لا تهدأ ليلا ولا نهارا ، ولا تقضيكم
(1) علفا ولا ماء ، وكفاكم بالرياح مؤونة تسييرها بقواكم التي كانت لا تقوم لها لو ركدت عنها الرياح لتمام مصالحكم ومنافعكم وبلوغكم الحوائج لانفسكم .
(وما أنزل الله من السماء من ماء) وابلا وهطلا ورذاذا لا ينزل عليكم دفعة واحدة فيغرقكم ويهلك معايشكم ، لكنه ينزل متفرقا من علا حتى يعم الاوهاد والتلال والقلاع
(2) .
(فأحيا به الارض بعد موتها) فيخرج نباتها وحبوبها وثمارها .
(وبث فيها من كل دابة) منها ماهو لاكلكم ومعايشكم ، ومنها سباع ضارية حافظة عليكم ولانعامكم ، لئلا تشد
(3) عليكم خوفا من افتراسها .
(وتصريف الرياح) المربية لحبوبكم ، المبلغة لثماركم ، النافية لركد الهواء والاقتار
(4) عنكم (والسحاب) الواقف (المسخر) المذلل
(5) (بين السماء والارض) يحمل أمطارها ، ويجري باذن الله ويصبها حين يؤمر .
(لايات) دلائل واضحات (لقوم يعقلون) يتفكرون بعقولهم أن من هذه العجائب من آثار قدرته ، قادر على نصرة محمد وعلي وآلهما (عليهما السلام) على من تأذاهما
(6) وجعل العاقبة الحميدة لمن يواليه ، فان المجازاة ليست على الدنيا ، وانما هي ـ على ـ
--------------------
(1) انقضى وتقضى الشئ : ذهب وفنى ، ( تقضيكم ) ق ، د ، والبحار .
(2) القلاع ـ بضم القاف ـ : الطين الذى ينشق اذا نضب عنه الماء ، أو الحجارة ،
( التلاع ) البحار ، وهى ما ارتفع من الارض وما انهبط منها (من الاضداد) ،
أقول : وتقدم مثله ص 143 ذ ح 72 .
(3) ( تشذ ) س ، ص ، والبحار ، شذ عن الجماعة : خالفها ، شد على العدو ، حمل عليه .
(4) كأنه جمع القترة بمعنى الغبرة ، أى يذهب الاغبرة والابخرة المجتمعة في الهواء الموجبة لكثافتها وتعفنها ، قاله المجلسى ره .
(5) في ( أ ) : ( المذلل ) بدل ( الواقف ) وبالعكس .
(6) ( ناواهما ) ص ، ( من يشاء ) البحار . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)_ 577 _
الاخرة التي يدوم نعيمها ولا يبيد عذابها
(1) .
339 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : عجبا للعبد المؤمن من شيعة محمد وعلي (عليهما السلام) أن ينصر
(2) في الدنيا على أعدائه ، فقد جمع له خير الدارين ، وان ما امتحن في الدنيا ذخر له في الاخرة ، ما ـ لا ـ يكون لمحنته في الدنيا قدر عند اضافتها إلى نعيم الاخرة ، وكذلك عجبا للعبد المخالف لنا أهل البيت ، ان خذل في الدنيا وغلب بأيدي المؤمنين ، فقد جمع له
(3) عذاب الدارين ، وان امهل في الدنيا ، واخر عنه عذابها كان له في الاخرة من عجائب العذاب ، وضروب العقاب ، مايود لو كان في الدنيا مسلما ، وما لا قدر لنعم الدنيا التي كانت له عند الاضافة إلى تلك البلايا .
فلو أن أحسن الناس نعيما في الدنيا ، وأطولهم فيها عمرا من مخالفينا ، غمس يوم القيامة في النار غمسة ، ثم سئل هل لقيت نعيما قط ؟ لقال : لا .
ولو أن أشد الناس عيشا في الدنيا ، وأعظمهم بلاء من موافقينا وشيعتنا ، غمس يوم القيامة في الجنة غمسة ، ثم سئل هل لقيت بؤسا ـ قط ـ ؟ لقال : لا .
فما ظنكم بنعيم وبؤس هذه صفتهما ، فذلك النعيم فاطلبوه ، ذلك العذاب فاتقوه
(4) .
