لا تاريخ بلا وثائق
الدكتور جواد كاظم النصر الله
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
تختلف الرؤية الى أحداث الماضي ( التاريخ ) أيجاباً وسلباً ، فما هو التاريخ ؟وما أهميته وهل علم ؟ ام لا ؟ وما اَلية البحث فيه ؟ يقال ان التاريخ هو التجربة البشرية ولكي تستمر البشرية في تطورها لابد لها من ادراك هذه التجربة ، اذ ان عدم ادراكها يعني ان على كل مجموعة بشرية البدء من جديد ، وهنا تكمن اهمية التاريخ .
فالتاريخ هو علم الذي يعني بدراسة تطور المجتمعات البشرية في الماضي ، واختلف هل ان التاريخ هو احداث الماضي ام العلم الذي يعنى بدراسة احداث الماضي ، وخرج د . مصطفى زريق بالرأي القائل ان ان الحدث في الماضي يطلق عليه تاريخ اما دراسة الحدث فيطلق عليه تأريخ ( بالهمزة ) فمعركة بدر بذاتها هي تاريخ اما دراسة اسباب المعركة واثارها ونتائجها فهو تأريخ ( بالهمزة ) .
وهل التاريخ علم ؟ هذه مسألة كثر الخلاف حولها والذي عليه دارسوا التاريخ انه علم لانه يقوم على الدراسة والتحري القائمة على النقد والتمحيص للوصول الى حقيقة التأريخ انتهاءً بوضع قوانين للتاريخ .
ما موضوع التاريخ ؟ انه المجتمعات البشرية في الماضي ، اذاً فهو ملزم بدراسة الانسان في الماضي حصراً ولا علاقة بدراسة الحيوان والنبات والجماد في الماضي هو محور دراسة التاريخ سواء كان سياسة ام اقتصاداً ام فكراً ام فناً او أي شى اَخر ، في الوقت الحاضر تجد هناك متخصص في كل جانب من جوانب حياة الانسان اما في الماضي فلا تجد الا التاريخ يتناول كل ماضي الانسان ، ولكن كيف ؟ ومن اين يستفني دارسي التاريخ معلوماتهم عن الماضي ؟ وخاصة الماضي البعيد ؟ لا يمكن لدارس التاريخ ان يدرس حدثاً واحداً الا بالاعتماد على نص يثبت وقوع هذا الحدث ، ولقد اصطلح على تسمية هذا النص بأسم الوثيقة ، والوثيقة هو ما ترك من مختلفات الماضي يشير الى وقوع حدث ما في زمن ما ، وهذه الوثيقة قد تختلف من زمان لاخر ومن مكان لأخر .
فعندما نرجع للعصور السحيقه وعظامه وادواته التي كانه يستخدمها ، وما ينقشه من رسوم وعلامات على الطين الى ما يتركه من نقوس تذكارية على المسلات والمنحوتات الاثرية ، وحينما نريد دراسة الانسان في الفترة التي ظهرت بها الدعوة الاسلامية والتي انتشرت من الحجاز الى العالم يوم ذاك شرقاً وغرباً في زمن قصير جداً ، ياترى ما الوثيقة التي من خلالها تثبت لك صحة كل ذلك ، ان الوثقية تكمن عنصر مهم جداً في دراسة تاريخ هذه الفترة انها ( الرواية ) فالرواية التاريخية تعد الوثيقة الاهم والأكثر مادة في التغبير عن ماضي الانسان في هذه الفترة حتى بلغت هذه الروايات مئات الألوف ، الا ان هذه الوثيقة من ناحية المصداقية اقل شاناً من الوثائق الاخرى وخاصة المادية ، فوثيقة التاريخ القديم ( مخلفات الانسان في الماضي ) أكثر مصداقية من الروايات التاريخية التي جائتنا عن الفترة التي تسمى بالعصور الاسلامية لان هذه الروايات تفسر وعبر لنا عن علاقة الراوي بالحدث بشكل كبير جداً ، وبالاضافة للراويات التاريخية نجد في المختلفات المادية وثائق عن هذه الفترة ، كالاثار المتروكه من بقايا المدن والقصور والمساجد والعمائر الاخرى ، مضافا لذلك تجد الازياء واللهجات والاطعمه والمشروبات وثائق توضح مدى ما وصل اليه أي مجتمع من المدينة ومن جانب اخر تشير الى مدى التأثير بين المجتمعات .
