وعلي وآلهما الطيبين ، فحول الله تعالى القيد فرسا ركبه ، وحول الغل سيفا بحمائل تقلده
(1) فخرج ـ عنهم ـ من أعمالهم .
فلما رأوا ما ظهر عليه من آيات محمد (صلى الله عليه وآله) لم يجسر
(2) أحد أن يقربه ، وجرد سيفه وقال : من شاء فليقرب ، فاني سألته بمحمد وعلي (عليهما السلام) أن لا اصيب بسيفي أبا قبيس
(3) إلا قددته نصفين ، فضلا عنكم .
فتركوه فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
فضيلة لعمار بن ياسر :
وأما ـ أبوعمار ـ ياسر ، وام عمار فقتلا في الله صبرا .
وأما عمار فكان أبوجهل يعذبه ، فضيق الله عليه خاتمه في إصبعه
(4) حتى أضرعه
(5) وأذله ، وثقل عليه قميصه حتى صار أثقل من بدنات
(6) حديد ، فقال لعمار : خلصنى مما أنا فيه ، فما هو إلا من عمل صاحبك ، فخلع خاتمه من إصبعه وقميصه من بدنه ، وقال : البسه ، ولا أراك بمكة تفتنها
(7) علي ، وانصرف إلى محمد .
فقيل لعمار : ما بال خباب نجا
(8) بتلك الاية ، وأبواك أسلما للعذاب حتى قتلا ؟ قال عمار : ذلك حكم من أنقذ إبراهيم (عليه السلام) من النار ، وامتحن بالقتل يحيى وزكريا (عليهما السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنت من كبار الفقهاء يا عمار .
فقال عمار : حسبي يا رسول الله من العلم معرفتي بأنك رسول رب العالمين ، وسيد الخلق أجمعين ، وأن أخاك عليا وصيك وخليفتك ، وخير من تخلفه بعدك ، وأن القول الحق قولك وقوله ، والفعل الحق فعلك وفعله ، وأن الله عزوجل ما
--------------------
(1) قلده السيف : جعل حمالته في عنقه .
(2) ( يجرأ ) أ س .
(3) اسم جبل
(4) زاد في ( أ ، ط ) وقميصه من بدنه .
(5) أضرع الرجل : أذله .
(6) البدن بالتحريك ـ : الدرع القصير .
(7) ( تضيقها ) ط .
(8) في ( ب ) الفعل على بناء المجهول ، وكذا الذى بعده . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 627 _
وفقني لموالاتكما ومعاداة أعدائكما إلا وقد أراد أن يجعلني معكما في الدنيا والآخرة .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هو كما قلت يا عمار ، إن الله تعالى يؤيد بك الدين ويقطع بك معاذير الغافلين ، ويوضح بك عن عناد المعاندين إذا قتلتك الفئة الباغية على المحقين .
ثم قال له : يا عمار بالعلم نلت ما نلت من هذا الفضل ، فازدد منه تزدد فضلا ، فان العبد إذا خرج في طلب العلم ناداه الله عزوجل من فوق العرش : مرحبا بك يا عبدي أتدري أية منزلة تطلب ؟ وأية درجة تروم ؟ مضاهاة (1) ملائكتي المقربين لتكون لهم قرينا ؟ لابلغنك مرادك ولاصلنك بحاجتك .
قيل لعلي بن الحسين (عليهما السلام) : ما معنى مضاهاة ملائكة الله عزوجل المقربين ليكون لهم قرينا ؟ قال : أما سمعت الله عزوجل يقول (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (2) .
فابتدأ بنفسه ، وثنى بملائكته ، وثلث باولي العلم الذين هم قرناء ملائكته ـ أولهم ـ وسيدهم محمد (صلى الله عليه وآله) ، وثانيهم علي (عليه السلام) ، وثالثهم (أقرب أهله إليه) (3) ، وأحقهم بمرتبته بعده .
