أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ )
(1) ، هذه الاية الأخيرة لمكان حصرها أوضح دلالة من غيرها على المطلوب .
ولعل متوهماً يتوهم أن المراد بالحصر المذكور إنما هو بالنسبة إلى الازواج المظاهرين لا بالنسبة إلى مثل المقام ، لكنه غفل من أن ذلك لا يمنع عن الأخذ باطلاقه الشامل للمقام ، وقد تقرر في محله أن المورد غير مخصص ولا مقيد ، والعبرة بالظهور عند العقلاء .
ولازم ذلك جواز الزواج بين صاحبة البويضة والولد ولا مجال لالحاقها بالمرضعة في التحريم حتى وان تم اركان القياس ، فإنه باطل في فقه الامامية ، نعم الاحتياط الشديد ترك مثل هذا الزواج .
كما ان لازم القول الأول جواز الزواج بين الولد والوالدة إذا لم يشرب من لبنها بمقدار معتبر في التحريم ، ودعوى كونها كالمرضعة ، باطلة .
وبقي أمر آخر وهو ان اسقاط مثل هذا الحمل هل يجوز للحامل وكذا لزوجها ـ إذا كانت متزوجة ـ ؟
أقول : إذا كانت الحامل غافلة أو نائمة أو مكروهة ومقهورة في انتقال النطفة فلا يبعد لها جواز الاسقاط وكذا لزوجها ، لأن هذا من حقوقهما ، والنص الأتي على حرمة الالقاء منصرف عن هذه الصورة ، ولأنه ضرر وحرج نفسي واهانة لهما .
نعم إذا أقدمت المرأة على ذلك عمداً أو عصيانا فيشكل جواز اسقاطه لها وكذا الزوج ، فلاحظ . وهذا الحكم يجري في القسم الثاني أيضاً .
هذا كله قبل ان تلج الروح في الجنين وأما بعده فلا يجوز بحال لما
الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 94
مر .
(القسم الرابع) : نقل النطفة من الزوجين إلى زوجة اخرى لهذا الزوج بأن تكون احداهما لها مبيض وليس لها رحم مثلا والاخرى لها رحم ولا تعطي بيضة .
أقول : أما الحكم الوضعي فابوة الزوج مما لانقاش فيه كما ان مقتضى ما مر من الاستدلال بظاهر الآيات هو امومة الحامل الوالدة دون صاحبة البويضة ويفهم حكم جميع صور هذا القسم مما سبق ، وإنما الكلام في حكمه التكليفي وأن العمل المذكور جائز أم حرام ؟
قد يكون احتمال الحرمة من جهة رجوع هذا العمل إلى المساحقة المحرمة في المعنى ، ولكنه ممنوع جداً .
وقد يكون الادعاء فهم مبغوضية العمل المذكور ـ إي اقرار مني امرأة في رحم امرأة أخرى ـ من مذاق الشرع وان لم يدل دليل لفظي على حرمته ، لكنها إن ثبتت في حد نفسها فهي في المقام غير معلومة ، خصوصاً إذا فرضنا الزوجتين غافلتين وكان القائم بالعملية هو الزوج ؛ فلعل المتمسك باصالة البراءة غير ملوم .
وقد يكون من جهة عدم رضا بعض الثلاثة بالعمل المذكور ، وصور الموضوع تسعة تحصل من قيام بعضهم مستبداً بنقل النطفة ورضا الاخرين وكراهتهما أو كراهة أحدهم .
ومحصل الكلام انه لا يجوز قيام صاحبة البويضة بنقل النطفة مستبدة مع كراهة ضرتها الحامل الزوج ، فإن عملها تصرف من دون رضاهما ، وايذاء للحامل وابتلاء بمشقة الحمل والولادة وهو حرام ، بل للحامل اسقاطه قبل ولوج الروح لما مر .
الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 95
وأما قيام الزوج بالعملية مع كراهتهما أو كراهة إحديهما ففيه احتمالان ، وحه الجواز دعوى ان المفهوم من مجموع ما ورد في باب النكاح أن للزوج حق الاستيلاد ولو من دون إذن الزوجة ، ويؤيده قوله تعالى ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) ، ووجه الحرمة ان المتيقن من حقه ما إذا كانت البييضة من الحامل الوالدة لا في مثل مفروض البحث فإن حقه غير محرز .
