صلى الله عليه وآله ، والصلوات الخمس ، ونعلم غلبة كثير من المذاهب على بعض البلاد.
   لأنا نجيب عن الاول : بأنه لا معنى للمسلم الا من قال بهذه الاشياء فكأن القائل : أجمع المسلمون على النبوة ، يقول : أجمع من قال بالنبوة على النبوة.
   وأما غلبة بعض المذاهب ، فلا نسلم أنا نعلم ذلك في أهل البلد كافة ، ولئن سلمنا أن الأكثر منهم قائل به ، لكن هذا مما لا يجدي في باب الاجماع.

   المسألة الثانية :
   عندنا أن زمان التكليف لا يخلو من امام معصوم حافظ للشرع يجب الرجوع إلى قوله فيه .
   إذا تقرر هذا فمتى ( اجمعت ) (1) الامة على قول ، كان ذلك الاجماع حجة ، ولو فرضنا خلو الزمان من ذلك الامام لم يكن الاجماع حجة .
   وههنا بحثان :
   الاول : مع وجوده عليه السلام الاجماع حجة للامن على قوله من الخطأ ، و القطع على دخوله في جملة المجمعين ، وعلى هذا ، فالاجماع كاشف عن قول الامام ، لا أن الاجماع حجة في نفسه من حيث هو اجماع.

   البحث الثاني :
   لو خلا الاجماع ( عن ) (2) المعصوم ـ عليه السلام ـ لم يكن حجة خلافا لساير الطوائف ، ما عدا الخوارج ، والنظام.
   لنا : لو كان حجة لعلم ذلك اما بالعقل أو بالنقل ، والقسمان باطلان ، بما يبطل به معتمد المخالف ، وهم طائفتان : طائفة تتمسك بالمعقول ، واخرى بالمنقول .

(1) في بعض النسخ : اجتمعت
(2) في بعض النسخ ( من )

معارج الاصول ـ 127 ـ
   أما المعقول : فقالوا لو لم يكن الاجماع ( حجة ) (1) ، لاستحال اجماعهم عليه ، كما يستحيل تواطؤهم على التلفظ بالعبارة الواحدة ، والتحلّى بالزي الواحد.
   الثاني : أن اجماع الخلق العظيم على الحكم يستدعي دلالة أو امارة ، و كلاهما حجة.
   وجواب الاول : منع الملازمة ، وابداء الفارق بأن صورة الوفاق مما يتساوى فيه الاحتمال وتختلف فيه الدواعي ، وليس كذلك الاجماع على الحكم ، لأنه قد يحصل ( عن ) (2) شبهة [ ثم ] تعم تلك الشبهة.
   وجواب الثاني : منع الحصر ، لجواز أن يجمعوا لشبهة .
   ثم ان الوجهين منقوضان باجماع اليهود والنصارى ، وغيرهم من الفرق الموفين على عدد المسلمين ، فانهم أجمعوا على كثير من الاباطيل.
   وأما المتمسكون بالمنقول ، فاستدلوا بوجوه :
   الاول : قوله تعالى : « ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين ... الآية » (3) ، فلو لم يكن كل واحد منهما محظورا لقبح الجمع بينهما ، كما يقبح « من شاق الرسول وشرب ماءا ، عاقبته » ومع ثبوت ذلك يكون اتباع غير سبيل المؤمنين محظورا ، فيكون اتباع سبيلهم واجبا.
   الثاني : قوله تعالى : « وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا » (4) ، والوسط : العدل

(1) في بعض النسخ : حقا
(2) في نسخة : عند
(3) النساء / 115
(4) البقرة / 143

معارج الاصول ـ 128 ـ
   والخيار ، بالنقل عن أئمة اللغة وأهل التفسير ، والموصوف بالعدالة مجانب ( لمواقعة ) (1) الخطيئة ، وذلك ينافي الاجماع عليها.
   الثالث : قوله تعالى : « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ » (2) أخبر أنهم ينهون عن المنكر ، وهو يعم كل منكر ، بما عرف في باب العموم ، وهو ينافي الاجماع عليه.
   الرابع : قوله صلى الله عليه وآله : « أمتي لا تجتمع على الخطأ » (3) ، وصحة نقل الحديث مشهورة ، ولو دفع بعينه لكان معناه منقولا بالتواتر لوجود هذا المعنى في أخبار لا تحصى كثرة.
   وجواب الاول : ( بمنع ) (4) عموم السبيل ، فلعله أراد في ترك ( المشاقة ) (5) ( الخاصة ) (6) .
   ولو سلمنا عمومه ، لزم [ ترك ] اتباع اجماعهم ، لأنهم ان أجمعوا من غير دلالة ، لم يجز الاتباع ، وان كان لدلالة ، لم يجز العمل بما أجمعوا عليه الا بعد الظفر بتلك الدلالة ، لأنه قد كان من شأنهم لولا الدلالة لما عملوا به ، و لو سلمنا ذلك ، لم يكن فيه منافاة لمذهبنا ، لأن الواقع وجود الامام المعصوم عليه السلام ، وهو أحد المؤمنين ، ( واتباع ) (7) غير سبيله غير جائز ، ونحن نتكلم على تقدير عدمه .

