عليه رقعة (1) فيها : أنك أخذت المختار بن أبي عبيد تريد قتله ، وتزعم أنه حكى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه سيقتل من أنصار بني أمية ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألف رجل ، فاذا أتاك كتابي هذا فخل عنه ، ولا تتعرض له الا بسبيل خير فانه زوج ظئر (2) ابني الوليد ابن عبدالملك بن مروان ، وقد كلمني فيه الوليد ، وان الذي حكى ان كان باطلا فلا معنى لقتل رجل مسلم بخبر باطل ، وان كان حقا فانك لا تقدر على تكذيب قول رسول لله (صلى الله عليه وآله) .
  فخلى عنه الحجاج ، فجعل المختار يقول : سأفعل كذا ، وأخرج وقت كذا ، وأقتل من الناس كذا ، وهؤلاء صاغرون (3) يعنى بني اميه .
  فبلغ ذلك الحجاج ، فاخذ وأنزل لضرب العتق ؟ ؟ فقال المختار : انك لن تقدر على ذلك ، فلا تتعاط ردا على الله.
  وكان في ذلك اذ أسقط طائر آخر عليه كتاب من عبدالملك بن مروان : بسم الله الرحمن الرحيم يا حجاج لا تتعرض للمختار ، فانه زوج مرضعة ابني الوليد ، ولئن كان حقا فتمنع (4) من قتله كما منع ( دانيال ) من قتل )( بخت نصر ) الذى كان الله قضى أن يقتل بنى اسرائيل .
  فتركه الحجاج وتوعده ان عاد لمثل مقالته (5) .
  فعاد بمثل مقالته ، فاتصل بالحجاج الخبر ، فطلبه فاختفى مدة ثم ظفر به فاخذ .
  فلما هم بضرب عنقه اذ قد ورد عليه كتاب من عبدالملك أن أبعث الي المختار .
  فاحتبسه الحجاج وكتب إلى عبدالملك :

--------------------
(1) أى قطعة من ورق .
(2) ( مرضعة ) أ ، وهكذا ذكر في ثانى كتب عبدالملك وكلاهما بمعنى .
(3) ( ابناء صغرة قمياء ) أ : القمئ : الذليل ، الصغير .
(4) ( فستمنع ) البحار .
(5) ( بمثل ذلك ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)_ 552 _

  كيف تأخذ اليك عدوا مجاهرا يزعم أنه يقتل من أنصار بنى امية كذا وكذا ألفا فبعث اليه عبدالملك : انك (1) رجل جاهل ، لئن كان الخبر فيه باطلا فما أحقنا برعاية حقه لحق من خدمنا (2) ، وان كان الخبر فيه حقا ، فانا سنربيه ليسلط علينا كما ربى فرعون موسى حتى تسلط عليه فبعثه اليه الحجاج ، فكان من أمر المختار ماكان ، وقتل من قتل .
  وقال علي بن الحسين (عليهما السلام) لاصحابه وقد قالوا له : يابن رسول الله ان أمير المؤمنين (عليه السلام) ذكر ـ من ـ أمر المختار ولم يقل متى يكون قتله ولمن يقتل .
  فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : صدق أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟ أولا أخبركم متى يكون ؟ قالوا : بلي قال : يوم كذا إلى ثلاث سنين من قوله هذا لهم (3) ، وسيؤتى برأس عبيدالله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن (عليهما اللعنة) في يوم كذا وكذا وسنأكل وهما بين أيدينا ننظر اليهما .
  قال : فلما كان في اليوم الذي اخبرهم أنه يكون فيه القتل من المختار لاصحاب بني امية كان علي بن الحسين (عليهما السلام) مع أصحابه على مائدة اذ قال لهم : معاشر اخواننا طيبوا نفسا ـ وكلوا ـ ، فانكم تأكلون وظلمة بني امية يحصدون .
  قالوا : أين ؟ قال (عليه السلام) في موضع كذا يقتلهم المختار ، وسيؤتى بالرأسين يوم كذا ـ وكذا ـ (4) .
  فلما كان في ذلك اليوم أتي بالرأسين (5) لما أراد أن يقعد للاكل ، وقد فرغ

--------------------
(1) ( انه ) أ ، س .
(2) ( خدمننا ) س ، ص .
(3) ( قولى هذا ) ص ، والبحار .
(4) من البحار والمدينة ، بقرينة ما تقدم من اخباره : سيؤتى ، في يوم كذا وكذا .
(5) أقول : لا جدال في أن شمرا قتل بالكلتانية ـ من أعمال خوزستان ـ سنة 66 ه ، قتله ( أبوعمرة ) ، وأن عبيدالله بن زياد قتل في الموصل سنة 67 ه ، قتله ( ابراهيم ابن الاشتر ) . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 553 _
  من صلاته ، فلما رآهما سجد وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني ، فجعل يأكل وينظر اليهما .
  فلما كان في وقت الحلواء لم يؤت بالحلواء لما كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين ، فقال ندماؤه (1) : لم نعمل اليوم حلواء ؟ فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) : لا نريد حلواء أحلى من نظرنا إلى هذين الرأسين ؟ ! .
  ثم عاد إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام ) ، قال (عليه السلام) : وما للكافرين والفاسقين عند الله أعظم وأوفى (2) .

