فتلك من البشارات التي يبشرون بها ، وذلك قوله عزوجل : (وبشرى للمؤمنين) شيعة محمد وعلي ومن تبعهم من أخلافهم وذراريهم(1) .
  298 ـ ثم قال : (من كان عدوا لله) لانعامه على محمد وعلي وعلى آلهما الطيبين ، وهؤلاء الذين بلغ من جهلهم أن قالوا : نحن نبغض الله الذي أكرم محمدا وعليا بما يدعيان .
  (وجبريل) ومن كان عدوا لجبريل ، لان الله جعله ظهيرا لمحمد وعلي (عليهما السلام) على أعداء الله، وظهيرا لسائر الانبياء والمرسلين كذلك .
  (وملائكته) يعني ومن كان عدوا لملائكة الله المبعوثين لنصرة دين الله، وتأييد أولياء الله، وذلك قول بعض النصاب المعاندين : برئت من جبرئيل الناصر لعلي (2) .
  وقوله تعالى (ورسله) ومن كان عدوا لرسل الله موسى وعيسى وسائر الانبياء الذين دعوا إلى نبوة محمد وإمامة علي ، وذلك قول النواصب : برئنا من هؤلاء الرسل الذين دعوا إلى إمامة علي .
  ثم قال : (وجبريل وميكال) أي من كان عدوا لجبرئيل وميكائيل ، وذلك كقول من قال من النواصب لما قال النبى (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) : ( جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره وإسرافيل من خلفه ، وملك الموت أمامه ، والله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه ناصره ) .
  قال بعض النواصب : فأنا أبرأ من الله و ـ من ـ جبرئيل وميكائيل والملائكة الذين حالهم مع علي ما قاله محمد .
  فقال : من كان عدوا لهؤلاء تعصبا على علي بن أبي طالب (عليه السلام) (فان الله عدو للكافرين) فاعل بهم ما يفعل العدو بالعدو من إحلال النقمات وتشديد العقوبات .

--------------------
(1) عنه البحار : 92/ 31 ح 34 ، والبرهان : 1/ 133 ضمن ح 1 .
(2) ( وهو ) ب ، س ، ص ، ط ، البحار ، والبرهان . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)_ 452 _

  وكان سبب نزول هاتين الآيتين ما كان من اليهود أعداء الله من قول سئ في جبرئيل وميكائيل ـ وسائر ملائكة الله ـ وما كان من أعداء الله النصاب من قول أسوء منه في الله وفي جبرئيل وميكائيل ، وسائر ملائكة الله : أما ماكان من النصاب ، فهو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما كان لايزال يقول في علي (عليه السلام) الفضائل التي خصه الله عزوجل بها ، والشرف الذي أهله الله تعالى له ، وكان في كل ذلك يقول : ( أخبرني به جبرئيل عن الله ) ويقول في بعض ذلك : ( جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، ويفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنه عن يمين علي (عليه السلام) الذي هو أفضل من اليسار ، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه ـ الملك ـ عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره ، ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة ، وملك الموت الذي أمامه بالخدمة ، وأن اليمين والشمال أشرف من ذلك كافتخار حاشية (1) الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم .

في أن أشرف الملائكة أشدهم حبا لعلي (عليه السلام) :
  وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول في بعض أحاديثه : إن الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) حبا ، وإن قسم الملائكة فيما بينهم : والذي شرف عليا (عليه السلام) على جميع الورى بعد محمد المصطفى .
  ويقول مرة ـ أخرى ـ: ( إن ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي ابن أبي طالب (عليه السلام) كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم ) فكان هولاء النصاب يقولون : إلى متى يقول محمد : جبرئيل (2) وميكائيل والملائكة كل ذلك تفخيم لعلي وتعظيم لشأنه ؟ ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق ؟ برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل وميكائيل هم

--------------------
(1) ( خاصة ) أ .
(2) ( وجبرئيل ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 453 _
  لعلي بعد محمد مفضلون .
  وبرئنا من رسل الله الذين هم لعلي بن أبي طالب بعد محمد مفضلون .
  وأما ما قاله اليهود ، فهو أن اليهود ـ أعداء الله ـ لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة أتوه بعبدالله بن صوريا ، فقال : يا محمد كيف نومك ؟ فانا قد اخبرنا عن نوم النبى الذي يأتي في آخر الزمان .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : تنام عيني وقلبي يقظان ، قال : صدقت يا محمد .
  قال : وأخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو من المرأة ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل ، وأما اللحم والدم والشعر فمن المرأة ، قال : صدقت يا محمد ، ثم قال : فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شئ ، ويشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شئ ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه (1) له .
  قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عمن لا يولد له ـ ومن يولد له ـ ؟ فقال : إذا مغرت النطفة لم يولد له ـ أي إذا احمرت وكدرت ـ فاذا كانت صافية ولد له .
  فقال : أخبرني عن ربك ما هو ؟ فنزلت (قل هو الله أحد) إلى آخرها .
  فقال ابن صوريا : صدقت ـ يا محمد ـ خصلة بقيت إن قلتها آمنت بك واتبعتك : أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله ؟ قال : جبرئيل .
  قال ابن صوريا : ذلك عدونا من بين الملائكة ، ينزل بالقتال والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء ، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لانه كان يشدد (2) ملكنا ، وجبرئيل كان يهلك ملكنا فهو عدونا لذلك .
  فقال له سلمان الفارسى (رضي الله عنه) : وما بدء عداوته لكم ؟ قال : نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة ، وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل

--------------------
(1) ( أشبه ) أ .
(2) ( يمسك ) س ، ( يسدد ) ق ، د ، شدده : قواه . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 454 _
  على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له : ( بخت نصر ) وفى زمانه اخبرنا بالحين (1) الذي يخرب فيه ، والله يحدث الامر بعد الامر فيمحو مايشاء ويثبت .
  فلما بلغ ذلك الحين الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم ـ كان يعد من أنبيائهم ـ يقال له ( دانيال ) في طلب ( بخت نصر ) ليقتله (2) .

