المسألة الرابعة : لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي ، لأن المقتضي للعموم موجود ، وهو الصيغة الموضوعة للاستغراق ، وعدول الراوي يجوز أن يكون عن امارة أو نظر فاسد .
   لا يقال : لو لم يعلم ( من شاهد حال ) (1) النبي صلى الله عليه وآله التخصيص ، لبين وجه العدول.
   لأنا نقول : لا نسلم وجوب اظهار الوجه الا عند المطالبة ، فلعلها لم تحصل. سلمنا حصولها ، لكن لم تنقل ، لأن نقلها ليس واجبا على السامع. المسألة الخامسة : ذكر بعض ما ( يتناوله ) (2) العام لا يخص العموم ، خلافا لأبي ثور ، لأن التخصيص مشروط بالتنافي ، ولا تنافي ، وكذلك قصد المتكلم بخطابه إلى المدح والذم لا يمنع [ من ] كونه عاما خلافا لبعض الشافعية ، لأن قصد المتكلم ذلك لا ينافي صيغة العموم ـ لا وضعا ولا عادة ـ لصحة الجمع بينهما .

(1) في نسخة : شاهد من حال.
(2) في نسخة : تناوله.

معارج الاصول ـ 103 ـ
   وفيه فصول :


معارج الاصول ـ 105 ـ
   المجمل : قد يراد به ما أفاد جملة من الاشياء ، من قولهم (1) : أجملت الحساب [ و ] في الاصطلاح : هو ما أفاد شيئا من جملة أشياء ، هو معين في نفسه ، واللفظ لا يعينه .
   والبيان في العرف : هو كلام أو فعل دال على المراد بخطاب لا يستقل بنفسه في معرفة المراد.
   والمبين : قد يطلق على ما يحتاج الى بيان ، وقد ورد عليه بيانه وقد يطلق على الخطاب المبتدأ المستغني عن بيان .
   والمفسر : له المعنيان أيضا.
   والنص : هو الكلام الذي يظهر افادته لمعناه ، ولا يتناول أكثر ( مما ) (2) هو مقول فيه.

(1) في نسخة : كقولهم.
(2) في نسخة : ما.

معارج الاصول ـ 106 ـ
   والضابط فيه : أن كل ما لا يستقل بنفسه في معرفة المراد به ( فهو ) (1) مجمل .
   وتقسيم ذلك أن نقول : الأدلة الشرعية : اما أقوال أو افعال.
   فالاقوال على ضربين : ما يستقل بنفسه في معرفة المراد [ به ] وهو [ ما ] يدل : اما بصريحه ، كقوله تعالى : « وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا » (2) وقوله : « وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » (3) أو بفحواه ، كقوله : « فلا تقل لهما أف » (4) وهذا حقيقة عرفية في نفي الاذية مطلقا .
   وقيل : يعلم ذلك بالقياس ، وهو باطل ، لأنه يعلمه من لا يستحضر القياس ومن لا يعتقد صحته أيضا.
   ومنه ما لا يستقل بنفسه ، وهو نوعان : أحدهما : يحتاج إلى بيان ما لم يرد منه ، كقوله تعالى : « وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا » (5) وهذا يصح التعلق به ، ومنهم من أدخله في حيز المجمل ، والاظهر ما ذكرناه [ والنوع ] الثاني : ما يفتقر إلى بيان ما أريد به ، وهو على أقسام :
   الاول : ما وضع في اللغة لمعنى واحد ، ( موجود ) (6) في أشخاص متعدده فانه بالنظر إليها أو إلى بعضها المعين ، مجمل ، كقوله تعالى : « وَآتُواْ حَقَّهُ

(1) في نسخة : هو.
(2) الكهف / 49.
(3) النساء / 176.
(4) الاسراء / 23.
(5) المائدة / 38.
(6) في نسخة : موضوع.

