البيت البصري في العصر الإسلامي

الاستاذ يوسف ناصر العلي

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

 تهتم الشعوب بتدوين تراثها الشعبي وحفظه الى الاجيال المقبلة ، وما ذلك التراث سوى فترة من فترات التطور الكبير الذي صاحب الانسان منذ ان وجدعلى الارض ، فينبغي للمعنيين بالدراسات الشعبية ان يتتعبوه الى منابعه ويكشفوا عن المؤثرات التي تاثر بها .
  فالتراث الشعبي لاية امة من الامم انما هو حصيلة الابداع الفني لاجدادهم مضافا اليه ما اقتبسوه ممن جاورهم واتصل بهم من الامم ، وهذا ما نلمسة من وجود تشابيه وصلة بين التراث الشعبي .
  قدم العرب الاوائل الى العراق حاملين تراثا حضاريا قديما لازال جله مطمورا ينتظر معاول المنقبين ، وكانت ربوع العراق قد ورثت حضارات الدنيا القديمة ، وتعاقبت على حكمها دول شتى ، اضافة الى ازدهارها ورقيها التجاري ، فتضافرت وتفاعليت تلك الحضارات وتلاحقت الافكار فخلقت تراثا ثمينا لازلنا ننهل من معينه، ولا تزال تقاليدنا وعاداتنا تستمد الكثير منه ثم ان رزوج العراق تحت نير الغزاة المتاخرين كالفرس والسلاجقة (1) والمغول والاتراك قد اكسب شعبة تقاليد اخرى ، لذا فان لتراث الشعبي العراقي يحتوي على خلاصة مركزة لتراث الامم التي احتك بها .
  بيد ان اهم سماته ، تشابهه الشديد مع تراث الشعوب العربية الاخرى ، مما يؤكد ان هذه الشعوب قد استمدته من رومة واحدة بالرغم من المؤثرات الخارجية والداخلية .
  ويبدو اثر هذا التفاعل الحضاري في منطقة البصرة اكثر وضوحا واعظم اثارا ، لان موقعها الجغرافي قد صيرها مطمح النظار وملتقى الامم (ت ـ ش \ ع3 \س4 \1973 .
  قصدها القاصي والداني ، العربي والاعجمي فانصهرت افكارهم وتقاليدهم في بوتقة واحدة اخرجت لنا مدينة فريدة ومجتمعا عليا نادرا .
  فجاب تجارها ربوع المعمورة وفتح ابطالها بلاد المشرق والمغرب وحكم رجالها بلدان العالم ، فادخلوا كل جديد وقديم شاهدوه في تلك البلاد الى بلادهم فجعلوا من مدينتهم مدينة الدنيا ومعدن التجارة وموطن الصناعة ومركزاً ثقافياً لعب دوراً مهماً في التكوين الحضاري للعالم وسنحاول ان نلقي الضوء على جوانب من التراث الشعبي في البصرة خلال العصر الاسلامي ونتناول بالبحث مساكن الناس واثاثهم واسلوب معيشتهم ، العابهم الشيعة واعيادهم . وسنخص الجانب المعماري بالحديث ونرجى بحث الاثاث والعادات الى فرصة اخرى.
  وسنحاول ان نلقي الضواء على جوانب من التراث الشعبي في البصرة خلال العصور الاسلامية ونتناول بالبحث مساكن الناس وتراثهم واسلوب معيشتهم ، العابهم الشغبية واعيادهم .
  كانت البصرة ميدانا للتجارب المعمارية وموطناا للفن ، فكان فنانوها اساتذة زمنهم وصناعهم معلمين عصرهم ، ويكفيها فخرا ان منارة مسجدها الاعضم اول منارة ارتفعت في سماء العالم الاسلامي (2) فحذت حذوها اقطار اخرى .
  لقد استفاد البصريون من المباني القديمة المنتشرة في بلادهم فكانت المنهل الاول لافكارهم المعمارية ، كقصر قباذ وحصن اروخ وقصر هزاردر وقصر المراء . وغيرها فتاثروا بها عن طريق محاولة تقليدها او انتزاع ابوابها واجزاء منها لتطعم مبانيهم الجديدة بها .
  كما حاولوا الاستفادة من التراث المعماري في البلاد المفتوحة ، وعلى سبيل المثال استعانة عبد الرحمن بن سميرة (3) بغلمان من سبي كابل (4) لبناء مسجد في قصره بالبصرة على بناء كابل (5) وكما عمل الدين الاسلامي على توجيه فنون العمارة نحو الاستقلال ونكوين الشخصية الفنية القائمة بذاتها فتطورت الفنون الزخرفية وخاصة في المساجد والقصور فمنعت من ذلك صناعة البناء وما يتصل بها بفضل ابداع العرب ومقدرتهم على التجديد والابتكار ، فبرز النجارون المهرة والبناؤون والحدادون وازدهرت صناعة الزجاج (6) ولقد ساهم البصريون مساهمة فعالة في تشييد المدن العراقية كواسط وبغداد وسامراء ، كان لها اثر كبير على نمو المدرسة الفنية العراقية وبلوغها المرحلة التي وصلت اليها ، فقد ذكر اليعقوبي ان المعتصم قد استفاد من خبرتهم وطول باعهم في الصناعة فكتب الى واليها باحضار من يعمل الزجاج والخزف والحصر واهل المهن من الحدادين والنجارين وسائر الصناعات وحمل الساج وسائر الخشب والجذوع (7) تعدى تاثيرهم الحضاري الى الامصار الاخرى فساهم نجاروهم في صنع ابواب المسجد النبوي عندما قام بتوسيعه الخليفة المهدي عام 162 هـ ، فقد ذكر صاحب كتاب الناسك ان هذه الابواب قد كتبت عليها عبارة ( مما عمل البصريون سنة 162 هـ ) وعبارة ( عمل اهل البصرة ) (8).

