موقف حامية البصرة يوم 4 نيسان ، ولعدم اطاعته اوامر الوصي بالتقدم نحو بغداد فركب سيارة وتوجه إلى العمارة ومنها عبر الحدود من منطقة الحلفاية وسلم نفسه إلى قوات الحدود الإيرانية (74).
 وقد تم كتمان هربه تلك الليلة خشية البلبلة ولاعطاء فرصة له كي يدخل ايران بسلام ، وفي صباح اليوم التالي اشعر المقر العام بالامر في مساء 31 مايس 1941 وردت للبصرة برقية من المقر العام تشعر الرتل انه قد تم التوقيع على الهدنة بين الجيش العراقي والقوات البريطانية واوقف القتال ، وفي حالة قيام القوات البريطانية بحركات عدائية او استفزازية (ضدكم) يجب مقاتلتها .
 وفي صباح الاول من حزيران 1941 وصل الى القرنة زورق بخاري من البصرة يحمل ضابطين بريطانيين فتم استقبالهما من قبل المقدم عامر حسك والرئيس الاول مزهر الشاوي ، وكان يرافقهما الدكتور شمس الدين السيد طالب النقيب كمترجم ، وكان الاخير قد ترك عمله في شركة النفط والتحق بالثوار في القرنة متطوعًا ، وكان الضابطان يحملان ورقة مدون فيها شروط الهدنة وهي :
 1 ـ ايقاف القتال حالا .
 2 ـ تبادل تسليم الأسرى بين الطرفين .
 3 ـ ابعاد جميع الضباط بما فيهم الألمان والايطاليين .
 4 ـ عودة الوحدات الى معسكراتها الدائمة .
 فيذكر (عامر حسك) بانهم اجابوا الضابطين (باننا لم نتلق هذه المعلومات عدا ايقاف القتال ، وكل شيء ترغبان عمله يجب اخذ موافقة وزارة الدفاع عليه ، وانهم غير مستعدين لتلقي امر من اية جهة عدا وزارة الدفاع ...) فامتعضا من هذه الاجابة ورجعا إلى البصرة ، وشعرنا انهما يبيتان لنا شرًا (75).
 ونظرًا لاحاطة مياه الفيضانات بالقرنة وعدم صلاحية الاراضي لعمل خنادق حماية بسبب (النزيز) وبعد توقيع الهدنة وايقاف القتال ، فان رتل دجلة قرر الانسحاب إلى العمارة ، حيث يكون الطقس فيها أفضل والاراضي مرتفعة وجافة ، وقد كتبت القوات العراقية إلى قائد القوات البريطانية في البصرة الرسالة التالية :
 ((نظرًا إلى اتفاقية الهدنة وشروطها ، قررنا العودة إلى معسكراتنا الدائمة في البصرة ولما كانت هذه مشغولة من قبل قواتكم ، نرجو اشعارنا بوقت اخلائها ومساعدة قواتنا في دخول معسكراتنا الدائمة)) (76).
 وبينما كانت الرسالة في طريقها إلى البصرة باشرت قوات البصرة بالانسحاب الى العمارة ، واستمرت الهيمنة العسكرية البريطانية على البصرة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 .
 اما بالنسبة للوصي عبدالاله ، فقد عاد الى الحبانية بعد احتلال الفلوجة من الجيش البريطاني ، ومعه جميل المدفعي وبعض اعوانه ، واستقل المدفعي طائرة بريطانية متوجها إلى البصرة إذ وصلها في 24 مايس يحمل رسالة جاء فيها : الى كل من يهمه الامر في الوية البصرة والعمارة والمنتفق لقد عدت بعون الله تعالى إلى العراق ، وباشرت عملي كوصي شرعي على العرش العراقي ، وبالنظر لما تتطلبه المصلحة العامة ، فقد انتدبت عني فخامة السيد جميل المدفعي ليمثلني في الالوية الثلاثة المنوه عنها اعلاه ، مزودا بصلاحيات تامة لتنظيم الشؤون الادارية والعسكرية والمالية واعادة الامور الى مجاريها الطبيعية وتنظيم المحاكم وفق ما يقتضيه العدل ، والله ولي التوفيق (77).