(1) في نسخة : لموافقة
(2) آل عمران / 110
(3) في بعض النسخ : على خطأ
(4) في بعض النسخ : نمنع
(5) في نسخة : المشاققة
(6) في نسخة : خاصة
(7) في نسخة : فاتباع

معارج الاصول ـ 129 ـ
   وجواب الثاني : منع عموم العدالة في الاشياء كلها ، فلعلهم عدول في الشهادة على الناس خاصة ، ثم ان أراد بذلك امة النبي صلى الله عليه وآله لم يتحقق الاجماع الا بعد اتفاق كل من كان ويكون من الامة ، وان أراد البعض ـ وليس في الآية اشعار به ـ دخل في حيز المجمل ، فلعله أراد من ثبتت عصمته من الائمة عليهم السلام.
   وجواب الثالث : ان ( المنكر ) اسم مفرد معرف باللام ، وقد بينا أنه لا يقتضي العموم ، وإذا كان كذلك ، جاز أن يراد به النهي عن الكفر ، ومع قيام ( الاحتمال ) (1) يبطل التعلق بالآية .
   لا يقال : هذا حاصل في سائر الامم ، فلا يكون فيه مزية ، وظاهر الآية اثبات المزية.
   لأنا نقول : المزية حاصلة ، وهي مبالغتهم في النهي عن الكفر ، كما [ لو ] صرح بهذا المعنى لم تبطل المزية.
   وجواب الحديث : منع أصله ، ولو سلمنا تواتره ، لقلنا بموجبة من حيث أن أمته ـ عليه السلام ـ لا تخلو ( عن ) (2) المعصوم ، فيكون قولها حجة لدخول قوله في الجملة.

   فرعان :
   الاول : جاحد ( الحكم ) (3) المجمع عليه كافر ، لأنه يجحد ما يعلم ( حقيقة ) (4) من الشرع.

(1) في بعض النسخ : الاجمال
(2) في نسخة : من
(3) في نسخة : الحديث
(4) في نسخة : حقيته وفي أخرى : حقيقته

معارج الاصول ـ 130 ـ
   الفرع الثاني : الاجماع لا يصدر عن مستند ظني ، لأن معتمد المعصوم عليه السلام الدليل القطعي ، لا الحجة الظنية. نعم يجوز أن تكون أقوال باقى الامامية مستندة إلى الظن ، كخبر الواحد منضما إلى قوله الصادر عن الدلالة.

   المسألة الثالثة :
   لا يجوز أن ينعقد اجماع على مسألة ، ثم ينعقد بعده اجماع على خلافها ، والا لكان قول المعصوم خطأ .
   لا يقال : ربما كان قوله الاول تقية .
   لأنا نقول : الاجماع لا يتقرر ما لم يعلم الاتفاق قصدا .

   المسـألة الرابعة :
   كل ما انعقد الاجماع عليه فهو حق ، سواءا كان من العقائد الدينية ، أو الفروع الشرعية ، أو غير ذلك ، لكن كل ما يتوقف العلم بوجوب وجود الامام المعصوم عليه السلام عليه ، لم يصح الاستدلال عليه بالاجماع ، والا لدار ، وكل ما لا يكون كذلك ، جاز الاستدلال عليه بالاجماع .

   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   قال القاضي أبو بكر : يعتبر في الاجماع عوام الامة ، نظرا إلى لفظ الخبر .
   وقال الأكثرون : المعتبر بقول العلماء وأهل الاجتهاد خاصة ، وقال أهل الظاهر : المعتبر باجماع الصحابة خاصة ، والذي يجيء على مذهبنا اعتبار من يعلم دخول المعصوم فيهم .
   فعلى هذا ، ولو أجمع العلماء أو الفقهاء أو أهل البيت لكفى ذلك في كونه حجة ، لما قررناه .


معارج الاصول ـ 131 ـ
   فائدة
   اعتبر قوم بلوغ المجمعين حد التواتر.
   وعلى ما اخترناه ، المعتبر من يعلم دخول المعصوم في جملتهم .

   المسألة الثانية :
   اجماع أهل كل عصر حجة خلافا لاهل الظاهر.
   لنا : أن زمان التكليف لا يخلو من امام معصوم ، ومتى كان كذلك فلابد من دخوله في المجمعين ، ومع دخوله يكون الاجماع حجة .
   ولغيرنا : الظواهر الدالة على كون الاجماع حجة من غير تقييد .

   المسألة الثالثة :
   إذا اتفقت الامة على قولين ، فان كان الثالث مما يلزم منه الخروج ( عن ) (1) الاجماع كان باطلا بالاتفاق ، وان لم يكن كذلك لم يجز احداث الثالث عند قوم ، لأن الثالث ان كان باطلا لم يجز العمل به ، وان كان حقا لزم خلو الامة عنه ، وهو باطل .
   وعلى ما أصلنا [ ه ] فالامام في احدى الطائفتين فتكون محقة والخارج عن الحق باطل .
   المسألة الرابعة : إذا لم تفصل الامة بين مسألتين : فان نصت على المنع من الفصل فلا كلام ، وان عدم النص :
   فان كان بين المسألتين علقة ، بحيث يلزم من العمل بأحدهما العمل بالاخرى ، لم يجز الفصل ، كما في زوج وأبوين ، وزوجة وأبوين ، فمن قال للام ثلث أصل التركة ، قال في الموضعين ، ومن قال ثلث الباقي ، قال في الموضعين ، الا ابن سيرين .
   وان لم يكن بينهما علقة ، قال قوم : ( يجوز ) (2) الفصل بينهما .

