تقارير المفتشين الادرايين مصدرا لدراسة تاريخ البصرة المعاصر ( 1933 ـ 1958 )

الاستاذ كاظم باقر علي

 هذا البحث محاولة تهدف الى توجيه الانظار نحو نوع معين من أنواع الوثائق الحكومية الرسمية ، وهو تقارير المفتشين الاداريين الخاص بالبصرة ، وتهدف ايضًا الى التعريف بجهاز التفتيش الاداري من خلال اجهزته وانظمته وقوانينه ، فضلا عن توضيح مضامين التقارير ، ومحتوياتها بوصفها مصدرًا مهمًا من مصادر دراسة تاريخ البصرة للمدة الواقعة بين عامي 1933 و 1958.
 أي من ظهور قانون التفتيش الاداري حتى قيام ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق.
 اصبح العراق خلال الحرب العالمية الاولى خاضعًا الى ((ادارة المناطق المعادية المحتلة اسوة بجميع اجزاء الامبراطورية العثمانية)) التي احتلتها بريطانية خلال الحرب والتي كانت تابعة الى الادارة المدنية المرتبطة بحكومة الهند (1) لذلك اختفت الادارة العثمانية بعد الاحتلال البريطاني للعراق ، وحل محلها تطبيق نظام الحكم الهندي سواء في التنظيم ام الادارة حتى اصبح نظام الحكم والادارة بريطانيا الى حد كبير (2) اما في عهد الانتداب البريطاني واقامة الحكم الملكي في العراق عام 1921 فقد صار نظام الحكم محددًا ببنود المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1922 وتعديلاتها بعدئذ ونتيجة لذلك اصبح عدد المستشارين المدنيين كبيرًا ، كما كان لبريطانيا الكثير من المستشارين العسكريين وعدد من المفتشين الاداريين في مختلف مفاصل الادارة العراقية سواء في بغداد ام البصرة ، ميناء العراق الحيوي وغيرهما من الالوية العراقية (المحافظات) ثم اعادت بريطانيا النظر في البناء الاداري بما يوافق مصالحها ، بحيث تألف العرق من 14 لواء (محافظة) و 47 قضاء و 141 ناحية (3) شملت جميعها بالتفتيش الاداري ومن هنا يتضح مقدار الجهد البريطاني الاستعماري في الهيمنة على مقدرات العراق السياسية والاقتصادية والادارية آنذاك.
 وبعد ان الغيت وظائف المشاورين ومعاونيهم في الالوية عام 1923 اسست في وزارة الداخلية ((مفتشية ادارية عامة)) في العام نفسه ، قوامها رئيس مفتشين ، ومفتشون اداريون يعينون حسب الحاجة ويقوم مستشار وزارة الداخلية بوظيفة رئيس المفتشين فضلا عن وظيفته الاصلية على ان يكون مقر المفتشين الدائم ببغداد ، ثم يرسلون للتفتيش حسبما تقتضيه الظروف وتراه وزارة الداخلية مناسبًا (4).
 لقد حدد نظام التفتيش الاداري لعام 1923 وظائف المفتشين الاداريين في قيامهم بالتفتيش ورفع التقارير عن جميع الامور المتعلقة بالامن العام وتنفيذ القوانين ، ومعرفة اسباب زيادة الجرائم ، ورفع المقترحات لاستئصال شأفتها ،وتوزيع افراد الشرطة واستخدامهم في البلاد ، والاطلاع على امور العشائر والمسائل المتعلقة باسكانهم ، وعلى كيفية حسم منازعاتهم استنادًا الى نظام دعاوى العشائ ، وكذلك رفع التقارير عن السجون وانتخابات المجالس النيابية والادارية والبلدية ، وامور البلديات وميزانياتها واعمال المجالس الادارية ، وامور الصحة والبيطرة والزراعة وتدقيق سجلات احصاء النفوس ومعاملات الاستملاك والمباني الاميرية ، ودراسة احتياجات الري والسدود وجميع الامور الادارية المعهود بها الى الموظفين الاداريين حسب الانظمة والقوانين والامور الصادرة من الوزارات ، مع ابداء الرأي بشأن الاصلاحات التي يراها المفتشون مناسبة لتحسين الحالة الادارية ورقي البلاد (5).
 ويتضح مما سبق ، تشعب وظائف المفتشين الاداريين ، بحيث خولهم نظام التفتيش الاطلاع على مفاصل ادارية كتيرة ، وتفتيش الألوية المعنية وكتابة التقارير عنها وارسالها الى وزارة الداخلية لاتخاذ الاجراءات اللازمة بشأنه.
 ولغرض فهم محتويات التقارير ينبغي التطرق هنا بايجاز الى صلاحيات هؤلاء المفتشين ، حيث خول النظام المذكور المفتشين الاداريين صلاحيات واسعة منها تفتيش الدوائر المالية كافة ، وصناديق الاموال وفحص طرائق تخمين الواردات وجياية الاموال الاميرية المستحقة الدفع ، مع التحقق من قيام موظفي المالية والجباية في الالوية بالاعمال المنوطة بهم كما خول النظام انف الذكر المفتشين ايضًا صلاحية تفتيش جميع دوائر الحكومة والبلديات عدا المحاكم الجزائية والحقوقية والشرعية والدينية والدوائر التي لها هيئة تفتيش خاصة ، وفي الوقت نفسه ، كانت لهم صلاحية تفتيش هذه الدوائر اذا طلبت وزارتهم ذلك كما ينبغي ان يستشير المتصرفون (المحافظون) في الالوية المفتشين الاداريين ، اذا كانوا حاضرين في مناطقهم وبخاصة في المسائل المتعلقة بالامن العام .
 واستعمال القوة المسلحة وجميع المسائل الخاصة بالامور الخارجية ، وفي الحالات السريعة والاضطرارية (6).
 وخول المفتشون ايضًا صلاحية مساءلة الموظفين عن اجراءاتهم بشأن أي قضية ، اذا وجدها المفتشون مضرة بمصالح الحكومة او الاهالي ، وعلى الاخرين اخبار الموظف الاداري بذلك ، حيث يخبر القائمقام عن اعمال مدير الناحية والمتصرف عن اعمال القائمقام ، ووزارة الداخلية عن اعمال المتصرف ، وللمفتش الاداري صلاحية سحب يد الموظف من العمل ، في حالة اكتشافه أي عمل يضر بمصالح الحكومة ، وله اسداء الرأي وبيان النصيحة للموظف الاداري اذا طلب ذلك منه ، وغيرها من الصلاحيات الاخرى (7).
 ولو اردنا معرفة اسماء المفتشين الاداريين الذين تولوا مهمة التفتيش في البصرة لعثرنا على اسماء عدد من البريطانيين ، تولوا وظائف تفتيشية في الادارة والمساحة والشرطة وغيرها ، وقد ورد مثلا ، اسم الميجر ولسن (Wilson) مفتش لواء البصرة الاداري، وكذلك ار هذرلي (R.Heatherly) او ما سمي في حينها الكاتب السري للمفتش الاداري وناظر دائرة متصرف البصرة (8) كذلك ورد اسم المفتش البريطاني أي ، اس ، بري (E,S.Berry) الذي انتهى عمله في البصرة عام 1928 ، وجاء من بعده ار ، اف ، جاردين (R.F.Jardine) الذي باشر بوظيفته في 7 ايلول من العام ذاته (9).
 علمًا ان الوية البصرة والعمارة والمنتفك كانت تشكل منطقة تفتيشية واحدة اذ يقوم المفتش الاداري المعين عادة بزيارة هذه الالوية تباعًا ورفع التقارير عنها ، ولهذا جاءت بعض المعلومات الخاصة بلوائي العمارة والمنتفك ضمن تقارير مفتشية البصرة والحال ذاته مع تفتيش الألوية الاخرى ، اذ قسم العراق عام 1933 الى خمس مناطق تفتيشية ، تولى الميجر ولسن انف الذكر مهمة تفتيش لوائي الموصل واربيل ، وتولى الكابتن كوان امر تفتيش الوية كركوك والسليمانية وديالى اما تفتيش الوية بغداد والكوت والدليم فقد عهد به الى عبد المجيد اليعقوبي ، في حين تولى عمر نظمي تفتيش الوية الحلة والديوانية وكربلاء ، ونشأت بك السنوي مهمة تفتيش الوية البصرة والعمارة والمنتفك (10).
 ولو استعان البحث بمعلومات دليل المملكة العراقية لعام 1936 ، لوجد اسماء بعض المفتشين الاداريين مرتبة حسب حروف الهجاء ، وهم وكيل رئيس الهيئة التفتيشية للمنطقة الاولى في الموصل امين خالص ، ومفتش المنطقة الرابعة في الديوانية بدري السويدي ووكيل رئيس الهيئة التفتيشية للمنطقة الثالثة في بغداد عبد الله المظفر ، ورئيس الهيئة التفتيشية للمنطقة الثانية في كركوك الكابتن س.أ.ج كوان (11) انف الذكر.
