التواضع ، وفضل خدمة الضيف:
  173 ـ وقال الحسن بن على (عليهما السلام) : أعرف الناس بحقوق إخوانه ، وأشدهم قضاء لها ، أعظمهم عند الله شأنا ، ومن تواضع في الدنيا لاخوانه فهو عند الله من الصديقين ، ومن شيعة على بن أبي طالب (عليه السلام) حقا .
  ولقد ورد على أمير المؤمنين (عليه السلام) أخوان له مؤمنان : أب وابن ، فقام إليهما وأكرمهما ، وأجلسهما في صدر مجلسه ، وجلس بين أيديهما ، ثم أمر بطعام ، فاحضر فأكلا منه ، ثم جاء قنبر بطست ، وإبريق ـ من ـ خشب ، ومنديل لليبس ، وجاء ليصب على يد الرجل ماءا .
  فوثب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فأخذ الابريق ليصب على يد الرجل ، فتمرغ الرجل في التراب وقال : يا أمير المؤمنين الله يراني (1) وأنت تصب الماء على يدي ؟ قال : اقعد ، واغسل يديك فان الله عزوجل يراك وأخاك (2) الذي لا يتميز منك ولا يتفضل عنك ويزيد بذلك في خدمه في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا وعلى حسب ذلك في ممالكه (3) فيها .
  فقعد الرجل .
  فقال له علي (عليه السلام) : أقسمت عليك بعظيم حقي الذي عرفته وبجلته ، وتواضعك لله حتى جازاك عنه بأن ندبني لما شرفك به (4) من خدمتي لك لما غسلت مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبرا .
  ففعل الرجل ـ ذلك ـ .
  فلما فرغ ، ناول الابريق محمد بن الحنفية وقال : يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت ـ الماء ـ على يده، ولكن الله عزوجل يأبي أن يسوى بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان ، لكن قد صب الاب على الاب، فليصب الابن على

--------------------
(1) ( لا يرانى الله ) أ .
(2) ( يرانى أخاك ) المناقب والحلية .
(3) ( مماليكه ) البحار .
(4) ( بما أشرفك ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)_ 327 _

  الابن ، فصب محمد بن الحنفية على الابن .
  قال الحسن بن على (عليهما السلام) : فمن أتبع عليا (عليه السلام) على ذلك فهو الشيعي حقا (1).
  قوله عزوجل : ( واذ أخذنا ميثاق بنى اسرائيل لا تعبدون الا الله و بالوالدين احسانا وذى القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكوة ثم توليتم الا قليلا منكم وأنتم معرضون ) : 83 .
  174 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الله عزوجل لبني إسرائيل : واذكروا (إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل) عهدهم المؤكد عليهم (لا تعبدون إلا الله) : أي (2) لا يشبهوه (3) بخلقه ، ولا يجوروه (4) في حكمه ، ولا يعملوا ما يراد به ـ وجهه يريدون به ـ وجه غيره .
  (وبالوالدين إحسانا) وأخذنا ميثاقهم بأن يعملوا بوالديهم إحسانا ، مكافاة على إنعمامهما عليهم ، وإحسانهما إليهم ، واحتمال المكروه الغليظ فيهم لترفيههم وتوديعهم (وذي القربى) قرابات الوالدين بأن يحسنوا إليهم لكرامة الوالدين .
  (واليتامى) أي : وأن يحسنوا إلى اليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافلين (5) لهم أمورهم ، السايقين إليهم غذاءهم وقوتهم ، المصلحين لهم معاشهم .

