(وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق لولا انزل إليه ملك) إلى قوله (رجلا مسحورا) (1) (2) .
  (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) .
  (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا ـ إلى قوله ـ كتابا نقرؤه) (3) ثم قيل له في آخر ذلك : لو كنت نبيا كموسى لنزلت (4) علينا الصاعقة في مسألتنا إليك (5) ، لان مسألتنا أشد من مسألة قوم موسى لموسى .
  قال : وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم : الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأبوالبختري بن هشام وأبوجهل بن هشام ، والعاص بن وائل السهمي ، وعبدالله بن أبي امية المخزومي ، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه .
  فقال المشركون بعضهم لبعض : لقد استفحل (6) أمر محمد ، وعظم خطبه فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته (7) وتوبيخه ، والاحتجاج عليه ، وإبطال ماجاء به ليهون خطبه على أصحابه ، ويصغر قدره عندهم ، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه ، فان انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر .
  قال أبوجهل : فمن ـ ذا ـ (8) الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ قال عبدالله بن أبي امية المخزومي : أنا إلى ذلك ، أفما ترضاني له قرنا حسيبا (9) ، ومجادلا كفيا ؟ قال أبوجهل : بلى .

--------------------
(1) الفرقان : 7 ـ 8 .
(2) الزخرف : 31 .
(3) الاسراء : 90 ـ 93 .
(4) ( أنزلت علينا كسفا من السماء وأنزلت ) الاحتجاج ، ( أنزلت ) ق ، د .
(5 ( اياك ) أ ، والبرهان .
(6) أى قوى واشتد .
(7) أى تعنيفه وتقريعه .
(8) الاحتجاج .
(9) أى كفؤا له حسب ، ( حسنا ) ب ، س ، د . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)_ 502 _

  فأتوه بأجمعهم ، فابتدأ عبدالله بن أبي امية المخزومي فقال : يا محمد ، لقد أدعيت دعوى عظيمة ، وقلت مقالا هائلا (1) ، زعمت أنك رسول الله رب العالمين ، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسولا له ! بشر (2) مثلنا ، تأكل كما نأكل ، وتمشي في الاسواق كما نمشي ، فهذا ملك الروم ، وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال ، عظيم الحال ، له قصور ودور ـ وبساتين ـ وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم أجمعين ، فهم عبيده ، ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا ، لا بشرا مثلنا ، ما أنت يا محمد إلا مسحورا ، ولست بنبي .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هل بقي من كلامك شئ ؟ قال : بلى ، لو أراد الله أن يبعث رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا ، وأحسنه حالا ، فهلا نزل هذا القرآن ـ الذي تزعم أن الله أنزله عليك ، وابتعثك به رسولا ـ على رجل من القريتين عظيم : إما الوليد بن المغيرة بمكة ، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هل بقي من كلامك شئ يا عبدالله ؟ قال : بلى ، لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه ، فانها ذات حجارة وعرة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها ، وتجري فيها العيون ، فاننا إلى ذلك محتاجون ، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب ، فتأكل منها وتطعمنا ، فتفجر الانهار خلالها ـ خلال تلك النخيل والاعناب ـ تفجيرا ، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، فانك قلت لنا : (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم (3) ولعلنا نقول ذلك .
  ثم قال : ولن نؤمن لك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون

--------------------
(1) ( هائما ) أ ، ص ، ط ، هام في الامر بهيم : تحير فيه .
(2) ( أنت ) ق
(3) الطور : 44 ، مركوم : تراكم بعضه فوق بعض . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 503 _
  أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه ، وتغنيا به فلعلنا نطغى ، فانك قلت لنا : (كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى) (1) .
  ثم قال : أو ترقى في السماء ـ أي تصعد في السماء ـ ولن نؤمن لرقيك ـ لصعودك ـ حتى تنزل علينا كتابا نقرأه : من الله العزيز الحكيم إلى عبدالله بن أبي امية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ، فانه رسولي وصدقوه في مقاله فانه من عندي .
  ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله اؤمن بك أو لا اؤمن بك ، بل لو رفعتنا إلى السماء ، وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا : إنما سكرت (2) أبصارنا وسحرتنا .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عبدالله أبقي شئ من كلامك ؟ قال : يا محمد أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ؟ مابقي شئ فقل ما بدا لك وافصح (3) عن نفسك إن كانت لك حجة ، وأتنا بما سألناك .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اللهم أنت السامع لكل صوت ، والعالم بكل شئ تعلم ماقاله عبادك .
  فأنزل الله عليه : يا محمد (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق ـ إلى قوله ـ رجلا مسحورا) (4) .
  ثم قال الله تعالى : (انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (5) .
  ثم قال الله: يا محمد (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا) (6) .
  وأنزل عليه : يا محمد (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك) (7) الآية .

--------------------
(1) العلق : 6 ـ 7 .
(2) أى حبست عن النظر وتحيرت .
(3) أفصح عن الشئ : كشفه وبينه .
(4) الفرقان : 7 ـ 8 .
(5) الاسراء : 48 .
(6) الفرقان : 10 .
(7) هود : 12 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 504 _
  وأنزل عليه : يا محمد (وقالوا لولا انزل عليه ملك ، ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر ـ إلى قوله ـ وللبسنا عليهم ما يلبسون ) (1) .
  فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عبدالله أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون ، وزعمت أنه لا يجوز لاجل هذه أن أكون لله رسولا ، فانما الامر لله يفعل مايشاء ويحكم ما يريد ، وهو محمود ، ليس لك ولا لاحد الاعتراض عليه بلم وكيف .
  ألا ترى أن الله تعالى كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا ، وأعز بعضا ، وأذل بعضا وأصح بعضا وأسقم بعضا ، وشرف بعضا ووضع بعضا ، وكلهم ممن يأكل الطعام .
  ثم ليس للفقراء أن يقولوا : لم أفقرتنا وأغنيتهم ؟ ولا للوضعاء أن يقولوا : لم وضعتنا وشرفتهم ؟ ولا للزمنى (2) والضعفاء أن يقولوا : لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم ؟ ولا للاذلاء أن يقولوا : لم أذللتنا وأعززتهم ؟ ولا لقبائح الصور أن يقولوا : لم قبحتنا وجملتهم ؟ بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين ، وله في أحكامه منازعين ، وبه كافرين ، ولكان جوابه لهم : ـ إني ـ أنا الملك ، الخافض الرافع ، المغني المفقر ، المعز المذل ، المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي ، والانقياد لحكمي ، فان سلمتم كنتم عبادا مؤمنين ، وإن أبيتم كنتم بي كافرين ، وبعقوباتي من الهالكين .
  ثم أنزل الله تعالى عليه : يا محمد (قل إنما أنا بشر مثلكم) يعني آكل الطعام (يوحى إلي أنما الهكم إله واحد) (3) يعني قل لهم : أنا في البشرية مثلكم ، ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم ، كما يخص بعض البشر بالغناء والصحة والجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكرواأن يخصني أيضا بالنبوة .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وأما قولك : ( ـ إن ـ هذا ملك الروم ، وملك الفرس

