بقلم
سماحة آية الله
الشيخ محمد آصف المحسني



المقدمة
يقول الدكتور الكسيس كاريل المتوفى 1944: ان علوم التشريح والفسيولوجيا والكيمياء والنفس والاجتماع وغيرها من العلوم لم تعطنا نتائج قطعية في ميادينها عن ماهية الانسان، وان الانسان الذي يعرفه العلماء ليس إلاّ انساناً بعيداً جداً عن الانسان الحقيقي. فالانسان كائن مجهول لنفسه، وسيظل جهلنا به الى الابد.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 7
بسم الله الرحمن الرحيم
   الحَمدُ لله رَبِّ العالمين مُنزل الوَحي على المرسلين والصلاة على محمّد وآلهِ خَير الخَلق أجمعين والسلام على جميعِ عبادِ الله الصالحين لاسِيما عَلى الشُهداء والعلماء المُجْتَهدين.
   أمّا بعد، إنّ المنظّمة الاِسلاميّة للعلوم الطبيّة في الكويت عقدت ندوات علمية دعت فيها الاَطباء وأهل العلم ممّن لهم معلومات فقهية فعنون الاَطباء المسائل الطبية المستجدّة، وذكر أهل العلم أحكامها الشرعية من وجهة نظرهم أو نظر المذاهب الاَربعة غالباً (1)، ثمّ تصدّت المنظّمة لطبع ما دارت في تلك الندوات العلمية المفيدة المباركة في سبعة أجزاء باسم (الاسلام والمشكلات الطبية المعاصرة) على نحو ما يلي:

(1) ابتداء من 11 شعبان 1403 هـ الموافق 24 مايو 1983 م وانتهاء بأواخر جمادى الآخرة 1414 الموافق ديسمبر 1993 م.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 8
   أوّلاً: الاِنجاب في ضوء الاِسلام.
   ثانياً: الحياة الاِنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الاِسلامي.
   ثالثاً: الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبّيّة.
   رابعاً: ... لم أجده.
   خامساً: ... لم أجده.
   سادساً: رؤية إسلامية لزراعة بعض الاَعضاء البشرية.
   سابعاً: رؤية إسلامية للمشاكل الاِجتماعية لمرض الاِيدز.
   فشكراً كثيراً للاَطباء المتدّينين ولاَهل العلم المتفقّهين والمخلصين القائمين بأعمال الثبت والطبع والله يحب المحسنين، كما أشكر ولدي مسؤول سفارة الجمهورية الاِسلامية الاَفغانية في الكويت واعظ زاده ـ وهو من أعضاء الحركة الاِسلامية الافغانية ـ حيث أهدى إليّ هذه الاَجزاء سوى الرابع والخامس حيث لم يوجدا .
   فقصدت بفضل الله وعونه أنْ أنقل منهما بعض المطالب (1) ثمّ اذكر الحكم الفقهي من الفقه الجعفري بحسب اجتهادي، فإنْ أصبت فهو من فضل ربي وإنْ أخطأت فهو من قصوري أو من تقصيري، وأسأل الله تبارك وتعالى أنْ يجعله نافعاً لاِخواني من أهل العلم ولجميع المؤمنين وأنْ يتقبّله منّي بكرمه السابق وفضله الواسع.

(1) من غير التزام بمراعاة ترتيب مطالب تلك الاجزاء في كتابي هذا كما تعلمون فيما بعد .

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 9
المسألة الاَُولى حُكمُ التداوي في الفقه
   جواز التداوي من الواضحات التي تسالم الكلّ عليه. وفي موثّقة الحسين ابن علوان المروي في قرب الاِسنادعن جعفرعن أبيه عن جابرقال: قيل يارسول الله أنتداوى ؟
   قال: نعم ، فتداووا فإن الله لم ينزل داءً إلاّ وقد أنزل له دواء (1).
   أقول: وهل امره صلى الله عليه وآله بالتداوي للوجوب أو للاِرشاد؟ فيه وجهان، نعم يجب التداوي من الاَمراض الخطيرة لوجوب دفع الضرر، كما يجب تداوي الاَطفال والمجانين على أوليائهم حسب قضيّة الولاية.
   ثمّ الظاهر جوازه بل وجوبه وإن احتمل الضرر فيه إحتمالاً مرجوحاً أو مساوياً، لصحيح يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السلام : الرجل يشرب الدواء ويقطع العرق، وربما انتفع به وربما قتله؟ قال: يشرب ويقطع (2).
   وربما يتخيّل بعض أهل العلم عدم وجوب التداوي مطلقاً حتى من الاَمراض المهلكة لاستبداله بالدعاء والتوكل، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه) (3)، وقال تعالى: (ادْعُونِيَ أسْتَجِبْ لَكُمْ) (4).

