تعلق بغصن منه .
ومن جفا يتيما وآذاه وتهضم
(1) ماله ، وفقد تعلق بغصن منه .
ومن وقع في عرض أخيه المؤمن ، وحمل الناس على ذلك ، فقد تعلق بغصن منه ومن تغنى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلق بغصن منه .
ومن قعد يعدد قبائح أفعاله في الحروب ، وأنواع ظلمه لعباد الله ويفتخر بها فقد تعلق بغصن منه .
ومن كان جاره مريضا فترك عيادته استخفافا بحقه ، فقد تعلق بغصن منه ،
ومن مات جاره ، فترك تشييع جنازته تهاونا به ، فقد تعلق بغصن منه .
ومن أعرض عن مصاب ، وجفاه إزراءا
(2) عليه ، واستصغارا له ، فقد تعلق بغصن منه .
ومن عق والديه أو أحدهما ، فقد تعلق بغصن منه .
ومن كان قبل ذلك عاقا لهما ، فلم يرضهما في هذا اليوم ، و ـ هو ـ يقدر على ذلك فقد تعلق بغصن منه .
وكذا من فعل شيئا من سائر أبواب الشر ، فقد تعلق بغصن منه .
والذي بعثني بالحق نبيا ، إن المتعلقين بأغصان شجرة طوبى ترفعهم تلك الاغصان إلى الجنة ـ وإن المتعلقين بأغصان شجرة الزقوم تخفضهم تلك الاغصان إلى الجحيم ـ .
ثم رفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) طرفه إلى السماء مليا ، وجعل
(3) يضحك ويستبشر ثم خفض طرفه إلى الارض، فجعل يقطب ويعبس ، ثم أقبل على أصحابه فقال : والذي بعث محمد بالحق نبيا ، لقد رأيت شجرة طوبى ترتفع ـ أغصانها ـ وترفع المتعلقين بها إلى الجنة ، ورأيت منهم من تعلق منها بغصن ومنهم من تعلق
--------------------
(1) أى غصب .
(2) ( ازدراء ) ب ، ازدرى واستزرى الرجل : احتقره واستخف به .
(3) ( هو ) أ ، س ، ص . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 651 _
منها بغصنين أو بأغصان على حسب اشتمالهم على الطاعات ، وإنى لارى زيد بن حارثة قد تعلق بعامة أغصانها فهي ترفعه إلى أعلى عاليها ، فلذلك ضحكت واستبشرت ثم نظرت إلى الارض، فوالذي بعثني بالحق نبيا ، لقد رأيت شجرة الزقوم تنخفض أغصانها وتخفض المتعلقين بها إلى الجحيم ، ورأيت منهم من تعلق بغصن ، ورأيت منهم من تعلق منها بغصنين ، أو بأغصان ، على حسب اشتمالهم على القبائح ، وإني لارى بعض المنافقين قد تعلق بعامة أغصانها ، وهي تخفضه إلى أسفل دركاتها فلذلك عبست وقطبت (1) .
قال : ثم أعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصره إلى السماء ينظر إليها مليا وهو يضحك ويستبشر ، ثم خفض طرفه إلى الارض وهو يقطب ويعبس .
ثم أقبل على أصحابه فقال : يا عباد الله أما لو رأيتم ما رآه نبيكم محمد إذا لاظمأتم لله بالنهار أكبادكم ، ولجوعتم له بطونكم ، ولاسهرتم له ليلكم ، ولانصبتم فيه أقدامكم وأبدانكم ، ولانفدتم (2) بالصدقة أموالكم ، وعرضتم للتلف في الجهاد أرواحكم .
قالوا : وما هو يا رسول الله فداؤك الآباء والامهات والبنون والبنات والاهلون والقرابات ؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : والذي بعثني بالحق نبيا لقد رأيت تلك الاغصان من شجرة طوبى عادت إلى الجنة ، فنادى منادي ربنا عزوجل خزانها : يا ملائكتي ! انظروا كل من تعلق بغصن من أغصان طوبى في هذا اليوم ، فانظروا إلى مقدار منتهى ظل ذلك الغصن ، فأعطوه من جميع الجوانب مثل مساحته قصورا ودورا وخيرات .
فاعطوا ذلك : فمنهم من اعطي مسيرة ألف سنة من كل جانب ـ ومنهم من اعطي ضعفه ـ ومنهم من اعطي ثلاثة أضعافه ، وأربعة أضعافه ، وأكثر من ذلك على قدر ـ قوة ـ إيمانهم
--------------------
(1) قطب الرجل : زوى ما بين عينيه وكلح وعبس .
(2) أنفذ الشئ : أفناه . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 652 _
وجلالة أعمالهم .
