حديث المنزلة :
فأوحى الله تعالى إليه : يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ويقول : إما أن تخرج أنت ويقيم علي ، وإما أن يخرج علي وتقيم أنت .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ذاك لعلي ، فقال علي (عليه السلام) : السمع والطاعة لامر الله تعالى وأمر رسوله ، وإن كنت احب ألا أتخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حال من الاحوال .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي ) ؟
(1) قال (عليه السلام) : رضيت يا رسول الله.
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أبا الحسن إن لك أجر خروجك معي في مقامك بالمدينة وإن الله قد جعلك امة وحدك كما جعل إبراهيم (عليه السلام) امة ، تمنع جماعة المنافقين والكفار هيبتك عن الحركة على المسلمين .
فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشيعه علي (عليه السلام) خاض المنافقون فقالوا : إنما خلفه محمد بالمدينة لبغضه له ، ولملالته منه ، وما أراد بذلك إلا أن يلقيه
(2) المنافقون فيقتلوه ويحاربوه فيهلكوه .
فاتصل ذلك برسول الله (صلى الله عليه وآله) .
فقال علي (عليه السلام) : تسمع ما يقولون يا رسول الله ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أما يكفيك أنك جلدة ما بين عيني ونور بصري ، وكالروح في بدني .
ثم سار رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأصحابه ، وأقام علي (عليه السلام) بالمدينة ، فكان كلما دبر المنافقون أن يوقعوا بالمسلمين ، فزعوا من علي وخافوا أن يقوم معه عليهم من يدفعهم عن ذلك ، وجعلوا يقولون فيما بينهم : هي كرة محمد التي لا يؤوب
(3) منها .
--------------------
(1) تقدم في ص 380 مع بيان ، فراجع .
(2) ( ببيته ) ص ، ق ، والبحار ، بيت ـ بالياء المشددة ـ العدو : هجم ليلا .
(3) أى يرجع . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 486 _
فلما صار بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين ( اكيدر ) مرحلة قال : تلك العشية : يا زبير بن العوام ، يا سماك بن خرشة (1) امضيا في عشرين (2) من المسلمين إلى باب قصر ( اكيدر) فخذاه ، وأتياني به .
فقال الزبير : يا رسول الله وكيف نأتيك به ومعه من الجيوش الذي قد علمت ، ومعه في قصره سوى حشمه ألف ومائتان عبد وأمة وخادم ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : تحتالان عليه فتأخذانه ، قال : يا رسول الله وكيف ـ نأخذه ـ وهذه ليلة قمراء ، وطريقنا أرض ملساء ، ونحن في الصحراء لا نخفى ؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أتحبان أن يستركما الله من عيونهم ، ولا يجعل لكما ظلا إذا سرتما ، ويجعل لكما نورا كنور القمر لا تتبينان منه ؟ قالا : بلى .
قال : عليكما بالصلاة على محمد وآله الطيبين معتقدين أن أفضل آله علي بن أبي طالب عليه اسلام ، وتعتقد أنت يا زبير خاصة أنه لا يكون علي في قوم إلا كان هو أحق بالولاية عليهم ، ليس لاحد أن يتقدمه ، فأذا أنتما فعلتما ذلك وبلغتما الظل الذي بين يدي قصره من حائط قصره فأن الله تعالى سيبعث الغزلان ، والاوعال (3) إلى بابه فتحتك (4) قرونها به فيقول : من لمحمد في مثل هذا ؟ ويركب فرسه لينزل فيصطاد .
فتقول امرأته : إياك والخروج فان محمدا قد أناخ بفنائك وليست تأمن أن يكون قد احتال ، ودس عليك من يقع بك .
فيقول لها : إليك عني ، فلو كان أحد انفصل
--------------------
(1) هو سماك بن خرشة بن لوذان بن عبدود الساعدى ، وقيل : سماك بن أوس بن خرشة عرف واشتهر بأبى دجانة الانصارى ، ( سماك بن حارث ) أ ، ـ وهو تصحيف ، انظر سير أعلام النبلاء : 1/ 243 رقم 39 ، واسد الغابة : 2/ 352 وج 5/ 184 .