 واذا عدنا الى نظام التفتيش الاداري فسنجد ان هذا النظام لم يستمر طويلا اذ صدر بد ً لا عنه قانون التفتيش الاداري الجديد وقد اوضحت رئاسة التفتيش الاداري في 7 كانون الاول عام 1933 ماهية القانون وشرحت محتوياته وطلبت من المفتشين المعنيين القيام بزيارات تفتيشية عامة واحدة استنادًا الى النقاط الواردة فيه (12) علمًا ان التفتيش كان يجري بواقع مرتين في العام الواحد ، وبمواعيد تكاد تكون ثابتة ، اذ يحدد المفتشون في الاعم الاغلب مواعيد الزيارة مسبقًا بالتنسيق مع رؤساء الوحدات الادارية بعد اخباره بكتب رسمية محددة.
 واذا قارنا بايجاز بين محتويات القانون الجديد ، ونظام التفتيش انف الذكر فسنجد ان القانون الجديد لم يختلف كثيرًا من حيث المحتوى والجوهر عن نظام التفتيش الملغى الا في بعض الاضافات البسيطة والتوضيحات الخاصة بشؤون العشائر وعلاقتها بالسلطة ،وقيام الموظفين بواجباتهم وامور البلديات والحالة العمرانية والشركات الوطنية والاجنبية ، والدعايات المضرة بالحكومة ، وكذلك شؤون الصحف ، وغيرها من المسائل الادارية والاقتصادية مع زيادة في صلاحيات المفتشين الاداريين (13).
 وهكذا يتضح ان المفتش الاداري كان ملزمًا في الاجابة عن جميع الفقرات الواردة في القانون الجديد ، وتقديم المعلومات المطلوبة الى المراجع المختصة ، ولذلك جاءت معلومات هذه التقارير واسعة وعلى قدر من الشمولية والاحاطة لانها غطت جوانب ادارية واجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها الكثير وهنا يبرز مقدار الجهد الذي كان يبذله المفتشش الاداري في الكتابة عن معظم هذه الامور التي يجدها المهتم في التقارير المذكورة ، والتي سيحاول البحث اخذ نماذج وعينات منها ، وتوضيح محتوياتها بوصفها مصدرًا من مصادر تاريخ البصرة المعاصر.
 لقد توالت التوجيهات والتوضيحات على المفتشين الاداريين بغية تحديد واجبات الاشراف والياته ، غير ان كورنواليس (مستشار وزارة الداخلية) ، كان له رأي مغاير تمامًا لطبيعة ومهام التفتيش الاداري اذ انه لم يكن مرتاحًا للطريقة التي يجري فيها تحديد مواعيد زيارات المفتشين الى رؤساء الوحدات الادارية في الالوية لان تحديد مواعيد الزيارة مرتين سنويًا واخبار الموظفين بمواعيدها ، سيجعل المهملين من الموظفين يتقاعسون باعمالهم في اثناء الفترات بين الزيارة والاخرى ، وسيتخذون ما يلزم لسد نواقصهم قبل وصول المفتش الاداري الى وحداتهم الادارية ويرى كورنواليس أن كثيرًا من نتائج التفتيش تتأتى من عناصره الفجائية ، الامر الذي يجعل الموظفين يقومون بواجباتهم خير قيام اذا علموا ان اعمالهم عرضة للتفتيش في كل ((لحظة)) وكذلك تتحسن اعمال المفتشين انفسهم اذا ما قاموا من حين لاخر بتفتيشات متواصلة ومفاجئة لانهم سيقفون على ما يجري في البلاد ويعلمون بمناحي النواقص اينما وجدت ، ونتيجة لذلك قدم اقتراحًا مفاده ، ان يسمح لرئييس المفتيشن الاداريين بارسال المفتشين الاداريين للقيام بجولات تفتيشية خاصة ومفاجئة متى ما اراد ذلك او عندما تستدعي الظروف (14).
 ومهما يكن امر هذا المقترح ، فان وزارة الداخلية سارت على المنوال السابق ذاته القائم على تحديد مواعيد زيارات المفتشين لرؤساء الوحدات الادارية ومنها البصرة وحول الصدد ذاته اصدرت وزارة الداخلية اوامرها الى المفتش الاداري لالوية البصرة والعمارة والمنتفك ، في القيام بالدورة التفتيشية العامة الثانية للعام 1934 قبل حلول 15 حزيران من العام نفسه ابتداء من لواء العمارة ثم البصرة واخيرًا المنتفك مراعيًا المنهج العام ، وتفتيش الامور المالية واللواء بكامله ، وعدم تجزئة الوحدات الادارية التابعة الى اللواء الواحد بغية تقديم تقارير تفتيشية كاملة (15) ثم اصدرت وزارة الداخلية توضيحاتها بشأن تحديد ماهية التفتيش مرة اخرى في تعليماتها وقالت بأن وظائف المفتشين الاداريين بمقتضى القانون المذكورهي ((تفتيشية صرفة)) ، وعارية عن كل صبغة للاستشارة ، ثم حددت الوزارة طبيعة العلاقة بين المتصرفين والمفتشين الاداريين بقولها : وان كانت قد اصبحت وظيفة المفتشين وظيفة تفتيشية لا غير ، فانه لا يفهم من هذا بأن المفتشين الاداريين لم تبق لهم صلة بالموظفين الاداريين وفي الحقيقة ان هؤلاء المفتشين وان لم يعودوا مستشارين الا ان ماهية مهامهم في طورها الجديد هي ((التفتيش الصرف)) ، الامر الذي يلقى على عاتق الموظفين الاداريين واجب تسهيل قيامهم بهذه المهمة وقد دعت الوزارة المفتشين الى ضرورة اخبار الوزارة بكل ما يترتب عليها من واجبات خدمة لتقدم البلاد وفي الوقت عينه دعت المتصرفين الى ضرورة تزويد المفتشين بكل المعلومات المطلوبة (16).
 ولكي نفهم اهمية معلومات هذه التقارير ، ينبغي ان نوضح ان التفتيش الاداري كان يولي اهمية واضحة لتفتيش اعمال ( قلم التحرير) وقيود الصادرة والواردة ، والاطلاع على كيفية مسك السجلات المذكورة وتوزيع الكتب الرسمية على الشعب المختصة وحفظ نسخ الدائرة بعد اصدارها هذا فضلا عن اطلاع المفتش الاداري على كيفية حفظ المخابرات السرية والرمزية ايضًا (17).
 الامر الذي يجعل المطلع على هذه التقارير على قدر واضح من المعلومات الخاصة بآلية العمل الاداري اليومي وتسيير دفة الدوائر الحكومية وتنظيم سجلاتها وبذلك يمكن متابعة التطور الاداري في البصرة من خلالها.
 أما بشأن كفاءة المفتشين الاداريين العراقيين الذين تولوا قيادة هذا الجهاز الاداري ، فليس هناك معلومات متوفرة تسعف البحث ، ولكن يتضح من خلال ما سجلوه في تقاريرهم من معلومات بانهم كانوا على قدر واضح من الكفاءة الادارية فقد وصفهم كورنواليس انف الذكر مثلا ، بانهم كانوا من ((اعاظم كبار الموظفين)) (18) ، مشيرًا الى مقدرتهم الادارية الرفيعة ، ولذلك لم تكن المعلومات التي ثبتوها بتقارير عادية ، بل كانت معلومات قيمة ومفيدة عالجت جوانب كثيرة ومتعددة ، ومع ذلك ينبغي ان تؤخذ هذه المعلومات بحذر وروية وبخاصة المعلومات السياسية التي سيحاول البحث الاشارة اليها كل ما أمكن ذلك ، لانها تمثل وجهة نظر السلطة الحاكمة انذاك وبالنظر لسرية معلومات هذه التقارير ، فقد وضعت في خزانات حديد (قاصات) مقفلة ، واودعت مفاتيحها لدى رئيس المفتشين الاداريين والمفتشين الاخرين (19) ، كلا حسب منطقته التفتيشية.
 ثمة سؤال يتبادر الى الذهن هو كيف وصلت هذه التقارير الى مركز وثائق البصرة وللاجابة عن ذلك نقول ، انه بمبادرة طيبة من المركز المذكور تم جمع وثائق متصرفية البصرة والبلدية والاوقاف وبعض من وثائق مصلحة الموانىء العراقية واودعت في المركز لغرض افادة الباحثين والمهتمين بهذه الثروة العلمية (20) الكبيرة.
 ولعل الملاحظة التي ينبغي تسجيلها هنا ، هي ان الوثائق المعنية بالبحث المحفوظة في مركز وثائق البصرة ترقد في ملفات حملت ارقام عدة مما يدل على انها صنفت أكثر من مرة ويختلف حجم الملفات باختلاف اعداد الصفحات التي تحتويها وقد تفاوتت اعداد صفحات التقارير المحفوظة فيها ، فبعضها كان في صفحة واحدة او صفحتين ، في حين بلغ عدد صفحات بعض التقارير 20 صفحة وقد يحتوي الملف تقريرًا واحدًا او أكثر ، تبعًا لطريقة التصنيف او كما جاءت اصلا من وثائق المتصرفية في حين جاءت بعض التقارير كاملة ابتدا ء من الصفحة الاولى المثبت عليها عادة العدد والتاريخ وانتها ء باسم وتوقيع كاتب التقرير.