(1) ص179 ج17 الوسائل ولابد لاعتبار الرواية من أثبات ان نسخة قرب الاسناد الواصلة الى صاحب الوسائل قد وصلت بسند معتبر وفيه بحث طويل عميق ذكرناه في محله . وعلى كل أخرجه بالفاظ مختلفة أحمد وأبو داود والنسائي والتزمذي لاحظ ص560 وص57 ج6 (رؤية اسلامية لزراعة بعض الاَعضاء البشرية).
(2) ص194 روضة الكافي.
(3) الطلاق آية 3.
(4) غافر آية 60.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 10
   أقول: لكنّهما لا ينفيان وجوب التداوي وحده، بل لزوم تحصيل المعاش والنفقة وتحصيل كلّ أمر متوقّف على أسبابه أيضاً حتّى تحصيل العلم أيضاً! بل لازم هذا التخيّل عدم وجوب حفظ النفس! وهو كما ترى .
   وهل يمكن أنْ يفتي عاقل بجواز ترك شرب الماء أو أكل الطعام للمضطّر الذي يشرف على الهلاك؟ والحل أنّ التوكّل لا ينافي السعي إلى تحصيل الاَسباب ولا هي تنافيه (وأعقل راحلتك وتوكّل على الله) (1)، والدعاء لم يشرّع لاِبطال الاَسباب الطبيعية قطعاً، والاَئمة عليهم السلام تداووا وأمروا أتباعهم بالتداوي كما في الاَحاديث الكثيرة (2).
   بل ورد في بعض الاَحاديث ان من يترك أموراً لا يستجاب دعاءه .
   ثم إنّ التداوي كما قد يجب على المريض يجب العلاج على الطبيب أيضاً وإنْ جاز له أخذ الاُجرة على طبابته إذا قدر المريض عليه.
   وفي رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام المرويّ في التهذيب قال: سألته عن الرجل يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلاً؟ قال: لا بأس (3).
   قال الفقيه اليزدي قدس سره في خاتمة كتاب الاِجارة من العروة الوثقى: (السابعة عشرة) لا بأس بأخذ الاُجرة على الطبابة وإنْ كانت من الواجبات الكفائية، لاَنها كسائر الصنائع واجبة بالعرض لانتظام نظام معائش

(1) ج71 ص137 و ج103 ص5 بحار الانوار نسخة الكامپيوتر.
(2) لاحظ الجزء 62 من بحار الانوار.
(3) ص3 ج59 بحار الانوار والسند صحيح على المشهور ولنا في صحة طريق الشيخ الى الحسين بن سعيد بحث ذكرناه في «بحوث في علم الرجال».

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 11
  العباد، بل يجوز وإنْ وجبت عيناً، لعدم من يقوم بها غيره، ويجوز اشتراط كون الدواء عليه مع التعيين الرافع للغرر، ويجوز أيضاً مقاطعته على المعالجة إلى مدّة أو مطلقاً، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البرء أو بشرطه إذا كان مظنوناً بل مطلقاً .
   وما قيل من عدم جواز ذلك لاَن البرء بيد الله فليس اختيارياً له وانّ اللازم مع إرادة ذلك أنْ يكون بعنوان الجعالة لا الاِجارة.
   فيه: إنّه يكفي كون مقدّماته العاديّة اختيارية ولا يضر التخلّف في بعض الاَوقات، كيف! وإلاّ لم يصح بعنوان الجعالة أيضاً (1).
   أقول: وعلّق سيّدنا الاُستاذ الخوئي على قوله «بل مطلقاً»: يشكل الحكم بالصحة في فرض التقييد مع الظن بالبرء أيضاً، نعم لا تبعد الصحّة مع الاِطمئنان به .
   كما أنّه علّق على الجزء الاَخير من كلامه: الفرق بين الجعالة والاجارة من هذه الجهة ظاهرٌ (2).
   وقال قدس سره في منهاج الصالحين: تجوز الاِجارة على الطبابة سواء أكانت بمجرّد وصف العلاج أم بالمباشرة كجبر الكسير، وتجوز المقاطعة على العلاج بقيد البرء إذا كانت العادة تقضي ذلك كما في سائر موارد الاجارة على الاَعمال الموقوفة على مقدمات غير اختيارية للاجير وكانت توجد حينها عادة (3)، وتبعه بعض تلاميذه عليه.