قال علي بن الحسين (عليهما السلام) : ثم أنتم ـ معاشر الشيعة العلماء لعلمنا تالون لنا ، مقرونون (4) بنا وبملائكة الله المقربين ، شهداء ـ لله ـ بتوحيده وعدله وكرمه وجوده ، قاطعون لمعاذير المعاندين من عبيده وإمائه ، فنعم الرأى لانفسكم رأيتم ، ونعم الحظ الجزيل اخترتم ، وبأشرف السعادة سعدتم حين (5) بمحمد وآله الطيبين (عليهم السلام) قرنتم ، وعدول الله في أرضه شاهرين بتوحيده وتمجيده جعلتم ، وهنيئا لكم ، أن محمدا
--------------------
(1) ( تضاهى ) ب ، البحار ، والعوالم ، ضاهى مضاهاة الرجل : شاكله وشابهه .
(2) آل عمران : 18 .
(3) ( أهله ) البحار .
(4) ( معروفون ) أ ، ص .
(5) ( و ) س .
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 628 _
لسيد الاولين والآخرين ، وأن آل محمد خير آل النبيين ، وأن أصحاب محمد الموالين لاولياء محمد وعلي (عليهما السلام) ، والمتبرئين من أعدائهما ، أفضل صحابة المرسلين ، وأن امة محمد الموالين لمحمد وعلي ، المتبرئين من أعدائهما ، أفضل امم المرسلين وأن الله تعالى لا يقبل من أحد عملا إلا بهذا الاعتقاد ، ولا يغفر له ذنبا ، ولا يقبل له حسنة ، ولا يرفع له درجة إلا به (1) .
قوله عزوجل : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين فان زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ) : 208 ـ 209
366 ـ قال الامام (عليه السلام) : فلما ذكر الله تعالى الفريقين : أحدهما (ومن الناس من يعجبك قوله) والثاني : (ومن الناس من يشري نفسه) وبين حالهما ، دعا الناس إلى حال من رضي صنيعه فقال : (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) .
يعني في السلم والمسالمة إلى دين إلاسلام كافة جماعة ادخلوا فيه ، ـ وادخلوا ـ في جميع الاسلام ، فتقبلوه واعملوا فيه (2) ، ولا تكونوا كمن (3) يقبل بعضه ويعمل به ، ويأبى بعضه ويهجره .
قال : ومنه الدخول في قبول ولاية علي (عليه السلام) كالدخول في قبول نبوة ـ محمد ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فانه لا يكون مسلما من قال : إن محمدا رسول الله، فاعترف به ولم يعترف بأن عليا وصيه وخليفته وخير امته .
--------------------
(1) عنه البحار : 1/ 18 ح 68 من قوله ( ان العبد اذا خرج ... ) وج 22/ 338 ح 50 إلى قوله : ( ولا وصلك بحاجتك ) ، وعوالم العلوم : 147 ح 81 ، وسفينة البحار : 1/ 104 قطعة .
(2) ( لله ) البحار : 36 .
(3) ( ممن ) أ . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_629 _
(ولا تتبعوا خطوات الشيطان) من يتخطى بكم إليه الشيطان من طرق الغي والضلال ، ويأمركم به من ارتكاب الآثام الموبقات (1) (إنه لكم عد ومبين) إن الشيطان لكم عدو مبين ، بعداوته يريد اقتطاعكم عن عظيم الثواب ، وإهلاككم بشديد العقاب .
(فان زللتم) عن السلم والاسلام الذي تمامه باعتقاد ولاية علي (عليه السلام) ، ولا ينفع الاقرار بالنبوة مع جحد إمامة علي (عليه السلام) ، كما لا ينفع الاقرار بالتوحيد مع جحد النبوة ، إن زللتم .
(من بعد ما جاءتكم البينات) من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفضيلته ، وأتتكم الدلالات الواضحات الباهريات على أن محمدا الدال على إمامة علي (عليه السلام) نبي صدق ، ودينه دين حق .
(فاعلموا أن الله عزيز حكيم) ـ عزيز ـ قادر على معاقبة المخالفين لدينه والمكذبين لنبيه لا يقدر أحد على صرف انتقامه من مخالفيه ، وقادر على إثابة الموافقين لدينه والمصدقين لنبيه (صلى الله عليه وآله) لا يقدر أحد على صرف ثوابه عن مطيعيه .
حكيم فيما يفعل من ذلك ، غير مسرف على من أطاعه وإن أكثر له الخيرات ، ولا واضع لها في غير موضعها (وإن أتم له الكرامات) (2) ، ولا ظالم لمن عصاه وإن شدد عليه العقوبات .