كلفة بناء الدور

  تمثل ناحية حضارية جديرة بالدراسة من جميع نواحيها دراسة تستند الى المصادر القديمة والحفائر الاثرية ، وبالرغم من قلة التحريات والتقنيات في خرائب البصرة القديمة الا اننا من دراسة الكتب القديمة نستطيع ان نكون فكرة مقاربة للصواب حول تخطيط البيت البصري وطرازه المعماري واسلوب المعيشة اهله .
  ان توسع البصرة الاقتصادي ادى الى تكدس الثروة فيها فاغرقت اسواقها بمختلف انواع البضائع المصنوعة محليا او المستوردة ، وبالرغم الى الرفاهية الاقتصادية للسكان بصورة عامة الا ان المجتمع البصري انقسم الى طبقات يتفاوت دخلها تفاوت كبيرا ، فالى جانب الموسرين الذين يمتلكون القصور العاليةويسيطرون علىويحوزون الاقطاعيات الزراعية الكبيرة ، نجد طبقة وسطى وهي طبقة العمال وصغار الموظفين والكسبة وما قاربهم ، ويسكنون الدور المبنية بالاجر او اللبن والمسقفة ، بالجذوع ، وثمة طبقة ثالثة هي الطبقة الفقيرة التي تسكن الاخصاص ولاتكسب الاقوت يومها او قد لاتجده ، وبضمنها طبقة الصوفية والزهاد التي تحاول ان تظهر تقشفها ، ثم طبقة المتسولين والاعراب الذين يقدمون البصرة للامتيار خاصة في السنوات الجدبة (9) وهؤلاء يسكنون المساجد او يبيتون في الاسواق والطرق ولربما رغب احدهم ان يحيا حياة استقرار وعيش كريم فيقيم في كوخ بسيط او يؤجر منزلا متواضعا ان تكاليف بناء البيت في البصرة تختلف باختلاف مستوى المعيشة ، وان تصميم البيت وسعتة ومادة بنائه واسعارها المتغيرة وثمن الارض واجور العمال كلها امور تتحكم في كلفة بناء البيت ، فتذكر بعض المصادر ان احدى الدور قد بيعت بمائة درهم كما ان الدار البيضاء التي بناها عبيد الله بن زياد ( والي البصرة 55-64 هـ) قد انفق عليها مليون درهم ، بينما وصل ثمن احدى الدور الى خمسمائة درهم (10) .
  ويتراوح ثمن ذراع الارض بين درهم واحد وعشرة دراهم او نحو ذلك (11) ومن المحتمل ان الارض الخالية والتي لاتعود ملكيتها الى جهة ما ، لاقيمة لها .
  وبصورة عامة فان كلفة بناء الدار في البصرة غير باهض اذا ما قيست بتكاليف البناء في المدن الاخرى ف ( لو ان رجلاً ابتنى داراً يتممها ويكملها ببغداد او الكوفة او الاهواز او في موضع من مواضع فبلغت نفقتها مائة الف درهم فان البصري اذا بنى مثلها بالبصرة لم ينفق خمسين الفاً ) ( وذلك لان الدار انما يتم بناؤها بالطين واللبن والآجر والجص والاجذاع والساج والخشب والحديد والصناع وكل هذا يمكن بالبصرة على الشطر مما يمكن في غيرها ) (12) قبل البدء بعملية البناء يقوم القسام او الذراع بتعيين حدود الدار او تقسيمها لورثتها اذا كانت موروثة ، وكما المحتسب يشرف على عملية البناء لئلا تضر بالمارة فلا يجوز اخراج الات الابنية وقطع الطريق .
  كما يمنع التجاوز على الشارع وعلى الجيران ، فيهدم البناء حتى لو كان مسجدا ، ويشرف على حل المنازعات التي قد تحصل بين العمال ورب العمل فمثلا لايجوز للمستاجر ان ينقص اجر الاجير او يطلب منه عملا اضافيا كما ان الاجير لايحق له ان يطلب زيادة اجرته بعد الاتفاق عليها ولا يمكنه انقاص العمل بل يجب اتمامه كاملا (13) وعندما يتم البناء ينتقل اليه اهله فيدعون جمعا من الاصدقاء لتناول الطعام في البيت الجديد ، وتعرف هذه العادة في ( التوكير )(14) .

