وعلي وآلهما الطيبين ، فحول الله تعالى القيد فرسا ركبه ، وحول الغل سيفا بحمائل تقلده (1) فخرج ـ عنهم ـ من أعمالهم .
  فلما رأوا ما ظهر عليه من آيات محمد (صلى الله عليه وآله) لم يجسر (2) أحد أن يقربه ، وجرد سيفه وقال : من شاء فليقرب ، فاني سألته بمحمد وعلي (عليهما السلام) أن لا اصيب بسيفي أبا قبيس (3) إلا قددته نصفين ، فضلا عنكم .
  فتركوه فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

فضيلة لعمار بن ياسر :
  وأما ـ أبوعمار ـ ياسر ، وام عمار فقتلا في الله صبرا .
  وأما عمار فكان أبوجهل يعذبه ، فضيق الله عليه خاتمه في إصبعه (4) حتى أضرعه (5) وأذله ، وثقل عليه قميصه حتى صار أثقل من بدنات (6) حديد ، فقال لعمار : خلصنى مما أنا فيه ، فما هو إلا من عمل صاحبك ، فخلع خاتمه من إصبعه وقميصه من بدنه ، وقال : البسه ، ولا أراك بمكة تفتنها (7) علي ، وانصرف إلى محمد .
  فقيل لعمار : ما بال خباب نجا (8) بتلك الاية ، وأبواك أسلما للعذاب حتى قتلا ؟ قال عمار : ذلك حكم من أنقذ إبراهيم (عليه السلام) من النار ، وامتحن بالقتل يحيى وزكريا (عليهما السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنت من كبار الفقهاء يا عمار .
  فقال عمار : حسبي يا رسول الله من العلم معرفتي بأنك رسول رب العالمين ، وسيد الخلق أجمعين ، وأن أخاك عليا وصيك وخليفتك ، وخير من تخلفه بعدك ، وأن القول الحق قولك وقوله ، والفعل الحق فعلك وفعله ، وأن الله عزوجل ما

--------------------
(1) قلده السيف : جعل حمالته في عنقه .
(2) ( يجرأ ) أ س .
(3) اسم جبل
(4) زاد في ( أ ، ط ) وقميصه من بدنه .
(5) أضرع الرجل : أذله .
(6) البدن بالتحريك ـ : الدرع القصير .
(7) ( تضيقها ) ط .
(8) في ( ب ) الفعل على بناء المجهول ، وكذا الذى بعده . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 627 _
  وفقني لموالاتكما ومعاداة أعدائكما إلا وقد أراد أن يجعلني معكما في الدنيا والآخرة .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هو كما قلت يا عمار ، إن الله تعالى يؤيد بك الدين ويقطع بك معاذير الغافلين ، ويوضح بك عن عناد المعاندين إذا قتلتك الفئة الباغية على المحقين .
  ثم قال له : يا عمار بالعلم نلت ما نلت من هذا الفضل ، فازدد منه تزدد فضلا ، فان العبد إذا خرج في طلب العلم ناداه الله عزوجل من فوق العرش : مرحبا بك يا عبدي أتدري أية منزلة تطلب ؟ وأية درجة تروم ؟ مضاهاة (1) ملائكتي المقربين لتكون لهم قرينا ؟ لابلغنك مرادك ولاصلنك بحاجتك .
  قيل لعلي بن الحسين (عليهما السلام) : ما معنى مضاهاة ملائكة الله عزوجل المقربين ليكون لهم قرينا ؟ قال : أما سمعت الله عزوجل يقول (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (2) .
  فابتدأ بنفسه ، وثنى بملائكته ، وثلث باولي العلم الذين هم قرناء ملائكته ـ أولهم ـ وسيدهم محمد (صلى الله عليه وآله) ، وثانيهم علي (عليه السلام) ، وثالثهم (أقرب أهله إليه) (3) ، وأحقهم بمرتبته بعده .
  قال علي بن الحسين (عليهما السلام) : ثم أنتم ـ معاشر الشيعة العلماء لعلمنا تالون لنا ، مقرونون (4) بنا وبملائكة الله المقربين ، شهداء ـ لله ـ بتوحيده وعدله وكرمه وجوده ، قاطعون لمعاذير المعاندين من عبيده وإمائه ، فنعم الرأى لانفسكم رأيتم ، ونعم الحظ الجزيل اخترتم ، وبأشرف السعادة سعدتم حين (5) بمحمد وآله الطيبين (عليهم السلام) قرنتم ، وعدول الله في أرضه شاهرين بتوحيده وتمجيده جعلتم ، وهنيئا لكم ، أن محمدا

--------------------
(1) ( تضاهى ) ب ، البحار ، والعوالم ، ضاهى مضاهاة الرجل : شاكله وشابهه .
(2) آل عمران : 18 .
(3) ( أهله ) البحار .
(4) ( معروفون ) أ ، ص .
(5) ( و ) س .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 628 _
  لسيد الاولين والآخرين ، وأن آل محمد خير آل النبيين ، وأن أصحاب محمد الموالين لاولياء محمد وعلي (عليهما السلام) ، والمتبرئين من أعدائهما ، أفضل صحابة المرسلين ، وأن امة محمد الموالين لمحمد وعلي ، المتبرئين من أعدائهما ، أفضل امم المرسلين وأن الله تعالى لا يقبل من أحد عملا إلا بهذا الاعتقاد ، ولا يغفر له ذنبا ، ولا يقبل له حسنة ، ولا يرفع له درجة إلا به (1) .
  قوله عزوجل : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين فان زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ) : 208 ـ 209
  366 ـ قال الامام (عليه السلام) : فلما ذكر الله تعالى الفريقين : أحدهما (ومن الناس من يعجبك قوله) والثاني : (ومن الناس من يشري نفسه) وبين حالهما ، دعا الناس إلى حال من رضي صنيعه فقال : (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) .
  يعني في السلم والمسالمة إلى دين إلاسلام كافة جماعة ادخلوا فيه ، ـ وادخلوا ـ في جميع الاسلام ، فتقبلوه واعملوا فيه (2) ، ولا تكونوا كمن (3) يقبل بعضه ويعمل به ، ويأبى بعضه ويهجره .
  قال : ومنه الدخول في قبول ولاية علي (عليه السلام) كالدخول في قبول نبوة ـ محمد ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فانه لا يكون مسلما من قال : إن محمدا رسول الله، فاعترف به ولم يعترف بأن عليا وصيه وخليفته وخير امته .