بعض احتجاجات على (عليه السلام) يوم الشورى :
ـ قال على بن الحسين (عليهما السلام) : وبهذه الاية وغيرها احتج علي (عليه السلام) يوم الشورى على من دافعه عن حقه ، وأخره عن رتبته ، وإن كان ما ضر الدافع إلا نفسه ، فان عليا (عليه السلام) كالكعبة التي أمر الله باستقبالها للصلاة .
--------------------
(1) أى المهلكات .
(2) كذا في ( س ) وفى غيرها ( للكرامات ) . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 630_
جعله الله ليؤتم به في امور الدين والدنيا ، كما لا ينقص الكعبة ، ولا يقدح في شئ من شرفها وفضلها إن ولى عنها الكافرون ، فكذلك لا يقدح في علي (عليه السلام) ـ إن أخره عن حقه ـ المقصرون ، ودافعه عن واجبه الظالمون .
قال لهم علي (عليه السلام) يوم الشورى في بعض مقاله بعد أن أعذر وأنذر ، وبالغ وأوضح : معاشر الاولياء العقلاء ألم ينه الله تعالى عن أن تجعلوا له أندادا ممن لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر ولا يفهم
(1) ؟ أو لم يجعلني رسول الله (صلى الله عليه وآله) لدينكم ودنياكم قواما ؟ أو لم يجعل إلى مفزعكم؟ أو لم يقل لكم : علي مع الحق والحق معه
(2) ؟ أو لم يقل : أنا مدينة العلم
(3) وعلي بابها
(4) ؟ أولا تروني غنيا عن علومكم وأنتم إلى علمي محتاجون ؟ أفأمر الله تعالى العلماء باتباع من لا يعلم ، أم من لا يعلم باتباع من يعلم ؟ يا أيها الناس لم تنقضون ترتيب الالباب
(5) لم تؤخرون من قدمه الكريم الوهاب ؟ أو ليس رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجابني إلى مارد عنه أفضلكم : فاطمة لما خطبها ؟ أوليس قد جعلني أحب خلق الله ـ إلى الله ـ لما أطعمني معه من الطائر
(6) ؟
--------------------
(1) زاد في بعض النسخ والبحار : ( كما (لا يفهم) نفهم ) .
(2) وهذا حديث متواتر روته الخاصة والعامة بأسانيد شتى وألفاظ مختلفة يضيق بنا المجال لسردها ، استقصيناها عند تحقيقنا كتاب ( الاربعين ) لمنتخب الدين ح 17 ، انظر البحار : 38/ 26 ـ 40 ، واحقاق الحق : 5/ 623 ـ 638 ، وج 16/ 385 ، 397 .
(3) ( الحكمة ) البحار : 36 .
(4) تقدم ص 497 بلفظ ( مدينة الحكمة ) وله بيان ، فراجع .
(5) اللب : العقل الخالص من الشوائب أو ما ذكا من العقل ، فكل لب عقل ، ولا يعكس .
(6) راجع المجلد الخاص بحديث الطير من عبقات الانوار . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_631 _
أوليس جعلني أقرب الخلق شبها بمحمد نبيه (صلى الله عليه و آله) ؟ أفأقرب الناس به شبها تؤخرون ؟ وأبعد الناس به شبها تقدمون ؟ مالكم لا تتفكرون ولا تعقلون ؟ قال : فما زال يحتج بهذا ونحوه عليهم وهم لا يغفلون (1) عما دبروه ، ولا يرضون (2) إلا بما آثروه ! (3) .
قوله عزوجل : ( هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضى الامر والى الله ترجع الامور ) : 210 .
367 ـ قال الامام (عليه السلام) : لما بهرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بآياته ، وقطع معاذيرهم بمعجزاته أبى بعضهم الايمان ، واقترح عليه الاقتراحات الباطلة ـ وهي ما ـ قال الله تعالى : ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) (4) وسائر ما ذكر في الآية ، فقال الله عزوجل : يا محمد (هل ينظرون) أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم الآيات ، وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات (إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) وتأتيهم الملائكة كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا يجوز عليه الاتيان ، و ـ اقتراحهم ـ الباطل في إتيان الملائكة الذين لا يأتون إلا مع زوال هذا
--------------------
(1) غفل عنه : سها عنه وتركه .
