العهد العباسي الأول ( 132 / 232 هـ ):
الكتاب الذي أخذ الحديث من كتابه ، والشيخ روى تلك الأحاديث من موسى عن صاحب ذلك الكتاب ،
مع أنه لم يلقه ، فصار الحديث منقطعا معللا ) انتهى (1) .
وعدم مثل غير معلوم في بقية أحاديثه ، بل ولا في أحاديث غير الشيخ أيضا ، غايته حصول الظن
بالعدم ، وجواز الاعتماد على مثل هذا الظن في الاحكام الشرعية غير معلوم .
وذكر أيضا : ( أن الكليني قد لا يذكر أول سنده ، اعتمادا على إسناد سابق قريب ، والشيخ
رحمه الله ربما غفل عن المراعاة ، فأورد الاسناد من الكافي بصورة وصله بطريق الكليني ، من غير
ذكر الواسطة المتروكة ، فيصير الاسناد في رواية الشيخ له منقطعا ، ولكن مراجعة الكافي تفيد وصله
) انتهى كلامه (2) .
ولا يخفى : أنه لا يؤمن وقوع مثل ذلك من الشيخ رحمه الله فيما نقله من غير الكافي من كتب
الحديث أيضا ، وكذا في حق غيره كما عرفت .
وأيضا : كثيرا ما يذكر جماعة من الرواة بعطف بعضهم على بعض ، وبعد التتبع يعلم أن العطف
سهو ، والواجب نقل البعض عن البعض ، وكذا الحال في عكس ذلك .
قال في المنتفى : ( ومن المواضع التي اتفق فيها هذا الغلط مكررا ، رواية الشيخ ، عن سعد
بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبدالرحمن ابن أبي نجران ، وعلي بن حديد ،
والحسين بن سعيد ، فقد وقع في خط الشيخ رحمه الله في عدة مواضع منها ، إبدال إحدى واوي العطف
بكلمة ( عن ) وقد اجتمع الغلط بالنقيصة وبالزيادة في رواية سعد عن الجماعة المذكورة بخط
الشيخ رحمه الله في إسناد حديث زرارة : ( عن أبي جعفر عليه السلام فيمن صلى بالكوفة
ركعتين ثم ذكر وهو بمكة ، أو غيرها ، أنه قال : يصلي ركعتين ) فإن
الوافية في اصول الفقه ـ 277 ـ
الشيخ رواه بإسناده عن سعد بن عبدالله ، عن ابن أبي نجران ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، مع
أن سعدا إنما يروي عن ابن أبي نجران بواسطة أحمد بن محمد بن عيسى ، وابن أبي نجران يروي عن
حماد بغير واسطة ، كرواية الحسين ابن سعيد عنه ، ونظائر هذا كثيرة ) انتهى كلامه (1) .
وأيضا : حكم الحاكم بتعديل المعدلين وجرح الجارحين ، حكم بشهادة الميت ، وهو ظاهر .
والجواب عن جميع هذه الشكوك العشرة المذكورة هههنا ـ بعد إمكان الاجوبة الجدلية عن كل منها ـ
هو : أن أحاديث الكتب الاربعة ، أعني ، الكافي ، والفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار ، مأخوذة من
اصول وكتب معتمدة معول عليها ، كان مدار العمل عليها عند الشيعة ، وكان عدة من الائمة عليهم
السلام عالمين (2) بأن شيعتهم يعملون بها في الاقطار والامصار ، وكان مدار مقابلة الحديث
وسماعه في زمن العسكريين عليهما السلام ، بل بعد زمن الصادق عليه السلام ، على هذه الكتب ، ولم
ينكر أحد من الائمة عليهم السلام على أحد من الشيعة في ذلك ، بل قد عرض عدة من الكتب عليهم ،
ككتاب الحلبي ، وكتاب حريز (3) وكتاب سليم بن قيس الهلالي ، وغير ذلك ، والعلم بأخذ الكتب
الاربعة من هذه الاصول المعتمدة ، يحصل من إخبار المحمدين الثلاثة رحمهم الله ، على ما مر مفصلا
، ومن شهادة القرائن بأن تمكنهم من أخذ الأخبار من هذه الكتب المعتمدة ، يمنعهم من أخذها من الكتب
التي لا يجوز العمل بها ، والعادة شاهدة بأن من صنف كتابا ، وتمكن من إيراد ما هو الحق عنده ، لا
يرضى بإيراد المشتبهات والمشكوكات .
إذا عرفت هذا ، فنقول : إنا لما حصل لنا علم عادي بأن أخبار الكتب
(1) منتقى الجمان / المقدمة / الفائدة : 1 / 26 .
(2) كذا الظاهر ، وفي النسخ : عالما .
(3) عبارة ( وكتاب حريز ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
الوافية في اصول الفقه ـ 278 ـ
الاربعة مأخوذة من كتب معتمدة بين الشيعة ، فنحن لا نحتاج إلى العلم بأحوال الرجال فيما لا معارض
له ، وأما مع التعارض : فنحن نتفحص عما يحصل به رجحان أحد المتعارضين على الآخر عند
النفس : من العرض على كتاب الله ، وعلى مذهب العامة ، ومن حال الراوي ، وكثرته ، وثقته ،
ونحو ذلك ، ولا شك في حصول الرجحان عند النفس بسبب تعديل المعدلين ، وإن ورد عليه ما ذكر من
الشكوك ، ومن لم يحصل عنده رجحان بذلك ، فحكمه ما سيجيء في بحث الترجيح ، إن شاء الله
تعالى .
فإن قلت : فعلى هذا تكون أخبار الكتب الاربعة قطعية الصدور من المعصوم ، كما قال به المورد
المذكور .
قلت : لا يلزم من كون جواز العمل بهذه الكتب قطعيا ، كون أخبارها قطعية الصدور من
المعصوم ، إذ يجوز من المعصوم عليه السلام تجويز العمل بكتاب مشتمل على الأخبار الكثيرة ، بحيث
يعلم عدم صدور بعضها منه ومن غيره من الائمة ، لعدم تمكنه من تمييز (1) الصحيح من غيره ،
لتقية ، أو ضيق وقت ، أو نحو ذلك ، وهذا غير خفي .
فإن قلت : فإذا جاز العمل بما في هذه الكتب ، فلا يحتاج في العمل إلى العلم بأحوال الرجال عند
التعارض أيضا ، إذ يصير من قبيل تعارض القطعيين ، وحكمه : العرضان ، أو التخيير ، أو التوقف
، أو الاحتياط ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى .
قلت : قد عرفت أن قطعية العمل لا تقتضي قطعية الحديث ، ونحن قد حصل لنا القطع بجواز
العمل في صورة عدم التعارض ، ولهذا ترى جل الفقهاء بل كلهم يستدلون على المطالب بالاخبار
الضعيفة السند ، ويكفي في ذلك ملاحظة الكتب الاستدلالية للشيخ ، والسيد المرتضى ، والعلامة ،
(1) كذا في أ وب وط ، وفي الاصل : تميز .
الوافية في اصول الفقه ـ 279 ـ
والمحقق ، وابن إدريس ، وغيرهم ، وأما مع التعارض فقد وجدناهم لا يطرحون المتعارضين ، بل
يفتشون عما يحصل به عندهم رجحان أحدهما على الآخر في أنفسهم من ملاحظة حال الراوي ، ونحو
ذلك .