قوله عزوجل : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا اذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وان الله شديد العذاب اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرا منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وماهم بخارجين من النار ) : 165 ـ 167 .
--------------------
(1) عنه البحار : 3/ 54 ح 26 إلى قوله : على من يشاء (تأذاهما) .
(2) كذا استظهرها في ( ط ) ، ( يصبر (ما) بما ( أ ، ص ، ط ) يصير ( ب ، س ، ق ، د ) .
(3) ( عليه ) ب ، س ، ق ، والبحار .
(4) عنه البحار : 67/ 234 ح 49 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 578 _
340 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الله عزوجل لما آمن المؤمنون ، وقبل ولاية محمد وعلي (عليهما السلام) العاقلون ، وصد عنها المعاندون (ومن الناس ـ يا محمد ـ من يتخذ من دون الله أندادا) أعداء يجعلونهم لله أمثالا (يحبونهم كحب الله) يحبون تلك الانداد من الاصنام كحبهم لله (والذين آمنوا أشد حبا لله) من هؤلاء المتخذين الانداد مع الله، لان المؤمنين يرون الربوبية لله وحده لا يشركون ـ به ـ .
ثم قال : يا محمد (ولو يرى الذين ظلموا) باتخاذ الاصنام أندادا واتخاذ الكفار والفجار أمثالا لمحمد وعلي (عليهما السلام) (اذ يرون العذاب) حبن يرون العذاب الواقع بهم لكفرهم وعنادهم (أن القوه لله جميعا) يعلمون أن القوة لله يعذب من يشاء ، ويكرم من يشاء ، لا قوة للكفار يمتنعون بها من عذابه (وأن الله شديد العذاب) ويعلمون أن الله شديد العقاب (1) لمن تخذ الانداد مع الله.
ثم قال : (اذ تبرأ الذين اتبعوا) لو رأى هؤلاء الكفار الذين اتخذوا الانداد حين تبرأ اتبعوا الرؤساء (من الذين اتبعوا) الرعايا والاتباع (وتقطعت بهم الاسباب) فنيت حيلهم ، ولا يقدرون على النجاة من عذاب الله بشئ (وقال الذين اتبعوا) الاتباع (لو أن لناكرة) يتمنون لو كان لهم كرة : رجعة إلى الدنيا (فنتبرأ منهم) هناك (كما تبرءوا منا) ههنا .
قال الله عزوجل : (كذلك) ـ كما ـ تبرأ بعضهم من بعض (يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) وذلك أنهم عملوا في الدنيا لغير الله، فيرون أعمال غيرهم التي كانت لله قد عظم الله ثواب أهلها ، ورأوا أعمال أنفسهم لا ثواب لها اذ كانت لغير الله، أو كانت على غير الوجه الذي أمر الله به .
قال الله تعالى (وما هم بخارجين من النار) كان عذابهم سرمدا دائما ،
--------------------
(1) ( العذاب ) ب ، س ، ق ، د . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 579 _
وكانت ذنوبهم كفرا ، لا تلحقهم شفاعة نبي ، ولا وصي ، ولا خير من خيار شيعتهم (1) .
341 ـ قال على بن الحسين (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ما من عند ولا أمة زال عن ولايتنا ، وخالف طريقتنا ، وسمى غيرنا بأسمائنا وأسماء خيار أهلنا الذي اختاره الله للقيام بدينه ودنياه ، ولقبه بألقابنا وهو لذلك يلقبه معتقدا ، لا يحمله على ذلك تقية خوف ، ولا تدبير مصلحة دين ، الا بعثه الله يوم القيامة ومن كان قد اتخذه من دون الله وليا ، وحشر اليه الشياطين الذين كانوا يغوونه .
فقال ـ له ـ : يا عبدي أربا معي ، هؤلاء كنت تعبد ؟ واياهم كنت تطلب ؟ فمنهم فاطلب ثواب ماكنت تعمل ، لك معهم عقاب اجرائك (2) .
ثم يأمر الله تعالى أن يحشر الشيعة الموالون لمحمد وعلي وآلهما (عليهم السلام) ممن كان في تقية لا يظهر ما يعتقده ، وممن لم يكن عليه تقية ، وكان يظهر ما يعتقده .
فيقول الله تعالى : انظروا حسنات شيعة محمد وعلي فضاعفوها .
