فان عارضها رواية معروف النسب والعدالة كان الترجيح لجانب المعروف.

   المسألة الخامسة :
   إذا قال أخبرني بعض أصحابنا ، وعنى الامامية ، يقبل وان لم يصفه بالعدالة ـ إذا لم يصفه بالفسوق ـ لأن اخباره بمذهبه شهادة بأنه من أهل الامانة ، ولم يعلم منه الفسوق المانع من القبول.
   فان قال ( عن بعض أصحابه ) (1) ، لم يقبل ، لامكان أن يعني نسبته إلى الرواة ( أو ) (2) أهل العلم ، فيكون البحث فيه كالمجهول .

   المسألة السادسة :
   إذا أرسل الراوي الرواية ، قال الشيخ « ره » : ان كان ممن عرف أنه لا يروي الا عن ثقة ، قبلت مطلقا ، وان لم يكن كذلك ، قبلت بشرط أن لا يكون لها معارض من المسانيد الصحيحة.
   واحتج لذلك : بأن الطائفة عملت بالمراسيل عند سلامتها عن المعارض كما عملت بالمسانيد ، فمن أجاز أحدهما أجاز الآخر.

   المسألة السابعة :
   رواية المرأة المعروفة بالعدالة مقبولة ، للسبب المقتضي للقبول ، ويستوي في ذلك الحرة والمملوكة.

   المسألة الثامنة :
   يعتبر في الراوي الضبط ، فان عرف له السهو غالبا لم يقبل وان عرض نادرا قبل ، لأن أحدا لا يكاد يسلم منه ، فلو كان زواله أصلا شرطا في القبول ، لما صح العمل الا عن معصوم من السهو ، وهو باطل اجماعا من العاملين بالخبر .

   المسألة التاسعة :
   إذا قال راوي الاصل : لم أرو لك هذه الرواية قاطعا ، كان ذلك قادحا في الرواية ، وان قال : لا أذكر ، أو : لا أعلم ، لم يكن قادحا ، لجواز السهو على الاصل ، ووجود العدالة في الفرع ينفي التهمة عنه .

(1) في نسخة : بين بعض أصحابنا.
(2) في نسخة : و

معارج الاصول ـ 152 ـ
   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   الالفاظ التي تعلم نسبة الخبر بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أو أحد الائمة عليهم السلام أربع مراتب :
   الاولى : أن يقول : أسمعني رسول الله صلى الله عليه وآله أو شافهني أو حدثني.
   ويلي ذلك في القوة : أن يقول : قال رسول الله ، أو سمعت منه ، أو حدث .
   ويلي ذلك : أن يقول : أمر رسول الله صلى الله عليه وآله.
   ويليه : أن يقول : رويت عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
   وههنا الفاظ أخر ليست صريحة في الرواية : منها : أن يقول : أمرنا بكذا أو : ( نهينا ) (1) عن كذا ، أو : ابيح لنا كذا ، أو يقول : من السنة كذا ، أو يقول الصحابي : كنا نفعل كذا ، فهذه الالفاظ لا يعلم من نفسها الدلالة على الرواية ما لم ينضم إليها ما يدل على القصد بها .
   أما إذا كانت الرواية عن بعض الرواة ، فالصريح فيها ثلاثة ألفاظ : أخبرني أو حدثني ، أو يقال للراوي : هل حدثك أو أخبرك فلان ؟ فيقول : نعم .
   وههنا أمور تقوم مقام ذلك : أحدها الاشارة بالجوارح ، أو بالكتابة ، أو بتسليم كتاب الرواية ويسمى مناولة ، أو بالاجازة المعهودة ، وهو : أن يأذن له أن يروي عنه ما صح له من احاديثه ، اما بأن يحيله على كتاب مشهور ، أو أخبار معروفة .

   المسألة الثانية :
   يجب عرض الخبر على الكتاب ، لقوله عليه السلام : « إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فان وافق فاقبلوه ، والا فردوه » .

(1) في نسخة : نهانا.

معارج الاصول ـ 153 ـ
   المسألة الثالثة :
   إذا روى [ الراوي ] خبرا يخالف مذهبه ، لا يكون ذلك طعنا في الرواية ، لجواز أن يروي ذلك لما ظنه دليلا وليس كذلك .

   المسألة الرابعة :
   يجوز رواية الخبر بالمعنى ، بشرط أن لا تكون العبارة الثانية قاصرة [ عن ] معنى الاصل ، بل ناهضة بجميع فوائدها ، لأن الصحابة كانت تروي مجالس النبي صلى الله عليه وآله بعد انقضائها وتطاول المدد ، ويبعد في العادة بقاء ألفاظه عليه السلام بعينها على الاذهان ، و [ لأن ] الله سبحانه وتعالى قص القصة الواحدة بألفاظ مختلفة ، وحكى معناها عن الامم ، ومن المعلوم أن تلك القصة وقعت بغير اللغة العربية (1) ، وان كانت باللغة العربية فان الواقع منها يكون بعبارة واحدة ، وذلك دليل على جواز نسبة المعنى إلى القائل ، وان اختلفت الالفاظ.
   احتج المانع : بقوله عليه السلام : « [ رحم الله ] من سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها ».
والجواب أن نقول : إذا أداها بمعانيها فقد امتثل ، كما تقول : حكى فلان رسالة فلان ، إذا ( أداها ) (2) بالمعنى ولو خالفه ( باللفظ ) (3).