(1) في نسخة : على.
(2) في نسخة : بجواز.

معارج الاصول ـ 132 ـ
   وعلى ما ذهبنا إليه ، لم يجز ، لأن الامام عليه السلام مع احدى الطائفتين قطعا ، ويلزم من ذلك وجوب متابعته في ( الجميع ) (1).

   المسألة الخامسة :
   لا يجوز انقسام المجمعين إلى فرقتين تجمع كل واحدة منهما بين حق وباطل ، لأن الامام مع احداهما ، وهو يمنع من ( اتفاقها ) (2) على الخطأ.

   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   قد عرفت أن الاجماع انما كان حجة لدخول الامام عليه السلام فيه ، فالمعتبر حينئذ ( قوله ) (3) فعلى هذا ، يعلم قول المعصوم عليه السلام بعينه بأمرين :
  أحدهما : السماع منه مع المعرفة [ به ].
   [ و ] الثاني النقل المتواتر.
   فان فقد الامران ، وأجمعت الامامية على أمر من الأمور على وجه يعلم أنه لاعالم من الامامية الا وهو قائل به ، فانه يعلم دخول المعصوم عليه السلام فيه ، لقيام الدليل القاطع على حقية مذهبهم ، والا من على المعصوم من ارتكاب الباطل.
   إذا تقرر هذا ، فان علم أن لا مخالف ثبت الاجماع قطعا ، وان علم المخالف وتعين باسمه ونسبه كان الحق في خلافه ، وان جهل نسبه ، قدح ذلك في

(1) في نسخة : الجمع.
(2) في نسخة : اتفاقهما :
(3) في نسخة : دخوله.

معارج الاصول ـ 133 ـ
   الاجماع ، لجواز أن يكون هذا المعصوم عليه السلام وان لم يعلم مخالف وجوزنا وجوده لم يكن ذلك اجماعا ، لامكان وقوع الجائز ، وكون ذلك هو الامام عليه السلام.

   المسألة الثانية :
   إذا اختلفت الامامية على قولين : فان كانت احدى الطائفتين معلومة النسب ، ولم يكن الامام أحدهم ، كان الحق في الطائفة الأخرى ، وان لم تكن معلومة النسب : فان كان مع احدى الطائفتين دلالة قطعية توجب العلم وجب العمل على قولها ، لأن الامام معها قطعا وان لم يكن مع احداهما دليل قاطع : قال الشيخ « ره » : تخيرنا في العمل بأيهما شئنا ، وقال بعض أصحابنا : طرحنا القولين ، والتمسنا دليلا من غيرهما ، وضعف الشيخ « ره » هذا القول بأنه يلزم منه اطراح قول الامام.
   قلت : وبمثل هذا يبطل ما ذكره « ره » ، لأن الامامية إذا اختلفت على قولين ، فكل طائفة توجب العمل بقولها ، وتمنع من العمل بالقول الآخر ، فلو تخيرنا لاستبحنا ما حظره المعصوم عليه السلام.

   تفريع
   إذا ( اختلفت ) (1) الامامية على قولين ، فهل يجوز اتفاقها بعد ذلك على أحد القولين ؟ قال الشيخ « ره » : ان قلنا بالتخيير لم يصح اتفاقهم بعد الخلاف لأن ذلك يدل على أن القول الآخر باطل ، وقد قلنا أنهم مخيرون .
   ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون التخيير مشروطا بعدم الاتفاق فيما بعد ؟ وعلى هذا الاحتمال ، يصح الاجماع بعد الاختلاف.

   المسألة الثالثة : الاجماع يقع على ضروب :

(1) في نسخة : اختلف.

معارج الاصول ـ 134 ـ
   منها : أن يجمع أهل الاجماع على المسألة بالقول الصريح.
   الثاني : أن يجمعوا عليها فعلا.
   الثالث : أن يقول بعض ، ويقرره الباقون.
   ولابد في هذه الوجوه من ارتفاع التقية.
   الرابع : أن يعلم رضاهم بالمسألة.
   لا يقال : كيف يعلم اتفاق الامامية كلهم على ذلك ، مع كثرتهم وانتشارهم في البلاد.
   لأنا نقول : كما يعلم اتفاق المسلمين على كثير من المسائل ، كايجاب غسلة واحدة في الوضوء ، ( وأنه ) (1) لا قائل بوجوب الثانية والثالثة ، وكما يعلم أنه إذا اجتمع أخ وجد ، فانه لا قائل بأن الاخ يحوز المال دون الجد ، وغير ذلك من المسائل.

(1) في نسخة : وأن.