 وجاءت بعض التقارير ناقصة او احيانًا على شكل اجابة عن موضوع معين ، بينما وردت احيانًا مقتبسات من تقارير محددة ، ارسلتها وزارة الداخلية الى متصرفية البصرة للاجابة عنها ، كما جاءت احيانًا على شكل اسئلة طرحها متصرف البصرة على رؤساء الدوائر التابعة له كالبلدية والشرطة والصحة والمعارف (التربية) وغيرها للاجابة عن قضية معينة وبذلك شكلت هذه المقتبسات مادة مكملة لموضوع تقارير المفتشين الاداريين بالبصرة ، غير ان تلك التقارير لم تغط جميع المدة موضوع البحث ، وذلك لضياع بعضها وتلف البعض الآخر منها بسبب تقادم الزمن فعلى سبيل المثال ، لم تتوفر تقارير بعض سنوات الثلاثينيات ، كما لم تتوفر مثلا ، تقارير عامي 1941 ـ 1942 ومن المحتمل ان تكون اعمال السلب والنهب التي حدثت في البصرة ، وعرفت محليًا باسم ((الفوهود)) اثر احداث مايس 1941 في البصرة وراء فقدان بعضها (21).
 وقد يعلل هذا النقص في تقارير بعض الاعوام ، بسبب صدور قانون اتلاف الاوراق الرسمية الخاصة رقم 33 لسنة 1942 اذ كان هذا القانون سببًا في اتلاف الكثير من الوثائق ، فضلا عن ذلك فأن الاتلاف المذكور كان يخضع لامزجة الاشخاص واجتهاداتهم وقد اتلفت بعض الوثائق فعلا على يد لجان شكلت في الدوائر الرسمية بالرغم من ان القانون نص على تعيين طبيعة الاوراق التي تتلف او التي يحتفظ بها (22) ومع كل تلك النواقص ، فقد توافرت في المركز المذكور ثروة وثائقية لا يستهان بها.
 لقد كتبت هذه التقارير على الالة الكاتبة وبلغة عربية سلسة ومفهومة مما يدل على ثقافة كاتبيها واطلاعهم الواسع على شؤون البصرة وتوابعها ، اما مصادر مادة هذه التقارير ، فقد جاءت نتيجة المشاهدة الحية والجولات الميدانية واتصال المفتشين بالاهالي ، وببعض الشرائح الاجتماعية والاستماع الى آرائهم وشكاواهم ، اضف الى ذلك ان بعض المفتشين أمضى في منصبه أكثر من أربعة اعوام مثل امين خالص ، اذ سبق له ان اصبح متصرفًا للبصرة هذا فضلا عن اطلاعهم على البيانات والاحصائيات الرسمية المتوافرة وعلى المعلومات التي كان يقدمها رؤساء الوحدات الادارية والموظفون الاخرون في اللواء واجاباتهم عن كل ما يطلب منهم.
 والحق شكلت محتويات هذه التقارير مادة وثائقية غنية بالمعلومات لمن يتصدى لدراسة تاريخ البصرة الاداري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمدة موضوع البحث اذ جاء في تقارير المفتشين اسماء رؤساء الوحدات الادارية ، الذين تولوا مناصب ادارية مهمة في نواحي واقضية البصرة مثل مديري النواحي وامناء الصناديق ومأموري المال ورؤساء البلديات ، ومعلومات اخرى عن مباشراتهم بوظائفهم ورواتبهم فعلى سبيل المثال وردت معلومات عن اسم مدير ناحية المدينة وامين الصندوق وغيرهما من الموظفين ، وجاءت معلومات اخرى عن اسماء العشائر القاطنة فيها ، واشار التقرير الى ان عشائر المدينة تتكون من فرق وافخاذ مختلفة ، سكن القسم الاكبر منها داخل الناحية ، وسكن القسم الاخر الاهوار المجاورة ، وان اقتناءهم الاسلحة المختلفة كان بدرجة متوسطة (أي بشكل معتدل) واشار التقريرالى عدد نفوس كل عشيرة وسلاحها واسماء رؤسائها واختياريتها (المعروفين منهم) والشخصيات البارزة في الناحية (23) كما وردت معلومات مماثلة عن ناحية السويب ، اذ ذكر المفتش الاداري ان لعشائر هذه الناحية اهمية كبيرة في قضاء القرنة منذ القدم ، وكان لها نفوذ وسيطرة تامة على المنطقة ولرؤسائهم من الشيوخ هيمنة قوية على عشائرهم وفي متابعة امورهم واعمالهم ، والحكم بينهم كما يشاء الشيخ ، دون معارض غير ان تلك السيطرة اصبحت ((أثرًا بعد حين)) واندثرت سلطتها عندما بزغ ((فجر الحكومة الوطنية في العراق)) حيث انكمشت سيطرة العشائر وقد ذكر التقرير اسماء رؤساء العشائر البارزين في السويب واعدادهم وانواع الاسلحة التي يقتنونها (24) ، وهي اشارة واضحة الى هيمنة الحكومة على امور الناحية انذاك وقد وردت معلومات مماثلة عن اسماء عشائر ناحية السيبة ورؤسائهم وسراكيلهم ومخاتيرهم ، واسلحتهم واعداد نفوسهم موزعين ذكورًا واناثًا ، والحال نفسه مع ناحيتي شط العرب والفاو (25) اما ابو الخصيب فقد وردت عنه معلومات جغرافية عن موقع القضاء وحدوده والقرى التابعة له ، واشار التقرير الى وجود 19 قرية تتبع المركز (مركز ابي الخصيب) بدءًا من بلد سلطان وانتهاء بمناوي لجم ، وقد بلغ نفوس القضاء عام 1936 (23969) من الذكور ، و ( 14444 ) من الاناث .
 وبشأن سكان ابي الخصيب ، ذكرت بعض الوثائق ان أهالي هذه القرى لا ينتسبون الى عشيرة ما وانما يعدون من اهالي المدن ، وانهم ساكنون بهذه القرى لقربها من بساتين النخيل العائدة لهم ويمكن الوصول الى هذه القرى بالسيارات.
 أما قرى ناحية السويب ، فقد بلغ عددها 14 قرية ، وشط العرب 25 قرية (26) وهذا يرجع الى خصوصية التكوين الطبوغرافي للمنطقة.
 ويلاحظ المتتبع لهذه التقارير وجود معلومات اقتصادية لنواحي البصرة واقضيتها ، فقد أشار التقرير مثلا الى الموارد الطبيعية في ناحية المدينة ، المتمثلة بزراعة النخيل وتربية المواشي والجاموس وبيع القصب وصيد الاسماك ، وتستفيد الحكومة من انتاج كل نخلة سنويًا 75 فلسًا تقريبًا ، والماشية 300 فلس ، والجاموسة الواحدة 7 دنانير ، وعن كل صياد سمك 750 فلسًا شهريًا ، أما الصناعة في المدينة فلا تتعدى عمل حصران القصب والجولان (وهو نبات ينمو على شواطيء الانهار) ، وبيعها على التجار في بعض الالوية أما السويب فلا توجد فيها موارد طبيعية عدا التمور ، وتأتي زراعة النخيل بالمرتبة الاولى الى جانب زراعة الحنطة والشعير والشلب (الرز) والذرة ولا توجد فيها صناعات جديرة بالذكر ويصنع بعض المعدان ، (وهم سكان الاهوار) ، البواري والحصران من القصب والجولان ، ويتعاطى بعضهم الحياكة البسيطة (27) وليس في ابي الخصيب موارد طبيعية وصناعية واضحة ، فالاهالي كانوا وما يزالون مهتمين بانشاء بساتين النخيل ، ويعد النخيل في ابي الخصيب المورد الرئيس الذي يعتاش الاهلون منه وأوضح التقرير الذي يعود لعام 1936 ان السكان كانوا فيما مضى في ترف ورغد من العيش ومنذ بضع سنين (والكلام للمفتش) ، ساءت حالتهم الاقتصادية لهبوط اسعار التمور ، وتوقف رواجها في الاسواق الخارجية (28) وفي ذلك اشارة واضحة الى الاثار السلبية التي تركتها الازمة الاقتصادية العالمية ( 1929 ـ 1933 ) في الحياة الاقتصادية للعراق عامة والبصرة بخاصة وما رافقها من هبوط اثمان المحاصيل الزراعية المصدرة الى الاسواق العلمية وكثرة البطالة (29) وقد اشارت صحيفة (الرقيب) البصرية الى اثار تلك الازمة عندما تحدثت عن الوضع الاقتصادي في البصرة عام 1936 بقولها : ((ما زالت التمور العراقية (واقفة ) في اسواق اوربا وامريكا ، وهي مكدسة في المخازن وليس لها مشتري وقد هبطت اسعارها في الايام الاخيرة هبوطًا يخشى على التجار منه ... )) (30) الامر الذي يؤكد ركود تجارة البصرة.