   المسألة الخامسة :
   إذا روى الواحد رواية ، ثم رواها ثانيا وزاد فيها زيادة ( أو ) (4) اختلفت الرواة في الرواية بالزيادة والنقصان ، هل يكون ذلك قادحا في الرواية أم لا ؟ نظر ، فان كان الراوي واحدا ولم تكن الزيادة منافية لمعنى الاول ، لم يكن ذلك قادحا ، لجواز أن يكون سمعها في مجلسين ، فحكى كل

(1) في الاصل : لغة العربية.
(2) في بعض النسخ : أتى.
(3) في نسخة : في اللفظ.
(4) في نسخة : و.

معارج الاصول ـ 154 ـ
   ( واحدة منهما ) (1) تارة ، أو في مجلس واحد واقتصر على حكاية بعضه ، وان تغاير الراوي وكان المنفرد بالزيادة واحدا ، وبالنقيصة جماعة يستحيل علهيم أن لا يسمعوا ما نقله الواحد ، كانت الزيادة مردودة ، وان لم يستحل ذلك ـ بأن يكون سمعها في مجلسين ، أو في مجلس واحد يجوز أن يغفل الآخرون ـ قبلت الزيادة ، فان كانت الزيادة منافية لمعنى الاول ، تضادت الرواية [ بها ] ، ووجب التوقف عن العمل.

   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   إذا تعارض خبران وأحدهما موافق لعموم القرآن أو السنة المتواترة أو لاجماع الطائفة ، وجب العمل بالموافق ، لوجهين :
   أحدهما : ان كل واحد من هذه الأمور حجة في نفسه ، فيكون دليلا على صدق مضمون الخبر الموافق له .
   الثاني : أن المنافي لا يعمل به لو انفرد عن المعارض ، فما ظنك به معه ؟!.
   وكذلك إذا تعارضا وكانت رواة أحدهما عدولا ، كان الترجيح لجانب ما رواه ( العدول ) (2) ، لأن رواية من ليس بعدل ، لاتقبل مع السلامة عن المعارض فمع وجود المعارض أولى.

   المسألة الثانية :
   رجح الشيخ « ره » بالضابط والاضبط ، والعالم والاعلم ، محتجا بأن الطائفة قدمت ما رواه محمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ، والفضيل

(1) في نسخة : واحد ، وفي أخرى : منها.
(2) في نسخة : العدل

معارج الاصول ـ 155 ـ
   ابن يسار ، ونظائرهم ، على من ليس له حالهم .
   ويمكن أن يحتج لذلك : بأن رواية العالم والاعلم (1) أبعد من احتمال الخطأ ، وأنسب بنقل الحديث على وجهه ، فكانت أولى.

   المسألة الثالثة :
   قال الشيخ « ره » : إذا روى أحد الراويين اللفظ ، والاخر المعنى ، وتعارضا ، فان كان راوي المعنى معروفا بالضبط والمعرفة فلا ترجيح وان لم يوثق منه بذلك ، ينبغي أن يؤخذ المروي لفظا ، وهذا ( حق ) (2) لأنه أبعد من الزلل.

   المسألة الرابعة :
   إذا روى الخبر سماعا ، وروى المعارض اجازة ، كان الترجيح لجانب المسموع ، الا أن يكون أحاله على أصل مسموع ، أو مصنف [ مشهور ] ، فيكونان متساويين.

   المسألة الخامسة :
   إذا كان راوي أحد الخبرين مجهولا ، والاخر معروفا أو كان أحد السندين متصلا ، والاخر مرسلا ، كان الترجيح للمعروف والمسند لوجود شرائط العمل فيهما على اليقين ، وعدم اليقين في الطرف الآخر.

   المسألة السادسة :
   إذا رويت روايتان وفي احداهما زيادة عن الأخرى قال الشيخ « ره » : عمل على الرواية المتضمنة للزيادة ، لانها في حكم خبرين.
   ولقائل أن يقول : أتعني بذلك أنه يعمل بالزيادة كما يعمل بالاصل ؟ أم تعني مع التعارض يكون أرجح ؟ ان أردت الاول فمسلم ، وان أردت الثاني فممنوع.

   المسألة السابعة :
   إذا عمل أكثر الطائفة على أحدى الروايتين كانت أولى إذا جوزنا كون الامام عليه السلام في جملتهم ، لأن الكثرة امارة الرجحان ، والعمل بالراجح واجب.