--------------------
(1) من البحار ، وفى الاصل : بالخبر ، وكذا في الموضع التالى .
(2) تقدم ما يشابه ذلك في ص 407 وص 448 ، ويأتى في ذيل الاية : 113 ، ويؤيد ذكر هذه المحاججة بطريق آخر عن ابن عباس ، حيث رواها الواحدى في أسباب النزول : 18 ، البيضاوى في أنوار التنزيل : 1/ 172 ، أبوالسعود في تفسيره : 1/ 132 ، أبوالفتوح الرازى في تفسيره : 1/ 262 ، الفخر الرازى في تفسيره : 3/ 194 ، والبغوى في تفسيره : 1/ 96 ـ واللفظ له ـ قالوا : قال ابن عباس رضى الله عنه : ان حبرا من أحبار اليهود ، يقال له عبدالله بن صوريا قال للنبى (صلى الله عليه وآله) : اى ملك يأتيك من السماء ؟ قال : جبريل .
  قال : ذلك عدونا من الملائكة ، ولو كان ميكائيل لامنا بك ، ان جبريل ينزل العذاب والقتال والشدة وانه عادانا مرارا ، كان أشد ذلك علينا أن الله تعالى أنزل على نبينا : أن بيت المقدس سيخرب على يد رجل يقال له : بختنصر ، وأخبرنا بالحين الذى يخرب فيه ، فلما كان وقته بعثنا ( رجلا من أقوياء بنى اسرائيل ) في طلبه ليقتله ، فانطلق حتى لقيه ببابل غلاما مسكينا فأخذه ليقتله ، فدفع عنه جبريل ، وكبر بختنصر وقوى وغزانا وخرب بيت المقدس ، فلهذا نتخذه عدوا .
  فأنزل الله هذه الاية .
  وغير خفى أنه لم يصرح باسم ( دانيال ) في هذه المصادر بل اصطلح عليه : ( رجلا من أقوياء بنى اسرائيل ) .
  وقد تبين لنا أن فيما ارخ في كتب السيرة والتاريخ من قصة بختنصر ودانيال اختلاف شديد وأقول متضاربة ، كما صرح بذلك ابن الاثير في الكامل : 1/ 104 ، والطبرى في تاريخه : 1/ 387 ، والشيخ المجلسى في البحار : 14/ 355 .
  ولعل منشأ ذلك طول الفترة التاريخية المبهمة التى جرت فيها هذه الاحداث ، حيث < (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _455 _
  فحمل معه وقر (1) مال لينفعه في ذلك ، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة ، فأخذه صاحبنا ليقتله ، فدفع عنه جبرئيل وقال لصاحبنا : إن كان ربكم هو الذي أمره بهلاككم ، فان الله لا يسلطك عليه ، وإن لم يكن هذا فعلى أي شئ تقتله ؟ فصدقه صاحبنا ، وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك ، وقوي ( بخت نصر ) وملك وغزانا وخرب بيت المقدس ، فلهذا نتخذه عدوا ، وميكائيل عدو لجبرئيل .
  فقال سلمان : يا ابن صوريا بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم ، أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل ( بخت نصر ) وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله أنه يملك ويخرب بيت المقدس ؟ وأرادوا تكذيب أنبياء الله في أخبارهم واتهموهم ـ في أخبارهم ـ أو صدقوهم في الخبر عن الله، ومع ذلك أرادوا مغالبة الله، هل كان هؤلاء ومن وجهوه إلا كفارا بالله ؟ وأي عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصد عن مغالبة الله عزوجل ، وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى ؟ فقال ابن صوريا : قد كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ، ولكنه

--------------------
> تبلغ ستمائة سنة تقريبا ، وأيضا تشابه أحداث ووقائع غزو بختنصر لبنى اسرائيل ، أضف إلى ذلك ثالثا : وجود ملكين باسم بختنصر : الاول: بختنر الاكبر الذى غزا بنى اسرائيل وقتلهم عند قتلهم نبيهم شعيا في عهد أرميا الذى كان معاصرا لدانيال ، لثانى : بختنصر بن ملتنصر بن بختنصر الاكبر ، حيث قام في السنة الثالثة عشرة من ملكه بغزو بنى اسرائيل في بيت المقدس وقتل منهم سبعين ألفا على دم يحيى بن زكريا ، كما صرح بذلك المسعودى في اثبات الوصية : 84 ، وقد ذكروا أن بين عهد ارميا وقتل يحيى أربعمائة واحدى وستون سنة .
(1) الوقر ـ بالكسر ـ : الحمل الثقيل . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 456_
  يمحو ما يشاء ويثبت .
  قال سلمان : فاذا لا تثقوا (1) بشئ مما في التوراة من الاخبار عما مضى وما يستأنف فان الله يمحو ما يشاء ويثبت ، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعواهما لان الله يمحو ما يشاء ويثبت ، ولعل كل ما أخبراكم أنه يكون لا يكون ، وما أخبراكم أنه لا يكون يكون ، وكذلك ما أخبراكم عما كان لعله لم يكن ، وما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان ، ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعده من العقاب يمحوه ، فانه يمحو ما يشاء ويثبت ، إنكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت .
  فلذلك أنتم بالله كافرون ولاخباره عن الغيوب مكذبون ، وعن دين الله منسلخون .
  ثم قال سلمان : فاني أشهد أن من كان عدوا لجبرئيل ، فانه عدو لميكائيل ، وإنهما جميعا عدوان لمن عاداهما ، سلمان لمن سالمهما .
  فأنزل الله عزوجل ـ عند ذلك ـ موافقا لقول سلمان (ره) (قل من كان عدوا لجبريل) في مظاهرته لاولياء الله على أعداء الله، ونزوله بفضائل علي ولي الله من عند الله (فانه نزله) فان جبرئيل نزل هذا القرآن (على قلبك باذن الله) بأمر الله (مصدقا لما بين يديه) من سائر كتب الله (وهدى) من الضلالة (وبشرى للمؤمنين) بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وولاية علي (عليه السلام) ومن بعده من الائمة بأنهم أولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا سلمان إن الله صدق قيلك ووثق (2) رأيك ، وإن جبرئيل عن الله تعالى يقول : يا محمد ، سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادك ووداد علي أخيك ووصيك وصفيك ، وهما في أصحابك (3) كجبرئيل وميكائيل في

--------------------
(1) ( تيقنوا ) أ ، ط .
(2) ( وفق ) س ، ص ، ق ، د ، والبحار : 9 و 22 .
(3) ( أصحابكما ) ص . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _457 _
  الملائكة ـ عدوان لمن أبغض أحدهما ، ووليان لمن والاهما ، ووالى محمدا وعليا و ـ عدوان لمن عادى محمدا وعليا وأولياءهما (1) ولو أحب أهل الارض سلمان والمقداد كما يحبهما ملائكة السماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض (2) ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهما لاوليائهما ومعاداتهما لاعدائهما لما عذب الله تعالى أحدا منهم بعذاب البتة .
  (3) 299 ـ قال الحسن (4) بن على (عليهما السلام) : فلما قال ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سلمان والمقداد ، سر به المؤمنون وانقادوا ، وساء ذلك المنافقين فعاندوا وعابوا ، وقالوا : يمدح محمد الاباعد ويترك الادنين من أهله لا يمدحهم ولا يذكرهم .
  فاتصل ذلك برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال : ما لهم ـ لحاهم (5) الله يبغون للمسلمين السوء ؟ وهل نال أصحابي ما نالوه من درجات الفضل إلا بحبهم لي ولاهل بيتي ؟ والذي بعثني بالحق نبيا إنكم لن تؤمنوا حتى يكون محمد وآله أحب إليكم من أنفسكم وأهليكم وأموالكم ومن في الارض جميعا .
  ثم دعا بعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فغمتهم (6) بعباءته القطوانية .
  ثم قال : هؤلاء خمسة لاسادس لهم من البشر .
  ثم قال : أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالهم .

--------------------
(1) زاد في ( أ ) : ووليان لمن والاهم ، وأسقط مابين ـ ـ.
(2) أى لخالص .
(3) عنه البحار : 9/ 285 ضمن ح 2 ، وج 39/ 106 ضمن ح 12 (قطعة) ، والبرهان : 1/ 134 ضمن ح 1 ، وعنه البحار : 22/ 327 ح 34 ، وج 60/ 336 ح 9 (قطعة) وعن الاحتجاج : 1/ 48 باسناده عن أبى محمد العسكرى (عليه السلام) وأخرجه في البرهان : 4/ 523 ح 1 (قطعة) ، واثبات الهداة : 1/ 361 ح 72 (قطعة) عن الاحتجاج .
(4) ( الحسين ) س ، والبحار .
(5) أى لعنهم وقبحهم ، ( نحاهم ) ص .
(6) ( فغطاهم ) خ ل ، ط ، وكلاهما بمعنى ، وفى البحار ، ق ، د : ( فعمهم ) ، عم القوم بالعطية : شملهم . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 458 _
  فقالت (1) أم سملة ورفعت جانب العباء لتدخل ، فكفها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال : لست هناك وإن كنت في خير وإلى خير .
  فانقطع عنها طمع البشر .
  وكان جبرئيل معهم ، فقال : يا رسول الله وأنا سادسكم ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : نعم أنت سادسنا .
  فارتقى السماوات ، وقد كساه الله من زيادة الانوار ماكادت الملائكة لا تبينه حتى قال : بخ بخ من مثلي ؟ أنا جبرئيل سادس محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) .
  وذلك مافضل الله به جبرئيل على سائر الملائكة في الارضين والسماوات (2) .
  قال : ثم تناول رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن بيمينه والحسين بشماله ، فوضع هذا على كاهله الايمن ، وهذا على كاهله الايسر ، ثم وضعهما على الارض، فمشى بعضهما إلى بعض يتجاذبان ، ثم اصطرعا ، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول للحسن : ( إيها (3) ـ يا ـ أبا محمد ) فيقوى الحسن ، ويكاد يغلب الحسين ـ ثم يقوى الحسين (عليه السلام) فيقاومه ـ .
  فقالت فاطمة (عليها السلام) : يا رسول الله أتشجع الكبير على الصغير ؟ فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا فاطمة أما إن جبرئيل وميكائيل كما (4) قلت للحسن : ( إيها ـ يا ـ أبا محمد ) قالا للحسين : ( إيها ـ يا ـ أبا عبدالله ) فلذلك تقاوما وتساويا - أما إن الحسن والحسين حين (5) كان يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) للحسن : ( إيها أبا محمد ) ويقول جبرئيل : ( إيها أبا عبدالله ) لو رام كل واحد منهما حمل الارض بما عليها من جبالها وبحارها وتلالها ، وسائر ما على ظهرها لكان أخف عليهما من شعرة على أبدانهما ، وإنما تقاوما لان كل واحد منهما نظير الآخر ـ هذان قرتا عيني ، هذان

--------------------
(1) أى فأقبلت ، ( فقامت ) البحار ، ( فقالت فاطمة ) ب ، ط ، وهو تصحيف ، واسم ام سلمة : هند .
(2) تقدم حديث العباءة ص 376 .
(3) ايه : اسم فعل للاستزادة من حديث أو فعل .
(4) ( كلما ) ط ، ق ، والبحار .
(5) ( لما ) س ، والبحار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 459 _
  ثمرتا فؤادي ، هذان سندا ظهري ، هذان سيدا شباب أهل الجنة من الاولين والآخرين وأبوهما خير منهما ، وجدهما رسول الله خيرهم أجمعين .
  فلما قال ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت اليهود والنواصب : إلى الآن كنا نبغض جبرئيل وحده ، والآن قد صرنا نبغض ميكائيل أيضا لادعائهما لمحمد وعلي إياهما ولولديه (1) .
  فقال الله عزوجل : (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين ) (2) .
  قوله عزوجل : ( ولقد أنزلنا اليك آيات بينات ومايكفر بها الا الفاسقون ) : 99 300 ـ قال الامام (عليه السلام) قال الله تعالى : (ولقد أنزلنا إليك) يا محمد (آيات بينات) دالات على صدقك في نبوتك ، مبينات عن إمامة علي أخيك ووصيك وصفيك موضحات عن كفر من شك فيك أو في أخيك ، أو قابل أمر كل واحد منكما بخلاف القبول والتسليم .
  ثم قال : (وما يكفر بها) بهذه الآيات الدالات على تفضيلك وتفضيل علي بعدك على جميع الورى (إلا الفاسقون) ـ الخارجون ـ (3) عن دين الله وطاعته ، من اليهود الكاذبين ، والنواصب المتسمين بالمسلمين (4) .

--------------------
(1) ( لولديهما ) ب ، ص .
(2) عنه البحار : 39/ 106 ذ ح 12 .
(3) كذا استظهرها في ( س ) ، وكما في البحار .
(4) عنه البحار : 9/ 326 صدر ح 1 ، والبرهان : 1/ 135 ح 1 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 460_
قصة اسلام عبدالله بن سلام :
  (1)301 ـ قال الامام (عليه السلام) (2) : قال علي بن الحسن زين العابدين (عليه السلام) وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (لما آمن به عبدالله بن سلام بعد مسائله التي سألها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجوابه) (3) إياه عنها قال له : يا محمد بقيت واحدة ، وهي المسألة الكبرى والغرض الاقصى : من الذي يخلفك بعدك ، ويقضي ديونك ، وينجز عداتك ، ويؤدي أماناتك ويوضح عن آياتك وبيناتك ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أولئك أصحابي قعود ، فامض إليهم فسيدلك (4) النور الساطع في دائرة غرة ولي عهدي وصفحة خديه ، وسينطق طومارك بأنه هو الوصي ، وستشهد جوارحك بذلك فصار عبدالله إلى القوم فرأى عليا (عليه السلام) يسطع من وجهه نور يبهر نور الشمس ونطق طوماره وأعضاء بدنه كل يقول : يابن سلام هذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) المالئ جنان الله بمحبيه ، ونيرانه بشانئيه ، الباث دين الله في أقطار الارض وآفاقها ، والنافي للكفر عن نواحيها وأرجائها .
  فتمسك بولايته تكن سعيدا ، واثبت على التسليم له تكن رشيدا .
  فقال عبدالله بن سلام : ـ يا رسول الله هذا وصيك الذي وعد في التوراة ـ أشهد