قال : فيضاعفون (3) حسناتهم أضعافا مضاعفة .
ثم يقول الله تعالى : انظروا ذنوب شيعة محمد وعلي .
فينظرون : فمنعم من قلت ذنوبه فكانت مغمورة في طاعاته ، فهؤلاء السعداء مع الاولياء والاصفياء .
ومنهم من كثرت ذنوبه وعظمت ، فيقول الله تعالى : قدموا الذين كانوا لا تقية عليهم من أولياء محمد وعلي ، فيقدمون .
فيقول الله تعالى : انظروا حسنات عبادي هؤلاء النصاب الذين اتخذوا الانداد من دون محمد وعلي ومن دون خلفائهم ، فاجعلوها لهؤلاء المؤمنين ، لما كان
--------------------
(1) عنه البحار : 7/ 188 صدر ح 51 ، وج 9/ 186 ح 16 .
(2) ( اجرامك ) س ، ق ، د والبحار .
(3) ( فتضاعف ) س ، والبحار . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_580 _
من اغتيابهم (1) لهم بوقيعتهم فيهم ، وقصدهم إلى أذاهم فيفعلون ذلك ، فتصير حسنات النواصب لشيعتنا الذين لم يكن عليهم تقية .
ثم يقول : انظروا إلى سيئات شيعة محمد وعلي ، فان بقيت لهم علي هؤلاء النصاب بوقيعتهم فيهم زيادات ، فاحملوا على اولئك النصاب بقدرها من الذنوب التي لهؤلاء الشيعة .
فيفعل ذلك .
ثم يقول الله عزوجل : ائتوا بالشيعة المتقين لخوف الاعداء ، فافعلوا في حسناتهم وسيئاتهم ، وحسنات هؤلاء النصاب وسيئاتهم ما فعلتم بالاولين .
فيقول النواصب : يا ربنا هؤلاء كانوا معنا في مشاهدنا حاضرين ، وبأقاويلنا قائلين ، ولمذاهبنا معتقدين! فيقال : كلا والله يا أيها النصاب ماكانوا لمذاهبكم معتقدين ، بل كانوا بقلوبهم لكم إلى الله مخالفين ، وان كانوا بأقوالكم قائلين ، وبأعمالكم عاملين للتقية منكم معاشر الكافرين ، قد اعتددنا لهم بأقاويلهم وأفاعيلهم اعتدادنا بأقاويل المطيعين وأفاعيل المحسنين ، اذ كانوا بأمرنا عاملين :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فعند ذلك تعظم حسرات النصاب اذا رأوا حسناتهم في موازين شيعتنا أهل البيت ، ورأوا سيئات شيعتنا على ظهور معاشر النصاب ، وذلك قوله عزوجل (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم) (2) .
قوله عزوجل : ( يا أيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين * انما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون :) 168 ـ 169 .
342 ـ قال الامام (عليه السلام) قال الله عزوجل : (يا أيها الناس كلوا مما في
--------------------
(1) ( اغتيالهم ) س ، ق ، د ، والبحار .
(2) عنه البحار : 7/ 189 ذ ح 51 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 581_
الارض) من أنواع ثمارها وأطعمتها (حلالا طيبا) لكم اذا أطعتم ربكم في تعظيم من عظمه ، والاستخفاف بمن أهانه وصغره (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ما يخطو بكم اليه ، ويغركم به من مخالفة من جعله الله رسولا أفضل المرسلين ، وأمره بنصب من جعله الله أفضل الوصيين ، وسائر من جعل خلفاءه وأولياءه .
(انه لكم عدو مبين) يبين لكم العداوة ، ويأمركم إلى مخالفة أفضل النبيين ومعاندة أشرف الوصيين .
(انما يأمركم) الشيطان (بالسوء) بسوء المذهب والاعتقاد في خير خلق الله ـ محمد رسول الله ـ وجحود ولاية أفضل أولياء الله بعد محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) بامامة
(1) من لم يجعل الله له في الامامة حظا ، ومن جعله من أراذل أعدائه وأعظمهم كفرا ـ به ـ
(2) .
343 ـ قال على بن الحسين (عليهما السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فضلت على الخلق أجمعين ، وشرفت على جميع النبيين ، واختصصت بالقرآن العظيم ، واكرمت بعلي سيد الوصيين ، وعظمت بشيعته خير شيعة النبيين والوصيين .
