والاحتياج إلى هذه العلوم الثلاثة إنما هو لمن لم يكن مطلعا على عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام ، كالعجم مطلقا ، والعرب أيضا في هذه الازمنة ، لا مثل الرواة ، ومن قرب زمانه منهم ، على أن الاحتياج في هذه الازمنة أيضا ، متفاوت بالنسبة إلى الاصناف كالعرب والعجم .
  والاول من الثاني : علم الاصول .
  والاحتياج إليه : لان المطالب الاصولية مما يتوقف عليه استنباط الاحكام ، مثلا : كثير من المسائل يتوقف على ثبوت الحقيقة الشرعية ونفيها ، وتحقيقها إنما هو في الاصول ، وكذا على كون الامر للوجوب أو لا ؟ وكذا الوحدة والتكرار ؟ والفور والتراخي ؟ وأن الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده الخاص أو لا ؟ وكذا وجوب مقدمة الواجب ، وظاهر أنها لا تعلم من اللغة وغيرها ، وليس أحد الشقين في هذه المذكورات بديهيا حتى يستغنى عن تدوينها وعن النظر فيها ، وكذا ليست هذه المذكورات مما لا يتوقف عليه العمل ، وكذا الحال في مباحث النواهي ، وحكم ورود العام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والمجمل والمبين ، والقياس مطلقا ، أو منصوص العلة ، ووجوب العمل بخبر الواحد وعدمه ، وإن أمكن ادعاء ثبوت وجوب العمل بالمتواتر ، من علم الكلام ، وهكذا بقية المطالب. والثاني : علم الكلام .
  ووجه الاحتياج إليه : أن العلم بالاحكام يتوقف على أن الله تعالى لا يخاطب بما لا يفهم معناه ، ولا بما يريد خلاف ظاهره ، من غير بيان ، وهذا إنما يتم إن لو عرف أنه تعالى حكيم مستغن عن القبيح ، وكذا يتوقف على العلم بصدوق الرسول والائمة عليهم السلام .


(1) كذا في النسخ ، والظاهر زيادة أحد حرفي الشرط ، أو ان تكون العبارة بالنحو التالي : وهذان انما يتمان لو عرف .

الوافية في اصول الفقه ـ252 ـ
  والحق : أن الاحتياج إليه ، إنما هو لتصحيح الاعتقاد ، لا للاحكام بخصوصها .
  والثالث : علم المنطق .
  والاحتياج إليه : إنما هو لتصحيح المسائل الخلافية وغيرها ، من العلوم المذكورة ، إذ لا يكفي التقليد سيما في الخلافيات ، مع إمكان الترجيح ، وكذا لرد الفروع الغريبة إلى اصولها ، لانه محتاج إلى إقامة الدليل ، وتصحيح الدليل لا يتم بدون المنطق إلا للنفوس القدسية .
  واعلم : أن العلوم المذكورة ، ليس جميع مسائلها المدونة ، مما يتوقف عليه الاجتهاد ، بل ولا أكثرها على الظاهر ، والقدر المحتاج إليه ، مما لا يمكن تعيينه إلا بعد ملاحظة جميع الاحكام ، ويكفي لصاحب الملكة (1) الرجوع إلى ما يحتاج إليه عند الاحتياج ، كما لا يخفى .
  الظاهر الاستغناء عن المنطق في العمل بالمنطوقات ، وكذا المفهومات الظاهرة .
  فإن قلت : لا حاجة إلى علم الاصول ، لوجهين : الاول : أن علم الاصول قد حدث تدوينه بعد عصر الائمة عليهم السلام ، وأنا نقطع بأن قدماء‌نا ، ورواة أحاديثنا ، ومن يليهم ـ لم يكونوا عالمين بعلم الاصول ، مع أنهم كانوا عاملين بهذه الأحاديث الموجودة ، ولم ينقل عن أحد من الائمة عليهم السلام إنكارهم ، بل المعلوم تقريرهم لهم ، وكان ذلك الطريق مستمرا عند الشيعة إلى زمان القديمين : الحسن بن أبي عقيل ، وأبي علي أحمد بن الجنيد ، ثم حدث تدوين الاصول بين الشيعة أيضا (2) ، فلا يكون العمل بهذه الأحاديث   موقوفا على العلم بمسائل علم الاصول .


(1) أي : في العلوم المذكورة ( منه رحمه الله ) .
(2) كلمة ( أيضا ) : ساقطة من ط .

الوافية في اصول الفقه ـ 253 ـ
  الثاني : أن البديهة حاكمة بوجوب العمل (1) بأوامر الشرع ونواهيه ، ومن علم العلوم الثلاثة الاول : فهو ممن يفهم الاوامر والنواهي ، فالحكم عليه بوجوب التقليد المنهي عنه ، بمجرد جهله بمسائل الاصول ، مما لا دليل عليه ، بل لا عذر له في التقليد ، وليس مثله مع التقليد إلا مثل شخص حكمه ملك على ناحية ، وعهد إليه : أنه متى أخبره ثقة بأن الملك أمرك بكذا ، أو نهاك عن كذا ، فعليك بالطاعة والعمل بالامر والنهي ، وبين له المخلص عند تعارض الأخبار ، فهو يترك العمل بما سمع من الاوامر والنواهي من الثقاة ، معللا بجهله بمسائل الاصول أو المنطق ، فإن استحقاقه للذم حينئذ مما لا ريب فيه .
  قلت : اعلم أولا : أن مباحث علم الاصول قسمان : الاول : ما يتعلق بتحقيق معاني الالفاظ ، مثل : أن الحقيقة الشرعية ثابتة أو لا ؟ وأن الامر للوجوب ؟ والمرة ؟ والفور ؟ أو لا ؟ وكذا النهي ؟ وأن المفرد المعرف باللام ، والجمع المنكر ، للعموم ؟ أو لا ؟ والمخصص المتعقب للجمل المتعاطفة ـ كالاستثناء ، والشرط ، ونحوهما ـ يرجع إلى الجملة الاخيرة فقط ؟ أو إلى الجميع ؟ إلى غير ذلك من المسائل المودعة في مواضعها .
  والثاني : ما ليس كذلك ، مثل : أن الامر بالشيء هل يقتضي وجوب مقدمته ؟ وتحريم ضده الخاص ؟ أو لا ؟ وهل يجوز تعلق الامر والنهي بشيء واحد ؟ أو لا ؟ وهل يجوز التكليف بالشيء مع علم الآمر بانتفاء شرطه ؟ أو لا ؟ وهل العام المخصص حجة في الباقي ؟ أو لا ؟ وهل العمل بالعام مشروط باستقصاء البحث عن المخصص ؟ أو لا ؟ وهل المفهومات حجة ؟ أو لا ؟ وخبر الواحد هل هو حجة ؟ أو لا ؟ إلى غير ذلك من المسائل .
  إذا عرفت هذا ، فنقول : ما كان من القسم الاول ، فهو لم يكن في عصر الائمة عليهم السلام وما شابهه محتاجا إليه ، لان معاني الالفاظ وحقائقها كانت


(1) في ط : العلم .