--------------------
(1) وهو من يهود بنى قينقاع ، كان حبرهم وأعلمهم ، وكان اسمه الحصين ، فلما أسلم سماه الرسول (صلى الله عليه وآله) ( عبدالله ) ، انظر سيرة ابن هشام : 2/ 162 و 163 ومواضع اخر منه .
(2) زاد بعدها في ( أ ، ط ) : ذلك الايات الدالات على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وولاية على (عليه السلام) كثيرة أحدها قوله تعالى ( انما وليكم الله ورسوله ... الاية إلى قوله تعالى فان حزب الله هم الغالبون ) المائدة : 55 ، 56 .
(3) ( اذا عارض وتحدى عبدالله بن صوريا وأتى (صلى الله عليه وآله) بجوابه ) خ ل .
(4) ( فسترى ) خ ل . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 461 _
  أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى ، وأمينه المرتضى ، وأميره على جميع الورى ، وأشهد أن عليا أخوه وصفيه ، ووصيه القائم بأمره المنجز لعداته ، المؤدي لاماناته ، الموضح لآياته وبيناته والدافع (1) للاباطيل بدلائله (2) ومعجزاته ، وأشهد أنكما اللذان بشر بكما موسى ومن قبله من الانبياء ودل عليكما المختارون من الاصفياء .
  ثم قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : قد تمت الحجج ، وانزاحت العلل ، وانقطعت المعاذير فلا عذر لي إن تأخرت عنك ، ولا خير في إن تركت التعصب لك .
  ثم قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهت (3) وإنهم إن سمعوا باسلامي (وقعوا في) (4) فاخبأني عندك ـ فاطلبهم فاذا جاءوك فاسألهم عن حالي ورتبتي بينهم لتسمع قولهم في قبل أن يعلموا (5) باسلامي ، وبعده لتعلم أحوالهم .
  فخبأه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته ، ثم دعا قوما من اليهود ، فحضروه وعرض عليهم أمره فأبوا ، فقال ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ: بمن ترضون حكما بيني وبينكم ؟ قالوا : بعبدالله بن سلام .
  قال : وأي رجل هو ؟ قالوا : رئيسنا وابن رئيسنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، وعالمنا وابن عالمنا ، وورعنا وابن ورعنا ، وزاهدنا وابن زاهدنا .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أرأيتم إن آمن بي أتؤمنون (6)؟ قالوا : قد أعاذه الله من ذلك ثم أعادها ، فأعادوها ، فقال : اخرج عليهم يا عبدالله ـ بن سلام ـ وأظهر ما قد أظهره

--------------------
(1) ( الدامغ ) ب ، دمغ الحق الباطل : محقه وأبطله .
(2) ( بدلالاته ) أ .
(3) أى كذب وافتراء .
(4) ( لانكروا بمرتبتى في علم التوراة وبتعظيمهم بى وسندية قولى عندهم ) أ ، وقع في فلان : سبه وعابه واغتابه .
(5) ( يسمعوا ) أ .
(6) ( أترضون ) ب . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 462_
  الله لك من أمر محمد .
  فخرج عليهم وهو يقول : أشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له ، و ـ أشهد ـ وأن محمدا عبده ورسوله المذكور في التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم وسائر كتب الله، المدلول فيها عليه وعلى أخيه علي بن أبي طالب (عليه السلام ) .
  فلما سمعوه يقول ذلك قالوا : يا محمد ، سفيهنا وابن سفيهنا ، وشرنا وابن شرنا وفاسقنا وابن فاسقنا ، وجاهلنا وابن جاهلنا ، كان غائبا عنا ، فكرهنا أن نغتابه .
  فقال عبدالله : فهذا الذي كنت أخافه يا رسول الله.
  ثم إن عبدالله حسن إسلامه ولحقه القصد الشديد من جيرانه من اليهود ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حمارة القيظ في مسجده يوما إذ دخل عليه عبدالله بن سلام .
  و ـ قد ـ كان بلال أذن للصلاة والناس بين قائم وقاعد وراكع وساجد ، فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى وجه عبدالله فرآه متغيرا ، وإلى عينيه دامعتين ، فقال : مالك يا عبدالله ؟ .
  فقال يا رسول الله قصدتني اليهود ، وأساءت جواري وكل ماعون لي استعاروه مني كسروه وأتلفوه ، وما استعرت منهم منعونيه ، ثم زاد أمرهم بعد هذا ، فقد اجتمعوا وتواطؤوا وتحالفوا على أن لا يجالسني أحد منهم ، ولا يبايعني ولا يشاورني (1) ولا يكلمني ولا يخالطني ، وقد تقدموا بذلك إلى من في منزلي ، فليس يكلمني أهلي وكل جيراننا يهود ، وقد استوحشت منهم ، فليس لي ـ من ـ أنس بهم ، والمسافة ما بيننا وبين مسجدك هذا ومنزلك بعيدة ، فليس يمكنني في كل وقت يلحقني ضيق صدر منهم أن أقصد مسجدك أو منزلك .
  فلما سمع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) غشيه ما كان يغشاه عند نزول الوحي عليه من تعظيم أمر الله تعالى ، ثم سري عنه (2) وقد انزل عليه :

--------------------
(1) ( يشاربنى ) أ ، ( يشارينى ) ق ، البحار .
(2) أى زال عنه ما كان يجده . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 463_
  (أنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .
  ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزن الله هم الغالبون) (1) .
  قال : يا عبدالله بن سلام (إنما وليكم الله) ناصركم الله على اليهود القاصدين بالسوء لك (ورسوله) ـ انما ـ وليك وناصرك (والذين آمنوا الذين - صفتهم أنهم ـ يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) أي وهم في ركوعهم .
  ثم قال : يا عبدالله بن سلام (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا) من يتولاهم ، ووالى أولياءهم ، وعادى أعداءهم ، ولجأ عند المهمات إلى الله ثم إليهم (فان حزب الله) جنده (هم الغالبون) لليهود وسائر الكافرين ، أي فلا يهمنك يابن سلام ، فان الله تعالى ـ هو ناصرك ـ (2) وهؤلاء أنصارك ، وهو كافيك شرور أعدائك وذائد عنك مكايدهم .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عبدالله بن سلام أبشر ، فقد جعل الله لك أولياء خيرا منهم : الله، ورسوله (3) ، والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، وهم راكعون .
  فقال عبدالله بن سلام : ـ يا رسول الله ـ من هؤلاء الذين آمنوا ؟ فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى سائل ، فقال : هل أعطاك أحد شيئا الآن ؟ قال : نعم ذلك المصلي ، أشار إلى بأصبعه : أن خذ الخاتم .
  فأخذته فنظرت إليه والى الخاتم ، فاذا هو خاتم علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الله أكبر ، هذا وليكم ـ بعدي ـ وأولى الناس بالناس بعدي