 وبعد وصول جميل المدفعي الى البصرة ، رفع العلم العراقي على مركز متصرفية اللواء في السادس والعشرين من مايس ، واذاع بيانًا الى موظفي ومستخدمي البصرة الباقين يدعوهم للعودة لاستئناف واجباتهم الرسمية فورًا وطلب من معاوني ومفوضي وافراد الشرطة مراجعة المتصرفية لتسجيل التحاقهم ، علمًا بان تسعة اعشار موظفي البصرة قد هجروا البصرة إلى بغداد اعتبارًا من 17 مايس .
 وبعد مغادرة القادة الأربعة والتجاء الكيلاني ووزرائه إلى إيران مساء يوم 29 مايس ، فقد عاد المدفعي الى بغداد ليكون في استقبال الوصي عبدالاله .
 وقد وجه كتابًا إلى الشيخ صالح باش اعيان .
 (بناء على ضرورة مغادرتي إلى بغداد ، وبالنظر لطلب سمو الوصي المعظم ، فاني أوكل معالي الشيخ صالح باش اعيان للقيام بالمهمة التي كانت ملقاة على عاتقي ) (78).
 اما الوصي عبدالاله فقد وصل بغداد يوم الأول من حزيران ... واستمرت البصرة تدار من قبل الشيخ صالح باش اعيان لمدة خمسة ايام حتى وصول عبدالرزاق حلمي الذي عين متصرفًا للواء البصرة في 3 حزيران 1941 ، حيث جمع موظفي اللواء المشتتين في بغداد ، وغادر العاصمة يوم 5 حزيران وخول صلاحيات واسعة كالحبس والاعتقال والابعاد وقد وصل البصرة مع الموظفين الذين غادروا ، وبهذا تنتهي هذه الثورة التي بدأت احداثها في البصرة بوصول الوصي اليها في 3 نيسان وانتهت بوصول عبدالرزاق حلمي إلى البصرة يوم 5 حزيران 1941.

الهوامش

 (1) معاهدة 1930 ، وقعها عن بريطانيا فرانسيس همفريز المندوب السامي البريطاني ، وعن العراق نوري السعيد (وزير الخارجية) وهي لمدة 25 سنة ، وقد نصت على التعاون في السياسة الخارجية والحرب ، كم تعهدت بريطاني بالدفاع عن العراق في مقابل تقديم التسهيلات لبريطانيا ، كما نصت على انشاء قواعد جوية في البصرة والحبانية ، مع منح القوات البريطانية حق المرور من الأراضي العراقية ، وتعهدت بريطانيا بتدريب الجيش العراقي وتسليحه وأصبحت هذه المعاهدة نموذجا لمعاهدات اخرى مع الدول العربية ، مثل المعاهدة المصرية البريطانية التي وقعت سنة 1936.
 (2) إسماعيل احمد ياغي ، حركة رشيد الكيلاني ، دار الطليعة (بيروت 1974 ) ، ص 20.
 (3) ناجي شوكت ، سيرة وذكريات ثمانين عاما ، مطبعة دار الكتب (بيروت 1975 ) ص 380 وما بعدها .
 (4) فاضل البراك ، دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني 1941 ، ص 55 وما بعدها .
 (5) اسماعيل احمد ياغي ، المصدر السابق ، ص 13.
 (6) برز نوري السعيد كعضو في جمعية العهد قبل الحرب العالمية الاولى ونفي من قبل بريطانيا الى الهند مع علي جودت الايوبي وموفق مخلص ثم اسس حزب العهد سنة 1930 وقام بعد الحرب العلمية الثانية بتأسيس حزب الاتحاد الدستوري .