(1) كذا ، ولعل الصواب سقوط : الضابط والاضبط
(2) في نسخة : أحق

معارج الاصول ـ 156 ـ
   المسألة الثامنة :
   إذا كان أحد الخبرين موافقا للاصل ، قال قوم : يكون أولى ، لأن الظاهر أنه هو المتأخر ، وقال آخرون : الناقل أولى ، لأن له حكم النقل ، والموافق للاصل يستغنى بالاصل عنه ، فيغلب على الظن أنه لا حاجة للشارع إلى ذكره ، للاستغناء بحكم الاصل.
   والحق : انه اما أن يكونا عن الرسول صلى الله عليه وآله أو عن الائمة عليهم السلام فان كان عن النبي صلى الله عليه وآله وعلم التاريخ ، كان المتأخر أولى سواءا كان مطابقا للاصل أو لم يكن ، وان جهل التاريخ ، وجب التوقف ، لأنه كما يحتمل أن يكون أحدهما ناسخا يحتمل أن يكون منسوخا .
   واما ان كانا عن الائمة ، وجب القول بالتخيير ، سواءا علم تاريخهما أو جهل ، لأن الترجيح مفقود عنهما ، والنسخ لا يكون بعد النبي صلى الله عليه وآله ، فوجب القول بالتخيير .

   المسألة التاسعة :
   قال الشيخ « ره » : [ إذا تساوت ] الروايتان في العدالة والعدد عمل بأبعدهما من قول العامة ، والظاهر [ أن ] احتجاجه في ذلك برواية رويت عن الصادق عليه السلام وهو اثبات لمسألة ( علمية ) (1) بخبر واحد ، وما يخفى عليك ما فيه ، مع انه قد طعن فيه فضلاء من الشيعة كالمفيد ، وغيره .
   فان احتج : بأن الابعد لا يحتمل الا الفتوى ، والموافق للعامة يحتمل التقية فوجب الرجوع إلى ما لايحتمل .
   [ قلنا : لا نسلم انه لا يحتمل ] الا الفتوى ، لأنه كما جاز الفتوى لمصلحة يراها الامام ، كذلك تجوز الفتوى بما يحتمل التأويل ، مراعاة لمصلحة يعلمها الامام ، وان كنا لا نعلمها .
   فان قال : ذلك يسد باب العمل بالحديث .

(1) في نسخة : عملية

معارج الاصول ـ 157 ـ
   قلنا : انما نصير إلى ذلك على تقدير التعارض وحصول مانع يمنع من العمل ، لا مطلقا ، فلم يلزم سد باب العمل.

   المسألة العاشرة :
   إذا كان أحد الخبرين مشافهة ، والاخر مكاتبة ، كان الترجيح لجانب المشافهة ، لأن المكاتبة تحتمل من الخلل ما لا تحتمله المشافهة.

   المسألة الحادية عشرة :
   إذا كان أحد الخبرين حاظرا ، والاخر مبيحا وكان حكما هما مستفادين من الشرع ، قال قوم ، يكون الحاظر أولى ، لقوله عليه السلام : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » ولأنه أحوط في التحرز من الضرر.
   وجواب الاول : انه خبر واحد ، لا يثبت بمثله مسائل الاصول.
   [ و ] الثاني ضعيف ، لأن الضرر متوجه في الاقدام على حظر ما لا يؤمن [ من ] كونه مباحا كما هو محتمل في الطرف الآخر :
   والاولى : التوقف.

معارج الاصول ـ 159 ـ
   وفيه فصول :

معارج الاصول ـ 161 ـ
   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   النسخ في الاصل هو الازالة ، من قولهم نسخت الشمس الظل ، والتغيير ، كما يقال : نسخت الريح الاثر ، وقيل : هو حقيقة في النقل ، مجاز في غيره ، وقيل : [ بل ] هو مشترك ، والبحث لفظي .
   وفي الشرع : عبارة عن الاعلام بزوال مثل الحكم الثابت بالدليل الشرعي بدليل شرعي متراخ عنه ، على وجه لولاه لكان الحكم الاول ثابتا .
   ومن الناس من يجعل النسخ رفعا ، ومنهم من يجعله بيانا لانتهاء مدة الحكم الاول.
   والناسخ : هو الدليل الثاني ، وقد يطلق الناسخ على ناصب دلالة النسخ ، وقد يتجوز به في الحكم ، كما يقال : نسخ شهر رمضان صوم عاشوراء ، وفي المعتقد ، كما يقال : الحنفي ينسخ القرآن بالسنة .
   والمنسوخ : هو الدليل الاول ، وقد يستعمل في الحكم ، ولا يطلق النسخ بالحقيقة الا حيث يكون الدليلان شرعيين ، فلو كانا عقليين أو أحدهما ، لم يكن ذلك نسخا بالحقيقة ، وان كان معنى النسخ موجودا فيه.