ولقد رأيت صاحبكم زيد بن حارثة اعطي ألف ضعف ما اعطي جميعهم على قدر فضله عليهم في قوة الايمان وجلالة الاعمال ، فلذلك ضحكت واستبشرت .
ولقد رأيت تلك الاغصان من شجرة الزقوم عادت إلى جهنم ، فنادى منادي ربنا خزانها ، يا ملائكتي انظروا من تعلق بغصن من أغصان شجرة الزقوم في هذا اليوم فانظروا إلى منتهى مبلغ حد (1) ذلك الغصن وظلمته ، فابنوا له مقاعد من النار من جميع الجوانب ، مثل مساحته قصور النيران ، وبقاع غيران (2) ، وحيات ، وعقارب ، وسلاسل وأغلال ، وقيود ، وأنكال يعذب بها .
فمنهم من أعد له فيها مسيرة سنة ، أو سنتين ، أو مائة سنة ، أو أكثر على قدر ضعف إيمانهم وسوء أعمالهم .
ولقد رأيت لبعض المنافقين ألف ضعف ما اعطي جميعهم على قدر زيادة كفره وشره ، فلذلك قطبت وعبست .
ثم نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أقطار الارض وأكنافها ، فجعل يتعجب تارة ، وينزعج تارة ، ثم أقبل على أصحابه فقال : طوبى للمطيعين كيف يكرمهم الله بملائكته ، والويل للفاسقين كيف يخذلهم الله، ويكلهم إلى شياطينهم .
والذي بعثني بالحق نبيا إني لارى المتعلقين بأغصان شجرة طوبى كيف قصدتهم الشياطين ليغووهم ، فحملت عليهم الملائكة يقتلونهم ويثخنونهم (3) ويطردونهم عنهم ، فناداهم منادي ربنا : يا ملائكتي ألا فانظروا كل ملك في الارض إلى منتهى مبلغ نسيم هذا الغصن الذي تعلق به متعلق فقاتلوا (4) الشياطين عن ذلك المؤمن
--------------------
(1) ( حر ) أ ، س ص .
(2) جمع غار (مغارة في الجبل) ، وقيل : الجحر الذى يأوى اليه الوحش .
(3) ( يسحطونهم ) البحار : 97 ، يقال : أثخن في العدو : بالغ وغلظ في قتلهم ،
وسحطه : ذبحه ذبحا سريعا .
(4) ( فقابلوا ) أ ، س ، ص . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_653 _
وأخروهم عنه ، فاني لارى بعضهم ، وقد جاءه من الاملاك من ينصره على الشياطين ويدفع عنه المردة .
إلا فعظموا هذا اليوم من شعبان بعد تعظيمكم لشعبان ، فكم من سعيد فيه ؟ وكم من شقي فيه ؟ لتكونوا من السعداء فيه ، ولا تكونوا من الاشقياء (1) .
قوله عزوجل : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) : 282 372 ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (شهيدين من رجالكم) قال : من أحراركم من المسلمين ـ العدول ـ (2) .
--------------------
(1) عنه البحار : 3/ 265 ح 30 قطعة ، وج 8/ 166 ح 111 قطعة ، وج 22/ 79 ح 31 (قطعة) ، وج 76/ 357 ح 26 قطعة ، وج 79/ 262 ح 8 قطعة ، وج 97/ 55 ـ 65 ح 1 ، ومستدرك الوسائل : 1/ 597 باب 25 ح 1 وج 2/ 90 باب 103 ح 11 قطعة وص 409 باب 28 ح 9 قطعة .
(2) أقول : يأتى ص 656 ( فان لم يكونا رجلين فرجل ... ) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : كنا نحن مع رسول الله وهو يذاكرنا قوله تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) قال : أحراركم دون عبيدكم ، فان الله تعالى قد شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها ) ، ولا يخفى أن التعليل بهذا يقتضى كون ( رجالكم ) شاملا للعبيد ، وأن الاستثناء كان لاجل اشتغالهم بخدمة مواليهم ، فكأنه عفى عنهم الامر بتحمل الشهادة وأدائها ، وهذا لا يستلزم أن لا تقبل شهادتهم اذا تحملوا الشهادة وأدوها فانه خلاف السياق والمن ، وأما في سائر الروايات على اختلافها فيصرح بجواز شهادة العبد اذا كان عدلا نعم يعتبر أن تكون شهادته لمواليه ، لئلا يكون متهما : روى الكلينى عن ابى جعفر (عليه السلام) ضمن حديث قال : ان عليا (عليه السلام) كان قاعدا في مسجد الكوفة فمر به عبدالله بن قفل التميمى ومعه درع طلحة ، فقال على (عليه السلام) : هذه درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة . ـ < (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 654_