الوافية في اصول الفقه ـ 254 ـ
  معلومة لهم ، لعدم تغير العرف في زمانهم ، ولما خفي هذا ـ بسبب تغير العرف ـ احتيج إلى تحقيق هذه المسائل ، فدون لها علم على حدة ، ولا يلزم من استغنائهم استغناؤنا ، فإنه لما اشتبه علينا أن الامر للوجوب ؟ أو لا ؟ لا يمكننا الحكم بوجوب شيء وبعدم جواز تركه ، بمجرد ورود الامر به ، إلا بعد النظر في الادلة الدالة على أن الامر للوجوب ، وكذا الحال في بقية المسائل ، فكيف يتصور القول باستغنائنا عنها في العلم أو الظن بالاحكام ؟! بل هل هذا إلا جهل أو تجاهل ؟! فإن قلت : يمكن العلم بهذه المطالب الاصولية من علم العربية .
  قلت : ليس شيء من هذه المباحث مبينا ـ بحيث يشفي العليل ويروي الغليل ـ في غير الاصول ، كما هو ظاهر للمتتبع .
  وبعد التسليم ، فهي محتاج إليها ، وليس الغرض إلا هذا .
  وقد ظهر الجواب بما مر عن كلا الوجهين في هذا القسم ، أما الاول : فظاهر ، وأما الثاني :
  فلانا لا نسلم حصول الفهم بدون العلم بهذا القسم من المطالب .
  وأما القسم الثاني : فلا شك في الاحتياج إليه للعلم بالفروع المتفرعة عليه ، مثلا : إذا اريد العلم بحال الصلاة في الدار المغصوبة ، هل هي صحيحة ؟ أو باطلة ؟ فلابد من تحقيق حال ( تعلق الامر والنهي بشيء واحد ) هل هو جائز؟ أو لا ؟ إذ ليس لهذه المسألة مدرك غير هذه المسألة الاصولية ، على ما هو الظاهر من الكتب الاستدلالية ، وكذا العلم بحال الصلاة في أول الوقت مع شغل الذمة بحق مضيق ؟ أو جواز السفر بعد الصبح من يوم الجمعة قبل صلاة الجمعة إذا وجبت ؟ أو صحة الصلاة في موضع يخاف في الوقوف فيه هلاك النفس ؟ أو صحة النافلة في وقت الفريضة ، أو صحة استيجار العبادة لمن في ذمته مثلها من عبادة نفسه ؟ أو لمن يقلد الميت ؟ على المشهور ؟ أو لمن استأجر نفسه قبل ذلك بمثلها ، مع الاطلاق في عقدي الاجارة ؟ أو

الوافية في اصول الفقه ـ 255 ـ
  التعيين في أحدهما والاطلاق في الآخر ، على تقدير تقارب زمانهما ، بحيث لم تحصل البراء‌ة من الاول ؟ وكأنه لا خلاف في عدم صحة إجارة الحج لمن عليه حج واجب من نفسه ، أو لاجارة سابقة من القدرة ، ولم يظهر له مدرك غير المسألة الاصولية .
  وكذا الحال في بقية المسائل ، سيما حجية خبر الواحد ، والاحتياج إلى العلم بمثل هذه الفروع المذكورة مما لا يعتريه شك .
  القائل بالاستغناء عن علم الاصول يلزمه : إما القول ببداهة أحد طرفي هذه المسائل ، أو :
  بعدم الاحتياج إلى العلم بهذه المسائل ، وكلاهما بديهي البطلان .
  والسر في عدم احتياج القدماء إلى تحقيق هذا القسم ـ على تقديره ـ : أن بعض هذا القسم كان لهم غنى عن تحقيق حاله ، مثل حجية خبر الواحد وما يتعلق به ، فإن حصول العلم لهم ـ بسبب المشافهة من المعصوم عليه السلام ، وبالتواتر (1) ، وبالقرائن المفيدة للعلم ، بسبب قرب زمانهم ـ أغناهم عن النظر في خبر الواحد وما يتعلق به ، ولهذا ترى أكثر القدماء ينكرون خبر الواحد ، كابن بابويه في أول كتاب الغيبة ، والسيد المرتضى ، وابن زهرة ، وابن ادريس ، بل الشيخ الطوسي ، كما لا يخفى على المتأمل ، وغيرهم (2).
  وبعض آخر منه : من عاداتهم وعرفهم يعلمونه ، كالقسم الاول ، مثل : مقدمة الواجب ، والمفهومات ، والعام المخصص ، ونحوها ، بل يمكن إدراجها في القسم الاول أيضا.
  وبعض آخر : مما لم يخطر في بالهم ، ولو خطر ببالهم لسألوا عنه إمام زمانهم عليه السلام ، مثل : احتمال بطلان الصلوة مع سعة الوقت ، لمن عليه حق


(1) كذا في أ وط ، وفي ب : أو بالتواتر ، وفي الاصل ، أسقط حرف العطف .
(2) راجع ذلك فيما أوردناه في هوامش ص 158 .


الوافية في اصول الفقه ـ 256 ـ
  مضيق ، إذ نحن لم ندع أن العمل بمنطوقات الأخبار الصريحة ، يتوقف على العلم بجميع هذا القسم من المسائل الاصولية ، بل نحن ندعي أن العلم بفروعاتها يتوقف عليها .
  نعم من أنكر التجزي ، يلزمه القول بعدم العلم بشيء من الاحكام حينئذ ، بدون العلم بهذه المسائل الاصولية .
  لكن على ما مر من التحقيق : يمكن الاجتهاد والعلم بكثير من الاحكام ، مع الجهل بكثر من مسائل القسم الثاني ، فلا تغفل .
  ولي كلام في قولهم : لا يجوز العمل بالعام قبل فحص المخصص والمعارض ، لعلي أورده في موضعه في هذه الرسالة إن شاء الله تبارك وتعالى .
  والاول من الثالث : العلم بتفسير الآيات المتعلقة بالاحكام ، وبمواقعها من القرآن ، أو من الكتب الاستدلالية ، بحيث يتمكن من الرجوع إليها عند الحاجة .
  والمشهور : أن الآيات المتعلقة بالاحكام نحو من خمسماء‌ة آية ، ولم أطلع على خلاف في ذلك .
  وروى الكليني ، في باب النوادر من كتاب فضل القرآن ، عن الاصبغ ابن نباتة ، قال : ( سمعت أمير المؤمنين عليه السلام ، يقول : نزل القرآن أثلاثا : ثلث فينا وفي عدونا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام )(1) وفي الصحيح : ( عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : نزل القرآن أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام ) (2) .
  وفي رواية اخرى : ( عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : إن القرآن نزل


(1) الكافي : 2 / 627 كتاب القرآن / باب النوادر / ح 2 .
(2) الكافي : 2 / 627 ح 4 من باب المذكور .

الوافية في اصول الفقه ـ 257 ـ
  أربعة أرباع : ربع حلال ، وربع حرام ، وربع سنن وأحكام ، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما بينكم ) (1) ووجه الاحتياج إليه : أن استنباطا الاحكام من الآيات الاحكامية ، يتوقف على العلم بها ، وذلك ظاهر .
فإن قلت : قد ورد الأخبار أن القرآن إنما يعلمه من خوطب به (2) ، وأنه لا يجوز تفسير القرآن بالرأي (3) ، كما (4) رواه الطبرسي (5) وغيره ، ويدل على مضمونه : ما رواه الكليني في باب اختلاف الحديث (6) .
  وفي التفسير المنسوب إلى سيدنا ومولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري : ( فأما من قال في القرآن برأيه فإن اتفق له مصادفة صواب ، فقد جهل في أخذه عن (7) غير أهله ) (8) والحديث طويل .
  وقال في مجمع البيان : ( واعلم : أن الخبر قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن الائمة عليهم السلام القائمين مقامه : أن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالاثر الصحيح ، والنص الصريح ) (9) انتهى .