والحاصل : أن المعلوم هو جواز العمل بهذه الأخبار عند عدم التعارض ، وأما في صورة
التعارض فجواز العمل بأحدهما مع إمكان ترجيح أحدهما على الآخر ـ بملاحظة حال الراوي ، أو نحوه
ـ غير معلوم ، بل المعلوم من حال السلف عدم العمل بدون التفتيش ، فيحتاج إلى التفتيش (1) عن
حال الرواة ، لانه من جملة ما يحصل به الترجيح ضرورة .
على : أن الشكوك المذكورة مصادمة للضرورة ، إذ ربما يحصل من التفتيش العلم العادي بعدالة
بعض الرواة وضبطه وديانته ، فإنا بعد التفتيش حصل لنا القطع بثقة مثل سلمان الفارسي رضي الله
عنه ، والمقداد ، وأبي ذر ، وعمار ، رضي الله عنهم ، ونظرائهم ، وزرارة ، وبريد (2) ، وأبي
بصير المرادي ، والفضيل ، ونظرائهم ، وجميل بن دراج ، وصفوان ، وابن أبي عمير ، والبزنطي ،
ونظرائهم ، وإنكار ذلك مكابرة .
وربما نحكم بعدالة شخص لم نره ، ولم يشهد عندنا من نعتمد على قوله ، بل بمجرد الاطلاع على
أحواله وسيرته ، وعلمنا بعدالة مثل الشيخ أبي جعفر الطوسي ، والسيد المرتضى ، والمحقق ، وأمثالهم
ـ من هذا القبيل ، فإنا قبل ملاحظة كتب الرجال كان هذا العلم حاصلا لنا من تقديم العلماء إياهم
والاقتداء بهم ، إلى غير ذلك من القرائن ، فلا يلزم من الشكوك المذكورة سد باب الاحتياج إلى علم
الرجال والتفتيش عن أحوالهم .
نعم هذا العلم لا يحصل إلا في قليل من الرواة غير أصحاب الاصول .
(1) قوله ( فيحتاج إلى التفتيش ) : ساقط من الاصل وب ، واثبتناه من نسختي أ وط .
(2) في أ وط : يزيد .
الوافية في اصول الفقه ـ 280 ـ
وأما أصحاب الاصول : فيمكن تحصيل هذا العلم في كثير منهم .
ثم تحصيل العلم بأن الرجال الذين بينهم وبين مصنفي الكتب الاربعة ، من شيوخ الاجازة ، فلا يضر
عدم عدالتهم في صحة الحديث .
وأيضا : فإن بعض الرواة قد وردت الأخبار من الائمة الاطهار بلعنهم ، وذمهم ، والاجتناب عنهم
، وبأنهم من الكذابين والمفترين ، مثل : فارس بن حاتم القزويني ، وأبي الخطاب محمد ابن أبي زينب
، والمغيرة بن سعيد ، ونظرائهم ، ويشكل جواز العمل بروايات هؤلاء الملعونين الكذابين ، وإن كانت
موجودة في الكتب الاربعة ، إلا أن تكون معتضدة بإحدى القرائن المذكورة ، لانا لا نعلم أن قدماءنا
كانوا يعملون بأخبار هؤلاء ، وإن كانت مودعة في الاصول المعتمدة ، فيحتاج إلى معرفة الرجال ليتميز
(1) من نص بعدم جواز العمل بروايتهم عن غيرهم .
واعلم : أن ههنا أشياء اخر ، سوى العلوم المذكورة ، لها مدخلية في الاجتهاد ، إما بالشرطية ،
أو المكملية :
الاول : علم المعاني .
ولم يذكره الاكثر في العلوم الاجتهادية ، وجعله بعضهم من المكملات ، وعده بعض العامة من
الشرائط (2) ، وهو المنقول عن السيد الاجل المرتضى في الذريعة (3) ، وعن الشهيد الثاني
في كتاب آداب العالم والمتعلم (4) ، وعن الشيخ
(1) كذا في ب ، وفي الاصل وط : لتميز ، وفي أ : لتمييز .
(2) لم أعثر على مأخذ ذلك في ما لدي من المصادر .
(3) لم يزد السيد في الذريعة على القول بأن ( الذي يجب أن يكون عليه المفتي هو أن يعلم الاصول كلها على سبيل التفصيل ويهتدي إلى حل كل شبهة تعترض في شيء منها ، ويكون أيضا عالما بطريقة استخراج الاحكام من الكتاب والسنة وعارفا من اللغة والعربية بما يحتاج اليه في ذلك ) : الذريعة : 2 / 800 .
(4) المسمى ب : منية المريد في آداب المفيد والمستفيد : الخاتمة / المطلب الاول / الفصل الثاني / ص 225 .
الوافية في اصول الفقه ـ 281 ـ
أحمد المتوج البحراني في كتاب كفاية الطالبين (1) .
الثاني : علم البيان .
ولم يفرق أحد بينه وبين علم المعاني في الشرطية والمكملية إلا ابن جمهور (2) ، فإنه عد علم
المعاني من المكملات ، وسكت عن البيان وعلل ب : أن أحوال الاسناد الخبري ، إنما يعلم فيه ، وهو
من المكملات للعلوم العربية .
الثالث : علم البديع
ولم أجد أحدا ذكره إلا ما نقل عن الشهيد الثاني في الكتاب المذكور (3) ، وصاحب كفاية
الطالبين (4) ، فإنهما عدا العلوم الثلاثة أجمع في شرائط الاجتهاد .
والحق : عدم توقف الاجتهاد على العلوم الثلاثة ، أما على تقدير صحة التجزي : فظاهر ، وأما
على تقدير عدم صحة التجزي : فلان فهم معاني العبارات لا يحتاج فيه إلى هذه العلوم ، لان في هذه
يبحث عن الزائد على أصل المراد .
فإن المعاني : علم يبحث فيه عن الاحوال التي بها يطابق الكلام لمقتضى الحال ، كأحوال الاسناد
الخبري ، والمسند إليه والمسند ومتعلقات الفعل ، والقصر والانشاء ، والفصل والوصل ، والايجاز
والاطناب والمساواة .
وبعض مباحث القصر والانشاء المحتاج إليه يذكر في كتب الاصول .
والبيان : علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ، وما يتعلق
(1) كفاية الطالبين ص 38 من مخطوطة محفوظة برقم 2805 ، و : الصفحة قبل الاخيرة من مخطوطة اخرى محفوظة برقم 7212 ، و : الصفحة قبل الاخيرة أيضا من مخطوطة ثالثة محفوظة برقم 2538 ، ثلاثتها من نفائس مكتبة ( آستان قدس رضوي ) في مشهد ـ ايران .
(2) كاشفة الحال عن احوال الاستدلال / ورقة 8 أ / من مخطوطة محفوظة برقم 4700 في مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي العامة بقم ـ ايران ، و : ورقة 4 أ / من مخطوطة أخرى محفوظة ضمن مجموعة برقم 6322 في المكتبة المذكورة .
(3) منية المريد : 225 .
(4) اشرنا إلى المأخذ آنفا .