(1) العروة الوثقى 2|420ـ421 طبعة مدينة العلم.
(2) نفس المصدر.
(3) منهاج الصالحين 2|102 طبعة مدينة العلم.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 12
فـائـدة
   نذكر فيها بعض الروايات المعتبرة سنداً:
   1 ـ قال الصادق عليه السلام : قال موسى بن عمران: يارب من أين الداء؟ قال: مني ، قال: فالشفاء؟ قال: مني ، قال: فما يصنع عبادك بالمعالج؟ قال: يطبب بأنفسهم ، فيومئذٍ سُمّي المعالج الطبيب (1).
   أقول: أيّ سُمّي بالطبيب لرفعه الهم عن نفوس المرضى بالرفق والتدبير ، وليس الشفاء منهم، وفي بعض كتب اللغة: طَبَّ: تأنّى للاَُمور وتلطّف، وفي بعض النسخ بالياء المثنّاة (يطيب).
   وليس المراد أنّ الطبيب مشتق من مادة الطيب، بل المراد أنّ تسميته بالطبيب لتداويه عن الهموم، فتطيب بذلك .
   أقول: الشفاء لا ينافي التداوي لانهما من العلل الطولية، وصنع المعالج هو تشخيص الداء وتعيين الدواء فقط ، والشفاء من الله تعالى .
   2 ـ كتب ابن اُذينة إلى الصادق عليه السلام يسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر اسكرجة من نبيذ ليس يريد به اللّذة (و) إنّما يريد به الدواء، فقال: لا، ولا جرعة .
   وقال: إنّ الله عزّ وجلّ لم يجعل في شيء مما حرّم شفاء ولا دواء (2).
   أقول: اتّفقت أحاديثنا على منع التداوي بالخمر (3) وهذا الحديث

(1) ص88 روضة الكافي.
(2) ص88 ج59 بحار الاَنوار نقلاً عن الكافي.
(3) لاحظ ص202 وما بعدها ج24 جامع الاَحاديث.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 13
  يمنعه بمطلق الحرام. لكن لو فرض بطريق قطعي مورداً توقف حياة احد على شرب مسكر أو خمر أو على شرب دواء فيه خمر جاز شربه أو لعله فرض نادر جداً .
   3 ـ قال الصادق عليه السلام : ما من دواء إلاّ وهو شارع إلى الجسد ينظر (سارع الى الجسد ينتظرخ) متى يؤمر به فيأخذه (1).
   أقول: كأنّ الحديث يشير إلى موضوع علمي، وهو ما ثبت في علم الطب وغيره من مناعة البدن، وستعرفها في المسألة الخامسة والثلاثين إنْ شاء الله تعالى .

نظر المذاهب الاَربعة حول التداوي
   نقل بعض أهل السنة أنّ العلاج عند الاِمام أحمد رخصة وتركه درجة أعلى، وعند الشافعي التداوي أفضل من تركه ومذهب أبي حنيفة أنّه (أي التداوي) مؤكّد حتّى أنّه يقارب الوجوب، ومذهب مالك أنّه يستوي فعله وتركه (2).

(1) روضة الكافي ص88 .
(2) ص624 وص625 الحياة الانسانية بدايتها ونهايتها.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 14
المسألة الثانية أثر الاضطرار والحرج والضرر والحاجة في رفع الاحكام الالزامية
   قال الله تعالى: (وَمَالَكُمْ ألاّ تَأكُلُوا ممّا ذُكِر اسْمُ الله عَلَيهِ وَقَد فَصَّل لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيكُم إلاّ ما اضْطُررْتُم إلَيهِ) (الاَنعام: 119).
   وقال تعالى: (إنَّما حَرَّمَ عَليكُمْ المَيتَةَ والدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيِرَ وما اُهِلَّ به لِغَير الله فَمَن اضطُرَّ غَيَر بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إثْمَ عَلَيه...) (البقرة 173) ولاحظ سور المائدة والانعام (145) والنحل(115).
   وكلّ هذه الآيات وردت في مورد أكل المحرّمات الخاصّة.
   وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كما في حسنة حريز المروية في الخصال عن الصادق عليه السلام : ـ رفع (وضع) عن اُمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا اليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق، ما لم ينطق بشفته (1).
   وفي موثّقة سماعة ـ على إشكال في صحّة طريق الشيخ إلى الحسين ابن سعيد في المشيخة عن الصادق عليه السلام :... ولن يكلفه الله ما لا طاقة له به (2).
   وفي موثّقة اُخرى له ـ على إشكال عرفته ـ : وليس شيء ممّا حرّم الله

(1) ص88 ج1 مقدمة جامع الاحاديث الطبعة الاَُولى.
(2) ص483 ج5 الوسائل نسخة الكومبيوتر.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 15
  إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه (1).
   وقريب منها موثقة أبي بصير (2).
   وفي صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الاَطباء فيقولون: نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلي؟ فرخّص في ذلك وقال: فمن أضطُرّ غَير باغٍ وَلا عادٍ فلا اِثمٌ عليه (3).
   أقول: مورد الرواية ظاهراً الحاجة أو الحرج ولكن الاِمام طبّق عليه الاضطرار.
   ثمّ إنّ الحديث يدلّ على تعميم الآية لمطلق المحرّمات من دون اختصاص لها بالاَكل المحرّم، فلا تغفل وفي صحيح حفص البختري عن الصادق عليه السلام قال سمعته يقول في المغمى عليه: ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر (4) وبالجملة: الاضطرار رافع للتكليف كما في الاحاديث الكثيرة والتتبع بالكومپيوتر سهل .