الايجار :   يختلف ثمن الايجار باختلاف نوع البناء وضخامته ، فقد بلغ ايجار احدى الدور ثلاثين درهم ، وكما ان الدار التي تساوي خمسمائة درهم يصل ايجارها الى خمسة دراهم في الشهر (15) ويمكننا ان نقيس على هذه النسبة ايجار الدور في البصرة في تلك الفترة ، ويستوفي الايجار شهريا في العادة او كل ستة اشهر او يتبع زمن ايراد المستاجر وغلته (16) ، وما الافراد فيؤجرون غرفا في خانات السوق ويستوفي الايجار منهم على عدد الايام التي مكثوا فيها .
(17).

المواد الإنشائية

مواد التسقيف

الساج : ويستورد من الهند ويعاد تصدير كميات كبيرة منه الى البلاد القريبة من البصرة (18) .
  ويستعمل في تسقيف بيوت الاثرياء وفي صنع الابواب وازارةالحيطان وعمل الاثاث او لبناء المساكن (19) وقد فرق اللغويون العرب بين نوعين من الساج ، الاول لعمل الابواب ويسوى (سليجة ) (20) والثاني للتسقيف .
  والساج المستورد مربع الجوانب ، واما طوله فلا نستطيع تقديره ، وقد ذكر الرحالة ناصر خسرو انه شاهد عمودا من الخشب في المسجد البصرة بلغ طوله (ثلاثين ذراعا وسمكه خمسة اشبار واربعة اصابع ) (21) .
ومن المحتمل ان الساج المستورد اقصر من ذلك بكثير.
  الجذوع : وتحل الجذوع محل الساج في تسقيف دور الطبقة الوسطى لرخصها وسهولة الحصول عليها ، فقد ذكر ان سعر الجذع بلغ دينارا واحدا بينما وصل سعر الساجة الى ثلاثة عشر دينارا (22) .
والجذوع البصرية جيدة وقوية بعكس الجذوع النجرانية (23) التي تسرع الارضة باكلها (24) ، وتستعمل الجذوع لتقوية الاخصاص وبناء السلالم بالاصافة الى التسقيف .
ومن مواد التسقيف الاخرى ، القصب والسعف والطين .