معارج الاصول ـ 107 ـ
   يوم حصاده » (1).
   الثاني : ما وضع لمعان [ مختلفة ] متعددة ـ وهو المشترك ـ فهو مجمل أيضا على ما مر بيانه ، كقوله تعالى : « ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ » .(2)
   الثالث : ما استعمل في بعض موضوعه لمخصص ، [ مجمل ] ، كقوله تعالى : « أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ » (3).
   الرابع : ما استعمل في غير موضوعه وهو ضربان : [ أحدهما ] : الاسماء الشرعية ، منقولة كانت كقوله تعالى : « أقيموا الصلاة » (4) ( أو ) (5) مختصة كقوله تعالى : « ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ » (6) [ و ] الثاني : ما استعمل في مجازه ، وتساوت المجازات بالنسبة إليه ، فهو مجمل فيها .
   وأما الافعال : فكلها محتاجة إلى البيان ، لانها لا تنبئ عن الوجوه التي وقعت عليها ، [ وقد يقترن بها ما ينبئ عن الوجوه التي وقعت عليها ] كما إذا رؤي مثلا أنه صلى صلاة جماعة بأذان واقامة ، علم أنها واجبة ، لأن ذلك من دلائل الوجوب.

   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   التحريم والتحليل المعلقان على الاعيان ، ينصرف إلى

(1) الانعام / 141.
(2) البقرة / 228.
(3) المائدة / 1.
(4) البقرة / 43.
(5) في نسخة : و.
(6) البقرة / 187.

معارج الاصول ـ 108 ـ
   المنفعة المطلوبة من تلك العين عرفا ، وقال أبو عبد الله : هو مجمل.
   لنا أن الذهن يسبق إلى ذلك ، فان القائل : [ هذا الطعام حرام ، يسبق إلى الذهن تحريم أكله. و ] هذه المرأة حرام يسبق إلى الذهن تحريم الاستمتاع بها ، وسبق الذهن إلى الشيء دلالة على كون اللفظ حقيقة فيه .
   احتج بأن الاعيان غير مقدورة ، فلا يتناولها النهي ، وليس مجاز أولى من مجاز ، فوجب التوقف.
   وجوابه : منع الثانية ، لقيام الاولوية البادية ، بقضية العرف.

   المسألة الثانية :
   قال الشيخ أبو جعفر « ره » : الباء في قوله تعالى : « وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ » (1) للتبعيض ، لأن الفعل متعد بنفسه ، فلولم تفد التبعيض لم يكن ( ثمة ) (2) فائدة .
   وقال القاضي تفيد الالصاق فحسب ، كما تقول : امسح يدك بالمنديل ، فانه يوجب الصاق يده بالمنديل ، اما بكله ، أو ببعضه .
   وقال بعض العراقيين : هي مجملة ، لانها تحتمل مسح الكل والبعض ، فإذا مسح النبي صلى الله عليه وآله بناصيته ، كان ذلك بيانا للمجمل .

   المسألة الثالثة :
   حرف النفي إذا دخل على المصدر كقوله : لا صلاة الا بطهور ، قال أبو عبد الله البصري : هو مجمل .
   وقال قوم : ان كان الفعل شرعيا ، انتفى عند انتفاء الصفة المذكورة ، كقوله : لا صلاة الا بفاتحة الكتاب » ، لأن الشرع ( أخبر ) (3) بانتفاء ذلك ، و ان كان حقيقة انصرف إلى حكمه : فان كان له حكم واحد ، انتفى ذلك الحكم

(1) المائدة / 6.
(2) في نسخة : ثم.
(3) في نسخة : أخبرنا.

معارج الاصول ـ 109 ـ
   كقوله : لا شهادة لقاذف » ، وان كان له أحكام متساوية ، كان مجملا .

   وفيه مسائل :

المسألة الاولى :
   البيان يقع بأشياء :
   الاول : القول ، وهو ظاهر .
   الثاني : الكتابة ، كما بين الله تعالى لملائكته بما كتبه في اللوح ، والرسول بما كتبه لعماله ، والائمة من بعده .
   الثالث : الاشارة ، كما قال : الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، بأصابعه العشر ثم أعاد وحبس اصبعه في الثالثة ، وهذا القسم لا يصح في حق الله تعالى ، ( لافتقاره ) (1) إلى الاعضاء ، واستحالتها قي حقه تعالى .
   الرابع : الفعل ، وأنكر ذلك قوم ، والاصح جوازه ، كما بين النبي صلى الله عليه وآله الحج والوضوء بفعله ، ولا يكون [ ذلك ] بيانا حتى يعلم ذلك من قصده ، أو بنصه كقوله : « صلوا كما رأيتموني أصلي » ، أو بالدليل العقلي ، كما إذا فعل وقت الحاجة إلى بيان الخطاب.
   [ الخامس ] الترك ، كأن يتركه صلى الله عليه وآله ـ بعد فعله ـ عمدا ، [ أ ] ويكون الخطاب متناولا له ولامته ، ثم يتركه ، فيعلم خروجه ( عن ) (2) العموم فرعان .
   الاول : الفعل أكشف من القول في البيان ، لأن الفعل ينبئ عن صفة

(1) في نسخة : لافتقارها.
(2) في نسخة : من.

