المسألة التاسعة   إقرار المني في رحم الاُنثى الاَجنبية
   قد يكون ذلك بالطريق المعتاد فهو الزنا المحرم كتاباً وسنةً وإجماعاً، بل ضرورة من الدين.
   وقد يكون بالوسائل الحديثة الطبية من دون المباشرة، كما إذا فرّغ الرجل منيه(1) في ظرف خاص فتدخلهُ امرأة بوسيلة الاُبرة ونحوها في رحم امرأة من دون النظر الى فرجها فضلاً عن مسه إذا أمكن ذلك .
   والكلام تارة في حكمه التكليفي واُخرى في حكمه الوضعي.
   أما الاَوّل فلا أظن خلافاً بين الفقهاء في كونه هو الحرمة، لا لاَجل أنّه زنا فإنّه مكابرة وزوراً وليس بزنا جزماً، بل بعنوان إدخال المني في رحم أجنبية واقراره فيه. وكما يحرم ذلك على الرجل يحرم قبوله على المرأة أيضاً.
   ففي حديث علي بن سالم عن الصادق عليه السلام المروي في الكافي (ج5 ص541) قال: أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أقرّ نطفته في رحم يحرم عليه. ورواه البرقي في محاسنه والصدوق في عقاب الاَعمال.
   وفي حديث الفقيه المرسل عن رسول الله صلى الله عليه وآله : لن يعمل ابن آدم عملاً أعظم عند الله عزّ وجلّ من رجل قتل نبياً أو هدم الكعبة التي جعلها الله قبلة لعباده أو أفرغ مائه في امرأة حراماً .
   وهذا الحديث ينهى عن افراغ المني في مطلق بدن المرأة دون

(1) سواء كان افراغه حراماً كما في الاستمناء أو حلالاً كما في فرض ملاعبة الزوج مع زوجته .

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 101
  خصوص رحمها، فلاحظ .
   وفي رواية الدعائم...: واشدّ الناس عذاباً يوم القيامة من أقرّ نطفته في رحم محرّم عليه .
   وفي رواية الجعفريات والدعائم عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله : ما من ذنب أعظم عند الله تبارك وتعالى بعد الشرك من نطفة حرام وضعها في رحم لا تحل له .
   وقريبة منها رواية العوالي.
   لاحظ كلّ هذه الروايات في ص346 ج20 من جامع الاَحاديث .
   أقول: الاَحاديث كلها ضعاف إسناداً لكن إذا لوحظت مع المرتكز عند المتشرّعة، واستنكارهم للعمل المذكور يكفي للحكم بالتحريم إنْ شاء الله تعالى .
   وأما الثاني فبيانه موقوف على ذكر الاَقسام، فان إقرار مني الرجل إنْ لم يستلزم حملاً فلا بحث فيه ولا أثر له سوى الحرمة التكليفية والتعزير في الدنيا واستحقاق العقاب في الآخرة، وإن استلزم الحمل فالمرأة إمّا خلية وإمّا مزوّجة ، وعلى الثاني قد يشتبه الحمل بين كونه من ماء الزوج أو من ماء الاَجنبي وقد يعلم استناده الى أحدهما.
   فإذا علم استناد الولد الى ماء الزوج أو شكّ فيه واشتبه الحال فالولد ولد الزوج بلا إشكال ولا ينسب الى الاَجنبي صاحب الماء، سواء نقل ماءه بطريق الزنا أو بطريق طبي في رحم المرأة، أما في فرض العلم فواضح ، وأمّا في صورة الشكّ فلقول رسول الله صلى الله عليه وآله : الولد للفراش وللعاهر الحجر (1).
   وأما إذا علم أنّ المولود من ماء الاَجنبي ـ سواء بطريق الزنا أو غيره، وسواء

(1) الكافي ج7 ص163، التهذيب ج9 ص346، جامع الاَحاديث ج24 ص480 .

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 102
  كانت المرأة خلية أو متزوجة ، فهو ولد صاحب الماء وولد المرأة ـ، سواء كانت زانية أم لا، سواء كانت متعمدة في انتقال الماء الى رحمها أو جاهلة أو مكرهة ـ ويترتب على الولد ووالديه جميع أحكام النسب سوى حكم واحد في فرض الزنا، فإنّ ولد الزنا عند مشهور فقهائنا لا يرث ولا يورث مطلقاً (1)، ومع عدم صدق الزنا لا مانع من التوارث أيضاً، وهذا هو الاظهر عندي.
   وبالجملة: ولد الزنا وولد الحرام ـ كما في فرض نقل المني بطريق طبي وكما في وطء الزوجة الحائض والنفساء والمحرمة بإحرام الحج والعمرة أو المعتكفة وفي شهر رمضان وفي المسجد ـ ولد لصاحب الماء وللحامل الوالدة لغةً وعرفاً وطباً، ولم يثبت من الشريعة اصطلاح خاص في الاُبوة والاُمومة والبنوة مغايراً للعرف واللغة، وانما الثابت منه عدم التوارث بين ولد الزنا والزاني والزانية .
   ومما يدلّ على ذلك أنّه لا يظن بفقيه يبيح تزويج ولد الزنا بأبيه الزاني أو تزوجه بأُمّه الزانية، بل لا يظن بأحد يفتي بصحّة زواجه مع أولادهما وأقربائهما .
   وما حكي عن الشافعي من عدم تحريم البنت على ابيها الزاني واضح المنع .
   واعلم أنّ المستفاد من كلام جمع من فقهائنا بعد حرمة النكاح ولو عن نسب غير شرعي كالزنا بلا خلاف بينهم أنهم لا يرون هذا النسب ثابتاً، وأورد الشهيد الثاني رحمه الله في مسالكه (2) بأنّ المعتبر إنْ كان هو صدق الولد لغةً لزم ثبوت باقي الاَحكام المترتبة على الولد كاباحة النظر وعتقه على القريب وتحريم حليلته وعدم القود من الوالد بقلته (وصلة الرحم وجواز الربا على قول والعقل) وغير ذلك، وإنْ كان المعتبر لحوقه به شرعاً فاللازم انتفاء الجميع فالتفصيل