--------------------
(1) عنه تنبيه الخواطر : 2/ 107، وعنه في البحار : 75/ 117 ح 1 وعن الاحتجاج : 2/ 267 (باسناده إلى أبى محمد العسكرى (عليه السلام) ، وأورده في مناقب آل أبى طالب لابن شهر اشوب : 2/ 105 ، وحلية الابرار : 1/ 367 مرسلا عن الحسن العسكرى (عليه السلام) .
(2) زاد في بعض النسخ : أن لا تعبدوا الا الله، أى .
(3) ( تشبهوه ) ب ، س ، ص ، ط ، والبحار ، والبرهان ، وكذا ما بعدها بصيغة المخاطب .
(4) ( يجوزوه ) أ .
(5) ( الكافين) أ ، ق ، د . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 328 _
  (وقولوا للناس) الذين لا مؤونة لهم عليكم (1) (حسنا) عاملوهم بخلق جميل .
  (وأقيموا الصلاة) الخمس ، وأقيموا أيضا الصلاة على محمد وآل محمد الطيبين عند أحوال غضبكم ورضاكم ، وشدتكم ورخاكم ، وهمومكم المعلقة (2) لقلوبكم (ثم توليتم) أيها اليهود عن الوفاء بما قد نقل إليكم من العهد الذي أداه أسلافكم إليكم (وأنتم معرضون) عن ذلك العهد ، تاركين له ، غافلين عنه (3) .
  175 ـ قال الامام (عليه السلام) : أما قوله تعالى (لا تعبدون إلا الله) فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : من شغلته عبادة الله عن مسألته ، أعطاه الله أفضل ما يعطي السائلين (4) .
  176 ـ وقال على (عليه السلام) : قال الله عزوجل من فوق عرشه : ( يا عبادي اعبدوني فيما أمرتكم به ولا تعلموني ما يصلحكم ، فاني أعلم به ، ولا أبخل عليكم بمصالحكم ) (5) 177 ـ وقالت فاطمة صلوات الله عليها : من أصعد إلى الله خالص عبادته ، أهبط الله ـ إليه ـ أفضل مصلحته (6) .
  178 ـ وقال الحسن بن على (عليهما السلام) : من عبدالله عبدالله له كل شئ (7) .
  179 ـ وقال الحسين بن على (عليهما السلام) : من عبدالله حق عبادته آتاه الله فوق أمانيه وكفايته (8).

--------------------
(1) ( لكم عليهم ) البحار .
(2) ( المغلقة ) ب ، ط ، وفى التأويل : بقلوبكم بدل ( لقلوبكم ) .
(3) عنه البحار : 71/ 183 صدر ح 44 ، والبرهان : 1/ 120 ح 1 ، وتأويل الايات : 1/ 75 ح 51 (قطعة) .
(4) عنه البحار : 71/ 184 ضمن ح 44 ، والبرهان : 1/ 121 ح 12 ، ومستدرك الوسائل : 1/ 384 ح 3 .
(5) عنه البحار والبرهان المتقدمين .
(6) عنه البحار : 71/ 184 ضمن ح 44 ، وأورده في تنبيه الخواطر : 2/ 108 مرسلا ، وفى عدة الداعى : 218 ، عنه البحار : 70/ 249 ضمن ح 26 .
(7 و 8) عنه البحار : 71/ 184 ذ ح 44 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 329 _
  180 ـ وقال على بن الحسين بن علي (عليه السلام) : إنى أكره أن أعبدالله لا غرض لي إلا ثوابه ، فأكون كالعبد الطمع المطيع (1) ، إن طمع عمل وإلا لم يعمل .
  وأكره أن أعبده ـ لا غرض لي ـ إلا لخوف عقابه ، فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل .
  قيل له : فلم تعبده ؟ قال : لما هو أهله بأياديه علي وإنعامه (2) .
  181 ـ وقال محمد بن على الباقر (عليهما السلام) : لا يكون العبد عابدا لله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كلهم إليه ، فحينئذ يقول : هذا خالص لي .
  فيقبله بكرمه (3) .
  182 ـ وقال جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) : ما أنعم الله عزوجل على عبد أجل من أن لا يكون في قلبه مع الله تعالى غيره (4) .
  183 ـ وقال موسى بن جعفر (عليهما السلام) : أشرف الاعمال التقرب بعبادة الله تعالى ـ إليه ـ (5) .
  184 ـ وقال على بن موسى الرضا (عليهما السلام) ـ في هذه الآية ـ (إليه يصعد الكلم الطيب) : ـ فول ـ لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلي ولي الله، وخليفة محمد رسول الله حقا ، وخلفاؤه خلفاء الله، و (العمل الصالح يرفعه) علمه في قلبه بأن هذا ـ الكلام ـ صحيح كما قلته بلساني ، (6).

