في أن المسكين الحقيقى مساكين الشيعة الضعفاء في مقابلة أعدائهم :
227 ـ قال الامام (عليه السلام) : وإن من محبي محمد ـ وعلي ـ
(1) مساكين ، مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء ، وهم الذين سكنت
(2) جوارحهم ، وضعفت قواهم عن مقاتلة
(3) أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ، ويسفهون أحلامهم ، ألا فمن قواهم بفقهه وعلمه
(4) حتى أزال مسكنتهم ، ثم سلطهم على الاعداء الظاهرين : النواصب وعلى الاعداء الباطنين : إبليس ومردته ، حتى يهزموهم عن دين الله ويذودوهم عن أولياء آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
حول الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم ، فأعجزهم عن إضلالهم .
قضى الله تعالى بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
(5) .
228 ـ وقال على بن أبي طالب (عليه السلام) : من قوى مسكينا في دينه ، ضعيفا في معرفته على ناصب مخالف ، فأفحمه
(6) لقنه الله تعالى يوم يدلى في قبره أن يقول : الله ربي ، ومحمد نبيي ، وعلي وليي ، والكعبة قبلتي ، والقرآن بهجتي وعدتي والمؤمنون إخواني .
فيقول الله: أدليت بالحجة ، فوجبت لك أعالي درجات الجنة .
فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة
(7) .
229 ـ وقالت فاطمة (عليها السلام) وقد اختصم إليها امرأتان ، فتنازعتا في شئ من أمر
--------------------
(1) ( وآل محمد ) البحار .
(2) ( تنكست ) أ ، نكس الرجل : ضعف وعجز .
(3) ( مقابلة ) ب ، س ، ص ، ط ، ق ، د .
(4) ( وعلمهم ) أ ، والبرهان .
(5) عنه تأويل الايات : 1/ 75 ح 49 ، والبرهان : 1/ 122 صدر ح 17 ، وعنه في البحار :
2/ 7 ضمن ح 13 وعن الاحتجاج : 1/ 10 .
(6) أى أسكته بالحجة .
(7) عنه البحار : 6/ 228 ح 31 ، والبرهان : 1/ 122 ذ ح 17 وعنه في البحار : 2/ 7 ح 14 وعن الاحتجاج: 1/ 10 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 348 _
الدين : إحديهما معاندة ، والاخرى مؤمنة ، ففتحت على المؤمنة حجتها ، فاستظهرت على المعاندة ، ففرحت فرحا شديدا .
فقالت فاطمة (عليها السلام) : إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك ، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها .
وإن الله عزوجل قال للملائكة : أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الاسيرة من الجنان ألف ألف ضعف ماكنت أعددت لها واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على أسير مسكين ، فيغلب معاندا مثل ألف ألف (1) ماكان له معدا من الجنان (2) .
230 ـ وقال الحسن بن على ـ بن أبي طالب ـ (عليهما السلام) ـ وقد حمل إليه رجل هدية ـ فقال له : أيما أحب إليك ؟ أن أرد عليك بدلها عشرين ضعفا ، عشرين ألف درهم ، أو أفتح لك بها بابا من العلم تقهر فلان الناصبي في قريتك ، تنقذ به
ضعفاء أهل قريتك ؟ إن أحسنت الاختيار جمعت لك الامرين ، وإن أسأت الاختيار خيرتك لتأخذ أيهما شئت قال يابن رسول الله فثوابي في قهري لذلك الناصب ، واستنقاذي لاولئك الضعفاء من يده ، قدره عشرون ألف درهم ؟ قال (عليه السلام) : بل أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة! فقال : يابن رسول الله فكيف أختار الادون! بل أختار الافضل : الكلمة التي أقهر بها عدو الله، وأذوده عن أولياء الله.
فقال الحسن بن على (عليهما السلام) : قد أحسنت الاختيار .
وعلمه الكلمة (3) ، وأعطاه عشرين ألف درهم .
فذهب ، فأفحم الرجل ، فاتصل خبره به (عليه السلام) ، فقال له إذ حضره :
--------------------
(1) ( ضعف ) خ ل .
(2) عنه البحار : 8/ 180 ضمن ح 137 ، وعنه البحار : 2/ 8 ح 15 وعن الاحتجاج : 1/ 11 .
(3) ( الحكمة ) ط . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 349_
ياعبدالله ما ربح أحد مثل ربحك ، ولا اكتسب أحد من الاوداء (1) ما اكتسبت : اكتسبت : مودة الله أولا، ومودة محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى (عليه السلام) ثانيا ، ومودة الطيبين من آلهما ثالثا ، ومودة ملائكة الله ـ المقربين ـ رابعا ، ومودة إخوانك المؤمنين خامسا واكتسبت بعدد كل مؤمن وكافر ما هو أفضل من الدنيا ـ وما فيها ألف ـ ألف مرة فهنيئا ـ لك ـ هنيئا (2) .