--------------------
(1) المائدة : 55 ـ 56 .
(2) استظهرها في ( ق ) .
(3) ( ورسوله محمد ) ص ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 464 _
   علي بن أبي طالب (عليه السلام) (1) .
  قال : ثم لم يلبث عبدالله إلا يسيرا حتى مرض بعض جيرانه ، وافتقر وباع داره ، فلم يجد (2) لها مشتريا غير عبدالله ، واسر آخر من جيرانه فالجئ إلي بيع داره ، فلم يجد ـ لها ـ مشتريا غير عبدالله ، ثم لم يبق من جيرانه من اليهود أحد إلا دهته داهية ، واحتاج ـ من أجلها ـ إلى بيع داره ، فملك عبدالله تلك المحلة ، وقلع الله شأفة (3) اليهود ، وحول عبدالله إلى تلك الدور قوما من خيار المهاجرين ، وكانوا له أناسا وجلاسا ، ورد الله كيد اليهود في نحورهم ، وطيب الله عيش عبدالله بايمانه برسول الله وموالاته لعلي ولي الله، عليهما الصلاة والسلام (4) .
  قوله عزوجل : ( أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ) : 100 302 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الباقر (عليه السلام) : قال الله عزوجل وهو يوبخ هؤلاء اليهود الذين تقدم ذكر عنادهم ، وهؤلاء النصاب الذين نكثوا ما اخذ من العهد عليهم فقال :

--------------------
(1) قال الطبرسى في مجمع البيان : 3/ 210 : وفى رواية عطا ، قال عبدالله بن سلام : يا رسول الله أنا رأيت عليا تصدق بخاتمة وهو راكع ، فنحن نتولاه ، أقول : ذكر المحدثون والرواة أحداث هذه القصة في العديد من الكتب وبألفاظ مختلفة وأسانيد متعددة وتناقلته الخاصة والعامة ، منها : فرات في تفسيره : 39 ، الخوارزمى في مناقبه : 186 ، عنه كشف الغمة : 1/ 301 والحسكانى في شواهد التنزيل : 1/ 185 ، بشارة المصطفى : 266 ، مصباح الانوار : 8 (مخطوط) ، وتجد تفصيل ذلك في احقاق الحق : 2/ 399 ـ 406 ، وج 3/ 502 ـ 511 فراجع .
(2) ( يكن ) ص ، ق ، والبحار .
(3) ( شاكة ) أ ، ( شانئيه ) ب ، ط ، الشأفة : الاصل أو العداوة ، والشاكة : الحدة .
(4) عنه البحار : 9/ 326 ضمن ح 16 ، ومدينة المعاجز : 73 ح 185 (قطعة) . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _465 _
  (أو كلما عاهدوا عهدا) واثقوا وعاقدوا ليكونوا لمحمد طائعين ، ولعلي بعده مؤتمرين ، وإلى أمره صابرين (1) (نبذه) نبذ العهد (فريق منهم) وخالفه .
  قال الله: (بل أكثرهم) أكثر هؤلاء اليهود والنواصب (لا يؤمنون) أي في مستقبل أعمارهم لا يرعون (2) ، ولا يتوبون (3) مع مشاهدتهم للايات ومعاينتهم للدلالات (4).
  303 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اتقوا الله عباد الله، واثبتوا على ما أمركم به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من توحيد الله، ومن الايمان بنبوة محمد رسول الله، ومن الاعتقاد بولاية علي ولي الله، ولا يغرنكم صلاتكم وصيامكم وعبادتكم السالفة ، إنها لا تنفعكم إن خالفتم العهد والميثاق فمن وفى وفي له ، وتفضل ـ بالجلال و ـ بالافضال عليه ، ومن نكث فانما ينكث على نفسه ، والله ولي الانتقام منه ، وإنما الاعمال بخواتيمها .

قصة ليلة المبيت :

   هذه وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكل أصحابه، وبها أوصى حين صار إلى الغار .
  فان الله تعالى قد أوحى إليه : يا محمد إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : إن أبا جهل والملا من قريش قد دبروا يريدون قتلك ، وآمرك أن تبيت عليا في موضعك ، وقال لك : إن منزلته منزلة إسماعيل (5) الذبيح من إبراهيم الخليل يجعل نفسه لنفسك فداءا ، وروحه لروحك وقاءا ، وآمرك (6) أن تستصحب أبا بكر ،

--------------------
(1) ( صائرين ) ص ، ط ، ق ، د ، والبرهان .
(2) ( يرغبون ) خ ل ، رعى الامر : نظر إلى ماذا يصير .
(3) ( يتولون ) أ .
(4) عنه البحار : 9/ 329 ضمن ح 16 ، والبرهان : 1/ 135 ح 1 .
(5) ( اسحاق ) ب ، س ، ط ، وهو تصحيف .
(6) لم نعثر في غير هذا الكتاب على دليل الوحى ، والامر بهذا الاستصحاب ، ولا غرابة في هذا بعد أن كان للنبى (صلى الله عليه وآله) أن يخفى ولا يصاحبه ، فلعله استصحيه ليكون < (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 466_
  فانه إن (1) آنسك وساعدك ووازرك وثبت على مايعاهدك ويعاقدك ، كان في الجنة من رفقائك ، وفي غرفاتها من خلصائك .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : أرضيت أن اطلب فلا اوجد وتوجد ، فلعله أن يبادر اليك الجهال فيقتلوك ؟ قال : بلى يا رسول الله رضيت أن تكون روحي لروحك وقاءا ، ونفسي لنفسك