(1) لاحظ كتاب الميراث في الكتب الفقهية.
(2) لاحظ ص206 وما بعدها ج64 الفقه.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 103
  غير واضح .
   وربما اُجيب عنه بأنّ حرمة النكاح خرجت للاِجماع وغيره بقي على أصلها، لكن الاجماع ممنوع، والحق ما عرفته، والاحتياط لا يخفى سبيله.
   كلام حول حديث:
   في صحيح الحلبي المروي في الكافي والتهذيبين (1) عن الصادق عليه السلام : أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراماً ثمّ اشتراها فادّعى (ثم ادعى ـ كا) ولدها فإنه لا يورث عنه شيء فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا يورث ولد الزنا إلاّ رجل يدّعى ابن وليدته ، وأيّما رجل أقرّ بولده ثمّ انتفى منه فليس ذلك له ولا كرامة ، يلحق به ولده إذا كان من امرأته أو وليدته ، وللحديث اسانيد ضعيفة اُخرى.
   اقول: ربما يظن ان ظاهر هذا الحديث أنّ عدم الايراث مستند الى قوله صلى الله عليه وآله الدال على نفي الولدية والنسب ، فهذا هو دليل من قال ببطلان النسب غير الشرعي مطلقاً .
   وفيه: أنّ الامام عليه السلام علل عدم ارث الولد في فرض الفراش والشكّ في نسبه الى الحديث النبوي الدالّ على إلحاق الولد بالفراش في فرض تحققه ، ولا يدلّ كلامه عليه السلام ولا الحديث النبوي على نفي نسب ولد الزنا عن الزاني في فرض عدم الفراش أو في فرض العلم بعدم كون الولد من نطفة الزوج أو المالك وحصول اليقين بكونه من ماء الزاني.
   على أنّ هنا روايات معتبرة الاسانيد تدلّ على صحّة النسب المذكور في فرض عدم الفراش.
   ففي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام قضى علي عليه السلام

(1) ص162 ج7 الكافي وص364 ج9 التهذيب وص185 ج4 الاستبصار ولاحظ ج24 ص480 جامع الاَحاديث ولاحظ ص743 الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية آراء أهل السنة في نسب ولد الزنا.
  وكذا في ص170 وص171 الانجاب في ضوء الاسلام.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 104
  في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد وذلك في الجاهلية قبل أنْ يظهر الاسلام، فأقرع بينهم، فجعل الولد لمن قرع وجعل عليه ثلثي الدية للآخرين (للاخيرين ـ صا)، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتّى بدت نواجذه (1) قال: وما أعلم فيها شيئاً إلاّ ما قضى علي (2).
   وقريب منه صحيح أبي بصير عن الباقر عليه السلام وصحيح معاوية بن عمار وعن الصادق عليه السلام ، فإنّ هذا المعنى يستفاد منهما (3)، وكذا صحيح الحلبي على المشهور (4).
   وفي صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام (5): قال إذا وقع الحر والعبد والمشرك بامرأة في طهر واحد فادعوا الولد اقرع بينهم فكان الولد للذي يخرج سهمه (6).
   فهذه الروايات واضحة الدلالة في صحّة النسب من الزنا عند عدم الفراش، بل لو لم يكن اجماع امكن أنْ يقال بصحة التوارث أيضاً في هذا الفرض ـ وهو فرض عدم الفراش، بل يمكن ان نستدلّ عليها ـ أي صحّه التوارث بصحيحي حنان عن الصادق عليه السلام أيضاً (7) بعد حملهما على فرض عدم الفراش وكون المرأة خلية ، فلاحظ وتأمل.
   ولاحظ صحيح محمّد بن قيس، فإنّه يخالف بقية الروايات (8).