--------------------
> ـ وضرورى أن نقل أى من الرأسين إلى المدينة يستغرق فترة زمنية بحكم المسافة البعيدة التى تفصل بينهم ، فاذا كان قتل الاول أواخر سنة 66 ، وكان قتل الثانى أوائل سنة 67 ، فلا غبار اذن لان يجمع الرأسان أمام الامام على بن الحسين (عليهما السلام) في المدينة المنورة في يوم واحد بعد أن يكون قد قطع ـ بكل واحد من الرأسين ـ تلك المسافة البعيدة ، المتباينة ، ذكر في بعض الروايات أنه بعث برأس ابن زياد ورأس ابن سعد ، وفى اخرى برأس ابن زياد ورأس حصين بن نمير ورأس شرجيل بن ذى الكلاع ( لع )... راجع مناقب ابن شهر اشوب : 4/ 144 ، وعوالم الامام الحسين (عليه السلام) : 654 وما بعدها (أحوال المختار وما جرى على يديه) .
(1) أى أصحابه الذين يستأنس بهم ، حيث أنهم أشاروا إلى هذا موقف الابتهاج المناسب في عرف العرب لان يصنعوا الحلوى ويقدموها إلى الامام ، وما أرادوا أنها لم تصنع داخل بيته (عليه السلام) مع أنه لم تضرم نار في دور الهاشميين ولم تكتحل هاشمية حتى جئ برأس ابن زياد ( لع ) ، فأجابهم (عليه السلام) ايماء بأن النظر إلى رأسه أحلى .
(2) عنه البحار : 45/ 339 ح 6 ، ومدينة المعاجز : 305 ح 83 ، واثبات الهداة : 4/ 496 ح 292 (قطعة) ومستدرك الوسائل : 3/ 107 باب 26 ح 6 قطعة . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 554 _
  328 ـ ثم قال امير المؤمنين (عليه السلام) : وأما المطيعون لنا فسيغفر الله ذنوبهم ، فيزيدهم احسانا إلى حسناتهم .
  قالوا : يا أمير المؤمنين ومن المطيعون لكم ؟ قال : الذين يوحدون ربهم ، ويصفونه بما يليق به من الصفات ، ويؤمنون بمحمد نبيه (صلى الله عليه وآله) ويطيعون الله في اتيان فرائضه وترك محارمه ، ويحيون أوقاتهم بذكره ، وبالصلاة على نبيه محمد وآله ـ الطيبين ـ وينفون عن (1) أنفسهم الشح والبخل ، فيؤدون ما فرض عليهم من الزكاة ولا يمنعونها (2) .
  قوله عزوجل : ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها اولئك ماكان لهم ان يدخلوها الا خائفين لهم في الدنيا خزى ولهم في الاخرة عذاب عظيم ) 114 .
  329 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال علي بن الحسين (3) (عليهما السلام) : لما بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) بمكة وأظهر بها دعوته ، ونشر بها كلمته ، وعاب أديانهم (4) في عبادتهم الاصنام ، وأخذوه (5) وأساءوا معاشرته ، وسعوا في خراب المساجد المبنية ـ كانت لقوم من خيار أصحاب محمد ـ وشيعته ـ وشيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ .
  كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أمانة المبطلون ، فسعى هؤلاء المشركون

--------------------
(1) ( يتقون على ) البحار ، والمستدرك .
(2) عنه البحار : 68/ 163 ح 12 ، ومدينة المعاجز : 306 ذ ح 83 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 297 باب 18 ح 4 .
(3) ( الحسين بن على ) أ ، ص ( الحسن بن على ) البحار والبرهان .
(4) ( أعيانهم ) أ ، والبحار .
(5) ( واجدوه ) أ ، ص ، ط ، ق ، د ، والوجد : الغضب . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _555 _
  في خرابها ، وأذى محمد (صلى الله عليه وآله) وسائر أصحابه ، وألجأوه إلى الخروج من مكة إلى المدينة ، التفت خلفه اليها فقال : الله يعلم أني أحبك ، ولو لا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا ، ولا ابتغيت عنك بدلا ، واني لمغتم على مفارقتك .
  فأوحى الله تعالى اليه : يا محمد ان العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول : سأردك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما ، قادرا ، قاهرا ، وذلك قوله تعالى .
  (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) (1) يعني إلى مكة ظافرا غانما ، وأخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه ، فاتصل بأهل مكة فسخروا منه .
  فقال الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله) : سوف اظهرك بمكة ، واجري عليهم حكمي ، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتى لا يدخلها منهم أحد الاخائفا ، أو دخلها مستخفيا من أنه ان عثر عليه قتل .
  فلما حتم قضاء الله بفتح مكة استوسقت (2) له أمر عليهم عتاب بن اسيد فلما اتصل بهم خبره قالوا : ان محمد لا يزال يستخف بنا حتى (3) ولى علينا غلاما حديث السن ابن ثمانية عشر سنة (4) ، ونحن مشايخ ذوو الاسنان ، خدام بيت الله الحرام

--------------------
(1) القصص : 85 .
(2) استوسق : اجتمع وانقاد .
(3) ( لقد استخف بنا حين ) أ .
(4) ليس بعجب من نفوس مستكبرة وقلوب ضاله هى أعداء للعلم والفضيله أن تنطق بمثل ذلك ، ولنا فيه أمثله جمه : ألم يقال مثل ذلك في اسامة بن زيد عند ما قلده الرسول (صلى الله عليه وآله) قيادة الجيش ؟ ومثله في مولانا أمير المؤمنين على (عليه السلام) ... و ... و ... وبعد فمما يؤيد ذلك أن يحيى بن أكثم ولى قضاء البصرة سنة عشرون ونحوها ، فاستصغره أهل البصرة ، فقالوا : كم سن القاضى ؟ فعلم أنه قد استصغر . ـ < (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 556_
  وجيران حرمه الامن ، وخير بقعة له على وجه (1) الارض.
  وكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعتاب بن اسيد عهدا على ـ أهل ـ مكة ، وكتب في أوله : ـ بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جيران بيت الله وسكان حرم الله.
  أما بعد ، فمن كان منكم بالله مؤمنا ، وبمحمد رسول الله في أقواله مصدقا ، وفي أفعاله مصوبا ، ولعلي أخي محمد رسوله وصفيه ووصيه وخير خلق الله بعده مواليا ، فهو منا والينا .
  ومن كان لذلك أو لشئ منه مخالفا ، فسحقا وبعدا لاصحاب السعير ، لا يقبل الله شيئا من أعماله وان عظم وكثر (2) ويصليه نار جهنم خالد مخلدا أبدا ، وقد قلد محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عتاب بن اسيد أحكامكم ومصالحكم ، ـ قد ـ فوض اليه تنبيه غافلكم ، وتعليم جاهلكم ، وتقويم أود (3) مضطر بكم ، وتأديب من زال عن أدب الله منكم ، لما علم من فضله عليكم من موالاة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن رجحانه في التعصب لعلي ولي الله فهو لنا خادم ، وفي الله أخ ، ولاوليائنا موال ، ولاعدائنا معاد ، وهو لكم سماء ظليلة ، وأرض زكية ، وشمس مضيئة ، وقمر منير ، قد فضله الله تعالى على كافتكم بفضل موالاته ، ومحبته لمحمد وعلي والطيبين من آلهما