--------------------
(1) ( المطمع ) البحار والمستدرك ، ( الطامع ) بدل ( الطمع ) ق ، د .
(2) عنه البحار : 70/ 198 وص 210 ح 33 ، ومستدرك الوسائل : 1/ 10 ح 2
(3) عنه البحار : 70/ 198 وص 211 ضمن ح 32 ، ومستدرك الوسائل : 1/ 10 ح 8 وأورده في تنبيه الخواطر : 2/ 108 مرسلا ، وفى عدة الداعى : 219 ، عنه البحار : 70/ 111 ضمن ح 14 .
(4) نفس التخريجة السابقة : الا أنه أخرجه في البحار : 70/ 429 ضمن ح 26 عن عدة الداعي .
(5) التخريجة السابقة باستثناء عدة الداعى .
(6) عنه البحار : 70/ 198 وص 211 ضمن ح 33 ، وأورده في تنبيه الخواطر : 2/ 108 وتأويل الايات : 2/ 479 ح 4 وفيه : والعمل الصالح يرفعه اليه ، فهو دليله وعمله واعتقاده الذى في قلبه ، والبحار : 24/ 358 ح 76 ، والبرهان : 3/ 358 ح 2 ـ < (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _330 _
  185 ـ وقال أيضا (عليه السلام) : ملء (1) الارض من العباد المرائين لا يعدلون عند الله شيخا ضئيلا زمنا (2) يخلص عبادته (3) .
  186 ـ وقال محمد بن على (عليهما السلام) : أفضل العبادة الاخلاص .
  187 ـ وقال على بن محمد (عليهما السلام) : لو سلك الناس واديا وشعبا (4) لسلكت وادي رجل عبدالله وحده خالصا مخلصا (5) .
  188 ـ وقال الحسن بن على (6) (عليهما السلام): لوجعلت الدنيا كلها لقمة واحدة لقمتها من يعبدالله خالصا لرأيت أني مقصر في حقه ، ولو منعت الكافر منها حتى يموت جوعا وعطشا ، ثم أذقته شربة من الماء (7) لرأيت أني قد أسرفت (8) .
  ـ في أن الوالدين محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) : ـ وقال : ـ قال ـ الله عزوجل : (وبالوالدين إحسانا) .

--------------------
> ـ مرسلا عنه (عليه السلام) ، وروى القمى في تفسيره : 544 عن الصادق (عليه السلام) مثله ، وفيه العمل الصالح الاعتقاد بالقلب ان هذا هو الحق من عند الله تعالى ، لا شك فيه من رب العالمين .
(1) ( مافى ) ق ، د .
(2) تقدم بيانه ، وهو من أصابته العاهة .
(3) عنه البحار : 70/ 245 صدر ح 20 ، وأورده في تنبيه الخواطر : 2/ 109 مرسلا وفى عدة الداعى : 219 ، عنه البحار : 70/ 249 ضمن ح 36 .
(4) ( وسيعا ) عدة الداعى .
(5) نفس التخريجة السابقة ، الا أنه أخرجه في البحار : 70/ 112 ذ ح 14 عن عدة الداعى .
(6) لا ريب أن هذا القول من الامام (عليه السلام) ، والا فالمملى عليه يقول قال الامام وانما صرح بالاسم لوحدة السياق مع ما قبلها ، وسيأتى مثل ذلك .
(7) ( الدنيا ) أ ، ب ، س ، ط ، ق ، د .
(8) اضافة للتخريجة السابقة ، عنه مستدرك الوسائل : 3/ 85 ح 5 ذيله ، وص 88 ح 6 صدره وأخرجه في البحار : 70/ 250 ضمن ح 26 عن عدة الداعى . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 331 _
  189 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أفضل والديكم وأحقهما لشكركم محمد وعلي (1) .
  190 ـ وقال على بن أبي طالب (عليه السلام) : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : أنا وعلي أبوا هذه الامة ، ولحقنا عليهم أعظم من حق أبوي ولادتهم ، فانا ننقذهم ـ إن أطاعونا ـ من النار إلى دار القرار ، ونلحقهم من العبودية بخيار الاحرار (2) (3) .
  191 ـ وقالت فاطمة (عليها السلام) : أبوا هذه ، الامة محمد وعلي ، يقيمان أودهم (4) وينقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما ، ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما (5) .
  192 ـ وقال الحسن بن على (عليهما السلام) : محمد وعلي أبوا هذه الامة ، فطوبى لمن كان بحقهما عارفا ، ولهما في كل أحواله مطيعا ، يجعله الله من أفضل سكان جنانه ويسعده بكراماته ورضوانه (6) .
  193 ـ وقال الحسين بن على (عليهما السلام) : من عرف حق أبويه الافضلين (7) : محمد وعلي (عليهما السلام) ، وأطاعهما حق الطاعة قيل له : تبحبح في أي الجنان شئت (8) .
  194 ـ وقال على بن الحسين (عليهما السلام) : إن كان الابوان إنما عظم حقهما على أولادهما لا حسانهما إليهم ، فاحسان محمد وعلي (عليهما السلام) إلى هذه الامة أجل وأعظم فهما بأن يكونا أبويهم أحق (9) .
  195 ـ وقال محمد بن على الباقر (عليهما السلام) : من أراد أن يعرف (10) كيف قدره عند