معارج الاصول ـ 162 ـ
   المسألة الثانية :
   النسخ في الشرائع جائز عقلا وشرعا :
   أما عقلا فلوجهين :
   أحدهما أن الشرائع تابعة للمصالح ، وهي جائزة الاختلاف ، فجاز اختلاف ما هو تابع لها .
   الثاني أن الدلائل القطعية دلت على نبوة نبينا صلى الله عليه وآله ويلزم من ذلك نسخ شرع من قبله .
   وأما شرعا فوجوه :
   أحدها : [ ما ] نقل أن نوحا عليه السلام احل له كل دابة ، ثم حرم على لسان موسى عليه السلام كثير من الحيوان.
   الثاني : قوله تعالى : « مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا » (1).
   الثالث : وقوع النسخ في شرعنا ، كنسخ التوجه إلى بيت المقدس باستقبال الكعبة ، ونسخ الاعتداد في الوفاة بالحول إلى أربعة أشهر وعشر ، ونسخ ثبات الواحد في الجهاد لعشرة إلى ثباته لاثنين .
   احتج المانع بوجوه :
   الاول : لو جاز النسخ ، لزم منه الأمر بالشيء والنهي عنه ، لكن ذلك فاسد من وجوه :
   الاول : انه يلزم منه البداء.
   الثاني : انه يؤدي إلى كون الشيء حسنا [ و ] قبيحا.
   لثالث : ان يكون الأمر يدل على حسن المأمور ، فلو نهى عنه لانتقضت تلك الدلالة.

(1) البقرة / 106

معارج الاصول ـ 163 ـ
   الوجه الثاني : ان اطلاق الأمر يدل على استمرار الالزام بالفعل ، فلو لم يرد دوامه ، لوجب بيان مدته ، والا لزم الاغراء باعتقاد الجهل.
   الوجه الثالث : لو جاز النسخ لزم رفع الثقة بدوام الاحكام ، وتمسك اليهود في المسألة بقول موسى عليه السلام : « تمسكوا بالسبت [ أبدا » وبقوله : « تمسكوا بالسبت ] مادامت السماوات والارض ».
   والجواب عن الاول ( أن نقول : لا نسلم ) (1) أنه يلزم منه الأمر بالشيء و النهي عنه ، لأنا بينا أن الدليل الاول تناول غير ما تناوله الثاني وانما يلزم البداء لو كان الأمر بنفس ما نهى عنه ، والوقت والمكلف واحد.
   قوله : لو نهى عنه لانتقضت دلالة الحسن.
   قلنا : لا نسلم أن الدليل الثاني دل على قبح ما لم يدل عليه الاول ، فلم تنتقض دلالته ، وجرى ذلك مجرى ما علم زواله عقلا ، فان الشرع إذا دل على وجوب فعل ، فإذا عجز عنه [ المكلف ] سقط بالعجز ، ولا يلزم أن يكون العجز ناقضا لدلالة الوجوب ، فكذا مسألتنا .
   والجواب عن الثاني : قوله لو لم يرد دوامه لبينه والالزم الاغراء باعتقاد الجهل.
   قلنا : لا نسلم ، لأن المكلف يعلم أن تغير المصالح يوجب تغير التكاليف وذلك يمنعه عن القطع باعتقاد الدوام.
   قوله في الوجه الثالث : يلزم أن لا يحصل الوثوق بدوام شيء من الاحكام.
   قلنا : نحن نعلم دوام كثير من الاحكام بالضرورة من مقاصد الشرع ، فيكون الوثوق بالدوام حيث [ يكون ] الأمر كذلك دون غيره.

   المسألة الثالثة : الزيادة على النص ان كانت رافعة لمثل الحكم الشرعي

(1) في نسخة : أنا لا نسلم.

معارج الاصول ـ 164 ـ
   المستفاد من الحكم الشرعي ، كانت نسخا ، وان كانت رافعة لحكم من أحكامه المستفادة من العقل ، لم يكن ذلك نسخا .
   وفائدة ذلك : ما ثبت أن خبر الواحد لا ينسخ به حكم الدليل المقطوع به فكل موضع ( تعده ) (1) نسخا لا يجوز استعمال خبر الواحد فيه .
   وقال [ السيد ] المرتضى « ره » ، وأبو جعفر « ره » : ان كانت [ الزيادة ] مغيرة للمزيد عليه ، بحيث لو فعل كما كان يفعل قبل الزيادة ، لم يكن مجزيا ، ووجب استئنافه ، كان ذلك نسخا ، والا فلا .
   لنا : ما بيناه أولا من أن شرط النسخ أن يكون رافعا لمثل الحكم الشرعي المستفاد بالدليل الشرعي ، فبتقدير أن يكون ذلك الحكم مستفادا من العقل لا يكون الرفع [ لمثله ] نسخا حقيقيا ، والا لكان كل خبر يرفع البراءة الاصلية نسخا ، وهو باطل .
   لا يقال : لو وجبت الصلاة ركعتين ، ثم زيد عليها [ ركعة ] أخرى لكانت ناسخة ، لأن التسليم وجب تأخيره إلى ما بعد الثالثة ، وقد كان يجب أن يكون عقيب الثانية ، ولأن الركعتين كانتا مجزيتين بانفرادهما ( فصارتا ) (2) غير مجزيتين لو انفردتا.
   لأنا نقول : لا نسلم أن ذلك نسخ لوجوب الركعتين ، ولا للتشهد وان كان التغير فيهما ثابتا ، بل بتقدير أن يكون الشرع دل على ( وجوب تعقيب التشهد بالتسليم ) (3) للثانية ، يلزم أن يكون الأمر بتأخيره نسخا لتعجيله ، إذ لم

(1) في نسخة : نعده.
(2) في بعض النسخ : فعادتا.
(3) كذا الظاهر ، ولكن في بعض النسخ : وجوب تعقيب التشهد ، وفي أخرى : وجوب تشهد التسليم.