معارج الاصول ـ 135 ـ
   وفيه مقدمة وفصول :

معارج الاصول ـ 137 ـ
   اما المقدمة
   فنقول :
   الخبر : كلام يفيد بنفسه نسبة أمر الى أمر نفيا أو اثباتا.
   ومن الناس من قال : الخبر : ما يحتمل الصدق والكذب ، وهو تعريف بما لايعرف [ الا ] به .
   والصدق : هو الاخبار عن الشيء ، على ما هو به .
   والكذب : هو الاخبار عن الشيء لاعلى ما هو به.
   ولا يفتقر إلى كون المخبر معتقدا بكونه كذبا ، واعتبره الجاحظ ، و الخلاف لفظي .
   ولابد من كون المخبر مريدا حتى تكون الصيغة مستعملة في فائدتها ، لأن الصيغة قد توجد غير خبر .
   إذا عرفت هذا ، فالخبر : اما أن يقطع بصدقه أو كذبه ، أو يكون محتملا لكل واحد من الامرين وما علم صدقه ينقسم الى : ما علم صدقه بمجرد الاخبار والى ما علم صدقه بامر مضاف إلى الاخبار ، كضرروة العقل أو استدلاله ، و يدخل في ذلك جميع ماعد من الاقسام الدالة على صدق الخبر ، كاخبار الله تعالى ورسوله والمعصوم عليه السلام ، وما ( اجمعت ) (1) عليه الامة ، وما ذكر بحضرة

(1) في نسخة اجمتعت.

معارج الاصول ـ 138 ـ
   الرسول صلى الله عليه وآله بمسمع منه ولم يكن غافلا عنه فلم ينكره ، لأن كل ذلك علم صحته بالدليل .
   وما علم صدقه بمجرد الاخبار فهو المتواتر ، وسنفرد له فصلا ، ان شاء الله تعالى .
   وما علم كذبه فلا يكون الا بأمر مضاف إلى الخبر ، وهو خمسة أشياء :
   الاول : ما خالف ضرورة العقل.
   الثاني : ما أحالته العوائد.
   الثالث : ما خالف دليل العقل.
   الرابع : ما خالف النص القاطع من الكتاب والسنة المتواترة.
   الخامس : ما خالف الاجماع.

   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   الخبر المتواتر مفيد للعلم ، وانكره السمنية.
   لنا : أن الواحد منا يجد نفسه جازمة بالبلدان والوقائع ـ وان لم يشاهدها ـ عند الاخبار عنها ، كجزمنا بما نشاهده ، جزما خاليا عن التردد ، وما تورده السمنية من الشبهة ، فهو تشكيك في الضروريات ، فلا يستحق الجواب.
   وأما كيفية حصول هذا العلم : فذهب أبو هاشم وأتباعه وجماعة من الفقهاء إلى كونه ضروريا ، وقال المفيد من أصحابنا : هو كسبي .
   وتوقف الشيخ « ره » والمرتضى في الاخبار عن البلدان والوقائع ، وقطعا على أن الاخبار الشرعية المتضمنة معجزات الانبياء والائمة وغير ذلك من المذاهب المتواترة ، كسبي

معارج الاصول ـ 139 ـ
   يفتقر إلى ضرب من الاستدلال.
   الظاهر أنه ضروري ، لأنه يجزم بهذه الأمور من لا يحسن الاستدلال [ و لا يعرفه ، ولا أمنع أن يفتقر بعض الاخبار المتواترة إلى ضرب من الاستدلال ] وليس هذا موضع الكشف عن غامض هذه المسألة.

   المسألة الثانية :
   شرائط افادة الخبر المتواتر العلم أربعة :
   الاول : أن يخبروا عما علموه ) ، لا ما ظنوه.
   الثاني : أن يكون ذلك المعلوم محسوسا.
   الثالث : أن يبلغوا حدا لا يجوز عليهم التواطؤ والمراسلة.
   الرابع : أن يستوي الطرفان والوسط في هذه الشرائط ، لأنا نعلم أنه متى اختلفت هذه الشرائط أو أحدها لا يحصل العلم بمجرد الاخبار.

   المسألة الثالثة :
   ليس للتواتر عدد محصور ، وحده قوم بسبعين ، وآخرون بأربعين ، وقوم بعدة أهل بدر ، والكل تحكم لا معنى له.
   لنا : أنا نحكم بوجود البلاد والوقائع عند الاخبار من غير تنبه للعدد ، فلو كان العدد شرطا ، لتوقف العلم على حصوله ، ولعل الهمه لو صرفت إلى دركه لامكن ذلك بعد صعوبة .
   وتحقيقه : أنا إذا سمعنا بخبر عن واحد فقد أفادنا ظنا ، ثم كلما تكرر الاخبار بذلك قوي الظن ، حتى يصير الاعتقاد علما ، فعند ذلك ان ضبط العدد كان ذلك هو المعتبر ، لأن الاخبار هو المقتضى للعلم ، والسبب لا يختلف بحسب محاله إذا كان تاما .

   المسألة الرابعة :
   شرط قوم شروطا ليست معتبرة ، وهي أربعة :
   الاول : أن لا يجمعهم مذهب واحد [ ولا نسب واحد ].
   الثاني أن يكون عددهم غير محصور .

معارج الاصول ـ 140 ـ
   الثالث : أن لا يكونوا مكرهين على الاخبار.
   الرابع : العدالة.
   والكل فاسد ، لأنا نجد النفس جازمة ( بمجرد ) (1) الاخبار المتواترة من دون هذه الأمور ، فلم تكن معتبرة .