معارج الاصول ـ 110 ـ
   المبين عيانا ، والقول اخبار عن تلك الصفة ، وليس الخبر كالعيان .
   الفرع الثاني : إذا ورد عقيب المجمل قول وفعل ، يحتمل أن يكون كل واحد منهما بيانا ، فان لم يتنافيا ، وعلم تقدم أحدهما ، كان هو البيان ، والثاني تأكيدا ، وان جهل ، كانا سواء في الاحتمال وان تنافيا ، وعلم تقدم أحدهما كان هو البيان ، ( وان ) (1) جهل ، كان القول هو البيان دون الفعل ، لأنه يدل بنفسه ، وليس كذلك الفعل.

   المسألة الثانية :
   لا يجب أن يكون البيان كالمبين في القوة ، خلافا للكرخي فانه لا يعمل بخبر الاوساق ، مع قوله عليه السلام : « فيما سقت السماء العشر ».
   وانما قلنا ذلك لأنه لا يمتنع تعلق المصلحة به ، وهو متضمن لحكم شرعي عملي ، فجاز استفادته بالخبر المظنون ، على ما سيأتي انشاء الله تعالى .

   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   يجوز أن يؤخر النبي صلى الله عليه وآله [ تبليغ ] العبادة إلى وقت الحاجة إليها ، وأو جبه قوم قبل الحاجة.
   لنا : لو علم ذلك ، لعلم اما سمعا أو عقلا ، والقسمان ( منتفيان ) (2).
   احتجوا : بقوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ » (3) والامر للفور.

(1) في نسخة : فان.
(2) في بعض النسخ : منفيان.
(3) المائدة / 67.

معارج الاصول ـ 111 ـ
   وجوابه : أن المراد بذلك القرآن ، لأنه هو المستفاد عند اطلاق التنزيل.
   المسألة الثانية : لا خلاف بين أهل العدل أن تأخير البيان ( عن ) (1) وقت الحاجة غير جائز ، إذا لم يكن للمكلف طريق إلى معرفة ما كلف به الا بالبيان والا لكان تكليفا بما لا يطاق .
   واختلفوا في جواز تأخيره عن وقت الخطاب ، فأجازه جماعة من الشافعية مطلقا. وأنكره أبو علي ، وأبو هاشم ، وأجاز أبو الحسين تأخير ما لا ظاهر له ومنع من تأخير ما له ظاهر استعمل في خلافه كالعام ( إذا أريد به ) (2) الخصوص والنكرة إذا أريد بها المعين ، والاسماء الشرعية.
   احتج الاولون بوجوه .
   الاول : أن البيان انما يراد ليتمكن المكلف من الاتيان بما كلف [ به ] ، فلا حاجة إليه عند الخطاب ، كما لم يجب تقديم القدرة.
   الثاني : لو قبح تأخيره زمانا طويلا ، لقبح تأخيره زمانا قصيرا .
   الثالث : لو قبح تأخير بيان العام ، لقبح [ تأخير ] بيان المنسوخ. الرابع : قوله تعالى : « فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ » (3) ، و « ثم » للتراخي .
   الخامس : أمره تعالى بني اسرائيل بذبح بقرة ، وهو لا يريد الاطلاق ، و أخر بيان صفتها إلى ما بعد السؤال. لا يقال : البيان توجه إلى تكليف ثان ، لأن ظاهر الكنايات العود إلى المذكور.
   ويمكن أن يجاب عن الاول : بأنا لا نسلم انحصار فائدة الخطاب فيما ذكرتم

(1) في نسخة : عند.
(2) في نسخة : كالعام في الخصوص.
(3) القيامة / 18 ـ 19.