مواد البناء

الاجر : الجص والاجر من المواد المفضلة في بناء الدور ، والدور الجيدة هي التي تبنى بالاجر والجص وتسقيف بالساج ، والاجر البصري قوي ويمتاز بجودتة وشدة مقاومته لعوارض الطبيعة ، وقد ابدع الجاحظ بوصفه فقال : ( كانما سبك من مح بيض) وقال ايضا : ( واذا رايت بناءهم وبياض الجص الابيض بين الاجر الاصفر لم تجد لذلك شبها اقرب من الفضة بين تضاعيف الذهب ) (25) وكما يستعمل الاجر في ازارة جدران البيت المبني باللبن او الطين .
  كما يستخدم لتبليط ارض الدار ، وقد يستعاض عنه بالقرميد ، وهو قطع كبيرة من الاجر (26) ولا تعننا المصادر على معرفة سعر الاجر بالبصرة ، ولكن الاصفهاني قد ذكر سعر الالف اجرة في بغداد بلغ سبعة وعشرين درهماً )(22)
الجص : تنتشر الجصاصات خارج البصرة (28) .
ويستعمل في بناء الاجر او لطلاء الدور وزخرفتها او لتجصيص ارض الدور ايضا (29).
اللبن : يحتل بناء اللبن المرتبة الثانية من حيث الاهمية بعد الاجر ، وقد بنيت به دور البصرة عند اختطاطها عام 14 هـ ، وبقيت هي المادة المفضلة في البناء الى ولاية زياد بن ابيه (45- 53هـ) حيث اخذ بناء الاجر بالانتشار ، وما ان حل القرن الرابع الهجري حتى كانت دور البصرة اكثرها مبنى بالاجر .
وبعد ان يتم البناء يطلى بطبقة من الطين تسمى (30) ( الملاط ) (31).
الرهص : وهو ان يجعل الطين بعضه على بعض وبعد ان يتم بناء الجدران يتم تسقيفه (32) .
وتسمى هذا البناء عندنا الان ب ( السد) وهو شائع في المناطق الريفية .
القصب : ويجلب من البطائح - الاهوار - شمال البصرة ، ويكوم على شكل قبب في سوق خاص به كما يفعل باعة القصب الان ، وتبنى به الكواخ او الصرائف كما نسمها الان ، وطريقة البناء كالاتي :
يجمع القصب ويحزم ثم يقوس ويثبت طرفاه بالارض فيسمى ( حرادي ) وتسمية العامة ( هرادي ) (33) ثم يغطى بالبواري ، وهي طريقة شائعة في بناء بيوت سكان الاهوار الان .
  وكماتستخدم البواري في بناء نوع الاكواخ البسيطة يسمى ( كراهة ) (34) .
وتستعمل ايضا كفراش للمساجد والبيوت او كابواب للاكواخ ، وكما تستر به بعض الدور والمساجد (35)
السعف : ويدخل سعف النخيل في طراز من البناء قد لانعرفه الان ويسمى (الوشع) .
اذ يخالف السعف فيما بينه ويتداخل ، ثم ينسج خوصه ويطلي بالطين فيتماسك (36) .
وقد يستعمل الوشع في التسقيف او لبناء مخازن التمور .

المواد الاخرى

الحديد : ويستعمل في صنع الابواب الخشبية اذ تضبب به الواحها كما قد تصنع بعض الابواب من الحديد (37).
الزجاج : ويستخدم لتغطية النوافذ وفي صنع المسارج .
الرخام : تغطى جدران بعض الدور والحوانيت بالرخام الملون الفائق في الحسن (38) .
ويذكر الجاحظ ان بناء الرخام من الطين (39).