(1) النواجذ: اقصى الاسنان وهي اربعة في اقصى الاسنان.
(2) ص116 ج 21 جامع الاحاديث.
(3) ص117 المصدر.
(4) ص121 المصدر.
(5) ص118 نفس المصدر.
(6) ص481 ج24 جامع الاحاديث.
(7) نفس المصدر.
(8) ص120 ج21 المصدر.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 105
  ثم إنّ الحديث النبوي إنّما نفى الولد عن الزاني وألحقه بصاحب الفراش.
   وأمّا الزانية فلم يتعرض الحديث لنفي الولد عنها، فهي اُمه وهذا شاهد آخر على ضعف قول من يبطل النسب غير الشرعي من فقهائنا وفقهاء العامة، نعم لا توارث بينها وبينه لما عرفت، فلا ملازمة بين النسب وعدم التوارث.
   ثم إنّ نفي الولد عن الزاني وإلحاقه بصاحب الفراش إنّما هو في فرض الشكّ دون العلم بكونه مخلوقاً من ماء الزاني كما ذكرنا سابقاً، وربما يدلّ بعض كلمات أهل السنة على الالحاق حتّى في فرض العلم وأنّ سبيل نفيه عنه هو اللعان فقط ، لكنه ضعيف جداً، فإنّه مخالف بسيرة العقلاء والطبائع الانسانية وظلم على الزوج واحقاق باطل كما لا يخفى ويؤكده عدم نفي الولد عن الزانية للعلم بكون الولد من بييضتها ونفيه عن الزاني لا مطلقاً بل في صورة وجود الفراش وهو فرض الشكّ في كون الولد منه أو من صاحب الفراش.
   فروع :
   1 ـ لو مات أحد الزوجين وكان له ولد عن زنى فهل للآخر نصيبه الاَعلى أو الاَدنى؟ فإن قلنا ببطلان النسب فالنصيب الاَعلى، وان قلنا بصحته فالنصيب الاَدنى، إذْ لم يقيد الولد في لسان الاَدلّة بكونه يستحق الارث.
  هذا هو مقتضى القاعدة، ولم أقف عاجلاً على بحث لاَحدٍ حول الموضوع.
   2 ـ لو كان الزنا من الرجل فقط كما في فرض اغمائها أو نومها وإكراهها وقهرها وأمثال ذلك فلا يبعد جريان التوارث بين الولد وامه، فلاحظ وتأمل.
   وإمّا إذا كان الولد عن شبهة فالنسب ثابت اجماعاً بقسميه عليه كما في الجواهر.
   3 ـ تقدّم في المسألة المتقدّمة أنّ نفي التوارث يختص بالزنا دون نقل الماء الى الرحم ـ بطريق طبي غير الزنا ـ وان كان النقل محرّماً .


الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 106
المسألة العاشرة    بنوك الاَلبان
  البنك يقوم بجمع لبن الاَمّهات عن طريق التبرع أو البيع ثمّ تبريده وحفظه في ثلاجات لمدة ثلاثة أشهر أو تجفيفه وإعطائه للاَطفال المحتاجين للرضاعة الطبيعية.
   والاسئلة المتعلقة به أربعة:
   1 ـ ماذا يحدث إذا رضع طفل وطفلة من هذا اللبن ثم كبرا وأرادا التزاوج، فهل تقف مسألة (الامهات في الرضاعة) عقبة في زواجهما؟
   2 ـ إذا كانت في الاُمهات التي يجمع البانهن، الكافرات، فالبانهن نجسة حتى من الكتابيات عند المشهور من فقهاء الاِمامية، فهل يجوز لاَولياء الاَطفال سقيهم الحليب النجس؟
   3 ـ أعلن علماء الاجتماع أنّه لو تحقّق هذا المشروع وشرب الجيل الجديد لبن تلك النساء مجفّفاً أو معقّماً، فإنّه سيخرج الى الدنيا جيل فاسد لا ندري كيف نسويه ونضبط اتصالاته وسلوكياته (1)، فهل الخوف على المفاسد الاخلاقية لا يوجب تحريم المشروع المذكور؟
   4 ـ ادّعى بعض أنّ الاِرضاع بهذه الطريقة، له مضار أكثر عن نفعه عند الاَطباء (2).
   أقول: أمّا السؤال الاَوّل فجوابه أنّه لا عقبة ـ في زواجهما حتّى وإنْ

(1) ص462 الانجاب في ضوء الاسلام.
(2) ص463 نفس المصدر.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 107
  علما ـ على فرض بعيد موهوم ـ انهما شربا من لبن امرأة واحدة ، عند المشهور من فقهاء الاِمامية، فإنّهم اعتبروا الامتصاص من الثدي شرطاً في التحريم، وعن مستند النراقي رحمه الله في ضمن الشروط: أنْ يرتضع من الثدي، فلو وجر في حلقه أو احتقن او أكله جبناً لم ينشر الحرمة على المشهور بين الاَصحاب (1)، بل ظاهر التذكرة الاِجماع عليه (2)، وعن المسالك لا نعلم فيه خلافاً لاَحد من أصحابنا إلاّ ابن الجنيد (3).
   أقول: لكن نقل عن الشيخ رحمه الله في مواضع من مبسوطه خلاف المشهور (4)، وعن المفاتيح وشرحها اختياره (5).
   ثمّ دليل المشهور أمران:
   أوّلهما: عدم صدق مفهوم الرضاع والارضاع والارتضاع بالوجور ومن الكأس، ولذا لا يصدق على من شرب لبن البقر من الكوب مثلاً انه ارتضع من البقر!
   بل يقول الفقيه المتتبع الماهر صاحب الجواهر رحمه الله: بل لا يبعد أنْ يكون في حكم وجور الحليب الوجور من الثدي، فإنّ المعتبر هو ما كان بالتقامه الثدي وامتصاصه كما صرّح به في كشف اللثام، بل قد يشكّ في جريان حكمه بالامتصاص من غير رأس الثدي فضلاً عن الامتصاص من غير الثدي كثقب ونحوه، بل وفي جذب الصبي اللبن من الثدي بغير الفم، فتأمل (6).