   المسألة الخامسة :
   حكى بعض الاشعرية والمعتزلة : ان الامامية تعتبر قول المعصوم عليه السلام في التواتر ، وهو فرية عليهم ، أو ( غلط ) (2) في حقهم ، وانما يعتبرون ذلك في الاجماع.

   المسألة السادسة :
   ( التواتر ) (3) بالمعنى مفيد للعلم ككرم حاتم وشجاعة علي عليه السلام ، وان كانت مفردات أخبارهما آحادا.

   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   حكي عن أهل الظاهر أن خبر الواحد يفيد العلم ، وعن قوم أنه يوجب العلم الظاهر ، وهذا باطل ضرورة ، ولأنه لو أوجبه الخبر لكونه خبرا ، لاوجبه كل خبر ، ومن جملتها اخبارنا لهم أن خبر الواحد لا يوجب العلم.
   وحكي عن النظام : ان خبر الواحد إذا اقترنت به قرائن أفاد العلم ، كما إذا سمعت الواعية في دار انسان ، ونشرت نساؤه شعورهن وسودت أبوابه ، و استغاث غلمانه ، وأخبر بموته ، فعند ذلك يحصل العلم بصدق المخبر ، وهو

(1) في بعض النسخ : بمخبر.
(2) في نسخة : خلط.
(3) في نسخة : المتواتر.

معارج الاصول ـ 141 ـ
   باطل ، لأنه قد ينكشف بطلان الخبر في كثير من ذلك ، نعم ، [ قد ] يفيد الظن القوي ، ولا أحيل في بعض الاخبار انضمام قرائن قوية كثيرة تبلغ إلى حد يفيد معها العلم.

   المسألة الثانية :
   يجوز التعبد بخبر الواحد عقلا ، خلافا لابن قبه من أصحابنا وجماعة من علماء الكلام.
   لنا : أن التعبد به يجوز اشتماله على مصلحة ، فيجب الحكم بجواز التعبد به ، أما الاولى : فلان المانع من اشتماله على المصلحة هو ما يذكره الخصم ونحن نبطله ، وأما انه إذا كان كذلك ، وجب الحكم بجواز التعبد به ، فلان الشرائع ( مقترنة ) (1) بالمصالح ، والحكمة الالهية موكولة برعايتها ، فيجب في الحكمة مهافتة (2) الشارع على نصبها .
   احتج الخصم بوجهين :
   حدهما : ان خبر الواحد لا يوجب العلم ، فيجب أن لا يعمل به ، والاولى ظاهرة ، ولأنا لانتكلم الا فيما هذا شأنه من الاخبار ، وأما الثانية فلانه عمل بما لا يؤمن كونه مفسدة ، وأيضا قوله تعالى : « وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ » (3)
   الوجه الثاني : ثبت أنه لا يقبل خبر النبي (ص) الا بعد قيام المعجزة على صدقه ، ففي من عداه أولى.
   وجواب الاول : ان الامان من كونه مفسدة حاصل عند قيام الدلالة على العمل به .
   وجواب الثاني : التزام التسوية ، ( فلانا ) (4) لا نعمل بخبره ما لم تقم الدلالة

(1) وفي نسخة : معذوقه ، أي موسومه.
(2) كذا في النسخ
(3) البقرة / 169.
(4) في نسخة : فانا.

معارج الاصول ـ 142 ـ
   على العمل به .
   ثم الوجهان منقوضان بالعمل بشهادة الشاهدين ، واستقبال القبلة عند غلبة الظن وعدم العلم بجهتها ، وغير ذلك من الظنون الواردة في الشرع.

   المسألة الثالثة :
   إذا ثبت [ جواز ] التعبد بخبر الواحد ، فهل هو واقع أم لا ؟ منعه المرتضى « ره » ، وقال أكثر المعتزلة والفقهاء من العامة بوقوعه ، و اعتبر أبو علي في الخبر رواية عدلين حتى يتصل بالنبي صلى الله عليه وآله ، واكتفى الباقون برواية الواحد العدل ، وعمل به الطوسي « ره » إذا كان الراوي من الطائفة المحقة وكان عدلا.
   احتج المرتضى « ره » : بأنه لو وجب العمل به لعلم اما بالعقل أو ( بالنقل ) (1) والقسمان باطلان .
   أما الملازمة : فلانه لو كان التكليف به واردا لكان للمكلف إليه طريق ، لأن تكليف ما لا طريق ( إلى العلم ) (2) به قبيح عقلا.
   وأما انحصار الطريق في العقل والنقل فظاهر ، وأما انتفاء اللازم فبما سنبطل به معتمد المخالف ، وهم طائفتان : طائفة تتمسك بالعقل كابن سريج و أتباعه ، و ( أخرى ) (3) بالنقل وهم الأكثر كالقاضي وأبي عبد الله ومن تبعهما ، ومنهم من يجمع في الدلالة بين العقل والنقل كالقفال وأبي الحسين.
   احتج ابن سريج بأن العمل بخبر الواحد دافع للضرر ، وكلما كان كذلك كان واجبا ، أما أنه دافع للضرر فلان المخبر عن الرسول إذا كان ثقة يغلب على الظن صدق قوله ، ومخالفته مظنة للضرر ، وأما أن دفع الضرر واجب

(1) في نسخة : النقل.
(2) في نسخة : للعلم.
(3) في نسخة : الاخرى.