--------------------
> شاهدا لايات الله عزوجل في جعله كلمة الذين كفروا السفلى ، وكلمة الله هى العليا ، وانزاله السكينة على النبى (صلى الله عليه وآله) وحده ، وتأييده بالجنود ... كما أنه لا فضل في التسمية ( بالصحبة ) لانها قد تحصل من الولى والعدو ، والمؤمن والكافر ، قال تعالى مخبرا عن مؤمن وكافر اصطحبا ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك ... ) الكهف : 37 ، وقال تعالى في قصة يوسف (عليه السلام) : ( يا صاحبى السجن ) يوسف : 41 .
وقال تعالى : ( ماضل صاحبكم وماغوى ) النجم : 2 بل لا فضل في مطلق التسمية ، كما أن موسى (عليه السلام) ، ترك هارون ولم يستصحبه في ميقات ربه ، قال تعالى : ( واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال ... أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) الاعراف: 155 .
فما كان استصحاب الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) له تفضيلا على من تركه في فراشه ، زد على ذلك النهى الموجه من الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى أبى بكر بقوله ( لا تحزن ) بل لا دليل على أنه سكن قلبه ، أو أنزل الله السكينة عليه كما من على النبى (صلى الله عليه وآله) بذلك مع انه ( ثانى اثنين اذهما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فأنزل الله سكينته عليه ) التوبة : 40 فأخبر أنه أنزل السكينة عليه دون أبى بكر ، ولم يذكر أبا بكر في السكينة ، كما أخبر في موطن آخر أنه أنزل السكينة على الرسول وعلى المؤمنين ، قال تعالى ... ( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) التوبة : 26 .
وقوله تعالى ( ان الله معنا ) أى عالم ومطلع على حالنا ... فلاحظ .
(1) تدبر معنى ( ان ) الشرطية وجوابها ( كان ) ! وفى الشرط وتعليق الجزاء عليه ، لطف وتنبيه ، أما ترى قوله تعالى ( لئن اشركت ليحبطن عملك ) الزمر : 65 خطابا للرسول الاعظم ، أفضل الخلق ، وخير البشر سيأتى مثل ذلك ص 468 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 467 _
  فداء ، بل قد رضيت أن تكون روحي ونفسي فداءا لاخ لك أو قريب أو لبعض الحيوانات تمتهنها (1) وهل أحب الحياة إلا لخدمتك (2) والتصرف بين أمرك ونهيك ولمحبة أوليائك ، ونصرة أصفيائك ، ومجاهدة أعدائك ؟ لو لا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة .
  فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على علي (عليه السلام) وقال له : يا أبا حسن قد قرأ علي كلامك هذا الموكلون باللوح المحفوظ ، وقرأوا علي ما أعد الله ـ به ـ لك من ثوابه في دار القرار مالم يسمع بمثله السامعون ، ولا أرى مثله الراؤون ، ولا خطر مثله ببال المتفكرين .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابى بكر : أرضيت أن تكون معي يا أبابكر تطلب كما اطلب ، وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ماأدعيه ، فتحمل عني أنواع العذاب ؟ قال أبوبكر : يا رسول الله أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل علي موت مريح ، ولا فرج متيح (3) وكان في ذلك محبتك لكان ذلك أحب إلي من أن أتنعم فيها وأنا مالك لجميع ممالك (4) ملوكها في مخالفتك ، وهل أنا (5) ومالي وولدي إلا فداؤك ؟

--------------------
(1) من المهانة : الحقارة والصغر ، ولا عجب من خير البشر على بن أبي طالب (عليه السلام) يؤثر رضا حبيب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، ويسلم له نفسه فداء فيما يرضاه ، لا ملقا ولا تزلفا ولا رياء ، فأطلق شعاره تعبيرا عن حبه فقال : هل احب الحياة الا لخدمتك ، ... ولولا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة ، فلا هم له (عليه السلام) غير رضاه وفى أى شاء ، ولا يريد أن يفدى نفسه في الاخس وان لم يشأ ولن يشاء ، وقد آثرنا من رجال الدين والعلم يقولون تحية لامامنا الغائب ( عج ) : أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء .
(2) ( بخدمتك ) أ .
(3) ( منج ) س ، ص ، تاح له الشئ : تهيأ .
(4) ( مماليك ) أ .
(5) ( ماأهلى ) ب ، س ، د . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 468_
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا جرم إن (1) اطلع الله على قلبك ووجد ما فيه موافقا لما جرى على لسانك ، جعلك مني بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد ، وبمنزلة الروح من البدن ، كعلي الذي هو مني كذلك ، وعلي فوق ذلك لزيادة فضائله وشريف خصاله .
  يا أبابكر إن من عاهد الله ثم لم ينكث ولم يغير ، ولم يبدل ولم يحسد من قد أبانه (2) الله بالتفضيل فهو معنا في الرفيق الاعلى ، وإذا أنت مضيت على طريقة يحبها منك ربك ، ولم تتبعها بما يسخطه ، ووافيته بها إذا بعثك بين يديه ، كنت لولاية الله مستحقا ، ولمرافقتنا في تلك الجنان مستوجبا .
  انظر أبابكر فنظر في آفاق السماء ، فرأى أملاكا من نار على أفراس من نار ، بأيديهم رماح من نار ، كل ينادي : يا محمد مرنا بأمرك في ـ أعدائك و ـ مخالفيك نطحطحهم .
  ثم قال : تسمع على الارض .
   فتسمع فاذا هي تنادي : يا محمد مرني بأمرك في أعدائك أمتثل أمرك .
  ثم قال : تسمع على الجبال ، فتسمعها تنادي : يا محمد مرنا بأمرك في أعدائك نهلكهم .
  ثم قال : تسمع على البحار ، فاحضرت البحار بحضرته ، وصاحت أمواجها تنادي (3) : يا محمد مرنا بأمرك في أعدائك نمتثله .
  ثم سمع السماء والارض والجبال والبحار كل يقول : ـ يا محمد ـ (4) ما أمرك ربك بدخول الغار لعجزك عن الكفار ، ولكن إمتحانا وابتلاءا ليتخلص (5) الخبيث من

--------------------
(1) تدبر معناها ـ وما أدراك مامعناها ـ وجوابها ( جعلك ) ، انظر تعليقتنا هامش : 1 ص 466
(2) ( أثابه ) خ ل .
(3) ( وقالت ) س ، ط ، د .
(4) من البحار .
(5) أى ليتميز . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 469 _
  الطيب من عباده وإمائه بأناتك (1) وصبرك وحلمك عنهم .
  يا محمد من وفى بعهدك فهو من رفقائك في الجنان ، ومن نكث فعلى نفسه ينكث وهو من قرناء إبليس اللعين في طبقات النيران .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : يا علي أنت مني بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد ، والروح من البدن ، حببت إلي كالماء البارد إلى ذي الغلة الصادي (2) .
  ثم قال له : يا أبا حسن تغش ببردتي ، فاذا أتاك الكافرون يخاطبونك ، فان الله يقرن بك توفيقه ، وبه تجيبهم .
  فلما جاء أبوجهل ، والقوم شاهرون سيوفهم ، قال لهم أبوجهل : لا تقعوا به وهو نائم لا يشعر ، ولكن ارموه بالاحجار لينتبه بها ، ثم اقتلوه ، فرموه بأحجار ثقال صائبة .
  فكشف عن رأسه ، فقال : ماذا شأنكم ؟ وعرفوه ، فاذا هو علي (عليه السلام).
  فقال لهم أبوجهل : أما ترون محمدا كيف أبات هذا ونجا بنفسه لتشتغلوا به وينجو محمد ، لا تشتغلوا بعلي المخدوع لينجو بهلاكه محمد ، وإلا فما منعه أن يبيت في موضعه إن كان ربه بمنع عنه كما يزعم ؟ فقال علي (عليه السلام) : ألي (3) تقول هذا يا أبا جهل ؟ بل الله تعالى قد أعطاني من العقل مالو قسم على جميع حمقاء الدنيا ومجانينها لصاروا به عقلاء ، ومن القوة مالو قسم على جميع ضعفاء الدنيا لصاروا به أقوياء ، ومن الشجاعة مالو قسم على جميع جبناء الدنيا لصاروا ـ به ـ شجعانا ، ومن الحلم ما لو قسم على جميع سفهاء الدنيا لصاروا به حلماء .
  ولو لا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني أن لا أحدث حدثا حتى ألقاه لكان لي ولكم شأن ، ولا قتلنكم قتلا .