تخطيط الدور

1 ـ المظهر الخارجي :
تصطف الدور على جانبي السكة ـ الطريق ـ كما ان بعض الدور قد تقطع السكة او تضيقها .
وتمتاز مباني البصرة في العصور الاسلامية بكثرة رواشنها التي تشكل طابقا ثانيا ، وتسمى الرواشن الخارجة بـ ( الرفيف ) (40) وهي المعروفة عندنا بالبالكون او الشناشيل (41) وقد شبهت باجنحة النسور (42) .
وهناك نوع من الرواشن اكثر امتدادا وسعة منه يسمى ( جناح ) ويعتمد على اساطين مركوزة في الارض بازاء الجدار ولا يزال هذا النوع من البناء معروفا (44) .
ان تكاثر افراد العائلة الواحدة ورغبتهم في سكن موطن اجدادهم ، كان دفعا الى الاتجاه نحو هذا الطراز من البناء وتشير المصادر القديمة الى انتشاره في البصرة منذ القرن الاول الهجري (45) .
وليس من المستبعد انه انتقل منها الى المدن العراقية الاخرى .
وكما تمتد الميازيب من الاعلى الى الاسفل كالخراطيم (46) .
وتذكرنا هذه الميازيب بالميازيب الاسطوانية المستعملة في البناء الان .
ومن المرافق الصحية التي تبنى على سطح البيت تمتدانابيب من الخزف اوالخشب الى حفرة في الشارع وتدعى هذه الانابيب (الكرياس) .
(47) وتكثر في الازقة القليلة المارة .
2 ـ الابواب :
تشير المصادر القديمة الى وجود بابين لاغلب دور البصرة ، باب كبير للضيوف ولاصدقاء وباب اخراصغر للعائلة ، ولربما اربعة ابواب باضافة باب للاصطبل وباب اخر يسمى ( خوخة ) يؤدي الى الدار المجاورة (48) .
والمدخل الرئيسي للدار يعقد بالاجر ، كما كما تعلو بعض الابواب سقيفة اوظلة تقي الباب من المطر وتكون ظلا امام باب الدار ، وتستخدم للجلوس او للاكل احيانا (49) .
تغلق الابواب بثلاثة انواع من الاغلاق : القفل والرتاج او المغلاق والثالث المزلاج (50) .
وتشكل في الباب حلقة مدورة اومستطيلة مصنوعة من الحديد اوالنحاس وتستعمل لاصفاق الباب وقرعه (51) .
3 ـ الدهليز :
  وهو الممر بين باب الدار ووسطها ويعرف عندنا بالمجاز ، وقد يؤدي الى بابين في اخره او باب واحد (52) .
وفي الدهليز غرف تستخدم دار ضيافةاو مسكنا للخدم او مسجدا صغيرا او بيتاً للحيوانات (53) .
لقد اهتم البصريون بالدهليز وتأنقوا في بنائه لانه (وجه الدار ومنزل الضيف وموقف الصديق حتى يؤذن له وموقف المعلم ومقيل الخدم ومنتهى احدالمستاذن ) (54) .
وقد صور عبيدالله بن زياد في الدهليزه صور عدد من الحيوانات ونقش عليه بعض الحكم والامثال (55) .
4 ـ وسط الدار ( الفناء ) :
  ويسمى الصحن او العرصة او الباحة . ساحة واسعة تحيط بها الغرف والاصطبل والحمام وحديقة الدار والمرافق الاخرى ، ويميل البصريون الى اتخاذ الدور الواسعة الصحن المرتفعة السقف والى الدهاليز الطويلة (56) .
  ان النظام الذي يتخذ من الفناء نواة مركزية للدار هو تراث شعبي تفخر به فقد عرف في العراق منذالعصور السومرية ، وكما ان حفريات سامراء والفسطاط قد كشفت عن سيادة هذا النظام في دور تلك الفترة وان بعض الدور به اكثر من فناءتتصل فيما بينها بدهاليز وممرات ويعرف هذا النوع من البناء لدى العرب بالمقاصير ، وتشير المصادر الى وجود الدور ذات المقاصير في البصرة منذ القرن الاول الهجري (57) .