معارج الاصول ـ 143 ـ
   فضروري .
   والجواب : لا نسلم أن مخالفة الخبر مظنة للضرر ، وهذا لأن علمنا بوجوب نصب الدلالة من الشارع على ما يتوجه التكليف به ، يؤمننا الضرر عند ظن صدق المخبر ، ثم ما ذكروه منقوض برواية الفاسق لا بل برواية الكافر ، فان الظن يحصل عند خبره ، لا يقال : لولا الاجماع لقلنا به ، لأنا نقول : حيث منع الاجماع من اطراد هذه الحجة ، دل على بطلانها ، لأن الدليل العقلي لا يختلف بحسب مظانه .
   ثم ان الحجة مقلوبة عليهم ، لأنه لو وجب العمل بخبر الواحد لجواز اشتماله على مصلحة لا يؤمن الضرر بفواتها ، فليجب اطراحه لجواز اشتماله على مفسدة لا يؤمن الضرر بفعلها ، ويلزم ( على ما ذكروه ) (1) وجوب العمل بقول مدعي النبوة دون المعجز بعين ما ذكروه.
   واحتج المتمسكون بالنقل بوجوه :
   الاول : [ قوله تعالى ] : « فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » (2).
   ووجه الدلالة : أن الله تعالى أوجب الحذر بخبر الواحد ، ومتى وجب الحذر وجب العمل [ لأن ] عند سماع الخبر المحذر : اما أن يمتنعوا عن استباحة ما حذر عنه ، وهو عمل به ، وإذا عمل به في موضع وجب في كل موضع ، إذ لا قائل بالفرق ، واما أن لا يمتنعوا ، وذلك يقتضي ترك الحذر الذي دلت الآية على وجوبه.

(1) في نسخه : مما ذكروه ،
(2) التوبة / 122.

معارج الاصول ـ 144 ـ
   الثاني : قوله تعالى : « إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا » (1).
   ووجه الدلالة : انه أمر بالتبين عند كونه فاسقا ، ( فوجب ) (2) أن لا يحصل وجوب التبين عند عدمه ، والا لما كان لتعليق التبين على الفسوق فائدة .
   الثالث : انه عليه السلام كان يبعث رسله الى البلدان والقبائل ، وهم آحاد ، و يوجب على المرسل إليهم القبول من المرسل.
   الرابع : أجمعت الصحابة على العمل بخبر الواحد ، واجماع الصحابة حجه ، أما انهم أجمعوا فلانهم رجعوا الى أزواج النبي صلى الله عليه وآله في الغسل من التقاء الختانين ، ورجع أبو بكر في توريث الجدة إلى خبر المغيره ، ورجع عمر الى رواية عبد الرحمن في سيرة المجوس بقوله : « سيروا بهم سنة أهل الكتاب » ، ومنع من توريث المرأة من دية زوجها ، ورجع عن ذلك بخبر الضحاك بن قيس ، وعن علي عليه السلام : « كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني ، فإذا حدثني به غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته » ، وعمل علي عليه السلام بخبر المقداد في المذي ، وهذه الاخبار وان كانت آحادا ، فان معناها متواتر ، كما يعلم كرم حاتم ، وشجاعة عمرو ، وان كانت مفردات أخبارهما آحادا.
   لا يقال : لم لا يجوز أن تكون الصحابة عملت عند هذه الاخبار ، لابها ؟
   لأنا نقول : لو عملوا لابها ، لوجب نقل ذلك الموجب للعمل دينا وعادة لأن الجماعة إذا مستهم الحاجة إلى كشف ملتبس ظهر منهم الاستبشار عند وضوحه ، والتعجب من حصوله ، فيظهر لا محالة ، ولو صح من الواحد ستره لما استمر (3) في الجماعة كلهم ، ولكان يحدوهم الدين إلى اظهار السبب الموجب

(1) الحجرات / 6.
(2) في نسخة : فيجب.
(3) كذا في النسخ ، ولعل الصواب : استتر

معارج الاصول ـ 145 ـ
   للعمل لئلا يحصل التوهم انهم عملوا للخبر ، وإذا ثبت أن بعضهم عمل بما ذكرناه ولم ينكر الباقون مع ارتفاع الموانع من الانكار ، كان ذلك اجماعا.
   والجواب عن الآية الاولى أن نقول : لا نسلم وجوب الحذر ، فان قال : ( لعل ) في حق الله للوجوب ، قلنا : هي في حقه للوجوب بمعنى تحقق حصول ما دخلت عليه ، لا بمعنى استحقاق الذم بتركه .
   سلمنا أن الحذر واجب عنده ، لكن لا نسلم أنه يلزم العمل بمضمونه ، و لم لا يكون ثمرة الحذر ( البعث على ) (1) استعلام الحق والفحص عنه ؟! على أن وجوب الحذر ينافي العمل بخبر الواحد إذ مع العمل به يؤمن الحذر ، فكيف يكون سببا له ؟
   ثم نقول : كما يحتمل ذلك نقل الخبر يحتمل نقل الفتوى ، ومع قيام الاحتمال لا يعود حجة على ( موضع ) (2) النزاع على أن تناوله ( للفتوى ) (3) أولى ، لقوله تعالى : « وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ » (4) لأن العمل بالخبر يختص العلماء دون غيرهم ، ( فتنزيلها ) (5) على الاعم أولى.
   والجواب عن الآية الثانية أن نقول : الاستدلال بها مبني على القول بدليل الخطاب ، وهو باطل .
   فان قال : ان تعليل التبين بكون المخبر فاسقا يقتضي عدم الحكم عند عدمه ، فلا يجب التبين عند خبر العدل.