(1) الكافي : 2 / 627 ح 3 من الباب المذكور .
(2) ذيل رواية زيد الشحام. الكافي : 8 / 311 ح 485 وبمعناه روايات اخر أوردها في ( باب انه لم يجمع القرآن كله إلا الائمة عليهم السلام وانهم يعلمون علمه كله ) سيما الحديث الثاني والخامس والسادس منه ، الكافي : 1 / 228 .
(3) تفسير العياشي : 1 / 17 / 18 ، عيون اخبار الرضا (ع) : 1 / 59 ـ الباب 11 ح 4 ، امالي الصدوق : 155 ح 3 ، التوحيد : 905 ح 5 .
(4) كلمة ( كما ) : زيادة من ط .
(5) مجمع البيان : 1 / 13 الفن الثالث .
(6) الكافي : 1 / 62 .
(7) في أ وب وط : من .
(8) التفسير المنسوب إلى الامام العسكري : 14 .
(9) مجمع البيان : 1 / 13 الفن الثالث .

الوافية في اصول الفقه ـ 258 ـ
  وأيضا : قد روى الكليني (1) ، وعلي بن إبراهيم (2) ، وغيرهما ، روايات كثيرة ، دالة على أن في القرآن تغييرا وتبديلا كثيرا .
  وعلى هذين الاحتمالين ، فلا يصح التمسك بالقرآن في الاحكام الشرعية ما لم يكن هناك نص ، وهو مغن ، فلا يكون العلم بالكتاب مما يتوقف عليه الاجتهاد .
  قلت : الجواب من وجوه : الاول : أن المراد بانحصار علم القرآن وتفسيره ، في الائمة عليهم السلام ، ما كان من حمل الكلام على خلاف المدلولات الظاهرة .
  وأما المدلولات الظاهرة : فلا شك في حصول العلم بها من الكلام ، مثلا : لا شك في حصول العلم بالتوحيد من آية : ( قل هو الله أحد ) (3) ، و( إنما إلهكم إله واحد ) (4) ، وفي حصول العلم بطلب الصلاة من آية : ( واقيموا الصلاة ) (5) وإن كانت الصلاة مما يحتاج إلى البيان ، وفي العلم بأن نصيب الذكر ضعف الانثى في الميراث في شريفة : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ) (6) ، وفي الربع للزوج مع الولد ، والنصف مع عدمه ،


(1) الكافي : 8 / 50 ح 11 ، و ص 183 ح 208 ، و ص 290 ح 437 و 438 و 439 و 440 و ص 377 ح 568 ، و ص 378 ح 569 و 570 و 571 .
(2) تفسير علي بن ابراهيم القمّي / المجلد الثاني : 295 حديث أبي بصير في تفسير الآية 29 / الجاثية ، وكذا في ص 349 حديثا أبي عبدالرحمن السلمي ، وأبي بصير في تفسير الآية 56 / الواقعة ، وكذا في ص 367 حديث ابن أبي يعفور في تفسير الآية : 11 / الجمعة ، وفي ص 451 : ( قال رسول الله [ ص ] لو أن الناس قرأوا القرآن كما انزل الله ما اختلف اثنان ) ، انظر ما اوردناه فيما تقدم في الهامش ( 3 ) من صفحة 147 .
(3) التوحيد / 1 .
(4) الكهف / 110 ، والانبياء / 108 .
(5) البقرة / 43 ، 83 ، 110 ، والنساء / 77 ، والنور / 56 ، والمزمل / 20 .
(6) النساء / 11 .

الوافية في اصول الفقه ـ 259 ـ
  إلى غير ذلك ، بحيث لا يعتريه شك ولا يدانيه ريب .
  ويؤيد هذا الوجه :
  ما ذكره الطبرسي : [ من ] ( أن التفسير : كشف المراد عن اللفظ المشكل ) (1) و : أن الفقهاء في جميع الاعصار كانوا يستدلون بالآيات القرآنية ، وكتاب ( من لا يحضره الفقيه ) مملوء منه ، سيما كتاب المواريث وغيره (2) ، واستدلالات الائمة عليهم السلام لاصحابهم الشيعة ولغيرهم بالآيات ، مما لا يعد ولا يحصى .
  وحمل الطبرسي التفسير بالرأي على عدم مراعاة شواهد الالفاظ ، وفيه بعد .
  الثاني : أن المراد انحصار العلم بكل القرآن في الائمة عليهم السلام .
  ويؤيده : ما رواه الكليني ، في كتاب فضل القرآن : أن القرآن اسم للمجموع (3) ، وما رواه في باب الرد إلى الكتاب والسنة ، أو باب آخر قريب منه من أنه : ( لا يدعي العلم بجميع القرآن غيرنا إلا كذاب ) (4). الثالث : أن ههنا أخبارا معارضة للاخبار الاولة ، كحديث عرض الحديث على كتاب الله ، والاخذ بالموافق وطرح المخالف خلف الحائط (5) .
  وفي هذا المضمون أخبار كثيرة بالغة حد التواتر ، فلو فرض أن العلم بالقرآن لا يحصل إلا بالحديث ، لم يكن للعرض فائدة .
  وفي هذا الوجه دلالة على صحة الاعتماد على الاصل وظاهر الحال ، من


(1) مجمع البيان : 1 / 13 الفن الثالث .
(2) يكفي لصدق هذا المقال ملاحظة خطبة كتاب الكافي للكليني ( منه رحمه الله ) .
(3) الكافي : 2 / 630 ـ كتاب فضل القرآن / باب النوادر ح 11 .
(4) الكافي : 1 / 228 كتاب الحجة / باب انه لم يجمع القرآن كله إلا الائمة (ع) / ح 1 وغيره .
(5) الكافي : 1 / 69 ـ كتاب فضل العلم / باب الاخذ بالسنة وشواهد الكتاب. ذكر بعضها الكليني في خطبة الكافي ( من رحمه الله ) ، مجمع البيان : 1 / 13 المقدمة / الفن الثالث .