معارج الاصول ـ 112 ـ
   بل له فائدة أخرى ، وهو ارتفاع العبث وازالة الاغراء باعتقاد الجهل ، وهذه الفائدة لا تحصل الا مع مقارنة البيان للخطاب .
   وعن الثاني : باظهار الفرق ، ومنع الملازمة ، فان الانسان قد يتكلم بما لا يفهم أصلا ، ثم يبينه في الحال ، ولا يقبح ذلك منه ، ويقبح أن يتراخى ببيانه عن الزمان القصير ، ولأن الكلام إذا اتصل به البيان صار كالجملة الواحدة.
   وعن الثالث : بالتزام التسوية بين النسخ والخصوص ، فانه لا يجوز اسماع المنسوخ الا مع الاشعار بالنسخ .
   وعن الرابع : بأن ظاهر الكناية عودها إلى جميع القرآن ، وكله لا يفتقر إلى بيان .
   فان قلت : يجب تنزيلها على ما يفتقر منه إلى ( بيان ) (1) كالمجمل و العموم.
   قلت : ليس ( ما ذكرته ) (2) أولى من التمسك بظاهر الكناية ، ويكون البيان اظهاره بالتنزيل ، أو يكون اشارة إلى ( بيان التفصيل ) (3).
   احتج أبو الحسين : بأنه لو تأخر بيان ما له ظاهر ، لكان المخاطب : اما أن يريد افهامنا بذلك ، واما أن لا يريد (4) ، ويلزم من الاول بطلان كونه خطابا .
   ومن الثاني تكليف ما لا يطاق ، أو الاغراء باعتقاد الجهل ، لأنه ان أراد منا فهم ظاهره ، لزم الاغراء بالجهل ، والا ( لكان ) (5) تكليفا بما لا سبيل إليه.
   وهذا ينتقض بجواز تأخير النسخ ، وبأنه قد يتوجه الخطاب إلى من يموت

(1) في نسخة : البيان.
(2) في نسخة : ما ذكره وفي أخرى : ما ذكرتم.
(3) في بعض النسخ : البيان التفصيلي.
(4) في نسخة : اما أن لا يريد افهامنا بذلك واما أن يريد.
(5) في نسخة : كان.

معارج الاصول ـ 113 ـ
   قبل تمكنه من الاتيان بالفعل ، فيعلم خروجه عن الخطاب ، ولم ( يبين ) (1) ذلك.
   واحتج أبو هاشم : بأنه لو جاز تأخير بيان المجمل ، لجاز مخاطبة العربي بالزنجية ، ولا يبين له في الحال ، والجامع : كون السامع لا يعرف المراد في الحالين.
   وجوابه : منع الملازمة ، وابداء الفرق ، وهو أن العربي لا يفهم موضوع الزنجية ، وليس كذلك في صورة النزاع ، لأن السامع يعلم أن المتكلم أراد أحد محتملات اللفظ ، وقد يتعلق الغرض بابانة مثل ذلك القدر.

   لمسألة الثالثة :
   يجوز اسماع العام من لم يعرف الخاص ، سواءا كان المخصص عقليا أو شرعيا ، خلاف لأبي الهذيل ، وأبي علي.
   لنا : حصول الاتفاق على جواز اسماع العام المخصوص بالعقل ، فليجز مثله في الخصوص بالنقل ، والجامع : كون السامع في كل واحد من الامرين يتمكن من فهم المراد.
   حتج الخصم بوجهين :
   أحدهما : لو جاز ذلك لزم الاغراء بالجهل ، أو الخطاب بما لا يفهم.
   الثاني : لو جاز ذلك لما جاز العمل بالعام الا بعد العلم بانتفاء المخصص وذلك يسد باب الاستدلال بالعمومات .
   وجواب الاول : أن الاغراء والجهل منتفيان ، لأن السامع يجوز التخصيص فيسعى في طلب المخصص.
   وجواب الثاني : ان غلبة الظن بانتفاء المخصص ، تكفى في جواز العمل بالعام .

(1) في نسخة : تبين.

معارج الاصول ـ 115 ـ

   وفيه فصلان :

معارج الاصول ـ 117 ـ
   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   التأسي في الفعل ( هو ) (1) أن يفعل صورة ما فعل ( النبي صلى الله عليه وآله ) (2) على الوجه الذي فعل ، لاجل أنه فعل .
   وفي الترك : هو أن يترك مثل الذي ترك ، لاجل أنه ترك .
   والاتباع : قد يكون في القول ، وهو : امتثال مقتضاه من وجوب أو ندب أو حظر ، وقد يكون في الفعل والترك ، وهو مثل التأسي.
   والموافقة : هي المشاركة في صورة ما يشتركان فيه ، سواءا كان في عقيدة أو في فعل .
   والمخالفة : قد تكون في القول ، وهي : العدول عن مقتضاه. وفي الفعل ، وهي : العدول عن مثل فعله إذا وجب ، لأنه لو لم يجب ، لم يسم العادل مخالفا كما لا يقال : الحائض مخالفة للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في ترك الصلاة.
   والائتمام : هو فعل مثل ما فعله [ تبعا له ].