أهم الوثائق
أهم الوثائق على المستوى الكمي هي تلك النصوص التي يتم تحريرها في المؤسسات الحكومية قديماً وحديثاً ويتم حفظها في أرشيف خاص ، فهذه الوثائق تقدم معلومات مهمة واكثر مصداقية من غيرها ، ونلاحظ ان ابن الكلبي حين كتب مؤلفاته عن المناذرة فقد اعتمد على سجلات وجدت لدى ملول المناذرة ، والمهداني لما الف مؤلفيه الاكليل وصفة جزيرة العرب انما اعتمد على سجلات تعود لمملوك حمير ، وتعد مؤلفات الجبهشياري وابن حوقل اكثر صحة ومصداقية لا عتمادها على سجلات المؤسسات الحكومية .
من هنا كانت الحاجة تستوجب أنشاء مركز لجميع الوثائق عن مدينة البصرة ، فكان مركز وثائق البصرة الذي تمكن من جميع اكبر عدد ممكن من الوثائق عن مدينة البصرة سواء من دوائرة محافظة البصرة او عن مدينة البصرة التابعة لها حتى جمع ( 900 ، 000 ) تسعمائة الف وثيقة تعود الى القرن التاسع عشر والعشرون للفترة من ( 1989 ـ 2002 ) بالاضافة لعدد من المصادر المهمة وخاصة بعض المذكرات الشخصية ، الا ان التغير الذي شهده العراق في شهر نيسان من عام 2003 م وماحل بالعراق من تدمير لم يكن مركز وثائق البصرة بمنجاة منه ، ولاسباب متعددة ولظروف مختلفة كان على هذه الوثائق ان لاتبقى يد التداول حيث تم احراقها بالكامل مضافاً لاحراق المكتبة أيضاً ، لقد كان احراق هذه الوثائق فاجعة كبرى وخسارة عظمى للبصرة واهلها وللتاريخ ، ولكن الاكثر الماً انه لحد الان لم يتخذ أي اجراء ومن قبل أي جهة لمعالجة الامر ، ولم يستثر هذا الموضوع الخطير حتى دارسو التاريخ والمعروف انه يوجد في جامعة البصرة قسماً لدارسة التاريخ في كلية الاداب والتربية مضافاً لوجود كلية لدراسة التاريخ وهي كلية الدراسات التاريخية ، والذي زاد في الالم اكثر هو من قبل بعض الأساتذة الذين حصلوا على درجاتهم العلمية بفضل وثائق هذا المركز فلم يفكروا حتى بزيارته فضلاً عن التفكير بأرجاع ما بحوزتهم من وثائق اليه ، او على أقل تقدير استنساخ هذه الوثائق لكي يستفيد منها الاخرين بل الادهى والامر ان هذا المركز هو الوحيد الذي ليس لديه بناية مستقلة ، وحينما قامت جامعة البصرة بحملة بناء واعمار ، الذي يشمل كليات ومراكز بعضها لديها بنايات فأما مركز وثائق البصرة لم يحسب له ادنى حساب ، فلم يكن له حظ من البناء ولا حتى ان يعمر له أي بناية من البنايات الموجودة والذي استخدم معه مسمار جحا كاداة للضغط بين الحين والاخر ، ان كل ذلك كان من الاسباب التي حالت دون اداء المركز لمهماته في حفظ تراث البصرة ودراسة احوالها كافة ، واكتفى المركز بأن يكون مصدراً استشارياً فقط لمن يرغب بمعرفة شيء عن ماضي البصرة ولكن بحدود ضيقة وذلك لقلة الكفاءات العلمية المختصة بأحوال البصرة في المركز ، اذا فأذا اردنا ان نكتب عن احوال البصرة المعاصرة بشكل دقيق وصحيح فلا بد من الايجابيات والسلبيات وعالجتها وذلك يكون بالاعتماد على وثائق ماضي البصرة ، وبما ان هذه الوثائق لم يعد لها وجود في مركزنا فلا بد من اعادتها جميعاً من جديد ، وهذا يتضمن دعماً معنونا ومالياً من الجهات المختصة في مدينتنا مدينة البصرة وبالتعاون مع بعض المنظمات لمحاولة اعادة جمع هذه الوثائق وخاصة تلك الوثائق الموجودة في المملكة المتحدة ، أن اعادة جمع هذه الوثائق الموجودة سيسهل المهمة على دراسي احوال البصرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والفكرية وغيرها لتقديم دراسات موضوعية تنفع في معالجة مشكلات مدينتنا ، لذا فأن مركز دراسات البصرة يناشد ابناء البصرة الغيار على بذل كل مالديهم من جهود لتنفيد هذا المشروع .
|
|
|
|