اهتم المؤرخون بذكر حمامات البصرة وكتبوا بعض المعلومات الخاصة بها وعنوا بذكر أحوالها وشملت تلك المعلومات الحديث عن اقدم تلك الحمامات كما أشاروا الى أصحابها وإلى مواقع تلك الحمامات .
وتحتل الحمامات اهمية كبيرة في البصرة وقد تم بناء عدد منها منذ البدايات الاولى لتأسيسها ونظرًا لاهميتها فقد ذكر ابن سعد ان اقامة الحمامات ، بالبصرة لم يكن مسموحًا به الا بأذن من الخليفة ، ( الطبقات الكبرى 7 / 124 ) وروى البلاذري عن المدائني ان الحمامات في البصرة لم تكن تبنى الا بأذن والي البصرة ، (فتوح البلدان ص 348 ) ولم يبين لنا الاسباب والدوافع التي كانت وراء ذلك الشرط بأن يكون بناء الحمامات مقترنًا بموافقة ولاة البصرة ولكننا نرجح أن اسباب ذلك تعود الى حرص والي البصرة على الحفاظ على الاجواء الصحية بالمدينة وعلى جماليتها وذلك لحمايتها من تلك الحمامات لما تنتجه من ابخرة وغازات من جراء تسخين المياه بالاخشاب وما شابه ذلك .
وما ينتج عن تلك الحمامات من المياه الاسنة وغير الصحية وضرورة صرفها بشكل صحيح كأن تكون في الانهار او الجداول وليس في داخل اروقة المدينة لما لها من آثار سلبية على صحة الانسان وهذا يدفعنا الى الاعتقاد بأن تلك الحمامات كانت تبنى في محيط المدينة وليس في مركزها وذلك للاسباب الآنفة الذكر حتى لا تؤثر في صحة الانسان وكذلك عدم تلوث المدينة والحفاظ على بيئتها الصحية ونستطيع ان ندعم رأينا هذا بالامر الذي اتخذه زياد بن ابيه حيث كان يمنع اقامة الحمامات الا في الاماكن التي لا تضر بأحد ، (صالح احمد العلي ، خطط البصرة ، ص 131).
ومن خلال دراستنا لكتاب فتوح البلدان وجدنا انه ذكر (14) اربعة عشر حمامًا بالبصرة وكان عددها في البدايات الاولى لتأسيسها (3) ثلاثة وهي :
1 ـ حمام عبد الله بن عثمان بن ابي العاص الثقفي وهو اول حمام اتخذ بالبصرة يقع في بستان معاوية بن ابي سفيان الذي بالخريبه وعند قصر عيسى بن جعفر .
(البلاذري، فتوح البلدان، ص 348)
2 ـ ثم حمام فيل الذي كان حاجب زياد بن ابيه ومولاه وهوثاني حمام بالبصرة وقد ورد ذكره في الشعر العربي ، قال ابو مفرغ لطلحة الطاحات وهو طلحة بن عبد الله بن خلف :
تـمنيني طليحة الف iiالف لـقد مـنيتني امـلا iiبعيدًا فـلست لـماجد حر iiولكن لـسمراء الـتي تلد iiالعبيدا ولـو ادخلت في حمام iiفيل والبست المطارف والبرودا |
(ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، 2 / 299)
وكان اهل البصرة يضربون المثل بحمام فيل ، وركب فيل يومًا ومعه أبو الاسود الدؤلي وكان فيل على برذون هملاج فقال :
لعمر ابيك ما حمام كسرى على الثلثين من حمام iiفيل |
فقال ابو الاسود :
ولا ارقاصنا خلف الموالي بسنتنا على عهد iiالرسول |
(ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، 2 / 299)
3 ـ اما الحمام الثالث فكان حمام مسلم بن ابي بكره في بلالاباذ وهو الذي صار لعمرو بن مسلم الباهلي (فمكثت بالبصرة دهرًا وليس بها الا هذه الحمامات ) .
(البلاذري، فتوح البلدان ، ص 348).