(2) أقول : لم يصرح بذكر أسمائهم ، والظاهر أن خالد بن الوليد أحدهم كما ترى ذلك في كتب التاريخ .
(3) جمع وعل : وهو تيس الجبل .
(4) ( فتحك ) ص ، والبحار . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 487_
عنه في هذه الليلة ، ليلقاه ـ في هذا القمر ـ عيون أصحابنا في الطريق ، وهذه الدنيا بيضاء لا أحد فيها ، ولو كان في ظل قصرنا هذا إنسى لنفرت منه الوحوش .
فينزل ليصطاد الغزلان والاوعال ـ فتهرب ـ (1) من بين يديه ويتبعها ، فتحيطان به وأصحابكما ، فتأخذانه .
فكان كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذوه ، فقال : لي إليكم حاجة .
قالوا : وما هي ؟ فانا نقضيها إلا أن تسألنا أن نخليك .
فقال : تنزعون عني ثوبي هذا ، وسيفي ـ هذا ـ ومنطقتي وتحملونها إليه ، وتحملونني إليه في قميصي لئلا يراني في هذا الزي ، بل يراني في زي التواضع فلعله يرحمني .
ففعلوا ذلك ، فجعل المسلمون والاعراب يلبسون ذلك الثوب ـ وهو في القمر ـ فيقولون : هذا من حلل الجنة ، وهذا من حلي الجنة يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنه ثوب اكيدر وسيفه ومنطقته ، ولمنديل ابن عمتي الزبير وسماك في الجنة أفضل من هذا إن (2) استقاما على ما أمضيا من عهدي إلى أن يلقياني (3) عند حوضي في المحشر .
قالوا : وذلك أفضل من هذا ؟ قال (صلى الله عليه وآله) : بل خيط من منديل مائدتهما في الجنة أفضل من ملء الارض إلى السماء مثل هذا الذهب .
فلما اتي به رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له : يا محمد أقلني وخلني على أن أدفع عنك من ورائي من أعدائك .
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فان لم تف بذلك ؟ قال : يا محمد إن لم أف بذلك ، فان كنت رسول الله فسيظفرك بي من منع ظلال أصحابك أن تقع على الارض حتى أخذوني ، ومن ساق الغزلان إلى بابي حتى استخرجني من قصري وأوقعني في أيدي أصحابك ، وإن كنت غير نبي فان دولتك
--------------------
(1) من البحار .
(2) أمعن النظر في الشرط ، وتدبر معناه ... وفى الكامل لابن الاثير : 2/ 281 بلفظ ( لمناديل سعد بن معاذ (عبادة خ) أحسن من هذا ) انتهى .
(3) ( يلتقيان ) أ . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 488_
التي أوقعتني في يدك بهذه الخصلة العجيبة والسبب اللطيف ستوقعني في يدك بمثلها .
قال : فصالحه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ألف اوقية ـ من ـ ذهب في رجب ومائتي حلة وألف اوقية في صفر ومائتي حلة ، وعلي أنهم يضيفون من مر بهم من المسلمين ثلاثة أيام ويزودونه إلى المرحلة التي تليها ، على أنهم إن نقضوا شيئا من ذلك فقد برأت منهم ذمة الله، وذمة محمد رسول الله، ثم كر رسول الله (صلى الله عليه وآله) راجعا .
وقال موسى بن جعفر (عليهما السلام) : فهذا العجل في زمان النبي هو أبوعامر الراهب الذي سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( الفاسق ) وعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) غانما ظافرا ، وأبطل ـ الله تعالى ـ كيد المنافقين ، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) باحراق مسجد الضرار ، وأنزل الله تعالى : (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) (1) الآيات .
وقال موسى بن جعفر (عليهما السلام) : فهذا العجل ـ في حياته (صلى الله عليه وآله) ـ دمر الله عليه وأصابه بقولنج ـ وبرص ـ وجذام وفالج ولقوة ، وبقي أربعين صباحا في أشد عذاب ، ثم صار إلى عذاب الله تعالى (2) (3) .
قوله عزوجل : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) : 105 .
310 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) : إن الله تعالى ذم اليهود ـ والنصارى ـ والمشركين والنواصب فقال : (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب) اليهود والنصارى (ولا المشركين)
--------------------
(1) التوبة : 107 ، وفى ( أ ) : الاية بدل ( الايات) .
