فلسفة تعظيم شعائر عاشوراء

الاستاذة وفاء محمد جواد الجزائري

     اهداء
اليك ياسيدي ومولاي .
اليك أيها الإمام وأبو الأئمة.
اليك يا من هز الضمير .
اليك يا سيدي يا من فاق صبره صبر الأنبياء .
اليك يامن تصدعت لجلال هيبتك الرجال .
اليك يا من تحت قبته الدعاء مستجاب .
اليك يا من تربته دواء من كل داء .
فكن شفيعاً لي ولوالدي .

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

   الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
   ان الامام الحسين وقف ليعارض مرضاً من امراض الامة وهي حالة انعدام الادارة مع وضوح الطريق ، وكان الطريق الوحيد لعلاج هذه الفحالة المرضية هو الخط الذي سار عليه سيد الشهداء عليه افضل الصلاة والسلام ، فبقدر ما يكون هذا المرض عميقاً في جسم الامة يجب ان تكون التضحية ايضاً عميقة مكافئة لدرجة عمق هذا المرض في جسم الامة وكان يشمل كل قطاعات الامة .
   والامة حينما تنهزم وينتزع منها شخصيتها وتموت ارادتها تنسج بالتدرج اخلاقية معينة تنسج مع الهزيمة النفسية التي تعيشها بوصفها امة من دون ارادة امة لا تشعر بكرامتها وشخصيتها ، وبهذا كان الإمام الحسين ( عليه السلام ) بين اخلاقيتين : بين اخلاقية الهزيمة التي تعيشها الامة الاسلامية قبل ان تهزم فعلياً يوم عاشوراء ، والاخلاقية الاخرى التي كان يريد ان يبثها وينشرها في الامة الاسلامية هي اخلاقية الارادة والتضحية والعزيمة والكرامة .
   لقد رفع راية الاسلام عالية خفاقة ، وحرر ارادة الامة العربية الاسلامية ، اشهد ان دمك سكن الخلد واقشعرت له اظلة العرش وبكت له السماوات والارض .

واقعة الطف

   كانت واقعة الطف من الوقائع العظيمة في تاريخ اهل البيت ( عليهم السلام ) لانها غنية بالعبر والمعاني ، لكونها واقعة تجلت فيها كل معاني الشجاعة ، والبطولات والاباء ، والتضحية والفداء ، وذكر الله واقامة الصلاة ، والقتال حباً لله عز وجل ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان يوم عاشوراء يوم المجد والشرف ، ويوم البطولة والشجاعة ويوم الايمان والثبات ، وإذ كان معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) يمثل الايمان بمبدأ الدين ، فقد كان معسكر يزيد ( لعنه الله ) يمثل الطغيان والقسوة والتخلي عن المباديء التي جاء بها رسول الله محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، واشتمل عاشوراء على درسين درس في المواعظ والارشاد ودرس في الحرب والقتال .
   لقد كانت ثورة ابي الاحرار ( عليه السلام ) من اعظم الثورات التحررية في الارض ، فقد حملت مشعل النور والفكر في الارض وسجلت شرفاً للاسلام ، وشرفاً للإنسانية ، فهو المنقذ والمجدد لهذا الدين العظيم ، ورأى انه المسؤول الوحيد امام الله ، وامام اجيال الامة .
   وثورة الحسين ( عليه السلام ) هي التي خلدت نفسها بذاتها ، لقوتها وقوت الوقائع والمواقف البطولية والعناصر الاخرى التي امتلكتها هذه الواقعة العظيمة .
   ان ثورة الحسين ( عليه السلام ) بفصولها الخالدة في دنيا الاحزان قد استهدفت تحرير الانسان فكراً وسلوكاً وارادة ، وتنمية قدراته وملكاته بالاشراف والوعي ، ليكون خلية صالحة لمجتمع سليم ناهض عامل بالحق ، مطبق للعدل حسب ما يريد الله تعالى لإبن آدم أن لا يتلوث بمآثم الحياة وموبقاتها ، لقد ارعبت هذه الواقعة الطواغيت في العصر الاموي والعباسي وما بعدهما الى اليوم ولهذا لاتزال تواجه الحرب الاعلامية ، والتصفيات الجسدية لروادها ودعاتها ومقيمي شعارها ، لان الحسين ( عليه السلام ) ثورة في قبره وثورة الحسين ( عليه السلام ) كتبت بالدم ، باللون الاحمر القاني الذي يعتبر من اكثر الالوان ثباتاً على صفحات التاريخ والمجتمعات البشرية ، فواقعة الطف حية نابضة بالحياة الى يوم القيامة ، فإن ثورة الحسين ( عليه السلام ) تخلدت خلوداً عجيباً وأبدياً بعد مضي سنين متطاولة ، ودهور متباعدة ، لم تنسى ولم تموت ثورة الحسين ( عليه السلام ) بل تزداد طراوة على مر السنين . . .