--------------------
(1) عنه البحار : 1/ 18 ح 68 من قوله ( ان العبد اذا خرج ... ) وج 22/ 338 ح 50 إلى قوله : ( ولا وصلك بحاجتك ) ، وعوالم العلوم : 147 ح 81 ، وسفينة البحار : 1/ 104 قطعة .
(2) ( لله ) البحار : 36 .
(3) ( ممن ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _629 _
   (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) من يتخطى بكم إليه الشيطان من طرق الغي والضلال ، ويأمركم به من ارتكاب الآثام الموبقات (1) (إنه لكم عد ومبين) إن الشيطان لكم عدو مبين ، بعداوته يريد اقتطاعكم عن عظيم الثواب ، وإهلاككم بشديد العقاب .
  (فان زللتم) عن السلم والاسلام الذي تمامه باعتقاد ولاية علي (عليه السلام) ، ولا ينفع الاقرار بالنبوة مع جحد إمامة علي (عليه السلام) ، كما لا ينفع الاقرار بالتوحيد مع جحد النبوة ، إن زللتم .
  (من بعد ما جاءتكم البينات) من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفضيلته ، وأتتكم الدلالات الواضحات الباهريات على أن محمدا الدال على إمامة علي (عليه السلام) نبي صدق ، ودينه دين حق .
  (فاعلموا أن الله عزيز حكيم) ـ عزيز ـ قادر على معاقبة المخالفين لدينه والمكذبين لنبيه لا يقدر أحد على صرف انتقامه من مخالفيه ، وقادر على إثابة الموافقين لدينه والمصدقين لنبيه (صلى الله عليه وآله) لا يقدر أحد على صرف ثوابه عن مطيعيه .
  حكيم فيما يفعل من ذلك ، غير مسرف على من أطاعه وإن أكثر له الخيرات ، ولا واضع لها في غير موضعها (وإن أتم له الكرامات) (2) ، ولا ظالم لمن عصاه وإن شدد عليه العقوبات .

بعض احتجاجات على (عليه السلام) يوم الشورى :

  ـ قال على بن الحسين (عليهما السلام) : وبهذه الاية وغيرها احتج علي (عليه السلام) يوم الشورى على من دافعه عن حقه ، وأخره عن رتبته ، وإن كان ما ضر الدافع إلا نفسه ، فان عليا (عليه السلام) كالكعبة التي أمر الله باستقبالها للصلاة .

--------------------
(1) أى المهلكات .
(2) كذا في ( س ) وفى غيرها ( للكرامات ) . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 630_
  جعله الله ليؤتم به في امور الدين والدنيا ، كما لا ينقص الكعبة ، ولا يقدح في شئ من شرفها وفضلها إن ولى عنها الكافرون ، فكذلك لا يقدح في علي (عليه السلام) ـ إن أخره عن حقه ـ المقصرون ، ودافعه عن واجبه الظالمون .
  قال لهم علي (عليه السلام) يوم الشورى في بعض مقاله بعد أن أعذر وأنذر ، وبالغ وأوضح : معاشر الاولياء العقلاء ألم ينه الله تعالى عن أن تجعلوا له أندادا ممن لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر ولا يفهم (1) ؟ أو لم يجعلني رسول الله (صلى الله عليه وآله) لدينكم ودنياكم قواما ؟ أو لم يجعل إلى مفزعكم؟ أو لم يقل لكم : علي مع الحق والحق معه (2) ؟ أو لم يقل : أنا مدينة العلم (3) وعلي بابها (4) ؟ أولا تروني غنيا عن علومكم وأنتم إلى علمي محتاجون ؟ أفأمر الله تعالى العلماء باتباع من لا يعلم ، أم من لا يعلم باتباع من يعلم ؟ يا أيها الناس لم تنقضون ترتيب الالباب (5) لم تؤخرون من قدمه الكريم الوهاب ؟ أو ليس رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجابني إلى مارد عنه أفضلكم : فاطمة لما خطبها ؟ أوليس قد جعلني أحب خلق الله ـ إلى الله ـ لما أطعمني معه من الطائر (6) ؟

--------------------
(1) زاد في بعض النسخ والبحار : ( كما (لا يفهم) نفهم ) .
(2) وهذا حديث متواتر روته الخاصة والعامة بأسانيد شتى وألفاظ مختلفة يضيق بنا المجال لسردها ، استقصيناها عند تحقيقنا كتاب ( الاربعين ) لمنتخب الدين ح 17 ، انظر البحار : 38/ 26 ـ 40 ، واحقاق الحق : 5/ 623 ـ 638 ، وج 16/ 385 ، 397 .
(3) ( الحكمة ) البحار : 36 .
(4) تقدم ص 497 بلفظ ( مدينة الحكمة ) وله بيان ، فراجع .
(5) اللب : العقل الخالص من الشوائب أو ما ذكا من العقل ، فكل لب عقل ، ولا يعكس .
(6) راجع المجلد الخاص بحديث الطير من عبقات الانوار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _631 _
  أوليس جعلني أقرب الخلق شبها بمحمد نبيه (صلى الله عليه و آله) ؟ أفأقرب الناس به شبها تؤخرون ؟ وأبعد الناس به شبها تقدمون ؟ مالكم لا تتفكرون ولا تعقلون ؟ قال : فما زال يحتج بهذا ونحوه عليهم وهم لا يغفلون (1) عما دبروه ، ولا يرضون (2) إلا بما آثروه ! (3) .
  قوله عزوجل : ( هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضى الامر والى الله ترجع الامور ) : 210 .
  367 ـ قال الامام (عليه السلام) : لما بهرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بآياته ، وقطع معاذيرهم بمعجزاته أبى بعضهم الايمان ، واقترح عليه الاقتراحات الباطلة ـ وهي ما ـ قال الله تعالى : ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) (4) وسائر ما ذكر في الآية ، فقال الله عزوجل : يا محمد (هل ينظرون) أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم الآيات ، وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات (إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) وتأتيهم الملائكة كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا يجوز عليه الاتيان ، و ـ اقتراحهم ـ الباطل في إتيان الملائكة الذين لا يأتون إلا مع زوال هذا