--------------------
(1) الانعام : 8 ـ 9 .
(2) واحدها زمن ، وهو المصاب بعاهة أو مرض مزمن .
(3) الكهف : 110 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _505 _
  لا يبعثان رسولا إلا كثير المال ، عظيم الحال ، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ( فان الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك ، ولا باقتراحك ، بل يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد وهو محمود ياعبدالله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ، ويدعوهم إلى ربهم ، ويكد نفسه في ذلك آناء الليل وأطراف النهار ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والامور تتباطأ ما ؟ أو ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجرى الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون ؟ يا عبدالله وإنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته ، وأنه هو الناصر لرسوله ، لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته (1) ، فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فاوسعكم قتلا وأسرا ، ثم يظفرني الله ببلادكم ، و (2) يستولي عليها المؤمنون من دونكم ، ودون من يوافقكم على دينكم .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وأما قولك لي : ( ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث ملكا لا بشرا مثلنا ) فالملك لا تشاهده حواسكم ، لانه من جنس هذا الهواء ، لا عيان منه ، ولو شاهدتموه ـ بأن يزاد في قوى أبصاركم ـ لقلتم : ليس هذا ملكا ، بل هذا بشر ، لانه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقاله ، وتعرفوا به خطابه ومراده ، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن مايقوله حق ؟ بل إنما بعث الله بشرا ، وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم ، فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة وأن ذلك شهادة من الله تعالى بالصدق له ، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر ، لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه

--------------------
(1) ( رسالاته ) خ ل ، والاحتجاج .
(2) ( ثم ) أ ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 506_
  من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا .
  ألا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز ، لان لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ، ولو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا ، فالله عزوجل سهل عليكم الامر ، وجعله بحيث تقوم عليكم حجته ، وأنتم تقترحون عمل الصعب (1) الذي لا حجة فيه .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وأما قولك : ( ما أنت إلا رجلا مسحورا ) فكيف أكون كذلك ، وقد تعلمون أني في صحة التمييز والعقل فوقكم ؟ فهل جربتم علي منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة جريرة (2) أو زلة أو كذبة أو خيانة (3) أو خطأ من القول ، أو سفها من الرأي ؟ أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته ؟ وذلك ما قال الله تعالى : (انظر كيف ضربوا لك الامثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (4) إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وأما قولك : لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم : الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بالطائف ، فان الله تعالى ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ، ولا خطر (5) له عنده كما ـ له ـ عندك ، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به ، مخالفا له شربة ماء ، وليس قسمة رحمة الله إليك ، بل الله ـ هو ـ القاسم للرحمات ، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه ، وليس هو عزوجل ممن يخاف أحدا كما تخافه ـ أنت ـ لماله وحاله ، فتعرفه بالنبوة لذلك ، ول

--------------------
(1) ( الضعيف ) ب ، س ، ط .
(2) ( خزية ) ب ، س ، ط ، ق ، د ، الاحتجاج ، والبحار ، الجريرة : الذنب والجناية .
(3) ( جناية ) أ ، والبحار ، ( خناء ) ب ، س ، ص ، ق ، د ، الخنا : الفحش في الكلام ، جنى جناية : ارتكب ذنبا .
(4) الفرقان : 9 .
(5) أى قدر . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _507 _
  ممن يطمع في أحد في ماله ـ أو في حاله ـ كما تطمع ، فتخصه بالنبوة لذلك ، ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب ، فتقدم من لا يستحق التقديم .
  وإنما معاملته بالعدل ، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين وجلاله إلا الافضل في طاعته والاجد في خدمته (1) وكذلك لايؤخر في مراتب الدين وجلاله إلا أشدهم تباطؤا عن طاعته ، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله ، وليس لاحد من عباده عليه ضربة لازب (2) .
  فلا يقال : إذا تفضل بالمال على عبده فلابد ـ من ـ أن يتفضل عليه بالنبوة أيضا لانه ليس لاحد إكراهه ، على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا ، لانه تفضل قبله بنعمه .
  ألا ترى يا عبدالله كيف أغنى واحدا وقبح صورته ؟ وكيف حسن صورة واحد وأفقره ؟ وكيف شرف واحدا وأفقره ؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه ؟ ثم ليس لهذا الغني أن يقول : وهلا اضيف إلى يساري جمال فلان ؟ ولا للجميل أن يقول : هلا اضيف إلى جمالي مال فلان ؟ ولا للشريف أن يقول : هلا اضيف إلى شرفي مال فلان ؟ ولا للوضيع أن يقول : ( هلا اضيف إلى ضعتي شرف فلان ؟ ولكن الحكم لله ، يقسم كيف يشاء ويفعل كما (3) يشاء ، وهو حكيم في أفعاله ، محمود في أعماله وذلك قوله تعالى : (وقالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (4) .
  قال الله تعالى : (أهم يقسمون رحمت ربك ـ يا محمد ؟ ـ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) (5) فأحوجنا بعضا إلى بعض ، أحوجنا : هذا إلى مال ذلك