وقيل لي : يا محمد قايل نعمائي عليك بالشكر الممتري
(3) للمزيد .
فقلت : يا ربي وما أفضل ما اشكرك به ؟ فقال لي : يا محمد أفضل ذلك بثك
(4) فضل أخيك علي ، وبعثك
(5) سائر عبادي على تعظيمه وتعظيم شيعته ، وأمرك اياهم أن لا يتوادوا الا في ، ولا يتباغضوا
--------------------
(1) ( باقامة ) ب ، س ، ق ، د .
(2) عنه البحار : 24/ 379 صدر ح 106 ، وج 65/ 156 ح 27 قطعة ، مستدرك الوسائل : 3/ 103 باب 1 ح 1 قطعة .
(3) امترى الشئ : استخرجه .
(4) بث الخبر : أذاعه ، ونشره .
(5) بعثه على الشئ : حمله على فعله ، واستظهرها في ( ص ) حثك : حث الرجل على الامر : نشطه على فعله . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_582 _
الا في ، ولا يوالوا ولا يعادوا الا في ، وأن ينصبوا الحرب لابليس وعتاة مردته الداعين إلى مخالفتي وأن يجعلوا جنتهم (1) منهم العداوة لاعداء محمد وعلي ، وأن يجعلوا أفضل سلاحهم على ابليس وجنوده تفضيل محمد على جميع النبيين ، وتفضيل علي على سائر امته أجمعين ، واعتقادهم بأنه الصادق لا يكذب ، والحكيم لا يجهل ، والمصيب لا يغفل ، والذي بمحبته تثقل موازين المؤمنين ، وبمخالفته تخف موازين الناصبين ، فاذا هم فعلوا ذلك كان ابليس وجنوده المردة أخسا المهزومين وأضعف الضعيفين (2) .
قوله عزوجل : ( واذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون : ) 170 .
344 ـ قال الامام (عليه السلام) : وصف الله هؤلاء المتبعين لخطوات الشيطان فقال (واذا قيل لهم) تعالوا إلى ما أنزل الله في كتابه من وصف محمد (صلى الله عليه وآله) ، وحلية علي (عليه السلام) ، ووصف فضائله ، وذكر مناقبه والى الرسول ، وتعالوا إلى الرسول لتقبلوا منه ما يأمركم به قالوا : ( حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا من الدين والمذهب ) فاقتدوا بآبائهم (3) في مخالفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنابذة علي ولي الله، قال الله عزوجل : (أو لو كان آباؤهم لا يعقلون) ـ لا يعلمون ـ (شيئا ولا يهتدون) إلى شئ من الصواب (4) .
345 ـ قال على بن الحسين (عليهما السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عباد الله اتبعوا أخي ووصيي علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأمر الله، ولا تكونوا كالذين اتخذوا
--------------------
(1) الجنة ـ بالضم ـ : كل ما وقى من السلاح ، الترس .
(2) عنه البحار : 24/ 279 ذ ح 106 ، واثبات الهداة : 3/ 577 ح 669) قطعة .
(3) ( بدين آبائهم ) البحار .
(4) عنه البحار : 24/ 380 صدر ح 107 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 583_
أربابا من دون الله تقليدا لجهال آبائهم الكافرين بالله ، فان المقلد دينه ممن لا يعلم دين الله، يبوء بغضب من الله، ويكون من اسراء ابليس لعنه الله، واعلموا أن الله عزوجل جعل أخي عليا أفضل زينة عترتي ، فقال ـ الله ـ : من والاه وصافاه ووالى أولياءه وعادى أعداءه جعلته ـ من ـ أفضل زينة جناني ، ومن أشرف أوليائي وخلصائي ، ومن أدمن (1) محبتنا أهل البيت فتح الله عزوجل له من الجنة ثمانية أبوابها (2) ، وأباحه جميعها ، يدخل مما شاء منها ، وكل أبواب الجنان تناديه : يا ولي الله ألم تدخلني ؟ ألم تخصني من بيننا ؟ (3) .
قوله عزوجل : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون ) : 171 .