--------------------
(1) الاناة : الوقار والحلم ، الانتظار والتمهل .
(2) أى الشديد العطش ، والغلة ـ بالضم ـ حرارة العطش .
(3) ( أنى ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 470 _
  ويلك يا أبا جهل ـ عليك اللعنة ـ إن محمدا (صلى الله عليه وآله) قد استأذنه في طريقه السماء والارض والبحار والجبال في إهلاككم فأبى إلا أن يرفق بكم ، ويداري كم ؟ ؟ ليؤمن من في علم الله أنه يؤمن منكم ، ويخرج مؤمنون من أصلاب وأرحام كافرين وكافرات أحب الله تعالى أن لا يقطعهم عن كرامته باصطلامهم (1).
  ولو لا ذلك لاهلككم ربكم ، إن الله هو الغني ، وأنتم الفقراء ، لا يدعوكم إلى طاعته وأنتم مضطرون ، بل مكنكم مما كلفكم فقطع معاذيركم .
  فغضب أبوالبختري بن هشام فقصده بسيفه ، فرأى الجبال قد أقبلت لتقع عليه والارض قد انشقت لتخسف به ، ورأى أمواج البحار نحوه مقبلة لتغرقه في البحر ورأى السماء انحطت لتقع عليه ، فسقط سيفه وخر مغشيا عليه واحتمل ، ويقول أبوجهل : دير به (2) لصفراء هاجت به .
  يريد أن يلبس على من معه أمره .
  فلما التقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع علي (عليه السلام) قال : يا علي إن الله رفع صوتك في مخاطبتك أباجهل إلى العلو ، وبلغه إلى الجنان ، فقال من فيها من الخزان والحور الحسان : من هذا المتعصب لمحمد إذ قد كذبوه وهجرو ه؟ قيل لهم : هذا النائب عنه، والبائت على فراشه يجعل نفسه لنفسه وقاءا ، وروحه لروحه فداءا .
  فقال الخزان والحور الحسان : يا ربنا فاجعلنا خزانه .
  وقالت الحور : فاجعلنا نساءه .
  فقال الله تعالى لهم : أنتم له ، ولمن يختاره هو من أوليائه ومحبيه يقسمكم عليهم ـ بأمر الله ـ على من هو أعلم به من الصلاح ، أرضيتم ؟ قالوا : بلى ربنا وسيدنا (3) .

--------------------
(1) أى باستئصالهم ، ( باصطلامكم ) ب ، ط .
(2) أى أخذه الدوار ، وهو دوران يأخذ بالرأس ، تعرفه العامة بالدوخة .
(3) عنه البحار : 9/ 329 ذ ح 16 (قطعة) ، وج 19/ 80 ح 34 ، ومدينة المعاجز : 75 ح 188 واثبات الهداة : 4/ 596 ح 291 (قطعة) . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 471 _
  قوله عزوجل : ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وماهم بضارين به من أحد الا باذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الاخرة من خلاق ولبئس ماشروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون * ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ) 101 ـ 102 .
  304 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الصادق (عليه السلام) : (ولما جاءهم) جاء هؤلاء اليهود ومن يليهم من النواصب (رسول (1) من عند الله ـ مصدق لما معهم ـ) القرآن مشتملا على ـ وصف ـ فضل محمد وعلي ، وإيجاب ولايتهما ، وولاية أوليائهما ، وعداوة أعدائهما (نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب ـ كتاب الله ـ) اليهود التوراة وكتب أنبياء الله (عليهم السلام) (وراء ظهورهم) وتركوا العمل بما فيها وحسدوا محمدا على نبوته ، وعليا على وصيته ، وجحدوا على ما وقفوا عليه من فضائلهما (كأنهم لا يعلمون) فعلوا من جحد ذلك والرد له فعل من لا يعلم ، مع علمهم بأنه حق .
  (واتبعوا) هؤلاء اليهود والنواصب (ما تتلوا) ما تقرأ (الشياطين على ملك سليمان) وزعموا أن ( سليمان ) بذلك السحر والنيرنجات (2) نال ماناله من الملك العظيم قصدوهم به عن كتاب (3) الله، وذلك أن اليهود الملحدين والنواصب المشاركين لهم في

--------------------
(1) ( كتاب ) الاصل ، وما في المتن كما في البحار .
(2) النيرنج ـ بالكسر ـ اخذ كالسحر وليس به ، (القاموس المحيط 1 :/ 209) ، والاخذة - بالهمزة المضمومة ـ : رقية كالسحر يؤخذ بها .
(3) ( سبيل ) البحار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 472_
  إلحادهم لما سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وشاهدوا منه ومن علي (عليه السلام) المعجزات التي أظهرها الله تعالى لهم على أيديهما (1) ، أفضى بعض اليهود والنصاب إلى بعض وقالوا : ما محمد إلا طالب دنيا بحيل ومخاريق وسحر ونيرنجات تعلمها ، وعلم عليا (عليه السلام) بعضها ، فهو يريد أن يتملك علينا في حياته ، ويعقد (2) الملك لعلي بعده ، وليس مايقوله عن الله تعالى بشئ ، إنما هو قوله فيعقد علينا وعلى ضعفاء عباد الله بالسحر والنيرنجات التي يستعملها ، وأوفر الناس كان حظا من هذا السحر ( سليمان بن داود ) الذي ملك بسحره الدنيا كلها من (3) الجن والانس والشياطين ، ونحن إذا تعلمنا بعض ماكان تعلمه (4) سليمان ، تمكنا من إظهار مثل ما يظهره محمد وعلي ، وادعينا لانفسنا ما يجعله محمد لعلي ، وقد استغنينا عن الانقياد لعلي .
  فحينئذ ذم الله تعالى الجميع من اليهود والنواصب فقال الله عزوجل : (نبذوا كتاب الله) الآمر بولاية محمد وعلي (وراء ظهورهم) فلم يعملوا به (واتبعوا ما تتلوا) كفرة (الشياطين) من السحر والنيرنجات (على ملك سليمان) الذين يزعمون أن سليمان به ملك ونحن أيضا به نظهر العجائب حتى ينقاد لنا الناس ونستغني عن الانقياد لعلي (عليه السلام) .
  قالوا : وكان سليمان كافرا ساحرا ماهرا ، بسحره ملك ماملك ، وقدر على ماقدر فرد الله تعالى عليهم فقال : (وما كفر سليمان) ولا استعمل السحر كما قال هؤلاء الكافرون (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) أي بتعليمهم الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان كفروا ، ثم قال : (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) قال : كفر الشياطين بتعليمهم