--------------------
(1 و 3) عنه تأويل الايات : 1/ 74 صدر ح 47 ، والبحار : 23/ 259 صدر ح 8 ، وج 36/ 8 صدر ح 11 ، والبرهان : 1/ 121 صدر ح 13 ، وج 3/ 245 صدر ح 3 .
(2) ( الاخيار ) س ، ص .
(4) الاود: العوج .
(5) عنه البحار : 23/ 259) ضمن ح 8 ، وج 36/ 9 ضمن ح 11 ، والبرهان : 3/ 245 ضمن ح 3 .
(6) التخريجة السابقة .
(7) ( الافضل ) نسخ الاصل : والبرهان ، وكذا ما يأتى .
(8 و 9) التخريجة السابقة .
(10) ( يعلم ) أ ، س ، والبرهان ، كل معرفة علم وليس كل علم معرفة . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _332 _
  الله، فلينظر كيف تدر أبويه الافضل عنده محمد وعلي (عليهما السلام) (1) .
  196 ـ وقال جعفر بن محمد (عليهما السلام) : من رعى حق أبويه الافضلين : محمد وعلي (عليهما السلام) : لم يضره ما أضاع من حق أبوي نفسه وسائر عباد الله، فانها صلوات الله عليهما يرضيانهم بسعيهما (2) .
  197 ـ وقال موسى بن جعفر (عليهما السلام) : لعظم (3) ثواب الصلاة على قدر تعظيم المصلي أبويه الافضلين : محمد وعلي (عليهما السلام) (4) .
  198 ـ وقال على بن موسى الرضا (عليهما السلام) : أما يكره أحدكم أن ينفى عن أبيه وأمه الذين ولداه ؟ قالوا : بلى والله.
  قال : فليجتهد (5) أن لا ينفى عن أبيه وأمه (6) الذين هما أبواه (7) أفضل من أبوي نفسه (8)