 وأفادتنا التقارير بأهم الصناعات في الزبير ومنها ، عمل الجص وغربلة الحصو وصناعة الثلج وصنع السودا والسيفون (وهما من المشروبات الغازية) وكذلك اللحيم بالاوكسجين وتصليح السيارات أما الصناعات المحلية فلا تتعدى الدباغة والصباغة والحياكة والخياطة وتصليح الساعات والراديوات والنجارة والحدادة والسراجة وعمل المواد الجلدية والبناء (31) ، الامر الذي يدعو الى الاستنتاج ، بان الوضع الاقتصادي في الزبير كان أكثر نموًا ونشاطًا من نواحي البصرة وبخاصة في مجال توافر الاعمال والحرف والصناعات المحلية البسيطة.
 ولا تخلو تقارير المفتشين من ذكر بعض جوانب الحالة السياسية في البصرة فقد أشار احدها مثلا الى ان ناحية المدينة سبق لها ان ((ثارت)) على الحكومة العثمانية ولم يدفع سكانها الضرائب المفروضة عليهم ، غير ان الحكومة المذكورة ارسلت اليهم قوة كافية وفرضت عليهم غرامات مالية اخذت عنوة ، واستطاعت الحكومة العثمانية ان تعيد الهدوء والسكينة ، وهم الان (أي عام 1936) لا يوجد لديهم ما يدعو الى الاخلال ((بالسلام العام)) (32) كما وردت معلومات عن الحالة السياسية في ابي الخصيب اذ أشار التقرير الى ان اهالي هذا القضاء بعيدون عن السياسة وليس بينهم من تحدثه نفسه بالاشتغال بها والانتماء الى احزابها وقد وصفهم التقرير بانهم هادئون ومطيعون لقوانين الحكومة ومشغولون بتعمير بساتين النخيل التي هي المورد الاساس لمعيشتهم (33).
 ويبدو أن كاتب التقرير لم يكن دقيقًا بوصف الوضع السياسي في قضاء ابي الخصيب ، حيث شارك عدد من ابناء القضاء في اضراب البصرة عام 1931 مثل عبد القادر السياب وعبد الحافظ الخصيب وغيرهما ، وحكم على البعض منهم بالسجن والغرامة وافرج عن البعض الاخر (34) ، لذلك لم يشر الى الاضراب المذكور في الوقت الذي تطرق فيه الى ثورة اهالي المدينة على العثمانيين التي مضى عليها اكثر من ثلاثين عامًا من ذلك التاريخ ( أي من عام 1936 ) * مع اعتراف المفتش بوجود احزاب سياسية دون ان يشير الى ذكر اسمائها.
 أما الحالة الثقافية وطرق المواصلات في القضاء المذكور ، فقد اشار التقرير الى تأخرهما ودعا المسؤولين الحكوميين الى ضرورة بذل الجهود لتلافي النقص في المدارس ، وضرورة الاهتمام بفتح وتعبيد طرق المواصلات الداخلية في الاقل.
 واوضحت التقارير اوضاع المباني الحكومية ودرجة عمرانها وحاجتها للترميم وبخاصة مراكز الشرطة والدور الحكومية (35) ، التي يبدو أنها كانت قديمة ، وبعضها متهدمة وآيلة الى السقوط ، وبعضها الاخر كانت في أبنية مؤجرة من الأهالي كما في ناحيتي الهارثة وشط العرب وضمت التقارير معلومات وافية عن الموظفين والادارة المحلية في ناحية الفاو وعن البلدية والشرطة ودائرة الاستهلاك المعنية بجمع الرسوم الحكومية ، وعلوة الاسماك فيها فعلى سبيل المثال وردت احصائية بعدد الاسلحة التي يقتنيها الافراد في الناحية المذكورة واعدادها وانواعها ، التي بلغت 25 مسدسًا و 156 بندقية نوع مارتين وبندقية واحدة انكليزية و 14 بندقية تركية و 60 بندقية صيد ويبدو ان هذه الارقام تمثل عدد الاسلحة المجازة رسميًا وهناك احصائية اخرى بعدد الجرائم وانواعها عام 1949 ، اذ اشار التقرير الى وجود 4 جرائم سرقة في الفاو وجريمة قتل طفل واحدة وكذلك زنا ورشوة وبهذا يكون مجموع عدد الجرائم المسجلة رسميًا سبعًا اما نسبة الجريمة في الناحية قد بلغت واحدًا الى ثلاثة الاف تقريبًا (36) ، واشار التقرير نفسه الى ان هناك مدرسة ابتدائية واحدة للبنين في الناحية واخرى في قرية الدورة أما الحالة الصحية ، فقد ذكر التقرير ان الاهالي يراجعون مستشفى الميناء ، وهو الذي يداوي المرضى ، وقد تراوح عدد المراجعين بين 70 ـ 80 مراجعًا يوميًا (37) ، ووردت معلومات مماثلة عن الحالة الصحية في ناحية المدينة وعن الشرطة وحالة الامن فيها واشار التقرير الى ان نسبة الجريمة الى عدد النفوس تساوي 5 بالعشرة الاف تقريبًا (38) وهناك معلومات اخرى عن ناحية الزبير ، ولعل مشكلة التهريب كانت هي المشكلة المهمة التي أولتها التقارير جل عنايتها ، بسبب موقع الزبير قرب الحدود السعودية والكويتية ويجد القارئ عرضًا لهذه المشكلة والمقترحات الخاصة بالحد من حركة التهريب ، اذ اشار التقرير مثلا الى ان 90 % من سكان الزبير يمارسون التهريب وان كانت هذه النسبة تقديرية ويجد المطلع على هذه التقارير مقترحات ومعالجات للحد من التهريب ، منها ، انتقاء وتعيين موظفين مشهورين بالعفة والنزاهة ، والاكثار من المفتشين ، وتزويدهم بسيارات مسلحة وابعاد افراد العشائر التي تتعاطى التهريب ، واخذ كفالات وضمانات نقدية من الاشخاص المشتبه بهم (39) ، الى غيرها من الامور التي تعالج تلك المشكلة.
 وحظيت اوضاع البصرة الاقتصادية باهتمام المفتش الاداري، اذ جاء في احد التقارير الصادرة عام 1950 بان الازمة الاقتصادية التي استولت على الحالة التجارية وسواها من الاعمال الحرة في العام المذكور ، قد أثرت تأثيرًا سيئًا في البيوت المالية الامر الذي اربك الوضع المعاشي حتى للعمال واصحاب المهن القليلة الموارد ، وأشار التقرير الى ان البصرة تأثرت بها ، ولكنها ـ حسب رأي المفتش الاداري ـ كانت أقل وطأة على العمال لتوافر مجال الاشتغال في شركة نفط البصرة ، التي باشرت بأنشاء محلات سكنية وصفت بانها ((جسيمة وكبيرة)) في منطقة الفاو ووجود فرص العمل في الميناء والسكك الحديد ، والشركات التجارية الاجنبية الاخرى كاندروير ، وتحميلات الاطعمة (أي اعمال الشحن والتفريغ) ، وعلى أية حال فان العمال يعيشون بحالة أفضل من معيشة الاخرين في الالوية الاخرى ، اما الاسواق التجارية المحلية ، فقد دعمها الكساد وذلك بالنظر لضعف دخل العامل ، الامر الذي جعل أكثر التجار عرضة للتدهور المالي وبالتالي الافلاس ، وقد عزا المفتش المذكور ذلك التدهور الى كثرة الاجازات التي منحت مؤخرًا الى من حشر نفسه بين التجار ، الامر الذي أدى الى دخول اناس بعيدين عن السلك التجاري وبالتالي تدهور السوق التجارية تدهورًا كبيرًا (40) وقد لخص المفتش الاداري في فقرة اخرى من تقريره صورة الوضع الاقتصادي في البصرة بعد اتصاله بعدد من التجار والمستوردين والمصدرين ، الذين أجابوا بأن سبب ذلك التدهور الاقتصادي والكساد في الاسواق التجارية ، إنما يعود الى دخول الحكومة السوق التجارية في استيراد بعض المواد المهمة من الخارج مثل السكر والاطارات والمنسوجات القطنية ، ومنع استيراد الشخاط ومعلبات الحليب والطماطة (ولعله معجون الطماطة) ، الامر الذي أدى الى خسارة عدد كبير من التجار الذين لديهم كميات من السكر ، الذي كلفهم الطن الواحد 117 دينارًا في حين ان الحكومة عرضت ما لديها من السكر في الاسواق بسعر 96 دينارًا للطن الواحد (41).