  ان هذا الطراز من العمائر له فوائد جمة ، منها : انه بمثابة مرشح للهواء المحمل بالغبار والاتربة وبخاصة المناطق التي تقع على حافة الصحراء ، وكما يساعد على تخفيف ضوضاء الشوارع ، ويختزن الدفء في الشتاء اذا ما اغلقت الفتحات والابواب والنوافذ ، وبالعكس في فصل الصيف فاذا فتحت النوافذ والابواب فانها تساعد على حرية حركة التيارات الهوائية وخاصة اذا ما اتخذت الحدائق في الدور ، كما انه مناسب من ناحية دينية اجتماعية فالنساء محجوبات في الداخل عن اعين الزوار (58) .
  وتمتاز الغرف بزخرفتها وكثرة نوافذها المغطاة بصفائح الزجاج الملون ، والغرف في الطابق الاسفل تسمى ( حجرة ) بينما (غرفة ) او (علية) اذا كانت في الطابق الاعلى او مشربة اذا كانت تستخدم للاكل والشرب (59) ويكثر البصريون من فتح النوافذ والابواب في الغرف العليا فتذكر بعض المصادر ان احدى الغرف لها اربعة ابواب فكانت صاحبها يشرف منها على جهات الحي الاربع (60) .
  وكما تحتوي الدور على حمامات توقد بالاسمدة والسعف (61) . واما المطابخ والتنانير فتبنى على السطح حتى لو كان في الارض متسع ، ويعلو المطبخ ابراج من الجص والاجر (62).
  وكما تحفر السراديب التي تستخدم للسكن طيلة صيف البصرة الحار ، وتبنى المرافق الصحية قرب الحمامات في اخر الدار ولربما تبنى مرافق اخر في الطابق الاعلى ايضا .
5 ـ الحدائق المنزلية :
الحدائق في تخطيط البيت البصري جزء متمم له ، لايستغنى عنها وقد حرص البصريون على زرع اشجار الفاكهة والنخيل والازهار (63) .
  فيروى ان في دار الشاعر محمد بن يسير الرياشي فسحة صغيرة مبلطة بالاجر مساحتها ( ذراع * ذراع ) فقلعة وغرس مكانه الرمن والبقول (64) .
وفي ركن من الحديقة توضع درابزينات للجلوس (65) .
  او شاذروان وبرك وايوان ، وقد يستعاض عن الايوان بالسوابيط (66) وفي وسط الحديقة او في ناحية منها بئر للسقي وتتصل بالبئر صهاريج الوضوء المطلية بالقار (67) ، وتصرف المياه القذرة او الفائضة بواسطة انبوب يصب في الطريق فيجترفه السيل ويؤدي الى القناة او يقوم الكساحون بكسحه (68).
6 ـ سطح الدار :
  يعقد سقف البيت باخشاب الساج او الجذوع ، بوضع خشبة على الحائط بصورة عريضة تعرف بـ ( المعرص ) .
توضع عليه اطراف الخشب الصغار والتي تسمى ( العوارض ) او (الجاثز) ثم يغطى بالقصب والتراب والطين ، وقد تعقد الغرف والدهليز بالاجر ، كما ان سقوف بيوت الاثرياء تنجر وتزخرف (69) .
  ويرقى الى السطح بواسطة سلم يبنى من الطابوق (الاجر) والطين والجذوع وينتهي بابواب تسمى (ممارق ) تقفل في الليل اتقاءاً لشر اللصوص (70) وكما تبنى على السطح ستارة من الجص والاَجر او تشد ستارة من القماش بدلا من ذلك (71) .
ومما يجدر ذكره ان المصادر القديمة لم تشر الى وجود دور مكونة من ثلاثة طوابق او اكثر ولكنها اشارت الى ان دور البصرة ذات طابق او طابقين (72) .