--------------------
(1) غفل عنه : سها عنه وتركه .
(2) ( يصرون ) أ ، س ، ص .
(3) عنه البحار : 36/ 110 ح 59 ، وج 68/ 230 قطعة .
(4) الاسراء : 90 ـ 92 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 632_
  التعبد ، وحين وقوع هلاك الظالمين بظلمهم و (وقتك هذا وقت تعبد) (1) لا وقت مجئ الاملاك بالهلاك ، فهم في اقتراحهم بمجئ الاملاك جاهلون .
  (وقضي الامر) أي هل ينظرون إلا مجئ الملائكة ، فاذا جاءوا وكان ذلك قضي الامر بهلاكهم .
  (وإلى الله ترجع الامور) فهو يتولى الحكم فيها ، يحكم بالعقاب على من عصاه ويوجب كريم المآب لمن أرضاه (2) .
  368 ـ قال على بن الحسين (عليهما السلام) : طلب هؤلاء الكفار الآيات ، ولم يقنعوا بما أتاهم منها بما فيه الكفاية والبلاغ حتى قيل لهم : (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) أي إذا لم يقنعوا بالحجة الواضحة ـ الدافعة ـ فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله، وذلك محال ، لان الاتيان على الله لايجوز .
  وكذلك النواصب اقترحوا على رسول الله في نصب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إماما ـ واقترحوا ـ حتى اقترحوا المحال .
  وكذلك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نص على علي (عليه السلام) بالفضيلة والامامة وسكن ـ إلى ـ ذلك قلوب المؤمنين ، وعاند فيه أصناف الجاحدين من المعاندين ، وشك في ذلك ضعفاء من الشاكين ، واحتال (3) في السلم من الفريقين ـ من النبي وخيار أصحابه ، ومن أصناف أعدائه ـ جماعة المنافقين ، وفاض في صدورهم العداوة والبغضاء والحسد والشحناء حتى قال قائل المنافقين : لقد أسرف محمد في مدح ـ نفسه ثم أسرف في مدح ـ أخيه علي وما ذلك من عند رب العالمين ، ولكنه في ذلك من المتقولين يريد أن يثبت لنفسه الرئاسة علينا حيا ، ولعلي بعد موته .

--------------------
(1) ( هذا وقت التعبد ) البحار .
(2) عنه البحار : 9/ 281 ح 5 .
(3) ( اختال ) أ ، ص ، (الختل ) الخداع . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 633 _
  قال الله تعالى : يا محمد قل لهم : وأي شئ أنكرتم من ذلك ؟ هو عزيز (1) حكيم كريم ، ارتضى عبادا من عباده ، واختصهم بكرامات لما علم من حسن طاعاتهم ، وانقيادهم لامره ، ففوض إليهم امور عباده ، وجعل إليهم سياسة خلقه بالتدبير الحكيم الذي وفقهم له .
  أولا ترون ملوك الارض إذا ارتضى أحدهم خدمة بعض عبيده ، ووثق بحسن اضطلاعه (2) بما يندب له (3) من امور ممالكه ، جعل ماوراء بابه إليه ، واعتمد في سياسة جيوشه ورعاياه عليه .
  كذلك محمد في التدبير الذي رفعه له ربه ، وعلي من بعده الذي جعله وصيه وخليفته في أهله ، وقاضي دينه ، ومنجز عداته ، والمؤازر لاوليائه ، والمناصب (4) لاعدائه فلم يقنعوا بذلك ، ولم يسلموا وقالوا : ليس الذي يسنده إلى ابن أبي طالب (عليه السلام) بأمر صغير ، إنما هو دماء الخلق ، ونساؤهم ، وأولادهم ، وأموالهم ، وحقوقهم ـ وأنسابهم ـ ودنياهم وآخرتهم ، فليأتنا بآية تليق بجلالة هذه الولاية .

احتجاجات رسول الله (صلى الله عليه وآله) لولاية علي (عليه السلام):

  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أما كفاكم نور علي المشرق في الظلمات الذي رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله ؟ أما كفاكم أن عليا جاز والحيطان بين يديه ، ففتحت له وطرقت (5) ، ثم عادت

--------------------
(1) ( عظيم ) ب ، ط ، والبحار .
(2) ( اصطناعه ) أ ، ط ، ( اطاعته ) البحار ، يقال : اضطلع بحمله : نهض به وقوى عليه .
(3) ندب فلانا للامر : دعاه ورشحه للقيام به ، وحثه عليه .
(4) ناصبه مناصبة : عاداه وقاومه ، ( المصائب ) أ ، س ، ص .
(5) طرق ـ بتشديد الراء ـ له : جعل له طريقا . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 634_
  والتأمت ؟ أما كفاكم يوم غدير خم أن عليا لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة ، والملائكة منها مطلعين تناديكم : هذا ولي الله فاتبعوه ، وإلا حل بكم عذاب الله فاحذروه ؟ أما كفاكم رؤيتكم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يمشي والجبال تسير بين يديه لئلا يحتاج إلى الانحراف عنها ، فلما جاز رجعت الجبال إلى أماكنها ؟ ثم قال : اللهم زدهم آيات ، فانها عليك سهلات يسيرات لتزيد حجتك عليهم تأكيدا .
  قال : فرجع القوم إلى بيوتهم ، فأرادوا دخولها فاعتقلتهم الارض ومنعتهم ، ونادتهم : حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية علي (عليه السلام) .
  قالوا : آمنا .
  ودخلوا .
  ثم ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها ، فثقلت عليهم ، ولم يقلوها (1) ونادتهم : حرام عليكم سهولة نزعنا حتى تقروا بولاية علي (عليه السلام) .
  فأقروا ، ونزعوها .
  ثم ذهبوا يلبسون ثياب الليل ، فثقلت عليهم ونادتهم : حرام عليكم لبسنا حتى تعترفوا بولاية علي (عليه السلام) .
  فاعترفوا .
  ثم ذهبوا يأكلون ، فثقلت عليهم اللقمة ، ومالم يثقل منها استحجر في أفواههم ، ونادتهم : حرام عليكم أكلنا حتى تعترفوا بولاية علي (عليه السلام) .
  فاعترفوا .
  ثم ذهبوا يبولون ويتغوطون ، فتعذبوا ، وتعذر عليهم ، ونادتهم بطونهم ومذاكيرهم : حرام عليكم السلامة منا حتى تعترفوا بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
  فاعترفوا ثم ضجر بعضهم وقال : (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) قال الله عزوجل : (وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم) فان عذاب الاصطلام العام إذا نزل ، نزل بعد خروج النبي (صلى الله عليه وآله) من بين أظهرهم ، ثم قال الله عزوجل :