 ووردت في التقارير معلومات عن المؤسسات الصحية في البصرة ، وعن شحة الأدوية الموزعة على المراكز الصحية ، ويجد الباحث اجابات رئيس الصحة في البصرة وتعليلاته ، وابراز جهوده في سبيل اكمال نواقص الأدوية (42) وهناك معلومات عن السجون واحوال السجناء واطعامهم ، ومعلومات اخرى عن نفوس مدينة البصرة ، حيث بلغ عدد نفوس المدينة عام 1950 ـ 97091 نسمة وكان عدد الذكور والاناث 74630 ، 49461 على التوالي ، أي ان عدد الاناث اكثر من الذكور في البصرة بفارق 25169 نسمة ويبدو ان زيادة عدد الاناث على الرجال يعد امرًا غريبًا ، لان البصرة مدينة تجارية مفتوحة للسكان ويتردد الوافدون والمهاجرون اليها ، الذين يكونون عادة من الذكور ، وفي الاعم الاغلب ان بعضهم كان لا يصطحب زوجته وقدم التقرير احصائية بعدد الجرائم وانواعها المسجلة رسميًا في البصرة وهي 13 جريمة قتل عمد و 12 خطأ و 7 شروع بالقتل و 69 سرقات و 10 شروع بالسرقة و 4 رشوة و 11 إختلاس و 3 خطف و 5 هتك عرض و 4 أمن داخلي و 7 إيذاء ، واغتصاب واحدة ، و 3 خيانة امانة ، وجريمة واحدة لكل من التهديد بالسلاح ، والتزوير ، وحيازة اموال مسروقة ، وزنا وبذلك بلغ عدد الجرائم بانواعها 153 جريمة وان نسبتها العامة للسكان تساوي 15 ، 00 % وتعد هذه الحالة أمرًا طبيعيًا بالنسبة لمدينة حضرية نامية تعج بالوافدين سنويًا (43).
 وفي التقارير معلومات عن تفتيش صحة لواء البصرة ويجد المهتم فيها احصائيات عن عدد المراجعين لمستشفى البصرة والمركز الصحي بالعشار فضلا عن ارزاق السجناء وعدد الموقوفين (44) مرة اخرى ، الى غير ذلك من الامور الواقعة ضمن صلاحيات المفتش الاداري.
 وتساعدنا التقارير موضوع البحث في فهم طبيعة واردات وضرائب مركز اللواء ، التي تأتي من مركزي استهلاك العشار والخندق وكذلك معرفة تخصيصات انشاء الطرق والجسور واكساء طلاب المدارس فضلا عن معلومات اخرى تخص مجلس اللواء والجمعيات الاهلية والنوادي التي بلغ عددها 16 (45) جمعية وناديًا ، والمبالغ الموزعة عليها من المالية التي تراوحت بين 50 ـ 200 دينار تبعًا لنوع الخدمة التي تقدمها كل جمعية أو ناد.
 ويمكن التعرف على اوضاع التعليم في البصرة من خلال هذه التقارير حيث وردت معلومات عند تفتيش مديرية معارف (تربية ) البصرة في عهد مديرها توفيق العينه جي ، وقد لخصت تلك المعلومات اوضاع التعليم ، حين اشارت الى قلة المعلمين في تغطية حاجة المدارس بسبب قلة التعيين ، وتطرق أحد التقارير الى شواغر بعض المدارس الابتدائية والثانوية ، وعن حاجة متوسطة القرنة مثلا الى مدرس رياضيات ، وعن نية مديرية المعارف في فتح مدرسة متوسطة في المعقل (الميناء) عام 1951 لتلبية حاجات مناطق الجبيلة والمعقل والهارثة (46)
 اما معلومات تقارير عام 1952 وما بعدها فقد جاءت اكثر تفصيلا الامر الذي يدل على تطور وضع التفتيش الاداري وتشعب مهامه ، ويتضح ذلك من خلال تعليمات وزارة الداخلية الموجهة الى المفتشين الاداريين ورغبتها في زيادة صلاحية المفتشين وفي الوقت ذاته توسيع دائرة الجهات التي ينبغي على المفتش دراستها ورفع التقارير عنها ، فقد طلبت الوزارة منهم ضرورة الاعتناء بدراسة موضوعات تخطيط المدن وتصاميمها المقترحة ، ورفع التقارير عنها اينما وجدت مؤسسة بلدية ، فضلا عن مشاريع تصريف المياه القذرة وكذلك مصلحة الاطفاء وامور النقل العام ، و ((المصالح المستعملة)) في نقل الركاب ضمن حدود اللواء ، واخيرًا الاذاعة وكيفية استلام برامجها ومدى وضوح ارسالها وعناية المستمعين بها والمواضيع التي تبثها ، ودعت الوزارة الى ضرورة الاجابة عن هذه الفقرات لما لها من أهمية في تنظيم الشؤون الاجتماعية والصحية والبلدية في العراق (47).
 وفي ضوء التعليمات المشار اليها ، حوى التقرير الخاص بابي الخصيب مثلا ، اكثر من تسع عشرة فقرة ابتداء من وصف حدود مركز القضاء وعدد السكان والمعاملات المالية والمؤسسات الصحية واسماء المدارس البالغة 13 مدرسة ما بين اولية وابتدائية ومدرسة متوسطة واحدة في ابي الخصيب الى المواصلات والتسوية والمحاكم وانتهاء بالادارة المحلية واعمالها ومشاريع مجلس الاعمار والمبالغ المخصصة للضاء ومشاريع الري (48) وبالامكان مقارنة هذه المعلومات بمعلومات السنوات السابقة لمعرفة مدى التطور أو الاخفاق الذي قد اصاب بعض الدوائر الحكومية في القضاء ، وحوى تقرير المفتش الاداري لمدينة البصرة معلومات على قدر من الاهمية عن الواردات المالية لمراكز استهلاك البصرة ، وقد حدد التقرير النقص الناتج في واردات استهلاك مركزي العشار والخندق انفي الذكر ، وعزا ذلك النقص الى قلة انتاج التمور والى منع تصدير اثمار وخضروات ذلك العام.
 كما لاحظ التقرير وجود بقايا مبالغ مالية بذمم المكلفين ، الامر الذي يستدعي بذل الجهود لتحصيلها ووردت اجابات بعض المسؤولين الحكوميين ومقترحاتهم الخاصة بشأن زيادة واردات ضريبة الاستهلاك وفي التقارير معلومات مفيدة عن رئاسة بلدية البصرة والقروض التي حصلت عليها واجازاتها المتمثلة بانشاء 672 دارًا، وبناء السوق والمجزرة المصرية وتشييد اربعة جسور وتبليط وتوسيع بعض الشوارع (49) ، ويمكن الافادة من هذه المعلومات في تتبع التطور العمراني للبصرة.
 ولعل ما جاء عن شارع الصيادلة بالعشار المعروف ((بسوق الهنود)) يمثل مدخلا لمعرفة تطور المدينة العمراني ، اذ جاء عن الشارع المذكور انه يمتد من جسر الامير غازي (جسر ساعة سورين سابقا) الى شارع ابي الاسود بالعشار ، الذي يعد من الشوارع الرئيسة حيث تكثر فيه المخازن التجارية على اختلاف انواعها ويشتد في الازدحام وتكثر فيه وسائط النقل وحوادث الدهس ، وقد فكرت بلدية البصرة بتوسيع هذا الشارع الا ان ارتفاع قيمة الاملاك فيه ، جعل المجلس البلدي يفكر بطريقة اخرى وبأقل كلفة ، وهي ان تفتح شارعًا موازيًا للشارع المذكور ، يقابل مركز بدالة الهاتف ، وانشاء ساحة وجسر ، ويمتد الشارع المقترح بخط مستقيم حتى شارع ابي الاسود (50) (وهو ما يعرف بشارع الكويت) واذا حاول البحث تتبع ما جاء بتقارير المفتشين الاداريين من معلومات ، فانه يلاحظ ورود معلومة سياسية عن الهارثة ، اذ وردت اشارة الى وجود بعض الخلايا والاوكار الشيوعية في ناحية الهارثة عام 1952 ولكن يقظة شرطة الميناء قضت على قسم مهم من هذه الخلايا ومروجي حركاتها ومن هنا يستدل على ان المعقل كان يتبع ناحية الهارثة اداريًا وامنيًا.
 اما احوال العشائر في الهارثة ، فقد وصفها التقرير بانها في حالة ((من الهدوء والسكينة)) مشيرًا الى توقف النزاع بين عشيرتي الكرامشة والحمادنة بعد حسم قضاياهما وتسوية ((الفصول)) (أي الديات) بين هاتين العشيرتين القاطنتين في الناحية المذكورة (51).
 وهنا تنبغي الإشارة الى قيام احداث سياسية مهمة في تاريخ البصرة السياسي المعاصر ، منها على سبيل المثال ، اضرابات عمال الميناء المتكررة في الاعوام 1943 ، 1938 ، 1937 الهادفة الى زيادة اجور العمال وتحسين مستواهم المعاشي ، (52) ، وكذلك الاحتلال البريطاني للبصرة عام 1941 وما رافقه من احداث (53).