المراجع

(1) راجع كتاب السلاجقة تاليف تامارا تالبوت رايس وترجمه الاستاذ لطفي الخوري وابراهيم الداقوقي (بغداد 1968) للوقوف على العطاء المتبادل بين السلاجقة والعرب .
(2) تخطيط مدينة الكوفة للجنابي ( بغداد 1967) ص102 وكتاب العمارة العربية في مصر الاسلامية للدكتور فريد شافعي (القاهرة 1970 ) ص 6325 .
(3) عبد الرحمن بن سمرة البصري القرشي والي سجستان وفاتح كابل توفي عام 50ه .
(4) كابل مدينة تاريخية في افغانستان تعاقبت عليها الحضارات الهندية والاغريقية والكوشية فتحها العرب عام 44ه .
(5) فتوح البلدان للبلاذري (القاهرة 1956) ص489 .
(6) الجماهر في معرفة الحواهر للبيروني (الهند 1355ه) ص184.
(7) البلدان لليعقوبي ( ليدن 1892) ص258 .
(8) المناسك المنسوب للحربي ( الرياض 1968 ) ص 391 _392 وراجع بحث الاستاذ ماجد النجار حول تطور فن النجارة [التراث الشعبي عدد مايس 1971].
(9) شرح مقامات الحريري للشريشي(القاهرة 1952) 3\172 .
(10) نشوار المحاضرة للتنوفي ( طبعة الشالجي ) 1\68 تاريخ الطبري 5\522 الاشتقاق لابن دريد ( القاهرة 1958 )ص 282_ 283 . ومن الملاحظ ان الدرهم في العصر العباسي يساوي بالعملة العراقية الحالية منلغ 200_ 165 فلسا اما الدينار فيساوي 2000 فلس.
(11) البيان والتبين للجاحظ ( القاهرة 1947 ) 3\ 143 .
(12) البلدان للجاحظ ( نشره الدكتور صالح العلي عام 1970 ) ص503 .
(13) الاحكام السلطانية للماوردي ( القاهرة 1966 ) 255 اخبار القضاة لوكبع ( القاهرة 947_ 1950 ) 2 \129 والمحتسب هو مامور لمراقبة سير اعمال الناس ورفع الغش ومراقبة المكاييل والموازين وغيرها .
(14) جمرة اللغة لابن دريد ( الهند 1314) 3 \447 . ولاتزال هذه العادة جارية في مجتمعنا .
(15) نشوار المحاضرة 1\68 .
(16) البخلاء الجاحظ ( تحقيق د . طه الحاجري ) ص85 .
(17) الفرج بعد الشدة للتنوخي ( القاهرة 1955) 2\391 معجم الادباء لياقوت ( طبعة مرجليوث) 5\ 158 .
(18) الاغاني ( دار الكتب ) 14\222 لسان العرب ( بولاق ) 3\127 .
(19) الاذكياء لابن الجوزي ( المكتب التجاري _بيروت ) 195 ، 198 نشوار المحاضرة 2\339 ولاتزال بعض دور البصرة توزربالساج.
(20) لسان العرب 3\123 .
(21) لسان العرب 3\127 سفرنامه لناصر خسرو (بيروت 1970) ص148 .
(22) الطبقات الكبرى لابن سعد ( ليدن 1905) 7\1\88 عيون الانباء لابن ابي اصيبعة (بيروت 1965) 2\53 .
(23) الجذوع النجرانية نسبة الى نجران مدينة قديمة شمال اليمن .
(24) البخلاء 49.
(25) البلدان للجاحظ 499 .
(26) جمهرة اللغة 3\501 ، 427 البخلاء 84 ولعل القرميد هو ما يعرف عندنا بالطابوق الفرشي ويستعمل لتبليط الدور .
(27) الاغاني 11\355.
(28) حلية الاولياء لابي نعيم الاصفهاني ( القاهرة 1932_ 1938 ) 6 \212 .
(29) البخلاء 82 .
(30) صورة الارض لابن حوقل (بيروت 213 لطائف المعارف للثعالبي ( الباب الحلبي 1960) ص17 الطبقات الكبرى 7\ 1\2 .
(31) جمهرة اللغة 3\116 التخليص للعسكري (دمشق 1969 ) 1\259 .
(32) التلخيص 1\266 جمهرة اللغة 2\360 المغرب للجواليقي (القاهرة 1969 ) 208 .
(33)جمهرة اللغة 2\121 المغرب للجواليقي 165 لسان العرب 4 \ 123 ولا تزال كلمة (هردي ) تطلق على الجذوع او الاخشاب التي تعرض طوليا على البيت المراد تسقيفه . وانظر عن تجفيف القصب وتجاره كتاب الفرج بعد الشدة 305 .