(2) ( يصرون ) أ ، س ، ص .
(3) عنه البحار : 36/ 110 ح 59 ، وج 68/ 230 قطعة .
(4) الاسراء : 90 ـ 92 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 632_
التعبد ، وحين وقوع هلاك الظالمين بظلمهم و (وقتك هذا وقت تعبد) (1) لا وقت مجئ الاملاك بالهلاك ، فهم في اقتراحهم بمجئ الاملاك جاهلون .
(وقضي الامر) أي هل ينظرون إلا مجئ الملائكة ، فاذا جاءوا وكان ذلك قضي الامر بهلاكهم .
(وإلى الله ترجع الامور) فهو يتولى الحكم فيها ، يحكم بالعقاب على من عصاه ويوجب كريم المآب لمن أرضاه (2) .
368 ـ قال على بن الحسين (عليهما السلام) : طلب هؤلاء الكفار الآيات ، ولم يقنعوا بما أتاهم منها بما فيه الكفاية والبلاغ حتى قيل لهم : (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) أي إذا لم يقنعوا بالحجة الواضحة ـ الدافعة ـ فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله، وذلك محال ، لان الاتيان على الله لايجوز .
وكذلك النواصب اقترحوا على رسول الله في نصب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إماما ـ واقترحوا ـ حتى اقترحوا المحال .
وكذلك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نص على علي (عليه السلام) بالفضيلة والامامة وسكن ـ إلى ـ ذلك قلوب المؤمنين ، وعاند فيه أصناف الجاحدين من المعاندين ، وشك في ذلك ضعفاء من الشاكين ، واحتال (3) في السلم من الفريقين ـ من النبي وخيار أصحابه ، ومن أصناف أعدائه ـ جماعة المنافقين ، وفاض في صدورهم العداوة والبغضاء والحسد والشحناء حتى قال قائل المنافقين : لقد أسرف محمد في مدح ـ نفسه ثم أسرف في مدح ـ أخيه علي وما ذلك من عند رب العالمين ، ولكنه في ذلك من المتقولين يريد أن يثبت لنفسه الرئاسة علينا حيا ، ولعلي بعد موته .
--------------------
(1) ( هذا وقت التعبد ) البحار .
(2) عنه البحار : 9/ 281 ح 5 .
(3) ( اختال ) أ ، ص ، (الختل ) الخداع . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 633 _
قال الله تعالى : يا محمد قل لهم : وأي شئ أنكرتم من ذلك ؟ هو عزيز (1) حكيم كريم ، ارتضى عبادا من عباده ، واختصهم بكرامات لما علم من حسن طاعاتهم ، وانقيادهم لامره ، ففوض إليهم امور عباده ، وجعل إليهم سياسة خلقه بالتدبير الحكيم الذي وفقهم له .
أولا ترون ملوك الارض إذا ارتضى أحدهم خدمة بعض عبيده ، ووثق بحسن اضطلاعه (2) بما يندب له (3) من امور ممالكه ، جعل ماوراء بابه إليه ، واعتمد في سياسة جيوشه ورعاياه عليه .
كذلك محمد في التدبير الذي رفعه له ربه ، وعلي من بعده الذي جعله وصيه وخليفته في أهله ، وقاضي دينه ، ومنجز عداته ، والمؤازر لاوليائه ، والمناصب (4) لاعدائه فلم يقنعوا بذلك ، ولم يسلموا وقالوا : ليس الذي يسنده إلى ابن أبي طالب (عليه السلام) بأمر صغير ، إنما هو دماء الخلق ، ونساؤهم ، وأولادهم ، وأموالهم ، وحقوقهم ـ وأنسابهم ـ ودنياهم وآخرتهم ، فليأتنا بآية تليق بجلالة هذه الولاية .
احتجاجات رسول الله (صلى الله عليه وآله) لولاية علي (عليه السلام):
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أما كفاكم نور علي المشرق في الظلمات الذي رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله ؟ أما كفاكم أن عليا جاز والحيطان بين يديه ، ففتحت له وطرقت
(5) ، ثم عادت
--------------------
(1) ( عظيم ) ب ، ط ، والبحار .