 ومشاركات ابناء العشائر في الاحداث المذكورة علمًا ان معظم عشائر البصرة واقضيتها ونواحيها اعلنت عن موقفها الصريح في تأييد حكومة الدفاع الوطني عام 1941 (54) ، ثم اضراب عمال شركة نفط البصرة عام 1953 (55) هذا فضلا عن اضرابات ومظاهرات الطلبة عام 1956 ، تأييدًا لمصر وشجب العدوان الثلاثي عليها ، ومع أهمية تلك الاحداث ، فاننا لم نعثر على اصدائها في تقارير المفتشين الاداريين المتوافرة حاليًا في مركز الوثائق في جامعة البصرة ، وان كنا نرجح ان تلك التقارير لم تهمل هذه المعلومات ، وربما تعرضت تلك الوثائق الى الضياع كما اشرنا الى ذلك او ان جهات حكومية كانت قد طلبتها في مدد سابقة للاستفادة من معلوماتها في حين ان وثائق الشرطة و المتصرفية تابعت بعض هذه الاحداث يوميًا وتفصيليًا (56) من وجهة نظر رسمية.
 ومع قلة تلك المعلومات السياسية في التقارير المذكورة فان ذلك لا يقلل من شأن بقية المعلومات الاخرى الواردة فيها.
 واذا عدنا الى متابعة معلومات التقارير فسنجد هناك معلومات جديدة يمكن مقارنتها مثلا ، بالمعلومات الواردة عن ناحية شط العرب عام 1952 وبما يماثلها من معلومات الاعوام السابقة من حيث عدد السكان ، ومخافر الشرطة والمعاملات المالية وحالة المراكز الصحية وانواع المدارس ومواقعها وصفوفها ومعلميها ، والحال ذاته بالنسبة الى الفاو فعلى سبيل المثال ، اشار احد التقارير الى وجود 1562 دارًا مبنية بالطين والقصب في الفاو و 311 صريفة و 11 دارًا مبنية بالطابوق للموظفين ، وهي داخل حدود البلدية وهناك دور كثيرة في الفاو خارج حدود البلدية تابعة للميناء وشركة نفط البصرة وشركة هونداي وقد حددت البلدية اجور النقل في الناحية حسب المسافات ونوع الطرق ، اذا كانت مبلطة او ترابية ، والزمت اصحاب السيارات العمل بموجبها ، والحال ذاته عن موقع ناحية السيبة وقراها ومخافرها ومعاملاتها المالية ، ومواقع وانواع وعدد المدارس وصفوفها ومعلميها ، فضلا عن انواع المحاصيل الزراعية وطرائق اروائها (57).
 وحوت هذه التقارير على تفصيلات دقيقة عن الموجودات المالية في صناديق الدوائر المعنية ، فعندما وصل المفتش الاداري الى مركز ابي الخصيب صباح يوم 19 آب 1952 سجل بخط يده ، بأنه باشر بتفتيش القضاء ، وعد موجودات الصندوق فتبين وجود 3705 دنانير و 298 فلسًا ، وهو المدور المقبوض حتى يوم التفتيش ، أما المدفوعات فكانت 2686 دينارًا و 718 فلسًا وبذلك كان الموجود النقدي في الصندوق البالغ 1018 دينارًا و 580 فلسًا مطابقًا لدفتر المالية (58) وهذا النموذج واحد يوضح صورة تفتيش الامور المالية وهو ما يقوم به عادة المفتش الاداري عند تفتيشه الوحدات الادارية.
 وتعاود تقارير عام 1953 الفقرات ذاتها مع بعض الاضافات عن ناحية الهارثة ايضًا وقضاء القرنة ، وقد حوت معلومات عن الاحوال العمرانية والدعاوى العشائرية وامور الشرطة وقد اقترح المفتش الاداري بشأن النقطة الاخيرة ضرورة زيادة عدد افراد الشرطة في المخافر التابعة لقضاء القرنة ، وبخاصة الواقعة على الحدود لاستتاب الامن ومنعًا للتهريب (59) ويمكن الوقوف على معلومات تفتيشية على غاية من الاهمية عن البلدية والصحة لعام 1953 في القرنة وابي الخصيب والفاو والسيبة والزبير والمدينة ايضًا ، فعلى سبيل المثال ، ورد عن الحالة الصحية في ابي الخصيب بانها جيدة ولا توجد امراض وافدة ، كما لا توجد دعوى عشائرية في مركز القضاء و أن الامن مستتب بصورة جيدة ، وقد زيد عدد افراد الشرطة الى 16 شرطيا ، ولا توجد حركات سياسية هدامة وتوقفت حركة التهريب وقطع دابرها ، لقيام الشرطة والادارة بواجباتهم الرسمية ((خير قيام)) (60) الامر الذي يدل على زيادة هيمنة الحكومة على اوضاع القضاء المذكور.
 ويحتاج القارىء الى معرفة اجابات رؤساء الدوائر عن بعض الاستفسارات او المقترحات ، وذلك للوقوف على احتياجات اللواء ، فقد ذكر عبد الباقي طه السلمان رئيس بلدة البصرة ، ان المدينة (أي مركز القضاء) بحاجة الى مشروع عصري لمجاري المياه الثقيلة ، ولا يجوز تسمية البصرة مدينة ولا تعد من امهات المدن العراقية ـ حسب قوله ـ ما لم تؤسس فيها شبكة لمجاري المياه الثقيلة ،لانها في مستوى سطح البحر ، وعائمة فوق سطح الماء اذ لا يتجاوز عمق المياه الجوفيه في منطقتي الكزارة والسعودية القدم الواحد عن مستوى سطح الارض، وهنا يقترح رئيس البلدية ضرورة احالة هذا المشروع الى شركة اجنبية وقد اشار الى الصدد ذاته ، بانه شاهد مدينة اورلينز في الولايات المتحدة ، وهي تشبه البصرة من حيث كونها بمستوى سطح البحر ففي ايام الفيضان تصبح أوطأ من مستوى النهرالذي يخترقها ، ومع ذلك فالمياه الجوفيه التي كانت مرتفعة في اورلينز ، بحيث كانوا لا يستطيعون دفن موتاهم ، وانما كانوا يشييدون القبور فوق سطح الارض اما الان (والكلام له) بعد ان اسسوا لمشروعي مياه المجاري القذرة والامطار ، فقد هبطت المياه الجوفيه الى عمق يتجاوز العشرة اقدام (61).
 ولم تخل التقارير عن احصائيات بشأن موضوعات معينة مثل ، عدد مراجعي مستشفى البصرة ، الذي يمكن مقارنته بمراجعي الاعوام السابقة وفيما يلي بعض الاحصائيات الخاصة بالاحوال الصحية ، كما جاء في تقرير المفتش الاداري لعام 1955 جدول بعدد المراجعين للدوائر الصحية (62).

عدد المراجعين لمستشفى البصرة عام 1953
عدد المراجعين لمستشفى البصرة عام 1954
عدد المراجعين لمستشفى البصرة لغاية 24 / 4 / 1955
عدد المراجعين لجميع المستوصفات في اللواء عام 1953
عدد المراجعين لجميع المستوصفات في اللواء عام 1954
9838 شخصًا
10490 شخصًا
 538 شخصًا
17510 شخصًا
415346 شخصًا

 ويظهر من خلال هذا الجدول ، زيادة عدد المراجعين لمستشفى البصرة عام 1954 عن العام السابق وقد ُتعزى هذه الزيادة الى تزايد خدمات المستشفى انف الذكر في حين قل عدد المراجعين للمستوصفات كافة عام 1954 عن العام السابق ، ربما بسبب قلة الادوية في تلك المستوصفات ، او لتحسن المستوى الصحي في المناطق المذكورة علمًا ان التقرير لم يوضح اسباب تلك الفروقات.
 وهناك احصائيات اخرى عن عدد المرضى الراقدين في مستشفى البصرة حسب الردهات وعدد المرضى الداخلين في الجناح الخاص ((الخصوصي)) وعدد الاسرة (63) ، لا داعي لذكرها توخيًا للاختصار ويجد البحث في تقارير عام 1955 معلومات اخرى عن ناحية المدينة ايضًا وأفراد شرطتها وعدد الجرائم المحلية لعامي 1954 و 1955 ، ونورد هنا احصائية بعدد الدعاوى المسجلة رسمًا في الناحية :
 جدول بعدد الدعاوي المسجلة رسميًا.

الدعاوي
المسجلة
المغلقة افواج صلح الحكم في
المرافعة
في التحقيق
9 1 1 4 1 2 لا يوجد عام 1954
4 0 1 0 0 0 3 عام 1955

 ويتضح من الجدول اعلاه ، ان دعاوى عام 1955 كانت اقل من دعاوى عام 1954 ، وقد يعزى ذلك الى تحسن الوضع الامني انذاك ، وان الناس كانوا يحلون مشكلاتهم دون مراجعة السلطات الحكومية.