معارج الاصول ـ 165 ـ
   يرفع [ الدليل ] الثاني شيئا غير ذلك.
   واما الركعتان فان حكمهما باق من كونهما واجبتين ، وغاية ما في الباب أن وجوبهما كان منفردا ، فصار منضما إلى الثالثة ، والشئ لا ينسخ بانضياف غيره إليه ، كما [ لا ] ينسخ وجوب فريضة واحدة إذا وجب بعدها أخرى.
   وأما كونهما لو انفردتا [ لما ] أجزأتا بعد أن كانتا مجزئتين ، فان الاجزاء يعلم لامن منطوق الدليل ، بل علم بالعقل ، فلم يكن نسخا ، ولو علم الاجزاء من نفس الدليل الشرعي ، لكان المنسوخ اجزاؤهما منفردتين ، لا وجوبهما.

   المسألة الرابعة :
   النقيصة من العبادة لا تكون نسخا لها ، سواءا كان الناقص جزءا منها أو شرطا لها ، لكن ان دل الدليل الشرعي على وجوب ذلك الجزء أو ذلك الشرط ، ثم دل الآخر على ارتفاعه ، كان ذلك نسخا للجزء ( والشرط ) (1) خاصة ، دون نفس العبادة.
   مثال ذلك : إذا أوجب صلاة ثلاثية مثلا ، ثم أسقط منها ركعة ، كان ذلك نسخا لتلك الركعة حسب ، ولم يكن نسخا للصلاة كلها ، أو أوجب فريضة و شرط لها شرطا ثم أسقط ذلك الشرط ، كان نسخا له حسب ، ولم يكن نسخا للفريضة .
   لنا : ان الدليل المقتضي لثبوت الحكم السابق ثابت ، والدليل الثاني ليس رافعا لمثل حكمه ، فلا يكون نسخا .
   فان قالوا : العبادة الاولى كانت غير مجزية بتقدير أن لا يفعل الشرط ، وقد صارت الان مجزية ، فقد انتسخ الاجزاء.
   قلنا : لا نسلم أن ذلك نسخ ، لأنا قد بينا أن الاجزاء إذا لم يتضمنه الدليل الشرعي يكون معلوما بالعقل ، فلا يكون زواله نسخا ، ولو سلمنا أن ذلك نسخ ،

(1) في نسخة : وللشرط

معارج الاصول ـ 166 ـ
   لكان نسخا للاجزاء ، لا نسخا للعبادة .

   المسألة الخامسة :
   يعلم النسخ بأن يقال : هذا ناسخ ، وذاك منسوخ ، أو يكون حكم أحد الدليلين مضادا لحكم آخر ، فيكون المتأخر ناسخا ، ويعلم التاريخ بوجوه :
   منها : أن يتضمن لفظ أحدهما ما يدل على التأخر أو التقدم.
   ومنها : أن يضاف أحدهما إلى زمان أو مكان يعلم منه التقدم أو التأخر.
   ومنها : أن يروي احدى الروايتين عن النبي صلى الله عليه وآله من انقطعت صحبته عند تجدد صحبة راوي الاخرى.
   وهل يقبل قول الصحابي إذا قال : كذا منسوخ مطلقا ، أو منسوخ بكذا ؟
   الاظهر : لا ، إذ يجوز ان يكون قال ذلك اجتهادا ، لا عن سماع ، وقد يخطئ المجتهد.

   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   من شرط الناسخ أن يكون المراد به غير المراد بالمنسوخ نفسه ، إذ لو اريد ازالة المنسوخ نفسه لكان أمرا بنفس ما نهى عنه ، ويلزم من هذا البداء.

   المسألة الثانية :
   من شرط الناسخ أن يكون متراخيا ، لأنه لو كان متصلا لما كان نسخا ، كما في قوله تعالى : « وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ » (1) ( وقوله ) (2)

(1) البقرة / 222
(2) في نسخة : وكقوله

معارج الاصول ـ 167 ـ
   تعالى : « ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ » (1) بل ذلك بالتقييد والتخصيص أشبه.
   المسألة الثالثة : من شرط [ الناسخ ] أن يكون في قوة المنسوخ ، فلا ينسخ المتواتر بالآحاد ، ولا المعلوم بالمظنون كالقياس وما شاكله .