(1) في نسخة : وهو.
(2) في بعض النسخ : الغير.

معارج الاصول ـ 118 ـ
   المسألة الثانية : أفعال النبي صلى الله عليه وآله : ان كانت بيانا لمجمل واجب ، كانت على الوجوب في حقنا ، أو لمندوب كانت كذلك في حقنا .
   وان لم تكن بيانا ، وكانت شرعية ، ولم يعلم الوجه الذي وقعت عليه ، قال ابن سريج : تدل على الوجوب في حقنا ، وقال الشافعي ، تدل على الندب ، و قال مالك : على الاباحة ، والاولى : التوقف.
   لنا : ان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فعل الواجب وغيره ، ولا اشعار للفعل بوجهه الذي وقع عليه ، ومع تساوي الاحتمال يجب التوقف.
   احتج القائلون بالوجوب : بالقرآن والاجماع :
   أما القرآن : فبقوله تعالى : « فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ » (1) ، والامر حقيقة في الفعل ، وقوله تعالى : « لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة » (2) و قوله : « فَأَتْبَعُوهُ » (3).
   وأما الاجماع : فلان الصحابة خلعوا نعالهم لما خلع ، وحلقوا لما حلق ، وذبحوا لما ذبح ، ورجعوا إلى قول عائشة في الغسل من [ التقاء ] الختانين.
   وجواب الاول : لا نسلم ان الأمر حقيقة في الفعل ، سلمنا [ ه ] لكن المشترك لا ينزل على كلا معنييه ، بل على أحدهما ، والقول مراد قطعا ، فالفعل غير مراد.

(1) النور / 63.
(2) الاحزاب / 21.
(3) هذه الكلمة وردت في قوله تعالى : « وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ » الانعام / 153 ، ولكن ما يصلح للاستدلال هنا هو قوله تعالى : « فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ » الاعراف / 158.

معارج الاصول ـ 119 ـ
   وجواب الثاني : لا نسلم أن التأسي هو الاتيان بمثل فعل الرسول صلى الله عليه وآله ، بل الاتيان به على الوجه الذي فعل ، كما بيناه ، وهو الجواب عن الآية الاخرى.
   وأما الاجماع : فلا نسلم أنهم فعلوه لاجل فعله مطلقا ، بل لعله كان بين ذلك لهم .

   المسألة الثالثة :
   إذا علم الوجه الذي وقع عليه فعله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، قال أبو جعفر الطوسي « ره » : يجب اتباعه في ذلك ، وهو اختيار أبي الحسين البصري ، و توقف قوم في ذلك.
   احتج الاولون بوجهين :
   أحدهما : قوله تعالى : « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » (1) وقوله : « فَاتَّبَعُوهُ ».
   [ و ] الثاني : الاجماع في الرجوع إلى أفعاله في تعريف الاحكام الشرعية.
   ويمكن أن يجاب عن الاول : ( بأن ) (2) الاسوة ليست من ألفاظ العموم ، فتصدق بالمرة الواحدة ، وقد توافقنا على وجوب التأسي [ به ] في بعض الاشياء ، فلعل ذلك هو المراد ، وهذا هو الجواب عن الآية الاخرى.
   لا يقال : العرف يقضي بوجوب التأسي به في كل الأمور ، لأنه لا يقال : فلان أسوة لفلان ، إذا كان أسوة له في أمر واحد.
   لأنا نقول : هذا ممنوع ، فلابد له من دليل.
   وأما الاجماع : فهو ( استدلال ) (3) بصورة خاصة على قضية عامة ، ولئن

(1) الاحزاب / 21.
(2) في نسخة : أن.
(3) في نسخة : الاستدلال.

معارج الاصول ـ 120 ـ
   سلمنا حصوله في تلك الصورة ، فتعديته قياس.