كذب الموت فالحسين ii مخلد      كلما مر الزمان ذكره يتجدد

اهداف ثورة الحسين ( عليه السلام )
   إذا كان هدف الثورة او كل عمل يريده الإنسان لله عز وجل فأنه ينمو ويرتقي ويصعد ولا يقف أمامه شيء يصده ابداً ( ما كان لله ينمو ) .
   وإذا كان الهدف لغير الله عز وجل لا ينمو ويتسافل ويضمحل اثره ، وتدرس معالمه .
   حين قال : " . . . اني لم اخرج اشراً ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولا ظالماً ، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اريد ان امر بالمعروف وانهى عن المنكر ، واسير بسيرة جدي ، وابي علي ابن ابي طالب ( عليه السلام ) ، فمن قبلني بقبول الحق ، ومن رد علي اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم ، وهو خير الحاكمين " (1)" الا ترون ان الحق لا يعمل به ، وان الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في الله محقاً . . . " ، " وايها الناس من رأى سلطاناً جائراً . . . " (2) .
   الامام الحسين ( عليه السلام ) حينما كان يلقي شعارات هذا التخطيط على هذه الامة الاسلامية المهزومة اخلاقياً ، والمهزوزة روحياً ، المتميعة نفسياً ، الفاقدة لارادتها ، حينما كان يلقي شعارات هذا التحرك على هذه الامة لم يكن في كل القاءاته صريحاً واضحاً محدداً ، وذلك لانه كان يجامل تلك الاخلاقية التي عاشتها الامة الاسلامية ، وكانت هذه المجاملة جزاءاً ضرورياً من انجاح الحسين في اهدافه (3) .
   فهدف الإمام الحسين ( عليه السلام ) كان لإصلاح امة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) واحياء احكام القرآن ، فما دام الاسلام ابدي والقرآن ابدي ومخلد ، ولقد حفظه الله ، قولهُ تعالى : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) ، فثورة الحسين ( عليه السلام ) باقية مخلدة ومحفوظة مع القرآن والاسلام الى يوم القيامة .

خطاب الامام الحسين ( عليه السلام ) لأهل مكة قبل خروجه منهم وتوجهه الى العراق

  لم يدع الإمام الحسين ( عليه السلام ) فرصة الخروج من مكة دون ان يعض الناس، ولم يمنع تهيؤه ( عليه السلام ) للسفر ومن وعض الناس في مكارم الاخلاق ، وهو يعلم علم اليقين بأن الشهادة ستكون خاتمة حياته ( عليه السلام ) ، فقام خطيباً في اللحظات الاخيرة في مكة وقال : " الحمد لله ما شاء الله ولا حول ولا قوة الاّ بالله ، وصلى الله على رسوله وآله وسلم ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة . . . " ، وقال بعد ذلك " ان الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصلة نعمة ، والاستكبار صلف ، والعجلة سفه ، والسفهة ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة اهل الدناءة شر ، ومجالسة اهل الفسق ريبة " (4) .

خطب الإمام الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء

   واستثمر الإمام الحسين ( عليه السلام ) اسلوب الموعظة الحسنة ، لعلهم يرجعون فيها الى رشدهم ويؤبوا الى صوابهم ، فخطب فيهم مراراً .
1 ـ تقدم الحسين ( عليه السلام ) حتى وقف بأزاء القوم ، فجعل ينظر الى صفوفهم كانهم السيل ، ونظر الى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة فقال : " الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرفة بآلها حالاً بعد حال ، فالمغرور من غرته والشقي من فتنته ، فلا تغرنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن اليها ، وتخيب من طمع فيها ، واراكم قد اجتمعتم على امر قد اسخطتم الله فيه عليكم ، واعرض بوجهه الكريم عنكم واحل بكم نقمة . . . " .
2 ـ ولما دنا من القوم دعا براحلته فركبها ، ثم خطب في الناس فحمد الله واثنى عليه ، وذكر الله بما هو اهله ، وصلى على محمد ( صلى الله عليه وآله ) وعلى ملائكته وانبيائه ، قائلا : ايها الناس ! اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني حتى اعظكم بما هو حق لكم علي ، وحتى اعتذر اليكم من مقدمي عليكم . . . فاجمعوا امركم وشركاءكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون " (5) " إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (6) . . . فانسبوني وانظروا من أنا ؟ الست ابن بنت نبيكم ( صلى الله عليه وآله ) وابن وصيه وابن عمه ، واول المؤمنين بالله والمصدقين لرسول الله بما جاء من عند ربه ، اوليس حمزة سيد الشهداء عم ابي ؟ اوليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي ؟ ! . . . لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ، ولا اقر اقرار العبيد ! عباد الله ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ" (7) " . . . إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ " (8) .
3 ـ وخطب مرة اخرى قائلاً : " يا اهل الكوفة ان الدنيا قد تغيرت وتكدرت وهذه دار فناء وزوال تتصرف باهلها من حال الى حال ، فالمغرور من اغتر بها وركن اليها وطمع فيها ، معاشر الناس : اما قرأتم القرآن ، اما عرفتم شرايع الاسلام ؟ وثبتم على ابن بنت نبيكم تقتلونه ظلماً وعداناً . . . " وذكرهم : " عباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر فان الدنيا لو بقيت على احد او بقي عليها احد لكانت الانبياء احق بالبقاء واولى بالرضى وارضى بالقضاء . . . " ، " . . . وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ " (9) .
4 ـ قام الحسين ( عليه السلام ) بتعبئة اصحابه في الميمنة والميسرة ، فأحاطوا بالحسين ( عليه السلام ) من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة ، فخرج الحسين ( عليه السلام ) من اصحابه حتى اتى الناس فاستنصتهم فأبوا ان ينصتوا فقال لهم : " ويلكم ماعليكم ان تنصتوا الي فتستمعوا قولي ، وانما ادعوكم سبيل الرشاد ، فمن اطاعني كان من الراشدين ، ومن عصاني كان من المهلكين . . . اما لا تلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى ، عهد عهده الي ابي عن جدي ، فاجمعوا امركم وشركائكم فيكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون . . . وابعث عليهم سنين كسني يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كاساًَ مصبرة ، فلا يدع فيهم احداً قتله بقتلة وضربه بضربة ينتقم لي ولأوليائي ولأهل بيتي (10) واشياعي منهم ، فأنهم غرونا وكذبونا وخذلونا ، وانت ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير " .
   لم يترك الحسين ( عليه السلام ) النصيحة لهؤلاء القوم حباً لهداية الامة ولعل احد منهم يرجع من ضلالته ، فنادى : هل من ذابٍ يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا ؟ ( هل من معين يرجو الله في اعانتنا ) (11) . . .