   وربما وقعت مشتركة ، وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   إذا تضمن الدليل الاول لفظ التأبيد ، هل يجوز نسخه ؟.
   أنكره قوم ، والحق خلافه ، لأنه قد يستعمل فيما لا يراد به الدوام ، فانه يقال تعلم العلم أبدا.
   ولو سلمنا أنه حقيقة في الدوام ، لكان ورود الناسخ يدل على أنه لم يرد به الدوام ، وكما أن العام حقيقة في الاستغراق ثم مع ورود المخصص يعلم أنه لم يرد ، فكذا هنا .

   المسألة الثانية :
   يجوز نسخ الحكم لا إلى بدل ، ومنعه قوم .
   لنا : نسخ الصدقة بين يدي المناجاة لا إلى بدل ، ولأن النسخ تابع للمصلحة فإذا كان الشيء مصلحة في وقت امر به ، وإذا انقلب [ إلى ] مفسدة نهي عنه ، ( ثم لا يلزم ) (2) البدل.

   المسألة الثالثة :
   لابد أن يكون المنسوخ مطلقا غير موقت بوقت معين لأنه لو وقت لم يكن ذلك نسخا ، لأن شرط تسميته أن يثبت الحكم لولا الدليل المتراخي ، وذلك غير حاصل في هذه الصورة.

   المسألة الرابعة :
   لا يجوز نسخ الشيء قبل وقت فعله ، مثل أن يأمر في

(1) البقرة / 187
(2) في نسخة : ولا يلزم

معارج الاصول ـ 168 ـ
   أول النهار بصلاة ركعتين عند الزوال ، ثم ينسخهما قبل ذلك ، وهو اختيار المرتضى « ره » ، وأبي جعفر ره. وقال المفيد « ره » : ( يجوز ) (1) ذلك ، وهو اختيار جماعة من الفقهاء والاشعرية .
   لنا : لو وقع ذلك ، لزم أن يأمر بنفس ما نهى عنه ، لكن ذلك محال لوجهين :
   الاول : أن الأمر يقتضي كونه حسنا ، والنهي يقتضي كونه قبيحا ، فيلزم كونه حسنا قبيحا معا .
   [ و ] الثاني : أن الفعل الواحد اما أن يكون حسنا ، واما أن يكون قبيحا [ فبتقدير أن يكون حسنا يلزم قبح النهي عنه ، وبتقدير أن يكون قبيحا ] يقبح الأمر به .
   احتج المجيز لذلك بوجوه :
   الاول : قوله تعالى : « يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ » (2).
   الثاني : انه تعالى أمر ابراهيم عليه السلام بذبح اسماعيل ، ثم نسخ ذلك قبل ذبحه .
   الثالث : ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله أمر ليلة المعراج بخمسين صلاة ، ثم اقتصر به على خمس.
   ولان المصلحة قد تتعلق بنفس الأمر والنهي ، فجاز الاقتصار علهيما من دون ارادة فعل [ الاول وترك الثاني ].
   والجواب عن الاول : أن المحو والاثبات معلقان على المشيئة ، فلا نسلم

(1) في بعض النسخ : بجواز
(2) الرعد / 39

معارج الاصول ـ 169 ـ
   أنه يشاء مثل هذا القدر ، على أنه ( يحتمل ) (1) أن يكون يمحو ما يشاء مما يثبته غيره ، وكذلك يثبت ما يشاء ، فمن أين أنه يمحو ما يثبته هو تعالى .
   وقد قيل أن الحفظة تثبت على العبد معاصيه وطاعاته ، فيمحو الله سبحانه ما يشاء من المعاصي ، وهذا وان لم يكن معلوما ، فهو محتمل ، وبمثله يخرج الاحتجاج عن اليقين.
   والجواب عن الثاني : لم لا يجوز أن يكون الأمر كان بمقدمات الذبح ؟ و يكون الذبح ـ وان نطق به ـ غير مراد ، ويدل على ذلك قوله تعالى : « قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا » (2).
   لا يقال : لو كان [ ذلك ] ، مرادا لما قال : « فَانظُرْ مَاذَا تَرَى » (3) ولما قال : « إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ » (4) ولما قال : « وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ » (5).
   لأنا نقول : غلب على ظن ابراهيم أن المراد الذبح ، فلهذا قال « ماذا ترى » وبواسطة ذلك الظن قال : « إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ ».
   وأما الفداء فقد يجوز أن يسمى بذلك وان لم يجب ذبح المفدى ، لمكان ظن ابراهيم أنه تعالى أراد الذبح.
   والجواب عن الثالث : أنه خبر واحد ، لا يثبت بمثله مسائل الاصول ، على أن فيه طعنا على الانبياء بالاقدام على المراجعة في الاوامر المطلقة.
   والجوب عن الرابع : أن الأمر والنهي يتبعان متعلقهما ، فان كان حسنا

(1) في نسخة : محتمل
(2) الصافات / 105
(3) الصافات / 102
(4) الصافات / 106
(5) الصافات / 107

معارج الاصول ـ 170 ـ
   كانا كذلك ، والا قبيحا ، على أنه لو كان الأمر كذلك ، لم يكن متعلق الأمر مرادا ، فلا يكون مأمورا به فلا يكون النسخ متناولا له .