--------------------
(1) ( محبته ) ص ، ق .
(2) يقال ( صار الامر ضربة لازب ) أى صار لازما ثابتا ، ( وفى ) أ ، ق لازمة بدل ( لازب ) ( ضريبة ) ب ، ق ، ص ، ط ، الاحتجاج والبحار بدل ( ضربة ) ، قال المجلسى (ره) : الضريبة ما يؤدى العبد إلى سيده من الخراج المقدر عليه .
(3) ( ما ) ب ، ط .
(4) الزخرف : 31 .
(5) الزخرف : 32 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 508 _
  وأحوج ذاك إلى سلعة هذا ، ـ وهذا ـ إلى خدمته ، فترى أجل الملوك وأغنى الاغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب : إما سلعة معه ليست معه ، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني ـ إلا ـ (1) به ، وإما باب من العلوم والحكم ، فهو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير ، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني ، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ، ثم ليس للفقير أن يقول : هلا : اجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكم (2) مال هذا الملك الغني ؟ ولا للملك أن يقول هلا اجتمع إلى ملكي علم هذا الفقير .
  ثم قال : (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) .
  ثم قال : يا محمد (3) (ورحمت ربك خير مما يجمعون) (4) يجمع هؤلاء من أموال الدنيا .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وأما قولك : ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا ) إلى آخر ماقلته ، فانك اقترحت على محمد رسول الله أشياء : منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته ، ورسول الله يرتفع عن أن يغتنم جهل جاهلين ، ويحتج عليهم بما لا حجة فيه .
  ومنها ما لو جاءك به لكان معه هلاكك ، وإنما يؤتي بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان بها ، لا ليهلكوا بها ، فانما اقنرحت هلاكك ، ورب العالمين أرحم بعباده، وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون.
  ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ، ورسول ـ الله ـ رب العالمين يعرفك ذلك ، ويقطع معاذيرك ، ويضيق عليك سبيل مخالفته ، ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه (5) محيد ولا محيص .

--------------------
(1) من البحار والاحتجاج .
(2) ( الحكمة ) الاحتجاج .
(3) زاد في الاحتجاج والبحار : قل لهم .
(4) الزخزف : 32 .
(5) ( عند ذلك ) البحار ، والمحيد والمحيص : المهرب . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 509 _
  ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد ، لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان ، ومن كان كذلك فدواؤه عقاب النار النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه .
  وأما قولك يا عبدالله : ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة فأنها ذات حجارة وصخور وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها ، وتجري فيها العيون فاننا إلى ذلك محتاجون ) فانك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله تعالى .
  يا عبدالله أرأيت لو فعلت هذا ، كنت من أجل هذا نبيا ؟ (1) أرأيت الطائف التى لك فيها بساتين ؟ أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها (2)؟ قال : بلى .
  قال : وهل لك في هذا نظراء ؟ قال : بلى .
  أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء ؟ قال : لا .
  قال : فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته ، فما هو إلا كقولك : لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الارض أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس .
  واما قولك يا عبدالله : ( أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الانهار خلالها تفجيرا ) أو ليس لاصحابك ولك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها ، وتفجرون الانهار خلالها تفجيرا ؟ أفصرتم أنبياء بهذا ؟ قال : لا .
  قال : فما بال اقتراحكم على رسول الله أشياء ، لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه ، بل لو تعاطاها لدل تعاطيه إياها على كذبه ، لانه حينئذ يحتح بما لا حجة فيه ، ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا .

--------------------
(1) زاد في الاحتجاج والبحار : قال : لا ، قال (رسول الله) .
(2) استنبط لبئر : استخرج ماءها . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 510_
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عبدالله واما قولك : ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، فأنك قلت : وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ) فان في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم .
  فانما تريد بهذا من رسول الله أن يهلكك ، ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك ولا يهلكك ، ولكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب اقتراح عباده .
  لان العباد جهال بما يجوز من الصلاح ، وبما لا يجوز منه ، وبالفساد وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه .
  ـ إذ لو كانت إقتراحاتهم واقعة لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم ، ويقترح غيرك أن لا تسقط عليكم السماء بل أن ترفع الارض إلى السماء ، وتقع السماء عليها ، وكان ذلك يتضاد ، ويتنافى أو يستحيل وقوعه ـ والله لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال .
  ثم قال الله رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وهل رأيت يا عبدالله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم ، وانما يفعل بهم ما يعلم صلاحهم فيه ، أحبه العليل أو كرهه ، فأنتم المرضى والله طبيبكم ، فان انقدتم لدوائه شفاكم ، وإن تمردتم عليه أسقمكم ، وبعد ، فمتى رأيت يا عبدالله مدعي حق قبل (1) رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم ـ فيما مضى ـ بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه ؟ إذن ما كان يثبت لاحد على أحد دعوى ولا حق ، ولا كان بين ظالم من مظلوم ولا صادق من كاذب فرق .
  ثم قال : يا عبدالله واما قولك : ( أو تاتى بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم ) فان هذا من المحال الذي لا خفاء به ، إن ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجئ ويذهب ، ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال ، وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر وتعلم ولا تغني

--------------------
(1) ( من قبل ) الاحتجاج ، والبحار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 511 _
  عنكم شيئا ولا عن أحد .
  يا عبدالله أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها ؟ قال : بلى .
  قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال : بسفرائي .
  قال : أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك (1) وخدمك لسفرائك : لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبدالله بن أبي امية لنشاهد فنسمع ماتقولون عنه شفاها .
  كنت تسوغهم هذا ، أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال : لا .
  قال : فما الذي يجب على سفرائك ؟ أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم ، فيجب عليهم أن يصدقوهم ؟ قال : بلى .
  قال : يا عبدالله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا ، عاد إليك وقال : قم معي فانهم قد اقترحوا علي مجيئك ، أليس يكون ـ هذا ـ لك مخالفا ، وتقول له : إنما أنت رسولا لا مشير ولا آمر ؟ قال : بلى .
  قال : فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا تسوغ لاكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ؟ وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم (2) إلى ربه ، بأن يأمر عليه وينهى ، وأنت لا تسوغ مثل هذا لرسولك إلى أكرتك وقوامك ؟ هذه حجة قاطعة لابطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبدالله .
  واما قولك يا عبدالله : ( أو يكون لك بيت من زخرف ) وهو الذهب ، أما بلغك أن لعزيز مصر بيوتا من زخرف ؟ قال : بلى .
  قال : أفصار بذلك نبيا ؟ قال : لا .
  قال : فكذلك لا يوجب ذلك لمحمد ـ لو كان له ـ نبوة ، ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله.