--------------------
(1) قله ـ بتشديد اللام ـ عن الارض: رفعه . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 635 _
  (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) (1) يظهرون التوبة والانابة ، فان من حكمه في الدنيا يأمرك بقبول الظاهر ، وترك التفتييش عن الباطن ، لان الدنيا دار إمهال وإنظار ، والآخرة دار الجزاء بلا تعبد .
  قال : (وماكان الله معذبهم) وفيهم من يستغفر لان هؤلاء لو أن فيهم من علم الله أنه سيؤمن أو أنه سيخرج من نسله ذرية طيبة يجود ربك على اولئك بالايمان وثوابه ، ولا يقتطعهم باخترام (2) آبائهم الكفار ، ولولا ذلك لاهلكهم .
  فذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كذلك اقترح الناصبون آيات في علي (عليه السلام) حتى اقترحوا مالا يجوز في حكم ـ الله ـ ، جهلا بأحكام الله، واقتراحا للاباطيل على الله (3).
  قوله عزوجل : ( سل بنى اسرائيل ) الاية إلى قوله ( أو ضعيفا ) 211 ـ 282 اثنان وسبعون آية تفسيرها مفقود (4) .
  رزقنا الله تمامه بمحمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين ـ إلى يوم الدين ـ

--------------------
(1) الايات من سورة الانفال : 32 ـ 33 .
(2) أى باهلاك .
(3) عنه البحار : 9/ 282 ذ ح 5 قطعة ، وج 42/ 40 ح 14 من قوله ( ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نص على )، واثبات الهداة : 3/ 578 ح 674 قطعة ، وج 4/ 597 ح 293 قطعة .
(4) ( تم ما وجدناه من هذه الايات وتفسيرها ) ب . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 636_
بسم الله الرحمن الرحيم

  شئ آخر من تفسير هذه السورة من الامام الحسن بن علي العسكري عليه وعلى آبائه وابنه القائم (عليهم السلام) المنتظر المهدي السلام .
  قوله عزوجل : ( أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ) إلى آخر الاية : 282 ـ (1)
  369 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله عزوجل : (أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) قال : (ضعيفا) في بدنه لا يقدر أن يمل (2) ، أو ضعيفا في فهمه وعلمه لا يقدر أن يمل ويميز الالفاظ التي هي عدل عليه وله من الالفاظ التي هي جور عليه أو على حميمه .
  (أولا يستطيع أن يمل هو) يعني بأن يكون مشغولا في مرمة (3) لمعاش ، أو تزود لمعاد ، أو لذة في غير محرم ، فان تلك ـ هي ـ الاشغال التي لا ينبغي لعاقل أن يشرع في غيرها .
  قال : (فليملل وليه بالعدل) يعني النائب عنه ، والقيم بأمره بالعدل ، بان لا يحيف على المكتوب له ، ولا على المكتوب عليه (4)

--------------------
(1) ( ومما أوصل الينا من هذا التفسير عن هذه السورة أيضا ) أ ، س ، ص .
(2) أمللت الكتاب على الكاتب املالا : ألقيته عليه ، وأمليته عليه املاءا والاولى لغة الحجاز وبنى أسد والثانية لغة بنى تميم وقيس ، وجاء الكتاب العزيز بهما ( وليملل الذى عليه الحق ) ، ( فهى تملى عليه بكرة وأصيلا ) الفرقان : 5 ، (المصباح المنير : 580) .
(3) رم رما ومرمة الامر : أصلحه ، ( بدنه ) ب .
(4) عنه البحار : 104/ 304 صدر ح 10 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _637_
في اعانة الضعيف :
  370 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أعان ضعيفا في بدنه على أمره ، أعانه الله تعالى على أمره ، ونصب له في القيامة ملائكة يعينونه على قطع تلك الاهوال وعبور تلك الخنادق من النار ، حتى لا يصيبه من دخانها ولا سمومها ، وعلى عبور الصراط إلى الجنة سالما آمنا .
  ومن أعان ضعيفا في فهمه ومعرفته فلقنه حجته على خصم ألد (1) طلاب الباطل ، أعانه الله عند سكرات الموت على شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، والاقرار بما يتصل بهما ، والاعتقاد له حتى يكون خروجه من الدنيا ورجوعه إلى الله تعالى على أفضل أعماله ، وأجل أحواله ، فيجئ (2) عند ذلك بروح وريحان ، ويبشر بأن ربه عنه راض ، وعليه غير غضبان .
  ومن أعان مشغولا بمصالح دنياه أو دينه على أمره حتى لا ينتشر (3) عليه أعانه الله تعالى يوم تزاحم الاشغال وانتشار الاحوال ، يوم قيامه بين يدي الملك الجبار ، فيميزه من الاشرار ويجعله من الاخيار (4) .
  ـ في أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه :
  371 ـ قال : ـ ولقد مر أمير المؤمنين (عليه السلام) على قوم من أخلاط المسلمين ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري ، وهم قعود في بعض المساجد في أول يوم من شعبان ، إذا هم يخوضون في أمر القدر وغيره مما اختلف الناس فيه ، قد أرتفعت أصواتهم

--------------------
(1) لد يلد لددا ـ من باب تعب ـ اشتدت خصومته فهو ألد والمرأة : لداء ، والجمع : لد ، ( الذى (هو) ) أ ، س ، ( الدين ) البحار .
(2) ( فيحيى ) ص ، والبحار .
(3) ( يتعسر ) البحار : 75 .
(4) عنه البحار : 8/ 166 صدر ح 111 قطعة ، وج 75/ 21 ح 19 ، وج 104 ـ 305 ضمن ح 10 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 638 _
  واشتد فيه محكهم (1) وجدالهم ، فوقف عليهم ، فسلم ، فردوا عليه وأوسعوا وقاموا إليه يسألونه القعود إليهم ، فلم يحفل بهم ، ثم قال لهم ـ وناداهم ـ : يا معشر المتكلمين فيما لا يعنيهم ولا يرد عليهم ، ألم تعلموا أن لله عبادا قد أسكتتهم (2) خشيته من غيرعي ولا بكم ، وإنهم لهم الفصحاء العقلاء الالباء (3) العالمون بالله وأيامه (4) .
  ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم ، وانقطعت أفئدتهم ، وطاشت عقولهم ، وهامت حلومهم ، إعزازا لله ، وإعظاما وإجلالا له .
  فاذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالاعمال الزاكية ، يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين ، وأنهم براء من المقصرين والمفرطين ، إلا أنهم لا يرضون لله بالقليل ولا يستكثرون لله الكثير ، ولا يدلون (5) عليه بالاعمال فهم متى ما رأيتهم مهمومون (6) مروعون ، خائفون ، مشفقون ، وجلون .
  فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين ألم تعلموا أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه وأن أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه ؟

وجه تسمية شعبان :

  يا معشر المبتدعين هذا يوم غرة شعبان الكريم سماه ربنا شعبان لتشعب الخيرات فيه ، قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه ، وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص

--------------------
(1) المحك : المنازعة في الكلام ، والتمادى في اللجاجة .
(2) ( أسكنتهم ) ب ، س .
(3) جمع لبيب وهو العاقل ، وفى البحار : البلغاء بدل ( العقلاء ) .
(4) أيام الله: نعمه ونقمه .
(5) أى يجترئون ، قال المجلسى (ره) : أدل عليه أى أوثق بمحبته فأفرط عليه ، ( يزالون ) أ ، س ، ص .
(6) ( مغتمون ) س ، ( مهيمون ) البحار اغتم : حزن ، والهيام : الجنون من العشق . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _639 _
  الاثمان ، وأسهل الامور فأبيتموها (1) وعرض لكم إبليس اللعين بشعب شروره وبلاياه فأنتم دائبا (2) تنهمكون في الغي والطغيان ، وتتمسكون بشعب إبليس ، وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه .
  هذه غرة شعبان ، وشعب خيراته الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبر الوالدين والقرابات والجيران ، وإصلاح ذات البين ، و الصدقة على الفقراء والمساكين ، تتكلفون ما قد وضع عنكم ، وما قد نهيتم عن الخوض فيه من كشف سرائر الله التي من فتش عنها كان من الهالكين .
  أما إنكم لو وقفتم على ما قد أعده ربنا عزوجل للمطيعين من عباده في هذا اليوم ، لقصرتم (3) عما أنتم فيه ، وشرعتم فيما امرتم به .
  قالوا : يا أمير المؤمنين وما الذي أعد الله في هذا اليوم للمطيعين له ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا أحدثكم إلا بما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لقد بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) جيشا ذات يوم إلى قوم من أشداء الكفار ، فأبطأ عليه خبرهم ، وتعلق قلبه بهم ، وقال : ليت ـ لنا ـ من يتعرف أخبارهم ، ويأتينا بأنبائهم .
  بينا هو قائل هذا ، إذ جاءه البشير بأنهم قد ظفروا بأعدائهم واستولوا ـ عليهم ـ وصيروهم بين قتيل وجريح وأسير ، وانتهبوا أموالهم ، وسبوا ذراريهم وعيالهم .
  فلما قرب القوم من المدينة ، خرج إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأصحابه يتلقاهم ، فلما لقيهم ورئيسهم زيد بن حارثة ، وكان قد أمره عليهم ـ فلما رأى زيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ نزل عن ناقته ، وجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقبل رجله ، ثم قبل يده ، فأخذه رسول

--------------------
(1) ( فابتاعوها ) أ ، والمستدرك ، ابتاع الشئ : اشتراه .
(2) في حديث البعير الذى سجد له (صلى الله عليه وآله) ، فقال لصاحبه : انه يشكوا إلى أنك تجيعه وتدئبه ، أى تكده وتتعبه ، وكل ما أدمته فقد أدأبته .
(3) قصر عن الشئ : كف عنه وتركه مع العجز . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 640_
  الله (صلى الله عليه وآله) وقبل رأسه .
  ـ ثم نزل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبدالله بن رواحة فقبل يده ورجله وضمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى نفسه .
  ثم نزل إليه قيس بن عاصم المنقري (1) فقبل يده ورجله وضمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليه ـ .

--------------------
(1) تشتمل هذه القصة على ذكر : زيد به حارثة ، عبدالله بن رواحة ، وقيس بن عاصم المنقرى في غرة شعبان ... وحسب التاريخ المشهور في كتب القوم ، قد استشهد الاولان مع جعفر الطيار في غزوة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية ـ قبل الفتح ـ في شهر جمادى الاولى، وفى كتبهم أيضا : أن الرسول (صلى الله عليه وآله) بعث في المحرم سنة تسع من الهجرة سرية عيينة بن الحصن الفزارى إلى بنى تميم ، قدم على أثرها وفد من رؤسائهم فيهم قيس بن عاصم ... (طبقات ابن سعد : 2/ 160) ، قال ابن حجر في الاصابة : 3/ 253 : وفد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وفد بنى تميم فأسلم ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا سيد أهل الوبر ... وقال في ص 254 : وذكر ابن شاهين من طريق المدائنى عن أبى معشر ورجاله قالوا : قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قيس بن عاصم ونعيم بن بدر وعمرو بن الاهتم قبل وفد بنى تميم ، وكان النبى (صلى الله عليه وآله) استبطأ قيس بن عاصم ، فقال له عتبة : ائذن لى أن أغزوه فأقتل رجاله وأسبى نساءه ، فأعرض عنه ، وقدم قيس ، فقال النبى (صلى الله عليه وآله) : هذا سيد أهل الوبر : ثم تقدم فأسلم ، وروى الصدوق (ره) في أماليه : 12 ح 4 وفى معانى الاخبار : 233 ، وفى الخصال : 1/ 114 ح 93 باسناده عن العلاء بن محمد بن الفضل ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال قيس بن عاصم : وفدت مع جماعة من بنى تميم إلى النبى (صلى الله عليه وآله) فدخلت وعنده الصلصال بن الدلهمس ، فقلت : (يا نبى الله عظنا ننتفع بها ... (عنها البحار : 71/ 170 ح (1)والى الان لم نعثر على تحقيق صحيح يرفع التعارض بين ماورد في التفسير والتاريخ فارتقب انا مرتقبون . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 641 _
  ثم نزل إليه سائر الجيش ووقفوا يصلون عليه ، ورد عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيرا ثم قال لهم : حدثوني خبركم وحالكم مع أعدائكم .
  وكان معهم من أسراء القوم وذراريهم وعيالاتهم وأموالهم من الذهب والفضة وصنوف الامتعة شئ عظيم .
  فقالوا : يا رسول الله لو علمت كيف حالنا لعظم تعجبك .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لم أكن أعلم ذلك حتى عرفنيه الآن جبرئيل (عليه السلام) ، وما كنت أعلم شيئا من كتابه ودينه أيضا حتى علمنيه ربي ، قال الله عزوجل : (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان - إلى قوله ـ صراط مستقيم) (1) .
  ولكن حدثوا بذلك إخوانكم هؤلاء المؤمنين ، لا صدقكم ـ فقد أخبرني جبرئيل بصدقكم ـ فقالوا (2) : يا رسول الله، إنا لما قربنا من العدو بعثنا عينا لنا ليعرف أخبارهم وعددهم لنا ، فرجع إلينا يخبرنا أنهم قدر ألف رجل ، وكنا ألفي رجل ، وإذا القوم قد خرجوا إلى ظاهر بلدهم في ألف رجل ، وتركوا في البلد ثلاثة آلاف يوهموننا أنهم ألف ، وأخبرنا صاحبنا أنهم يقولون فيما بينهم : نحن ألف وهم ألفان ولسنا نطيق مكافحتهم ، وليس لنا إلا التحاصن في البلد حتى تضيق صدورهم من منازلتنا ، فينصرفوا عنا .
  فتجر أنا بذلك عليهم ، وزحفنا إليهم ، فدخلوا بلدهم ، وأغلقوا دوننا بابه ، فقعدنا ننازلهم (3) .
  فلما جن علينا الليل ، وصرنا إلى نصفه ، فتحوا باب بلدهم ، ونحن غارون (4)