--------------------
فقال : أنا أكبر من عتاب بن اسيد الذى وجه به النبى (صلى الله عليه وآله) قاضيا على مكة يوم الفتح ، وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذى وجه به النبى (صلى الله عليه وآله) قاضيا على أهل اليمن ، وأنا أكبر من كعب بن سور الذى وجه به عمر بن الخطاب قاضيا على أهل البصرة ، فجعل جوابه احتجاجا ، تاريخ بغداد : 14/ 199 وفيات الاعيان : 6/ 149 .
(1) ( ظهر ) أ ، س .
(2) ( كبر ) ص ، ق ، والبحار .
(3) أى اعوجاج . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _557 _
  وحكمته عليكم ، يعمل بما يريد الله فلن يخليه من توفيقه كما أكمل ـ من ـ موالاة محمد وعلي شرفه وحظه ، ولا يؤامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يطالعه ، بل هو السديد (1) الامين ، فليعمل المطيع منكم ، وليف (2) بحسن معاملته ليسر بشريف الجزاء ، وعظيم الحباء ، وليوفر (3) المخالف له بشديد العقاب ، وغضب الملك العزيز الغلاب ، ولا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه ، فليس الاكبر هو الافضل بل الافضل هو الاكبر ، وهو الاكبر (4) في موالاتنا وموالاة أوليائنا ، ومعاداة أعدائنا فلذلك جعلناه الامير لكم والرئيس عليكم ، فمن أطاعه فمرحبا به ، ومن خالفه فلا يبعد الله غيره .
  قال : فلما وصل اليهم عتاب ، وقرأ عهده ، وقف فيهم موقفا ظاهرا ، ونادى في جماعتهم حتى حضروه وقال لهم : معاشر أهل مكة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) رماني بكم شهابا محرقا لمنافقيكم ، ورحمة وبركة على مؤمنيكم ، وانى أعلم الناس بكم وبمنافقيكم ، وسوف آمركم بالصلاة فيقام لها ، ثم أتخلف (5) اراعي الناس، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حق المؤمن على المؤمن ، ومن وجدته قد قعد عنها فتشته ، فان وجدت له عذرا أعذرته ، وان لم أجد له عذرا ضربت عنقه حتما (6) من الله مقضيا على كافتكم لاطهر حرم الله من المنافقين .
  فأما بعد ، فان الصدق أمانه ، والفجور خيانة ، ولن تشيع الفاحشة في قوم

--------------------
(1) ( السيد ) ق ، د .
(2) الامر من وفى ، ( كيف ) ق ، د ، ط .
(3) ( ليتوقى ) البحار ، وفر عليه حقه : اعطاه حقه كله .
(4) ( الاكيس ) ب ، ص ، ق ، د .
(5) ( أختلف ) س ، ص ، د أى أتردد .
(6) ( حكما ) البحار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 558_
  الا ضربهم الله بالذل ، قويكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه ، وضعيفكم عندي قوي حتي آخذ له الحق ، اتقوا الله وشرفوا بطاعة الله أنفسكم ، ولا تذلوها بمخالفة ربكم .
  ففعل والله كما قال ، وعدل وأنصف وأنفذ الاحكام ، مهتديا بهدى الله، غير محتاج إلى مؤامرة ولا مراجعة (1) .

في عزل الرسول (صلى الله عليه وآله) ابابكر بأمر الله:

   ـ330 ثم بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعشر آيات من سورة ( براءة ) مع أبى بكر بن أبي قحافة ؟ وفيها ذكر نبذ العهود إلى الكافرين ، وتحريم قرب مكة (2) على المشركين .
  فأمر أبابكر بن أبى قحافة على الحج ، ليحج بمن ضمه (3) الموسم ويقرأ

--------------------
(1) عنه البحار : 21/ 121 ح 20 ، والبرهان : 1/ 144 صدر ح 1 ، واثبات الهداة : 2/ 163 ح 614 (قطعة) ومستدرك الوسائل : 2/ 143 باب 13 ح 4 .
(2) لاحظ ، ترى بعد قوله : ( وفيها ... وتحريم قرب مكة ) أنها اشارة إلى قوله تعالى ـ خطابا للمؤمنين ـ يا أيها الذين آمنوا انما المشركون نجس ، فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ... التوبة: 28 ، روى القمى في تفسيره : 258 قال : حدثنى أبى عن محمد بن الفضيل ، عن الرضا (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرنى عن الله أن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام ، فالظاهر أن في الكلام تصحيفا أوسقطا ، مرجعه إلى : وتحريم قرب خصوص المسجد الحرام لا كل مكة ، نعم ورد في ذيل الحديث في كتابنا ( فمضى على (عليه السلام) لامر الله ونبذ العهود إلى أعداء الله، وأيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلى حرم الله ) ، والظاهر أن هذا من آثار نبذ العهود ، وقوله : فاذا انسلخ الاشهر الحرم ، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، فتدبر .
(3) ( معه ) ب ، س ، ص ، ق ، د . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 559 _
  عليهم الايات ، فلما صدر عنه أبوبكر جاءه المطوق بالنور جبرئيل (عليه السلام) فقال : يا محمد ان العلي الا على يقرأ عليك السلام ويقول : يا محمد انه لا يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك ، فابعث عليا (عليه السلام) ليتناول الايات ، فيكون هو الذى ينبذ العهود ويقرأ الايات .
  يا محمد ما أمرك ربك بدفعها إلى علي (عليه السلام) ونزعها من أبي بكر سهوا ولا شكا ولا استدراكا على نفسه غلطا ولكن أراد أن يبين لضعفاء المسلمين أن المقام الذي يقومه أخوك علي (عليه السلام) لن يقومه غيره سواك يا محمد وان جلت في عيون هؤلاء الضعفاء من امتك مرتبته وشرفت عندهم منزلته .
  فلما انتزع (1) علي (عليه السلام) الايات من يده ، لقي أبوبكر ـ بعد ذلك ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال : بأبي ـ أنت ـ وامي (يارسول الله أنت أمرت عليا أن أخذ هذه الايات من يدي) (2)؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا ، ولكن العلي العظيم أمرني أن لا ينوب عني الا من هو مني ، وأما أنت فقد عوضك الله بما قد حملك من آياته وكلفك من طاعاته الدرجات الرفيعة والمراتب الشريفة أما أنك ان (3) دمت على موالاتنا ، ووافيتنا في عرصات القيامة وفيا بما أخذنا به عليك ـ من ـ العهود والمواثيق فأنت من خيار شيعتنا وكرام أهل مودتنا ، فسري (4) بذلك عن أبي بكر .