(2) ( نار جحيم ) ق .
(3) عنه البحار : 21/ 257 ح 7 ، ومقاطع منه في البرهان : 1/ 161 ح 2 ، واثبات الهداة : 2/ 162 ح 611 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 489 _
ولا من المشركين الذين هم نواصب يغتاظون لذكر الله وذكر محمد وفضائل علي (عليه السلام) وإبانته عن شريف ـ فضله و ـ (1) محله (أن ينزل عليكم) ـ لا يودون أن ينزل عليكم ـ (من خير من ربكم) من الآيات الزائدات في شرف محمد وعلي وآلهما الطيبين (عليهم السلام) ولا يودون أن ينزل دليل معجز (2) من السماء يبين عن محمد وعلي وآلهما .
فهم لاجل ذلك يمنعون أهل دينهم من أن يحاجوك مخافة أن تبهرهم حجتك وتفحمهم معجزتك ، فيؤمن بك عوامهم ، ويضطربون على رؤسائهم .
فلذلك يصدون من يريد لقاءك يا محمد ، ليعرف أمرك بأنه لطيف خلاق (3) سار اللسان ، لا تراه ولا يراك خير لك وأسلم لدينك ودنياك .
فهم بمثل هذا يصدون العوام عنك .
ثم قال الله تعالى : (والله يختص برحمته) وتوفيقه لدين الاسلام وموالاة محمد وعلي (عليهما السلام) (من يشاء والله ذو الفضل العظيم) على من يوفقه لدينه ويهديه لموالاتك وموالاة أخيك علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
قال : فلما قرعهم (4) بهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حضره منهم جماعة فعاندوه وقالوا : يا محمد إنك تدعي على قلوبنا خلاف ما فيها ما نكره أن تنزل عليك حجة تلزم الانقياد لها فننقاد .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لئن عاندتم هاهنا محمدا ، فستعاندون رب العالمين إذ أنطق صحائفكم بأعمالكم ، وتقولون : ظلمتنا الحفظة ، فكتبوا علينا مالم نفعل (5) فعند ذلك يستشهد جوارحكم فتشهد عليكم .
فقالوا : لا تبعد شاهدك ، فانه فعل الكذابين ، بيننا وبين القيامة بعد ، أرنا في
--------------------
(1) من البحار والبرهان .
(2) ( معجزاتهم ) ب ، س ، ص ، ط .
(3) تخلق ـ بتشديد اللام ـ : تكلف ما ليس من خلقه .
(4) أى عنقهم .
(5) ( نجن ) أ ، ( نخبر ) ص ، ( نجترمه ) البحار ، جنى جناية : ارتكب ذنبا . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_490 _
أنفسنا ماتدعي لنعلم صدقك ، ولن تفعله لانك من الكذابين .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : استشهد جوارحهم .
فاستشهدها علي (عليه السلام) ، فشهدت كلها عليهم أنهم لا يودون أن ينزل على امة محمد على لسان محمد خير من عند ربكم آية بينة ، وحجة معجزة لنبوته ، وإمامة أخيه علي (عليه السلام) مخافة أن تبهرهم حجته ، ويؤمن به عوامهم ، ويضطرب عليهم كثير منهم .
فقالوا : يا محمد لسنا نسمع هذه الشهادة التي تدعي أن جوارحنا تشهد بها .
فقال : يا علي هؤلاء من الذين قال الله تعالى : (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية) (1) .
ادع عليهم بالهلاك .
فدعا عليهم علي (عليه السلام) بالهلاك ، فكل جارحة نطقت بالشهادة على صاحبها انفتت (2) حتى مات مكانه .
فقال قوم آخرون حضروا من اليهود : ما أقساك يا محمد قتلتهم أجمعين ! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ما كنت لالين على من اشتد عليه غضب الله تعالى أما إنهم لو سألوا الله تعالى بمحمد وعلي وآلهما الطيبين أن يمهلهم ويقيلهم لفعل بهم كما كان فعل بمن كان من قبل من عبدة العجل لما سألوا الله بمحمد وعلي وآلهما الطيبين ، وقال الله لهم على لسان موسى : لو كان دعا بذلك على من قد قتل لاعفاه الله من القتل كرامة لمحمد وعلي وآلهما الطيبين (عليهم السلام) ، (3)
--------------------
(1) يونس : 96 ـ 7 9 .