--------------------
(1) الشورى : 52 .
(2) ( فقال ) البحار : 97 .
(3) ( منازلهم ) الاصل ، تصحيف ، ونازله في الحرب : نزل في مقابلته وقاتله .
(4) الغار : الغافل . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 642_
  نائمون ماكان فينا منتبه إلا أربعة نفر : زيد بن حارثة في جانب من جوانب عسكرنا يصلي ويقرأ القرآن .
   وعبدالله بن رواحة في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن .
  وقتادة بن النعمان في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن .
  وقيس بن عاصم في جانب آخر يصلي ويقرأ القرآن .
  فخرجوا في الليلة الظلماء الدامسة (1) ، ورشقونا بنبالهم ، وكان ذلك بلدهم ، وهم بطرقه ومواضعه عالمون ، ونحن بها جاهلون ، فقلنا فيما بيننا : دهينا وأوتينا ، هذا ليل مظلم لا يمكننا أن نتقي؟ ؟ النبال ، لانا لا نبصرها .
  فبينا نحن كذلك إذ رأينا ضوءا خارجا من في (2) قيس بن عاصم المنقري كالنار المشتعلة .
  وضوءا خارجا من في قتادة بن النعمان كضوء الزهرة والمشتري ، وضوءا خارجا من في عبدالله بن رواحة كشعاع القمر في الليلة المظلمة .
  ونورا ساطعا من في زيد بن حارثة أضوء من الشمس الطالعة .

--------------------
(1) دمس الليل أو الظلام : اشتد سواده فهو دامس .
(2) من كان آمن بالله وقدرته ، وآياته ، واستمع إلى كتاب الله في آيات موسى : ( واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية اخرى ) طه : 22 ، ( ونزع يده فاذا هى بيضاء للناظرين ) الاعراف : 108 ، الشعراء : 33 ، فلا شك له في امكان ذلك ببركة نور كتاب الله النازل على الرسول الاعظم والنور الاتم (صلى الله عليه وآله) ، المتجلى في أعمال أصحابه ، كما قال في ذيل الحديث : وهذه الانوار بأعمال اخوانكم ، وذلك بسبب قراءة القرآن ، ألا تنظرون إلى قوله تعالى : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ، قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ، ( الحديد : 12 و 13 ، وقوله تعالى : ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) النور : 24 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 643 _
  وإذا تلك الانوار قد أضاءت معسكرنا حتى أنه أضوء من نصف النهار ، وأعداؤنا في ظلمة شديدة ، فأبصرناهم وعموا ـ عنا ـ ، ففرقنا زيد بن حارثة عليهم حتى أحطنا بهم ، ونحن نبصرهم ، وهم لا يبصروننا ، ونحن بصراء ، وهم عميان، فوضعنا عليهم السيوف فصاروا بين قتيل وجريح وأسير .
  ودخلنا بلدهم فاشتملنا على الذراري والعيال والاثاث ـ والاموال ـ ، وهذه عيالاتهم وذراريهم ، وهذه أموالهم ، وما رأينا يا رسول الله أعجب من تلك الانوار من أفواه هؤلاء القوم ، التي عادت ظلمة على أعدائنا حتى مكنا منهم .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قولوا الحمد لله رب العالمين على ما فضلكم به من شهر شعبان هذه كانت ـ ليلة ـ غرة شعبان ، وقد انسلخ عنهم الشهر الحرام ، وهذه الانوار بأعمال إخوانكم هؤلاء في غرة شعبان أسلفوا (1) بها أنوارا في ليلتها قبل أن يقع منهم الاعمال .
  قالوا : يا رسول الله وما تلك الاعمال لنثابر (2) عليها ؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أما قيس بن عاصم المنقري ، فانه أمر بمعروف في يوم غرة شعبان ، وقد نهى عن منكر ، ودل على خير ، فلذلك قدم له النور في بارحة يومه عند قراءته القرآن .
  وأما قتادة بن النعمان ، فانه قضى دينا كان عليه في ـ يوم ـ غرة شعبان ، فلذلك أسلفه الله النور في بارحة يومه .
  وأما عبدالله بن رواحة ، فانه كان برا بوالديه ، فكثرت غنيمته في هذه الليلة فلما كان من غد ، قال له أبوه : إني وأمك لك محبان ، وإن امرأتك فلانة تؤذينا وتعنينا (3) وإنا لا نأمن من أن تصاب في بعض هذه المشاهد ، ولسنا نأمن أن تستشهد في

--------------------
(1) ( ليسلفوا ) أ ، السلف : كل عمل صالح قدمته .
(2) ثابر على الامر : واظب عليه وداومه ، ( لنثاب ) البحار .
(3) ( تعنتنا س ، ( تعيبنا ) البحار : 27 ، ( تبغينا البحار : 97 ، عنى الرجل : آذاه وكلفه ما يشق عليه ، عنته : شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه ، ويشق عليه تحمله . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _644_
  بعضها ، فتداخلنا هذه في أموالك ، ويزداد علينا بغيها وعنتها .
  فقال عبدالله : ماكنت أعلم بغيها عليكم ، وكراهتكما لها ، ولو كنت علمت ذلك لابنتها (1) من نفسي ، ولكني قد أبنتها الآن لتأمنا (2) ما تحذران ، فما كنت بالذي أحب من تكرهان ، فلذلك أسلفه الله النور الذي رأيتم .
  وأما زيد بن حارثة الذي كان يخرج من فيه نور أضوء من الشمس الطالعة ، وهو سيد القوم وأفضلهم ، فقد علم الله ما يكون منه ، فاختاره وفضله على علمه بما يكون منه أنه في اليوم الذي ولي هذه الليلة التي كان فيها ظفر المؤمنين بالشمس الطالعة من فيه جاءه رجل من منافقي عسكره (3) يريد التضريب بينه وبين علي بن أبى طالب (عليه السلام) ، وإفساد ما بينهما فقال ـ له ـ : بخ بخ أصبحت لا نظير لك في أهل بيت رسول الله وصحابته هذا بلاؤك ، وهذا الذي شاهدناه نورك .
  فقال له زيد : يا عبدالله اتق الله، ولا تفرط في المقال ، ولا ترفعني فوق قدري ، فانك ـ لله ـ بذلك مخالف و ـ به ـ كافر ، وإني إن تلقيت (4) مقالتك هذه بالقبول لكنت كذلك .
  يا عبدالله ، ألا احدثك بما كان في أوائل الاسلام وما بعده ، حتى دخل رسول الله المدينة (5) وزوجه فاطمة (6) (عليها السلام) ، وولد له الحسن والحسين (عليهما السلام) ؟ قال : بلى .
  قال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لي شديد المحبة حتى تبناني لذلك (7) فكنت