(2) ( اصطناعه ) أ ، ط ، ( اطاعته ) البحار ، يقال : اضطلع بحمله : نهض به وقوى عليه .
(3) ندب فلانا للامر : دعاه ورشحه للقيام به ، وحثه عليه .
(4) ناصبه مناصبة : عاداه وقاومه ، ( المصائب ) أ ، س ، ص .
(5) طرق ـ بتشديد الراء ـ له : جعل له طريقا . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 634_
والتأمت ؟ أما كفاكم يوم غدير خم أن عليا لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة ، والملائكة منها مطلعين تناديكم : هذا ولي الله فاتبعوه ، وإلا حل بكم عذاب الله فاحذروه ؟ أما كفاكم رؤيتكم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يمشي والجبال تسير بين يديه لئلا يحتاج إلى الانحراف عنها ، فلما جاز رجعت الجبال إلى أماكنها ؟ ثم قال : اللهم زدهم آيات ، فانها عليك سهلات يسيرات لتزيد حجتك عليهم تأكيدا .
قال : فرجع القوم إلى بيوتهم ، فأرادوا دخولها فاعتقلتهم الارض ومنعتهم ، ونادتهم : حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية علي (عليه السلام) .
قالوا : آمنا .
ودخلوا .
ثم ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها ، فثقلت عليهم ، ولم يقلوها (1) ونادتهم : حرام عليكم سهولة نزعنا حتى تقروا بولاية علي (عليه السلام) .
فأقروا ، ونزعوها .
ثم ذهبوا يلبسون ثياب الليل ، فثقلت عليهم ونادتهم : حرام عليكم لبسنا حتى تعترفوا بولاية علي (عليه السلام) .
فاعترفوا .
ثم ذهبوا يأكلون ، فثقلت عليهم اللقمة ، ومالم يثقل منها استحجر في أفواههم ، ونادتهم : حرام عليكم أكلنا حتى تعترفوا بولاية علي (عليه السلام) .
فاعترفوا .
ثم ذهبوا يبولون ويتغوطون ، فتعذبوا ، وتعذر عليهم ، ونادتهم بطونهم ومذاكيرهم : حرام عليكم السلامة منا حتى تعترفوا بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
فاعترفوا ثم ضجر بعضهم وقال : (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) قال الله عزوجل : (وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم) فان عذاب الاصطلام العام إذا نزل ، نزل بعد خروج النبي (صلى الله عليه وآله) من بين أظهرهم ، ثم قال الله عزوجل :
--------------------
(1) قله ـ بتشديد اللام ـ عن الارض: رفعه . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 635 _
(وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) (1) يظهرون التوبة والانابة ، فان من حكمه في الدنيا يأمرك بقبول الظاهر ، وترك التفتييش عن الباطن ، لان الدنيا دار إمهال وإنظار ، والآخرة دار الجزاء بلا تعبد .
قال : (وماكان الله معذبهم) وفيهم من يستغفر لان هؤلاء لو أن فيهم من علم الله أنه سيؤمن أو أنه سيخرج من نسله ذرية طيبة يجود ربك على اولئك بالايمان وثوابه ، ولا يقتطعهم باخترام (2) آبائهم الكفار ، ولولا ذلك لاهلكهم .
فذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كذلك اقترح الناصبون آيات في علي (عليه السلام) حتى اقترحوا مالا يجوز في حكم ـ الله ـ ، جهلا بأحكام الله، واقتراحا للاباطيل على الله (3).
قوله عزوجل : ( سل بنى اسرائيل ) الاية إلى قوله ( أو ضعيفا ) 211 ـ 282 اثنان وسبعون آية تفسيرها مفقود (4) .
رزقنا الله تمامه بمحمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين ـ إلى يوم الدين ـ
--------------------
(1) الايات من سورة الانفال : 32 ـ 33 .
(2) أى باهلاك .
(3) عنه البحار : 9/ 282 ذ ح 5 قطعة ، وج 42/ 40 ح 14 من قوله ( ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نص على )، واثبات الهداة : 3/ 578 ح 674 قطعة ، وج 4/ 597 ح 293 قطعة .