البحث الثاني في الحرج
  قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78).
   وقال تعالى: (لِّيْسَ عَلَى الاَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ الاَعرَج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيِض حَرَجٌ) (الفتح: 17) و (النور: 61).
   وفي صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى: (مَا يُريدُ الله

(1) ص228 ج23 المصدر.
(2) ص483 ج5 نفس المصدر.
(3) ص496 نفس المصدر.
(4) ص273ج 1 جامع الاحاديث.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 16
  ليَجْعَلَ عَليكُم مِنْ حَرَجٍ): والحرج الضيق (1).
   وفي صحيح بريد العجلي عنه عليه السلام : ... ولم يجعل الله تبارك وتعالى في الدين من ضيق، فالحرج أشد من الضيق (2).
   وعليه فيمكن أن يحمل الضيق في الحديث السابق على مرتبة عالية منه دفعاً للتعارض، فافهم .
   وفي موثّقة أبي بصير ـ على إشكال في صحّة طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد في المشيخة ـ: فإنَّ الدين ليس بضيق فإنّ الله يقول: (مَا جَعَلَ عَلَيكُمْ في الدِين مِنْ حَرَجٍ) (3).
   قال سيِّدنا الاُستاذالحكيم قدس سره في مستمسكه:...فلايكون الحرج مجوزاً لفعل المحرّمات عندهم وإنْ كان مجوزاً لترك الواجبات، فلا يجوز الزنا للحرج ، ولا يجوز أكل مال الغير للحرج... وان كان الفرق بين الواجبات والمحرمات في ذلك غير ظاهر ، ومقتضى دليل نفيه نفي التحريم كنفي الوجوب (4).
   أقول: والحقّ جريان نفي الحرج في مطلق الاَحكام الاِلزامية الحرجيّة من الواجبات والمحرمات، لكن لا بدّ أن يعلم أنّ للحرج مراتب متفاوتة ، والاَحكام الالزامية أيضاً لها مراتب من حيث الاَهمية، فلا يمكن نفي حرمة الزنا واللواط والمساحقة لمن لا زوج له بدعوى الحرج، وهو ظاهر ، فإذا روعيت هذه النكتة حسب الذوق الشرعي والارتكاز المتشرعي في جريان قاعدة نفي الحرج لا يبقى وجه للتفصيل بين الواجبات والمحرمات.

(1) ص364 ج3 الوسائل نسخة الكومبيوتر.
(2) ص191 ج1 أُصول الكافي.
(3) ص163 ج1 الوسائل نسخة الكومبيوتر.
(4) ص247 ج14.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 17
البحث الثالث في الضرر
   قال رسول الله صلى الله عليه وآله كما في موثقة زرارة عن الباقر عليه السلام : لا ضرر ولا ضرار (1).
   فكلّ حكم ضرري ينفى بهذا .
   وأعلم أنّ البحث حول قاعدة نفي الضرر والضرار طويل مذكور في علم اُصول الفقه، بل ألَّف غير واحد من الاعلام حولها رسالة مستقلّة .

البحث الرابع في الحاجة
   قال الله تعالى: (يُرِيُد الله بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بكُمُ العُسْر) (البقرة: 185).
   وفي صحيح الثمالي المروي في الكافي عن الباقر عليه السلام قال: سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إما كسر وإما جرح في مكان لا يصلح النظر إليه ، يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء أيصلح له النظر إليها؟ قال: إذا اضطرت إليه فليعالجها (فيعالجها ـ جامع) ، ان شاءت (2)، فلاحظ .
   أقول: الحديث يدلّ على جواز نظر الطبيب إلى المريضة لاضطرارها ، وتقييد النظر إليها بعدم إمكان العلاج بالنظر إليها بالنظر إلى المرآة كما عن بعض الفقهاء خلاف إطلاق الصحيحة، فلا نلتزم به، والله أعلم باحكامه .

(1) ص32 ج18 الوسائل نسخة الكومپيوتر.
(2) ص172 ج14 الوسائل (الطبعة المتوسطة).