   المسألة الخامسة :
   النسخ في القرآن جائز ، ويدل على ذلك وقوعه ، كنسخ عدة الوفاة بالحول إلى أربعة أشهر وعشر ، وكنسخ الصدقة أمام المناجاة ، وكنسخ الفرار من الزحف من العشرة.
   احتج المانع : بقوله تعالى : « لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ » (1) والجواب : لا نسلم أن النسخ باطل ، ولا يلزم من كونه ابطالا ، أن يكون باطلا .
   سلمناه جدلا ، لكن لم لا يجوز أن يكون « مابين يديه » اشارة إلى كتب الانبياء المتقدمة ؟ و « خلفه » اشارة إلى ما [ يكون ] بعد النبي صلى الله عليه وآله أو بعد كمال نزوله ، وهذا الاحتمال كاف في ابطال الاحتجاج.

   المسألة السادسة :
   نسخ الحكم دون التلاوة جائز ، وواقع ، كنسخ الاعتداد بالحول ، وكنسخ الامساك في البيوت.
   كذلك نسخ التلاوة مع بقاء الحكم جائز ، وقيل : واقع ، كما يقال انه كان في القرآن زيادة نسخت ، وهذا و ( ان لم يكن ) (2) معلوما ، فانه يجوز .
   لا يقال : لو نسخ الحكم ( لما ) (3) بقي في التلاوة فائدة ، فانه من الجائز أن يشتمل على مصلحة تقتضي ابقائها ، وأما بطلان دلالتها فلا نسلم ، فان الدلالة باقية على الحكم ، نعم لا يجب العمل به .

   المسألة السابعة :
   يجوز دخول النسخ في الاخبار التي تتضمن معنى الأمر ومعنى النهي ، كما يجوز في الأمر والنهى ، وكذلك في الخبر المأمور به ،

(1) فصلت / 42
(2) في نسخة : لو لم يكن
(3) في نسخة : ما

معارج الاصول ـ 171 ـ
   كالاخبار بالتوحيد والعدل ، فيؤمر بذلك الخبر تارة ، وينهى عنه أخرى بحسب اختلاف المصلحة ، وهذا لا بحث فيه .
   وهل يجوز أن يخبر الله تعالى بخبر محض ، ثم يخبر بخلافه ؟ نظر ، فان كان ذلك المخبر مما يتغير مدلول الخبر فيه ، أمكن ذلك ، والا لم ( يجز ) (1).

   المسألة الثامنة :
   نسخ الكتاب بالكتاب جائز ، والسنة المتواترة بمثلها ، والآحاد بالآحاد ، كما قيل في ادخار لحوم الاضاحي ، وزيارة القبور.
   وهل يجوز نسخ السنة المتواترة بخبر الواحد ؟ منعه الأكثرون ، وهو الحق وقال قوم من أهل الظاهر بجوازه .
   لنا : وجوه :
   أحدها : أن ( خبر ) (2) الواحد مظنون ، والمتواتر معلوم ، ولا يجوز ترك المعلوم للمظنون .
   الثاني : ان خبر الواحد مختلف في العمل [ به ] ، وليس كذلك المتواتر ، فيكون العمل بالمتفق عليه أولى.
   الثالث : لو وجب العمل بخبر الواحد لكونه منسوبا إلى صاحب الشرع ، لوجب في المتواتر ، فيلزم التناقض ، ولو عمل بالمتواتر لكونه متواترا ، لم يلزم العمل بالخبر الواحد ، فلا يلزم التناقض.
   احتج الخصم بوجهين :
   أحدهما : يجوز التخصيص به ، فيجوز النسخ به.
   الثاني : وقع النسخ به ، كما في قوله تعالى : « وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ » (3)

(1) يظهر من احدى النسخ ( يخبر )
(2) في نسخة : الخبر
(3) النساء / 24

معارج الاصول ـ 172 ـ
   بقوله : « لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ».
   وقوله تعالى : «قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ » (1) بنهيه عن كل ذى ناب من السباع.
   والجواب عن الاول : أن نمنع تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، ثم لو سلمناه لما لزم من التخصيص النسخ ، لأن النسخ ازالة الحكم ، والتخصيص ليس كذلك .
   وعن الثاني : لا نسلم أن ذلك نسخ ، بل هو تخصيص ، على أنا لا نسلم أن التخصيص واقع بمجرد الخبر ، بل لكون الامة تلقته بالقبول وذلك غير ما نحن فيه .

   المسألة التاسعة :
   يجوز نسخ السنة المتواترة بالقرآن ، خلافا للشافعي .
   لنا : وقوعه ، فان استقبال بيت المقدس نسخ بقوله : « فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ » (2) وتحريم المباشرة : [ بالليل ] نسخ : بقوله « فالان باشروهن » (3) احتج الشافعي : بقوله تعالى : « لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ » (4) فلو نسخ قوله بالقرآن [ حتى يتبين ] ، لما كان قوله بيانا .
   والجواب : لا نسلم أنه يلزم من كونه مبينا ما نزل الينا ، أن لا يكون في المنزل [ بيان ] لبعض أقواله.
   المسألة العاشرة : نسخ الكتاب بالسنة المتواترة واقع ، وحكى عن الشافعي انكاره.