(4) ( تم ما وجدناه من هذه الايات وتفسيرها ) ب . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 636_
بسم الله الرحمن الرحيم
شئ آخر من تفسير هذه السورة من الامام الحسن بن علي العسكري عليه وعلى آبائه وابنه القائم (عليهم السلام) المنتظر المهدي السلام .
قوله عزوجل : ( أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ) إلى آخر الاية : 282 ـ (1)
369 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله عزوجل : (أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) قال : (ضعيفا) في بدنه لا يقدر أن يمل (2) ، أو ضعيفا في فهمه وعلمه لا يقدر أن يمل ويميز الالفاظ التي هي عدل عليه وله من الالفاظ التي هي جور عليه أو على حميمه .
(أولا يستطيع أن يمل هو) يعني بأن يكون مشغولا في مرمة (3) لمعاش ، أو تزود لمعاد ، أو لذة في غير محرم ، فان تلك ـ هي ـ الاشغال التي لا ينبغي لعاقل أن يشرع في غيرها .
قال : (فليملل وليه بالعدل) يعني النائب عنه ، والقيم بأمره بالعدل ، بان لا يحيف على المكتوب له ، ولا على المكتوب عليه (4)
--------------------
(1) ( ومما أوصل الينا من هذا التفسير عن هذه السورة أيضا ) أ ، س ، ص .
(2) أمللت الكتاب على الكاتب املالا : ألقيته عليه ، وأمليته عليه املاءا والاولى لغة الحجاز وبنى أسد والثانية لغة بنى تميم وقيس ، وجاء الكتاب العزيز بهما ( وليملل الذى عليه الحق ) ، ( فهى تملى عليه بكرة وأصيلا ) الفرقان : 5 ، (المصباح المنير : 580) .
(3) رم رما ومرمة الامر : أصلحه ، ( بدنه ) ب .
(4) عنه البحار : 104/ 304 صدر ح 10 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_637_
في اعانة الضعيف :
370 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أعان ضعيفا في بدنه على أمره ، أعانه الله تعالى على أمره ، ونصب له في القيامة ملائكة يعينونه على قطع تلك الاهوال وعبور تلك الخنادق من النار ، حتى لا يصيبه من دخانها ولا سمومها ، وعلى عبور الصراط إلى الجنة سالما آمنا .
ومن أعان ضعيفا في فهمه ومعرفته فلقنه حجته على خصم ألد
(1) طلاب الباطل ، أعانه الله عند سكرات الموت على شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، والاقرار بما يتصل بهما ، والاعتقاد له حتى يكون خروجه من الدنيا ورجوعه إلى الله تعالى على أفضل أعماله ، وأجل أحواله ، فيجئ
(2) عند ذلك بروح وريحان ، ويبشر بأن ربه عنه راض ، وعليه غير غضبان .
ومن أعان مشغولا بمصالح دنياه أو دينه على أمره حتى لا ينتشر
(3) عليه أعانه الله تعالى يوم تزاحم الاشغال وانتشار الاحوال ، يوم قيامه بين يدي الملك الجبار ، فيميزه من الاشرار ويجعله من الاخيار
(4) .
ـ في أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه :
371 ـ قال : ـ ولقد مر أمير المؤمنين (عليه السلام) على قوم من أخلاط المسلمين ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري ، وهم قعود في بعض المساجد في أول يوم من شعبان ، إذا هم يخوضون في أمر القدر وغيره مما اختلف الناس فيه ، قد أرتفعت أصواتهم
--------------------
(1) لد يلد لددا ـ من باب تعب ـ اشتدت خصومته فهو ألد والمرأة : لداء ، والجمع : لد ، ( الذى (هو) ) أ ، س ، ( الدين ) البحار .
(2) ( فيحيى ) ص ، والبحار .
(3) ( يتعسر ) البحار : 75 .
(4) عنه البحار : 8/ 166 صدر ح 111 قطعة ، وج 75/ 21 ح 19 ، وج 104 ـ 305 ضمن ح 10 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 638 _
واشتد فيه محكهم (1) وجدالهم ، فوقف عليهم ، فسلم ، فردوا عليه وأوسعوا وقاموا إليه يسألونه القعود إليهم ، فلم يحفل بهم ، ثم قال لهم ـ وناداهم ـ :
يا معشر المتكلمين فيما لا يعنيهم ولا يرد عليهم ، ألم تعلموا أن لله عبادا قد أسكتتهم (2) خشيته من غيرعي ولا بكم ، وإنهم لهم الفصحاء العقلاء الالباء (3) العالمون بالله وأيامه (4) .
ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم ، وانقطعت أفئدتهم ، وطاشت عقولهم ، وهامت حلومهم ، إعزازا لله ، وإعظاما وإجلالا له .
فاذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالاعمال الزاكية ، يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين ، وأنهم براء من المقصرين والمفرطين ، إلا أنهم لا يرضون لله بالقليل ولا يستكثرون لله الكثير ، ولا يدلون (5) عليه بالاعمال فهم متى ما رأيتهم مهمومون (6) مروعون ، خائفون ، مشفقون ، وجلون .
فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين ألم تعلموا أن أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه وأن أجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه ؟
وجه تسمية شعبان :
يا معشر المبتدعين هذا يوم غرة شعبان الكريم سماه ربنا شعبان لتشعب الخيرات فيه ، قد فتح ربكم فيه أبواب جنانه ، وعرض عليكم قصورها وخيراتها بأرخص
--------------------
(1) المحك : المنازعة في الكلام ، والتمادى في اللجاجة .
(2) ( أسكنتهم ) ب ، س .
(3) جمع لبيب وهو العاقل ، وفى البحار : البلغاء بدل ( العقلاء ) .
(4) أيام الله: نعمه ونقمه .
(5) أى يجترئون ، قال المجلسى (ره) : أدل عليه أى أوثق بمحبته فأفرط عليه ، ( يزالون ) أ ، س ، ص .
(6) ( مغتمون ) س ، ( مهيمون ) البحار اغتم : حزن ، والهيام : الجنون من العشق . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_639 _
الاثمان ، وأسهل الامور فأبيتموها (1) وعرض لكم إبليس اللعين بشعب شروره وبلاياه فأنتم دائبا (2) تنهمكون في الغي والطغيان ، وتتمسكون بشعب إبليس ، وتحيدون عن شعب الخير المفتوح لكم أبوابه .
هذه غرة شعبان ، وشعب خيراته الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبر الوالدين والقرابات والجيران ، وإصلاح ذات البين ، و الصدقة على الفقراء والمساكين ، تتكلفون ما قد وضع عنكم ، وما قد نهيتم عن الخوض فيه من كشف سرائر الله التي من فتش عنها كان من الهالكين .
أما إنكم لو وقفتم على ما قد أعده ربنا عزوجل للمطيعين من عباده في هذا اليوم ، لقصرتم (3) عما أنتم فيه ، وشرعتم فيما امرتم به .
قالوا : يا أمير المؤمنين وما الذي أعد الله في هذا اليوم للمطيعين له ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا أحدثكم إلا بما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لقد بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) جيشا ذات يوم إلى قوم من أشداء الكفار ، فأبطأ عليه خبرهم ، وتعلق قلبه بهم ، وقال : ليت ـ لنا ـ من يتعرف أخبارهم ، ويأتينا بأنبائهم .
بينا هو قائل هذا ، إذ جاءه البشير بأنهم قد ظفروا بأعدائهم واستولوا ـ عليهم ـ وصيروهم بين قتيل وجريح وأسير ، وانتهبوا أموالهم ، وسبوا ذراريهم وعيالهم .
فلما قرب القوم من المدينة ، خرج إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأصحابه يتلقاهم ، فلما لقيهم ورئيسهم زيد بن حارثة ، وكان قد أمره عليهم ـ فلما رأى زيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ نزل عن ناقته ، وجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقبل رجله ، ثم قبل يده ، فأخذه رسول
--------------------
(1) ( فابتاعوها ) أ ، والمستدرك ، ابتاع الشئ : اشتراه .
(2) في حديث البعير الذى سجد له (صلى الله عليه وآله) ، فقال لصاحبه : انه يشكوا إلى أنك تجيعه وتدئبه ، أى تكده وتتعبه ، وكل ما أدمته فقد أدأبته .
(3) قصر عن الشئ : كف عنه وتركه مع العجز . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 640_