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 18
المسألة الثالثة ما يتعلق بضمان الطبيب وعدمه
   (الاَول): إذا تبرّء الطبيب من الضمان وقبل المريض أو وليّه ولم يقصّر في الاجتهاد والاحتياط فالاَظهر براءته من ضمان الفساد إن اتّفق بمباشرته، كما اختاره جماعة من المحققين، بل عن المسالك أنّه المشهور، واستدل له بخبر السكوني(من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلاّ فهو ضامن)، وبأنّ العلاج مما تمسّ الحاجة إليه فلو لم يشرع الابراء تعذر العلاج كما في الشرائع (1).
   وعن ابن ادريس أنّه لا يبرء لاَنّه إسقاط الحق قبل ثبوته (2).
   وفي الجواهر: ... على أنّه ينبغي الجزم به (أي بالابراء) إذا اخذ بعنوان الشرطية في عقد اجارة الطبيب مثلاً، إذ هو حينئذ يكون كاشتراط سقوط خيار الحيوان والمجلس ونحوهما مما يندرج تحت قولهم عليهم السلام : المؤمنون عند شروطهم... وليس هذا من الابراء قبل ثبوت الحق بل من الاذن في الشيء المقتضية (المقتضى ظ) لعدم ثبوته نحو الاذن في أكل المال مثلاً .
   أقول: وما ذكره صاحب الجواهر موجه، وأما ما ذكره المحقق في الشرائع من الوجهين ففيه نظر وإنّ قبله صاحب الجواهر، لضعف الخبر

(1) ص 47 ج 43 جواهر الكلام.
(2) نفس المصدر.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 19
  سنداً ولتردّد في الثاني .
   وهنا شيء وهو أنّه إذا كان الطبيب قاصراً ولكن المريض يعتقد مهارته فقبل إبراءه فافسد لجهله، ففي براءته نظر أو منع، فإنّ الطبيب مدلّس حينئذٍ .
(الثاني): الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه ان كان قاصراً ـ سواء كان قصوره في علاج المرض أو في تشخيصه ـ وإنْ أذن المريض بالعلاج ، ويظهر منهم نفي الخلاف فيه بل عن التنقيح الاِجماع عليه (1).
   لكن قد يقال بسقوط الضمان فيه بسبب الاذن ورد بقاعدة الضمان على كل متلف خصوصاً في الدماء التي ورد فيها «انه لا يبطل دم امرء مسلم» (2) والاذن كعدمها بعد النهي عنه شرعاً، بل لو جوزنا المباشرة للحاذق بلا إذن لقاعدة الاِحسان أو أوجبناها عليه مقدمة لحفظ النفس المحترمة لما ينافي ذلك الضمان الذي هو من باب الاسباب كما في تأديب الزوجة والصبي ونحوهما، فتأمل .
(الثالث): قالوا: يضمن الطبيب العارف الحاذق إذا عالج صبياً أو مجنوناً أو مملوكاً من غير إذن الولي والمالك ، أو عالج عاقلاً حراً من غير إذن فيه(3)، وقيل: إنّه لا خلاف فيه ظاهراً (4).
(الرابع): الطبيب العارف (علماً وعملاً) إذا أذن له المريض في العلاج ولم يقصّر هو فيه فعالج وآل علاجه إلى التلف في النفس أو الطرف

(1) جواهر الكلام ص 44 ج 43 .
(2) لاحظ ج 43 من الجواهر .
(3) نفس المصدر.
(4) نفس المصدر.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 20
   فعن ابن إدريس أنّه لا يضمن للاَصل ، ولاَنّ الضمان يسقط بالاذن ، ولاَنّه فعل صائغ شرعاً فلا يستعقب ضماناً (1).
   وعن جمع من الاَعلام أنّه يضمن لمباشرته للاتلاف .
   وفي الجواهر: وإن لم يصرحوا أو أكثرهم بالاذن ، وعن المحقق نسبة ضمان الطبيب المتلف بعلاجه بقول مطلق إلى الاَصحاب (2).
   واجيب عن ما استدل به ابن ادريس بأنّ الاِذن في العلاج ليس إذناً في الاتلاف، والجواز الشرعي لا ينافي الضمان كما في الضرب للتأديب، نعم وحيث أنّه غير متعمد لا يقتص منه؛ ثم ان فعل الطبيب في المقام من شبه العمد فالضمان في ماله لا على عاقلته.
(الخامس): قال الفقيه اليزدي قدس سره في كتاب الاِجارة من العروة الوثقى: إذا أفسد الاَجير للخياطة أو القصارة أو لتفصيل الثوب ضمن، وكذا الحجام في حجامته أو الختان في ختنه ، وكذا الكحال أو البطار، وكل من آجر نفسه لعمل في المستأجر إذا أفسده يكون ضامناً اذا تجاوز عن الحد المأذون وإنْ كان بغير قصده ، لعموم من اتلف، وللصحيح عن أبي عبدالله عليه السلام في الرجل يعطى الثوب ليصبغه ، فقال عليه السلام : كلّ عامل اعطيته أجراً على أنْ يصلح فأفسد فهو ضامن (3).