--------------------
(1) ( أخذ ) ص .
(2) ( أ لموجدة كان نزع هذه الايات منى ) ب ، س ، ص ، ق ، د ، والبحار .
(3) ( ب ، س ، ص ، ط ، أقول) : فيا اولى الابصار انظروا : ما أعظم الشرط وأجل الخطر ، أما ترى قوله تعالى ( يا نساء النبى لستن كأحد من النساء ان اتقيتن ... ) الاحزاب : 32 ، وتقدم ص 513 مثل ذلك في قوله ( ما ان اطاع الله... ) .
(4) أى زال ماكان يجده من هم . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 560_
  قال : فمضى علي (عليه السلام) لامر الله، ونبذ العهود إلى أعداء الله، وأيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلى حرم الله وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا ، غشاه الله نوره ، وكساه فيهم هبة وجلالا ، لم يجسروا معها على اظهار خلاف ولاقصد بسوء .
  قال : فذلك قوله : (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) .
  وهي مساجد خيار المؤمنين بمكة لما منعوهم من التعبد فيها بأن ألجاءوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الخروج عن مكة (وسعى في خرابها) خراب تلك المساجد لئلا تعمر (1) بطاعة الله، قال الله تعالى (أولئك ماكان لهم أن يدخلوها الا خائفين) أن يدخلوا بقاع تلك المساجد في الحرم الا خائفين من عدله (2) وحكمه النافذ عليهم - أن يدخلوها كافرين ـ بسيوفه وسياطه (لهم) لهؤلاء المشركين في (الدنيا خزي) وهو طرده اياهم عن الحرم ، ومنعهم أن يعودوا اليه (ولهم في الاخرة عذاب عظيم) (3) .

تخليفه (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) في غزوة تبوك :

  331 ـ وقال ـ الباقر ، عن ـ على بن الحسين (عليهم السلام) : ولقد كان من المنافقين والضعفاء من أشباه المنافقين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضا قصد إلى تخريب المساجد بالمدينة ، وإلى تخريب مساجد الدنيا كلها بما هموا به من قتل ـ أمير المؤمنين ـ علي (عليه السلام) بالمدينة ، ومن قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طريقهم إلى العقبة ، ولقد زاد الله تعالى في ذلك السير إلى تبوك في بصائر المستبصرين وفي قطع معاذير

--------------------
(1) ( يقام فيها ) البحار .
(2) ( عذابه ) البحار والبرهان .
(3) عنه البحار : 35/ 297 ح 21 ، والبرهان : 1/ 145 ذ ح 1 ، ومستدرك الوسائل : 1/ 241 ح 6 قطعه . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 561 _
  متمرديهم زيادات تليق بجلال الله وطوله على عباده .
  من ذلك أنهم لما كانوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسيره إلى تبوك قالوا : لن نصبر على طعام واحد كما قالت بنو اسرئيل لموسى (عليه السلام) وكانت آية رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظاهرة لهم في ذلك أعظم من الاية الظاهرة لقوم موسى .
  وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما امر بالمسير إلى تبوك ، امر بأن يخلف عليا (عليه السلام) بالمدينة ، فقال علي (عليه السلام) : يا رسول الله ماكنت احب أن أتخلف عنك في شئ من امورك ، وأن أغيب عن مشاهدتك ، والنظر إلى هديك وسمتك . فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي (1) ، تقيم يا علي فان لك في مقامك من الاجر مثل الذي يكون لك لو خرجت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولك مثل أجور كل من خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) موقنا طائعا ، وان لك علي ـ يا علي ـ أن أسأل الله بمحبتك (2) أن تشاهد من محمد سمته في سائر أحواله ، ان الله (3) يأمر جبرئيل في جميع مسيرنا هذا (4) أن يرفع الارض التي نسير عليها ، والارض التي تكون أنت عليها ، ويقوي بصرك حتى تشاهد محمدا وأصحابه في سائر أحوالك وأحوالهم ، فلا يفوتك الانس من رؤيته ورؤية أصحابه ، ويغنيك ذلك عن المكاتبة والمراسلة .
  فقام رجل من مجلس زين العابدين (عليه السلام) لما ذكر هذا وقال له : يابن رسول الله كيف يكون هذا لعلي ، انما يكون هذا للانبياء ، لا لغيرهم ! فقال زين العابدين (عليه السلام) : هذا هو معجزة لمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا لغيره ، لان الله تعالى لما رفعه بدعاء محمد ، زاد في نوره أيضا بدعاء محمد حتى شاهد

--------------------
(1) تقدم حديث المنزلة ص 380 و 485 .
(2) ( وان لك على الله (يا على) لمحبتك ( ب ، س ، الاحتجاج ، والبحار .
(3) ( بأن ) الاحتجاج ، والبحار .
(4) ( غدا ) س ، ق ، د . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 562_
  ما شاهد ، وأدرك ما أدرك .
  ثم قال الباقر (عليه السلام) : ـ يا عبدالله ـ ما أكثر ظلم ـ كثير من ـ هذه الامة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأقل انصافهم له! ؟ يمنعون عليا ما يعطونه سائر الصحابة وعلي (عليه السلام) أفضلهم ، فكيف يمنعون منزلة يعطونها غيره ؟ قيل : وكيف ذاك يابن رسول الله ؟ قال : لانكم تتولون محبي أبي بكر بن أبي قحافة ، وتبرؤون من أعدائه كائنا من كان ، وكذلك تتولون عمر بن الخطاب ، وتبرؤون من أعدائه كائنا من كان ، وتتولون عثمان بن عفان ، وتبرؤون من أعدائه كائنا من كان ، حتى اذا صار إلى علي ابن أبي طالب (عليه السلام) قالوا : نتولى محبيه ولا نتبرأ من أعدائه ، بل نحبهم ! وكيف يجوز هذا لهم ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في علي : ( اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ) (1) ؟ أفتراهم لا يعادون (2) من عاداه و ـ لا يخذلون من ـ (3) خذله! ؟ ليس هذا بانصاف ! ثم اخرى أنهم اذا ذكر لهم ما اختص الله به عليا (عليه السلام) بدعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكرامته على ربه تعالى ، جحدوه ، وهم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من الصحابة فما الذي منع عليا (عليه السلام) ما جعله (4) لسائر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ هذا عمر بن الخطاب اذا قيل لهم : انه كان على المنبر بالمدينة يخطب اذ نادى في خلال خطبته : يا سارية (5) ، الجبل .
  وعجبت الصحابة وقالوا : ما هذا من