ثم بعد ذلك بدأت الحمامات تكثر في البصرة بعد ان حصلت الموافقة ببنائها من والي البصرة (البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 348 ) ، فتم بناء حمام عبيد الله بن ابي بكره وحمام الحكم بن ابي العاصي ، وحمام سياه الاسواري وحمام الحصين بن ابي الحر العنبري ، وحمام منجاب ينسب الى المنجاب بن راشد الضبي الذي قال بعضهم وقد حضرته الوفاة :
يـارب قـائلة يومًا وقد iiلغبت كيف الطريق الى حمام منجاب |
(البلاذري ، فتتوح البلدلن ، ص 349 ، ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، 2 / 299)
وحمام بلج ينسب الى بلج بن نشبة وقيل كثبة السعدي التميمي الذي يقول له زياد : ومحترس من مثله وهو حارس (البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 349 ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، 1 / 479 ).
وحمام عمرو الذي ورد في شعر عباس مولى بني اسامة اذ انشد قائلا :
ذكرت البند في حمام عمرو فـلم ابرح الى بعد iiالعشاء |
(البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 349)
وحمام حمران بن ابان مولى عثمان بن عفان وقد مر به عبيد الله بن زياد يوم نعي يزيد بن معاوية فهدمه لكن البلاذري لم يوضح اسباب التهديم ويبدو انه كان حزنًا على وفاة رب نعمته ويبدو ان خبر النعي اليه قد وصله وهو عند حمام حمران فأنزل نار غضبه عليه وامر بتهديمه ولكن ما ذنب صاحبه بأن يتحمل تلك الخسارة في ماله وفي الارباح التي كان يحصل عليها من ذلك الحمام .
ويوجد في البصرة حمام يعرف باسم حمام الامراء حيث جاء انه من المظاهر الحضارية في رحبة بني هاشم حمام الامراء (ابن الفقيه ، مختصر كتاب البلدان ، ص 174).
ويبدو ان هذا الحمام تم بناؤه في وقت متأخر من قيام الدولة الاموية لان البلاذري قال انه بعد ان تم بناء الحمامات الثلاثة ـ حمام عبد الله بن عثمان ، وحمام فيل وحمام مسلم بن ابي بكره ـ في البصرة بقيت دهرًا وليس فيها الا هذه الحمامات الثلاثة (فتوح البلدلن ، ص 348).
اما عن موقع حمام الامراء فقد ذكر وكيع عند ترجمته الى ابي مريم الحنفي انه كان اول من قضى بالبصرة وله في البصرة اربع خطط احداهن في قبلة المسجد الجامع وهي تجاه حمام دار الامارة وتشرع على الطريق الذي في ظهرها (وكيع ، كتاب القضاة ، ص 175)
ولا نستبعد في انه قصد بذلك حمام الامراء وحسب النص في اعلاه فأنها تقع في الجهة الغربية من المسجد الجامع في البصرة .
كما ترد اشارات الى حمام الامير في خبر اورده صاحب كتاب مقاتل الطالبيين حيث قال في ذكر اخبار احد الاشخاص في البصرة ويسمى مطر قال انه صاحب الحمام ثم عزز رأيه برواية نقلها عن المدائني قال فيها : انما سمي صاحب الحمام لانه كان على حمام الامير بالبصرة .
(ابو فرج الاصفهاني ، تحقيق السيد احمد صقر ، مقاتل الطالبيين ، ص 182)
واذن سليمان بن عبد الملك لتويه الشاعر ان يبني حمامًا في البصرة فبناه الى جانب منزله في بني عنبر الرابيه (ابن سعد ، الطبقات الكبرى ، 7 / 124)
وحمام افراذادان في قنطرة قرة (الجاحظ ، البرصان والعرجان ، ص 261).
واشار بشار بن برد الى حمام في البصرة كان في بني يشكر (صالح احمد العلي ، خطط البصرة ص 132).
