بطولة المرأة المسلمة
أما المرأة المسلمة فقط اعتمدت ببطولتها على انسانيتها فقد بعد ان تبوأت مكانتها السامية في الاسلام على حسابها الخاص وعلى كونها انسانة كالرجل المسلم وهو انسان لها ما له وعليها ما عليه وان اختلفت عنه بالوظائف والتكاليف التي وزعت على البشر كل حسب ما تتطلبه فطرته ويقتضيه تكوينه . ولهذا ولكونها في الصعيد العام انسانة كالرجل برزت شخصيتها لامعة وضاءة وسجلت لها في التاريخ ذكراً عطراً كأروع ما تسجله انسانة مستقلة لها عقيدتها ورسالتها السماوية . وقد عرفت المرأة المسلمة قيمة النصر الذي احرزته والمستوى الرفيع الذي ارتقت اليه بعد ان قضت عصوراً عاشتها وهي في مهملات التاريخ ، ولهذا فقد سعت جاهدة للعمل على اثبات كفاءتها لذلك . وكان في كثرة النساء المبادرات للإسلام أصدق دليل على ما حمله الاسلام للمرأة المسلمة من خير وصلاح ، وما هيأ لها من محل رفيع ، وفعلاً فقد سجلت المرأة المسلمة في التاريخ الاسلامي أروع صفحات كتبتها بالتضحية والفداء ، وخطتها بدماء الآباء
والابناء بعد أن أكد الاسلام على اعتبارها في الصعيد الانساني كأخيها الرجل لا أكثر ولا أقل فكما أن بطولة الرجل المسلم كانت في مجالين وفي اتجاهين في مجال التضحية والجهاد وفي مجال حمل فكرة الدعوة ، كانت بطولة المرأة المسلمة أيضا في المجالين مجال التضحية والفداء ومجال حمل فكرة الدعوة . وفي كلا الصعيدين كانت تعمل كانسانة لا كانثى .
بطولة المرأة في ميدان حمل الدعوة
أما في ميدان حمل الدعوة فقد شهدت المرأة المسلمة في صدر الاسلام الحروب والوقعات وجهدت على أن تبرهن بمواقفها البطولية تلك كونها تعمل للاسلام على أساس من انسانيتها . التي أقرها لها الاسلام ولها الحق في الدفاع عن الرسالة التي تدين بها . وتاريخ المرأة المسلمة يحدثنا عن بطلات ضاهين في بطولتهن الرجال واقتحمن لظى الحروب غير هيابات ولا وجلات . وهذه احداهن وهي نسيبة بنت كعب بن عمر بن عوف الانصارية وقد كانت سيدة جليلة القدر كبيرة القلب عالية الهمة رفيعة الروح ، وقد اسلمت في اوائل من اسلم وما ان خرج زوجها غزية بن عمرو وابناها حبيب وعبد الله الى أُحد حتى خرجت معهم متطوعة مختارة وفي أُحد كانت تقوم بفعاليات مهمة فهي تسقي العطشى وتداوي الجرحى وتطبب المرضى . وفي مرة خرجت في اول النهار كعادتها لتسقي جرحى الحرب من المسلمين فانتهى بها
المطاف الى رسول الله وهو في اصحابه والنصر للمسلمين ، فلما أنهت مهمتها وعادت لاحظت ان النصر قد جانب المسلمين فانحازت الى رسول الله ، فلما انهزم المسلمون أخذت بالسيف وجعلت ترمي بالقوس بين يدي رسول الله حتى وصلت اليها الجراح وذلك لما ولى الناس عن رسول الله ، وقد اقبل ابن قميئة وهو يصيح دلوني على محمد فلا نجوت ان نجا ، فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه وقد كانت نسيبة ام عمارة فيهم فضربها وضربته على ذلك ضربات ولكنها لم تصبه لانه كان قد تدرع بدرعين من حديد . وقد حدثت نسيبة عن وقعة أُحد فقالت : انكشف الناس عن رسول الله فما بقي إلا نفر لا يتممون العشرة وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه والناس يمرون منهزمين.