--------------------
(1) أى الزراع والحراث .
(2) ( يستقدم ) أ ، ط ، ( يتقدم ) خ ل ، استذم إلى فلان : فعل ما يذمه عليه . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 512_
  واما قولك يا عبدالله : ( أو ترقى في السماء ) .
  ثم قلت : ( ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ) يا عبدالله ! الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها ، وإذا اعترفت على نفسك بأنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول .
  ثم قلت : ( حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ، ومن بعد ذلك لا أدري اومن بك أولا اؤمن بك ) فأنت يا عبدالله مقر بأنك تعاند حجة الله عليك ، فلا دواء لك إلا تأديبه ـ لك ـ على يد أوليائه من البشر ، أو ملائكته : الزبانية ، وقد أنزل الله تعالى علي حكمة جامعة لبطلان كل ما اقترحته .
  فقال تعالى : (قل ـ يا محمد ـ سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) (1) ما أبعد ربي عن أن يفعل الاشياء على ـ قدر ـ ما يقترحه الجهال بما يجوز وبما لا يجوز وهل كنت إلا بشرا رسولا ، لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني ، وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ولا اشير ، فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه .
  فقال ابوجهل : يا محمد هاهنا واحدة ، ألست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة ؟ ـ قال : بلى .
  قال : ـ (2) فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن أيضا ، فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسى (عليه السلام) لانهم بزعمك قالوا : ( أرنا الله جهرة ) ونحن قلنا : ( لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا نعاينهم ) .

قصة رؤية ابراهيم (عليه السلام) ملكوت السماوات والارض:

  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أبا جهل أوما علمت قصة إبراهيم الخليل (عليه السلام) لما رفع في الملكوت ، وذلك قول ربي :

--------------------
(1) الاسراء : 93 .
(2) من الاحتجاج والبحار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _513_
  (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين) (1) قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الارض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك ، فهلكا ، ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما ، فأوحى الله تعالى إليه : يا إبراهيم اكفف دعوتك من عبادى وإمائي ، فاني أنا الغفور الرحيم الحنان الحليم ، لا تضرني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم (2) لشفاء الغيظ كسياستك ، فاكفف دعوتك عن عبادي ، فانما أنت عبد نذير لا شريك في المملكة (3) ، ولا مهيمن علي ، ولا على عبادي وعبادي ، معي بين خلال (4) ثلاث : إما تابوا إلى فتبت عليهم ، وغفرت ذنوبهم ، وسترت عيوبهم .
  وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون ، فأرفق بالآباء الكافرين ، وأتأنى بالامهات الكافرات ، وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم، فاذا تزايلوا (5) حل بهم عذابي وحاق بهم بلائي .
  وإن لم يكن هذا ولا هذا فان الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم فان عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي .
  يا إبراهيم فخل بيني بين عبادي، فاني أرحم بهم منك ، وخل بيني وبين عبادي فاني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم ، ادبرهم بعلمي ، وانفذ فيهم قضائي وقدري .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن الله تعالى ـ يا أبا جهل ـ إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة : عكرمة ابنك ، وسيلي من امور المسلمين ما إن (6) أطاع الله ورسوله فيه كان عند الله جليلا ، وإلا فالعذاب نازل عليك .

--------------------
(1) الانعام : 75 .
(2) ساس ـ يسوس سياسة ـ القوم : دبرهم وتولى أمرهم .
(3) ( الملك ) الاحتجاج .
(4) ( حال ) ق ، د .
(5) أى تفارقوا .
(6) تدبر معنى ان الشرطية وجوابها . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 514 _
   وكذلك سائر قريش السائلين لما سألوه هذا إنما امهلوا لان الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد ، وينال به السعادة ، فهو تعالى لا يقطعه عن تلك السعادة ، ـ ولا يبخل بها عليه (1) ، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لايصال ابنه إلى السعادة ـ ، ولو لا ذلك لنزل العذاب بكافتكم فانظر نحو السماء .
  فنظر فاذا أبوابها مفتحة ، وإذا النيران نازلة منها مسامتة (2) لرؤوس القوم تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين أكتافهم ، فارتعدت فرائص (3) أبي جهل والجماعة .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تروعنكم فان الله لا يهلككم بها ، وإنما أظهرها عبرة .
  ثم نظروا ، وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى أعادتها في السماء كما جاءت (4) منها .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : بعض هذه الانوار أنوار من قد علم الله أنه سيسعده بالايمان بي منكم من بعد ، وبعضها أنوار ذرية طيبة ستخرج من بعضكم ممن لا يؤمن وهم مؤمنون (5) .
  قوله عزوجل : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره ان الله على كل شئ قدير ) : 109

--------------------
(1) ( ينحل بها عليه اثم ) أ ، ص .
(2) أى محاذية .
(3) جمع فريصة وهى اللحمة بين الجنب والكتف ، أو بين الثدى والكتف ترعد عند الفزع يقال : ارتعد فريصته : أى فزع فزعا شديدا .
(4) ( كانت (ثم) جاءت ) الاصل .
(5) عنه البرهان : 2/ 496 ح 1 قطعة ، وج 4/ 140 ح 3 قطعة ، وعنه في البحار : 9/ 269 ح 2 وعن الاحتجاج : 1/ 26 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكرى (عليه السلام) ، وأخرج قطعة منه في البحار : 59/ 171 ح 1 ، واثبات الهداة : 2/ 10 ح 307 عن الاحتجاج . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _515 _
  315 ـ قال الامام الحسن بن علي أبوالقائم (عليهما السلام) : في قوله تعالى : (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا) بما يوردونه (1) عليكم من الشبه (2) (حسدا من عند أنفسهم) لكم بأن أكرمكم بمحمد وعلي وآلهما الطيبين الطاهرين (من بعد ماتبين لهم الحق) بالمعجزات الدالات على صدق محمد وفضل علي وآلهما الطيبين من بعده .
  (فاعفوا واصفحوا) عن جهلهم ، وقابلوهم بحجج الله، وادفعوا بها أباطيلهم (حتى يأتي الله بأمره) (3) فيهم بالقتل يوم فتح مكة ، فحينئذ تجلونهم من بلد مكة ومن جزيرة العرب ، ولا تقرون بها كافرا .
  (إن الله على كل شئ قدير) ولقدرته على الاشياء قدر ما هو أصلح لكم في تعبده إياكم من مداراتهم ومقابلتهم بالجدال بالتي هي أحسن(4) .
  316 ـ قال (عليه السلام) : وذلك أن المسلمين لما أصابهم يوم احد من المحن ماأصابهم لقي قوم من اليهود ـ بعده بأيام ـ عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فقالوا لهما : ألم تريا ما أصابكم يوم احد ؟ إنما يحرب (5) كأحد طلاب ملك الدنيا ، حربه سجالا (6) ، فتارة