 (7) فاروق العمر ، المعاهدات العراقية البريطانية واثرها في السياسة الداخلية 1922 ـ 1948 ، دار الحرية للطباعة (بغداد ـ 1977 ) ص 348.
 (8) المصدر نفسه ، ص 352.
 (9) محمد مظفر الادهمي ، المصدر السابق ص 10.
 (10) يذكر محمد الدرة ، ان مجلس الدفاع الاعلى اجتمع عدة مرات برئاسة الوزراء رشيد عالي الكيلاني ، وعضوية وزير الدفاع طه الهاشمي ووزير الخارجية نوري السعيد ووزير المالية ناجي السويدي ووزير المواصلات عمر نظمي ووزير الاقتصاد محمد امين ووكيل رئيس اركان الجيش اللواء امين زكي والعقيد صلاح الدين الصباغ (قائد الفرقة الثالثة) والرائد محمود الدرة (سكرتيرا للمجلس) ، ويذكر انه طلب اليه عدم تدوين محاضر الجلسات والاكتفاء بالقرارات ويذكر انهم قرروا التريث في مسألة قطع العلاقات مع ايطاليا ولاعتقادهم بانتصار المحور على بريطانيا ، وانظر محمود الدرة ، الحرب العراقية البريطانية 1941 ، دار الطليعة (بيروت 1969 ) ، ص 140.
 (11) عبد الرزاق الحسني/الاسرارالخفية في حركة سنة 1941 التحررية ، مطبعة دار الكتب (بيروت ـ 1976 ) ، ص 58.
 (12) المصدر نفسه ، ص 60.
 (13) اسماعيل احمد ياغي ، المصدر السابق ، ص 70.
 (14) عبدالرزاق الحسني ، المصدر السابق ، (ص 112 ـ 113).
 (15) يقول الكيلاني في مذكراته (لقد دفعونا لكي نعجل بهذه الثورة ، ولم يكن امامنا الا ان نواجه الموقف بشجاعة وثبات) راجع محمد مظفر الادهمي ، المصدر السابق ، ص 73.
 (16) شجع كورنواليس الوصي على السفر الى البصرة وتشكيل حكومة هناك برئاسة علي جودت او جميل المدفعي ، كم اقترح عليه ان يستدعي أعضاء مجلس الاعيان والنواب الى البصرة للحصول على تأييدها ، وكلف (ادموندس) مستشار وزارة الداخلية بالسفر مع الوصي لمساعدته في تنفيذ الخطة المرسومة (انظر فاضل البراك ، المصدر السابق ، ص 204).
 (17) عبد الرزاق الحسني ، المصدر السابق ، ص 123.
 (18) عامر حسك ، احداث البصرة في ثورة 2 مايس عام 1941 ، مطبعة اوفست الميناء (بغداد ـ 1977) ، ص 22.
 (19) ذكر عبد الاله لرشيد جودت في اجتماعه ليلة 3 / 4 نيسان ان العقداء الاربعة اخذوا يضغطون عليه ويطلبون ان يوقع على مراسيم وقوانين ليست في مصلحة البلاد ـ كما يدعي ـ لتعيين وزراء وقبول استقالة وزراء ، وغير ذلك من الامور التي هي خارج اختصاصاتهم.
 راجع عبدالرزاق الحسني / المصدر السابق ، ص 125.
 (20) عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 22.
 (21) عبدالرزاق الحسني ، المصدر السابق ، ص 124.
 (22) ذكرت هذه النصوص الثمانية في كتاب عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 23.
 (23) انظر نص الخطابين في جريدة الاستقلال العدد 4007 (4 نيسان 1941) ، اللذين اعدهما من قبل المحاميان محمد صديق شنشل ومحمد يونس السبعاوي .
 (24) اثناء الاجتماع ، انزوى متصرف البصرة صالح جبر مع شاكر النعمة صاحب جريدة الثغر لاعداد بيان لنشره في البصرة يشرحان فيه الموقف وسبب مجيء الوصي الى البصرة وما يطلب من ابنائها راجع عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 26.