--------------------
(1) تقدم ص 111 ح 58 ضمن قصة الغدير مع بيان فراجع .
(2) ( أفترونه لا يعادى ) س ، ص ، ق ، د ، والاحتجاج .
(3) من البحار .
(4) ( ما جعلوه ) البحار .
(5) هو سارية بن زنيم بن عبدالله بن جابر الكنانى الديلى ، تناوله ابن الاثير (والقصة < (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _563_
  الكلام الذي في هذه الخطبة! فلما قضى الخطبة والصلاة قالوا : ما قولك في خطبتك يا سارية الجبل ؟ فقال : اعلموا أني ـ وأنا أخطب ـ رميت ببصري نحو الناحية التي خرج فيها اخوانكم إلى غزو الكافرين بنهاوند ، وعليهم سعد بن أبي وقاص ، ففتح الله لي الاستار والحجب ، وقوى بصري حتى رأيتهم وقد اصطفوا بين يدي جبل هناك ، وقد جاء بعض الكفار ليدوروا خلف سارية (1) ، وسائر من معه من المسلمين ، فيحيطوا بهم فيقتلوهم ، فقلت ( يا سارية ، البجل ) ليلتجئ اليه فيمنعهم ذلك من أن يحيطوا به ثم يقاتلوا ، ومنع الله اخوانكم المؤمنين أكتاف الكافرين (2) وفتح الله عليهم بلادهم ، فاحفظ هذا الوقت فسيرد الله عليكم الخبر بذلك .
  وكان بين المدينة ونهاوند (3) مسيرة أكثر من خمسين يوما .
  قال الباقر (عليه السلام) : فاذا كان هذا لعمر فكيف لا يكون مثل هذا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ ولكنهم قوم لا ينصفون ، بل يكابرون .
  ثم عاد الباقر (عليه السلام) إلى حديثه .
  عن علي بن الحسين (عليها السلام) قال : فكان الله تعالى يرفع البقاع التي عليها محمد (صلى الله عليه وآله) ويسير فيها ، لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى يشاهدهم على أحوالهم .
  قال علي (عليه السلام) : وان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان كلما أراد غزوة ورى بغيرها الا غزاة

--------------------
الملفقة) في الكامل : 3/ 42 عند ذكره ( فتح فسا ودارا بجرد ) ، واليعقوبى : 2/ 156 في فتح نهاوند .
(1) ( سعد ) ب ، س ، ص ، ق ، د .
(2) كناية عن نصر المؤمنين وهزيمة الكافرين ، وفى ( أ ، ص ، ق ، د ) وفتح ن أكتاف ...
(3) وهى مدينة عظيمة في قبلة همدان ؟ بينهما ثلاثة أيام ، وهى أعتق مدينة في الجبل ، (معجم البلدان : 5/ 313) ، أقول : وان كانت هذه القصة قد ذكرت بألفاظ مختلفة في بعض كتب التاريخ ، الا < (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 564 _
  تبوك ، فانه عرفهم أنه يريدها ! وأمرهم أن يتزودوا لها (1) فتزودوا لها دقيقا يختبزونه في طريقهم ، ولحما مالحا وعسلا وتمرا ، وكان زادهم كثيرا ، لان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان حثهم على التزود لبعد الشقة (2) وصعوبة المفاوز ، وقلة ما بها من الخيرات .
  فساروا أياما ، وعتق طعامهم ، وضاقت من بقاياه صدورهم ، فأحبوا طعاما طريا فقال قوم منهم : يا رسول الله قد سئمنا هذا الذي معنا من الطعام ، فقد عتق وصار يابسا (3) وكان يريح (4) ولا صبر لنا عليه .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( وما معكم ) ؟ قالوا : خبز ولحم قديد مالح وعسل وتمر .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فأنتم الان كقوم موسى لما قالوا له لن نصبر على طعام واحد ، فما الذي تريدون ؟ قالوا : نريد لحما طريا قديدا ، ولحما مشويا من لحوم الطير ، ومن الحلواء المعمول .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ولكنكم تخالفون في هذه الواحدة بني اسرائيل ، لانهم أرادوا البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل ، فاستبدلوا الذي هو أدني بالذي هو خير ، وأنتم تستبدلون الذي هو أفضل بالذي هو دونه ، وسوف أسأله لكم ربى.
  قالوا : يا رسول الله فان فينا من يطلب مثل ما طلبوا من بقلها وقثائها وفومها

--------------------
> أن جماعة من فقهاء أصحاب الحديث أنكروا صحته وطعنوا في راويه ، ناهيك عن رفض العقل لمثل هذه التخرصات ، ولا نريد الخوض أكثر في هذا المجال ، فاللبيب تكفيه الاشارة ، وانظر كتاب الاستغاثة : 150 .
(1) تقدم هذا الخبر ص 482 وله بيان .
(2) أى المسافة التى يشقها السائر .
(3) ( عفنا ) ص ، ( عائبا ) ب ، س ، ( غابا ) ط ، الغاب : اللحم البائت .
(4) أراح اللحم : أى أنتن ، وراح الشئ ويريحه اذا وجد ريحه (طيبا كان أو نتنا) ، ( يزنح ) أ ، ولعلها تصحيف ( زنخ ) أى تغير وفسد . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _565 _
  وعدسها وبصلها .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فسوف يعطيكم الله ذلك بدعاء رسول الله، فآمنوا به وصدقوه .
  ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عباد الله ان قوم عيسى لما سألوا عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء قال الله وتعالى : (اني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فاني اعذبه عذابا لا اعذبه أحدا من العالمين) (1) فأنزلها عليهم ، فمن كفر بعد منهم مسخه الله اما خنزيرا ، واما قردا واما دبا وأما هرا ، واما على صورة بعض من الطيور والدواب التي في البر والبحر حتى مسخوا على أربعمائة نوع من المسخ .
  فان محمدا رسول الله لا يستنزل لكم ما سألتموه من السماء حتى يحل بكافركم ما حل بكفار قوم عيسى (عليه السلام) ، وان محمدا أرأف بكم من أن يعرضكم لذلك (2) .
  ثم نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى طائر في الهواء فقال لبعض أصحابه : قل لهذا الطائر : ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرك أن تقع على الارض، فقالها فوقع .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أيها الطائر أن الله يأمرك أن تكبر ، وتزداد عظما .
  فكبر ، فازداد عظما حتى صار كالتل العظيم .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لاصحابه : أحيطوا به ، فأحاطوا به ، وكان عظم ذلك