الوافية في اصول الفقه ـ 282 ـ
بالفقه من أحكام الحقيقة والمجاز مذكور في كتب الاصول أيضا .
والبديع : علم يعرف به وجوه محسنات الكلام ، وليس شيء من مباحثه مما يتوقف عليه الفقه .
نعم ، لو ثبت تقدم الفصيح على غيره ، والافصح على الفصيح ، في باب التراجيح ـ أمكن القول
بالاحتياج إلى هذه العلوم الثلاثة لغير المتجزي ، وله ـ في بعض الاحيان ـ إذ فصاحة الكلام وأفصحيته
مما لا يعلم في مثل هذا الزمان إلا بهذه العلوم الثلاثة ، وكذا على تقدير تقدم الكلام الذي فيه تأكيد أو
مبالغة على غيره ، وسيجيء الكلام على هذه الامور في باب التراجيح إن شاء الله تعالى ، ولكن لا
شك في مكملية هذه العلوم الثلاثة للمجتهد .
الرابع : بعض مباحث علم الحساب ، كالاربعة المتناسبة ، والخطأين والجبر والمقابلة (1) ،
وهو أيضا مكمل وليس شرطا ، أما في المتجزي : فظاهر ، وأما في غيره : فلانه ليس على الفقيه
إلا الحكم باتصال الشرطيات ، وأما تحقيق أطراف الشرطية فليس في ذمته ، مثلا : عليه أن يحكم بأن
من أقر بشيء فهو مؤاخذ به ، وليس عليه بيان كمية المقربه في قوله : ( لزيد علي ستة إلا نصف
ما لعمرو ، ولعمرو علي ستة إلا نصف ما لزيد ) مثلا ، فتأمل .
الخامس : بعض مسائل علم الهيأة ، مثل ما يتعلق ، بكروية الارض ، للعلم بتقارب مطالع بعض
البلاد مع بعض أو تباعدهما ، وكذا لبعض مسائل الصوم ، مثل : تجويز كون الشهر ثمانية وعشرين
يوما بالنسبة إلى بعض الاشخاص .
السادس : بعض مسائل الهندسة ، كما لو باع بشكل العروس مثلا (2) .
(1) تجد توضيح هذه المصطلحات في : مفتاح السعادة : 1 / 370 ، و : ابجد العلوم : 2 / 263 .
(2) شكل العروس ـ عند القدماء من علماء الهندسة ـ عبارة عن : كل مثلث قائم الزواية ، فان مربع وتر زاويته القائمة يساوي مربعي ضلعيها وإنما سمي به لحسنه وجماله ، انظر : كشاف اصطلاحات الفنون : 1 / 785 .
الوافية في اصول الفقه ـ 283 ـ
السابع : بعض مسائل الطب ، كما لو احتاج إلى تحقيق ( القرن ) ونحوه .
وليست هذه العلوم محتاجا إليها ، لما عرفت ، وإلا لزم الاحتياج إلى بعض الصنائع ، كالعلم بالغبن
، والعيوب ، ونحو ذلك .
الثامن : فروع الفقه .
ولم يذكره الاكثر في الشرائط .
والحق : أنه لا يكاد يحصل العلم بحل الأحاديث ومحاملها بدون ممارسة فروع الفقه .
التاسع : العلم بموقع الاجماع والخلاف ، لئلا يخالف الاجماع.
وهذا شرط لا يستغني غير المتجزي عنه ، وهذا العلم إنما يحصل في هذا الزمان بمطالعة الكتب
الاستدلالية الفقهية ، ككتب الشيخ ، والعلامة ، ونحوها .
العاشر : أن تكون له ملكة قوية ، وطبيعة مستقيمة ، يتمكن بها من رد الجزئيات إلى قواعدها
الكلية ، واقتناص (1) الفروع من الاصول ، وليس هذا الشرط مذكورا في كلام جماعة من
الاصوليين .
وتحقيق المقام : أن الدليل النقلي إذا كان ظاهرا أو نصا في معناه ، ولم يكن له معارض ، ولا
لازم غير بين ، ولا فرد غير بين الفردية ، فلا يحتاج الحكم بمعناه والعمل به إلى هذا الشرط ، بل تكفي
الشرائط السابقة ، مثلا : في العلم بأن الكر من الماء لا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة ، من قوله عليه
السلام : ( إذا بلغ الماء قدر كر (2) لم ينجسه شيء ) (3) ـ لا يحتاج إلى أكثر من
العلم بمعاني
(1) في ب : اقتباس .
(2) كذا في ب ، وفي سائر النسخ : كرا ، بدل : قدر كر .
(3) كذا الحديث في النسخ ، والمروي : ( إذا كان الماء . . . إلى آخره ) الكافي : 3 / 2 كتاب الطهارة / باب الماء الذي لا ينجسه شيء / ح 1 ، التهذيب : 1 / 39/ 40 / ح 107 / 109 ، نعم روى في غوالي اللآلي : 1 / 76 و : 2 / 6
: ( اذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا ) .
الوافية في اصول الفقه ـ 284 ـ
مفردات هذا الحديث من اللغة والصرف ، وبالهيأة التركيبية من النحو ، وهذا ضروري .
وأما عند وجود المعارض : فيحتاج إلى الملكة المذكورة للترجيح ، وكذا للعلم باللوازم غير البينة
، كالحكم بوجوب المقدمة ، والنهي عن الاضداد عند الامر بالشيء ، وبمفهوم الموافقة والمخالفة ،
ونحوها ، وربما يحتمل كفاية العلم بالمطالب الاصولية لهذا القسم .
والعمدة في الاحتياج إلى الملكة إنما هو للحكم بفردية ما هو غير بين الفردية للكلي المذكور في
الدليل ، أو لمعارضه ، أو لمقدمته ، أو لضده ، أو نحو ذلك .
مثلا : للعلم باندراج الكر الملفق من نصفين نجسين مع عدم التغير ـ في الحديث المذكور ، حتى
يحكم بصيرورته طاهرا ، أو بعدم اندراجه فيه ، فيحكم ببقائه على النجاسة ، يحتاج إلى تأمل تام وفهم
ذكي (1) .
وكذا في اندراج من عنده من الماء ما لا يكفيه للوضوء إلا مع مزجه بمضاف لا يسلبه الاطلاق ، في
: ( غير الواجد للماء ) فيصح تيممه ، أو في نقيضه : وهو ( الواجد للماء ) فيبطل
تيممه .
وكذا في اندراج الخارج من بيته للسفر قبل حد الترخص ـ في ( الحاضر ) فيتم الصلاة ـ أو
في ( المسافر ) فيقصر .
وكذا في اندراج حاج في طريقه عدو ، لا يندفع إلا بمال ، وهو يقدر على ذلك المال ـ في (
المستطيع ) فيجب عليه الحج ، أو عدم اندراجه فيه فلا يجب .
وهذا القسم من الكثرة بحيث لا يعد ولا يحصى ، ومعظم الخلافات بين الفقهاء يرجع إلى هذا ، ولا
شك في أن العلم (2) بهذا القسم ـ ليعمل لنفسه ،
(1) كذا في أ وط ، وفي الاصل وب : زكي .
(2) في الاصل : للعلم ، وما اثبتناه مطابق لسائر النسخ .