الوافية في اصول الفقه ـ 260 ـ
  عدم النسخ والتخصيص ، إذ لو كان احتمال النسخ موجبا لعدم صحة الاعتماد على مدلول الآية ، لم يحصل العلم بصحة الحديث بسبب عرضه على القرآن ، سيما عند تعارض الخبرين .
  وعلى هذا ، يسقط ما يتوهم من أنه على تقدير العلم بمضمون الآية ، فالعلم ببقاء التكليف بمضمونه غير حاصل لنا ، لاحتمال النسخ والتخصيص ، وإذا حصل التعارض فيجب ـ على تقدير التكافؤ ـ حمل الأخبار الاولة على المتشابهات ، كما لا يخفى .
  وأما حديث التغيير في القرآن : فهو مما نفاه الاكثر ، وبالغ فيه السيد الاجل المرتضى في جواب المسائل الطرابلسيات ، وقد نقل كلامه الشيخ الطبرسي في أوائل كتاب مجمع البيان (1) .
  وعلى تقدير التسليم ، فقد روي أيضا جواز العمل بهذا القرآن الموجود ، حتى يقوم قائم آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام (2). واعلم : أنه يتصور في حق المتجزي استغناؤه في التفسير ، كما لا يخفى ، فتأمل .
  والثاني من القسم الثالث : العلم بالاحاديث المتعلقة بالاحكام ، بأن يكون عنده من الاصول المصححة ما يجمعها ، ويعرف موقع كل باب ، بحيث يتمكن من الرجوع إليها .
  ويتصور في حق المتجزي الغناء عنها ، ببعض الكتب الاستدلالية ، كما لا يخفى .
  والثالث من الثالث : العلم بأحوال (3) الرواة في الجرح والتعديل ، ولو بالمراجعة إلى كتب الرجال .


(1) مجمع البيان : 1 / 15 الفن الخامس .
(2) انظر ما تقدم في الهامش ( 2 ) من ص 148 .
(3) كذا في أ وب وط ، وفي الاصل : حال .

الوافية في اصول الفقه ـ 261 ـ
  ووجه الاحتياج إليه : أن الاجتهاد بدون التمسك بالاحاديث غير متصور ، وليس كل حديث مما يجوز العمل به ، إذ كثير من الرواة نقلوا في حقهم أنهم من الكذابين المشهورين ، فلا شك في وجود ، وربما لا يمكن التمييز بغير الاطلاع على حال الراوي(1) .
  وهههنا شكوك : الاول : ـ وهو ما ذهب إليه الفاضل مولانا محمد أمين الاسترآبادي ـ أن العلم بأحوال الرواة غير محتاج إليه للعمل بأحاديث الاحكام (2) ، لان أحاديثنا كلها قطعية الصدور عن المعلوم ، وما كان كذلك فلا يحتاج إلى ملاحظة سنده ، أما الكبرى : فظاهرة ، وأما الصغرى :
  فلان أحاديثنا محفوفة بقرائن مفيدة للقطع بصدورها عن المعصوم عليه السلام .
  ( فمن جملة القرائن : أنه كثيرا ما نقطع بالقرائن الحالية أو المقالية ، بأن الراوي كان ثقة في الرواية ، لم يرض بالافتراء ، ولا برواية ما لم يكن بينا واضحا عنده ، وإن كان فاسد المذهب أو فاسق بجوارحه ، وهذا النوع من القرينة وافرة في أحاديث كتب أصحابنا .
  ومنها : تعاضد بعضها ببعض .
  ومنها : نقل الثقة العالم الورع ـ في كتابه الذي ألفه لهداية الناس ، ولان يكون مرجع الشيعة ـ أصل رجال أو روايته ، مع تمكنه من استعلام حال ذلك الاصل ، أو تلك الرواية ، وأخذ الاحكام بطريق القطع عنهم عليهم السلام .
  ومنها : تمسكه بأحاديث ذلك الاصل ، أو بتلك الرواية ، مع تمكنه من أن يتمسك بروايات اخر صحيحة .
  ومنها : أن يكون راويه أحد من الجماعة التي أجمعت العصابة على


(1) كذا في النسخ. ولعله تصحيف : الكذاب .
(2) الفوائد المدنية : 30 ( في انكاره لما نقله عن العلامة الحلّي ) وانظر أيضا : ص 40 و 53 و 56 .

الوافية في اصول الفقه ـ 262 ـ
  تصحيح ما يصح عنهم .
  ومنها : أن يكون راويه من الجماعة التي ورد في شأنهم من بعض الائمة عليهم السلام : ( أنهم ثقاة مأمونون ) أو : ( خذوا عنهم (1) معالم دينكم ) أو : ( هؤلاء أمناء الله في أرضه ) ، ونحو ذلك .
  ومنها : وجوده في أحد كتابي الشيخ ، وفي الكافي ، وفي ( من لا يحضره الفقيه ) ، لاجتماع شهاداتهم على صحة أحاديث كتبهم ، أو على أنها مأخوذة من تلك الاصول المجمع على صحتها ) انتهى كلامه (2) .
  وذكر في بيان شهاداتهم : ( أن ابن بابويه رحمه الله ، ذكر في أول كتابه : ( إني لا اورد في هذا الكتاب إلا ما افتي به ، وأحكم بصحته ، وهو حجة يبني وبين ربي ) (3) .
  وقال محمد بن يعقوب في أول الكافي ، مخاطبا لمن سأله تصنيفه : ( وقلت : إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ، ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إلى المسترشد ، ويأخذ عنه من يريد علم الدين ، والعمل به ، بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام ، فاعلم يا أخي أرشدك الله تعالى : أنه لا يسع أحدا تمييز شيء مما اختلفت الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه ، إلا ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام : ( اعرضوها على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه ) ، وقوله عليه السلام : ( دعوا ما وافق القوم ، فإن الرشد في خلافهم ) وقوله عليه السلام : ( خذوا بالمجمع عليه ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه ) ، ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله ، لا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه


(1) كلمة ( عنهم ) : ساقطة من الاصل ، واثبتناها من سائر النسخ .
(2) الفوائد المدنية : 89 وكرر دعوى اجتماع شهاداتهم على صحة أحاديث كتبهم في ص 176 منه .
(3) الفقيه : 1 / 3 .

الوافية في اصول الفقه ـ 263 ـ
  السلام ، وقبول ما وسع من الامر فيه ، بقوله عليه السلام : ( بأيهما (1) أخذتم من باب التسليم وسعكم ) وقد يسر الله وله الحمد ، تأليف ما سألت ، وأرجو أن يكون بحيث توخيت فمهما كان فيه من تقصير ، فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة ، إذ كانت واجبة لاخواننا وأهل ملتنا ، مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكل من اقتبس منه وعمل بما فيه في دهرنا هذا وفي غابره إلى انقضاء الدنيا ، إذ الرب عز وجل واحد ، والرسول محمد خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه واحد ، والشريعة واحدة ، وحلال محمد حلال ، وحرامه حرام ، إلى يوم القيامة ) انتهى (2) .
  قال : ( إن كلامه قدس سره صريح في أنه قصد بذلك التأليف إزالة خيرة السائل ، ومن المعلوم أنه لو لفق كتابه هذا مما ثبت وروده عن أصحاب العصمة صلوات الله عليهم ومما لم يثبت ، لزاد السائل حيرة وإشكالا ، فعلم أن أحاديث كتابه كلها صحيحة ) (3) .
  وقال الشيخ الطوسي في أول الاستبصار (4) ما حاصله : ( إن الحديث على خمسة أقسام ، لانه : إما متواتر ، أو لا .
  والثاني : إما محفوف بالقرائن المفيدة للقطع ، أو لا ، والثاني : إما لا يعارضه خبر آخر ، أو يعارضه .
  والثاني : إما إن لم يتحقق (5) الاجماع على صحة أحد الخبرين ، أو على إبطال الآخر ، أو لم يكن كذلك ) .
   وجعل الاقسام كلها قطعية إلا الاخير ، أما الاول ـ وهو المتواتر ـ : فظاهر . وأما المحفوف بالقرائن الموجبة للعلم : فظاهر أيضا ، فإنه صرح بأنه


(1) في النسخ والكافي ـ في خطبته ـ : بأيما ، وما اثبتناه مطابق لما جاء في ص 66 من المجلد الاول من الكافي .
(2) الكافي : 1 / 89 خطبة الكتاب .
(3) الفوائد المدنية : 50 و272 / الفائدة الاولى .
(4) الاستبصار 1 / 34 ( بتصرف في اللفظ ) .
(5) كذا في الاصل ، وأ ، وفي ب أسقط : إن، وفي ط أسقط : اما، ولعل الصواب : اما أن لا يتحقق .

