النخيل في التراث العراقي

المقدمة

  النخلة المقدسة بين التراث والدين البصرة عبر العصور تعرضت للعديد من النكبات لكن مكانتها كانت ترتفع جيلا بعد جيل الجاحظ : منابتنا قصب ، انهارنا عجب وسماؤنا رطب وارضنا ذهب ترجع عروبة البصرة الى عصر بختنصر الذي اتى باولاد معد بن عدنان من تهامة والحجاز والبحرين وانزلهم سواد العراق ثم انتشروا في الابلة وظلوا حتى قدمها تبع الحميري ومن معه من قبائل طئ وكلب ولجبان وتميم وهذا يعني ان تاريخ العرب في المنطقة يرجع الى نحو ثمانية قرون قبل الميلاد في رواية الطبري وابن الاثير.
  وحين اسس عتبة بن غزوان البصرة لم يؤسسها في ارض خلاء وانما كانت البصيرة او الخريبة نواتها ، ويرجع تطور البصرة الحقيقي في اصوله الى ولاية ابي موسى الاشعري التي امتدت من عام 17 هـ ـ 29 هـ (638 - 650م) فهو اول من غير هيكل منشآتها الادارية والمدنية والدينية من القصب الى الآجر وامر الناس ببناء دورهم كذلك ، وغرست اشجار النخيل التي اصبحت سمة من سماتها الاساسية لاول مرة على يد عربي يدعى ابو بكرة كما ان ابا موسى الاشعري هو اول من صرف خطط البصرة لمن كان فيها من العرب وجعل لكل قبيلة محلة ، ومنذ تأسيس البصرة الى نهاية الدولة الاموية ( 132 / 749 م ) تولى ادارتها عبد الله بن عامر في خلافة عثمان بن عفان ، ثم الامام علي بن ابي طالب (ع) بعد الجمل ، ثم زياد بن ابيه في خلافة معاوية وابنه يزيد ، وتبعت البصرة ابن الزبير فعين عليها اخاه مصعب ابن الزبير ... ثم عادت الى الحكم الاموي ليتولى امرها الحجاج بن يوسف الثقفي ويزيد بن المهلب وعدي بن أرطاة الفزاري وغيره.
  وقد كانت طيلة هذه الحقبة التاريخية عاصمة للقطاع الشرقي من الدولة الاموية ولذلك تصاعد نموها وتميزت وتبوّأت مكانة متقدمة في العمران ، وتوسعت واشتهرت بمساجدها وقصورها واسواقها وبخاصة سوق ( المربد ) .
  وتقدمت عليها بغداد بعد تأسيسها واتخاذها عاصمة للدولة العباسية التي استمرت من عام 132 هـ/ 749 م ـ 656 هـ / 1258 م.
  ورغم تعرضها للعديد من النكبات في هذه الحقبة التاريخية الا ان مكانتها كانت ترتفع جيلا بعد جيل وقصدها طلاب العلم والثقافة وربما كانت نكباتها تعود الى اطماع الطامعين فيها .
  وقد وصفها الجاحظ المتوفى (255 هـ) وهو من كبار مثقفي العصر العباسي واحد ابنائها : لنا الساج والعاج والديباج والنهر العجاج ، وقال ايضا : منابتنا قصب ، انهارنا عجب وسماؤنا رطب وارضنا ذهب.
  وقد ادت اعمال العنف والتدمير التي تعرضت لها البصرة ابان القرنين الثامن والتاسع الهجريين / الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين الى اهمال العناية بأنهارها العديدة وانكسار السدود التي كانت تحميها من الفيضانات فاضطر اهلها للهجرة شطر ارض البصرة الجديدة ( الابلة القديمة ) الواقعة على شط العرب التي تبعد عن بصرة عتبة بن غزوان سبعة اميال وهكذا تبدأ تجربة جديدة في تاريخ المدينة زاحفة نحو الشرق ، ومنذ عام ( 953 هـ / 1546 م ) صارت البصرة تابعة للخلافة العثمانية حيث شيدوا فيها سرايا خاصا اختير موقعه على الضفة الجنوبية من نهر العشار داخل مدينة البصرة الجديدة وتحولت منطقة ( السراجي ) وهي احدى قراها الجنوبية الى محل لرسو السفن وتفريغ شحناتها وتحميل البضائع وزودت بمدفعية للدفاع عنها ، وفي القرن السابع عشر خضعت البصرة لاسرة ( افراسياب ) التي استمر حكمها من ( 1020 هـ / 1615 ـ 1081 هـ / 1670 ) وقد شهدت البصرة في عهد هذه الاسرة تطورا نسبيا حيث احيطت بسور حديث وزادت كثافة السكان فيها بحيث وصفها احد المؤرخين كما يلي ، كانت ايام على باشا افراسياب شبيهة بأيام هارون الرشيد في الرفاهية وطلب العلم والاداب وامن السبل ... ووجد المعلمون ملجأ وملاذا عنده كما ادى الاقتصاد الحكيم والعدل المصون الى سكينة لم يكن يتوقعها الا القليل من الناس.
  وبشكل عام لم تقف حدود البصرة الادارية خلال هذه القرون على حال واحدة فقد كانت احيانا لا تتعدى المدينة المركز وما حواليها واحيانا كانت تتسع حتى تشمل مدنا قريبة منها على حسب قوة الحاكم وضعفه وبحسب استقلالها واتصالها بالدولة العثمانية او بوالي بغداد ، وقد استطاعت البصرة ان تصمد امام اعتداءات الايرانيين وكانت آخر هزيمة نكراء لهم عام 1779 م حيث اضطر صادق خان الى جمع عساكره ومغادرة البصرة في 19 آذار عائدا الى شيراز .
  وفي القرن التاسع عشر زادت السيدة ديولافوي البصرة وقالت في كتابها المطبوع سنة 1886 في باريس ما يلي : انا الان في البندقية ولكن في بندقية استوائية ذات سماء بلا غيوم وبيوت تائهة تحت باقات اشجار النخيل العملاقة واشجار البرتقال المثقلة بالثمار واشجار الموز ذوات الاوراق العريضة والاقاقيا ذات الاريج الفواح ، ترى المساكن غائصة فجأة في قناة وتارة على العكس محاطة بضفة ضيقة ، وترى القوارب الرشيقة التي تفوق في خفتها الجندولات مشدودة امام المساكن التي تعد من اجمل البيوت.


BASRAHCITY.NET