الوافية في اصول الفقه ـ 285 ـ
أو ليفتي غيره ـ يحتاج إلى ملكة قوية ، وفهم ذكي (1) ، وطبع صفي .
ويجب الاجتناب في الحكم بأن هذا الشيء الجزئي فرد لهذا الكلي ومندرج فيه ـ عن الاعتماد على
الظنون الضعيفه والناشئة عن الهوى النفساني ، وينبغي أن يختبر نفسه في الاستقامة بمجالسة العلماء ،
ومذاكرتهم ، وتصديق جماعة منهم باستقامة طبعه ، بحيث يحصل له الجزم بسببه بعدم اعوجاجه في
الاغلب ، وإلا فلا يعتمد على اعتقاداته في الاحكام التي من هذا القبيل ، وربما قيل : بجواز الاعتماد
على شهادة عدلين خبيرين (2) بذلك ، وهو محل تأمل مع عدم حصول الجزم من شهادتهما بانتفاء
القرائن .
فإن قلت : اعتبار هذا الشرط يستلزم عدم العلم بوجود المجتهد ، والتالي باطل ، فكذا المقدم .
أما بيان الملازمة : فلان الملكة المذكورة أمر غير منضبط (3) ، لانه لا يكاد يتفق إثنان فيها
، لاختلاف الطبائع غاية الاختلاف ـ فليس ههنا مرتبة معينة يمكن أن يقال : إن (4) من له هذه
المرتبة مجتهد دون من هو دونها ـ فلا يمكن تحصيل العلم باجتهاد أحد .
وأما بطلان التالي : فلانه لا تتم التكاليف في مثل هذا الزمان بدون العلم بالاجتهاد ، إذ غير
المجتهد لا يجوز له العمل باعتقاداته ، ولا يجوز لغيره العمل بقوله ، لما مر من الادلة على اعتبار كل
شرط من الشرائط المذكورة للعمل بالاحكام الشرعية .
وأيضا : اعتبار هذا الشرط يستلزم عدم وجوب الاجتهاد كفاية ، والتالي باطل .
(1) كذا في أ وط ، وفي الاصل وب : زكي .
(2) كذا في ب وط ، وفي الاصل وأ : خيرين .
(3) ذهب إلى ذلك المحدّث الاسترآبادي : الفوائد المدنية : 93 / الوجه الثامن .
(4) كلمة ( إن ) : زيادة من ط .
الوافية في اصول الفقه ـ 286 ـ
بيان الملازمة : أن هذه الملكة أمر موهبي من الله تعالى ، لا يمكن اكتسابه ، وإن أمكن تقويته
في الجملة بالكسب ، فإنا نرى جماعة لا يمكنهم تحصيل مسائل لها عراقة في النظرية في الجملة ، وإن
صرفوا أعمارهم في تحصيلها ، بل نشاهد جماعة لا يمكنهم إلا تحصيل قليل من النظريات بعد الكد التام
والسعي البليغ ، فعلم أن هذه الملكة مما لا تحقق لها في أكثر الناس ، فلم يكن الاجتهاد واجبا عليهم ،
وإلا لزم التكليف بما لا يطاق .
وأما بطلان التالي : فلانهم بين قائل بوجوبه العيني ، كما نقله الشهيد في الذكرى عن قدماء
أصحابنا وفقهاء حلب (1) ، وبين قائل بوجوبه الكفائي ، ومن خواص الواجب الكفائي إثم الكل
بتركه .
لا يقال : الاجتهاد ليس واجبا كفائيا بالنسبة إلى المكلفين ، بل بالنسبة إلى صاحبي الملكة ، فعلى
تقدير انتفائه لا يلزم إلا إثم صاحبي الملكة المذكورة .
لانا نقول : شرط التكليف إعلام المكلف ، وقبل (2) الاجتهاد لا يتميز صاحب الملكة عن
غيره ، فلا يعلم أحد أنه مكلف بالاجتهاد (3) ، لعدم علمه بأنه صاحب الملكة .
وأيضا : يلزم تأثيم ( غير المعين ) وإنه غير معقول ، كما صرحوا به في تحقيق الواجب
الكفائي .
وأيضا : هذا الجواب خلاف ما صرحوا به من تأثيم الكل بترك الاجتهاد .
والجواب الحق عن كلا البحثين : أنا ما أدعينا اعتبار الملكة المذكورة في مطلق المجتهد بل
اعتبرناها في المجتهد المطلق ، لما عرفت أن العلم بمعاني الادلة
(1) الذكرى : 2 / المقدمة / الاشارة الثانية ، لكن فيه : بعض قدماء الامامية .
(2) في الاصل : وقيل. وما اثبتناه مطابق لسائر النسخ .
(3) في الاصل : الاجتهاد. وما اثبتناه مطابق لسائر النسخ .
الوافية في اصول الفقه ـ 287 ـ
الشرعية ـ الناصة أو الظاهرة في معناها بلا معارض ـ غير محتاج إلى الملكة ، والاحتياج إليها إنما هو
لاجل العلم بحكم التراجيح ، أو اللوازم غير البينة ، أو الجزئيات غير البينة الاندراج تحت القواعد
الكلية ، ونحو ذلك .
فإن أراد المعترض بالاستغناء عن الملكة : الاستغناء في القسم الاول ، فنعم الوفاق .
وإن أراد : الاستغناء في هذه الاقسام الاخر ، فلا يخلو : إما إن أراد عدم الاحتياج إلى
استعلام هذه الاقسام ، أو أراد عدم الاحتياج في استعلام هذه الاقسام إلى الملكة المذكورة : فإن أراد
الاول ، فبطلانه ظاهر ، فإنه كثيرا ما يقع الاحتياج إلى العلم بحال هذه الاقسام ، مثلا : ربما نحتاج
إلى أن نعلم أن نصفي كر من الماء كل منهما نجس ـ هل يطهران بمزجهما ؟ أو لا ؟ وهذا العلم لا
يحصل إلا بأن نعلم هل هو مندرج في قوله عليه السلام : ( إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا )
(1) ؟ أو لا ؟ وهو يحتاج إلى الملكة المذكورة .
وكذا نحتاج إلى أن نعلم : أن الحاج متى كان في طريقه عدو لا يندفع إلا بمال ، وهو يقدر على
إعطاء ذلك المال ـ هل هو داخل في ( المستطيع إلى الحج ) ؟ أو لا ؟ وكذا نحتاج إلى أن (2)
نعلم : هل الدين المضيق يبطل الصلاة في أول الوقت ؟ أو لا ؟ إذ ظاهر : أن القول ببطلانها ،
يتوقف على إتمام الدليل الدال على أن الامر بالشيء يستلزم النهي عن الضد الخاص .
والقول بصحتها يتوقف على القدح في الدليل المذكور ، وكلاهما لا يتم بدون الملكة .
(1) غوالي اللآلي 1 / 76 و 2 / 6 .
(2) كلمة ( أن ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
الوافية في اصول الفقه ـ 288 ـ
ومثل هذه المسائل المحتاج إليها أكثر من أن يحصى .