--------------------
(1) ( يعدونه ) أ .
(2) ( الشبهة ) ص ، والبرهان ، الشبهة : ما يلتبس فيه الحق بالباطل والحلال بالحرام ، ج شبه وشبهات .
(3) انظر مطلع الخطاب للمؤمنين : ( يا أيها الذين آمنوا ... ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم ... ـ إلى أن قال ـ أم تريدون أن تسئلوا ... فبعد ذلك كله يقول ـ فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره ، البقرة : 104 ـ 109 فهو لا ينحصر بأمر واحد بل هو كلى : فمرة أتى أمره تعالى بالقتل يوم فتح مكة ... واخرى النبى (صلى الله عليه وآله) ـ الذى لا ينطق عن الهوى ـ باخراج أهل الكتاب من جزيرة العرب ، فتدبر .
(4) عنه البحار : 9/ 184 ح 13 ، وج 94/ 16 صدر ح 12 ، وج 100/ 67 ح 15 ، والبرهان : 1/ 142 ح 1 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 262 .
(5) أحرب الحرب : هيجها .
(6) ( سحا ) ق ، د وسحا : ضربا (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 516_
  له وتارة عليه ، فارجعوا عن دينه .
  فأما حذيفة فقال : لعنكم الله لا اقاعدكم ولا أسمع كلامكم أخاف على نفسي وديني وأفر بهما منكم. وقام عنهم يسعى .
  وأما عمار بن ياسر ، فلم يقم عنهم ولكن قال لهم : معاشر اليهود إن محمدا وعد أصحابه الظفر يوم بدر إن صبروا فصبروا وظفروا ، ووعدهم الظفر يوم احد أيضا إن صبروا ، ففشلوا وخالفوا ، فلذلك أصابهم ما أصابهم ، ولو أنهم أطاعوا وصبروا ولم يخالفوا لما غلبوا (1) .
  فقالت له اليهود : يا عمار وإذا أطعت أنت غلب محمد سادات قريش مع دقة ساقيك ؟ فقال عمار : نعم ، والله الذي لا إله إلا هو باعثه بالحق نبيا ، لقد وعدني محمد من الفضل والحكمة ما عرفنيه من نبوته ، وفهمنيه من فضل أخيه ووصيه وصفيه وخير من يخلفه بعده ، والتسليم لذريته الطيبين المنتجبين ، وأمرني بالدعاء بهم عند شدائدي ومهماتي وحاجاتي ، ووعدني أنه لا يأمرني بشئ فاعتقدت فيه طاعته إلا بلغته حتى لو أمرني بحط السماء إلى الارض، أو رفع الارضين إلى السماوات لقوى عليه ربي بدني بساقي هاتين الدقيقتين .
  فقالت اليهود : كلا والله يا عمار ، محمد أقل عند الله من ذلك ، وأنت أوضع عند الله وعند محمد من ذلك ، (لا ولا حجرا فيها أربعون منا) (2) .
  فقام عمار عنهم وقال : لقد أبلغتكم حجة ربي ونصحت لكم ، ولكنكم للنصيحة كارهون ، وجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له رسول الله: يا عمار قد وصل إلي خبركما ، أما حذيفة فانه فر بدينه من الشيطان وأوليائه

--------------------
(1) زاد في بعض النسخ : بل غلبوا .
(2) ( وكان فيها أربعون منافقا ) البحار ، والمراد أنه لا قدرة لك يا عمار حتى على رفع حجر كان وزنه أربعين شخصا منا (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 517 _
  فهو من عباد الله الصالحين .
  وأما أنت يا عمار فانك ـ قد ـ ناضلت (1) عن دين الله، ونصحت لمحمد رسول الله، فأنت من المجاهدين في سبيل الله، الفاضلين .
  فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعمار يتحادثان إذ حضرت اليهود الذين كانوا كلموه فقالوا : يا محمد هاه (2) صاحبك يزعم أنك إن أمرته برفع الارض إلى السماء أو حط السماء إلى الارض، فاعتقد طاعتك وعزم على الائتمار لك ، لاعانه الله عليه ، ونحن نقتصر منك ومنه على ما هو دون ذلك ، إن كنت نبيا فقد قنعنا أن يحمل عمار ـ مع دقة ساقيه ـ هذا الحجر .
  وكان الحجر مطروحا بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) بظاهر المدينة يجتمع عليه مائتا رجل ليحركوه فلا يمكنهم (3) .
  فقالوا له : يا محمد إن رام احتماله لم يحركه ، ولو حمل في ذلك على نفسه لانكسرت ساقاه ، وتهدم جسمه .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تحتقروا ساقيه ، فانهما أثقل في ميزان حسناته (4) من ثور وثبير وحراء وأبي قبيس (5) ، بل من الارض كلها وما عليها ، وإن الله قد خفف بالصلاة على محمد وآله الطيبين ماهو أثقل من هذه الصخرة ، خفف العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن كان لا يطيقه معهم العدد الكثير ، والجم الغفير .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عمار اعتقد طاعتي وقل : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين قوني ليسهل الله لك ما أمرك به كما سهل على كالب بن يوحنا (6) عبور البحر على متن