   وفيه مسألتان :
   المسألة الاولى : فعله عليه السلام قد يكون بيانا ، ويعلم ذلك بوجهين :
   أحدهما : أن يتقدم فعله خطاب يفتقر إلى بيان ، ( ويعدم ) (1) ما يمكن أن يكون بيانا له.
   الثاني : أن ينص على كون فعله ( بيانا لخطاب ) (2).
   وقد يكون فعله ابتداء شرع ، فيكون واجبا أو مندوبا أو مباحا .
   فالواجب يعلم بخمس طرق : بنصه على الوجوب ، أو بكون فعله بيانا لواجب ، أو يفعل ـ عليه السلام ـ معه امارة تدل على الوجوب ، أو يفعله بدلا ( من ) (3) واجب ، أو يكون الفعل قبيحا لو لم يكن واجبا كركوعين في ركعة ، ذكره أبو الحسين.
   والمندوب يعلم بأربعة أشياء : بنصه ـ عليه السلام ـ ، أو يعلم أن له صفة زائدة على حسنه ولا تدل دلالة على وجوبه ، أو يكون بيانا لخطاب يدل على الندبية ، أو يكون امتثالا لخطاب دال عليها.
   والاباحة تعلم بأربعة أشياء : بأن يعلم ذلك من قصده اما بنص أو امارة ، أو يدل على حسنه ولا تدل دلالة على وجوبه ولا ندبه ، أو يكون بيانا لخطاب

(1) في نسخة : تقدم ، وفي أخرى : يقدم.
(2) في نسخة : بيان الخطاب.
(3) في بعض النسخ : عن.

معارج الاصول ـ 121 ـ
   دال على الاباحة ، ( أو امتثالا لخطاب دال عليها ) (1).
   لمسألة الثانية : التعارض بين فعليه بالنظر اليهما غير ممكن ، لانهما لا يقعان الا في زمانين ، بل [ قد ] يقترن بالفعل ما يدل على عمومه في الاشخاص ، و شموله ( للاوقات ) (2) فيصح تطرق التعارض ، وفي التحقيق : التعارض راجع إلى تلك القرينة.
   وأما التعارض بين قوله وفعله ـ عليه السلام ـ فممكن ، فعلى هذا ، إذا تعارض قوله وفعله ، ولم يعلم تقدم أحدهما على الآخر ، وجب التوقف ، الا لدلالة غيرهما سواءا كان التعارض من كل وجه أو من بعض ، وقال جماعة : يجب المصير إلى القول.
   واحتجوا : بأن القول يدل بنفسه ، والفعل ( يفتقر ) (3) في الدلالة إلى القول فكان القول أولى.
   وبأن الفعل يحتمل الاختصاص به عليه السلام ، وليس كذلك القول.
   وجواب الاول ، أن الكلام ليس في الفعل المطلق ، بل في الفعل الذي قام الدليل على وجوب متابعته عليه السلام فيه ، فصار كالقول ، وهذا هو الجواب عن الثاني.

   فائدة
   اختلف الناس في النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هل كان متعبدا بشرع من قبله أم لا ؟ وهذا الخلاف عديم الفائدة ، لأنا لا نشك أن جميع ما أتى به لم يكن نقلا عن الانبياء ، عليهم السلام بل عن الله تعالى بواسطة الملك ، ونجمع على أنه صلى الله عليه وآله أفضل الانبياء ، وإذا أجمعنا على ثمرة المسألة ، فالدخول بعد ذلك فيها كلفة .

(1) في نسخة : أو امتثال دال عليها
(2) في نسخة : الاوقات
(3) في نسخة : مفتقر

معارج الاصول ـ 123 ـ
   وفيه فصول :

معارج الاصول ـ 125 ـ
   وفيه مسائل :

   المسألة الاولى :
   الاجماع ـ وان كان في وضع اللغة مشتركا بين الاتفاق و ( الازماع ) ـ (1) فهو في الاصطلاح : اتفاق من يعتبر قوله في الفتاوى الشرعية على أمر من الأمور الدينية ، قولا كان أو فعلا ، وهو ممكن الوقوع.
   وفى الناس من أحاله ، كما يستحيل اجماع أهل الاقليم الواحد على الاشتراك في ملبس واحد ومأكل واحد ، وهذا باطل ، لما يعلم من الاتفاق على كثير من مسائل الفقه ضرورة. ثم الفرق : أن التساوي في المأكل والمشرب مما يتساوى فيه الاحتمال ، وليس كذلك المسائل الدينية ، لانها يصار إليها عند الأدلة ، فجاز الاتفاق عليها.
   ومن الناس من أحال العلم به الا في زمن الصحابة ، نظرا إلى كثرة المسلمين وانتشارهم ، وكون ذلك لا يعلم الا بالمشافهة لهم أو التواتر عنهم ، وهما متعذران فيمن بلغ هذا الحد.
   لا يقال : نحن نعلم اتفاق المسلمين على كثير من المسائل ، كنبوة محمد

(1) في نسخة : الاعزام