الوافية في اصول الفقه ـ 264 ـ
  يجري مجرى المتواتر ، وأما الثالث ـ وهو كل خبر لا يعارضه خبر آخر ـ : فإن ذلك يجب العمل به ، لانه من الباب الذي عليه الاجماع في النقل ، إلا أن تعرف فتاواهم بخلافه ـ ويفهم منه : أن نقل هذا القسم من المعصوم مجمع عليه ، وهذا فوق الشهادة بالصحة ـ وأما الرابع ، فقال فيه : ( ولانه إذا ورد الخبران المتعارضان ، وليس بين الطائفة إجماع على صحة أحد الخبرين ، ولا على إبطال الخبر الآخر ، فكأنه إجماع على صحة الخبرين ، وإذا كان إجماعا على صحتهما ، كان العمل بهما ، جائزا سائغا ) فادعى الاجماع على صحة هذا القسم ، فعلم منه : أن كل خبر لا يعلم الاجماع على خلافه ، فهو عنده صحيح ، فهذا شهادة منه على صحة جل الأحاديث ، بل كلها ، إذ القسم الخامس مما لا يكاد يوجد .
  وقال أيضا : ( وأنت إذا فكرت في هذه الجملة ، وجدت الأخبار كلها لا تخلو من قسم من هذه الاقسام ووجدت أيضا ما عملنا عليه في هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا في الفتاوى في الحلال والحرام لا يخلو من واحد من هذه الاقسام ) ، ويفهم منه أن كل حديث عمل هو به فهو عنده صحيح (1) .
  وقال في أول التهذيب : ( وأذكر مسألة مسألة ، فأستدل عليها ، إما من ظاهر القرآن ، أو من صريحه ، أو فحواه ، أو دليله ، أو معناه ، وإما من السنة المقطوع بها : من الأخبار المتواترة ، أو الأخبار التي تقترن إليها القرائن التي تدل على صحتها ، وإما من إجماع المسلمين ، إن كان فيها ، أو إجماع الفرقة المحقة ، ثم أذكر بعد ذلك ما ورد من أحاديث أصحابنا المشهور في ذلك ، وأنظر فيما ورد بعد ذلك مما ينافيها ويضادها ، وابين الوجه فيها ، إما بتأويل أجمع بينها وبينها ، أو أذكر وجه الفساد فيها ، إما من ضعف إسنادها ، أو عمل العصابة بخلاف متضمنها ) (2) .


(1) اشار الاسترآبادي إلى ذلك باستشهاده بكلام شيخ الطائفة : الفوائد المدنية : 50 و 67 .
(2) التهذيب : 1 / 3 المقدمة .

الوافية في اصول الفقه ـ 265 ـ
  وهذا الكلام صريح في أن ما لم يتعرض لتأويله أو طرحه ، فهو إما من المتواتر ، أو من المحفوف بالقرائن المفيدة للقطع ، أو من الأحاديث المشهورة عند أرباب الحديث .
  فالاولان : ظاهر أنهما من قبيل القطعي ، وأما الثالث : فهو أيضا كذلك ، إذ شهرة الحديث عند أربابه ، أيضا مما يفيد القطع بصدوره عن المعصوم .
  وبيان شهادة الشيخ الطوسي رحمه الله بهذا الوجه الذي ذكرته في هذه الرسالة ، مما لم أجده في كلام هذا القائل ، بل هو نقل أن الشيخ في كتاب العدة ، ذكر : ( أن ما عملت به من الأخبار فهو صحيح ) (1) ، ولكني تصفحت العدة ، فما رأيت هذا الكلام فيه .
  وذكر أيضا : ( أن الشيخ كغيره ، كان متمكنا من إيراد الأخبار الصحيحة ، من الكتب القطعية الأخبار فلا وجه لتلفيقه الأخبار الصحيحة والضعيفة ، بل هذا مما يقطع العقل بسبب العادة بامتناعه .
  ويمكن أن يكون قوله : ( لاجتماع شهاداتهم على صحة أحاديث كتبهم ) إشارة إلى كلام الكليني ، وابن بابويه رحمهما الله تعالى .
  وقوله : ( أو على أنها مأخوذة من تلك الاصول ، المجمع على صحتها ) إشارة إلى كلام الشيخ الطوسي في العدة ، حيث قال : ـ في بيان جواز العمل بخبر الواحد ، الوارد من طريق أصحابنا الامامية ، المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والائمة عليهم السلام ، إذا كان الراوي ممن لا يطعن في روايته ، ويكون سديدا في نقله ـ ( والذي يدل على ذلك : إجماع الفرقة المحقة ، فإني


(1) فقد قال الاسترآبادي : ( إن رئيس الطائفة صرح في كتاب العدة وفي أول الاستبصار بان كل حديث عمل به مأخوذ من الاصول المجمع على صحة نقلها ، ونحن نقطع عادة بانه ما كذب ) الفوائد المدنية : 183 ، وذكر مثل ذلك أو قريبا منه في ص 41 و 49 و 67 و 177 و 193 ومواضع اخر من الكتاب المذكور .

الوافية في اصول الفقه ـ 266 ـ
وجدتها مجمعة (1) على العمل بهذه الأخبار ، التي رووها في تصانيفهم ودونوها في اصولهم ، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه ) (2). انتهى .
  فإن هذا الكلام يدل على أن الاصول الاربعماء‌ة ، التي كانت للشيعة ، كان العمل بها إجماعيا ، وظاهر : أن كتابي الشيخ ، أخذ أحاديثهما عنها ، بل الكتب الاربعة كلها كذلك .
  والجواب عن هذا الشك : منع كون أخبارنا كلها قطعية ، ليلزم الاستغناء عن النظر في أحوال الرجال ، وما ذكره من القرائن ، لا يدل شيء منها على المدعى. أما الاول : فلان العلم بكون الراوي ثقة لا يرضى بالافتراء ... إلى آخره ـ لا يحصل إلا بالنظر في أحوال الرجال ، وهو ظاهر .
  مع : أن حصول هذا العلم مطلقا ممنوع ، وسيما مع العلم بكون الراوي فاسد المذهب ، أو فاسقا بجوارحه ، غايته حصول الظن .
  وأيضا : وفور هذا النوع من القرينة ممنوع ، إذ ظاهر : أن خبرا ، تكون سلسلة سنده كلها ، رجالا يحصل في كل منهم العلم بعدم افترائه وغلطه وسهوه ـ في غاية الندرة .
  وأما الثاني : فلان تعاضد البعض بالبعض ، لا يوجب حصول القطع بالحديث .
  مع : أن الأخبار المتعاضدة ، المتحدة المعاني ، التي لا تكون مشتركة في شيء من رجال السند ـ قليلة الوجود ، فلا توجب الاستغناء المذكور .
  وأما الثالث : فلان نقل الثقة لا يوجب القطع وأيضا : قوله : ( مع تمكنه من أخذ الاحكام بطريق القطع ) ممنوع ، إذ


(1) كذا في أ وب والمصدر ، وفي الاصل وط : مجتمعة .
(2) عدة الاصول : 1 / 47 .