--------------------
(1) ( فاصلت ) أ ، ( تأصلت ) ط ، ق ، ( فضلت ) خ ل ، قول فصل : حق ليس بباطل ، تأصل : صار ذا أصل .
(2) ( ها ) ب ، ق ، د ، والبحار ، هه : تذكرة في حال ، وتحذير في حال ، فاذا مددتها وقلت ( هاه ) كانت وعيدا في حال ، وحكاية لضحك الضاحك في حال ، (لسان العرب 13/ 551) .
(3) ( فلم يقدروا ) ص ، ق ، د ، والبحار .
(4) ( حسابه ) ص .
(5) هى أسماء جبال بمكة .
(6) ( نوقنا ) ب ، س . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 518_
  الماء وهو على فرسه يركض عليه لسؤاله الله بجاهنا أهل البيت .
  فقالها عمار ، واعتقدها ، فحمل الصخرة فوق رأسه ، وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والذي بعثك بالحق نبيا لهي أخف في يدي من خلالة أمسكها بها ! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : حلق بها في الهواء ، فستبلغ بها قلة ذلك الجبل ، ـ وأشار إلى جبل بعيد على قدر فرسخ ـ فرمى بها عمار ، وتحلقت في الهواء حتى انحطت على ذروة ذلك الجبل .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لليهود : أو رأيتم ؟ قالوا : بلى .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ـ يا عمار ـ قم إلى ذروة الجبل فستجد هناك صخرة أضعاف ما كانت ، فاحتملها وأعدها إلى حضرتي .
  فخطا عمار خطوة وطويت له الارض، ووضع قدمه في الخطوة الثانية على ذروة الجبل ، وتناول الصخرة المتضاعفة وعاد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالخطوة الثالثة .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمار : اضرب بها الارض ضربة شديدة .
  فتهاربت اليهود وخافوا ، فضرب بها عمار على الارض، فتفتت حتى صارت كالهباء (1) المنثور وتلاشت .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : آمنوا أيها اليهود فقد شاهدتم آيات الله.
  فآمن بعضهم ، وغلب الشقاء على بعضهم ، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أتدرون معاشر المسلمين ما مثل هذه الصخرة ؟ فقالوا : لا يا رسول الله.
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : والذي بعثني بالحق نبيا إن رجلا من شيعتنا تكون له ذنوب وخطايا أعظم من جبال الارض، و ـ من ـ الارض كلها والسماء بأضعاف كثيرة فما هو إلا أن يتوب ، ويجدد على نفسه ولايتنا أهل البيت إلا كان قد ضرب بذنوبه الارض أشد من ضرب عمار هذه الصخرة بالارض ، وإن رجلا تكون له طاعات كالسماوات والارضين والجبال والبحار ، فما هو إلا أن يكفر بولايتنا أهل البيت حتى يكون ضرب

--------------------
(1) الهباء : دقائق التراب ساطعة ومنثورة على وجه الارض. (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 519 _
  بها الارض أشد من ضرب عمار لهذه الصخرة بالارض ، وتتلاشى وتتفتت كتفتت هذه الصخرة ، فيرد الآخرة ولا يجد حسنة ، وذنوبه أضعاف الجبال والارض والسماء فيشدد حسابه ويدوم عذابه .
  قال : فلما رأى عمار بنفسه تلك القوة التي جلد بها على الارض تلك الصخرة فتفتت ، أخذته أريحية (1) وقال : أفتأذن لي يا رسول الله أن اجالد هؤلاء اليهود فأقتلهم أجمعين بما اعطيته من هذه القوة ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عمار إن الله تعالى يقول : (فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره) بعذابه ، ويأتي بفتح مكة وسائر ما وعد (2) .
  317 ـ وكان المسلمون تضيق صدورهم مما يوسوس به إليهم اليهود والمنافقون من الشبه في الدين .
  فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  أو لا اعلمكم ما يزيل ضيق صدوركم إذا وسوس هؤلاء الاعداء إليكم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : ما أمر به رسول الله من كان معه في الشعب الذي كان ألجأته إليه قريش ، فضاقت صدورهم واتسخت ثيابهم .
  فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) : انفخوا على ثيابكم ، وامسحوها بأيديكم وهي على أبدانكم ، وأنتم تصلون على محمد وآله الطيبين ، فانها تنقي وتطهر وتبيض وتحسن وتزيل عنكم ضيق صدوركم .
  ففعلوا ذلك ، فصارت ثيابهم كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  فقالوا : عجبا يا رسول الله بصلاتنا عليك وعلى آلك ، كيف طهرت ثيابنا ! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن تطهير الصلاة على محمد وآله لقلوبكم (3) من الغل

--------------------
(1) ( الحمية ) ب ، ط ، الاريحية : الخفة والنشاط ، والحمية : المروءة والنخوة .
(2) عنه البحار : 22/ 335 ح 49 ، وج 94/ 16 ضمن ح 12 .
(3) ( قلوبهم ) ص . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 520 _
  والضيق والدغل (1) ولابدانكم من الآثام أشد من تطهيرها لثيابكم .
  وإن غسلها للذنوب (2) من صحائفكم أحسن من غسلها للدرن عن ثيابكم .
  وإن تنويرها لكتب حسناتكم ـ بمضاعفة ما فيها ـ أحسن من تنويرها لثيابكم (3) .
  قوله عزوجل :( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله ان الله بما تعملون بصير ) : 110 318 ـ قال الامام (عليه السلام) : (أقيموا الصلاة) باتمام وضوئها وتكبيراتها وقيامها وقراءتها وركوعها وسجوها وحدودها .
  (وآتوا الزكاة) مستحقيها ، لا تؤتوها كافرا ولا مناصبا (4) .
  قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :( المتصدق على أعدائنا كالسارق في حرم الله ) .
  (وما تقدموا لانفسكم من خير) من مال تنفقونه في طاعة الله، فان لم يكن لكم مال ، فمن جاهكم تبذلونه لاخوانكم المؤمنين ، تجرون به إليهم المنافع ، وتدفعون به عنهم المضار .
  (تجدوه عند الله) ينفعكم الله تعالى بجاه محمد وعلي وآلهما يوم القيامة فيحط به سيئاتكم ، ويضاعف به حسناتكم ، ويرفع به درجاتكم فقال : ( تجدوه عند الله ) (إن الله بما تعلمون بصير) عالم ليس يخفى عليه شئ : ظاهر فعل ، ولا باطن ضمير ، فهو يجازيكم على حسب اعتقاداتكم ونياتكم ، وليس هو كملوك الدنيا الذي يلتبس على بعضهم ، فينسب فعل بعضهم إلى غير فاعله ، وجناية بعضهم إلى غير جانيه