(2) ( انفتقت ) ق ، والبحار ، ومدينة المعاجز ، فت الشئ : دقه ، الفتيت : الشئ يسقط فيتقطع ويتفتت .
(3) عنه البحار : 9/ 333 ، والبرهان : 1/ 139 ح 1 ، ومدينة المعاجز : 74 ح 186 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 491_
قوله عزووجل : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير * ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والارض ومالكم من دون الله من ولى ولا نصير ) : 106 ـ 107 311 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) : (ما ننسخ من آية) بأن نرفع حكمها (أو ننسها) بأن نرفع رسمها ، ونزيل عن القلوب حفظها وعن قلبك يا محمد كما قال الله تعالى (سنقرئك فلا تنسى إلا ماشاء الله) (1) أن ينسيك فرفع ذكره عن قلبك .
(نأت بخير منها) يعني بخير لكم ، فهذه (2) الثانية أعظم لثوابكم ، وأجل لصلاحكم من الآية الاولى المنسوخة (أو مثلها) من الصلاح لكم ، أي إنا لا ننسخ ولا نبدل إلا وغرضنا في ذلك مصالحكم .
ثم قال : يا محمد (ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير) فانه قدير يقدر على النسخ وغيره .
(ألم تعلم ـ يا محمد ـ أن الله له ملك السماوات والارض) وهو العالم بتدبيرها ومصالحها فهو يدبركم بعلمه (وما لكم من دون الله من ولي) (3) يلي صلاحكم إذ كان العالم بالمصالح هو الله عزوجل دون غيره (ولا نصير) ومالكم ـ من ـ ناصر ينصركم من مكروه إن أراد ـ الله ـ (4) إنزاله بكم ، أو عقاب إن أراد إحلاله بكم .
وقال محمد بن على (5) (عليهما السلام) : وربما (6) قدر عليه النسخ والتبديل (7) لمصالحكم
--------------------
(1) الاعلى : 6 ـ 7 .
(2) ( عملكم بهذه (فهذه) ) الاصل ، وما في المتن من البحار .
(3) ولى يلى ولاية : قام به وملك أمره .
(4) من البحار .
(5) زاد في البحار والبرهان : الباقر .
(6) ( مما ) ص ، ق ، د ، والبحار .
(7) ( التنزيل ) أ ، ق ، البحار ، والبرهان . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 492 _
ومنافعكم ، لتؤمنوا بها ، ويتوفر عليكم الثواب بالتصديق بها ، فهو يفعل من ذلك ما فيه صلاحكم والخيرة لكم .
ثم قال : (ألم تعلم ـ يا محمد ـ أن الله له ملك السماوات والارض) فهو يملكها بقدرته ويصرفها بحسب (1) مشيته لا مقدم لما أخر ، ولا مؤخر لما قدم .
ثم قال : (ومالكم) يا معشر اليهود والمكذبين بمحمد (صلى الله عليه وآله) والجاحدين بنسخ الشرائع (من دون الله) سوى الله (من ولي) يلي مصالحكم إن لم يل لكم (2) ربكم المصالح (ولا نصير) ينصركم من دون الله فيدفع عنكم عذابه (3) .
312 ـ قال (عليه السلام) : وذلك أن رسول الله لما كان بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته ، ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن ، وإذا لم يتمكن استقبل بيت المقدس كيف كان .
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة .
فلما كان بالمدينة ، وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا (4) ، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون : والله ما درى محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ، ويأخذ في صلاته بهدينا (5) ونسكنا .
فاشتد ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما اتصل به عنهم ، وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرئيل (عليه السلام) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم .
فقال جبرئيل عيه السلام : فاسأل ربك ان يحولك
--------------------
(1) ( تحت ) س ، ص ، ق ، د ، والبحار .
(2) ( يدلكم ) البحار .
(3) عنه البحار : 4/ 104 صدر ح 18 ، والبرهان : 1/ 140 ح 1 .