(1) في نسخة : البحث عن.
(2) في نسخة : محل.
(3) في نسخة : الفتوى.
(4) التوبة / 122.
(5) في نسخة : وتنزيلها.

معارج الاصول ـ 146 ـ
   ( قلت ) (1) : هذا معارض بأن عدم الامان من اصابة القوم بالجهالة علة في وجوب التبين ، وهو ثابت في العدل فيجب التبين عملا بالعلة .
   فان قال : لو استوى العدل والفاسق في ذلك ، لم يكن لذكر الفسوق فائدة .
   قلنا : لا نسلم ، وما المانع أن تكون الفائدة هي اظهار فسوق من نزلت الآية بسببه ، وهو الوليد بن عقبة ، فانه ( يمكن ) (2) أنه كان على ظاهر العدالة عندهم فكشف عن فسوقه .
   والجواب عن الثالث : أن نقول : لا نسلم أنه صلى الله عليه وآله كان يبعث رسله الى القبائل لرواية الخبر ، ولم لا يجوز أن يكون بعثهم للحكم والفتوى ؟! ومع قيام هذا الاحتمال يبطل التعلق بهذا الاستدلال.
   والجواب عن الرابع : لا نسلم حصول الاجماع على ذلك .
   قوله : نقل بالتواتر حكم الصحابة [ به ].
   قلنا : لا نسلم تواتر ذلك ، إذ لو كان كذلك لحصل لنا العلم به كما حصل لك ، ولحصل لكثير ممن أنكر ذلك من المعتزلة وغيرهم.
   قوله : عمل [ به ] بعض الصحابة وسكت الباقون.
   قلنا : لا نسلم أن بعضا عمل.
   فان استدل بالاخبار المذكورة ، قلنا : هي آحاد ، فيكون ذلك اثباتا للشيء بنفسه .
   سلمنا أن بعضهم عمل ، ولكن لا نسلم أن سكوت الباقين لا يحتمل الا الرضا ، لأن العامل بذلك هم أرباب الحكم كأبي بكر وعمر وعثمان وأمثالهم ، وليس كل أحد قادرا على الانكار عليهم ، وان قدر الواحد أو العشرة من الصحابة ، فان وفاقهم لا يكون اجماعا ، لانا

(1) في نسخة : قلنا.
(2) في نسخة : ممكن.

معارج الاصول ـ 147 ـ
   لا نعلم ارتفاع الاحتمال في حق الباقين.
   على أن هذا الاستدلال لو صح لكان معارضا بمثله ، فان بعض الصحابة رد خبر الواحد ، ولم يعلم النكير من غيره ، كما روي أن أبا بكر رد خبر عثمان فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله من اذنه برد الحكم بن أبي العاص ، وأن عمر رد خبر فاطمة بنت قيس ، وأن عليا عليه السلام رد خبر بروع بنت واشق ، وأن عائشة ردت خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ، وغير ذلك مما عددوه ، وتقريره ما تقدم .
   وذهب شيخنا أبو جعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا ، لكن لفظه وان كان مطلقا ، فعند التحقيق تبين أنه لا يعمل بالخبر مطلقا ، بل بهذه الاخبار التي رويت عن الائمة عليهم السلام ودونها الاصحاب ، لا أن كل خبر يرويه الامامي يجب العمل به ، هذا الذي تبين لي من كلامه ، ويدعي اجماع الاصحاب على العمل بهذه الاخبار ، حتى لو رواها غير الامامي وكان الخبر سليما عن المعارض واشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الاصحاب عمل به ، واحتج لذلك بوجوه ثلاثة :
   الاول : دعوى الاجماع على ذلك ، فانه « ره » ذكر أن قديم الاصحاب و حديث إذا طولبوا بصحة ما أفتى به المفتي ( منهم ) (1) ، عول على المنقول في أصولهم المعتمدة وكتبهم المدونة ، فيسلم له خصمه منهم الدعوى في ذلك ، وهذه سجيتهم من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى زمن الائمة عليهم السلام ، فلو لا أن العمل بهذه الاخبار جائز لانكروه وتبرأوا من العامل به .
   الوجه الثاني : وجود الاختلاف من الاصحاب بحسب أختلاف الاحاديث يدل على أن مستندهم إليها ، إذ لو كان العمل بغيرها مما طريقه القطع لوجب