--------------------
(1) الدرن خ ل ، تقدم بيانا .
(2) ( للسيئات ) أ ، ط .
(3) عنه البحار : 94/ 19 ذ ح 12 ، واثبات الهداة : 2/ 163 ح 613 قطعة .
(4) ( منافقا ) خ ل ( ولا منافقا ولا ناصبا ) الوسائل . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 521_
  فيقع ثوابه وعقابه ـ بجهله بما لبس عليه ـ بغير مستحقه (1) .
  وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ، ولا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول .
  وإن أعظم طهور الصلاة ـ التي لا يقبل الصلاة إلا به ، ولا شئ من الطاعات مع فقده ـ موالاة محمد ، وأنه سيد المرسلين ، وموالاة علي ، وأنه سيد الوصيين وموالاة أوليائهما ، ومعاداة أعدائهما .

ثواب الوضوء:

  وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن العبد إذا توضأ فغسل وجهه ، تناثرت ـ عنه ـ ذنوب وجهه .
  وإذا غسل يديه إلى المرفقين تناثرت عنه ذنوب يديه .
  وإذا مسح برأسه تناثرت عنه ذنوب رأسه .
  وإذا مسح رجليه ـ أو غسلها للتقية ـ تناثرت عنه ذنوب رجليه .
  وإن قال في أول وضوئه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) طهرت أعضاؤه كلها من الذنوب .
  وإن قال في آخر وضوئه أو غسله من الجنابة : ( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك ، وأشهد أن عليا وليك وخليفتك بعد نبيك على خليقتك ، وإن أولياءه وأوصياءه خلفاؤك ) تحاتت (2) عنه ذنوبه كلها كما يتحات ورق الشجر ، وخلق الله بعدد كل قطرة من

--------------------
(1) عنه الوسائل : 6/ 154 ح 13 و 14 (قطعة) ، والبحار : 7/ 269 ح 51 (قطعة) وج 74/ 309 صدر ح 63 ، وج 84/ 244 ح 34 قطعة ، وج 96/ 68 ح 41 (قطعة) والبرهان : 1/ 142 ح 1 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 411 باب 33 ح 3 .
(2) أى تساقطت : ( تجانبت ) ق ، د ، وكذا التى تلى . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 522_
  قطرات وضوئه أو غسله ملكا يسبح الله ويقدسه ويهلله ويكبره ، ويصلي على محمد وآله الطيبين ، وثواب ذلك لهذا المتوضئ ، ثم يأمر الله بوضوئه أو غسله فيختم عليه بخاتم من خواتم رب العزة ، ثم يرفع تحت العرش حيث لا تناله اللصوص ، ولا يلحقه السوس (1) ولا يفسده الاعداء ، حتى يرد عليه ويسلم إليه ، أو في (2) ماهو أحوج ، وأفقر مايكون إليه ، فيعطى بذلك في الجنة مالا يحصيه العادون ولا يعي عليه الحافظون ، ويغفر الله له جميع ذنوبه حتى تكون صلاته نافلة (3) .

ثواب الصلاة:

  وإذا توجه إلى مصلاه ليصلي قال الله عزوجل لملائكته : يا ملائكتي أما ترون هذا عبدي كيف قد انقطع عن جميع الخلائق إلي، وأمل رحمتي وجودي ورأفتي ؟ اشهدكم أني أختصه برحمتي وكراماتي .
  فاذا رفع يديه وقال : ( الله أكبر ) وأثني على الله تعالى بعده قال الله لملائكته : أما ترون عبدي هذا كيف كبرني وعظمني ونزهني عن أن يكون لي شريك ، أو شبيه أو نظير ، ورفع يديه تبرؤا (4) عما يقوله أعدائي من الاشراك بي ؟ أشهدكم يا ملائكتي أني ساكبره واعظمه في دار جلالي ، وانزهه في متنزهات دار كرامتي وابرئه من آثامه وذنوبه من عذاب جهنم نيرانها .
  فاذا قال : (بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين) فقرأ فاتحة الكتاب

--------------------
(1) هو دود يقع في الصوف والخشب والثياب ونحوها ، والظاهر أن اللصوص ، والسوس ، والاعداء كناية عن الشياطين .
(2) ( أوفر ) ص ، والبحار .
(3) عنه الوسائل : 1/ 279 ح 20 و 21 ، والبحار : 80/ 316 ح 7 وج 84/ 223 ح 8 قطعة ، والبرهان : 1/ 142 ذ ح 1 قطعة ، واثبات الهداة : 3/ 576 ح 67 قطعة ، ومستدرك الوسائل : 1/ 41 ح 8 .
(4) ( وتبرأ ) المستدرك . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _523_
  وسورة ، قال الله تعالى لملائكته : أما ترون عبدي هذا كيف تلذذ بقراءة كلامي ؟ اشهدكم ـ يا ـ ملائكتي لاقولن له يوم القيامة : إقرأ في جناني ، وارق درجاتها (1) فلا يزال يقرأ ويرقى درجة بعدد كل حرف : درجة من ذهب ، ودرجة من فضة ، ودرجة من لؤلؤ ، ودرجة من جوهر ، ودرجة من زبرجد أخضر ، ودرجة من زمرد أخضر ، ودرجة من نور رب العالمين (2) .
  فاذا ركع قال الله لملائكته : يا ملائكتي أما ترونه كيف تواضع لجلال عظمتي ؟ اشهدكم لاعظمنه في دار كبريائي ، وجلالي .
  فاذا رفع راسه من الركوع ، قال الله تعالى : أما ترونه يا ملائكتي كيف يقول : أترفع على (3) أعدائك كما أتواضع لاوليائك ، وأنتصب لخدمتك؟ اشهدكم يا ملائكتي لاجعلن جميل العاقبة (4) له ولاصيرنه إلى جناني .
  فاذا سجد قال الله ـ تعالى لملائكته ـ : يا ملائكتي أما ترونه كيف تواضع بعد ارتفاعه وقال : إني وإن كنت جليلا مكينا في دنياك ، فأنا ذليل عند الحق إذا ظهر لي ؟ سوف أرفعه بالحق وأدفع (5) به الباطل .
  فاذا رفع رأسه من السجدة الاولى، قال الله تعالى : يا ملائكتي أما ترونه كيف قال : وإني وإن تواضعت لك فسوف أخلط الانتصاب في طاعتك بالذل بين يديك فاذا سجد ثانية قال الله عزوجل : يا ملائكتي أما ترون عبدي هذا كيف عاد إلى التواضع لي ؟ لاعيدن إليه رحمتي .
  فاذا رفع رأسه قائما ، قال الله: يا ملائكتي لارفعنه بتواضعه كما ارتفع إلى صلاته .
  ثم لا يزال يقول الله لملائكته هكذا في كل ركعة .