--------------------
(1) المائدة : 115 .
(2) قد يتوهم أنه كيف قال (صلى الله عليه وآله) : لا يستنزل ـ استعراضا ـ بما حل ... ثم ؟ استنزل ؟! ويحتمل أن يكون قوله (صلى الله عليه وآله) في مقام فضله على عيسى (عليه السلام) ، فانه استنزل لهم ما سألوه حتى حل بكافرهم ما حل وأما نبى الرحمة (صلى الله عليه وآله) فانه ـ كما قال ـ لا يستنزل بهذا الوجه فانه أراف ، بل هو اما أن لا يستنزل ابتداءا أو يستنزل لهم ما سألوه بحيث لا يحل بهم ما حل بقوم عيسى (عليه السلام) ، ولذلك قال ثم استنزل ، ولم يذكر نزول عذاب ، كيف لا وقال عزوجل ( وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) الانفال : 33 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 566_
  الطائر أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم فوق عشرة آلاف اصطفوا حوله فاستدار صفهم .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أيها الطائر ان الله يأمرك أن تفارقك أجنحتك وزغبك وريشك .
  ففارقه ذلك أجمع ، وبقي الطائر لحما على عظم ، وجلده فوقه .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ان الله يأمرك أن يفارقك ـ أيها الطائر ـ عظام بدنك ورجليك ومنقارك. ففارقه ذلك أجمع ، وصار حول الطائر ، والقوم حول ذلك أجمع .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ان الله تعالى يأمر هذه العظام أن تعود (1) فثاء ؟ فعادت كما قال ثم قال : ان الله تعالى يأمر هذه الاجنحة والزغب والريش أن تعود بقلا وبصلا وفوما وأنواع البقول .
  فعادت كما قال .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عباد الله ضعوا الان أيديكم عليها ، فمزقوا منها بأيديكم ، وقطعوا منها بسكاكينكم فكلوه .
  ففعلوا .
  فقال بعض المنافقين وهو يأكل : ان محمدا يزعم ـ أن ـ في الجنة طيورا يأكل منها الجناني من جانب له قديدا ، ومن جانب ـ له ـ مشويا ، فهلا أرانا نظير ذلك في الدنيا ! فأوصل الله علم ذلك إلى قلب محمد ، فقال : عباد الله ليأخذ كل واحد منكم لقمته وليقل : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين ) وليضع لقمته في فيه ، فانه يجد طعم مايشاء قديدا ، وان شاء مشويا ، وان شاء مرقا طبيخا ، وان شاء سائر ماشاء من ألوان الطبيخ ، أو ماشاء من ألوان الحلواء .
  ففعلوا ذلك ، فوجدوا الامر كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى شبعوا .
  فقالوا : يارسول الله شبعنا ، ونحتاج إلى ماء نشربه .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أو لا تريدون اللبن ؟ أو لا تريدون سائر الاشربة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله فينا من يريد ذلك .

--------------------
(1) عاد الامر كذا : صار نحو ( عاد فلان شيخا ) . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 567 _
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ليأخذ كل واحد منكم لقمة منها ، فيضعها في فيه وليقل : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين ) فانه يستحيل في فيه ما يريد ، ان أراد ماء أو لبنا أو شرابا من الاشربة .
  ففعلوا ، فوجدوا الامر على ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ان الله يأمرك ـ أيها الطائر ـ أن تعود كما كنت ، ويأمر هذه الاجنحة والمنقار والريش والزغب التي قد استحالت إلى البقل والقثاء والبصل والفوم أن تعود جناحا وريشا وعظما كما كانت على قدر قالبها (1) .
  فانقلبت وعادت أجنحة وريشا وزغبا وعظاما ، ثم تركبت على قدر الطائر كما كانت .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) : أيها الطائر ان الله يأمر الروح التي كانت فيك فخرجت أن تعود اليك .
  فعادت روحها في جسدها .
  ثم قال (صلى الله عليه وآله) : أيها الطائر ان الله يأمرك أن تقوم فتطير كما كنت تطير .
  فقام فطار في الهواء وهم ينظرون اليه ، ثم نظروا إلى ما بين أيديهم ، فاذا لم يبق هناك من ذلك البقل والقثاء والبصل والفوم شئ (2) .
  الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين ـ الطاهرين الاخيار ـ تم الجزء الاول من تفسير الامام الحسن بن علي (3) بن محمد بن علي بن

--------------------
(1) ( قلتها ) أ ، البحار .
(2) عنه البحار : 14/ 235 ح 8 (قطعة) ، وج 21/ 237 ح 24 ورواه الطبرسى في الاحتجاج : 2/ 66 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكرى (عليه السلام) (إلى قوله : ولكنهم قوم لا ينصفون بل يكابرون) عنه البحار : 21/ 244 ملحق ح 24 ، واثبات الهداة : 2/ 52 ح 361 .
(3) بعدها في ( س ) هكذا : (عليهما السلام) وعلى آبائهما الطيبين الطاهرين في يوم الاثنين سابع ذى الحجة ستة وثمانين وثمانمائة هجرية على يد العبد الفقير الحقير إلى الله العلى القدير أضعف العباد ، وأقلهم للزاد ، وأرجاهم عفوا يوم المعاد، < (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 568_
  موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقد وفقني الله لاتمام هذا الجزء من تفسير الامام عليه وعلى ابنه وآبائه الطيبين السلام ، مما وجدنا مرتبا من أول الحمد إلى هذه الاية من سورة البقرة .
  ويتلوه شئ آخر من هذا التفسير مما وجد مفقودا مطلع الاية ، ساقطا من الاية المزبورة اليها بقدر ثلث جزء من الاجزاء الثلاثين للقرآن تقريبا .
  ونرجو الله أن يرزقنا الوصول إلى تمام هذا التفسير الجليل العظيم الكبير المتضمن لمعارف الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتهم الحاوي لعلومهم وأسرارهم واشاراتهم وتلويحاتهم بحسب مراتبهم ومقاماتهم من امامتهم وبشريتهم إلى حقائقهم .
  ونسأل الله بحقهم الواجب على ربهم أن يدخلنا في جملة العارفين بهم وبحقهم ، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم انه أرحم الراحمين وأكرم الاكرمين .
  وقد وفقني الله سبحان لكتابة هذا الجزء واتمامه في عشرين من شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة 1314 ـ (1) .

--------------------
> المتمسك بحب النبى الامى وأهل بيته المعصومين الراجى عفو الخالق البارى بابا حاجى بن سعد الدين بن حاجى على حامدا ومصليا ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وفى ( ق ، د ) هكذا : العسكرى (عليهما السلام) وعلى آبائهما الطيبين الطاهرين حامدا ومصليا ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
(1) ( في يوم سلخ شهر شعبان المعظم من شهور سنة 1206 ) ب ، ( في يوم الاحد سلخ شهر ربيع الثانى من شهور سنة 1252 ) خ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 569 _
بسم الله الرحمن الرحيم

  شئ آخر من هذا التفسير ، من هذه السورة ، مما وجد مفقودا مطلع الاية .
  332 ـ ... ثم قال (1) : يا امة ان قول الله عزوجل في الصفا والمروة حق (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا) فأكثري (2) الطواف ، فان الله شاكر (3) لصنيعه بحسن جزائه ، عليم بنيته ، وعلى حسب ذلك يعظم ثوابه ، ويكرم مآبه .
  يا أمة! هذا رسول الله قد شرفني ببنوة (4) علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فاشكري نعم الله الجليلة عليك ، فان من شكر النعم استحق مزيدها ، كما أن من كفرها استحق حرمانها .
  فقيل ذلك أيضا بعد لرسول الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : سيخرج منه كبراء ، وسيكون أبا عدة من الائمة الطاهرين ، وأبا القائم من آل محمد الذي