(1) في نسخة : بينهم

معارج الاصول ـ 148 ـ
   أن يحكم كل واحد بتضليل مخالفه وتفسيقه ، فلما لم يحكموا بذلك دل على أن مستندهم الخبر ، وعلى جواز العمل به .
   لا يقال : هذا دليل على أنهم غير معاقبين على العمل به ، وعدم العقاب لا يدل على كونه حقا .
   لأنا نقول : الجواب عن ذلك من وجهين :
   أحدهما : أن الغرض في جواز العمل بهذه الاخبار انما هو ارتفاع الفسق وارتفاع العقاب.
   [ و ] الثاني : أنه لو كان العمل بها خطأ ، لما جاز الاعلام بالعفو عن فعله لأن ذلك يكون اغراءا بالقبيح .
   الوجه الثالث : اعتناء الطائفة بالرجال ، وتمييز العدل من المجروح ، والثقة من الضعيف ، والفرق بين من يعتمد على حديثه ومن لا يعتمد ، وكونهم إذا اختلفوا في خبر نظروا في سنده ، وذلك يدل على العمل بهذه الاخبار ، لأنهم لو لم يعملوا بها لما كان لشروعهم في ذلك فائدة .

   المسألة الرابعة :
   قد يقترن بخبر الواحد قرائن تدل على صدق مضمونه وان كانت غير دالة على صدق الخبر نفسه لجواز اختلافه مطابقا لتلك القرينة والقرائن أربع : احداها أن يكون موافقا لدلالة العقل ، أو لنص الكتاب خصوصه أو عمومه أو فحواه ، أو السنة المقطوع بها ، أو لما حصل الاجماع عليه.
   وإذا تجرد عن القرائن الدالة على صدقه ، ولم يوجد ما يدل على خلاف متضمنه ، افتقر العمل به إلى اعتبار شروط نذكرها في الفصول المعقبة [ لهذه ]

معارج الاصول ـ 149 ـ
   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   الايمان معتبر في الراوي ، وأجاز الشيخ « ره » العمل بخبر الفطحية ، ومن ضارعهم ، بشرط أن لا يكون متهما بالكذب ، ومنع من رواية الغلاة ، كأبي الخطاب ، وابن أبي العزاقر.
   لنا : قوله تعالى : « إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا » (1).
   احتج الشيخ « ره » بأن الطائفة عملت بخبر عبد الله بن بكير ، وسماعة ، وعلي بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى ، وبما رواه بنو فضال ، والطاطريون .
   والجواب : أنا لا نعلم إلى الان أن الطائفة عملت بأخبار هولاء.

   المسألة الثانية :
   عدالة الراوي شرط في العمل بخبره [ و ] قال الشيخ « ره » يكفي كونه ثقة متحرزا عن الكذب في الرواية وان كان فاسقا بجوارحه ، وادعى عمل الطائفة على أخبار جماعة هذه صفتهم .
   ونحن نمنع هذه الدعوى ، ونطالب بدليلها ، ولو سلمنا [ ها ] لاقتصرنا على المواضع التي عملت فيها بأخبار خاصة ، ولم يجز التعدي في العمل إلى غيرها.
   ودعوى التحرز ( عن ) (2) الكذب مع ظهور ( الفسق ) (3) مستبعدة ، إذ الذي يظهر فسوقه لا يوثق بما يظهر من تحرجه عن الكذب.

(1) الحجرات / 6
(2) في نسخة : من
(3) في نسخة : الفسوق

معارج الاصول ـ 150 ـ
   تفريع
   عدالة الرواي ( تعلم ) (1) باشتهارها بين أهل النقل ، فمن اشتهرت عدالته من الرواة أو جرحه عمل بالاشتهار وان خفي حاله وشهد بها محدث واحد هل يقبل قوله بمجرده ؟ الحق انه لا يقبل الا على ما يقبل عليه تزكية الشاهد وجرحه ، وهو شهادة عدلين.
   وإذا جرح بعض ، وعدل آخرون ، قدم العمل بالجرح ، لأنه شهادة بزيادة لم يطلع عليها المعدل ، ولأن العدالة قد يشهد بها على الظاهر ، وليس كذلك الجرح.

   المسألة الثالثة :
   المجنون والصبي لاتقبل روايتهما في حال كونهما كذلك لأن الوثوق بهما لا يحصل ، لعدم تحقق الضبط ، سواء كان الصبي مميزا أو غير مميز .
   لا يقال : الصبي تقبل شهادته في الجراح والشجاج ، فيجب قبول روايته.
   لأنا نقول : لم لا يجوز أن يكون ذلك احتياطا في الدم ؟ لا لصحة خبره على أن منصب الرواية أعظم ، إذ الحكم بها مستمر والثابت ( عنها ) (2) شرع عام في المكلفين ، وليس كذلك الشهادة ، فلا يقاس أحدهما على الآخر.
   أما لو تحمل الشهادة صبيا لقبلت إذا أداها بالغا.

   المسألة الرابعة :
   المجهول النسب إذا عرف اسلامه لم يكف في قبول روايته ، فان عرفت عدالته قبلت ، لأنا نتيقن ارتفاع الفسق المانع من قبول الشهادة

(1) في نسخة : تظهر.
(2) في نسخة : منها.