المطلوب المعجل في هذه الحياة بل تشمل فرض تأخير الإعانة على إدراكه في حاضر الدنيا المعجل من أجل أن يجازيه على صبره ورضاه بقدر الله وقضائه بما هو أفضل وأنفع له في دار الجزاء الأوفى .
وعلى هذا الوجه يُحمل تأجيل استجابة الله سبحانه دعاء عبده المؤمن ولجوئه إليه من أجل أن يدفع عنه مكروهاً أو يجلب له محبوباً .
وبملاحظة مجموع ما تقدم ندرك أن مرافقة الله سبحانه للإنسان المؤمن بالرعاية والتوفيق تترتب غالباً إن لم يكن دائماً على مرافقة هذا الإنسان له واتصاله به بالتقوى والتوكل بمعناه الواعي الايجابي .
وإلى هذا المعنى من المرافقة والمعية المشتركة بين العبد وربه يشار بالكلام المشهور ( من كان مع الله كان الله معه ) .
ويدل على ذلك ببيان أوضح وأصرح قوله تعالى :
( إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتَ أَقدَامَكُمْ )
(1) .
وقوله تعالى :
( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )
(2) .
والمرافقة بمعناها الأول وإن كانت مشتركة بين المؤمن وغيره من سائر الكائنات كما هو واضح إلا أن الذي يُحس بها ويرتب الأثر عليها هو المؤمن بالله سبحانه بالإيمان الواعي المنفتح على الحقيقة الموضوعية المستلهمة بوضوح من قوله تعالى :
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَمَا فِي الأَرضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوىَ ثَلاثَةٍ
|
(1) سورة محمّد ، الآية : 7 .
(2) سورة الحج ، الآية : 40 .
|
فلسَفَةُ الحَجّ في الإسلام 50
( إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُم وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمُ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلّ شَيءٍ عَلِيمٌ )
(1) .
والأثر البارز المترتب على إحسان المؤمن بهذه المرافقة هو انفعاله بها وتجاوبه معها بالاستقامة في خط التقوى المستقيم وذلك يثمر له حصول المرافقة الإلهية بالمعنى الثاني على ضوء البيان التفصيلي المتقدم ـ وعلى العكس من ذلك الإنسان المجرد من رابطة الإيمان أو كانت ضعيفة وهابطة إلى درجة تُلحق وجودها بالعدم . الأمر الذي يفقده الإحساس بالمرافقة التكوينية الإلهية الشاملة لكل الكائنات بلا استثناء وهذا هو السبب في انحراف هذا النوع من البشر عن منهج الفضيلة وانجرافه بتيار الرذيلة ليكون مصداقاً لقوله تعالى :
( وَلَقَدْ ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإنسِ لَهُم قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِروُنَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئكَ كَالأَنعامِ بَل هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ )
(2) .
وبالمناسبة أحب أن أذكر بعض القصص في ختام الحديث عن موضوع المرافقة لتكون الشاهد الصادق المؤكد لحقيقة التفاعل بين المرافقة بالمعنى الثاني عند المؤمن والمرافقة بمعناها التكويني العام .
والذي خطر في ذهني من هذه القصص ثلاث وهي متشابهة بالمضمون وحاصل الأولى منها : أن عبداً مملوكاً لشخصٍ كان مكلفاً من قبل سيده برعي قطيع غنم له ، واتفق أن التقى به شخص في المرعى وطلب منه أن يبيعه رأساً من الغنم فأبى هذا العبد ذلك واعتذر له بأن سيده
|
(1) سورة المجادلة ، الآية : 7 .
(2) سورة الأعراف ، الآية : 179 .
|