--------------------
(1) الظاهر من سياق العبارة وهى قوله : ( يا أمة ) إلى قوله ( وجورا ) أنها ليس في التفسير ، ولم تكن هى موجودة في النسخة الصحيحة المعتمدة ، والله أعلم ، حاشية ( ط ).
(2) كذا استظهرناها ، وفى الاصل : فاكثر .
(3) ( شاكر عليم ) ق ، د ، ط .
(4) ( بنبوته وولاية ) س . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 570 _
  يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ـ (1) (2) .
  قوله عزوجل : ( ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون الا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فاولئك اتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) : 159 ـ 160 333 ـ قال الامام (عليه السلام) : قوله عزوجل : (ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات) من صفة محمد وصفة علي وحليته (والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب) ـ قال : ـ والذى أنزلناه من ـ بعد ـ الهدى ، هو ما أظهرناه من الايات على فضلهم ومحلهم .
  كالغمامة التي كانت تظلل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أسفاره ، والمياه الاجاجة التي كانت تعذب في الابار والموارد (3) ببصاقه (4) والاشجار التى كانت تتهدل (5) ثمارها بنزوله تحتها ، والعاهات التى كانت تزول عمن يمسح يده عليه ، أو ينفث بصاقه فيها .
  وكالايات التي ظهرت على علي (عليه السلام) من تسليم الجبال والصخور والاشجار قائلة : ( يا ولي الله، ويا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ) والسموم القاتلة التي تناولها

--------------------
(1) كذا في ( ب ، س ، ط ) وفي ( أ ) : هذا تفسير اثنان وأربعون آية ، رزقنا الله بجاه محمد وآله الطيبين شئ آخر من بيرات ـ نيرات/ ظ ـ هذا التفسير من سورة البقرة أيضا وفى ( ص ) : شئ آخر من متممات هذا التفسير من سورة البقرة أيضا .
(2) عنه اثبات الهداة : 3/ 68 ح 752 قطعة .
(3) الورد ـ بكسر الواو ـ : الماء الذى يورد .
(4) ( ببزاقه ) أ ، والبحار ، وكذا بعدها ، وكلاهما بمعنى
(5) اى تتدلى . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 571_
  من سمى باسمه عليها ولم يصبه بلاؤها ، والافعال العظيمة : من التلال والجبال التي قلعها ورمى بها كالحصاة الصغيرة ، وكالعاهات التي زالت بدعائه ، والافات والبلايا التي حلت بالاصحاء بدعائه ، وسائرها مما خصه الله تعالى به من فضائله .
  فهذا من الهدى الذي بينه الله للناس في كتابه ، ثم قال : (اولئك) ـ أي اولئك ـ الكاتمون؟ ؟ لهذه الصفات من محمد (صلى الله عليه وآله) ومن علي (عليه السلام) المخفون لها عن طالبيها الذين يلزمهم ابداؤها لهم عند زوال التقية (يلعنهم الله) يلعن الكاتمين (ويلعنهم اللاعنون) .
  فيه وجوه : منها (يلعنهم اللاعنون) أنه ليس أحد محقا كان أو مبطلا الا وهو يقول : لعن الله الظالمين الكاتمين للحق ، ان الظالم الكاتم للحق ذلك يقول أيضا لعن الله الظالمين الكاتمين ، فهم على هذا المعنى في لعن كل اللاعنين ، وفي لعن أنفسهم .
  ومنها : أن الاثنين اذا ضجر بعضهما على بعض وتلاعنا ارتفعت اللعنتان ، فاستأذنتا ربهما في الوقوع لمن بعثتا عليه .
  فقال الله عزوجل للملائكة : انظروا ، فان كان اللاعن أهلا للعن وليس المقصود به أهلا فأنزلوهما جميعا باللاعن .
  وان كان المشار اليه أهلا ، وليس اللاعن أهلا فوجهوهما اليه .
  وان كانا جميعا لها أهلا ، فوجهوا لعن هذا إلى ذلك ، ووجهوا لعن ذلك إلى هذا .
  وان لم يكن واحد منهما لها أهلا لايمانهما ، وان الضجر أحوجهما إلى ذلك ، فوجهوا اللعنتين إلى اليهود الكاتمين نعت محمد وصفته ؟ (صلى الله عليه وآله) وذكر علي (عليه السلام) وحليته ، والى النواصب الكاتمين لفضل علي ، والدافعين لفضله .
  ثم قال الله عزوجل : (الا الذين تابوا) من كتمانه (وأصلحوا) أعمالهم ، وأصلحوا ماكانوا أفسدوه بسوء التأويل فجحدوا به فضل الفاضل

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 572_
  واستحقاق المحق (وبينوا) ما ذكره الله تعالى من نعت محمد (صلى الله عليه وآله) وصفته ومن ذكر علي (عليه السلام) وحليته ، وما ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) (فاولئك أتوب عليهم) أقبل توبتهم (وأنا التواب الرحيم) (1) .
  قوله عزوجل : ( ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون ) 161 ـ 162 .
  334 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الله تعالى : (ان الذين كفروا) بالله في ردهم نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ، وولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) (وماتوا وهم كفار) على كفرهم (اولئك عليهم لعنة الله) يوجب الله تعالى لهم البعد من الرحمة ، والسحق (2) من الثواب (والملائكة) وعليهم لعنة الملائكة يلعنونهم (والناس أجمعين) ولعنة الناس أجمعين كل يلعنهم ، لان كل المأمورين المنهيين (3) يلعنون الكافرين ، والكافرون أيضا يقولون : لعن الله الكافرين ، فهم في لعن أنفسهم أيضا (خالدين فيها) في اللعنة ، في نار جهنم (لا يخفف عنهم العذاب) يوما ولا ساعة (ولاهم ينظرون) لا يؤخرون ساعة ، ولا يخل (4) بهم العذاب (5) .
  335 ـ قال على بن الحسين (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ان هؤلاء الكاتمين لصفة ـ محمد ـ رسول الله صلى ، والجاحدين لحلية علي ولي الله اذا أتاهم