--------------------
(1) أى طلقتها .
(2) ( لتكفيا ) س ، ص .
(3) ( عسكرهم ) البحار .
(4) ( قبلت ) أ ، س ، ص .
(5) ( دخل رسول الله المدينة مع على ) ظ .
(6) ( وزوج الفاطمة ) أ ، س ، ص .
(7) وكيف لا يكون شديد الحب لزيد هذا ولا يتبناه ، ولا يؤويه ، وقد آثره على والده ، وأخلص في الايمان والحب له ، حتى رفضه من كان رؤوفا عليه ، وتبرأ منه ، فصار كمن كان يتيما لا يجد أباه ، فهل جزاؤه الا أن يتبناه ، وهل يؤويه الا من أحس اليتم ؟ وقد خاطبه عزوجل بقوله : ( ألم يجدك يتيما فآوى ... فأما اليتيم فلا تقهر ) الضحى : 6 ـ 9 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 645_
  ادعى ( زيد بن (1) محمد ) إلى أن ولد لعلي الحسن والحسين (عليهما السلام) فكرهت ذلك لاجلهما (2) ، وقلت ـ لمن كان يدعوني ـ : احب أن تدعوني زيدا مولى رسول الله

--------------------
(1) اليك هذه الايات : ( واذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس ، والله أحق أن تخشاه ، فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم اذا قضوا منهن وطرا ، وكان أمر الله مفعولا ، ماكان على النبى من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل ، وكان أمر الله قدرا مقدورا ... ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ... ) 37 ـ 40 ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم ... ادعوهم لابائهم هو أقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ... ) الاحزاب : 4 ـ 5 ، أقول : والضابط أن من كان أبا أو أخا أو ابنا بالحقيقة ، فله أحكام خاصة بين الاب وابنه وبين الاخوين ، واذا كان ادعائيا ، كأن تبنى رسول الله زيدا ، أو قال : أنا وعلى أبوا هذه الامة ، أو جعل عليا أخاه ، بل نفسه في آية المباهلة ( أنفسنا وأنفسكم ) فهذا ليس الا ادعاءا وشرافة ، ولها أحكامها الخاصة بها ، ولا تغير ماكان لها من قبل الا أن تناله يد التنزيل والاعتبار كما ثبت في النسب الرضاعى ، وعلى هذا تزوج النبى (صلى الله عليه وآله) من امته ، وزوج فاطمة من على (ع) وكذلك الحال في أزواج الادعياء شرعا ، وانما كان رسول الله اسوة لكى لا يكون حرج على المؤمنين في أزواج أدعيائهم ... والسر في ذلك ماقاله تعالى ( ذلك قولكم بأفواهكم ) .
(2) لا عجب من زيد هذا اذ عرف النبى (صلى الله عليه وآله) وأخلص في حبه له وآله متفانيا وآثر آل الرسول (صلى الله عليه وآله) بما نهى النفس عن الهوى متفاخرا ، فكان حقا لهذا المحب الواله الناطق بلسان قلبه أن يستحيى من أن يدعى ب ( زيد بن محمد ) مضاهيا بالبنوة لريحانتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) كيف لا وان الحسين (عليه السلام) وصفه جبرئيل الامين عن رب العالمين ـ يوم هبط للتهنئة بميلاده ـ بأنه سيد الشهداء من الاولين والاخرين ، وهذا فضل من الله ومقام محمود لاينال الا بهدى الله وتقاه ، ولا يطعن بفرية اللسان ، وجرح < (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 646_
  (صلى الله عليه وآله) فاني أكره أن اضاهي الحسن والحسين (عليهما السلام) ، فلم يزل ذلك حتى صدق الله ظني ، وأنزل على محمد (صلى الله عليه وآله) : (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) (1) .
  يعني قلبا يحب محمدا وآله ، ويعظمهم ، وقلبا يعظم به غيرهم كتعظيمهم .
  أو قلبا يحب به أعداءهم ، وبل من أحب أعداءهم فهو يبغضهم ولا يحبهم .
  ـ ومن سوى بهم مواليهم فهو يبغضهم ولا يحبهم ـ .
  ثم قال : (وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن امهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ـ إلى قوله تعالى ـ واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (2) يعني الحسن (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) أولى ببنوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كتاب الله وفرضه (من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) إحسانا وإكراما لا يبلغ لك محل الاولاد (كان ذلك في الكتاب مسطورا) .

--------------------
> القلم واللسان .
وفضل زيد هذا لا ينال من فضل أبى الفضل العباس بن على بن أبى طالب (عليه السلام) اذ لا يقول لاخيه ـ حقا ـ الا: ( سيدى ومولاى ) وقد حل بفنائه شهيدا ، فيا أيها القارئ الكريم لا تعجب من شدة حب زيد واخلاصه ، ولا تقس بنفسك ، ولا... ولا... فان هذا كمال الاخلاص والعرفان الذى لا يناله الا من آتاه الله من فضله ورحمته ، قال تعالى : ( ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) : ق/ 37 .
(1) أقول : لا دلالة على أنه أنزل الله تعالى الاية في خصوص المورد ليكون من شأنه النزول بل يحتمل أن يكون مما أنزل الله نورا ـ على نحو العموم ـ ينطبق بما له من المعنى على المورد ، فاذا وجد ما في قلبه موافقا لما في كتاب الله تعالى اطمأن به ، وان خالفه ، فيدعه ، ومنه ماورد في تفسير القمى ص 514 عن أبى جعفر (عليه السلام) عند تفسيره للاية : لا يجتمع حبنا وحب عدونا في جوف انسان ، وان قلت لا يجتمع حب المسلم وحب الكافر في جوف انسان ، كان حقا .
(2) الاحزاب : 4 ـ 6 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _647_
  فتركوا ذلك وجعلوا يقولون : زيد أخو (1) رسول الله.
  فما زال الناس يقولون لي هذا ـ وأكرهه ـ حتى أعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المؤاخاة بينه وبين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
  ثم قال زيد : يا عبدالله إن زيدا مولى علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما هو مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلا تجعله نظيره ، ولا ترفعه فوق قدره ، فتكون كالنصارى لما رفعوا عيسى (عليه السلام) فوق قدره ، فكفروا بالله ـ العلي ـ العظيم .
  قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فذلك فضل الله زيدا بما رأيتم ، وشرفه بما شاهدتم .
  والذي بعثني بالحق نبيا إن الذي أعده الله لزيد في الآخرة ليصغر (2) في جنبه ماشاهدتم في الدنيا من نوره ، إنه ليأتي يوم القيامة ونوره يسير أمامه وخلفه ويمينه ويساره وفوقه وتحته ، من كل جانب مسيرة ألف سنة .