346 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الله عزوجل (ومثل الذين كفروا) في عبادتهم للاصنام ، واتخاذهم للانداد من دون محمد وعلي ـ صلوات الله عليهما ـ (كمثل الذي ينعق بما لا يسمع) ـ يصوت بما لا يسمع ـ (الا دعاء ونداء) لا يفهم مايراد منه فيغيث المستغيث ، ويعين من استعانه (صم بكم عمي) عن الهدى في اتباعهم الانداد من دون الله، والاضداد لاولياء الله الذين سموهم بأسماء خيار خلائف الله، ولقبوهم بألقاب أفاضل الائمة الذين نصبهم الله لاقامة دين الله
--------------------
(1) أى أدام ، ( زاد من ) أ ، ص .
(2) استظهرها في ( ط ) من أبوابها ، أقول : روى الصدوق ره في الخصال : 2/ 407 ح 6 باسناده عن على (عليه السلام) أن للجنة ثمانية أبواب : باب يدخل منه النبيون والصديقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ... الحديث .
(3) عنه البحار : 24/ 380 ذ ح 107 ، ج 27/ 101 ح 62 قطعة ، واثبات الهداة : 3/ 577 ح 670 قطعة . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 584 _
(فهم لا يعقلون) أمر الله عزوجل .
قال علي بن الحسين (عليهما السلام) : هذا في عباد الاصنام ، وفي النصاب لاهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) نبي الله، هم أتباع ابليس وعتاة مردته ، سوف يصيرون إلى الهاوية (1) .
347 ـ ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم ، فان من تعوذ بالله منه أعاذه الله ـ وتعوذوا ـ من همزاته ونفخاته ونفثاته .
أتدرون ماهي ؟ أما همزاته : فما يلقيه في قلوبكم من بغضنا أهل البيت .
قالوا : يا رسول الله وكيف نبغضكم بعد ما عرفنا محلكم من الله ومنزلتكم؟ قال (صلى الله عليه وآله) : بأن تبغضوا أولياءنا وتحبوا أعداءنا ، فاستعيذوا بالله من محبة أعدائنا وعداوة أوليائنا ، فتعاذوا من بغضنا وعداوتنا ، فان من أحب أعداءنا فقد عادانا ونحن منه براء ، والله عزوجل منه برئ (2) .
قوله عزوجل : ( يا ايها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون * انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم ) 172 ـ 173 .
348 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الله عزوجل : (يا أيها الذين آمنوا) بتوحيد الله، ونبوة محمد (صلى الله عليه وآله) رسول الله، وبامامة علي ولي الله: (كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله) على مارزقكم منها بالمقام على ولاية محمد وعلي ليقيكم الله تعالى بذلك شرور الشياطين المتمردة على ربها عزوجل ، فانكم كلما جددتم على أنفسكم ولاية محمد وعلي (عليهما السلام) تجدد على مردة الشياطين لعائن الله، وأعاذكم الله من نفخاتهم ونفثاتهم .
--------------------
(1) عنه البحار : 9/ 187 ح 18 ، وج 27/ 59 صدر ح 20 .
(2) عنه البحار : 27/ 59 ذ ح 20 ، ج 63/ 24 صدر ح 29 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 585_
فلما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) قيل : يا رسول الله وما نفخاتهم ؟ قال : هي ما يتفخون به عند الغضب في الانسان الذي يحملونه على هلاكه في دينه ودنياه ، وقد ينفخون في غير حال الغضب بما يهلكون به .
أتدرون ما أشد ما ينفخون به ؟ هو ما ينفخون بأن (1) يوهموه أن أحدا من هذه الامة فاضل علينا ، أو عدل لنا أهل البيت ، كلا ـ والله ـ بل جعل الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) ثم آل محمد فوق جميع هذه الامة ، كما جعل الله تعالى السماء فوق الارض وكما زاد نور الشمس والقمر على السهى (2) .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وأما نفثاته : فأن يرى أحدكم أن شيئا بعد القرآن أشقى له من ذكرنا أهل البيت ومن الصلاة علينا ، فان الله عزوجل جعل ذكرنا أهل البيت شفاء للصدور ، وجعل الصلوات علينا ماحية للاوزار والذنوب ، ومطهرة من العيوب ومضاعفة للحسنات (3) .