دلالات الخطاب

1 ـ إستثمر الإمام الحسين ( عليه السلام ) تلك الفرصة لتذكيرهم بامور الدين والآخرة ، وودعاهم الى عدم الإغترار بالدنيا .
2 ـ ذكّرهم بحرمة قتله ( عليه السلام ) وانتهاك حرمته ، كيف لا وقد وصفه الصادق ( عليه السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي لا ينطق عن الهوى بانه سيد شباب اهل الجنة .
3 ـ حاججهم بكل حجة ممكنة من أجل ان يدفع عنهم غائلة العقاب الالهي .
4 ـ ولكنه ( عليه السلام ) تنبأ بأن تدور عليهم الدوائر وتنقلب ضدهم الموازين ، سوف يضربون بسيف البغي الذي سلوه عليه .

الحسين ( عليه السلام ) ينعى نفسه

    قال علي ابن الحسين ( عليه السلام ) اني جالس في تلك الليلة التي قتل ابي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني اذ اعتزل ابي في خباء له وعنده ( جون ) مولى ابي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وابي يقول :
يـا  دهـر افٌ لك من iiخليل      كم لك في الاشراق و الاصيل
مـن  صـاحب وطالب قتيل      و  الـدهر لا  يـقنهع iiبالبديل
   و انـما الامـر الـى ii الجليل      و كـل حـي سـالك  iiسبيلِ (12)


فلسفة النهضة الحسينية
   (( . . . ان الحكم في صواب الحسين ( عليه السلام ) وخطئه لامرين ، لا يختلفان باختلاف الزمان ، وأصحاب السلطان ، والبواعث النفسية التي تدور على طبيعة الانسان الباقية ، والنتائج المقررة ، التي مثلت للعيان باتفاق الاقوال . . . ))
   فنوضح العلل والبواعث النفسية على الشكل التالي :
اولاً : يبدو ان ملك يزيد لم يكن ثابتاً ومحكماً كما كان ملك معاوية ، ذلك ان الشخص الوحيد الذي كان متحمساً لولاية عهد يزيد هو المغيرة بن شعبة ، الذي لم يكن احد يتقبل اقتراحه يومها حتى معاوية نفسه ، وعندما تشاور مع زياد لم يكن رأي زياد موافقاً لإقتراح المغيرة ( على الأقل ذلك الحين ) .
   وأما مروان ابن الحكم ، فقد كان يقف بشدة ضد فكرة تولية يزيد ، لانه كان هو يسعى الى مثل ذلك المنصب بل وحتى كان يستعد للتمرد على الخليفة ، إلاّ انه قبل بالامر الواقع من خلال رشوة قدرها ( 1000 دينار ) شهرياً له و ( 100 دينار ) لاصحابه ، وأما سعيد ابن عثمان فانه خاطب معاوية يومها ، وقال له بان ابه وامه افضل من ام يزيد وابيه ، لكنه رضي بالتالي بولاية خرسان ، نستنتج من ذلك إن حكومة يزيد لم تكن حكومة مستقرة في ذاتها .
ثانياً : ان حكم يزيد قام في الواقع على قاعدة سب علي ( عليه السلام ) وآل علي وأي بيعة من الحسين ( عليه السلام ) كانت تعني وجوب وفاءه بالعهد ، وعقد البيعة ، و هذا كان يعني قطعاً إضفاء الشرعية على هذه السنة السيئة ، جيلاً بعد جيل ، ( إن حكومة يزيد كانت أسوء من حكومة معاوية مئة بالمئة ، لأنها كانت حكومة مفضوحة العداء للإسلام ) .
وأما حول نتائج التحرك الحسييني
   قبل كل شيء يمكن القول : إن يزيد نفسه لم يهنأ بالحكم ، ولم يرى الاستقرار للحظة واحدة بعد اندلاع الثورة الحسينية .
   فبعد واقعة كربلاء ، واجهته واقعة المدينة المنورة ، ثم بدأ عبد الله ابن الزبير من بعد ذلك حربه الداعية ضد يزيد وجاءت قضية مكة ، ثم تتالت على الحكم الاموي سلسلة تمردات ( يا لثارات الحسين ) التي استمرت عاماً من حكم بني أمية ، وهي تزلزل عرش تلك العائلة .
   ولهذا ترى البعض أمثال ( مارتن ) الالماني ، يعتقدون ان السياسة الحسينية كانت بالواقع قد وضعت مثل هذه الاهداف نصب عينها من الاساس .
   أما بشأن حركة النساء والأطفال في القافلة ، " . . . انما يبدو الخطأ في هذه الحركة حين تنظر اليها من زاوية واحدة ضيقة المجال قريبة المرمى ، وهي زاوية العمل الفردي ، الذي يراض باساليب المعيشة اليومية ، ويدور على النفع العاجل للقائمين به والداعين اليه . . . " .
   وان مسلم بن عقيل انما كان يقدر بالحقيقة على فعل الكثير مما كان يفعله إبن زياد ، اذ كان باستطاعته ان يأخذ الاموال ، ويعطيها ويوزعها ، لكن مثل هذه الاعمال كانت تعني مخالفة المبادئ التي كان يمثلها مسلم ، فمسلم الذي كان يستعد لاستقبال الموت تراه كان يفكر في اداء دينه فيوصي ببيع درعه ، وسيفه من بعده ، حتى يدفع الدين الذي كان عليه وهو ( 700 درهم ) إذاً لم يكن مسلم يفكر في كيفية جمع الاموال من الناس ، والاستغناء باموالهم ، حتى مع تهيؤ ظروف الحكم المؤقت له ، هذا على الرغم من توكل الإمام الحسين ( عليه السلام ) له كان يحمل معه معنى الممثل المالي (13) .