ومما هو جدير بالذكر ان بناء الحمامات في البصرة لم ينفرد به الرجال فقط بل كان للمرأة البصرية دور في ذلك ايضًا واطلاق اسمائهن على تلك الحمامات اذ عثرنا على ثلاثة حمام وهي : حمام ريطه بنت زياد بن ابيه ، وحمام لبابه بنت اوفى الجرشي التي اذن لها في بناء حمامين احدهما في اصحاب القباء والآخر في بني سعد .
(البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 348)
لقد كانت حمامات البصرة تدر ارباحًا طائلة على اصحابها ودون البلاذري مذاكرة جرت بين ابي بكره وابنه مسلم وقد طلب منه اذا ما اخبره بسر فعليه كتمانه حتى عن اخوانه قال فأني افعل ، فأخبره انه يحصل ارباحًا من حمامه في كل يوم الف درهم اضافة الى الطعام الذي نعته بأنه كثير وفي رواية اخرى انها تدر عليه في كل جمعة الف درهم وكري حنطة ، (البلاذري ، انساب الاشراف ، 2 / 148) ، ثم ان مسلمًا مرض فأوصى الى اخيه عبد الرحمن بن ابي بكره واخبره بأرباح حمامه فأفشى ذلك .
فكان ذلك سببًا بأسراع الناس الى بناء الحمامات بالبصرة حيث كثرة الطلبات التي كانت تقدم الى والي البصرة وقد حصلت الموافقة عليها .
(فتوح البلدان ، 348)
ويبدو لي ان الرقم الذي ذكره البلاذري بشأن الايراد اليومي لحمام مسلمه بن ابي بكره والبالغ الف درهم يوميًا او في كل جمعة فيه مبالغة ولكنه يدل على كثرة الارباح التي كان يحصل عليها صاحب الحمام آنذاك.
كما ان اهتمام اهل البصرة منذ القدم بالحمامات يعكس اهتمامهم بالجانب الصحي ويوضح مدى انتشاره بينهم ، وشدة حرصهم على النظافة كما انه يبين اهتمام السلطة الادارية بالبصرة على النظافة ورعايتها ومتابعتها لهذا الجانب وهذا ينعكس من خلال عدم السماح ببناء الحمامات الا بعد موافقة والي البصرة.
ان النصوص التي اشرنا اليها من اذن الخليفة او الوالي ببناء الحمامات في البصرة تدل على ان ذلك كان في زمن الامويين وانه لم يستمر في العصر العباسي غير انه لا توجد معلومات عن الحمامات في العصر العباسي (صالح احمد العلي ، خطط البصرة ، ص 133).
المصادر والمراجع
البلاذري ، احمد بن يحيى بن جابر ت 279 هـ / 892 م
• انساب الاشراف ، تحقيق سهيل زكار ، رياض زركلي ، ط 1 ، دار الفكر ، دمشق ، 1996.
• فتوح البلدان ، عني بمراجعته رضوان محمد رضوان ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1978.
الجاحظ ، ابي عثمان عمرو بن بحر ت 255 هـ.
• البرصان والعرجان والعميان والحولان ، تحقيق محمد مرسي الخولي / ط 5 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1992.
السامرائي ، ابراهيم
• اشتات بصرية ، منشور ضمن كتاب ماسينيون ، خطط البصرة وبغداد ، ط 1 ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1981.
ابن سعد ، محمد بن سعد بن منبع ت 230 هـ
• الطبقات الكبرى ، ط 1 ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، 1996.
العلي ، صالح احمد
• خطط البصرة ، ط 1 ، مطبعة المجمع العلمي العراقي ، بغداد ، 1986.
ابن الفقيه ، ابي بكر احمد بن محمد
• مختصر كتاب البلدان ، ط 1 ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، 1988.
وكيع ، محمد بن خلف بن حيان ت 306 هـ
• اخبار القضاة ، مراجعة سعيد محمد اللحام ، ط 1 ، عالم الكتب ، بيروت ، 2001.
ياقوت الحموي ، شهاب الدين بن عبد الله ت 626 هـ / 1228 م
• معجم البلدان ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، 1979.