--------------------
(1) ( عليهما ) ب ، س ، ق ، د ، ط .
(2) عقد له على القوم : جعله رئيسا عليهم .
(3) ( و ) أ ، ب ، س ، ط .
(4) ( يعلمه ) ب . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 473_
  الناس السحر ، وبتعليمهم إياهم بما أنزل الله على الملكين ببال هاروت وماروت ـ اسم الملكين ـ .
  قال الصادق (عليه السلام) : وكان بعد نوح (عليه السلام) قد كثر السحرة والمموهون ، فبعث الله تعالى ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكرما يسحر به السحرة ، وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد به كيدهم .
  فتلقاه النبي عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله، وأمرهم أن يقفوا به على السحر وأن يبطلوه ، ونهاهم أن يسحروا به الناس .
  وهذا كما يدل على السم ماهو ، وعلى مايدفع به غائلة السم (1) ، ثم يقال للمتعلم ذلك : هذا السم ، فمن رأيته سم (2) فادفع غائلته بكذا ، وإياك أن تقتل بالسم أحدا .
  ثم قال : (وما يعلمان من أحد) وهو أن ذلك النبى أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين ويعلمانهم ما علمهما الله تعالى من ذلك ويعظاهم (3) فقال الله تعالى : (وما يعلمان من أحد) ذلك السحر وإبطاله (حتى يقولا) للمتعلم : (إنما نحن فتنة) : إمتحان .
  للعباد ليطيعوا الله عزوجل فيما يتعلمون من هذا ، ويبطلوا به كيد الساحر (4) ، ولا يسحروا لهم (5) .
  (فلا تكفر) باستعمال هذا السحر وطلب الاضرار به ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا ـ بك ـ أنك به تحيي وتميت ، وتفعل مالا يقدر عليه إلا الله تعالى ، فان ذلك كفر .
  قال الله تعالى : (فيتعلمون) يعنى طالبي السحر (منهما) يعنى مما كتبت الشياطين

--------------------
(1) أى مضرته وشره .
(2) ( رانه السم ) أ ، ران : غلب .
(3) ( أعطاهم ) س ، ص .
(4) ( السحر ) أ ، ب ، س ، ط .
(5) ( بهم ) خ ل . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 474 _
  على ملك سليمان من النيرنجات ، وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ، يتعلمون من هذين الصنفين .
  (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) هذا من يتعلم للاضرار (1) بالناس ، يتعلمون التفريق بضروب الحيل والتمائم والايهام أنه قد دفن (2) ـ كذا ـ وعمل كذا ليجلب (3) قلب المرأة عن الرجل ، وقلب الرجل عن المرأة ، ويؤدي إلى الفراق بينهما .
  ثم قال الله عزوجل : (وما هم بضارين به من أحد إلا باذن الله) أي ما المتعلمون لذلك بضارين به من أحد إلا باذن الله، بتخلية (4) الله وعلمه ، فانه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر .
  ثم قال : (ويتعلمون مايضرهم ولا ينفعهم) لانهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا ، فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم ولا ينفعهم فيه ، بل ينسلخون عن دين الله بذلك .
  (ولقد علموا) (5) هؤلاء المتعلمون (لمن اشتريه) بدينه (6) الذي ينسلخ عنه بتعلمه (ماله في الآخرة من خلاق) من نصيب في ثواب الجنة (7) (ولبئس ما شروا به أنفسهم) ورهنوها بالعذاب (لو كانوا يعلمون) أي لو كانوا يعلمون أنهم قد باعوا الآخرة ، وتركوا نصيبهم من الجنة ، لان المتعلمين لهذا السحر هم الذين يعتقدون أن لا رسول ، ولا إله ، ولا بعث ، ولا نشور .
  فقال : (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) لانهم يعتقدون أن لا آخرة ، فهم يعتقدون أنها إذا لم تكن آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا ، وإن كان

--------------------
(1) ( الاضرار ) أ ، والعيون .
(2) زاد في العيون والبحار : في موضع .
(3) ( ليحبب ) ب ، س ، ق ، د والبحار ، ( يغضب ) ص ، والبرهان .
(4) خلى تخلية الامر وعنه : تركه
(5) ( علم ) الاصل والبحار .
(6) أى استبدل السحر بدينه ، واللام في ( لمن ) للابتداء علقت ( علموا ) عن العمل .
(7) زاد بعدها في ( أ ، ط ، العيون ، والبحار ) : ثم قال (عزوجل) . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 475 _
  ـ بعد الدنيا ـ آخرة فهم مع كفرهم بها لاخلاق لهم فيها .
  ثم قال : (ولبئس ماشروا به أنفسهم) باعوا به أنفسهم بالعذاب ، إذا باعوا الآخرة بالدنيا ورهنوا بالعذاب ـ الدائم ـ (1) أنفسهم (لو كانوا يعلمون) أنهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب ولكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به .
  فلما (2) تركوا النظر في حجج الله حتى يعلموا ، عذبهم (3) على اعتقادهم الباطل وجحدهم الحق .
  قال أبويعقوب وأبوالحسن (4) : قلنا للحسن أبي القائم (عليه السلام) : فان قوما عندنا يزعمون أن هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم ، وأنزلهما الله مع ثالث لهما إلى الدنيا ، وأنهما افتتنا بالزهرة ، وأرادا الزنا بها ، وشربا الخمر ، وقتلا النفس المحرمة ، وأن الله تعالى يعذبهما ببابل ، وأن السحرة منهما يتعلمون السحر وأن الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة .
  فقال الامام (عليه السلام) : معاذ الله من ذلك ، إن ملائكة الله تعالى معصومون ـ من الخطأ ـ محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله تعالى ، فقال الله عزوجل فيهم : (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون) (5) وقال تعالى : (وله من في السموات والارض ومن عنده ـ يعني الملائكة ـ لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون) .
  وقال (في الملائكة بل عباد مكرمون ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) إلى قوله (وهم من خشيته مشفقون) (6) .
  ثم قال : لو كان كما يقولون ، كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه على الارض وكانوا كالانبياء في الدنيا وكالائمة، فيكون من الانبياء والائمة قتل النفس وفعل الزنا! ؟

--------------------
(1) من العيون والبحار .
(2) ( و ) أ ، س ، ط .
(3) كذا في العيون ( انى لاعذبهم ) ب ، س ، ص ، ط ، ( لاعذبنهم ) أ ، ق ، د ، ( عذابهم ) البحار .
(4) هما راويا التفسير .
(5) التحريم : 6 .
(6) الانبياء : 19 ـ 28 . (*)