(1) جواهر الكلام ج 29 ص 294.
(2) الفقه ج 64 ص 292.
(3) جواهر الكلام ج 29 ص 294.
(4) نفس المصدر.
(5) الفقه ج 64 ص 292.
(6) جواهر الكلام ج 29 ص 294.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 108
ثانيهما: صحيح الحلبي المرويّ في الكافي (ج5 ص445) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: جاء رجل الى أمير المؤمنين، فقال: إنّ إمرأتي حلبت من لبنها في مكوك ـ أي طاس يشرب به ـ فاسقته جاريتي، فقال: أوجع امرأتك وعليك بجاريتك، وهو هكذا في قضاء علي عليه السلام (1).
   أقول: الاستدلال بالحديث على المقام موقوف على أنّ الجارية كان عمرها ما دون الحولين، وهو غير ثابت، بل ربما يشعر قوله عليه السلام : «عليك بجاريتك» بكبرها، وإيجاع المرأة من جهة قصدها تحريم الجارية على زوجها ؛ فالعمدة في إثبات فتوى المشهور هو مفهوم الرضاع الوارد في القرآن (2) والحديث، فإنّه القام الثدي والتقامه وتناول ما ينزل من الثدي كما قيل .
   وعن جمهور فقهاء أهل السنة ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي أنّ الرضاع المحرِم (بكسر الراء) كلّ ما يصل الى جوف الصبي عن طريق حلقه مثل الوجور، بل ألحقوا به السعوط وهو أنْ يصيب اللبن في أنفه، بل بالغ بعضهم فألحق الحقنة عن طريق الدبر بالوجور والسعوط .
   وعن جماعة من أهل السنة الوقوف على مفهوم الرضاع كما هو مذهب مشهور فقهائنا الاِمامية (3).
   ودليل هؤلاء الذين أهملوا عنوان الرضاع من جمهور أهل السنة وبعض علماء الشيعة أنّ الغاية المطلوبة هي انبات اللحم وشد العظم، وهي تحصل بغير المص أيضاً.

(1) ص412 ج22 جامع الاحاديث.
(2) النساء آية 23.
(3) ص51 وص52 الانجاب في ضوء الاسلام.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 109
   وأورد عليه بعض أهل السنة بأنّه لو كانت العلّة هي انشاز العظم وانبات اللحم بأي شيءٍ كان لوجب أنّ نقول اليوم بإنّ نقل دم امرأة الى طفل يحرمها عليه ويجعلها أُمّه، لاَن التغذي بالدم في العروق أسرع وأقوى تأثيراً من اللبن.
   أقول: وإنْ قيل: إنّ العلة الانبات والانشاز باللبن فقط، نقول له: فلم لا تقول باللبن من طريق الامتصاص حتّى وافق قولك القرآن؟!
   وأما السؤال الثاني فالظاهر جواز سقي الحليب النجس للاطفال ، ففي معتبرة عبد الرحمن قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام هل يصلح للرجل أنْ ترضع له اليهودية والنصرانية والمشركة؟ قال: لا بأس، وقال: امنعوهن من شرب الخمر (1).
   وأمّا السؤال الثالث فهو لا يوجب الحرمة الشرعية إلاّ في بعض الصور الخطرة وهو غير ثابت، نعم لا ينبغي الشكّ في حسن الاجتناب عن لبن غير الام ثم عن لبن غير العاقلات الصالحات، وقد نبّه عليه الفقهاء في كتاب النكاح.
   وأمّا السؤال الرابع فإنّ أثبت الطب مضار مهمة لصحّة الطفل، فيمكن القول بمنع المشروع المذكور وإلاّ فلا .

(1) ص398 ج21 جامع أحاديث الشيعة وبهذا أخذت تشريعات الاَحوال الشخصية الاَخيرة في مصر واقره مجمع البحوث الاسلامية منذ أكثر من عشر سنين كما في ص108 الانجاب في ضوء الاسلام.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 110
المسألة الحادية عشرة    معرفة جنس الجنين
   لم يثبت في القرآن والسنة المعتبرة أنّ الانسان لا يمكن معرفته بجنس الجنين وأنّ غير الله سبحانه لا يعلم ما في الاَرحام. نعم تخيّل جماعة من أهل العلم أنّ قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (لقمان 34)، يدلّ على نفي علم غيره تعالى بهذه الاُمور الخمسة، ولكنّه تخيّل واهٍ إذ لا يستفاد الحصر منه، واثبات شيء لشيء لا يوجب نفيه عما عداه كما اشتهر ـ نعم ثبت أنّ علم الساعة خاصّ به تعالى ـ وأمّا أنّه لا يعلم ما في الاَرحام غيره تعالى فهو دعوى جزافية .
   وكذا لا يدلّ على حصره به تعالى قوله تعالى: (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد 8).
   وأمّا الروايات الواردة حول الآية الاَُولى النافية لعلم غيره تعالى بما ذكر فيها من الاُمور الخمسة (1) فلم تصح سنداً .
   فمن أخبر اليوم بأنّ الجنين ذكر أو اُنثى لم يخالف الدين ولا داعي لتكذيبه ، بل الطب اليوم قادر على معرفة ذلك في الجملة، والله تعالى هو الذي علّم الاِنسان ذلك .