وأما قيام الحامل بها مع كراهة صاحبة البيضة فلا يبعد عدم جوازه ، لأن تصرفها في البييضة مع أنها حق صاحبتها غير جائز إذ التصرف في حق الغير كالتصرف في مال الغير حرام . وهذا الحكم جار بالنسبة إلى استبداد الزوج وتصرفه فيها دون رضى صاحبتها به .
واما إذا رضيتا ولكن الزوج كاره ففيه وجهان ، وجه الجواز ان للمرأة الحمل والولادة وان لم يرض بهما الزوج ، ووجه الحرمة دعوى عدم ثبوت هذا الحق لها ، ويؤيده جواز العزل له وان كرهته الزوجة ، لكن الحرمة غير ثابتة كما لا يخفى على المتأمل ، والحق المذكور ثابت لها ولا ينافيه جواز العزل له . ونظير المقام ما إذا هيجت الزوجة شهوة زوجها ثم جامعته بقصد الاستيلاد على كراهة زوجها بالولد ، ولم اجد نصاً يتعلق بالمقام بل لا أذكر من تعرض له في الفقه .
(القسم الخامس) : نقل نطفة الزوجين إلى الزوجة كما في الفرض الاول لكن بعد وفاة زوجها .
ويمكن أن توخذ بييضة أو أكثر من حيوان منوي من الزوج ويستعان بإثنين في الشهر الاول ويوضع الباقي في ثلاجة يجمد إلى فترة بعد سنة أو سنتين أو يمكن حتى بعد وفاة الزوج ، ويمكن أن توضع
الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 96
هذه الاجنة مرة أخرى في الرحم
(1) .
أقول : في المقام مطالب :
(الاول) لا يبعد بطلان الزوجية او انتهائها بموت أحد الزوجين ، فإن المفهوم حسب المتفاهم العرفي قيامها بالاحياء دون الاموات ولا بين الاحياء والاموات ، فالميت كان زوجاً لا أنه بالفعل زوج للحي أو الحية ، وعليه فلا مجال لاستصحاب بقاء الزوجية ، لعدم بقاء الموضوع .
وأما ما ورد من جواز غسل كل منهما للأخر إذا مات والنظر اليه فمع الغض عن تعارضه بغيره لا يستفاد منه بقاء الزوجية ، فإنه حكم تعبدي نلتزم به كما نلتزم بولاية الزوج على زوجته الميتة لأجل النص .
والذي يؤكد أو يدل على ما ذكرنا استنكار المتشرعة وطء الزوج زوجته الميتة ، بل ارسل بعض الفقهاء حرمته ارسال المسلمات ، وتجويز بعض المعاصرين وطئها كأنه ناشٍ عن التعجيل في التأليف. ويدل على بطلان الزوجية بموت احداهما نكاح الخامسة فور موتها أو تزويج اختها ، فتدبر ولاحظ ص327 ج2 من كتابنا حدود الشريعة حول حكم وطء الزوجة الميتة .
(الثاني) : بناء على بطلان الزوجية لا يجوز نقل تلك النطفة إلى رحم الزوجة بعد موت زوجها إلا بناء على الاستصاحب التعليقي الذي لا نقول به .
ويلحق بموت الزوج في الحكم طلاق الزوجة بل الحكم فيه أظهر ، ولا يبعد جوازه للزوج في العدة الرجعية ، فهو منه رجوع .
|
(1) لاحظ ص194 وص195 وص199 الانجاب في ضوء الاسلام .
|
الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 97
(الثالث) وأما الحكم الوضعي فالولد ولدهما كما عرفت وجهه لكن في إرثه من أبيه الميت إشكالا ، بل ذكر بعض المعاصرين : نعم الظاهر المستفاد من النصوص بل وفتاويهم لزوم ان يكون الحمل حال حياة الاب في إرثه منه . . . فلا يرث مثل هذا الولد
(1) نعم لامانع ـ ظاهراً ـ أن يرث هذا الولد من اقرباء أبيه إذا ماتوا بعد استقراره في الرحم للإطلاق .
وإما إذا فرضنا أنه نما في الانبوبة وولد خارج الرحم ففي كونه ولداً لصاحب البيضة إشكال أو منع ، لقوله تعالى : (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ) وما ذكره بعض المعاصرين من نفي البعد في إرثه من الام واقربائها لصدق الولج محجوج بالاية الكريمة ، وحمل الولادة في الاية على ما يعم حياة الولد في الانبوبة خلاف الظاهر جداً .