وإن أراد الثاني ـ أي : عدم الاحتياج لاستعلام مثل هذه المسائل إلى الملكة المذكورة ـ فبطلانه
من أجلى البديهيات ، لانا لا نعني بالملكة إلا حالة بها يتمكن من ترجيح أحد طرفي هذه المسائل ، فلا
يتصور العلم بالنفي أو الاثبات في هذه المسائل إلا بالملكة ، فعلم أن الدليل على الاستغناء في هذه
الاقسام شبهة في مقابل الامر القطعي .
وتفصيل الجواب عن الاعتراض الاول : منع استلزام اعتبار الملكة المذكورة في الاجتهاد المطلق
، عدم العلم بوجود المجتهد : أما في الاجتهاد والعلم بالاحكام التي هي من قبيل القسم الاول من
القسمين المذكورين : فظاهر ، لانا لم نعتبرها فيه .
وأما في القسم الثاني : فلان الاطلاع على هذه الملكة ليس بمتعذر ، بل ولا بمتعسر غاية التعسر
، بل يمكن : بالمعاشرة .
وبإخبار الجماعة .
وبشهادة العدلين المطلعين على قوله (1).
وبنصب نفسه متعرضا للفتوى بمجمع خلق كثير ـ على ما قيل .
وبعرض ترجيحاته المخترعة على ترجيحات من هو معلوم أنه صاحب الملكة .
وبنحو ذلك ، كما سيجيء إن شاء الله في مسألة على حدة .
وعدم انضباط الملكة المذكورة ـ بمعنى : أن لها مراتب مختلفة ـ لا يوجب عدم العلم بها ، لان
المراد بها : حالة يتمكن بها من رد الفروع إلى الاصول ، بحيث لا يقع الغلط منه غالبا ، ولها مراتب
كثيرة ، المتصف بكل منها ممن يتعلق
(1) كذا في ب ، وفي سائر النسخ : قول .
الوافية في اصول الفقه ـ 289 ـ
به أحكام المجتهد .
وعن الاعتراض الثاني : أيضا منع الملازمة ، والبيان الذي ذكره لم يكن دالا على نفي الوجوب
الكفائي عن مطلق الاجتهاد ، إذ (1) قد عرفت مرارا عدم اعتبار الملكة المذكورة في العلم
بالاحكام التي هي من قبيل القسم الاول من القسمين المذكورين آنفا .
فإن قلت : فهل الاجتهاد في الاحكام التي هي من قبيل القسم الثاني واجب ؟ أو لا ؟ قلت :
يمكن أن يقال : إنه واجب كفائي بالنسبة إلى صاحب الملكة (2) .
قوله : ( شرط التكليف إعلام المكلف ، وقبل الاجتهاد لا يتميز صاحب الملكة عن غيره )
إلى آخره .
قلنا : قبل الاجتهاد في القسم الثاني من الاحكام ، وبعد الاجتهاد في القسم الاول ـ يتميز صاحب
الملكة عن غيره بإحدى الطرق المذكورة سابقا ، ولا يلزم تأثيم غير المعين ، لان عدم التعيين قبل
الاجتهاد ـ في القسم الاول من الاحكام ـ مستند إلى تقصيرهم من ترك الاجتهاد بالكلية ، وبعده يتحقق
التعيين لو لم يقصروا بترك الفحص عن حالهم .
وتصريحهم إنما هو بتأثيم الكل بعدم الاجتهاد بالكلية ، فتأمل .
وقال مولانا محمد أمين الاسترآبادي : ( الذي ظهر لي من الروايات : أن طلب العلم فريضة
على كل مسلم في كل وقت ، بقدر ما يحتاج إليه في ذلك الوقت ، ولا يجب كفاية طلب العلم بكل ما
تحتاج إليه الامة كما قالته العامة ـ لانه غير منضبط بالنسبة إلى الرعية ، والتكليف بغير المنضبط محال
، كما تقرر في الاصول في مبحث علة القياس ، بل يفهم من الروايات : أن علم الرعية
(1) كذا في أ وب وط ، وفي الاصل : وإذ .
(2) في أ وط : صاحبي الملكة .
الوافية في اصول الفقه ـ 290 ـ
بجميع ذلك من المحالات ) انتهى (1) .
وهم وتنبيه (2) :
قد بالغ مولانا المدقق محمد أمين الاسترآبادي في إنكار الاجتهاد ، وزعم أن المجتهد فيه لا يكون إلا
ظنيا ، وأحكامنا كلها قطعية ، لما مر من أن (3) القرآن والسنة النبوية ، لا يجوز العمل بهما إلا
بعد تحقق ما يوافقهما في كلام العترة الطاهرة ، وأخبار العترة الطاهرة كلها قطعية ، لما مر من الوجوه
(4) .
وجوابه :
أولا : أن اشتراط كون المجتهد فيه ظنيا ، ليس إلا في كلام العامة والعلامة وقيل من أصحابنا .
والاكثر منا : لم يذكروا الظن في تعريف الاجتهاد فقطعية الاحكام لا تنافي صحة الاجتهاد ، مع أنه
في الحقيقة راجع إلى نزاع لفظي .
وثانيا : أنا لا نسلم قطعية صدور أحاديثنا (5) كلها من المعصوم ، وقد مر الكلام فيه .
وبعد التسليم : لا يلزم قطعية الحكم ، بل قلما تبلغ دلالة الأخبار على
(1) الفوائد المدنية : 241 .
(2) في ط : تذنيب ، بدل : وهم وتنبيه .
(3) كلمة ( أن ) ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
(4) هذا هو خلاصة ما افاده المحدّث الاسترآبادي في الفوائد المدنية في موارد متعددة ، انظر : ص 28 و 40 و 47 و 49 و 63 و 91 و 135 و 136 و 164 و 253 منه . (5) في ط : قطعية أخبارنا .
الوافية في اصول الفقه ـ 291 ـ
جميع ما يستفاد منها مرتبة القطع ، وهو في غاية الظهور .
وأيضا : شنع المذكور (1) على أكثر فقهائنا قدس الله ارواحهم ، بأنهم كانوا يفتون بمجرد
آرائهم من غير دليل (2) .
وأنت قد عرفت : أن كثيرا من الاحكام من قبيل اللوازم (3) غير البينة إلا بالتأمل والدليل ،
ومن قبيل الجزئيات والافراد غير البينة الفردية ، ونحو ذلك .
ولما كان العلم باندراج هذه الفروع في اصولها ، يحتاج إلى طبيعة وقادة ، وقريحة نقادة (4) ،
تحصل للبعض دون البعض ـ لا يحسن لمن لا تحصل له ، الطعن على من حصلت فيه بأنه أفتى في
الحكم الفلاني من غير دليل .
مثلا : ربما يتوهم أن القول بوجوب القصد بالبسملة إلى سورة معينة في الصلاة ، قول بالحكم
الشرعي من غير دليل ، إذ لا نص يدل على ذلك الوجوب .
وهو باطل ، لان من قال به ، يقول : إنه قد وردت النصوص بوجوب قراءة سورة كاملة ، ولا
تتحقق السورة الكاملة إلا مع القصد المذكور ، لان البسملة لما كانت مشتركة ، لا تصير جزءا إلا
بالقصد .