(1) بحار الانوار المجلد 7 ص 300، صراط الحق ج 3 ص 383.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 111
   يقول بعض الاَطباء: هناك انجازان عمليان، وهما:
   1 ـ معرفة جنس الجنين بشفط بعض من السائل المحيط به بواسطة اُبرة من الرحم وفيه بعض خلايا الجنين منفوضة عن سطح جسمه ، ويفحص هذه الخلايا يعرف جنس الجنين.
   2 ـ اكتشاف الاختلاف بين المنوي المفضي للذكورة والمنوي المفضي للاُنوثة في طائفة من الصفات كالكتلة والسرعة والقدرة على اختراق المخاط اللزج في قناة عنق الرحم والاستجابة للتفاعل الكيميائي لمخاط عنق الرحم وغير ذلك .
   وقد تمّ هذا في النطاق الحيواني ويطبق في صناعة تربية الحيوان، وذلك بتحضير كمية كبيرة من السائل المنوي تجمع من عدد كبير من الفحول أمكن فصلها لقسمين أحدهما ترجح فيه المنويات المفضية الى الاُنوثة والآخر ترجح فيه المنويات المفضية إلى الاُنوثة (1).
   أقول: واليوم يخبر الاَطباء بوسيلة التلفزيون الحاملات عن جنس حملهن.

(1) ص37 الانجاب في ضوء الاسلام.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 112
المسألة الثانية عشرة    التحكّم في جنس الجنين
   هل يجوز للوالدين اختيار جنسٍ للجنين على جنسٍ آخر إذا أمكن ذلك طباً؛ إما خارج الرحم وقبل انعقاد النطفة كما إذا عولج ماء الزوجين ثم يدخل رحمها أو بأشكال آخر؟ اما داخل الرحم (1) إذا لم يستلزم محرماً آخر من المس والنظر المحرمين؟ (2).
   قد يقال بحرمة التحكم المذكور فإنّه مناقض لروح الاسلام ولروح العدالة الاِلهية، وقيل: إنّه من الوأد، وقيل: إنّه تدخل في مشيئة الله، وقيل: إنّه مخالف لقوله تعالى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ) (الشورى 49).
   كلّ ذلك غلط وتوهّم بل واضح الضعف، فلا نشتغل بردّه. والعمدة في المنع في المقام وغيره هو قوله تعالى حكاية عن الشيطان ـ لعنه الله ـ: (ولاُضلّنّهم ولاُمنّينّهم ولآمرنّهم فَلَيُبَتّكُنَّ آذان الاَنعام ولاَمَرنّهم فَلَيُغيِّرنّ خلق الله ومَن يتّخِذِ الشَيطانَ وليّاً من دون الله فقد خَسِرَ خُسراناً مبيناً) (النساء 119).

(1) قيل ليس من الممكن تغيير جنس المبيض داخل الرحم لاَن التحام حيوان منوي بييضة انهى الموضوع وختمه، أقول العلم في تطور وليس من حق الطبيب وغيره الحكم بالاستحالة وعدم الامكان والعلم انما يصلح للاخبار عن الوقوع وعدم الوقوع حسب الظروف فلاحظ .
(2) مجرد علاقة أحد الزوجين بجنس خاص لا يبيح له وللطبيب النظر واللمس المحرمين.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 113
   قال الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان: أي لاَمرنهم بتغيير خلق الله فليغيّرنه، واختلف في معناه فقيل: يريد دين الله وامره، عن ابن عباس وإبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة وجماعة، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام ، ويؤيده قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) (1)، وأراد بذلك تحريم الحلال وتحليل الحرام.
   وقيل: أراد معنى الخصاء عن... عن ابن عبّاس... وقيل: إنّه الوشم، عن ابن مسعود، وقيل، إنّه أراد الشمس والقمر والحجارة عدلوا عن الانتفاع بها إلى عبادتها، عن الزجاج، انتهى (2).
   أقول: الاَخير خلاف الظاهر جداً أو غلط، فإنّ العدول عن الانتفاع الصحيح بمخلوق ليس تغييراً له، واما القولان الوسطان فهما أيضاً ضعيفان، لاَنهما من التقييد من دون مقيد .
   وعلى الجملة إنْ أُريد من تغيير الخلق ـ الذي هو بمعنى المخلوق ضرورة عدم قدرة البشر على تغيير الخلق بمعنى المصدر والله غالب على أمره ـ مطلقه لزم تخصيص الاكثر المستهجن جداً لجواز تغيير أكثر المخلوقات من النبات والجماد والحيوان بل الانسان (3) ـ وإنْ شئت فقل: إنّ حياة الانسان وحوائجه الاولية موقوفة على تغيير المخلوقات حتّى لا يمكن أكله من دون تغيير وكلّ ذلك جائز بالضرورة الدينية ـ وإنْ اُريد بعضه فلابدّ