(4) زاد في بعض النسخ والاحتجاج والبحار والمستدرك : أو ستة عشر شهرا ، قال المجلسى رحمه الله: ليس هذا في بعض النسخ ، وعلى تقديره الترديد اما من الراوى ، أو منه (عليه السلام) مشيرا إلى اختلاف العامة فيه .
(5) هدى هديه : سار سيرته . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 493_
إليها فانه لا يردك عن طلبتك ، ولا يخيبك عن بغيتك .
فلما استتم دعاءه صعد جبرئيل (عليه السلام) ثم عاد (1) من ساعته فقال : اقرأ يا محمد : (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (2) الايات .
فقالت اليهود عند ذلك : (ما ولاهم عن قلتهم التي كانوا عليها ؟) فأجابهم الله أحسن جواب فقال : (قل لله المشرق والمغرب) وهو يملكهما وتكليفه التحول إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (3) وهو مصلحتهم (4) ، وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم .
ـ قال أبومحمد (عليه السلام) : ـ (5) وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا : يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن أفحقا كان ماكنت عليه ؟ فقد تركته إلى باطل ، فان ما يخالف الحق فهو باطل .
أو باطلا كان ذلك ؟ فقد كنت عليه طول هذه المدة ، فما يؤمننا أن تكون ـ إلى ـ الآن على باطل ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : بل ذلك كان حقا ، وهذا حق ، يقول الله: (قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به ، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به ، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده وقصده إلى مصالحكم (6) .
ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لقد تركتم العمل يوم السبت ، ثم عملتم بعده من سائر الايام ، ثم تركتموه في السبت ، ثم عملتم بعده ، أفتركتم الحق إلى الباطل
--------------------
(1) ( جاء ) أ ، ط .
(2) البقرة : 144 .
(3) البقرة : 142 .
(4) ( هو أعلم بمصلحتهم ) الاحتجاج ، ( هو مصلحهم ) المستدرك .
(5) من الاحتجاج والبحار المستدرك .
(6) ( مصالحهم ) أ ، ب ، س ، ط . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 494 _
أو الباطل إلى حق ؟ أو الباطل إلى باطل أو الحق إلى حق ؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم .
قالوا : بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ، ثم قبلة الكعبة في وقته حق .
فقالوا له : يا محمد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حين نقلك إلى الكعبة ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ما بدا له عن ذلك ، فانه العالم بالعواقب ، والقادر على المصالح ، لا يستدرك على نفسه غلطا ، ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم ، جل عن ذلك ، ولا يقع أيضا عليه مانع يمنعه من مراده ، وليس يبدو إلا لمن كان هذا وصفه وهو عزوجل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا .
ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أيها اليهود أخبروني عن الله، أليس يمرض ثم يصح ، ويصح ثم يمرض ؟ أبدا له في ذلك ؟ أليس يحيي ويميت أبدا له ؟ أليس يأتي بالليل في أثر النهار ، والنهار في أثر الليل ؟ أبدا له في كل واحد من ذلك؟ فقالوا : لا .
قال : فكذلك الله تعالى تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن ـ كان ـ تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس ، وما بدا له في الاول.
ثم قال : أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف ، والصيف في أثر الشتاء ؟ أبدا له في كل واحد من ذلك ؟ قالوا : لا .
قال : فكذلك لم يبد له في القبلة .
قال ، ثم قال : أليس قد ألزمكم في الشتاء أو تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة ؟ وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر ؟ أفبدا له في الصيف حتى أمركم بخلاف ماكان أمركم به في الشتاء ؟ قالوا : لا .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فكذلكم الله تعالى تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئ ثم بعده في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشئ آخر ، فاذا أطعتم الله في الحالين
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 495 _
استحققتم ثوابه .
وأنزل الله: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) (1) .
أي إذا توجهتم بأمره ، فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عباد الله أنتم كالمريض (2) والله رب العالمين كالطبيب فصلاح المريض فيما يعلمه الطبيب ويدبره به ، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه ألا فسلموا لله أمره تكونوا (3) من الفائزين .
فقيل : يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلم أمر بالقبلة الاولى ؟ فقال : لما قال الله عزوجل : (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ـ وهي بيت المقدس ـ إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) (4) إلا لنعلم ذلك ـ منه ـ موجودا (5) بعد أن علمناه سيوجد .
وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة ، فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفه باتباع القبلة التى كرهها ، ومحمد يأمر بها ، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس ، أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليتبين من يوافق محمدا فيما يكرهه ، فهو مصدقه وموافقه .
ثم قال : (وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) أي كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة (6) إلا على من يهدي الله، فعرف أن الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة (7) هواه ، (8)
--------------------
(1) البقرة 115 .
(2) من خ ل ، ( كالمرضى ) الاصل والبحار . وكذا بعدها .
(3) ( وكونوا ) أ ، ب ، ط .
(4) البقرة : 143 .
(5) ( وجودا ) ق ، د ، والبحار : 4 ، والمستدرك .
(6) ( كبيرا ) ب ، س ، ص ، ط .
(7) ( مخالفته ) ص ، والمستدرك .
(8) عنه البحار : 4 ، 104 ح 18 ، والبرهان : 1/ 158 ح 3 ، ووراه في الاحتجاج : 1/ 43 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكرى (عليه السلام) ، عنه البحار : 84/ 59 ح 12 ، واثبات الهداة : 2/ 18 ح 310 قطعة ، ومستدرك الوسائل : 1/ 197 ح 8 و 9 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 496 _
قوله عزوجل : ( أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل ) : 108 .
313 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) : (أم تريدون) بل تريدون يا كفار قريش واليهود (أن تسئلوا رسولكم) ما تقترحونه من الآيات التي لا تعلمون هل فيها صلاحكم أو فسادكم (كما سئل موسى من قبل) واقترح عليه لما قيل له (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة) (1) .
(ومن يتبدل الكفر بالايمان) بعد جواب الرسول له إن ما سأله لا يصلح إقتراحه على الله (2) وبعدما يظهر الله تعالى له ما اقترح إن كان صوابا .
( ومن يتبدل الكفر بالايمان ) بأن لا يؤمن عند مشاهدة مايقترح من الآيات أو لا يؤمن إذا عرف أنه ليس له أن يقترح ، وأنه يجب أن يكتفي بما قد أقامه الله تعالى من الدلالات ، وأوضحه من الآيات البينات ، فيتبدل الكفر بالايمان بان يعاند ولا يلتزم الحجة القائمة عليه (فقد ضل سواء السبيل) أخطأ قصد الطرق المؤدية إلى الجنان ، وأخذ في الطرق المؤدية إلى النيران .
قال (عليه السلام) : قال تعالى ـ لليهود ـ : يا أيها اليهود (أم تريدون) بل تريدون من بعد ما آتيناكم (أن تسئلوا رسولكم) .
وذلك أن النبى (صلى الله عليه وآله) قصده عشرة من اليهود يريدون أن يتعنتوه (3) ويسألوه عن أشياء يريدون أن يتعانتوه بها ، فبيناهم كذلك إذ جاء أعرابي كأنما يدفع في قفاه ، قد علق على عصا ـ على عاتقه ـ جرابا مشدود الرأس ، فيه شئ قد ملاه لا يدرون ما هو فقال : يا محمد أجبني عما أسألك .
--------------------
(1) البقرة : 55 .
(2) ( الانبياء ) البحار : 9 ، وفى ( ب ، س ، ص ) : أو بدل ( و )
(3) فلان يتعنت فلانا ويعنته : بشدد عليه ، ويلزمه بما يصعب عليه اداؤه . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 497_
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أخا العرب قد سبقك اليهود ـ ليسألوا ـ أفتأذن لهم حتى أبدأ بهم ؟ فقال الاعرابي : لا ، فاني غريب مجتاز .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فأنت إذا أحق منهم لغربتك واجتيازك .
فقال الاعرابي : ولفظة اخرى .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ماهي ؟ قال : إن هؤلاء أهل كتاب (1) ، يدعونه ويزعمونه حقا ، ولست آمن أن تقول شيئا يواطؤنك عليه ويصدقونك ، ليفتنوا الناس عن دينهم ، وأنا لا أقنع بمثل هذا ، لا أقنع إلا بأمر بين (2) .