(1) جواهر الكلام ج 43 ص 45.
(2) نفس المصدر ص 46.
(3) وهو صحيح الحلبي المروي في الفقيه . ورواه في الكافي والتهذيبين عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عنه عليه السلام بلفظ : سئل عن القصار يفسد ؟ قال كل أجير يعطى الاجر على أن يصلح فيفسد فهو ضامن . ص 51 ج 19جامع الاحاديث .

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 21
   بل ظاهر المشهور ضمانه وان لم يتجاوز عن الحد المأذون فيه ، ولكنه مشكل ، فلو مات الولد بسبب الختان مع كون الختّان حاذقاً من غير أنْ يتعدّى عن محل القطع بأنْ كان أصل الختان مضراً به في ضمانه إشكال (1).
   أقول: لم يظهر لي فرق بين المقام وبين الطبيب المباشر للعلاج إذا أفسده، حيث أفتى صاحب العروة والسيّد الخوئي هناك بضمانه مطلقاً وفي المقام قيّد الضمان بتجاوز الحد المأذون(2)؟.
   وعلق السيّد الاُستاذ الخوئي رحمه الله على قوله (لكنه مشكل): بل الاَقوى عدم الضمان (3).
   أقول: ولعلّه لعدم صدق إفساد الطبيب حينئذ (4).
   ثم قال السيّد الخوئي رحمه الله : ومع ذلك الظاهر هو الضمان في مسألة الختان إلاّ إذا كان المقتول به هو الذي سلم نفسه له مع استجماعه شرائط التكليف (5).
   وذكر في كتابه توضيح المسائل: إنْ مات الطفل بالختان يضمن الطبيب تجاوز الحد المعمول به في ختانه أم لم يتجاوز ، وان تضرر به الطفل فإنْ قطع أكثر من المعمول به يضمن وإلاّ ففي ضمانه إشكال، والاحوط الرجوع إلى الصلح.
   (كتاب الاِجارة المسألة 2212).
   وقال بعض أهل العصر في منهاج الصالحين: الختّان إنْ قصّر أو أخطأ

(1) العروة الوثقى ج 2 ص 393 ـ 384 .
(2) نعم مفهوم كلام السيد الاستاذ الخوئي في منهاج الصالحين (101 ج2 الطبعة الثامنة) عدم الفرق بينهما في قيد التجاوز عن الحد وعدمه في الضمان وعدمه فلاحظ.
(3) العروة الوثقى ج2 | 394.
(4) فيجري في حق الطبيب في المسألة الرابعة أيضاً بلا فرق .
(5) نفس المصدر.

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 22
  في عمله كأن تجاوز عن الحد المتعارف فتضرّر أو مات الطفل كان ضامناً ، وإنْ تضرّر أو مات بأصل الختان لم يكن عليه ضمان إذا لم يعهد إليه إلاّ إجراء عملية الختان دون تشخيص ما إذا كان الطفل يتضرر بها أم لا ولم يكن يعلم بتضرّره مسبقاً .
   أقول: في غير ما انجز الامر إلى القتل، المدار في الضمان هو صدق الافساد، فإذا لم يصدق فلاموجب للضمان، فالارجح عدم الضمان اذا كان حاذقاً ولم يتجاوز الحد المأذون طباً ، وفي القتل يرجع إلى اطلاق ما دلّ على لزوم الدية على من قتل خطأً أو شبه عمد، نعم إذا لم يستند القتل إلى الطبيب لا وجه لضمانه؛ وما ذكره بعض أهل العصر كما نقلناه عنه آنفاً لا يخلو من وجه، والله العالم.
   وكل ما ذكرنا في هذا الاَمر جار في الاَمر الرابع فتأمل .
(السادس): إذا قال الطبيب من غير مباشرة: لو كنت مريضاً بمثل هذا المرض لشربت الدواء الفلاني، فلا ضمان عليه لعدم موجبه .
   وان قال: الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني، ففي العروة: فلا ينبغي الاشكال في عدم ضمانه (1).
   أقول وقاعدة الغرور تشمل المقام، وإذا كان أجيراً يشمله قوله عليه السلام : كل عامل أعطيته أجراً على أنْ يصلح فأفسد فهو ضامن (2)، إلاّ أنْ يدّعي انصراف الحديث إلى فرض المباشرة، مع أنّه كسابقه ظاهراً .
   وفي الجواهر (ص49 ج43): أمّا اذا قال (الطبيب): أظنّ أنّ هذا الدواء نافع لهذا الداء، أو لو كنت أنا لفعلت كذا، مما لم تكن فيه مباشرة

(1) العروة الوثقى 2 : 394 .
(2) المصدر .