(1) الروم آية 30.
(2) مجمع البيان، في تفسير سورة الروم آية 30.
(3) يجوز كثير من العمليات الطبية وغير الطبية في حقه وجواز إزالة شعره سوى اللحية وغير ذلك.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 114
  لاثباته من دليل معتبر وهو مفقود ، مع لزوم استهجان تقييد الاَكثر تخصيصه كما قرر في اُصول الفقه.
   وأما الوجه الاَوّل فلا يترتب عليه محذور أصلاً سوى أنّه مخالف لظاهر الكلمة، وأنّ حمل الخلق على الدين محتاج الى دليل مفقود ، واستعماله فيه إنّ صح في قوله: ( لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) لا يوجب صحته في المقام وغيره من غير دليل.
   نعم يمكن ان يقال: ان قوله تعالى: (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ)، سواء كان التبتيك بمعنى التشقيق أو القطع قرينة على أنّ المراد بالخلق الدين، فإنّه من تغيير الخلق ولا معنى بعنوانه في مقابله إذا اُريد بالخلق المخلوق التكويني.
   ويدلّ على تفسير الخلق بالدين حديثان مذكوران في بحار الاَنوار ص221 وما بعدها ج64 نسخة الكومپيوتر لكن سندهما ضعيف ، فلا اعتماد عليهما.
   ويحتمل أنْ يراد بتغيير الخلق مطلقه بغرض تحريم الحلال ويؤكده أنّ تبتيك غير محرم بعنوانه وليس من الشيطان إلاّ بقصد تحريم الحلال كما كان أهل الجاهلية يفعلونه، وعليه فيقرب القولان في تفسير الآية، وهذا عندي أحسن الاَقوال، فإنْ تم فهو وإلاّ فلا بد من الحكم بدخول الآية في المتشابهات.
   والمتحصّل من جميع ما مرّ جواز التحكم في جنس الجنين في حد نفسه ما لم يستلزم محرماً آخر.
   اعتماد على أصالة البراءة، نعم إذا فرضنا أنّه ينجر الى الاختلال بالتوازن العام الموجود بين الجنسين فنحكم بحرمته، فإنه يترتب عليه مفاسد كما لا يخفى .

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 115
تفصيل وتوضيح
   قال بعض الاَطبّاء: إنّ نسبة الجنسية الاَولية عند بدء الاخصاب عندما يكون الجنين خلية واحدة بالتحام المنوي ببويضته، الاحصاء 130 من الذكور لكل 100 من اُناث، وفي فترة الحمل يكون المجهض تلقائياً من الذكور أكثر من المجهض تلقائياً من اُناث، فعند الميلاد وفي إحصائيات العالم ككل تكون النسبة مائه وستة من الذكور لكل مائة من الاُناث، ذلك أنّ الهالك الذكري في فترة الحمل أكثر بكثير من الهالك الاُنثوي على مستوى العالم...
   وفي نهاية السنة الاُولى من العمر تكون النسبة 103 من الذكور لكل 100 من الاُناث وذلك أنّ معدل وفيات العام الاَول من الذكور تزيد قليلاً على معدلاتها من الاُناث. وعند سن البلوغ فما بعدها تكاد النسبة تتساوى بينهما حتى تميل الى جانب الاُناث مرّة أُخرى عند الوفاة (1).
   ويقول طبيب آخر: إنّ دوائر الاحصاء في أمريكا مثلاً أخذت ونشرت في وثائق رسمية دولية أنّ النساء يلدن كثرة من الذكور بعد كل حرب (2)، لاَنّ الحرب تحصد الرجال غالباً ولا يلدن الاُناث إلاّ قليلاً وهناك توازن وتعادل في كل شيء وحتّى في الجمادات: الذهب والفضة والطين والحجر... (3) وقد يقال: إنّه في بعض البلاد الاُناث أكثر ولادة من الذكور، وفي

(1) ص106 وص107 الاِنجاب في ضوء الاسلام.
(2) الدعوى محتاجة إلى إراءة دليل مقنع.
(3) المصدر ص 101.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 116
  البلاد التي تزيد نسبة ولادة الذكور تنقلب النسبة المذكورة في سنين الزواج فيقل عدد الذكور من عدد الاُناث.
   ويقول اشلي مونتاغون في كتابه (المرأة الجنس الاَفضل): إن عدد الاناث الصالحات للتزويج يزيد عدد الذكور الصالحين للتزويج في جميع أرجاء العالم ابداً .
   وكتب باحثٌ أنّ في بريطانيا تزيد النساء على الرجال بمليونين .
   ولزيادة الاُناث شواهد اُخرى. وهذا هو فلسفة تشريع تعدد الزوجات في شريعة الاِسلام.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 117
المسألة الثالثة عشرة تغيير الجنس
   عمليات تغيير الجنس تجري الآن في الغرب في مراكز كثيرة كعملية روتينية ، سواء كان تحويل الذكر الى اُنثى أو العكس، وفي الاَوّل يجري استئصال العضو الذكري وبناء مهبل وعملية خصاء وتكبير الثديين، وفي الحالة الثانية استئصال الثديين وبناء عضو ذكري وإلغاء القناة التناسلية الاُنثوية بدرجات متفاوتة، ويصحب كل ذلك علاج نفسي وهرموني. وهؤلاء المرضى يشعرون بكراهية للجنس الذي ولدوا عليه نتيجة لعوامل مختلفة وقد يعود أغلبها إلى فترات مبكرة في حياة الانسان وتربية غير سليمة، وهم لا يوجد أي لبس في تحديد جنسهم، سواء مظهرياً أو غيره عند الولادة (كحالات خنثى غير الكاملة).
   وكثير منهم يقوم بدوره كاملاً ويتزوّج وينجب على حالته التي خلقه الله سبحانه وتعالى عليها، ثم ينتاب هؤلاء المرضى شعوراً يأخذ بالطغيان وطالما كان مكبوتا لرغبة في التخلي عن جنسه الطبيعي. هكذا قال بعض الاطباء.
   أقول: ربما يدعى أنّه في تغيير الجنس يبقى الجنس هو الجنس وإنّما يتغير الشكل فقط. وعلى كلٍّ الكلام تارة في حكمه التكليفي وأنّه جائز أو حرام، واُخرى في حكمه الوضعي وما يترتب على الفرد بعد العملية وتغيير الجنس.
   أمّا الاَوّل فعمدة ما يحرم العمل المذكور هو لمس العورة والبدن والنظر إليهما، فإنّهما حرامان على الفاعل والمفعول، نعم إذا كان الطبيب