ورآني رسول الله لاترس معي فرأى رجلا موليا ومعه ترس فقال لصاحب الترس : الق ترسك الى من يقاتل فالقى ترسه فأخذته وجعلت أتترس به عن رسول الله . هذا ما روته أم عمارة عن موقفها في أحد وعن موقف الرسول منها واهتمامه بأمرها وهي تذود عنه مع القلة من الرجال وقد استمرت نسيبة بمهمتها تداوي وتطبب وتقاتل عندما تدعو الحاجة الى ذلك ، حتى جرح ابنها عبيد بن زيد وجعل دمه يسيل وهي لاهية عنه بقتال الاعداء حتى نادى رسول الله ابنها فقال : اعصب جرحك فتنبهت الى ابنها واقبلت اليه ومعها عصائب قد اعدتها للجراح فربطت جرحه والنبي واقف ينظر اليها .
ثم قالت لابنها بعد ان انتهت من تضميد جراحه انهض يابني فضارب القوم فجعل النبي يقول : ومن يطيق ما تطيق أم عمارة ثم اقبل الرجل الذي ضرب ابنها فقال رسول الله هذا ضارب ابنك قالت نسيبة فاعترضت له فضربت ساقه فبرك قالت فرأيت رسول الله يبتسم حتى رايت نواذجه وقال استقدت يا أم عمارة ثم اقبلوا يعلونه بالسلاح حتى أتوا على نفسه فقال النبي الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك من عدوك وأراك ثأرك بعينك . وفي رواية ان رسول الله كان يقول : لمقام نسيبة يوم خيبر خير من مقام فلان فلان . وكان الرسول يراها يوم أُحد وهي تستبسل بالجهاد وقد شدت ثوبها ومئزرها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً وكان رسول الله يذكر شجاعتها ويقول اني لأنظر الى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها . وكان اعظم جراحها وقد داوته سنة ولم يمنعها جراحها هذا عن السعي الى خوض غمار الحرب عندما نادى رسول الله الى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم وأعياها الخروج فباتت ليلتها وهي تداوي جراحاتها المتعددة . فلما رجع رسول الله من الحمراء ارسل اليها عبيد الله بن كعب المازني يسأل عنها فرجع اليه بخبر سلامتها ففرح بذلك ، وكأنه كان قد افتقد مكانها مع المجاهدين هناك فأراد ان يطمئن على سلامتها وان يشجعها ويرفع من معنوياتها وان يبين لها أن قلبه الكبير ورسالته السماوية تتسعان لكل من نذر قلبه للاسلام ، وانها بجهادها
ذاك حازت عند ربها درجة المجاهدين الابرار . وقد روي عن الرسول انه قال يوم أُحد ما التفت يمينا ولا شمالاً الا وأنا أراها تقاتل دوني . هذه هي نسبية في صدر الاسلام وهذه آيات بطولتها وجهادها بين يدي رسول الله (ص) وهي مندفعة وراء عقيدتها الخالصة وهذا هو موقف الرسول الاعظم من المرأة المسلمة وحتى بعد الرسول لم تكن جذوة الحماس الديني لتخمد في صدر نسيبة وقد أضاءها في جوانحها رسول الله ورسالته الخالدة فقد شهدت قتال مسيلمة باليمامة وتطوعت للجهاد وللدفاع عن العقيدة الاسلامية وأبلت في تلك الوقعة بلاءً حسناً وجرحت أحد عشر جرحاً وافتقدت يدها في تلك الوقعة كما فقدت ولدها أيضاً وهي صابرة محتسبة لم تهن ولم تنكل وأنى لها ان تنكل او تتراجع وهي التي واكبت سير الرسالة منذ فجرها الاول ونذرت نفسها لقضيتها العادلة منذ شهدت بيعة الرضوان مع القلائل الذين شهدوها وهي التي روي عنها انها أتت النبي فقالت ما أرى كل شيء الا للرجال وما ارى النساء يذكرون فكان ان نزلت الآية الكريمة « ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الى آخر الآية » وبهذا اثبتت ان للمرأة المسلمة في الاسلام شأناً ومقاماً ينص عليه القرآن الكريم وما كانت نسيبة لتندفع هذا الاندفاع الثوري وتقوم بهذه التضحيات الجسام لو لم يقر لها الاسلام حقوقها كاملة في الحياة ولو لم يساو بينها وبين الرجل على صعيد انساني واحد