والغرض : أن فتاوى الفقهاء كلها راجعة إلى أحد من الادلة التي هي واجبة الاتباع عندهم ، ولا
أقول بامتناع الغلط والخطأ عليهم ، إذ غير المعصوم لا ينفك عن السهو والخطأ ، إذ أحد من العقلاء لم
يجوز القول في الاحكام الشرعية من غير دليل ، ومعلوم : أن أدلة الشرع منحصرة ـ عند فقهاء
الشيعة كلهم ، كما صرحوا به في جميع كتبهم الاصولية ـ في : القرآن ، والحديث الصحيح ،
والاجماع الذي علم دخول المعصوم فيه ، والدلالة العقلية التي قد
(1) كلمة ( المذكور ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
(2) الفوائد المدنية : 178 / 180 / الفصل الثامن / السؤال الحادي والعشرون .
(3) في الاصل : اللزوم ، وما اثبتناه مطابق لسائر النسخ .
(4) في ط : نفاده .
الوافية في اصول الفقه ـ 292 ـ
مر الكلام فيها .
والفتاوى الراجعة إلى الادلة العقلية ـ وهي : الاستصحاب ، وأقسام المفهوم ـ قليلة في كلامهم ،
والمعظم من قبيل الجزئيات المندرجة تحت اصولها التي لا يمكن إرجاعها إلى أحد من الادلة العقلية .
والادلة عند معظم العامة : أيضا منحصرة في أشياء مخصوصة ، نعم قليل من أصحاب أبي حنيفة
... كانوا يعملون بالرأي ، ويسمون بأصحاب الرأي ، والظاهر : أنه إما العلم بالاستحسان ،
أو المصالح المرسلة ، إذ لا يتصور غيرهما (1) .
وكيف يتوهم من له أدنى شائبة من العقل أن معظم فقهائنا ـ كالمفيد ، والمرتضى ، والشيخ الطوسي
، وتلامذتهم ، والمحقق ، والعلامة ، وجميع المتأخرين ـ كانوا يعملون في الاحكام الشرعية بما لم يعمل
به أكثر العامة أيضا ، فإن الفتاوى المذكورة في كتب العلامة ، والمحقق ، وغيرهما من المتأخرين ـ
شذما يخلو عنها كتب الشيخ الطوسي ونظرائه ، مثل : ابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، والمفيد ،
والمرتضى ، وغيرهم ، كما هو مذكور في كتب الاستدلال .
وقد نقل أغلاطا عن (2) العلامة ، يعلم بأدنى تأمل ، أنه هو الغالط فيها ، وذكر : أن الشهيد
الثاني رحمه الله نقل ـ في شرح الشرائع ـ عن العلامة أنه قال في القواعد في مسألة : ( أفتيت
بهذا بمجرد رأيي ولم أجد فيه نصا وأثرا ) (3) .
وأنا أقول : حاشا ثم حاشا مثل ذلك من مثل العلامة رحمه الله ، بل ممن له أدنى فضل وورع ،
وقد تصفحت من أول شرح الشرائع إلى أول كتاب الميراث ، فما وجدت مما نقله عينا ولا أثرا ، وهذا
القواعد حاضر ، كيف والعلامة ينادي في كتبه الاصولية بانحصار الادلة في : الكتاب ، والسنة ،
والاجماع ، والقياس المنصوص العلة ، والاستصحاب ، ثم يفتي بالرأي الذي لم يعمل به
(1) شرح اللمع : 2 / 969 .
(2) كذا في ب وط ، وفي الاصل وأ : من .
(3) الفوائد المدنية 178 .
الوافية في اصول الفقه ـ 293 ـ
إلا شاذ من الحنفية ! (1)
نعم ، نقل الشهيد في الشرح ، في كتاب الصلح (2) ، عن التذكرة (3) : أنه قال في
مسألة : ( ولست أعرف في هذه المسألة بالخصوصية ، نصا من الخاصة ، ولا من العامة ، وإنما
صرت إلى ما قلت عن اجتهاد ) انتهى ، وظاهر : أن مراده بالاجتهاد هو : الاستدلال
بالعمومات ، فإنه استدل على فتواه في هذه المسألة ، بجواز تصرف الانسان في ملكه كيف شاء ،
ودلالة العمومات عليه ظاهرة .
وقد وجدت مواضع مما عدّة من أغلاط العلامة ، غير موافق لعبارة الكتاب الذي نقله عنه .
فإن قال : لا يجوز رد الفروع والجزئيات إلى اصولها .
قلنا : لا شك أنا إذا علمنا أن هذا الحكم متعلق بهذا الكلي ، وعلمنا أن هذا الشيء الخاص فرد
لهذا الكلي ، يحصل لنا العلم بأن ذلك الحكم متعلق بذلك الشيء الخاص .
فإن قال : إن فردية الفرد لابد أن تكون قطعية حتى يصح الحكم ، مع أن الفقهاء يحكمون بمجرد
الظن .
قلنا : الذي ذكره الفقهاء الحكم على الاشياء بالادلة الظنية التي ثبتت حجيتها في الشرع ، ولا
يعلم من ذلك أنهم كانوا يكتفون في فردية الفرد ، واندراج الجزئي بالظن ، حتى يصح الطعن .
مع : أنه يمكن الاستدلال على الاعتماد على هذا الظن أيضا ـ بما يستدل به على حجية خبر
الواحد ، كما لا يخفى .
(1) لاحظ التعليقة المذكورة برقم ( 1 ) في الصفحة السابقة .
(2) المسالك : 1 / 214 كتاب الصلح / في شرح قول المحقق : ( المسألة الأولى
يجوز اخراج الرواشن والاجنحة ... إلى آخره ) .
(3) التذكرة : 2 / 182 كتاب الصلح / الفصل الثالث / مسألة ( إذا أخرج جناحا أو روشنا في الشارع النافذ فقد بينا أنه ... ) .
الوافية في اصول الفقه ـ 294 ـ
وأيضا : إنه أورد في بحث صحة أحاديثنا : أن الفاضل المدقق محمد بن إدريس الحلّي رحمه
الله ، أخذ أحاديث من اصول قدمائنا التي كانت عنده ، وذكرها في باب هو آخر أبواب السرائر ، وأورد
حديثين عن جامع البزنطي ، صاحب الرضا عليه السلام : أحدهما : عنه ، عن هشام بن سالم ،
عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : ( إنما علينا أن نلقي اليكم (1) الاصول ، وعليكم أن
تفرعوا ) .
والثاني : أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : ( علينا
إلقاء الاصول إليكم (2) ، وعليكم التفريع ) (3) .
فإن هذين الحديثين الصحيحين : يدلان على لزوم رد الفروع إلى الاصول ، وظاهر : أنه لا
معنى للتفريع إلا إجراء حكم الاصول والكليات إلى الجزئيات والافراد مطلقا ، بل لا يخفى صدق التفريع
المأمور به في الاجراء إلى الافراد المظنونة الفردية ، ولكنه محل تأمل .
واعلم : أن الاجتهاد كما يطلق على استعلام الاحكام من الادلة الشرعية ، كذلك يطلق على العمل
بالرأي وبالقياس ، وهذا الاطلاق كان شائعا في القديم (4) .