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 118
  وطالبة التغيير ـ أو الطبيبة وطالبه ـ زوجان وان عقد أحدهما على الآخر بالفعل للعملية المذكورة ففي جواز العمل بحث، لبطلان الزوجية بمجرد خروج أحد الزوجين عن جنسه، فالعملية المذكورة انما تجوز لهما ما لم يبطل عقد الزواج وبعده تحرم لاَنهما أجنبيان.
   ولا مانع عنها مع الغض عن حرمة اللمس والنظر بعدما سبق الكلام حول قوله تعالى: (فَلَيُغيَرنّ خلق الله)، إلاّ إذا كثرت العمليات حتّى يقرب من الاختلال بالتوازن العام بين الجنسين.
   وأما الثاني فان تم تغيير الجنس نفساً وعضواً بشكل كامل فلا اشكال في ترتب الاحكام المتعلقة بالجنس الفعلي على الفرد المذكور ويبطل زواجه السابق، ويجوز له الزواج بالجنس المخالف بالفعل وهكذا في سائر الاَحكام، فان الاَحكام تابعة لموضوعاتها حدوثاً وبقاءً، ولا يجب حفظ الموضوعات لحفظ الاَحكام إلاّ فيما دلّ الدليل الخاص عليه.
   وأمّا إذا تغيّر أكثر الاَعضاء وبقي بعضها الآخر أو تغير كلّ الاعضاء وبقي الخواص النفسية والتمايلات الجنسية السابقة، ففي ترتيب الاَحكام المتعلقة بالجنسية الجديدة عليه نظر ، كما يشكل حينئذٍ ترتيب الاَحكام المترتبة على الجنسية السابقة عليه أيضاً.
   وبالجملة: حيث لا ضابط دقيق لنا يفترق به المذكر عن المؤنت بصورة واضحة فلا بد من اليقين بصيرورة أحد من أحد الجنسين جنساً آخر في ترتيب الاَحكام عليه وفي فرض الشكّ لا بدّ من الاحتياط كما يحتاط في الخنثى المشكلة إن ثبتت ونفينا كونه جنساً ثالثاً، وملاك وجوب هذا الاحتياط هو العلم الاِجمالي بكون الفرد ذكراً أو أُنثى على ما تقرر في اُصول الفقه.
   ولاحظ ما يأتي حول الخنثى في المسألة الثلاثين، فإنّه ينفعك في المقام.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 119
المسألة الرابعة عشرة الاِنجاب بلا زواج
   يقول بعض الاَطباء حول الاستنساخ والنسخ (COLONING)
   تمهيد:
   1 ـ في نواة كل خلية إنسانية ستة وأربعون جسماً صبغياً هي التي تحمل مجموع الصفات الحيوية لكلّ فردٍ إنساني.
   2 ـ كل خلية إنسانية تنقسم، تعطي اثنتين على ذات الهيئة وعلى الستة والاَربعين جسماً صبغياً.. ويتوالى الانقسام إلى أجيال من الخلايا المثيلة.
   3 ـ يستثنى من ذلك الخلية المنوية الناضجة.. وخلية البويضة الناضجة.. ففي كل منهما ثلاثة وعشرون جسماً صبغياً فقط.. فهذا استثناء من القاعدة العامة.. فإذا التقيا فالتحما كانت منهما خلية البيضة.. أولى مراحل الاِنسان، وبها إذن ستة وأربعون جسماً صبغياً...
   4 ـ وتشذّ «البيضة» كذلك عن سائر الخلايا في أنها إن شرعت في الانقسام لم تنتج أجيالاً من الخلايا المثيلة.. بل أجيالاً من الخلايا المختلفة لا إلى تكوين بلايين من الخلايا المتشابهة ولكن إلى التخلّق والنماء لتكوين إنسان جديد .
   مثال توضيحي:
   (1) لو أخذنا خلية من جلد ضفدع مثلاً ووضعناها في البيئة الغذائية

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 120
  المناسبة فسيتوالى انقسامها لتعطي ملايين من خلايا الجلد.
  (2) ولكن لو أخذنا خلية منوية وخلية بويضية للضفدع والضفدعة قد دمجناهما فإن الانقسامات لن تفضي إلى خلايا متشابهة ولكن إلى ضفدع .
الجديد العلمي:
   لو أخذنا خلية من جلد ضفدع وحصلنا منها على نواتها .
   وأخذنا خلية بويضة ونزعنا منها نواتها ورميناها ، ثم أودعنا نواة خلية الجلد في سائل خلية البويضة.
   فإن الخلية الجديدة (نواة خلية جلدية في سائل خلية بويضية) تشرع في الانقسام مفضية إلى ضفدع هو صورة وراثية طبق الاَصل من الضفدع الاَصيل..
الاِنجاز العلمي إذن:
  (1) إنجاب بغير تزاوج ذكر وأُنثى.
  (2) الحصول على نسخة طبق الاَصل وقابلة للتكرار بأي عدد من الضفدع الاَصل.
   القضية المطروحة:
   تم ذلك في الضفدع.
   من الناحية النظرية ستتسع دائرة التطبيق فماذا لو أمكن ذلك في الانسان؟