(1) الانعام / 145
(2) البقرة / 144
(3) البقرة / 187
(4) النحل / 44

معارج الاصول ـ 173 ـ
   لنا : ان السنة المتواترة يقينية ، فتكون مساوية للقرآن في اليقين ، فكما جاز نسخ الكتاب بالكتاب ، جاز نسخه بالسنة المساوية في العلم ، ولأن الزانية كان يجب امساكها في البيوت ، ونسخ ذلك بالرجم في المحصنة.
   احتج المانع : بقوله تعالى : « ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها » (1) والسنة ليست مماثلة للقرآن .
   وبقوله : « قل ما يكون لي أن أبد له من تلقاء نفسي ان أتبع الا ما يوحى إلى » (2).
   والجواب عن الاول : انه لا يلزم أن يكون المأتى به عوض المنسوخ ناسخا ، فلم لا يجوز أن تنسخ الآية بالسنة وهي دونها ، ثم يأتي الله بآية خير من المنسوخة ولا تتضمن حكم النسخ.
   والجواب عن الثاني : أنا نسلم أنه لايبد له الا بوحى من الله ، ولا يلزم أن يكون الناسخ قرآنا ، بل يجوز أن يكون الأمر بالنطق بالناسخ قرآنا ، وذلك [ مما ] لا ينافي ما قصدنا .

   المسألة الحادية عشرة :
   في الاجماع ، هل ينسخ وينسخ به أم لا ؟ يحتاج ذلك إلى تقديم مقدمة :
   وهي ان الاجماع هل يمكن استقراره قبل انقطاع الوحي أم لا ؟ أنكر ذلك الجمهور بأجمعهم ، وأجازه بعض أصحابنا.
   أما الجمهور فقالوا : إذا اتفق المسلمون على شيء في زمن النبي صلى الله عليه وآله فان كان منضما إلى قوله صلى الله عليه وآله ففيه الحجة ، لا في قول غيره ، فلم يكن اجماعا ، وان كان منفردا عن قوله صلى الله عليه وآله لم يعتد به .

(1) البقرة / 106
(2) يونس / 15

معارج الاصول ـ 174 ـ
   وأما المرتضى « ره » فانه أجاز وقوع الاجماع في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بناءا على أن الاجماع هو اتفاق من يعلم أن المعصوم عليه السلام في جملتهم ، وبأن الأدلة التي استدلوا بها على صحة الاجماع لا تختص بما بعد انقطاع الوحي.
   وقول الجمهور : لا اعتبار بقول الجماعة ، ضعيف ، لأنه لولا اتفاق الجماعة لما علم قول النبي صلى الله عليه وآله فكان اتفاقهم منضما إلى قوله من غير تعيين حجة .
   إذا عرفت هذا فنقول : اختلف أصحابنا في الاجماع ، هل ينسخ وينسخ به ؟ فقال المرتضى « ره » : يجوز ذلك عقلا ، لكن الاجماع منع منه ، وقال [ شيخنا أبو جعفر ] الطوسي : الاجماع دليل عقلي ، والنسخ لا يكون الا بدليل شرعى ، فلم يتحقق النسخ فيما يكون مستنده العقل ، وقال بعض المتأخرين : الاجماع لا يكون الا اتفاقا ، ولا يكون الا عن مستند قطعي ، فيكون الناسخ ذلك المستند لا نفس الاجماع ، وفي هذه الوجوه اشكال.
   والذي يجيء على مذهبنا أنه يصح دخول النسخ فيه ، بناءا على أن الاجماع انضمام اقوال إلى قول لو انفرد لكانت الحجة ، فيه ، فجائز حصول مثل هذا في زمن النبي صلى الله عليه وآله ثم ينسخ ذلك الحكم بدلالة شرعية متراخية ، و كذلك يجوز ارتفاع الحكم المعلوم من السنة أو القرآن بأقوال يدخل في جملتها قول النبي صلى الله عليه وآله.

   المسألة الثانية عشرة :
   هل يدخل النسخ فحوى الخطاب ؟ الحق : نعم ، لأنه دليل شرعي ، فجاز رفع الحكم الثابت به ، كغيره من الأدلة ، لكن يجوز رفع المنطوق والفحوى ، [ ورفع الفحوى ] دون المنطوق ، إذا تعلقت به مصلحة وان كان فيه بعد .

معارج الاصول ـ 175 ـ
   وهل يجوز رفع المنطوق به دون ما دلت عليه الفحوى ؟ هذا جائز ، و أنكر ذلك قوم ، وزعموا أن الفحوى انما علمت تبعا [ للتصريح ] (1) فإذا رفع الاصل تبعه الفرع.

(1) في نسخة : للصريح