نعم لا مانع من كونه ولداً بالنسبة إلى الاب كما مر ، لكن في ارثه منه إذا مات الاب قبل حياته التامة خارج الانبوبة إشكالا لعدم صدق الحمل عليه وهو الموضوع أو الشرط للميراث .
نعم إذا لم تقسم التركة لمانع أو لعدم وارث آخر فخرج ولد الانبوبة حياً لا بعد في ارثه من تركة أبيه ، والله أعلم بحقيقة أحكامه.
بقي في المقام أمران
1 ـ قال بعض الاطباء : البويضة المخصبة هي التقاء الحيوان المنوي بالبويضة ، وهذا يحدث في الجزء الوحشي من الانبوبة ثم بعد ذلك تتجه نحو الرحم وتتكون منها العلقة ، وبعد ذلك يحدث الاندغام ، والاندغام هذا هو الحمل ، ولذلك التعريف العلمي للحمل هو اندغام البويضة المخصبة
الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 98
الحية في انسجة حية
(1) .
أقول : وقبول هذا بالنسبة إلى الاحكام الشرعية محتاج الى تأمل .
2 ـ نقل عن جريدة فرنسية أنه وضع الاطباء بويضة ملقحة في رحم قردة تنمو ، وقالوا : إن هذه العملية لم تنجح ، ولكن عدم نجاحها لا يعود إلى استحالتها علمياً ولكن لبعض أخطاء وقعت وسيعيدون العملية .
أقول : وذكر بعض النشريات اليومية أن أحداً من أهالي قرية صغيرة قرب ماسكو جامع خنزيره فاولدها مولوداً يشبه الخنزير في بعض مظاهر بدنه والانسان في بعضها الاخر .
وبالجملة : إذا ولد مولود من ماء انسان وحيوان سواء بالجماع أو بوسيلة طبية ، وكذا إذا نقلت البيضة المخصبة من إنسانين في رحم حيوان أو من حيوانين في رحم انسان فولد مولود ، فما هو حكمه ؟
أقول : إذا ولد مولود إنساناً بدناً ونفساً فيجري عليه حكم الانسان وان شبه الحيوان في بعض أجزاء بدنه ، ويترتب عليه أحكام النسب بالاضافة الى الانسان إما مطلقا كما في فرض وساطة الالات الطبية أو في غير الميراث كما في فرض الزنا على ما سبق بيانه ، نعم في فرض تولده من حيوان انثى لا تثبت امومة صاحبة البييضة في حقه .
وإذا كان حيواناً فلا يترتب عليه أحكام الانسان ، وكذا إذا شك في كونه انساناً او حيواناً ، فلاحظ ـ وتأمل .
وأما إذا كان إنسانا روحا وحيواناً بدنا ففي مثل ذلك لا بد من الاحتياط ، فلا يجوز قتله وايذائه وغصب ماله للإطلاقات ، كقوله تعالى :
|
(1) ص312 الحياة الانسانية بدايتها ونهايتها .
|
الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 99
(مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ . . . )
(1) وغيره ، بل يحتمل شموله لإطلاقات أدلة الحدود والقصاص .
ودعوى انصراف الإطلاقات عن مثل هذا الفرد الشاذ ضعيفة ، فإنها ـ كما ذكر في اصول الفقه ـ تشمل الافراد الشائعة والنادرة كمن له رأسان مثلا ، والمسلم بطلان اختصاص المطلقات بالافراد النادرة .
واما بالنسبة الى نكاحه ـ ذكرا كان او انثى ـ فلا يجوز بحسب الاحتياط والله العالم .
وأما إذا كان انسانا بدنا وحيوانا فكرا ففي إلحاقه بالانسان أو بالحيوان اشكال .
ويقول الشهيد الثاني رحمه الله في بحث نجاسة الكلب : وما تولد منهما و وان باينهما في الاسم (نجس) ، وأما المتولد من أحدهما وطاهر فإنه يتبع في الحكم الاسم ولو لغيرهما ، فإن انتفى المماثل فالاقوى طهارته وإن حرم لحمه للاصل فيهما ، انتهى كلامه .
أقول : في الحيوان يكفي صدق الاسم عرفاً ، واما في الانسان فلا بد من العلم بتحقق روحه .
ثم ان في حكم الشهيد رحمه الله بنجاسة المتولد منهما مع تباين الاسم اشكال ، وكذا في كون الاصل في اللحوم هو الحرمة ، وليس هنا موضع بحثه .