قال الشيخ الطوسي ، في بحث شرائط المفتي ، من كتاب العدة : ( إن جمعا من المخالفين
عدوا منها : العلم بالقياس ، وبالاجتهاد ، وبأخبار الآحاد ، وبوجوه العلل ، والمقاييس ، وبما يوجب
غلبة الظن ) ثم قال : ( إنا بينا فساد ذلك ، وذكرنا أنها ليست من أدلة الشرع ) (5)
وظاهر : أن الاجتهاد الذي ذكر أنه
(1) و (2) في ط : عليكم .
(3) الفوائد المدنية : 154 .
(4) كانت نقطة التحول في اصلاح الاجتهاد على يد المحقق الحلّي إذ عرف الاجتهاد ببذل الجهد في استخراج الاحكام الشرعية ( معارج الاصول : 179 ) بعد ان كان عبارة عن أحد الادلة الشرعية وواقعا في عرضها كما سيوضحه المصنف فيما بعد .
(5) عدة الاصول : 2 / 115 .
الوافية في اصول الفقه ـ 295 ـ
ليس من أدلة الشرع ، ليس بالمعنى المتعارف ، إذ لا يحتمل (1) كونه من جنس الادلة .
والسيد المرتضى في كتاب الذريعة ، ذكر : أن الاجتهاد ( عبارة عن إثبات الاحكام الشرعية
بغير النصوص والادلة ، أو إثبات الاحكام الشرعية بما طريقه الامارات والظنون ) (2) وقال
في موضع آخر منه : ( وفي الفقهاء من فرق بين القياس والاجتهاد ، وجعل القياس ما له أصل
يقاس عليه ، وجعل الاجتهاد ما لم يتعين له أصل ، كالاجتهاد في طلب القبلة ، وفي قيمة المتلفات ،
واروش الجنايات ، ومنهم من عد القياس من الاجتهاد ، وجعل الاجتهاد أعم منه ) (3) .
قال : وأما الرأي ، فالصحيح عندنا : أنه عبارة عن المذهب والاعتقاد الحاصل من الادلة ،
غير الحاصل من الامارات والظنون (4).
هذا حاصل كلامه .
وظاهر أيضا : أن ( الاجتهاد ) في كلامه ليس بمعناه المعروف ، وقد ورد ذم الاجتهاد في
بعض الأخبار ، وهو بهذا المعنى الثاني ، وكأن هذا هو الباعث لانكار الاجتهاد للقائل المذكور ، وهو
غلط ناش من الاشتراك اللفظي .
وإنكاره الاجتهاد ، مستندا بغلط جماعة من المجتهدين ، شبيه باستدلال عوام العامة على عدم حقية
مذهب الشيعة بتركهم لصلاة الجماعة ، واستدلال جماعة من جهلة العوام على ذم العلم بأن جل علماء
هذا الزمان حريصون على الدنيا ، وهو مذموم ، إذ عمل بعض من المجتهدين بمجرد رأيه ، أو غلطه
في بعض الاحكام ـ على تقدير تسليمه ـ لا يوجب بطلان الاجتهاد ، أي : العلم
(1) كذا في أ وب ، وفي الاصل وط : لا يحمل .
(2) الذريعة : 2 / 792 .
(3) الذريعة : 2 / 672 .
(4) الذريعة : 2 / 673 ، والعبارة فيها كما يلي : ( فأما الرأي ، فالصحيح عندنا أنه : عبارة عن المذهب والاعتقاد ، وإن استند إلى الادلة ، دون الامارات والظنون ) .
الوافية في اصول الفقه ـ 296 ـ
بالاحكام عن أدلتها التفصيلية ، وهو من البديهيات .
وربما يستدل له : بأنا لا ننكر الاجتهاد ، إلا بمعنى : أن العمل بالادلة والاحاديث يتوقف على
الملكة المذكورة ، إذ ظاهر : أن هذه الأحاديث والاخبار ، كان يعمل بها في عصر الائمة عليهم
السلام ، كل من سمعها من الشيعة من العوام والعلماء ، وإنكار ذلك مكابرة ، ولم ينقل عن أحد من
الائمة عليهم السلام الانكار على أحد من الشيعة ، وهذا مما يوجب القطع بجواز العمل بها لكل من
فهمها ، من غير توقف على أمر آخر.
وجوابه : أنك قد عرفت وجه الاحتياج إلى الشرائط المذكورة ، في هذه الاعصار دون عصر
الائمة عليهم السلام ، وعرفت : أن الاحتياج إلى الملكة المذكورة إنما هو للعمل باللوازم غير البينة
اللزوم ، وبالافراد غير البينة الفردية ، ونحو ذلك ، لا للعمل بمناطيق الأخبار ومدلولاتها الصريحة ،
والذي هو معلوم من حال السلف ، هو عملهم بهذه الأخبار ومدلولاتها الصريحة.
وأما العمل باللوازم ، والافراد غير البينة ، فلا يعلم من حالهم العمل بها بدون الملكة بل هو بديهي
البطلان .
فإن قلت : فعلى ما ذكرت يلزم الاستغناء عن الملكة لعمل بالمدلولات الصريحة للاخبار ، ولو
كان لها معارض ، وقد مر خلافه .
قلت : المعلوم من حال السلف ، العمل بما سمعوه من الأخبار المعتمدة من غير الفحص عن
المعارض ، ولا يلزم منه الاستغناء عن الملكة بعد الاطلاع على المعارض .
وسيجيء لهذا زيادة بيان في بحث التراجيح إن شاء الله تعالى .
فإن قلت : لا يجوز العمل إلا بالمدلولات الصريحة ، لان اللوازم ، والافراد غير البينة : إن
كانت ظنية : فلا يجوز العمل بها للادلة الدالة على النهي عن العمل بالظن ، ولقوله عليه السلام :
( ما تعلمون فقولوا ، وما لا تعلمون فها ، وأهوى
الوافية في اصول الفقه ـ 297 ـ
بيده إلى فيه ) (1) وهذا داخل في ( ما لا تعلمون ) ، فيجب التوقف فيه .
وإن كانت قطعية : فلا يجوز أيضا ، لاحتمال قصر الحكم على ما لا يحتاج في الحكم بلزومه أو
بفرديته إلى دليل ونظر ، فإن وجوب العمل بالاخبار ، عام لمن تمكن من إقامة الدليل ، ولمن لم يتمكن ،
مثلا : أهل الاجتهاد يقولون : يجب على الولي منع الطفل عن مس كتابة القرآن ولو كان مميزا
متوضئا ، لقوله تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) (2) ، والطفل لما لم يكن وضوؤه
شرعيا ، لم يكن رافعا للحدث ، فهو محدث ، والمحدث لا يجوز له مس كتابة القرآن ، فيجب من باب
الحسبة منعه ، المنع في الطفل يتعلق بوليه .
فنقول ـ بعد قطعية جميع المقدمات ـ : لم لا يكون المنع مقصورا على من علم كونه محدثا ، من
غير نظر ودليل ؟! والطفل المتوضي ليس كذلك ، والعرف قاض بذلك .
قلت : قد مر أنه يحصل القطع بتعلق الحكم بالافراد ، واللوازم غير البينة ، إذا قطع باللزوم
(3) والفردية .
وأيضا : الخبران المذكوران المنقولان عن السرائر ، يدلان على ذلك .
وأيضا : لم يزل العلماء في عصر الائمة عليهم السلام ، يجرون حكم الكلي على أفراده ، كزرارة
، ومحمد بن مسلم ، وهشام بن الحكم ، ويونس بن عبدالرحمن ، والفضل بن شاذان ، ونظرائهم من أهل
النظر والاستدلال .