231 ـ وقال الحسين بن على (عليهما السلام) لرجل : أيهما أحب إليك ؟ رجل يروم قتل مسكين قد ضعف ، تنقذه من يده ؟ أو ناصب يريد إضلال مسكين ـ مؤمن ـ من ضعفاء شيعتنا تفتح عليه ما يمتنع ـ المسكين ـ به منه ويفحمه ويكسره بحجج الله تعالى ؟ قال : بل إنقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا الناصب .
إن الله تعالى يقول : (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (3) ـ أي ـ ومن أحياها وأرشدها من كفر إلى إيمان ، فكأنما أحيا الناس جميعا من قبل (4) أن يقتلهم بسيوف الحديد (5) .
232 ـ وقال على بن الحسين (عليها السلام) لرجل : أيما أحب
إليك : صديق كلما رآك أعطاك بدرة دنانير ، أو صديق كلما رآك بصرك بمصيدة من مصائد الشياطين ، وعرفك ما تبطل به كيدهم ، وتخرق ـ به ـ شبكتهم ، وتقطع حبائلهم ؟ قال : بل صديق كلما رآني علمني كيف أخزي الشيطان عن نفسي وأدفع عني بلاءه (6) .
قال (عليه السلام) : فأيهما أحب إليك : استنقاذك أسيرا مسكينا من أيدي الكافرين ، أو استنقاذك أسيرا مسكينا من أيدي الناصبين ؟ قال : يابن رسول الله، سل الله أن يوفقني
--------------------
(1) ( الاوتاد ) أ ، الاوداء: جمع : وديد وهو المحب .
(2) عنه البحار : 2/ 8 ح 16 ، عن الاحتجاج : 1/ 11 .
(3) المائدة : 32 .
(4) بكسر القاف وفتح الباء : أى من جهة قتلهم بالسيوف ، ويحتمل فتح القاف وسكون الباء ، قاله المجلسى (ره) .
(5) عنه البحار : 2/ 9 ح 17 .
(6) ( بلابله ) أ ، بلبلة الصدر : وساوسه . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 350 _
للصواب في الجواب ، قال (عليه السلام) : اللهم وفقه .
قال : بل استنقاذي المسكين الاسير من يد الناصب ، فانه توفير الجنة عليه ، وإنقاذه من النار ، وذلك توفير الروح عليه في الدنيا ، ودفع الظلم عنه فيها ، والله يعوض هذا المظلوم بأضعاف مالحقه من الظلم ، وينتقم من الظالم بما هو عادل بحكمه .
قال (عليه السلام) : وفقت لله أبوك ! أخذته من جوف صدري لم تجزم (1) مما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرفا واحدا (2) .
233 ـ وسئل الباقر محمد بن على (عليهما السلام) : إنقاذ الاسير المؤمن من محبينا من يد الناصب يريد أن يضله بفضل لسانه وبيانه أفضل ، أم إنقاذ الاسير من أيدي ـ أهل ـ الروم ؟ قال الباقر (عليه السلام) للرجل : أخبرني أنت عمن رأى رجلا من خيار المؤمنين يغرق وعصفورة تغرق لا يقدر على تخليصهما بأيهما اشتغل فاته الآخر ؟ أيهما أفضل أن يخلصه ؟ قال : الرجل من خيار المؤمنين .
قال (عليه السلام) : فبعد ما سألت في الفضل أكثر من بعد ما بين هذين ، إن ذاك يوفر عليه دينه وجنان ربه ، وينقذه من النيران ، وهذا المظلوم إلى الجنان يصير (3) .
234 ـ وقال جعفر بن محمد (عليهما السلام) : من كان همه في
كسر النواصب عن المساكين الموالين لنا أهل البيت يكسرهم عنهم ، ويكشف عن مخازيهم (4) ويبين عوراتهم (5) ويفخم أمر محمد وآله (صلى الله عليه وآله) ، جعل الله همة (6) أملاك الجنان في بناء قصوره ودوره ، يستعمل بكل
حرف من
--------------------
(1) ( تخرم ) ص ، والبحار ، وكلاهما بمعنى ، أى لم تقطع ، أو تنقص .
(2) عنه البحار : 2/ 9 ح 18 .
(3) عنه البحار المتقدم .
(4) ( مجاريهم ) أ .
(5) ( عوارهم ) ب ، ط ، ق ، د ، والاحتجاج ، العورة : كل مكمن للسر ، والعوار : العيوب .
(6) ( جمة ) أ ، الجمة ـ بفتح الجيم وضمها وتشديد الميم ـ معظم الشئ أو الكثير منه ، (*)