فلسفة تعظيم شعائر عاشوراء

   إن فلسفة تعظيم شعائر عزاء سيد الشهدء ، مكافأة يقدمها التاريخ لأبطال عاشوراء ، لان العطف الإنساني هو كل ما يملك التاريخ من جزاء وهو الثروة الوحيدة التي يحتفظ بها الخلود ، واحياء ذكرى سيد الشهداء تربط بنا من احدى الجهات باعتبار ان هذه الذكرى عبارة عن نبع من الفيض الرباني الذي يمكننا الاستفادة منه ، وهي من جهة أخرى تقدير منا للشهداء والشهادة ، ومن جهة ثالثة تعبير عن الواجب التاريخي ، والفريضة الاجتماعية ، الملقاة على عاتقنا أمام المجتمع ، إن المنفعة الفردية عبارة عن عامل تنازع وتضارب وقبض ، واستخدام للمجتمع .
   بينما حس المنفعة العامة أو بعبارة أخرى المبادئ الاخلاقية الإنسانية السامية تشكل في الواقع عامل حفظ ، وتعاون وافاضة وإعانة للمجتمع .
   وعليه فإن أصحاب الخير العام هم الخدام الواقعيون للاصول والمبادئ والنواميس الاجتماعية ومن هنا وجب على المجتمع تقديرهم ، واجلائهم وإحاء ذكرهم على مر الدهور .

شعارات عاشوراء
   إن الشعارات التي رفعها الإمام ابي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) واهل بيته واصحابه في يوم عاشوراء ، وتحول عاشوراء الواقعة والقضية بالنسبة لنا نحن الشيعة الى الشعار دائم في حياتنا ، يوم عاشوراء بين من خلالها روح نهضته ، وحدد بالضبط الهدف الذي دفعه للمجيء الى تلك الديار والقبول بإراقة دمه حتى القطرة الاخيرة ، وعدم التسليم والمضي بالحروب حتى نهايتها ، إن امتنا قد اكدوا الواحد بعد الآخر على ضرورة إحياء هذه المناسبة العظيمة ( عاشوراء ) وانه لا يجوز نسيان هذه المصيبة ، فهي مدرسة خالدة لا بد لنا من التمسك بها .
   إن على شيعتنا أن يحيوا هذه المناسبة العظيمة في كل عام يمر فيه علينا محرم ، وعاشوراء .
   إن عنوان عاشوراء اصبح شعار الشيعة ، وعلينا اذاً عندما نواجه احداً من اهل السنة ، أو حتى ونحن نقف أمام أصحاب الاديان الاخرى كالمسيحية او اليهودية أو أمام الملحدين الذين سيسألوننا جميعاً : ماذا تريدون انتم الشيعة في تاسوعاء وعاشوراء ، عندما تعطلون كل اعمالكم وتنظمون المسيرات وتلطمون على الصدور وتقيمون المآتم البكائية ؟ .
   وماذا تريدون القول من خلال كل ذلك ؟ ولابد أن يكون لدينا ما نقوله أمام هذه التساؤلات ، إن ابا عبد الله الحسين ( عليه السلام ) لم يقم من أجل أن يقتل دون أن يقول ما يريد وما يهدف من وراء ذلك القيام ، إنه قال ما يريد ، وشرح اهداف نهضته وحدد الغاية من وراء قيامه .
   إنما الشعارات التي أحيت الاسلام وأحيت التشيع وزلزلت أساس حكم الخلافة الاموية ، تلك الخلافة لو لم تكن ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لبقيت ، ربما لألف عام مهيمنة على مصير البلاد الإسلامية ، ولم يكن باستطاعة بني العباس أن يحكموا لمدة خمسمئة عام ، بعد أن إنتزعوا الحكم من بني أمية بفضل ذلك الإهتزاز الذي أوجدته واقعة الطف في أركانها ، إن ابا عبد الله الحسين ( عليه السلام ) كان يفتخر في ذلك اليوم أن يعلن بوضوح إنه ينهج نهج أبيه علي المرتضى ( عليه السلام ) .
   إن أبيات الشعر التي كان يرددها أبو عبد الله الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء كثيرة ومختلفة ، وقد نضمت باوزان مختلفة ، ومنها ما كان من نُظم الحسين ( عليه السلام ) نفسه ومنها ما كان يستشهد بها ( عليه السلام ) وهي لشعراء اخرين .
   إن أحد الابيات التي كان يرددها أبو عبد الله ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء والذي صار بمثابة الشعار العام له ، هذا البيت :
الموت اولى من ركوب iiالعارِ      و العارُ اولى  من دخول النارِ