 (25) صلاح الدين الصباغ ، فرسان العروبة في العراق ، منشورات الشباب العربي ، 1956 ص 230 ـ 231.
 (26) وثائق المركز الوطني للوثائق ، ملف 219 / 40 وثيقة 41 ـ 42 .
 (27) عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 27.
 (28) عبدالرزاق الحسني ، المصر السابق ، ص 132.
 (29) عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 27 ـ 28.
 (30) انظر نص المنشور في كتاب الحسني ، المصدر السابق ، ص 133.
 (31) محمود الدره ، الحرب العراقية البريطانية 1941 ، دار الطليعة بيروت ـ 1969 ص 212.
 (32) المصدر نفسه ، ص 227.
 (33) عززت حامية البصرة بفوج مشاة من المسيب (ارسل للزبير) والبطرية الجبلية من الديوانية (ارسل للجبيلة) .
 (34) محمود الدره ، المصدر السابق ،ص 219.
 (35) عبدالرزاق الحسني ، المصر السابق ،ص 148.
 (36) انظر صحيفة الاستقلال ، العدد 4012 ( 14 نيسان 1941 ) .
 (37) انظر ، محمود الدره ، المصدر السابق ، ص 247 ـ 248 للاطلاع على تفصيلات اكثر عن القوات البريطانية .
 (38) المصدر نفسه ، ص 218.
 (39) عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 34.
 (40) المصدر نفسه ، ص 36.
 (41) المصدر نفسه ، ص 37.
 (42) يونس بحري ، اسرار مايس 1941 ، منشورات دار البيان ، مطبعة الحرية ، (بغداد 1968 ) ص 107.
 (43) محمود الدره ، المصدر السابق ، ص 346 ، ويونس بحري ، المصدر السابق ص 108.
 (44) عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 39.
 (45) يونس بحري ، المصدر السابق ، ص 108.
 (46) عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 40.
 (47) يونس بحري ، المصدر السابق ، ص 108.
 (48) المصدر نفسه ، ص 109 ، عبدالرزاق الحسني ، المصدر السابق ، ص 200.
 (49) عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 44.
 (50) لم توجد هوامش .
 (51) عبد الرزاق الحسني ، المصدر السابق ، ص 202.
 (52) يونس بحري ، المصدر السابق ، ص 111.
 (53) ذهب مزاحم ماهر بعد ذلك الى بغداد حيث عين مديرا لشرطة كربلاء ، انظر عبد الرزاق الحسني ، المصدر السابق ، ص 204.
 (54) المصدر نفسه ، ص 205.
 (55) المصدر نفسه ، ص 205.
 (56) حسون كاظم البصري ، الشيخ صالح باش اعيان العباسي ، دار الكشاف ، (بيروت ـ 1949 ) ص 37.
 (57) عبدالرزاق الحسني ، المصدر السابق ، ص 210.
 (58) حسون كاظم ، المصدر السابق ، ص 38.  (59) عبدالرزاق الحسني ، المصدر السابق ، ص 210.
 (60) فانيس ، الممثل القنصلي الامريكي الذي وقف موقفا كموقف حكومته ، وحاول التوسط بين العراق وبريطانيا ، وهذا عكس موقف (نابنشو) السفير الامريكي في بغداد الذي وقف مع بريطانيا بالرغم من عدم دخول الولايلت المتحدة الحرب في ذلك الوقت ـ انظر(عبد الجبار ناجي) موقف الولايات المتحدة الامريكية من حركة مايس ، افاق عربية ، السنة / 1980.
 (61) معظم وجوه البصرة توجهوا الى املاكهم في أبي الخصيب ، اما حامد النقيب فقد سافر إلى الكويت .
 (62) انظر نص المنشور في كتاب عبدالرزاق الحسني ، المصدر السابق ، ص 180.
 (63) حسون كاظم ، المصدر السابق ، ص 39.