في أن عليا (عليه السلام) باب مدينة الحكمة :
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فدعي بعلي : فجاء حتى قرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
فقال الاعرابي : يا محمد وما تصنع بهذا في محاورتي إياك ؟ قال : يا أعرابي سألت البيان ، وهذا البيان الشافي ، وصاحب العلم الكافي ، أنا مدينة الحكمة وهذا بابها ، فمن أراد الحكمة والعلم فليأت الباب
(3) .
ـ في شباهته (عليه السلام) بالانبياء (عليهم السلام) : ـ فلما مثل بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأعلى صوته : يا عباد الله من أراد أن ينظر إلى آدم في جلالته ، وإلى شيث في حكمته ، وإلى
--------------------
(1) ( لهؤلاء كتابا ) ب ، ص ، ط ، ق .
(2) ( مبين ) أ .
(3) هذا الحديث هو مما روته الخاصة والعامة (مستقلا أو ضمن حديث) بأسانيد عديدة استقصينا أكثرها عند تحقيقنا كتاب ( مائة منقبة ) المنقبة : 18 ، انظر كذلك احقاق الحق : 5/ 502 ، وج 16/ 298 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 498_
إدريس في نباهته ومهابته ، وإلى نوح في شكره لربه وعبادته ، وإلى إبراهيم في خلته ووفائه ، وإلى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته ، وإلى عيسى في حب كل مؤمن وحسن معاشرته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب هذا (1) .
فأما المؤمنون فازدادوا بذلك إيمانا ، وأما المنافقون فازداد نفاقهم .
فقال الاعرابي : يا محمد هكذا (2) مدحك لابن عمك .
إن شرفه شرفك ، وعزه عزك ، ولست أقبل من هذا شيئا إلا بشهادة من لا تحتمل شهادته بطلانا ولا فسادا بشهادة هذا الضب ! .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أخا العرب فأخرجه ، من جرابك لتستشهده ، فيشهد لي بالنبوة ، ولاخي هذا بالفضيلة .
فقال الاعرابي : لقد تعبت في اصطياده ، وأنا خائف أن يطفر (3) ويهرب .
فقال رسول الله: لا تخف فانه لا يطفر ـ ولا يهرب ـ بل يقف ، ويشهد لنا بتصديقنا وتفضيلنا ، فقال الاعرابي : ـ إني ـ أخاف أن يطفر .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فان طفر فقد كفاك به تكذيبا لنا ، واحتجاجا علينا ، ولن يطفر ، ولكنه سيشهد لنا بشهادة الحق ، فاذا فعل ذلك فخل سبيله ، فان محمدا يعوضك عنه ماهو خير لك منه .
فأخرجه الاعرابي من الجراب ، ووضعه على الارض، فوقف واستقبل رسول
--------------------
(1) وهذا أيضا حديث متواتر روته الخاصة والعامة بألفاظ مختلفة وأسانيد شتى ، رواه الصدوق في أماليه : 524 ح 11 ، وفى كمال الدين : 1/ 25 ، والمفيد في أماليه : 7 والطوسى في أماليه : 266 ، بأسانيدهم من عدة طرق ، ولزيادة الاطلاع انظر البحار : 39/ 35 ـ 87 باب 73 ، واحقاق الحق : 4/ 392 ـ 406 ، وج 5/ 4 ـ 6 ، وج 15/ 610 ـ 622 .
(2) ( هذا ) خ ل .
(3) طفر : وثب في ارتفاع ، ( يظفر ) س ، والبرهان ق ، د ، وكذا ما يأتى . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 499 _
الله (صلى الله عليه وآله) ، ومرغ خديه في التراب ثم رفع رأسه ، وأنطقه الله تعالى فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه و (1) سيد المرسلين ، وأفضل الخلق أجمعين ، وخاتم النبيين ، وقائد الغر المحجلين .
وأشهد أن أخاك هذا علي بن أبي طالب على الوصف الذي وصفته ، وبالفضل الذي ذكرته ، وأن أولياءه في الجنان يكرمون ، وأن أعداه في النار يهانون (2) .
فقال الاعرابى وهو يبكى : يا رسول الله وأنا أشهد بما شهد به هذا الضب ، فقد رأيت وشاهدت وسمعت ما ليس لي عنه معدل ولا محيص .
