شهدت الجزيرة العربية اواخر القرن السادس الميلادي بشائر حدثاً كونياً ترك اثره على المجتمعات البشرية على بعدي الزمان والمكان ، ذلك هو الولادة المباركة لفجر الوجود سيدنا محمد ابن عبد الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حيث كان ميلاده نوراً شعّ في السماوات والارضين .
لقد امتاز ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بكونه النبي الامّي الذي ارسل الى البشرية كافة ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) بل ارسل الى جميع المخلوقات ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) حيث شكلت دعوته حتى الجن بينما نجد سائر الانبياء السابقين كانوا انبياء قوميين كلٌ ارسل الى قومه .
اما الميزة الثانية للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فكانت استمرارية العمل بشرعيته على بعدي الزمان والمكان فهي الشرعية على بعدي الزمان والمكان فهي الشرعية الخالدة الى يوم القيامة بينما كانت الشرائع السابقة خاضعة للنسخ .
كانت ولادته الشريفة ايذاناً بتغير شامل للأنسانية حيث كان الظلم والجهل هما السائدان على البسيطة فجاءت دعوة النبي الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لوضع نهاية لذلك ( انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) .
الا ان النبي الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يخل عن وجود من يناصبه العداء وقد تباينت اساليب اعداءه والتي من بينها تشويه سيرته العطرة ، فدونت سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بشكل لا يليق حتى بالناس العاديين ، وكان لذلك التشويه اسباب عدة ، منها ما جاء من باب الصراع الاسلامي ـ اليهودي ، او الاسلامي ـ النصراني ، ومنها ما اريد من السيرة لتصليح افعا الخلفاء والامراء ، فنسب للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) افعالاً لا تصح كأمره بقطع الايدي والارجل وأمره بقتل الاسرى ، او سماعه للغناء ومشاهدته لمشاهد الرقص والجواري ، او استجابته للشيطان الرجيم في ادخال ما ليس من القرآن ، والسجود عند ذكر الاصنام ، وسب وشتم الآخرين بلا حق ، وغيرها .
ومنها ما جاء اثر الصراع الاسلامي ـ اليهودي ، او الاسلامي ـ النصراني ، كالروايات التي اشارت الى ميلاد النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث كاد ان لا يولد وذلك في القصة التي حكت عن نذر عبد المطلب ورجوعه لكهان والاحبار والاصنام لإنقاذ ولده ، ثم تلقي الروايات بظلالها على والد النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي تصوره ساعياً وراء الفواحش لرتكابه الزنا ، وما ان ولد النبي( صلى الله عليه وآله وسلم )حتى ارسله جده الى البادية في قصة توضح مدى الاستهانة بشخص النبي( صلى الله عليه وآله وسلم )والطعن فيه حيث رفض كل النسوة اخذه لارضاعه ولم يبق الا حليهة السعدية التي اخذته رغماً عنها لانها لم تجد من تأخذه للرضاعة سواه ، وهناك في مضارب بني سعد عمل النبي راعياً لاغنام حليمة السعدية وعلى مدى خمس سنوات ، وبينما هو يرعى الغنم اذ خرج عليه رجلان فشقا بطنه واخرجا منه علقة سوداء اشارة الى الدنيا او الذنوب ثم ما تلبث ان تصوره الروايات راعياً لاهل مكة حتى انتشلته السيدة خديجة فعاش عيالاً عليها وعلى اموالها .
ان هذه الروايات اليهودية الصبغة ارادت ان توضح ان النبي موسى ( عليه السلام ) ارادته النساء للرضاعة لكنه رفض ذلك ، اما النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فالنسوة هن اللائي رفضن ارضاعه ، وما دام النبي موسى ( عليه السلام ) رعى الاغنام ، فلا بد ان يكون النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) راعياً للاغنام ايضاً ، ولاجل تفسير رعي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للاغنام وضوا على لسانه انه قال : ما من نبي الا ورعى الغنم ، مع ان هذا الكلام لم يصح ، ولكن اين رعى النبي الاغنام هل في مضارب بني سعد ؟ فهل اخذته حلية لترضعه ام لتجعله راعياً وهو ابن خمس سنوات ؟ ! ام انه رعى الاغنام في مكة الوادي الذي لا زرع فيه وهي ارض جبلية لذا توجه اهلها للعمل التجاري ؟ !
وما نجده في الاسراء والمعراج حيث اشارة الروايات الى ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اسري به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم الى السماء ، اذن فالنبي لم يعرج به من المسجد الحرام الى السماء بل من المسجد الاقصى وفي هذا دلالة على افضلية المسجد الاقصى على المسجد الحرام حسب الفكر اليهودي ، لقد اراد الفكر اليهودي ان يجعل من حادثة الاسراء والمعراج حادثة واحدة مع ان القرآن الكريم اوردهما منفصلتين فالاسراء في سورة الاسراء والمعراج في سورة النجم ، وبعد ملاقاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لله تعالى وعودته ولقاءه بموسى ( عليه السلام ) الذي سأله عن ما فرضه الرب عليه وهو خمسين صلاة في اليوم والليلة ، فكان الفضل لموسى ( عليه السلام ) ان صيرها خمس صلوات في اليوم والليلة ! .
وبسبب الصراع الاسلامي ـ النصراني وضعت روايات تطعن بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كالرواية المشهورة حول بعثته الشريفة ، ورجوعه لرجل نصراني يقال له ورقة ابن نوفل الذي انقذ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حسب الرواية من حيرته ومحاولته الانتحار حيث اوضح له انه اصبح نبياً ، اذن فالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) استلم نبوته من ورقة ابن نوقل .
ولما كان القرب من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعطي مكانه في الوسط الاسلامي ، لذا وضعت الكثير من الروايات كرواية ارضاعه من قبل امرأة تدعى حليمة السعدية من قبيلة بني سعد ، وزواجه الذي اوصلته الروايات لاربعين امرأة ، وكتاب الوحي الذين اوصلتهم الروايات الى ( 46 ) كتاباً وغيرها ، بل ان بعض الروايات اشارت لشك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في نبوته حيث كان كلما تأخر عنه الوحي توقع انه تركه ونزل على آل فلان ، وان الله لو لم يختاره نبياً لأختار فلاناً .
ان اعادة النظر في هذه الروايات وامثالها والتي دسّت في فكرنا الاسلامي امر مهم جداً في الوقت الحاضر وذلك لتصحيح كثير من الافكار التي بنيت على هذه الروايات المزيفة ، وان ذلك يعد من باب اداء شكر المنعم ، فإن الفضل الذي اسداه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى البشرية لا يعدله فضل ابداً حيث اخرجها من الظلمات الى النور ، مضافاً الى ذلك ان سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تعد سنة واجبة الاتباع ، ويجب الاخذ بها حرفياً ( ما آتاكم الرسول فخدوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ، لان ما ياتي به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منه سبحانه وتعالى ( وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحيٌ يوحى ) .
ان ما يحصل اليوم في العراق من قبل اناس يدعون الانتساب الى شريعة النبي الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانهم يعملون طبقاً لشريعته ، جاء نتيجة هذا التزييف في الروايات والتي صوّرت السيرة النبوية بصورة ليست هي الصورة الحقيقية للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإن اعادة النظر في هذه الروايات وتحقيقها وبيان السبب الذي من اجله وضعت هذه الروايات ، دعوة نوجهها الى المفكرين الذين يحملون على اكتافهم وفي عقولهم المعنى الصحيح للانسانية .