ولو لم يخلق لها الاسلام الجو الذي مكنها من أن تلعب دورها البطولي فيه على اساس انساني فنسيبة امرأة ونساء قريش نساء أيضاً ولكل من نسيبة المسلمة والمرأة القريشية الكافرة قلب امرأة وعاطفة انثى ومع هذا فقد خرجن القريشيات الى القتال مع أزواجهن ليضربن الدفوف ويذكين فيهم الاحقاد ويحملن مراود ومكاحل فاذا تكعكع أحدهم ناولنه اياها وقلن له أنت امرأة . خرجت نسيبة المسلمة وغيرها من المسلمات ليقاتلن ويطببن ويداوين ويثبتن حين يفر الرجال وقد روت ام عمارة عنهن قالت رأيتهن يوم أحد وقد ولين منهزمات مشمرات وهن يتبعن الرجال المنهزمين على الخيول على اقدامهن فيسقطن في الطريق فأي روح هذه التي جعلت من نسيبة داعية مسلمة تقاتل مع النبي حتى تجرح وتقاتل بعده حتى تقطع يدها وجعلت نساء قريش يضربن الدفوف ثم يولين الادبار منهزمات انها روح الاسلام وما يهبه للمسلمات من معنويات عالية . أعلى الله مقام أم عمارة ورزقها الخلد موئلاً ومقاماً وجعلنا ممن يقتفين آثارها ويهتدي بهداها وجعل من المجتمع الاسلامي الحاضر مجتمعاً اسلامياً واقعياً يمكن المرأة المسلمة الواقعية من القيام بمهمتها كمسلمة وجعل المسلمات كامهاتهن في مطلع الاسلام جديرات بتحمل مسؤولية الدعوة للاسلام والحفاظ عليها . وهذه بطلة ثانية وهي نسيبة بنت الحارث الانصارية وكانت تعد من فواضل نساء عصرها ومن خيرة نساء الصحابة ، وقد غزت مع رسول الله في أكثر
غزواته تمرض وتداوي وتقوم برسالتها كمسلمة على أروع وجه وأبهاه . وكان تمريض مرضى الحرب وتطبيق جرحاه يعد في ذلك العصر الذي لم تكن وسائل العلاج المستحدثة موجودة فيه يعد ضرورة من أهم ضرورات الحرب ومقوم من مقومات انتصارها وصمودها أمام الاعداء ، فلولا وجود المطبب والمداوي لتلاشى الجيش ولا نشغل كل جندي بأخيه وبصديقه ورفيقه . ولهذا فقد أسهم لها رسول الله سهم رجل تقديراً منه لموقفها البطولي وتشجيعهاً لها ولغيرها من المسلمات على مساندة الدعوة والقيام بما يقوين عليه من أعمال وتضحيات . فالاسلام لايريد ان يعزل المرأة المسلمة عن الدعوة ولا يريد ان يقعد بها عن مواكبة سير الرسالة وهو يعلم ان المرأة عضو فعال في كل مجتمع ولا يمكن للمجتمع الاسلامي ان يعيش وقد شل أحد أعضائه ولهذا فنحن نرى ان الرسول الاعظم كان يعني بالمتطوعات من المسلمات ويسهم لهن رجل ... ومن النساء المسلمات اللواتي شهدن الوقعات مع رسول الله يداوين ويطببن معاذة الغفارية وأم منيع بنت عمر بن عدي بن سنان وهند بنت عمر بن حرام وأمية بنت قيس بن الصلت الغفارية وقد روي عن أمية هذه ان قالت جئت رسول الله في نسوة من بني غفار فقلنا انا نريد ان نخرج معك الى خيبر يارسول الله نداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا فقال رسول الله على بركة الله قالت فخرجنا وقمنا بواجبنا في الجهاد نعم هكذا كن النساء