  وهذا الشعار الحسيني بنبغي أن يطلق عليه شعار الحرية والعزة الشرف ، يا جماهير العلم في كل مكان ! أتعرفونه لماذا قتل الحسين حتى آخر قطرة من دمه ، ودم احبائه واصحابه ؟ ، لأن الحسين قد تربى في حجر النبي وعلي ، وشرب حليب الزهراء البتول ( انه تعبير الحسين نفسه ) ، وقد نرى الحسين ( عليه السلام ) يخطب خطبته النارية تلك المليئة بالحماس و الغيرة ، وكأن اللهيب يخرج من فم الحسين ( عليه السلام ) وهو يقول : " ألا وان الدعي إبن الدعي " ( اي ابن الزانية ) هذا الذي هو أميركم ، وقائدكم ( قد ركز بين إثنتين بين السلة والذلة ) أتدرون ما الذي يقترحه علي ؟ إنه يقول إن على الحسين أن يستسلم ذليلاً ، خانعاً ، لإرادتي أو فلينتظر السيف " إن الحسين ( عليه السلام ) يقول له ( هيهات منا الذلة ) فالحسين لن يذل ولن يركع .
   إن الله لن يقبل هكذا ذلة للحسين ! ألا تعرفون من أنا ؟ وهذا الدعي إبن الدعي الا يعرف بأي حضن كبر الحسين وترعرع ؟ ! كانت هذه هي طبيعة الشعارات في يوم عاشوراء ، أيها الاخوة أصحاب المآتم الحسينية اليوم يا من تبحثون عن شعار لمسيرتكم ، إن عظمة أبي عبد الله شيء ونحن شيء آخر ، دعونا نجعل شعاراتنا التي نرفعها في المسيرات واللطميات الحسينية ، فعلاً شعارات حسينية ، فشعارات الحسين من نوع متميز ، فأنت تراه ينادي مرة : ( ألا ترون ان الحق لا يعمل به ، وإن البالطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً ) .
   إن شعارات الحسين ( عليه السلام ) كانت شعارات إحيائية أي شعارات تنبع منها الحياة ، قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ )) (14) وإذا كان الحسين إبن علي بشخصه لم يعد موجوداً بيننا فإن المطلوب أن يفتح الناس اعينهم وينهضوا في كل عام ومع طلوع كل محرم ليسمعوا نداء الحسين يرن في آذانهم : (( ألا ترون إن الحق لا يعمل به ، وإن الباطل لا يتناهى عنه )) ، نعم فعاشوراء بالنسبة لنا ينبغي إن تكون يوم الإحياء ، وتطهير الأنفس في الكوثر الحسيني ويجب أن تكون عاشوراء لنا مناسبة ، لنتعلم منها مبادئ الاسلام وأُسس الدين وبعث روح الحياة فينا .
   فنحن نرفض أن ننسى واجب الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، كما لا نريد لحِس الشهادة والجهاد والتضحية في سبيل الحق ، أن يبتعد عنا ، ولا لروح الفداء في سبيل الحق أن يموت فينا ، هذه هي فلسفة عاشوراء الحقيقية ، لا كما يريدها البعض أن تكون بأن نرتكب الذنوب ، ثم تأتي المناسبة فنشترك بها حتى تغفر لنا ذنوبنا !
   إن الذنوب لتغفر في الواقع ، عندما تُجبَل أرواحنا مع روح الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، إن شعارات أبي عبد الله هي شعارات إحياء الإسلام .
   فهذه هي إذاً مدرسة عاشوراء ، ومضمون شعارات الحسين ، وهكذا يجب أن تكون شعاراتنا في المجالس والمسيرات والمآتم الحسينية ، شعارات إحائية وحماسية وليست شعارات مخدرة ومميتة للشعور ، لأنها إن كانت كذلك ، لن تصبح دون أجر أو ثواب فحسب ، بل إنها تبعدنا عن الحسين ( عليه السلام ) ، ان الشجاعة وقوة القلب ، اللتان ابداهما الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء ، أنست العالم كل الشجاعان ، وهذا الكلام هو بأعتاف العدو نفسه ( والله ما رأيت مكسوراً قط قد قتل أهل بيته ، وولده وأصحابه ، أربط جأشاً منه ) .
   إنه كان يرفع شعار التوحيد ، في نفس اللحظة التي كان يمنح فيها الطمأنينة لزينب وآل البيت ، بأنه لازال على قيد الحياة ، لا سيما وأنه كان قد أمرهم بعدم الخروج من الخيام ، مادام هو على قيد الحياة .
   سيدي أبا عبد الله فإن حريمك لم يخرجن من الخيام عملاً بتعليماتك ، إلاّ بعد أن رأين جوادك من دون صاحب .