--------------------
(1) ( درجاتى ) البحار ، والمستدرك
(2) ( العزة ) ب ، ص ، البحار ، والمستدرك .
(3) ( ارتفع عن ) ص ، البحار والمستدرك .
(4) ( خير العافية / العافية ) ب ، س ، ص ، ق ، د .
(5) ( أدمغ ) أ ، س ، ق ، د . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 524 _
  حتى إذا قعد للتشهد الاول والتشهد الثاني ، قال الله تعالى : يا ملائكتي قد قضى خدمتي وعبادتي ، وقعد يثني علي ، ويصلي على محمد نبيي ، لاثنين عليه في ملكوت السماوات والارض، ولاصلين على روحه في الارواح.
  فاذا صلى على أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاته قال ـ الله له ـ: لاصلين عليك كما صليت عليه ، ولاجعلنه شفيعك كما استشفعت به .
  فاذا سلم من صلاته سلم الله عليه وسلم عليه ملائكته (1)

ثواب اعطاء الزكاة :

  320 ـ وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :( وآتوا الزكاة ) من أموالكم المستحقين لها من الفقراء والضعفاء لاتبخسوهم ولا توكسوهم (2)، ولا تيمموا الخبيث (3) أن تعطوهم ، فان من أعطى الزكاة من ماله طيبة بها نفسه ، أعطاه الله بكل حبة منها قصرا في الجنة من ذهب وقصرا من فضة ، وقصرا من لؤلؤ ، وقصرا من زبرجد ، وقصرا من زمرد ، وقصرا من جوهر ، وقصرا من نور رب العالمين .
  وأيما عبد التفت في صلاته ، قال الله تعالى : يا عبدي إلى أين تقصد ؟ ومن تطلب ؟ أربا غيري تريد ؟ أو رقيبا سواي تطلب ؟ أو جوادا خلاي تبتغي ؟ أناأكرم الاكرمين وأجود الاجودين ، وأفضل المعطين ، اثيبك ثوابا لا يحصى قدره ، فأقبل علي ، فاني عليك مقبل ، وملائكتي عليك مقبلون .
  فان أقبل زال عنه إثم ماكان منه ، وإن التفت بعد (4) أعاد الله ـ له ـ مقالته ، فان أقبل

--------------------
(1) عنه البحار : 8/ 181 ح 38 (قطعة) ، وج 82/ 221 ح 42 ، وج 85/ 286 ح 13 قطعة ومستدرك الوسائل : 1/ 180 ح 5 .
(2) وكس الشئ : نقصه .
(3) زاد في ( ب ، س ، ط ) بالطيب ، تيمم الامر : توخاه وتعمده .
(4) ( ثانية ) البحار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 525 _
  زال عنه اثم ماكان منه ، وإن التفت ثالثة أعاد الله له مقالته ، فان أقبل على صلاته غفر ـ الله ـ له ماتقدم من ذنبه .
  وإن التفت رابعة أعرض الله عنه ، وأعرضت الملائكة عنه ، ويقول : وليتك يا عبدي ما توليت .
  وإن قصر في الزكاة قال الله تعالى : يا عبدي أتبخلني ؟ أم تتهمني ؟ أم تظن أني عاجز غير قادر على إثابتك ؟ سوف يرد عليك يوم تكون فيه أحوج المحتاجين إن أديتها كما أمرت ، وسوف يرد عليك إن بخلت يوم تكون فيه أخسر الخاسرين .
  قال (عليه السلام) : فسمع ذلك المسلمون فقالوا : سمعنا وأطعنا يا رسول الله.
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : عباد الله أطيعوا الله في أداء الصلوات المكتوبات ، والزكوات المفروضات ، وتقربوا بعد ذلك إلى الله بنوافل الطاعات ، فان الله عزوجل يعظم به المثوبات ، والذي بعثني بالحق نبيا إن عبدا من عباد الله ليقف يوم القيامة موقفا يخرج عليه من لهب النار أعظم من جميع جبال الدنيا ، حتى مايكون بينه وبينها حائل ، بينا هو كذلك قد تحير إذ تطاير من الهواء رغيف أو حبة (1) قد واسى بها أخا مؤمنا على إضافته ، فتنزل حواليه ، فتصير كأعظم الجبال مستديرا حواليه ، تصد عنه ذلك اللهب ، فلا يصيبه من حرها ولا دخانها شئ ، إلى أن يدخل الجنة .
  قيل : يا رسول الله وعلى هذا تنفع مواساته لاخيه المؤمن ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إي والذي بعثني بالحق نبيا إنه لينفع بعض المواسين (2) بأعظم من هذا ، وربما جاء يوم القيامة من تمثل له سيئاته ـ وحسناته ـ وإساءته إلى إخوانه المؤمنين ـ وهي التي تعظم وتتضاعف فتمتلئ بها صحائفه ـ وتفرق حسناته على خصمائه المؤمنين المظلومين بيده ولسانه ، فيتحير ويحتاج إلى حسنات توازي (3) سيئاته .

--------------------
(1) ( حبة فضة ) ق ، د ، ط .
(2) ( المؤمنين ) ب ، والبحار .
(3) ( توارى ) ص ، وارى الشئ : أخفاه وستره . (*)