وأيضا : كان الائمة كثيرا ما يستدلون على حكم بآية .
ويستدلون على الاندراج ، كما لا يخفى على المتتبع ، فلا يكون الحكم مقصورا على اللوازم البينة
اللزوم ، والافراد البينة الفردية ، فتأمل .
(1) تقدم من المصنف الاستشهاد بهذا الحديث مكررا ، وقد رواه كل من البرقي في المحاسن : 213 والكليني في الكافي : 1 / 57 على ما تقدم .
(2) الواقعة / 79 .
(3) كذا في أ وب وط ، وفي الاصل : اللزوم .
الوافية في اصول الفقه ـ 298 ـ
وقد يستدل الخصم (1) أيضا : بأن مصنفي الكتب الاربعة ، مصرحون بجواز العمل
بالاحاديث ، من غير توقف على ملكه أو غيرها ، سوى فهم الحديث ، فيكون الاجتهاد باطلا .
أما الاول : فلان أبا جعفر ابن بابويه ، صرح ـ في أول كتاب من لا يحضره الفقيه ـ : بأن
وضع هذا الكتاب ، إنما هو لان يرجع إليه ويعمل بما فيه من لم يكن الفقيه عنده (2) .
وهو صريح في أن المقلد ـ الذي عليه الاستفتاء ، على تقدير حضور الفقيه والمجتهد عنده ـ عليه
العمل بأخبار هذا الكتاب عند عدم حضور الفقيه (3) .
وكذا ثقة الاسلام ، صرح في أول الكافي بأنه : ( كتاب يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه
المسترشد ، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به ) (4).
وهذا ظاهر في جواز رجوع كل متعلم ومريد لعلم الدين إلى هذا الكتاب ، من غير توقف على
شرط .
وكذا رئيس الطائفة ، ذكر في أول الاستبصار (5) : ( أن تهذيبه : كتاب يصلح أن يكون
مذخورا يلجأ (6) إليه المبتدي في تفقهه ، والمنتهي في تذكره ، والمتوسط في تبحره ) .
وقال في أول التهذيب (7) أيضا : ( لما فيه ـ أي : في الكتاب المذكور ـ من
(1) في أ وط : للخصم .
(2) الفقيه : 1 / 2 .
(3) قوله ( والمجتهد عنده عليه العمل باخبار هذا الكتاب عند عدم حضور الفقيه ) ساقط من الاصل ، وقد اثبتناه من سائر النسخ .
(4) الكافي : 1 / 8 .
(5) الاستبصار : 1 / 2 .
(6) في ط : يرجع .
(7) التهذيب : 1 / 3 .
الوافية في اصول الفقه ـ 299 ـ
كثرة النفع للمبتدي والريض في العلم ) وظاهر : أن المبتدي لا يكون مستجمعا للشرائط المذكورة
للعمل بالاحكام ، سيما الملكة .
قلت : غاية ما يلزم من كلامك ، تصريحهم بجواز العلم بمناطيق الأخبار ومدلولاتها الصريحة لكل
فاهم للحديث ، سواء كان مستجمعا للشرائط الاخر أو لا ، ولا يلزم منه عدم اعتبار الشرائط الاخر ،
والملكة ، في العمل بالقسم الثاني من القسمين المذكورين للاحكام الشرعية ، والله أعلم .
البحث الرابع : في التقليد .
وهو : قبول قول من يجوز عليه الخطأ من غير حجة ولا (1) دليل.
يعتبر في المفتي الذي يستفتى منه ـ بعد الشرائط المذكورة ، على النحو المذكور ـ أن يكون مؤمنا ،
ثقة .
ويكون حصول هذه الشرائط فيه معلوما للمقلد بالمخالطة المطلقة ـ إن أمكن الاطلاع في حقه ـ أو
بالاخبار المتواترة ، أو بالقرائن الكثيرة المفيدة للعلم ، أو بشهادة العدلين العارفين ـ على قول .
ولا يشترط المشافهة ، بل يجوز العمل بالرواية عنه .
وفي جواز العمل بالرواية عن المجتهد الميت خلاف ، على ما نقل .
قال الشهيد الثاني ، في كتاب آداب العالم والمتعلم : ( وفي جواز تقليد المجتهد الميت ، مع
وجود الحي ، أو لا معه ؟ للجمهور أقوال : أصحها عندهم : جوازه مطلقا ، لان المذاهب لا تموت
بموت أصحابهم ـ ولهذا يعتد بها بعدهم في الاجماع والخلاف ـ ولان موت الشاهد قبل الحكم لا
(1) حرف النفي زيادة من ط ، وقد نص الغزالي على أصل التعريف : المستصفى : 2 /
387 لكن قيده المصنف ليخرج بذلك قبول قدم المعصوم عن التقليد .
الوافية في اصول الفقه ـ 300 ـ
يمنع الحكم بشهادته ، بخلاف فسقه .
والثاني : لا يجوز مطلقا ، لفوات أهليته بالموت ، وهذا هو المشهور بين أصحابنا (1) ،
خصوصا المتأخرين منهم ، بل لا نعلم قائلا بخلافه ممن يعتد بقوله .
والثالث : المنع منه مع وجود الحي ، لا مع عدمه ) (2) .
ونقل الشهيد الاول في الذكرى (3) القول بجواز تقليد الميت ، ولم يصرح باسم قائله .
ونقل المحقق الشيخ علي ، في حواشي الشرائع (4) ، عن الشيخ السعيد فخر الدين ، عن والده
العلامة : جواز (5) تقليد الميت إذا خلا العصر عن المجتهد الحي ، واستبعده ، وحمل كلامه
على الاستعانة بكتب المتقدمين في معرفة صور المسائل والاحكام مع انتفاء المرجع .
وقال فخر المحققين ـ في كتاب إرشاد المسترشدين وهداية الطالبين (6) ، على ما نقل عنه أنه
قال ـ : في وجه الاقتصار على الاصول الكلامية : ( واقتصرت على هذه الاصول ، ولم أذكر
العبادات السمعية ، لان والدي ـ جمال الدين الحسن بن يوسف [ بن ] (7) المطهّر قدس الله
سرهم (8) ـ ذكر ما أجمع
(1) وذهب اليه بعض العامة أيضا كالفخر الرازي في المحصول : 2 / 526 .
(2) منية المريد : 167 ، باختصار .
(3) الذكرى : 3 / المقدمة / الاشارة الخامسة .
(4) حاشية المحقق الشيخ علي الكركي على الشرائع / الصفحة الاخيرة من مخطوطة محفوظة برقم 1418 في مكتبة المدرسة الفيضية بقم ـ ايران و/ الصفحة 639 / من مخطوطة اخرى محفوظة برقم 1964 في المكتبة المذكورة .
(5) كلمة ( جواز ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
(6) ارشاد المسترشدين وهداية الطالبين / الخاتمة / الصفحة الاخيرة من مخطوطة محفوظة برقم 454 في مكتبة آية الله المرعشي النجفي العامة بقم ـ ايران .
(7) ما بين المعقوفين زيادة من المصدر قد خلت منها النسخ .
(8) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ذكره .