دور الشباب في ثورة الحسين ( عليه السلام )
   إن لمرحلة الشباب دور مهم ، وخطير في حياة الإنسان ولذا ينبغي أن لا يدع هذه الفرصة تمر مرور السحاب ، بل عليه أن يستغل مرحلة شبابه لما يقوم فكره وسلوكه وأخلاقه ، ولقد كان للشباب في معركة الطف الفاصلة دور فعال فقد وقفوا مواقف بقيت آثارها الى اليوم محركة للتاريخ ، ومقومة لمسيرته ، ونحن نذكر بعض مواقف الشباب الذين أبوا ألا أن يقدموا انفسهم فداء للإسلام بين يدي الحسين ( عليه السلام ) ومن هؤلاء :
  1 ـ عمر ابن جنادة الانصاري : وهو شاب جاء من امه وأبيه ، وبعد أن إستشهد أبوه وهو إبن إحدى عشر سنة جاء يستأذن الحسين ( عليه السلام ) للمبارزة فأبى عليه الحسين ( عليه السلام ) وأرجعه فقال الغلام : أن أُمي هي التي أمرتني يا أبن رسول الله ، وكان كل مبارز من أصحاب الحسين ( عليه السلام ) اذا برز يرتجز ، ويذكر أسمه وإسم أبيه أو نسبه وعشيرته ولكن هذا الشاب لم يذكر إسمه و إسم أبيه وما إنتمى إلى عشيرته بل إنتمى إلى الحسين ( عليه السلام ) فبرز يقول :
اميري حسين و نعم الاميرِ      سـرورُ  فؤادِ البشيرِ iiالنذير
عـليٌ  و فـاطمةٌ و iiالـداه      فـهل  تعلمون لهُ من iiنظيرِ
(15)
  2 ـ عبد الله إبن عمير الكلبي : وهو شاب مقاتل شديد المراس وخاض غمار الحرب حتى قتل تسعة عشر فارساً و إثني عشر راجلاً ثم قتل بعد ذلك .
   هذان نموذجان من النماذج التي فدت نفسها لرسالة الله ، ومضت على هدي أهل البيت وكثير غيرها من أصحاب الحسين ( عليه السلام ) وأما من أهل بيته فكثيرون نذكر منهم القاسم إبن السبط المجتبى ( عليه السلام ) ، فقد برز إلى الميدان وهو غلام لم يبلغ الحلم فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :
ان  تـنكروني فانا نجل iiالحسن      سبط النبي المصطفى و المؤتمن
هـذا حـسين كالاسير iiالمرتهن      بين  اناس لاسقوا صوب iiالمزن

  وبعده إستشهد فرفع الحسين طرفه إلى السماء قائلاً :
  " اللهم أحصهم عدداً ، ولا تعذر منهم احداً ، ولا تغفر لهم ابداً ! صبراً يا بني عمومتي يا أهل بيتي ، لا رأيتم هواناً بعد اليوم ابداً " .
   إن شهداء الطف سينالون عند ربهم أرفع الدرجات وأجل الكرامات الذين فاقوا سائر الشهداء بثباتهم وتصميمهم على التضحية في سبيل الله ونصرة الحسين ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع قلّتهم وكثرة اعدائهم المتكالبين عليهم .

حق الحسين ( عليه السلام ) على المسلمين والمؤمنين بنهضته لإحياء الدين

 قتل الحسين لينقذ العاصين من      اشـياعه  مـن حر نار iiتشعل
  و الشيعة العاصون ودوا iiانهم      دخـلوا الـجحيم و انه لا iiيقتل