--------------------
(1 و 2) التخريجة السابقة .
(3) ( يعظم ) س ، ق ، د ، البحار ، والبرهان .
(4) التخريجة السابقة .
(5) ( فليجهد ) أ .
(6) لا ريب أن الاب والام سببان للولادة ، ويطلق عليهما ( الابوان والوالدان ) ولكن مما يؤسف له أن بعض من يدعى البراعة في الادب أو التحقيق تحدد والتزم بمعناهما الضيق الفج ، ولا ندرى أتغافل أم غفل عما ينطويان عليه من معنى واسع ليؤول ويفسر هذا الحديث بما تشتهى نفسه ! أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله...!! قال الراغب الاصفهانى في المفردات
(7) : الاب: الوالد ، ويسمى كل من كان سببا في ايجاد شئ أو اصلاحه أو ظهوره أبا ، ولذلك سمى النبى (صلى الله عليه وآله) أبا المؤمنين قال الله تعالى : ( النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم ) الاحزاب : 6 ، وروى أنه (صلى الله عليه وآله) قال لعلى (عليه السلام) : ( أنا وأنت أبوا هذه الامة ) ، وقيل : أبوالاضياف لتفقد اياهم ، وأبوالحرب : لمهيجها ، وسمى العم مع الاب: أبوين وكذلك الام مع الاب، وكذلك الجد مع الاب، وسمى معلم الانسان : أباه... وقال في ص 22 : يقال للرئيس : ام الجيش ، وقيل لمكة ( ام القرى ) وذلك لما روى أن الارض دحيت من تحتها ، وقيل لفاتحة الكتاب ( ام الكتاب ) لكونها مبدأ الكتاب ، أقول : من المتواتر عند الفريقين أنه (صلى الله عليه وآله) قال : ( أنا وعلى أبوا هذه الامة ) فمضافا ـ < (*)
ـ إلى أنهما الاخوان مؤاخاة دينية خاصة كما صرحا بذلك صلوات الله عليهما في أكثر من حديث متواتر ، هما السببان الوحيدان في احياء الامة وهدايتها ، فكانا بحق سببان لولادة عصر جديد صدح بالحق وعبق بالطيب ، فكما أن النبى (صلى الله عليه وآله) تلقى الكتاب والايمان من لدنه تعالى وكان رسولا إلى الامة جمعيا ، فكذلك على (عليه السلام) امام من الله إلى الامة ، وخليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، واورث الكتاب لتهوى اليه أفئدة من الناس في منافعهم ومعارفهم ، فهو مخزن علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وينبوعه ، وباب مدينة حكمته ، وكلمته الباقية ، قال على (عليه السلام) : حدثنى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف حديث ـ باب ـ كل حديث ـ باب ـ يفتح ألف باب (انظر بصائر الدرجات : 314 ح 2 و 5) ، بل هو الامام وأبوالائمة ، من صلبه خرجت الانوار حتى استكملت اثنا عشر اماما بعدد نقباء بنى اسرائيل ، بهم وجد الخلق ، وبهم يبقى ، ولو لا هم لساخت الارض بأهلها ، وهو الامام (من الام ـ بالهمزة المفتوحة والميم المشددة ـ : القصد) الذى تقصده القلوب لتقتدى بقوله وفعله وتأتم به ، وتهوى اليه الافئدة كما قال تعالى : ( فاجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم ) ابراهيم : 37 7 ( محمد وعلى ) أ .
(8) التخريجة السابقة .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 333_
  199 ـ وقال محمد بن على ـ بن موسى ـ (عليهم السلام) حتى قال رجل بحضرته : إني لاحب محمدا وعليا حتى لو قطعت إربا إربا ، أو قرضت لم أزل عنه .
  قال محمد ابن علي (عليهما السلام) : لاجرم إن محمدا وعليا يعطيانك (1) من أنفسهما ما تعطيهما ـ أنت ـ من نفسك إنهما ليستدعيان لك في يوم فصل القضاء ما لا يفي ما بذلته لهما بجزء من مائة ألف ألفت جزء من ذلك (2) .
  200 ـ وقال على بن محمد (عليهما السلام) : من لم يكن والدا دينه محمد وعلي (عليهما السلام) أكرم عليه من ولدي نسبه (3) ، فليس من الله في حل ولا حرام ، ولا كثير ولا قليل (4).

--------------------
(1) ( معطياك ) ق و د .
( 2 و 4 ) التخريجة السابقة .
(3) ( نفسه ) أ ، ب ، س ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 334 _
  201 ـ وقال الحسن بن على (عليهما السلام) : من آثر طاعة أبوي دينه : محمد وعلي (عليهما السلام) على طاعة أبوي نسبه (1) .
   قال الله عزوجل له : لاؤثرنك كما آثرتني (2) ولا شرفنك بحضرة أبوي دينك ، كما شرفت نفسك بايثار حبهما على حب أبوي نسبك (3) (4) .
  وأما قوله عزوجل (5) : (وذي القربى) فهم من قراباتك من أبيك وأمك ، قيل لك (6) : اعرف حقهم كما أخذ العهد به على بني إسرائيل ، وأخذ عليكم معاشر أمة محمد (صلى الله عليه وآله) بمعرفة حق قرابات محمد (صلى الله عليه وآله) الذين هم الائمة بعده ، ومن يليهم بعد (7) من خيار أهل دينهم ، (8).