ثم أقبل الاعرابي إلى اليهود فقال : ويلكم أي آية بعد هذه تريدون ؟ ومعجزة بعد هذه تقترحون ؟ ليس إلا أن تؤمنوا أو تهلكوا أجمعين .
فآمن أولئك اليهود كلهم وقالوا : عظمت بركة ضبك علينا يا أخا العرب .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : خل الضب على أن يعوضك الله عزوجل ـ عنه ما هو خير ـ منه ، فانه ضب مؤمن بالله وبرسوله وبأخي رسوله شاهد بالحق ، ما ينبغي أن يكون مصيدا ولا أسيرا ، ولكنه يكون مخلى سربه (3) ـ تكون له مزية ـ على سائر الضباب بما فضله الله أميرا .
فناداه الضب : يا رسول الله فخلني وولني تعويضه لا عوضه .
فقال الاعرابي : وما عساك تعوضني ؟ قال : تذهب إلى الجحر الذي أخذتني منه ففيه عشرة آلاف دينار خسروانية ، وثلاثمائة ألف درهم ، فخذها .
قال الاعرابي : كيف أصنع ؟ قد سمع هذا ـ من هذا الضب ـ جماعات الحاضرين هاهنا ، وأنا متعب ، فلن آمن ممن (4) هو مستريح يذهب إلى هناك فيأخذه .
فقال الضب : يا أخا العرب إن الله تعالى قد جعله لك عوضا مني ، فما كان ليترك
--------------------
(1) زاد في الاصل : ( أن ذلك العبد الرسول ) .
(2) ( خالدون ) ص ، ق ، البحار ، والبرهان .
(3) أى غير مضيق عليه .
(4) ( فان من ) س ، ص ، البحار ، والبرهان . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 500 _
أحدا يسبقك إليه ، ولا يروم أحد أخذه إلا أهلكه الله.
وكان الاعرابي تعبا ، فمشى قليلا ، وسبقه إلى الجحر جماعة من المنافقين كانوا بحضرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فأدخلوا أيديهم إلى الجحر ليتناولوا منه ما سمعوا ، فخرجت عليهم أفعى عظيمة ، فلسعتهم وقتلتهم ، ووقفت حتى حضر الاعرابي .
فقالت له (1) : يا أخا العرب ، انظر إلى هؤلاء كيف أمرني الله بقتلهم دون مالك - الذي هو عوض ضبك ـ وجعلني حافظته (2) فتناوله .
فاستخرج الاعرابي الدراهم والدنانير ، فلم يطق احتمالها ، فنادته الافعى : خذ (3) الحبل الذي في وسطك ، وشده بالكيسين ، ثم شد الحبل في ذنبي فاني سأجره لك إلى منزلك ، وأنا فيه حارسك (4) وحارس مالك هذا .
فجاءت الافعى ، فما زالت تحرسه والمال إلى أن فرقه الاعرابي في ضياع وعقار وبساتين اشتراها ، ثم انصرفت الافعى ، (5)
احتجاجاته (صلى الله عليه وآله) على المشركين والزامهم :
314 ـ قال الحسن بن على (عليهما السلام) : فقلت لابي علي بن محمد
(6) (عليهما السلام) : فهل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يناظرهم
(7) إذا عانتوه
(8) ويحاجهم ؟ قال : بلى مرارا كثيرة منها : ما حكى الله من قولهم :
--------------------
(1) ( فنادته ) س ، ص ، ق ، د البحار ، والبرهان .
(2) ( هو حائطا / حائطه / حافظه ) أ ، ط ، د ، ق .
(3) ( حل ) ق ، حل العقدة : فكها .
(4) ( خادمك ) ص ، البحار ، والبرهان .
(5) عنه البحار : 9/ 183 ح 12 (قطعة) وج 17/ 418 ح 47 ، والبرهان : 1/ 141 ح 1 ومدينة المعاجز : 41 ح ، 73 .
(6) ( قال الحسين ... على بن أبى طالب ) ق .
(7) ( يناظر اليهود والمشركين ) الاحتجاج ، والبحار .
(8) ( عاتبوه ) ب ، س ، ص ، ق ، د ، الاحتجاج ، والبحار . (*)