349 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الله عزوجل : (إن كنتم إياه تعبدون) ـ أي إن كنتم إياه تعبدون ـ فاشكروا نعمة الله بطاعة من أمركم بطاعته من محمد وعلي وخلفائهم الطيبين .
ثم قال عزوجل : (إنما حرم عليكم الميتة) التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن الله فيها (والدم ولحم الخنزير) أن تأكلوه (وما أهل به لغير الله) ما ذكر إسم غير الله عليه من الذبائح ، وهي التي يتقرب بها الكفار بأسامي أندادهم التي اتخذوها من دون الله.
ثم قال عزوجل : (فمن اضطر) إلى شئ من هذه المحرمات (غير باغ) وهو غير باغ ـ عند الضرورة ـ على إمام هدى (ولا عاد) ولا معتد قوال بالباطل في نبوة من ليس بنبي ، أو إمامة من ليس بامام (فلا إثم عليه) في تناول هذه الاشياء (4) (إن الله غفور رحيم) ستار لعيوبكم أيها المؤمنون ، رحيم بكم حين أباح لكم
--------------------
(1) ( باذنه ) البحار : 26 .
(2) السها والسهى : كوكب خفى من بنات نعش ، ( السماء ) أ ، ص .
(3) عنه البحار : 26/ 232 صدر ح 1 ، وج 63/ 204 ذ ح 29 قطعة . وج 65/ 156 ح 28 قطعة ، ومستدرك الوسائل 2/ 404 باب 23 ح 1 .
(4) راجع الفقيه : 3/ 345 ح 4214 ، عنه الوسائل : 16/ 389 ح 3 وفى البحار : 65/ 158 ـ 161 بيان (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 586 _
في الضرورة ما حرمه في الرخاء (1) .
350 ـ قال علي بن الحسين (عليهما السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عباد الله اتقوا المحرمات كلها واعلموا أن غيبتكم لاخيكم المؤمن من شيعة آل محمد أعظم في التحريم من الميتة ، قال الله جل وعلا : ( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) (2) وإن الدم أخف عليكم ـ في تحريم أكله ـ من أن يشي أحدكم بأخيه المؤمن من شيعة محمد (3) (صلى الله عليه وآله) إلى سلطان جائر ، فانه حينئذ قد أهلك نفسه وأخاه المؤمن والسلطان الذي وشى به إليه .
وإن لحم الخنزير أخف تحريما من تعظيمكم من صغره الله، وتسميتكم بأسمائنا أهل البيت ، وتلقبكم بألقابنا من سماه الله بأسماء الفاسقين ، ولقبه بألقاب الفاجرين وإن ما اهل به لغير الله أخف تحريما عليكم من أن تعقدوا (4) نكاحا أو صلاة جماعة بأسماء أعدائنا الغاصبين لحقوقنا إذا لم يكن عليكم منهم تقية ، قال الله عزوجل : (فمن اضطر) إلى شئ من هذه المحرمات (غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) من اضطره اللهو إلى تناول شئ من هذه المحرمات وهو معتقد لطاعة الله تعالى إذا زالت التقية فلا إثم عليه .
وكذلك من اضطر إلى الوقيعة في بعض المؤمنين ، ليدفع عنه أو عن نفسه بذلك الهلاك من الكافرين الناصبين ، ومن وشى به أخوه المؤمن أو وشى بجماعة من المسلمين ليهلكهم ، فانتصر لنفسه ووشى به وحده بما يعرفه من عيوبه التي لا يكذب فيها ، ومن عظم مهانا في حكم الله، أو أوهم الازراء على عظيم في دين الله للتقية عليه وعلى نفسه ، ومن سماه بالاسماء الشريفة خوفا على نفسه ، ومن تقبل أحكامهم تقية ، فلا إثم عليه في ذلك ، لان الله تعالى وسع لهم في التقية ، (5) .
--------------------
(1) عنه البحار : 26/ 233 ضمن ح 1 ، و 65/ 158 ح 36 وص 325 ح 34 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 80 باب 40 ح 5 قطعة .
(2) الحجرات : 12 .
(3) ( آل محمد ) البحار .
(4) كذا استظهرها في ( ط ) ، ( تعتقدوا ) الاصل والبحار .
(5) عنه البحار : 26/ 234 ضمن ح 1 ، وج 75/ 258 ح 52 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 105 باب 132 ح 1 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 587_