الوافية في اصول الفقه ـ 267 ـ
  ظاهر : أن الكليني ، وابن بابويه ، والشيخ ، رحمهم الله ـ لم يكونوا متمكنين من أخذ الاحكام بطريق القطع عنهم عليهم السلام .
  ولو سلم إمكان القطع في بعض الاحكام بالنسبة إليهم ، فهذا لا يوجب اقتصارهم على إيراد القطعيات ، وترك غيرها ، بل عليهم إيراد الجميع ، مع ذكر ما يحصل به التمييز (1) بين المعتمد وغيره ، من ذكر رجال أسانيد الأخبار ، وقد فعلوا ذلك ، وسيجيء بقية الكلام فيه إن شاء الله تعالى .
  وأما الرابع : فلان الجماعة التي نقل الاتفاق على العمل بحديثهم ، في غاية القلة .
  مع : أنه لا يحصل العلم بأنه منهم إلا بمعرفة الرجال .
  وأيضا : هذا الاجماع ظني ، لانه منقول من طريق الآحاد (2) ، فلا يوجب القطع بالحديث ، بل لا يوجبه لو كان متواترا أيضا ، لانه فرع عدم جواز العمل بغير القطعي (3) ، وإلا فيجوز أن يكون عمل العصابة بحديثه ، و(4) وصف حديثه بالصحة ، لكونه ثقة يحصل الظن بحديثه .
  وأيضا : لا يكاد يوجد حديث ، يكون جميع رجال السند ممن أجمعت العصابة على تصحيح حديثه ، وهو في غاية الظهور .
  وأما الخامس : فالكلام فيه كالرابع .
  وأما السادس : فلان شهادة المشايخ الثلاثة ، بل إخبارهم بصحة أخبار (5) كتبهم ، لا يستلزم قطعيتها عندهم ، فضلا عن قطعيتها عندنا ، فإنه كما أن اتصاف الحديث بالصحة عند المتأخرين ، لا يستلزم قطعيته ، فكذا عند


(1) كذا في أ وب وط ، وفي الاصل : التمييز .
(2) كلمة ( الآحاد ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
(3) في أ ، وط : القطع .
(4) الواو : ساقطة من الاصل وب وط ، وقد اثبتناها من نسخة أ .
(5) كلمة ( اخبار ) : ساقطة من الاصل وقد اثبتناها من سائر النسخ .

الوافية في اصول الفقه ـ 268 ـ
  القدماء ، إذ الصحيح في مصطلحهم يطلق على الحديث ، باعتبار تعاضده بأمور توجب الاعتماد عليه والركون إليه ، وربما لا يصير بمجرد ذلك قطعيا .
  قال الشيخ الفقيه بهاء الملة والدين في فواتح كتاب مشرق الشمسين : ( كان المتعارف بين القدماء إطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه ، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه ، وذلك بأمور : منها : وجود في كثير من الاصول الاربعماء‌ة ، التي نقلوها عن مشايخهم ، بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة سلام الله عليهم ، وكانت متداولة لديهم في تلك الاعصار ، مشتهرة بينهم اشتهار الشمس في رائعة النهار .
  ومنها : تكرره في أصل واحد ، أو أصلين منها فصاعدا ، بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة .
  ومنها : وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ، ومحمد بن مسلم ، والفضيل(1) بن يسار ، أو على تصحيح ما يصح عنهم ، كصفوان بن يحيى ، ويونس بن عبدالرحمن ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، أو على العمل بروايتهم ، كعمار الساباطي ، ونظرائه ، ممن عدهم شيخ الطائفة في كتاب العدة ، كما نقله عنه المحقق في بحث التراوح من المعتبر (2) .
  ومنها : اندراجه في أحد الكتب ، التي عرضت على أحد الائمة عليهم السلام ، فأثنوا على مؤلفها ، ككتاب عبيد الله بن علي الحلبي ، الذي عرض على الصادق عليه السلام ، وكتابي : يونس بن عبدالرحمن ، والفضل بن شاذان ، المعروضين على العسكري عليه السلام .
  ومنها : أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد


(1) في ط : الفضل .
(2) المعتبر : 1 / 60 .

الوافية في اصول الفقه ـ 269 ـ
  عليها ، سواء كان مؤلفوها من الفرقة الناجية الامامية ، ككتاب الصلاة لحريز ابن عبدالله السجستاني ، وكتب ابني (1) سعيد ، وعلي بن مهزيار ، أو من غير الامامية ، ككتاب حفص بن غياث القاضي ، وكتب الحسين بن عبيد الله السعدي ، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري .
  وقد جرى ثقة الاسلام ، رئيس المحدثين ، محمد ابن بابوبه ـ قدس الله روحه ـ على متعارف القدماء ، من إطلاق الصحيح على ما يركن إليه ويعتمد عليه ، فحكم بصحة جميع (2) ما أورده من الأحاديث في كتاب من لا يحضره الفقيه ، وذكر أنه استخرجها من كتب مشهورة ، عليها المعول وإليها المرجع ) انتهى كلامه أعلى الله مقامه (3) .
  وإذا كانت الأحاديث ظنية ، فيجب الفحص عن أحوال أسانيدها ، حتى يعلم أن هذا الظن مما يجوز التعويل عليه (4) : لعموم النهي عن اتباع الظن .
  ولقوله تعالى : ( إن جاء‌كم فاسق بنبأ فتبينوا ) (5) أو فتثبتوا (6) .
  فإن قلت : إخبار العدل بصحة خبر الفاسق ، يخرج الخبر عن كونه خبرا للفاسق ، ويدخله في خبر العدل ، فلا دلالة في الآية حينئذ على منع العمل به .
  قلت : لا نسلم ذلك ، بل الجائي بالنبأ إنما هو الفاسق ، وخبر العدل ليس هو الحديث ، بل صحة خبر الفاسق .


(1) في ط : أبي ، وفي المصدر المنقول عنه النص : ( بني خ ل ) .
(2) كلمة ( جميع ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ ، وهي مثبتة في المصدر أيضا .
(3) مشرق الشمسين : الصفحة الثانية ( المرقمة ب‍ 269 من مجموعة طبعت باسم : رسائل الشيخ بهاء الدين ) .
(4) كلمة ( عليه ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
(5) الحجرات / 6 .
(6) اشارة إلى القراء‌ة الاخرى في الآية ، لاحظ : مجمع البيان / ذيل الآية المباركة ، وفي ط : أي ، بدل : أو .