فضائل شهر شعبان :

  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أولا حدثكم بهزيمة تقع في إبليس وأعوانه (3) وجنوده أشد مما وقعت في أعدائكم هؤلاء ؟ قالوا : بلى يا رسول الله.
  قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : والذي بعثني بالحق نبيا ، إن إبليس إذا كان أول يوم من شعبان بث جنوده في أقطار الارض وآفاقها ، يقول لهم : اجتهدوا في اجتذاب بعض عباد الله إليكم في هذا اليوم .
  وإن الله عزوجل بث الملائكة في أقطار الارض وآفاقها يقول ـ لهم ـ : سددوا عبادي وارشدوهم .
  فكلهم يسعد بكم إلا من أبي

--------------------
(1) قال تعالى ـ على العموم ـ : ( انما المؤمنون اخوة ) الحجرات : 10 ، فالمؤمن أخو المؤمن ، وأما عقد المؤاخاة خاصة فكان بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، بلا ثالث (انظر البحار : 38/ 330 ـ 347 باب 68) ، وأما قول جمع من الناس ذلك ، فمحتمل ، اذ لم نعثر على صدقه ، ولا على كذبه ، فاذا شككت ، فهو كما قيل : ذره في بقعة الامكان ، وليس بحكم شرعى ولا موضوعه .
(2) ( ليقصر ) أ .
(3) ( اخوانه ) أ ، س . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 648 _
  وتمرد وطغى ، فانه يصير في حزب إبليس وجنوده .
  إن الله عزوجل إذا كان أول يوم من شعبان أمر بأبواب الجنة فتفتح ، ويأمر شجرة طوبى فتطلع أغصانها على هذه الدنيا : ـ ثم يأمر بأبواب النار فتفتح ، ويأمر شجرة الزقوم فتطلع أغصانها على هذه الدنيا ـ ثم ينادي منادي ربنا عزوجل : يا عباد الله هذه أغصان شجرة طوبى ، فتمسكوا بها ، ترفعكم إلى الجنة ، وهذه أغصان شجرة الزقوم ، فاياكم وإياها ، لا تؤديكم (1) إلى الجحيم ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فوالذي بعثني بالحق نبيا إن من تعاطى بابا من الخير والبر في هذا اليوم ، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة طوبى ، فهو مؤديه إلى الجنة ، ومن تعاطى بابا من الشر في هذا اليوم ، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم ، فهو مؤديه إلى النار .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فمن تطوع لله بصلاة في هذا اليوم ، فقد تعلق منه بغصن .
  ومن صام في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن .
  ـ ومن عفا عن مظلمة، فقد تعلق منه بغصن ـ ومن أصلح بين المرء وزوجه ، أو الوالد وولده أو القريب وقريبه أو الجار وجاره (2) أو الاجنبي أو الاجنبية ، فقد تعلق منه بغصن .
  ومن خفف عن معسر من دينه أوحط (3) عنه ، فقد تعلق منه بغصن .
  ومن نظر في حسابه فرأى دينا عتيقا قد أيس منه صاحبه ، فأداه فقد تعلق منه بغصن .
  ومن كفل يتيما ، فقد تعلق من بغصن .
  ومن كف سفيها عن عرض مؤمن ، فقد تعلق منه بغصن .
  ومن قرأ القرآن أو شيئا منه فقد تعلق منه بغصن .
  ومن قعد يذكر الله ونعماءه ويشكره عليها ، فقد تعلق منه بغصن .
  ومن عاد مريضا فقد تعلق منه بغصن .

--------------------
(1) ( ولا تعود بكم ) أ ، س ، ص ، والمستدرك .
(2) ( لقريبه أو الجار والجارة ) أ ، ص .
(3) حط الشئ : تركه . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 649 _
  ومن شيع فيه جنازة ، فقد تعلق منه بغصن .
  ومن عزى فيه مصابا ، فقد تعلق منه بغصن .
  ومن بر والديه أو أحدهما في هذا اليوم فقد تعلق منه بغصن .
  ومن كان أسخطهما قبل هذا اليوم فأرضاهما في هذا اليوم ، فقد تعلق منه بغصن وكذلك من فعل شيئا من ـ سائر ـ من أبواب الخير في هذا اليوم ، فقد تعلق منه بغصن ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : والذي بعثني بالحق نبيا ، وإن من تعاطى بابا من الشر والعصيان في هذا اليوم ، فقد تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم فهو مؤديه إلى النار .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : والذي بعثني بالحق نبيا ، فمن قصرفي صلاته المفروضة وضيعها ، فقد تعلق بغصن منه .
  ـ ومن كان عليه فرض صوم ففرط فيه وضيعه ، فقد تعلق بغصن منه ـ .
  ومن جاءه في هذا اليوم فقير ضعيف يعرف (1) سوء حاله ، وهو يقدر (2) على تغيير حاله من غير ضرر يلحقه ، وليس هناك من ينوب عنه ويقوم مقامه ، فتركه يضيع ويعطب ، ولم يأخذ بيده ، فقد تعلق بغصن منه .
  ومن اعتذر إليه مسئ ، فلم يعذره ، ثم لم يقتصر به على قدر عقوبة إساءته ، بل أربى عليه ، فقد تعلق بغصن منه .
  ومن ضرب (3) بين المرء وزوجه ، أو الوالد وولده ، أو الاخ وأخيه ، أو القريب وقريبه ، أو بين جارين ، أو خليطين أو أجنبيين (4) فقد تعلق بغصن منه .
  ومن شدد على معسر وهو يعلم إعساره ، فزاد غيظا وبلاءا ، فقد تعلق بغصن منه ومن كان عليه دين فكسره (5) على صاحبه ، وتعدى عليه حتى أبطل دينه ، فقد

--------------------
(1) ( يشكو اليه ) البحار : 8 .
(2) ( يقض ) أ ، س ، ص .
(3) ( أفسد ) البحار : 8 وكلاهما بمعنى .
(4) ( اختين ) أ ، س ، والبحار : 97 .
(5) الكسر ـ من الحساب ـ : ما لا يبلغ سهما تاما ، والكسر : الجزء . (*)