 وهناك معلومات جديدة بشأن امور الصحة والبلدية والمبالغ المدورة في صندوق ماليتها وغيرها الكثير (64) ولعل الملاحظة الجديرة بالذكر هنا ، هي ان المفتش الاداري كان يطلع شخصيًا على سجلات دعاوى العشائر ويدققها ثم يكتب ملاحظاته عنها وقد كتب عن احد هذه السجلات ، بانه لاحظ سجلات العشائر فوجدها ((ممسوكة حسب الاصول)) (65) ، الامر الذي يدل على اهتمام الحكومة بنظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية ومحاولة السير بموجبه في حل المشكلات بين المواطنين ذلك النظام الذي وضعه هنري دوبس منذ شباط عام 1916 في عهد الاحتلال البريطاني للعراق على غرار نظام الدعاوى الجزائية لمناطق الحدود الهندية ، واستمر العمل بموجبه طوال المدة موضوع البحث ، وهو نظام لم يكن في حقيقته غير تطبيق لنظام الحكم الذي أنشأه وطبقه السير روبرت ساندمان في (66) بلوجستان عام 1875 وعلى غرار المعلومات السالفة وضع المفتش الاداري عام 1955 تقارير عن ناحيتي الهارثة وشط العرب وقضائي ابي الخصيب والقرنة وكذلك مركز القضاء (البصرة) ويجد الباحث مثلا ، مقارنات بين عدد دعاوى ابي الخصيب والقرنة لعام 1953 والدعاوى المحسومة منها خلال العام ذاته ، وعلى الغرار نفسه لعامي 1954 و 1955 وذلك لفهم طبيعة الجريمة والوقوف على بعض جوانب الحالة الامنية في القضاءين المذكورين ، ومدى سرعة انجاز المعاملات في الدوائر المعنية (67) وهناك معلومات اخرى عن ناحيتي الفاو والسيبة (68) للعام المذكور ايضًا.
 كما وردت في تقارير المفتشين لعام 1957 فقرات بشأن شراء الاثاث لبعض الدوائر الحكومية في نواحي واقضية البصرة وهي اثاث بسيطة لا تتعدى شراء دواليب وخزانات لحفظ المعاملات وهناك معلومات عن انشاء بناية سراى شط العرب وابنية مراكز الشرطة في بعض الوحدات الادارية بالبصرة فضلا عن ذلك فقد وردت مقترحات لزيادة عدد الابار الارتوازية في الزبير ، وهي معلومات توضح جانبًا من خطة الحكومة في توطين البدو واسكانهم في المنطقة المذكورة وهناك تفصيلات كثيرة في هذه التقارير عن اسماء اللجان وتقدير أقيام الاراضي المستملكة حسب القانون ، ووردت في هذا الصدد معلومات بشأن معاملات الاستملاك في ابي الخصيب ، وتحديد الاسعار السائدة وتأليف لجان التثمين ، فضلا عن معلومات اخرى بشأن استملاك بلدية البصرة لبعض الاراضي لغرض النفع العام وتحويلها الى حدائق عامة ، او انشاء كراجات وحمامات وتوسيع الطرق ، على وفق الطرائق القانونية المعروفة ، وفي الوقت نفسه التحقيق بشأن الاعتراضات على اعمال التعويضات وقد اوعزت وزارة الداخلية في 26 شباط 1957 الى المفتش الاداري داود سلمان بضرورة اجراء تحقيق شامل عن كيفية اجراء هذه الاستملاكات واعمال لجنة التثمين وذلك بناء على اعتراض احد النواب في المجلس النيابي واستجابة لذلك ، قام المفتش المذكور بالتحقيق ، وقد علق على نتيجة التحقيق بقوله : ((أن جميع المعاملات التي جرت في قضاء ابي الخصيب كانت على وفق الاصول والقانون)) (69).
 غير انه بقيام ثورة 14 تموز 1958 سقط النظام الملكي في العراق وأحيل وزراء ذلك العهد إلى التقاعد ، ثم عطل قانون التفتيش الاداري ، وظلت تقارير التفتيش التي كتبها اولئك المفتشون حبيسة ملفات وضعت على الرفوف العالية ، وهي تلخص مرحلة مهمة من تاريخ العراق المعاصر ثم انقطعت زيارات المفتشين الى ان اصدرت وزارة الداخلية في العهد الجمهوري في 5 تشرين الثاني عام 1958 ، أي بعد اكثر من ثلاثة شهور على قيام ثورة الرابع عشر من تموز ، تعليماتها بشأن المهمات الجديدة التي تعترض سبل مهام الادارة، وما ينبغي الاخذ به لرفع مستوى حالة البلاد العامة ، مع ملاحظة وضع الحلول المناسبة لكل المشكلات على اساس المذاكرة والتفاهم مع رئيس الوحدة الادارية (70) ثم أعيد تقسيم الوحدات التفتيشية ، وعين لها مفتشون جدد حيث تولى عارف الطالباني تفتيش الموصل والسليمانية واربيل ، وحسين كبة تفتيش كركوك وديالى أما عبد المجيد كمونة ، فقد تولى تفتيش بغداد والرمادي وكربلاء في حين تولى خليل الراضي تفتيش الحلة والديوانية والمنتفك ، أما بشير حديد فقد كانت حصته تفتيش الكوت والعمارة والبصرة (71) ، وبذلك تغيرت صورة التفتيش الاداري ، وهي خارج نطاق البحث والخلاصة ، تعد معلومات تقارير المفتشين الاداريين مصدرًا أصيلا غنيًا بالمعلومات ، غطت مرحلة تاريخية معينة من تاريخ البصرة الاداري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وغيره ومما يزيد في اهميتها ، اذا حاول المهتم الاستفادة من المعلومات الواردة في تلك التقارير ويقارنها بمعلومات المصادر الاخرى كالصحف والوثائق الاجنبية والكتب الاخرى ، فضلا عن تقاريرالشرطة والبلدية والاوقاف والصحة والميناء وعليه يدعو البحث الى ضرورة الاهتمام بهذه التقارير ورفد مركز وثائق البصرة بوثائق الدوائر الرسمية الاخرى كلما أمكن ذلك ، خدمة للبحث العلمي ، وفي الوقت نفسه ، هذه دعوة موجهة الى الباحثين للافادة من معلومات هذه الوثائق خدمة لتاريخ البصرة المعاصر.

هوامش البحث ومصادره

 (1) كوتلوف . ل . ن ، ثورة العشرين الوطنية التحريرية في العراق ، ترجمة عبد الواحد كرم ، بغداد ، بغداد ص 114 : حميد احمد حمدان التميمي ، البصرة في عهد الاحتلال البريطاني 1914 ـ 1921 1979 ، ص 273.
 (2) : منتشاشفيلي ، البرت . م . العراق في سنوات الانتداب البريطاني ، ترجمة هاشم صالح التكريتي ، بغداد ، 1978 ص 149 ـ 150.
 (3) : المصدر نفسه ، ص 187 .
 (4) : ملفة رقم ( 4269 ) ، انظر نظام التفتيش الاداري المنشور في 15 شباط 1923 .
 المواد 1 ـ 5 علمًا ان البحث استخدم ارقام الملفات وعنواناتها كما مثبت على اغلفتها.
 (5) : الملفة ذاتها ، المادة الخامسة ، الفقرات أ ـ م.
 (6) : الملفة ذاتها ، المواد 6 ـ 9.
 (7) : الملفة ذاتها ، المواد 15 ـ 19 .
 (8) : ملفة رقم (15) ، انظر معلومات عن شهادة اخر راتب ل (هذرلي) ، علمًا انه باشر بوظيفته اعتبارًا من 11 حزيران 1925 .
 (9) : ملفة رقم (886) ، المفتش الاداري للبصرة لعام 1928 ـ 1933 ، ثم عين جاردين مفتشًا اداريًا للواء العمارة اضافة الى وظيفته الاصلية اعتبارًا من اول ايار 1929.
 (10) : ملفة رقم ( 1676 ) ، التفتيش الاداري لعام (1933 ـ 1934).
 (11) : دليل المملكة العراقية لسنة 1936 ، بغداد ، 1936 ، ص 195 .
 (12) : ملفة رقم ( 1807 ) ، التفتيش الاداري ، انظر : نص كتاب رئاسة التفتيش الاداري المرقم ت م/ 37 في 7 كانون الاول 1933.
 (13) : الملفة ذاتها ، انظر النقاط الواردة في المنهج المطلوب ، الفقرات من أ- ص.
 (14) : ملفة رقم ( 1686 ) ، من كورنواليس الى وزير الداخلية في 30 كانون الاول 1933 .
 (15) : ملفة رقم ( 1676 ) ، المصدر السابق ، كتاب رئيس المفتشين الاداريين ، العدد ت/ 1 / 714 في 9 حزيران 1934 .
 (16) : ملفة رقم ( 1807 ) ، المصدر السابق ، انظر نص الكتاب المرقم م.خ 871 في 13 كانون الثاني 1934.
 (17) : ملفة رقم ( 1686 ) ، المصدر السابق ، التفتيش الاداري لالوية البصرة والعمارة والمنتفك لسنة 1933 ـ 1934 صورة كتاب رئيس المفتشين الاداريين العدد ت 10 / 207 سري في 21 كانون الثاني 1934.
 (18) : الملفة ذاتها ، لقد تولى اربعة مفتشين اداريين امر تفتيش الوية البصرة والعمارة والمنتفك للمدة موضوع البحث وهم كل من نشأت بك السنوى ، امين خالص ، شامل اليعقوبي ، داود سلمان.
 (19) : ملفة رقم ( 4869 ) ، انظر كتاب رئيس المفتشين الاداريين نشأت بك السنوى المعنون الى مفتش البصر والعمارة والمنتفك ، المؤرخ في 13 / 12 / 1933 .