--------------------
(1) عنه البحار : 36/ 107 ح 57 ، وج 72/ 209 ح 5 قطعة ، ومستدرك الوسائل : 2/ 110 باب 140 ح 3 .
(2) السحق : البعد ، يقال ( سحقا له ) أى أبعده الله عن رحمته .
(3) ( كلا من المأمورين المنتهين ) س ، ق ، د ، والبحار
(4) ( الا يحل ) ب ، س ، ط ، ق ، د ، والبحار ، أخل بالشئ : قصر فيه ، تركه ولم يأت به .
(5) عنه البحار : 6/ 189 صدر ح 33 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _573_
  ملك الموت ليقبض أرواحهم ، أتاهم بأفظع المناظر ، وأقبح الوجوه ، فيحيط بهم عند نزع أرواحهم مردة شياطينهم الذين كانوا يعرفونهم ، ثم يقول ملك الموت :أيشري؟ ؟ أيتها النفس الخبيثة الكافرة بربها بجحد نبوة نبيه ، وامامة علي وصيه بلعنة من الله وغضبه ، ثم يقول : ارفع رأسك وطرفك وانظر ، ـ فينظر ـ فيرى دون العرش محمدا (صلى الله عليه وآله) على سرير بين يدي عرش الرحمن ، ويرى عليا (عليه السلام) على كرسي بين يديه، وسائر الائمة (عليهم السلام) على مراتبهم الشريفة بحضرته ، ثم يرى الجنان قد فتحت أبوابها ، ويرى القصور والدرجات والمنازل التي تقصر عنها أماني المتمنين ، فيقول له : لو كنت لاولئك مواليا كانت روحك يعرج بها إلى حضرتهم ، وكان يكون مأواك في تلك الجنان ، وكانت تكون منازلك فيها (1) ، وان كنت على مخالفتهم ، فقد حرمت ـ على ـ حضرتهم ، ومنعت مجاورتهم ، وتلك منازلك ، واولئك مجاوروك ومقاربوك ، فانظر .
   فيرفع له عن حجب الهاوية ، فيراها بما فيها من بلاياها ودواهيها وعقاربها وحياتها وأفاعيها وضروب عذابها وأنكالها (2) ، فيقال له : فتلك اذن منازلك .
  ثم تمثل له شياطينه هؤلاء الذين كانوا يغوونه ويقبل منهم مقرنين معه هناك في تلك الاصفاد (3) والاغلال ، فيكون موته بأشد حسرة وأعظم أسف (4) .
  قوله عزوجل : ( والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم ) : 163 .
  336 ـ قال الامام (عليه السلام) : والهكم الذي أكرم محمدا (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام) بالفضيلة وأكرم آلهما الطيبين بالخلافة ، وأكرم شيعتهم بالروح والريحان والكرامة والرضوان

--------------------
(1) في البحار بلفظ : وكانت تكون منازلك وأولياؤك ومجاوروك ...
(2) النكل ـ بكسر النون ـ : القيد الشديد من كل شئ .
3) الصفد : الوثاق .
(4) عنه البحار : 6/ 190 ذ ح 33 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 574 _
  (اله واحد) لا شريك له ولا نظير ولا عديل .
  (لا اله الا هو) الخالق (1) ، البارئ ، المصور ، الرازق (2) ، الباسط ، المغني ، المفقر ، المعز ، المذل .
  (الرحمن) يرزق مؤمنهم وكافرهم ، وصالحهم وطالحهم ، لا يقطع عنهم مواد فضله ورزقه ، وان انقطعوا هم عن طاعته .
  (الرحيم) بعباده المؤمنين من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) ، وسع لهم في التقية يجاهرون ، باظهار موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه اذا قدروا ، ويسترونها (3) اذا عجزوا (4) .
  337 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ولو شاء لحرم عليكم التقية ، وأمركم بالصبر على ما ينالكم من أعدائكم عند اظهاركم الحق .
  ألا فأعظم فرائص الله تعالى عليكم بعد فرض موالاتنا ومعاداة أعدائنا استعمال التقية على أنفسكم واخوانكم (5) ـ ومعارفكم ، وقضاء حقوق اخوانكم ـ في الله.
  ألا وان الله يغفر كل ذنب بعد ذلك ولا يستقصي .
  فأما هذان (6) فقل من ينجو منهما الا بعد مس عذاب شديد ، الا أن يكون لهم مظالم على النواصب والكفار ، فيكون عذاب هذين على اولئك الكفار والنواصب قصاصا بما لكم عليهم من الحقوق ، ومالهم اليكم من الظلم ، فاتقوا الله ولا تتعرضوا لمقت الله بترك التقية ، والتقصير في حقوق اخوانكم المؤمنين ، (7)

--------------------
(1) ( الخلاق ) أ ، والبحار .
(2) ( الرزاق ) أ .
(3) ( يسرون بها ) الوسائل .
(4) عنه الوسائل : 11/ 475 ح 12 قطعة والبحار : 75/ 409 صدر ح 52 .
(5) ( أموالكم ) الوسائل .
(6) أى تارك التقية وتارك الحقوق .
(7) عنه الوسائل : 11/ 475 ح 13 ، والبحار : 75/ 409 ذ ح 52 ، أقول تقدم نحو ذلك في وجوب الاهتمام بالتقية وقضاء الحقوق ص 320، فراجع . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 575 _
  قوله عزوجل : ( ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون : ) 164 .
  338 ـ قال الامام (عليه السلام) : لما توعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليهود والنواصب في جحد النبوة والخلافة ، قال مردة اليهود وعتاة النواصب : من هذا الذي ينصر محمدا وعليا على أعدائهما ؟ فأنزل الله عزوجل (ان في خلق السموات والارض) بلا عمد من تحتها تمنعها من السقوط ، ولا علاقة من فوقها تحبسها (1) من الوقوع عليكم ، وأنتم يا أيها العباد والاماء اسرائي في قبضتي ، الارض من تحتكم لا منجا لكم منها أين (2) هربتم ، والسماء من فوقكم لا محيص لكم عنها أين ذهبتم ، فان ـ شئت أهلكتكم بهذه ، وان ـ شئت أهلكتكم بتلك .
  ثم في السماوات من الشمس المنيرة في نهاركم لتنتشروا في معايشكم ، ومن القمر المضئ لكم في ليلكم لتبصروا في ظلماته ، وألجاؤكم بالاستراحة بالظلمة إلى ترك مواصلة الكد الذي ينهك أبدانكم .
  (واختلاف الليل والنهار) المتتابعين الكادين (3) عليكم بالعجائب التي يحدثها ربكم في عالمه من اسعاد واشقاء ، واعزاز واذلال، واغناء وافقار ، وصيف وشتاء ، وخريف وربيع ، وخصب وقحط ، وخوف وأمن .
  (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) التي جعلها الله مطاياكم

--------------------
(1) ( تحفظها ) أ ، حبس عن الشئ : منعه .
(2) ( ان ) ب ، س ، ط ، ق ، د ، والبحار ، وكذا بعدها .
(3) من الكد بمعنى الشدة والالحاح في الطلب ، كناية عن عدم تخلفهما ، والباء في قوله (عليه السلام) ( بالعجائب ) بمعنى مع ، قاله المجلسى ره . (*)