   الإمام الحسين ( عليه السلام ) له حق عظيم على جميع المسلمين والمؤمنين إذ صار سبب لهدايتهم إلى الاسلام والإيمان ، لأنه أرواحنا فداه قد فدى نفسه ونفوس الأعزاء من أهل بيته وأصحابه إلى إحياء لدين جده ( صلى الله عليه وآله ) .
  نعم إن الحسين ما قام هذا القيام الخالد وما نهض تلك النهضة المقدسة في سبيل منفعة دنيوية ، وما رفض البيعة ليزيد جرياً وراء مصلحة ذاتية ، وما إنتقل من المدينة إلى مكة في سبيل بيعة ، وما قصد العراق حباً في الشهرة ، ولو كان الأمر كذلك لبقي الحسين ( عليه السلام ) بمكة ولشهد الحج تلك السنة ، ولدعا الناس إلى نفسه عند إجتماع الناس بموقف عرفة ومنى وغيرهما من المواقف الاخرى ، أو لسمع من بعض نصائحه حين أشاروا عليه بالبقاء حيث هو ، أو الرحيل إلى اليمن ولكنه ( عليه السلام ) اراد ما هو اسمى وأعظم من ذلك كله ، الا وهو احياء دين جده ، لأنه لو لم يأت الحسين كربلاء ويوطن نفسه المقدسة لتحمل تلك المصائب التي لا تقوم بحملها الجبال ، ولتلك الخطوب التي يقصر عن ذكرها المقال والتي منها سبي العيال والاطفال وبقاء جسده الشريف مع اهل بيته واصحابه ثلاثة ايام على وجه الرمال ، لما ظهر هذا الدين الذي به حياة المجتمع الانساني .
   وربما يتسائل البعض هنا فيقول : كيف كان احياء الدين وظهوره بنهضة الحسين ( عليه السلام ) وقتله ؟ ، الجواب :
  نعم ذلك لأن المنافقين من بني أُمية وغيرهم الذين دفعوا اهل البيت عن مقاهم ، وازالوهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها ، هؤلاء المنافقون ظهروا للناس بمظهر النيابة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإنهم خلفاؤه من بعده ، وتظاهروا بتأييد دينه وخدمة شريعته فخفي أمرهم على كثير من الناس وإغتروا بهم وبنفاقهم (16) .

أول مأتم عقد للحسين ( عليه السلام )
   عندما بشر جبرائيل النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) بولادة الحسين من إبنته الزهراء ( عليها السلام ) فرح فرحاً شديداً ولكن سرعان ما تبدد هذا الفرح وتحول إلى حزن وذلك عندما أخبر جبرائيل الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله ) بأن ولده هذا سوف يقتل من قبل أُمته في أرض تسمى كربلاء في العراق ، ولكن الله سبحانه وتعالى على أثر شهادته وكرامة له يجعل من صلبه تسعة من الائمة الطاهرون المطهرون آخرهم قائمهم ( عج ) يملأ الله به الارض عدلاً وقسطاً كما مُلأت ظُلماً وجوراً ، ولذلك كان أول مأتم عزاء حقيقي في تاريخ هذه الأُمة عندما ولد الحسين ( عليه السلام ) حيث بكته اُمه الزهراء وأباه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وكذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والى ذلك أشار التاريخ عبر رواياته وتاريخه الحافل وإن أول مأتم للحسين اقيم في عهد هذه الامة في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلو نظرنا الى قولهِ هذا نجد هناك قرينة واضحة البيان وهي ( في عهد هذه الامة ) دالة على انه كانت هناك مآتم في غير عهد هذه الامة ، اذن كانت هناك مآتم عزاء على الحسين ( عليه السلام ) من قل الانبياء والرسل الذين سبقوا خاتم الانبياء محمد ( صلى الله عليه وآله ) ولكن كيف اقاموا هؤلاء الانبياء المآتم على الحسين وكيف بكوا عليه ؟ هذا ما نجده واضحاً من خلال استقراء التاريخ حيث يخبرنا التاريخ ان ذلك كان ناتج من اخبار الله تعالى لهم بما يجري على الحسين ( عليه السلام ) وان يجعلوه وسيلة لقربه وان يدعوا على قاتليه باللعنة وسوء العذاب (17) الى هنا ، اذن كان أول مأتم في عهد اُمه الزهراء حيث بكت عليه وناحت لأجله لذا لا بد لنا أن نقوي علاقتنا مع الحسين لما له من تأثير كبير في زيادة علاقاتنا بالصديقة الطاهرة فاطمة ( عليها السلام ) .

خلود ذكر الحسين ( عليه السلام ) إلى يوم القيامة
   كانت نهضة الحسين ( عليه السلام ) جزء من اجزاء العلة التامة في تثبيت رسالة الاسلام إلى الناس ، وبذلك بقيت واقعة الطف حية نابضة بالحياة إلى يوم القيامة ، وقد حث أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) على إبقاء جذوة مظلومية الحسين ( عليه السلام ) مشتعلة في كل مكان وزمان عبر وسائل فعالة مرتبطة بحياة الانسان الشخصية والاجتماعية ، ومنها :
أ ـ مجالس الحسين ( عليه السلام )
إن الاخبار الواردة عن اهل البيت ( عليهم السلام ) تفيد بأستحاب عقد المحافل للتذكير بفاجعة الطف ، ومن تلك الأخبار .
   قول الإمام الرضا ( عليه السلام ) : (( من ذكر مصابنا فبكى وأبكى ، لم تبكِ عينه يوم تعمى العيون )) (18) .
   وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (( من ذكرنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب عفى الله ذنوبه )) .
   وعن الإمام الباقر (عليه السلام ) : (( ويتلاقون بالبكاء عليه بعضهم بعضاً في البيوت واليعزِ بعضهم بعضاً بمصاب الحسين )) .
   تلك المجالس تبقى الرابطة الدينية لحفظ المذهب قوية وفاعلة ، وقد تحرى أهل البيت ( عليهم السلام ) مختلف أساليب البيان للتعبير عن ذلك .
ب ـ البكاء على الحسين ( عليه السلام )
  قال الامام الرضا ( عليه السلام ) : " من تذكر مصابنا ، وبكا لما أُرتكب منا ، كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذُكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلساً يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب " (19) .
   إن البكاء على الحسين ( عليه السلام ) له أبعاد غير ما يتصور الجاهلون لواقعة الطف ومن أهم ابعاد هذا البكاء هو حفظ الاسلام حياً في القلوب ، إبقاء وتصعيد وإنقاذ روح الثورة وتأججها ، وإن البكاء يديم حالة الرفض السياسي للأنظمة غير المشروعة ، ويعبر ايضاً عن شدة العلاقة والإنجذاب نحو الحسين ( عليه السلام ) والنفر والرفض لأعداءه والتجاوب مع الحدث .
ج ـ السجود على التربة الحسينية
   فالسجود في الصلاة واجبة أو مستحبة لا يتم إلا على ارض طاهرة ، ومن الاساليب التي اتبعها أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) للتعريف بمظلومية سيد الشهداء ( عليه السلام ) هو أمرهم بالسجود على تربة طاهرة من كربلاء وتلك تربة طهرها (20) الله عز وجل بدماء سيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه فهم ( سادة الشهداء لا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق ) .
د ـ زيارة الحسين ( عليه السلام )
   كان الحث على زيارة الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء من الاساليب التي إستثمرها أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) في احياء رسالة الإمام ( عليه السلام ) في الاصلاح ، وجعلها متوقدة دوماً ، قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) : " أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروباً ، وحقيقٌ علي ان لا يأتيني مكروبٌ قط إلا رده الله وأقبله إلى أهله مسروراً " (21) .
   قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من زار الحسين عارفاً بحقه كتبه الله في اعلى عليين والملائكة والمقربين ) .