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 23
  منه وإنّ فعل المريض العاقل المختار أو وليه ذلك اعتماداً على القول المزبور فإن المتّجه فيه عدم الضمان للاَصل وغيره، كما أنّ المتجه عدم شيء عليه حيث لم يعلم الحال لاحتمال الموت بغير العلاج.
   أقول: ما ذكر صاحب الجواهر من فرض أخذ الظن في كلام الطبيب أوضح في نفي الضمان عنه من فرض صاحب العروة قدس سرهما .
   وأما ان كان الطبيب آمراً ففي العروة: ففي ضمانه إشكال، الاّ ان يكون سبباً وكان أقوى من المباشر، وأشكل منه إذا كان واصفاً للدواء من دون أن يكون آمراً، كأنْ يقول: دوائك كذا و كذا، بل الاَقوى فيه عدم الضمان (1).
   أقول: وتبعه عليه سيّدنا الاُستاذ الخوئي قدس سره .
   وقال بعض أهل العصر في منهاج الصالحين: لو عالج الطبيب المريض مباشرة أو وصف له الدواء حسب ما يراه فاستعمله المريض وتضرر أو مات كان ضمانه عليه وان لم يكن مقصّراً .
   أقول: فلاحظ وتأمّل.
(السابع): يحرم للصيدليات ايتاء الادوية المخالفة لنظر الاطباء وكتابتهم، كما يحرم ايتاء الادوية التي مضت وقتها وهي غير نافعة للمرض .
   وإذا علم البائع أنّ الطبيب خان المريض أو اشتبه وأنّ هذا الدواء مهلك أو قاتل له إن استعمله يجب عليه اعلام المريض بالحال ، ويحسن الاعلام إذا كان الضرر جزئياً أو كانّ الدواء غير مفيد له ، فإنّ الله سبحانه يقول: (إنَّ الله يَامُرُ بِاْلعَدْلِ وَالاِحْسَان) (2).
   ويقول: (وتَعَاونُوا عَلَى البِرِّ وَالتَقّوَى) (3).

(1) العروة الوثقى 2 : 394 .
(2) النمل آية 90 .
(3) المائدة آية 2 .

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 24
خاتمة
   قال صاحب الجواهر بعد ذكر روايات أكثرها ضعاف سنداً وليست بحجة : ولا يخفى عليك ما في هذه النصوص من الفوائد، منها... وجوب العلاج لمن كان له بصيرة فيه .
   ومنها عدم اعتبار الاجتهاد في علم الطب بل يكفي للمداوي المداوى بالتجربيات العادية ونحوها مما جرت السيرة والطريقة به وخصوصاً للعجائز والاَطفال (1).
   أقول: هذا بالنسبة إلى التداوي بالعقاقير غير المضرة لا بأس به ، وأمّا التداوي بالاَدوية الكيمياوية المضرة أو القاتلة كما هي المتداولة اليوم فلا يجوز لغير الاختصاصي الحاذق الخبير ضرورة حرمة الاضرار بالناس وهلاكهم ، وهذا ظاهر ، فليتّق الله من يسمون انفسهم بالاطباء ويقتلون الناس أو ينقصونهم (2)، كما أنّه فليتّق الله مَن يسمون أنفسهم بالعلماء والفقهاء ويضلون المؤمنين عن سبيل الله، وكأن الفتوى في عصرنا صار مباحاً مطلقاً للجميع .

(1) جواهر الكلام 43 | 50.
(2) قال بعض الشعراء:
                                ملك  الموت رفت پيش iiخدا      گفـت  سبحان ربي iiالاعلى
                                داكترى است در فلان كوچه      من  يكى مى كشم واو صدتا
                                يـا  بفرما كه جان او iiگيرم      يـا مـرا كار ديگرى iiفرما