(34) صفوة الصفوة لابن الجوزي ( الهند 1357 ) 4\18 والكراخة تطلق الان على المخزن الذي يصنع لحفظ التبن وذلك بلف بارية او عدد بواري على شكل اسطواني .
(35) نشوار المحاضرة 2\291 الحيوان للجاحظ ( طبعة عبد السلام هارون ) 24\3 .
(36) ديوان العجاج بشرح الاصمعي ( دمشق 1971 ) ص65 وقد يستعمل الواشع في سوابيط الكروم ايضا .
(37) نشوار المحاضرة 1\ 149 ، 2\339 الاذكياء 194 ، 198 .
(38) طبقات الاطباء لابن جلجل ( طبعة القاهرة ) 112 .
(39) التبصر بالتجارة للجاحظ (بيروت 1966 ) ص34 .
(40) التلخيص لعسكري 1\262 .
(41)الشناشيل لفظة مركبة من شاة نشين اي الجلوس الاعظم وتعني خير المجالس راجع مجلة سومر العدد 24\1968 ص 224 .
(42) شرح نهج البلاغة لابن الي الحديد المدائني ( تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم ) 8 \ 135.
(43) البخلاء للجاحظ 200 سومر ( العدد السابق ) 223 .
(44) مجلة سومر ص224 البخلاء 200 طبقات الشعراء لابن المعتز (ذخائر العرب 1956 ) 386 .
(45) شرح نهج البلاغة 8\ 135 . العقد الفريد لابن عبد ربه (القاهرة ) 5\380 .
(46) شرح ما يقع فيه التصحيف للعسكري ( القاهرة 1963 ) ص24 شرح نهج البلاغة 8 \135 .
(47) الاغاني 14\31 ، 12 \ 319 لسان العرب 3\490 _491 .
(48) الحيوان للجاحظ 5\ 468 التلخيص 1\ 263 .
(49) الاغاني 3\ 168 ، 12 \ 319 البخلاء للجاحظ 219 جمهرة اللغة 1\ 76 العقدة الفريد 5 \380 ولاتزال هذه الدكن تتميز بها دور البصرة القديمة .
(50) راجع مقال الاستاذ هشام عبد السيد حلمي بعنوان ( صناعة النجارة في عصر الاسلامي المنشور في التراث الشعبي عدد ايلول 1970 ) .
(51) التلخيص 1\ 278 جمهرة اللغة 2\180 الحيوان 3\276 _277 .
(52) الفرج بعد الشدة 339 الاذكياء 178.
(53) الاذكياء 195 .
(54) شفاء الغليل للخفاجي ( القاهرة 1325 ه) ص124 .
(55) الحيوان للجاحظ 1\192 الفرج بعد الشدة 114 _ 115.
(56) برد الاكباد في الاعداد للثعالبي ( الاستانة 1301) ص132 العقد الفريد 6\97 جمهرة اللغة 2 \358 .
(57) العقد الفريد 6 \97 الحضارة الاسلامية لادم متز 2\125 العمارة العربية 1 \437 _ 440 [الفسطاط مدينة بمصر بناها عمرو بن العاص عام 17 ه].
(58) العمارة العربية 1\29 .
(59) البيان والتبيين 1\36 لسان العرب 1\473 تاليخ الطبري 4\70( بتحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم ).
(60) حلية الاولياء 3 \105 .
(61) البخلاء205 الحيوان 1245 .
(62) البخلاء 83 المنتظم لابن الجوزي ( الهند 1355 ) 9 \53 .

(63) الحيوان للجاحظ 332 .
(64) طبقات الشعراء 238 الاغاني 14\20 .
(65) الهفوات النادرة لغرس النغمة الصابىء ( دمشق 1967 ) ص212 والدرابزين قوائم منتظمة يعلموها متكا( المنجد بويرت 1965 ) مادة دربز .
(66) وكيع في اخبار القضاة 2\136 حلية الاولياء 2\32 .
(67) الصهاريج احواض تطلى بالنورة واخلاقها او بالقير ( الحيوان 4 \316 لسان العرب 3\135 ).
(68) البخلاء 113 _114 نشوار المحاضرة 2 \ 276 .
(69) العين للخليل ن احمد (بغداد 1967 ) 1\323 الحيوان للجاحظ 3 \276 .
(70) الاذكياء 195 .
(71) الحيوان للجاحظ 1\245 البخلاء 250 الاغاني 18\178 الفرج بعد الشدة 248 .
(72) المقال ملخص عن كتاب تاريخ البصرة \ الجزء الثاني مخطوط من تاليف كاتب المقال .

BASRAHCITY.NET