الخاتمة
  إن الشعائر الدينية التي ينبغي أن تصان ، وهي شعائر سياسية يلزم التمسك بها وإنها شعائر تحمل روح الرفض والوقوف بوجه الظلم ، وتتحدى الظالين بكل اشكالهم .
   لقد إنفجرت روح النضال في الامة ، واستيقظ الضمير الديني ، ونفض عن نفسه ركام الذل والهوان فثورة الحسين ( عليه السلام ) أعادت للامة شخصيتها وهويتها ، وسوف تستمر هيبة الحسين مسيطرة على النفوس حتى وهو صريع يعاني من جراح السيوف وطعن الرماح ، ولم تتوقف جاذبية الحسين حتى بعد أن إختفى جسداً تألق روحاً وفكراً ورمزاً لكل ثوار الحق في العالم وألقى الله في قلوب الناس ـ اعداء ومحبين ـ حبه وأحياء ذكره في بيوت اعدائه وقاتليه .
   الإمام الحسين ( عليه السلام ) من أبرز من خلدتهم الانسانية في جميع مراحل تاريخها ، ومن أروع من ظهر على صفحات التاريخ من العظماء والمصلحين الذين ساهموا في بناء الفكر الانساني ، وإن نهضة الحسين ( عليه السلام ) من افضل سبل إنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة .
* إن للباطل جولة وللحق دولة .
* قال أحد العلماء كل ما عندنا من الحسين ( اي كل شيء من العلم والعزة والدين . . . ) .
* السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره .

الهوامش
(1)بحار الانوار .
(2) الملحمة الحسينية .
(3) أئمة اهل البيت .
(4) الإمام الحسبن ( سيد الشهداء ) ـ منتهى الآمال .
(5) سورة يونس : الآية 71 .
(6) سورة الأعراف : الآية 196 .
(7) سورة الدخان : الآية 20 .
(8) سورة غافر : الآية 27 .
(9) سورة البقرة : الآية 197 .
(10) الإمام الحسين ( عليه السلام ) سيد الشهداء ، مقتل الحسين (عليه السلام ) الخوارزمي .
(11) منتهى الآمال في تواريخ النبي وآله ( ص ) .
(12) الامام الحسين في بحار الانوار .
(13) الملحمة الحسينية .
(14) سورة الانفال : الآية 23 .
(15) الإمام الحسين شمس لن تغيب .
(16) المجالس الحسينية .
(17) الأسرار الفاطمية .
(18) آمالي الشيخ الصدوق .
(19) الإمام الحسين شمس لن تغيب .
(20) الإمام الحسين بن علي ( عليهما السلام ) سيد الشهداء .
(21) الامام الحسين بن علي ( عليهما السلام ) سيد الشهداء .


  • الاهداء
  • المقدمة
  • واقعة الطف
  • اهداف ثورة الحسين
  • خطاب الامام الحسين ( ع )
          لأهل مكة قبل خروجه منهم
          و توجهه الى العراق
  • خطب الامام الحسين ( ع )
          يوم عاشوراء
  • دلالات الخطاب
  • الحسين ( عليه السلام)
          ينعى نفسه
  • فلسفة النهضة الحسينية
  • فلسفة تعظيم شعائر
          عاشوراء
  • شعارات عاشوراء
  • دور الشباب في ثورة
          الحسين ( ع )
  • حق الحسين ( ع ) على
          المسلمين و المؤمنين
          بنهضته لاحياء الدين
  • اول مأتم عقد للحسين ( ع )
  • خلود ذكر الحسين ( ع ) الى
          يوم القيامة
  • الخاتمة
  • الهوامش
    BASRAHCITY.NET