 (20) : يجري العمل حاليًا على اعداد وفهرست الكثير من الملفات المحفوظة في مخزن المركز واضافتها الى الملفات المنجزة تباعًا.
 (21) : للاطلاع على تفاصيل الاحداث ومارافقها من ملابسات ينظر : زينب كاظم احمد ، البصرة خلال حركة مايس 1941 ، البصرة 1992 ، ص 94 وما بعدها.
 (22) : شاكر محمود عبد المنعم ، الوثائق واهميتها في دراسة وتدريس التاريخ ، بغداد ، 1987 ، ص 15.
 (23) : ملفة رقم ( 2247 ) ، معلومات عن لواء البصرة 1936 ، التفتيش الإداري.
 (24) : الملفة ذاتها.
 (25) : الملفة ذاتها.
 (26) : الملفة ذاتها.
 (27) : الملفة ذاتها.
 (28) : ملفة رقم ( 12 / 13 ) تقرير المفتش امين خالص .
 (29) : عن اثار الازمة الاقتصادية العالمية انظر : كمال مظهر احمد ، صفحات من تاريخ العراق المعاصر ، بغداد ، 1987 ، وبخاصة ص 97 ـ 11 .
 (30) : صحيفة (( الرقيب)) العدد 153 في 26 آذار 1936 .
 (31) : ملفة رقم ( 12 / 23 ) المصدر السابق .
 (32) : ملفة رقم ( 2247 ) ، المصدر السابق.
 (33) : الملفة ذاتها.
 (34) : عن اضراب البصرة ينظر : جهاد صالح العمر وكاظم باقر علي ، اضراب البصرة عام 1931 بحث مقبول للنشر ، مجلة المؤرخ العربي في 8 / 10 / 1989 .
 (35) : ملفة رقم ( 4269 ) ، تقرير المفتش الاداري لعام 1937 ، حول مباني الهارثة وشط العرب ، وكذلك كتاب متصرفية البصرة العدد 590 في 13 / 1 / 1937 .
 (*) ولعله يقصد هنا حركة عشيرة الامارة في المدينة وعشائر حسن الخيون الموجهة ضد العثمانيين حيث باغتت العشائر المذكورة معسكر الجيش العثماني في المدينة واوقعت به خسائر كبيرة من القتلى و الجرحى وذلك للتخلص من الضرائب الباهظة ، وجباية الاموال التي كانت تجبى منهم باساليب تعسفيه للتفاصيل انظر : مامر حسك ، اهوار جنوب العراق 23 ، بغداد ، 1979 ، ص 82 ، 80.
 (36) : ملفة رقم ( 4269 ) ، تقرير المفتش الاداري امين خالص عام 1949 .
 (37) : الملفة ذاتها ، تقرير المفتش الاداري امين خالص رقم 24 س في 26 / 9 / 1949 .
 اما الدورة فهي احدى القرى التابعة لناحية الفاو وتسمى حاليًا (ناحية البحار).
 (38) : الملفة ذاتها.
 (39) : ملفة رقم ( 12 / 23 ) المصدر السابق ، تقرير المفتش الاداري لعام 1951 ـ 1952 ، وهناك تقارير مماثلة عن التهريب في ابي الخصيب ومقترحات للحد منه.
 (40) : ملفة رقم ( 4279 ) ، تقرير المفتش الاداري امين خالص ، العدد 26 سرى في 4 كانون الاول 1950 ، معنون إلى وزارة الداخلية .
 (41) : الملفة ذاتها ، صورة الفقرة التفتيشية الصادرة من المفتش الاداري امين خالص في 15 كانون الاول 1951 إلى وزارة الداخلية .
 (42) : ملفة رقم ( 12 / 23 ) المصدر السابق ، تقارير المفتش الاداري لعام 1951.
 (43) : ملفة رقم ( 4247 ) ، التفتيش الاداري لعام 1950 في عهد متصرف البصرة جمال عمر نظمي مذكرة المفتش الاداري المرقمة 21 في 29 / 11 /1950.
 (44) : ملفة رقم ( 4279 ) ، المصدر السابق ، التفتيش الاداري لعام 1950 .
 (45) : ملفة رقم ( 12 / 23 ) المصدر السابق ، مذكرة المفتش الاداري امين خالص لعام 1952 ، اما اسماء الجمعيات الاهلية والنوادي في البصرة فهي : نادي المعلمين ، جمعية المعلمين بالبصرة ، مكتبة الزبير الاهلية ، جمعية الرابطة الثقافية ، مدرسة مارتوما ، نادي الامير الرياضي ، نادي الجنوب الرياضي ، جمعية الاعمال الخيرية ، نادي الاتحاد الرياضي الملكي ، جمعية النجاة الاهلية في الزبير ، جمعية الاصلاح الاجتماعي ، جمعية الرحمة الكلدانية ، جمعية الأخوة الاسلامية في الزبير ، نادي اسرة بلدية البصرة ، ناددي الاتحاد السرياني الارثدوكسي ، وجمعية حماية الاطفال بالبصرة ( الفرع النسائي).
 (46) : ملفة رقم ( 4279 ) ، المصدر السابق ، التفتيش الاداري لعام 1950 .
 (47) : ملفة رقم ( 12 / 23 ) المصدر السابق ، كتاب من وزارة الداخلية الى المفتشين الاداريين كافة رقم 192 في 28 شباط 1952 .
 (48) : الملفة ذاتها ، تقرير المفتش الاداري امين خالص عام 1952 .
 (49) : الملفة والتقرير ذاته.
 (50) : الملفة والتقرير ذاته.
 (51) : الملفة ( 12 / 23 ) المصدر السابق ، انظر تقارير المفتش الاداري امين خالص المرقمة س/ 20 ، س/ 21 ، س / 23 في 9 ، 10 ، 13 من شهر اب 1952.
 (52) : ملفة رقم ( 12 / 23 ) اضرابات العمال .
 (53) : للتفاصيل ينظر : صالح محمد صالح العلي ، الموقف العسكري والشعبي اثناء حركة مايس 1941 القومية ، الخليج العربي (مجلة) ، المجلد الحادي والعشرون ، العدد 2 ، 1989 ص 94 وما بعدها.
 (54) : زينب كاظم احمد ، المصدر السابق ، ص 10 ، ص 81 .
 (55) : للتفاصيل عن الاضراب ينظر : جعفر عباس حميدي ، التطورات والاتجاهات السياسية الداخلية في العراق ، 1953 ـ 1958 ، بغداد ، 1980 ، ص 67 ـ 79 0
 (56) : ملفة رقم ( 12 / 23 ) المدر السابق ، تقارير متصرفية البصرة ومديرية الشرطة في اللواء .
 (57) : ملفة رقم ( 4858 ) ، تقارير المفتش الاداري لعام 1952 .
 (58) : ملفة رقم ( 12 ) المصدر السابق ، تقرير المفتش الاداري امين خالص رقم 28 سرى في 19 اب 1952.
 (59) : للتفاصيل ينظر : ملفة رقم ( 4744 ) ، التفتيش الاداري لعام 1953 .
 (60) : الملفة ذاتها ، وهناك تفصيلات اخرى عن الامور المالية والبلدية ، وعن اوضاع القرى والنواحي التابعة للبصرة.
 (61) : ملفة رقم ( 3807 ) ، تقرير المفتش الاداري شامل اليعقوبي الذي حل محل المفتش الاداري امين خالص انف الذكر عام 1953.
 (62) : الملفة ذاتها.
 (63) : للتفاصيل ينظر : ملفة رقم ( 3123 ) ، تقرير المفتش الاداري شامل اليعقوبي عن المشاريع المنجزة لغاية 1954 ، وتفتيش السجن المركزي والصحة.
 (64) : ملفة رقم ( 3031 ) ، تقرير المفتش الاداري شامل اليعقوبي لعام 1955 ، رقم 24 في 14/5/1955.
 (65) : الملفة والتقرير ذاته.
 (66) : زكي صالح ، مقدمة في دراسة العراق المعاصر ، مطبعة الرابطة ، بغداد ، 1953 ، ص 14 ـ 15 ، عبد الجليل الطاهر ، العشائر العراقية ، ج 1 ، بغداد ، 1972 ، ص 41 .
 (67) : للتفاصيل ينظر : ملفة رقم ( 3031 ) ، المصدر السابق ، وكذلك الملفة ( 3123 ).
 (68) : ملفة رقم ( 3031 ) ، المصدر السابق ، تقرير المفتش الاداري شامل اليعقوبي لعام 1955.
 (69) : ملفة رقم ( 9227 ) ، تقريرالمفتش الاداري داود سلمان وينظر ايضًا كتاب رئيس ملاحظي البلديات المؤرخ في 29 / 8 / 1957 الموجه الى وزارة الداخلية.
 (70) : الملفة ذاتها ، كتاب احمد محمد يحيى وزير الداخلية المعنون الى رئاسة التفتيش الادار ، رقم 316 في 5 / 11 / 1958 .
 (71) : اليملفة والكتاب ذاته.

BASRAHCITY.NET