الوافية في اصول الفقه ـ 270 ـ
  ولا أقل : يحصل التعارض ، وإثبات شيء من التكاليف يحتاج إلى دليل ، فتأمل .
  وأيضا : فالظاهر أن إخبار ابن بابويه رحمه الله بصحة أخبار كتابه ، ليس من حيث علمه بصحة خصوصية كل خبر منها ، بل لاجل صحة الكتب التي أخذ الأخبار منها. مع : أنه كثيرا ما يرد الأخبار المأخوذة من هذه الكتب بالقدح في أسانيدها ، وكثيرا ما يرد الرواية بأنه تفرد فلان بها ، ويذكر اسم رجل هو ثقة صاحب كتاب معتمد ، كما قال ـ في أول باب وجوب الجمعة وفضلها ، في رواية حريز عن زرارة ـ : ( تفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة ، والذي أستعمله وافتي به كذا ... ) إلى آخره (1) .
  فلو كان كتاب زرارة أو حريز عنده قطعيا ، لم يكن تفرد حريز ضارا ، كما لا يخفى ، وقال ـ في كتاب الحج ، في باب إحرام الحائض والمستحاضة ، بعد نقل رواية محمد بن مسلم عن أحدهما ـ : ( وبهذا الحديث افتي ، دون الحديث الذي رواه محمد بن مسكان ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عمن سأل أبا عبدالله عليه السلام ... الحديث ، لان هذا الحديث إسناده منقطع ، والحديث الاول رخصة ورحمة ، وإسناده متصل ) (2) .
  وأمثال ذلك في هذا الكتاب كثير .
  والحاصل : أن تعرضه لقبول الحديث ولرده (3) بسبب الاسناد كثير ، مع وحدة الكتاب المأخوذ منه ، وهذا ينافي قطعية الكتاب عنده .
  وأيضا : تعرضه لذكر المشيخة على هذا عبث ، بل ينبغي على هذا أن يقول : إني أخذت الأخبار من الكتب القطعية ، والاحاديث قطعية ، لا يحتاج إلى الاطلاع على رواتها ، وعلى طريقي إليهم .


(1) الفقيه : 1 / 411 في تعليقه على الحديث 1219 .
(2) الفقيه : 2 / 383 ح 2766 ، 2767 .
(3) في ط : وكذا رده .

الوافية في اصول الفقه ـ 271 ـ
() وكذا الكلام على الكليني(1) .
  مع : أن ابن بابويه كثيرا ما يطرح الروايات المذكورة في الكافي : قال ـ في باب ( الرجل يوصي إلى رجلين ) بعد ما ذكر توقيعا من التوقيعات ، الواردة من الناحية المقدسة ـ : ( هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام ، وفي كتاب محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله رواية (2) خلاف ذلك التوقيع ، عن الصادق عليه السلام ) ، ثم قال : ( لست افتي بهذا الحديث ـ مشيرا إلى رواية محمد بن يعقوب ـ بل افتي بما عندي بخط الحسن ابن علي عليهما السلام ، ولو صح الخبران جميعا لكان الواجب الاخذ بقول الاخير ، كما أمر به الصادق عليه السلام ، وذلك أن الأخبار لها وجوه ومعان ، وكل إمام أعلم بزمانه وأحكامه ، من غيره من الناس ) (3) .
  وقال ـ في باب ( الوصي يمنع الوارث ) بعد نقل حديث ـ : ( ما وجدت هذا الحديث إلا في كتاب محمد بن يعقوب الكليني رضي الله عنه ، وما رويته إلا من طريقه ، حدثني به غير واحد ، منهم محمد بن محمد بن عصام الكليني ، عن محمد بن يعقوب الكليني ) (4) .
  وطرح الشيخ الطوسي لاحاديث الفقيه ، والكافي ، وكذا السيد المرتضى ، وغيرهما ـ أكثر من أن يحصى ، وهذا يدل على أن هذه الأخبار لم تكن قطعية عند قدماء أصحابنا .
  هذا ، والاقوى في هذا الزمان : جواز العمل بالاخبار المودعة في الكتب الثلاثة ، لمن له أهلية العمل بالحديث ، من دون ملاحظة الاسانيد ، بشرط : عدم المعارض.


(1) كلمة ( الكليني ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
(2) كلمة ( رواية ) ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
(3) الفقيه : 4 / 203 في تعليقه على الحديث 5471 ، 5472 .
(4) الفقيه : 4 / 223 معلقا بذلك على الحديث 5526 .

الوافية في اصول الفقه ـ 272 ـ
 وعدم كون مضمونه مخالفا لعمل المشاهير من فقهائنا. وسيجيء تحقيق حكم صورة التعارض في بحث التراجيح ، إن شاء الله تعالى .
  الشك الثاني : شك اعتبار مطلق الظن ، وهو مما اختاره بعض الفضلاء(1) ، وصورته أن يقال : قد حصل لنا من تتبع آثار العلماء ، أنهم كانوا يعملون بكل ما حصل لهم الظن بأنه مراد المعصوم ، سواء كان منشأ حصول هذا الظن رواية صحيحة أو لا ، مسندة أو لا ، مرسلة أو لا ، إلى غير ذلك .
  ويلزم على هذا : أن لا يكون العلم بأحوال الرواة محتاجا إليه ، إذ ربما يحصل هذا الظن من رواية من هو في غاية الضعف ، ولا يحصل من رواية من هو في غاية الثقة .
  والجواب : لا نسلم عمل العلماء بكل ما حصل لهم الظن به ، بل الظاهر من أحوال القدماء عدم عملهم إلا بالقطعيات ، وكلام السيد المرتضى ، وابن إدريس ، وابن زهرة ، ينادي بأعلى صوته بمنع العمل بالظنيات ، كما لا يخفى على من له أدنى تتبع ، وأكثر هذه الأخبار الضعيفة باصطلاح المتأخرين ، كان صحيحا عند القدماء .
  وأيضا : لا يجوز أن يكون الظن من حيث هو ظن مناطا للاحكام الشرعية ، ما لم يكن ناشئا عما ثبت اعتباره شرعا ، إذ كثيرا ما يحصل هذا الظن بأسباب اخر ، مثل : هوى النفس ، أو التعصب ، أو الحسد ، أو نحو ذلك ، كما هو محسوس مشاهد ، وعلى هذا ، فيحصل الهرج والمرج في الدين ، لاختلاف الناس في هذه الاسباب ، فيجب أن يكون الظن الذي يجوز العمل به مضبوطا ، بأن يكون ناشئا من الكتاب الجيد (2) ، أو الحديث الصحيح ، أو


(1) هو المحقق الشيخ حسن في : معالم الدين : 192 / قوله : ( الرابع ان باب العلم القطعي بالاحكام الشرعية إلى آخره )، وتقرير الدليل للمصنف .
(2) كلمة ( المجيد ) : زيادة من أ وب وط .