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 121
من نتائج التطبيق:    إيجابيات:
   استنساخ أعداد كبيرة من العباقرة والموهوبين وراثياً .
   سلبيات:
   1 ـ فتح باب الاِنجاب بلا زواج.
   2 ـ ليست المواهب ولا الفضائل نتيجة الوراثة فحسب.
   3 ـ احتمال الكوارث المرضية الجامعة في هؤلاء المتشابهين وراثياً، فالمعروف أنّ التغاير والتشاكل في الوراثة من أسباب حماية الجنس البشري وارتقائه (1).
   ويقول طبيب آخر في هذا الموضوع:
   أمّا موضوع التكاثر اللاتزاوجي الذي أطلق عليه (الاستنساخ) فاحب أنْ أضع فيه بعض النقاط على الحروف، فطريقة الاستنساخ ليست وسيلة تكاثر، أعني ليس أنّ شخصاً أنتج شخصاً آخر بوسيلة لا تزاوجية، أي بغير تزاوج، ولكن المهم هنا أنّ هذا الوليد تكون فيه جميع الخصائص الوراثية لهذا الكائن، وهذا لا يحدث إطلاقاً في أي تكاثر بطريقة التزاوج، لاَنّ كل مولود نصفه من الاُمّ ونصفه من الاَب، أمّا هذا المولود فكله من الاَب أو كله من الاُمّ، إذا حصل يجب ان يكون كله من الاب، لاَجل ان يرث جميع الخصائص الممتازة.

(1) ص131 وص132 الانجاب في ضوء الاِسلام.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 122
  هذا الخيال صار حقيقة مؤكّدة وانتج 20 ضفدعة واحدة في عملية واحدة، فكلها معبر عنها بأنّها توائم الاب، لانها نسخة طبق الاَصل من هذا الاَب ولكنها أصغر منه سناً، لاَنها اُنتجت بعد عشرين سنة أو أربعين سنة ولكنها صورة دقيقة للغاية، كأنها التوأم المتشابه (1).
   وعرّف الاستنساخ أو النسخ طبيب ثالث بقوله: إنه يريد به المختصون محاولة تقديم كائن أو خلية أو جزىء يمكنه التكاثر عن غير طريق التلقيح ومن غير نقص او اضافة للمحتوى الوراثي (2).
   أقول في المقام مطالب:
   1 ـ إذا حصل العلم من مذاق الشرع (3) بعدم رضاه بتحقّق إنسان من رجل وامرأة بهذا النحو (4) لا نكاح بينهما حتى إذا لم يستلزم الزنا وحراماً آخر فيقيد جواز العملية من الوجهة الدينية بأخذ الخليتين المذكورتين من الزوجين فإنها إنجاب بلا جماع لا بلا طرفين كما لا يخفى ، وإلاّ فلا .
   2 ـ الظاهر جواز العملية المذكورة خارج الرحم لاصالة البراءة، نعم في صحّة نسبه الى رجل اُخذت الخلية من جسده والى امرأة صاحبة البويضة غير واضح، فإنّه لم يخلق من مائه: (خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) (5) واما صاحبة البويضة فانها غير حامل وغير والدة ،

(1) ص175 نفس المصدر.
(2) ص155 نفس المصدر.
(3) هذا ما يسمى بالدليل اللبي في مقابل الدليل اللفظي، والدليل اللفظي غير متوفر بنظري في المقام.
(4) أي من مني إمرأة وخلية جسدية من رجل.
(5) الطارق آية 6.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 123
  (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ )، فلاحظ .
   وعلى كل لا مانع من فرض انسان أُم له شرعاً (أو لا والد له) فلا تحرم العملية المذكورة مادام ارادة هذا المولود حرة واختياره غير مسلوبة فلاحظ ، ومادام الصفات المورثة مما لم تكن مبغوضة للشرع .
   3 ـ إذا ثبت في علم الطب ـ ولما يثبت لعدم وقوع الفرض حتّى تناله التجربة ـ أنّ الكوارث المرضية الجامعة في هؤلاء المتشابهين وراثياً ذات مخاطر فتحرم العملية لاَجلها ، فكما يحرم الاضرار بالغير الموجود يحرم التوسط في إيجاد موجود محفوف بالضرر والنقص .
   4 ـ لا سلبيات للعملية سوى احتمال تلك الكوارث تعتمد عليها في منع العملية شرعاً ، وما قيل ، من سلبيات اُخر، ضعيف أيضاً (1).
   5 ـ إذا حملته صاحبة البويضة وولدته فإنها أُمّه جزماً، وإنْ شككنا أو نفينا نسبه عن الرجل فإنّ مريم اُمّ عيسى عليها السلام بلا شكّ ولا والد له عليه السلام .

المجادلة آية 2 .
(1) الانجاب في ضوء الاسلام ص156 .