 (64) انضم محمود المعتوق الى اللجنة بعد انشائها ، عبد الرزاق الحسني ، المصدر السابق .
 (65) حسون كاظم ، المصدر السابق ، ص 39.
 (66) المصدر نفسه ، ص 70.
 (67) يونس بحري ، المصدر السابق ، ص 11.
 (68) عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 43.
 (69) المصدر نفسه ، ص 43.
 (70) محمود الدرة ، المصدر السابق ، ص 352.
 (71) تم استقاء هذه المعلومات عن الصحافة البصرية من مقابلة للسيد رجب بركات جرت في 25 اب 1980.
 (72) جريدة الاستقلال ، العدد 4045 ( 20 مايس 1941 ) .
 (73) عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 45.
 (74) المصدر نفسه ، ص 46 بعد نهاية الحركة توسط ماجد مصطفى لدى وزارة المدفعي بالعفو عن العقيد رشيد جودت والسماح له بالعودة للعراق ـ وبعد عودته احيل لمجلس تحقيقي ومحكمة عسكرية ، غير ان وزير الدفاع اللواء نظيف الشاوي ، اصدر امرا بمنع محاكمته واطلاق سراحه حين عين امرا اللواء المشاة السابع .
 (75) عامر حسك ، المصدر السابق ، ص 47.
 (76) المصدر نفسه ، ص 48.
 (77) عبدالرزاق الحسني ، المصدر السابق ، ص 212.
 (78) المصدر نفسه ، ص 212.

الكتب العربية والمعربة :

 1 ـ حسون كاظم ، السيخ صالح باش اعيان العباسي ، دار الكشاف (بيروت ـ 1949).
 2 ـ الدكتور إسماعيل احمد ياغي ، حركة رشيد الكيلاني ، دار الطليعة (بيروت ـ 1974).
 3 ـ جعفر الخياط (ترجمة) حوادث العراق في سنة 1941 ، (بغداد ـ 1954).
 4 ـ عبدالرزاق الحسني ، الاسرار الخفية في حركة السنة 1941 التحررية ، مطبعة دار الكتب (بيروت ـ 1976).
 5 ـ عبدالوهاب الكيالي ، تاريخ فلسطين الحديث، الدار العربية للدراسات والنشر (بيروت ـ 1973).
 6 ـ عامر حسك، احداث البصرة في ثورة 2 مايس عام 1941 ، مطبعة اوفسيت الميناء (بغداد 1977)
 7 ـ د. فاروق صالح العمر ، المعاهدات العراقية البريطانية واثرها في السياسة الداخلية 1922 ـ 1948 دار الحرية للطباعة (بغداد ـ 1977).
 8 ـ د. فاضل البراك ، دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني والحرب مع بريطانيا سنة 1941 ، الدار العربية للطباعة (بغداد ـ 1979).
 9 ـ د. مظفر الادهمي ، الابعاد القومية لثورة مايس 1941 في العراق ، الموسوعة الصغيرة 65 ـ دار الحرية للطباعة (بغداد ـ 1980).
 10 ـ محمود الدره ، الحرب العراقية البريطانية 1941 ، دار الطليعة (بيروت ـ 1969).
 11 ـ يونس بحري ، اسرار 2 مايس 1941 ، منشورات دار البيان ، مطبعة الحرية (بغداد ـ 1968).

 الصحف المجلات :
 1 ـ عدة اعداد من جريدة الاستقلال .
 2 ـ عبدالجبار ناجي ، موقف الولايات المتحدة من حركة مايس ، مجلة افاق عربية ، (العدد 9 / 1980).

 المقابلات
 1 ـ مقابلة مع السيد حامد البازي ( 10 اب 1980).
 2 ـ مقابلة السيد رجب بركات ( 25 اب 1980).

 الوثاثق :
 1 ـ وثائق المركز الوطني للوثائق ، ملف 219.

BASRAHCITY.NET