قال : فمنهم من يقول : قد كنت لعلي بن أبي طالب بالولاية شاهدا ، ولآل محمد محبا ، وهو في ذلك كاذب يظن أن كذبه ينجيه ، فيقال له : سوف نستشهد على ذلك عليا .
فتشهد أنت يا أبا الحسن ، فتقول : الجنة لاوليائي شاهدة ، والنار على أعدائي شاهدة .
فمن كان منهم صادقا خرجت إليه رياح الجنة ونسيمها فاحتملته ، فأوردته علالي الجنة وغرفها وأحلته دار المقامة من فضل ربه
(1) لا يمسه فيها نصب ولا يمسه فيها لغوب
(2) .
ومن كان منهم كاذبا جاءته
(3) سموم النار وحميمها وظلها الذي هو ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب
(4)فتحمله ، فتعرفعه في الهواء ، وتورده في نار جهنم .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فلذلك أنت قسيم ـ الجنة و ـ النار ، تقول لها : هذا لي وهذا لك
(5) .
277 ـ وقال جابر بن عبدالله الانصارى : ولقد حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحضره عبدالله ابن صوريا غلام أعور يهودي تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه فسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن مسائل
كثيرة يعنته
(6) فيها ، فأجابه عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما لم يجد إلى إنكار شئ منه سبيلا .
فقال له : يا محمد من يأتيك بهذه الاخبار عن
(7) الله ؟ قال : جبرئيل .
قال : لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك ، ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك بها لامنت بك .
--------------------
(1) ( ربى ) أ .
(2) اشارة إلى قوله تعالى في سورة فاطر : 35
(3) ( أصابه ) أ .
(4) اشارة إلى قوله تعالى في سورة المرسلات : 30 و 31 .
(5) عنه البحار : 7/ 186 ح 46 ، وص 275 ح 50 ، وج 8/ 166 ح 110 ، وج 9/ 183 ذ ح
11 والبرهان : 1/ 129 ح 1 .
(6) أى شدد عليه وألزمه ما يصعب اداؤه ويشق تحمله .
(7) ( من عند ) ص . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_407 _
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ولم اتخذتم جبرئيل عدوا ؟ قال : لانه ينزل (1) بالبلاء والشدة على بني إسرائيل .
ودفع (2) دانيال عن قتل ( بخت نصر ) حتى قوى أمره ، وأهلك بنى إسرائيل .
وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها إلا جبرئيل ، وميكائيل يأتينا بالرحمة .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ويحك أجهلت أمر الله تعالى! ؟ وما ذنب جبرئيل إن أطاع الله فيما يريده بكم ؟ أرأيتم ملك الموت ؟ أهو عدوكم وقد وكله الله بقبض أرواح الخلق الذي أنتم منه ؟ أرأيتم الآباء والامهات إذا وجروا (3)
الاولاد الادوية الكريهة لمصالحهم ، أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك ؟ لا ، ولكنكم بالله جاهلون ، وعن حكمته غافلون ، أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان ، وله مطيعان ، وأنه لا يعادي أحدهما إلا مكن عادى الآخر ، وأن من زعم أنه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كذب .
وكذلك محمد رسول الله وعلي أخوان ، كما أن جبرئيل وميكائيل أخوان ، فمن أحبهما فهو من أولياء الله، ومن أبغضهما فهو من أعداء الله، ومن أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذب ، وهما منه بريئان ، وكذلك من أبغض واحدا مني ومن علي ، ثم زعم
أنه يحب الآخر فقد كذب ، وكلانا منه بريئان ، والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء (4) .
قوله عزوجل : ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ) : 92
--------------------
(1) ( نزل ) البحار .
(2) يأتى ص 448 وبتفصيله ص 454 .
(3) الوجور : الدواء الذى يصب في الفم .
(4) عنه البحار : 9/ 283 ح 1 وعن الاحتجاج : 1/ 46 باسناده عن الحسن العسكرى (عليه السلام) . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 408 _