الوافية في اصول الفقه ـ 273 ـ
  مطلقه لو ثبت حجيته مطلقا .
  بل الحق : أن العمل بهذه الادلة ليس عملا بالظن ، بل عمل بكلام من يجب اتباعه ، غاية الامر الاكتفاء بالظن الخاص في نسبة هذا الكلام إلى من يجب اتباعه .
  الشك الثالث : أنه وقع الاختلاف في أسباب الجرح .
  فقيل : الكبائر سبع .
  وقيل : أكثر .
  وقيل : بأنها إضافية .
  وعلى هذا ، لا يمكن الاعتماد على تعديل المعدل وجرحه ، إلا مع العلم بموافقة مذهبه لمذهب من يريد العمل ، وهذا العلم مما لا يكاد يمكن حصوله ، إذ المعدلين والجارحين ـ وهم : الكشي ، والنجاشي ، والشيخ الطوسي ، وابن طاووس ، وابن الغضائري ، وغيرهم ـ ليس مذهبهم في عدد الكبائر معلوما ، بل صرح الشيخ بتوثيق المتحرز عن الكذب وإن كان فاسقا في (1) أفعال جوارحه ، وتوثيق بعض المتأخرين ، كالعلامة ، وابن داود ، مبني على توثيق القدماء .
  وأيضا : اعتبر بعض العلماء (2) في الجرح والتعديل شهادة إثنين ، وعلى هذا : لا يوجد حديث صحيح ، يكون جميع رجال سنده معدلا بتعديل عدلين .
وأيضا : تعديل هؤلاء المعدلين مبني على غيرهم ، مع عدم معلومية


(1) زاد في أ في هذا الموضع كلمة : جميع .
(2) كالمحقق الحلّي : معارج الاصول : 150 ، والمحقق الشيخ حسن : معالم الدين : 204 ، و : منتقى الجمان : 1 / 16 الفائدة الثانية ، والشيخ بهاء الدين العاملي : مشرق الشمسين : 4 ( المرقمة ب‍ 471 تسلسل رسائل الشيخ بهاء الدين ) حيث ورد في الهامش : ( والحاصل اني أشترط في الرواية اخبار ثلاثة : واحد بها ، واثنين بعدالة راويها ، واشترط في التزكية إخبار اثنين لا غير ، منه طاب ثراه ) ، ولكن يظهر من المتن خلاف ذلك والمحدث الاسترآبادي : الفوائد المدنية : 256 / قوله ( فائدة : يفهم من هذين الحديثين الشريفين إلى آخره ) .

الوافية في اصول الفقه ـ 274 ـ
  مذهب هؤلاء أيضا .
  وهذا الشك مما أورده الشيخ الفقيه بهاء الملة والدين فقال : ( من المشكلات أنا نعلم مذهب الشيخ الطوسي رحمه الله في العدالة ، وأنه يخالف مذهب العلامة رحمه الله ، وكذا لا نعلم مذهب بقية أصحاب الرجال ، كالكشي ، والنجاشي ، وغيرهم ، ثم نقبل تعديل العلامة رحمه الله في التعديل على تعديل أولئك .
  وأيضا : كثير من الرجال ، ينقل عنه أنه كان على خلاف المذهب ثم رجع وحسن إيمانه ، والقوم يجعلون روايته من الصحاح ، مع أنهم غير عالمين بأن أداء الرواية متى وقع ؟ أبعد التوبة ؟ أم قبلها ؟ وهذان المشكلان لا أعلم أن أحدا قبلي تنبه لشيء منهما ) انتهى كلامه (1) .
  وأيضا : العدالة بمعنى الملكة المخصوصة التي ذهب إليها المتأخرون ، مما لا يجوز إثباته بالشهادة ، لان الشهادة وخبر الواحد ليس حجة إلا في المحسوسات ، والعدالة ـ بمعنى الملكة المخصوصة ـ ليست محسوسة ، كالعصمة ، فلا تقبل فيها الشهادة ، فلا يعتمد على تعديل المعدلين بناء‌ا على طريقة المتأخرين ، وهذا مما أورده الفاضل الاسترآبادي (2) .
  وأيضا : قد تقرر في محله أن شهادة فرع الفرع غير مسموعة ، ولا تقبل


(1) لم نعثر على هذا النص فيما طبع من آثار ومصنفات الشيخ بهاء الدين ، كالزبدة والوجيزة والحبل المتين ومشرق الشمسين وما عليها من حواشيه وتعليقاته ، وغيرها ، وأما مصنفاته التي لم تطبع إلى الآن فلم نعثر على نسخها الخطية رغم البحث عنها كحواشيه على القواعد للشهيد الاول ، وحواشيه على شرح العضد، هذا وقد نقل النص المذكور اعلاه المحدّث البحراني أيضا في : الحدائق الناضرة ـ المقدمة : 1 / 24 ( في الهامش ) .
(2) قد يتصيد هذا المطلب من مواضع متعددة من كلام الاسترآبادي في الفوائد المدنية منها ما ذكره في ص 247 و253 فان كلماته تلوح بذلك ، ولكن للمحدث الاسترآبادي مصنفات اخرى لعل المصنف ينقل هذا النص منها ، كالفوائد المكية الذي سبق ذكره عند المصنف بالاسم في ص 212 ونقل منه بعض كلام الاسترآبادي وكتعليقاته على المدارك التي وقف عليها المحدّث البحراني ونقل منها كلام الاسترآبادي بلفظه في : الدرر النجفية/ درة في الاستصحاب ص 34 .

الوافية في اصول الفقه ـ 275 ـ
  [ الشهادة ] إلا من الشاهد الاصل والشاهد الفرع ، مع أن شهادة علماء الرجال على أكثر المعدلين والمجروحين ، من شهادة فرع الفرع ، إذ ظاهر : أن الشيخ الطوسي والنجاشي والكشي (1) ، لم يلقوا أصحاب مثل الباقر والصادق عليهما السلام ، ولا أصحاب غيرهما من الائمة ، وكذا ظاهر : عدم ملاقاتهم لمن أدرك أصحاب هؤلاء الائمة ، فلا تكون شهاداتهم إلا شهادة فرع الفرع بمراتب كثيرة ، فكيف يجوز التعويل في الشرع على شهادتهم في الجرح والتعديل ؟! وهذا أيضا مما أورده المورد المذكور (2).
  وأيضا : قلما يخلو اسم عن اشتراكه بين جماعة بعضهم غير معدل ، وكثيرا ما لا يحصل العلم بأن الشخص الواقع في سند الرواية المخصوصة هو ذلك الثقة أو غير ، وقلما يحصل بكثرة التتبع ظن ضعيف بأنه هو الثقة لا غير ، واعتبار مثل هذا الظن في الشرع ، بحيث يعتمد عليه في الاحكام الشرعية ، مما لا دليل عليه ، فلا يتحقق للتعديل فائدة يعتد بها ، حتى يكون علم الرجال محتاجا إليه .
  وأيضا : على تقدير العلم بأن رجال الرواية الفلانية ثقات ، لا يحصل العلم بعدم سقوط جماعة من رجال السند من البين ، فلا يمكن حصول العلم بصحة الحديث بالاصطلاح المشهور ، وحينئذ فلا يحصل أيضا للتعديل فائدة لنا يعتد بها .
  وقد ذكر صاحب منتفى الجمان : ( أن في كثير من روايات الشيخ الطوسي ، عن موسى بن القاسم البجلي ، في كتاب الحج ـ علة ، وذلك أن الشيخ أخذ الحديث من كتاب موسى بن القاسم ، وهو قد أخذ الحديث من كتب جماعة ، وذكر أول السند في أول رواياته ، ثم بعد ذلك ذكر صاحب


(1) كلمة ( الكشي ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من سائر النسخ .
(2) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من مؤلفات الاسترآبادي ، نعم في ص 251 من الفوائد المدنية ما يناسبه .