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 25
المسألة الرابعة أحكام المسّ والنظر
   يجوز لكلّ من الجنسين النظر إلى بدن مماثله ومسّه من دون شهوة وريبة إلاّ العورتين فيحرم النظر إليهما ومسّهما وإنْ لم يكن عن تلذذ (1).
   يحرم على الرجل النظر إلى المرأة ـ سوى وجهها وكفّيها ـ بتفصيل مذكور في الكتب المبسوطة الفقهية (2)، كما يحرم على المرأة النظر إلى الرجل أيضاً بتفصيل مقرر في محله .
   ويحرم على كلّ من الجنسين مسّ بدن الآخر وإنْ لم يكن عن تلذّذ، بل كان الماس أو الممسوس عجوزاً .
   ولا ملازمة بين جواز النظر والمس، فكم من امرأة جاز النظر إليها ويحرم مسّها، وإنْ شئت فقل: إنّ حرمة مسّ غير المحارم لم يطرء عليها استثناء أصلاً كما طرء على حرمة النظر إلى غير المحارم.
   فكلّ عملية طبية جراحية أو غير جراحية أو غير طبية إذا استلزمت النظر المحرم أو المس المحرم، لا تجوز، لا سيما النظر إلى العورة أو مسّها، فإنّ الحرمة فيه آكد.
   فجواز مباشرة الطبيب أو الطبيبة للعلاج وجواز تداوي المريض أو المريضة إذا اشتملتا على النظر والمس المحرمين موقوف على توفر شروط

(1) يظهر من بعض الروايات جواز النظر إلى عورة من ليس بمسلم وانها كعورة حمار وأفتى به بعض المحدثين لاحظ بحثه في كتابنا حدود الشريعة ج2 مادة النظر .
(2) لا حظ كتابنا حدود الشريعة ج2 مادة النظر .

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 26
  ثلاثة :
   1 ـ استلزام المرض مشقةً وحرجاً للمريض. وحرج المريض يكفي لجواز العملية المذكورة له وللطبيب كما سبق دليله في المسألة الثانية، فليس كل مرض جزئي أو غرض تجملي يجوز التدخل للطبيب والتمكين للمريض أو المراجع فكما يحرم النظر والمس على الطبيب يحرم الكشف والتمكين على المريض والمراجع، ومنه يظهر ان مجرد جواز منع الحمل من دون تحقق حرج وضرر لايزيل حرمة النظر والمس على الطبيب ومراجعه .
   2 ـ لا يحل مس العورة مطلقاً، ولا مس بدن الجنس المخالف إذا كانت الحاجة ترتفع بلبس الساتر من أي نوع كان مما يمنع عن التماس المباشر.
   3 ـ إذا أمكن التداوي والعلاج عند المماثل لا يجوز الرجوع إلى المخالف.
   حتّى من جهة النظر الى العورة أو مسّها مع حرمتها على المماثل والمخالف، وذلك فإنّ حرمتهما على المخالف أشدّ وآكد .
   وقيل بتقديم المحارم على غيرهم مع عدم إمكان المماثل، إذا أمكن، والله العالم.
   ثمّ إنّه إذا حرمت العملية تبطل الاجارة، فلا يملك الطبيب الاُجرة، فيحرم عليه أخذها إلاّ إذا وهبها له المريض أو المريضة أو المراجع بقطع النظر عن بطلان الاِجارة، والله اعلم.
   وسيأتي في المسألة الثانية والعشرين والثالثة والعشرين ما يتعلّق بالمس والنظر وافشاء السر وغيره إنْ شاء الله تعالى .

فروع فقهية :
1 ـ عورة الانثى عبارة عن فرجها وحلقة دبرها ، وعورة الذكر عبارة

الـفِـقـهُ والمَـسـائِـل الطِـبـيـَة 27
  عن حلقة دبره وآلته التناسلية لا غيرها ، وعورة الطفل غير المميز لا بأس بمسّها والنظر إليها لضرورة أو غير ضرورة .
   2 ـ ما اشتهر بين بعض العوام من أنّ الطبيب محرم للمريض كلام باطل لا أصل له، والطبيب كغيره في حرمة النظر والمسّ، كما أن المريض كغيره يجب عليه أنْ يحفظ نفسه عن نظر الطبيب ومسّه ، وإنما يجوز النظر والمس بمقدار الضرورة على ما عرفت .
   3 ـ إذا ترتفع الضرورة بالنظر أو المس في دقيقتين تحرم زيادة النظر والمس ولو بمقدار ثانية ، كما إذا ارتفعت الضرورة بمسّ ثلاث سانتمترات أو النظر إليها يحرم مس الزايد أو النظر إليه.
   4 ـ ما ذكرنا إليه في حقّ الاَطباء والمرضى يجري في حقّ المضمدين والمضمدات أيضاً، ولا يجوز للمريض أو المريضة قبول الجنس المخالف للتضميد إذا استلزم النظر أو المس المحرّم، الاّ مع توفر الشروط وإذا أمكن في المستشفيات الشخصية إشتراط المضمد المماثل وجب ذلك على المريض.
   5 ـ يحرم على مساعدات الاَطباء مسّ أيديهن لاَبدانهم وإن استلزمته المقررات الاَدارية والرسوم الحكومية.