الحث على رعاية حق قرابات أبوى الدين :

  202 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من رعى حق قرابات أبويه أعطي في الجنة ألف (9) درجة ، بعد ما بين كل درجتين حضر (10) الفرس الجواد المحضير (11)

--------------------
(1) ( نفسه ) أ .
(2) ( آثرتهما ) ط .
(3) ( نفسك ) أ .
(4) التخريجة السابقة .
(5) زاد قبلها في ( ط ) قال على (عليه السلام) ، وفى التأويل بلفظ : وقال (عليه السلام) في قوله تعالى ، وهو أظهر .
(6) ( لكم ) ب ، ط ، ( لهم ) ص ، وفيها : اعرفوا .
(7) ( بعدهم ) ب ، ط .
(8) عنه تأويل الايات : 1/ 74 ضمن ح 47 ، والبحار : 23/ 261 ضمن ح 8 ، وج 36/ 10 ذ ح 11 ، وج 74/ 90 صدر ح 8 ، والبرهان : 1/ 121 ضمن ح 13 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 641 صدر ح 34 (قطعة) .
(9) ( ألف ألف ) التأويل والبحار : 74 .
(10) بالضم : العدو ، وأحضر الفرس : عدا شديدا .
(11) ( المضمر ) ب ، ط ، س ، ص ، ق ، د ، والبحار : 23 ، المحضير : الشديد الركض ، وتضمير الخيل : هو أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا تعلف الا قوتا . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 335 _
  مائة (1) سنة ، إحدى الدرجات من فضة ، والاخرى من ذهب ، والاخرى من لؤلؤ والاخرى من زمرد ، والاخرى من زبرجد ، والاخرى من مسك ، والاخرى من عنبر والاخرى من كافور ، فتلك الدرجات من هذه الاصناف .
  ومن رعى حق قربى محمد وعلي (عليهما السلام) أوتي من فضائل الدرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد وعلي (عليهما السلام) على أبوي نفسه (2) (3) .
  203 ـ وقالت فاطمة (عليها السلام) لبعض النساء : أرضي أبوي دينك محمدا وعليا بسخط أبوي نسبك (4) ولا ترضي أبوي نسبك بسخط أبوي دينك .
  فان أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمد وعلي (عليهما السلام) بثواب جزء من ألف ألف جزء من ساعة من طاعاتهما .
  وإن أبوي دينك ـ محمدا وعليا ـ إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما لان ثواب طاعات أهل الدنيا كلهم لا يفي بسخطهما (5) .
  204 ـ وقال الحسن (6) بن على (عليهما السلام) : عليك بالاحسان إلى قرابات أبوي دينك : محمد وعلي ، وإن أضعت قرابات أبوي نسبك ، وإياك وإضاعة قرابات أبوي دينك : (7) بتلافى قرابات أبوي نسبك ، فان شكر هؤلاء إلى أبوي دينك : محمد وعلي (عليهما السلام) أثمر لك من شكر هؤلاء إلى أبوي نسبك ، إن قرابات أبوي دينك إذا شكروك عندهما ـ بأقل قليل نظرهما لك ـ يحط عنك ذنوبك ولو كانت

--------------------
(1) ( مائة ألف ) أ ، ب ، ط .
(2) ( نسبه ) ص ، ق ، د ، البحار ، والمستدرك .
(3) عنه تأويل الايات : 1/ 74 ذ ح 47 ، والبحار : 8/ 179 صدر ح 137 ، ج 23/ 261 ضن ح 8 ، وج 74/ 90 ذ ح 8 ، والبرهان : 1/ 121 ذ ح 13 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 401 ح 10 ، وص 641 ذ ح 34 .
(4) ( نفسك ) أ ، وكذا بعدها .
(5) عنه البحار : 23/ 261 ضمن ح 8 .
(6) ( الحسين ) خ ل المستدرك .
(7) ( محمد وعلى فانه ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 336 _
  ملء مابين الثرى إلى العرش .
  وإن قرابات أبوي نسبك إن شكروك عندهما ، وقد ضيعت قرابات أبوي دينك لم يغنيا عنك فتيلا (1) .
  205 ـ وقال على بن الحسين (عليهما السلام) : حق قرابات أبوي دينتا : محمد وعلي وأوليائهما أحق من قرابات أبوي نسبنا ، إن أبوي ديننا يرضيان عنا أبوي نسبنا وأبوي نسبنا لا يقدران أن يرضيا عنا أبوي ديننا : محمد وعلي (عليهما السلام) .
  206 ـ وقال محمد بن على (عليهما السلام) : من كان أبوا دينه : محمد وعلي (عليهما السلام) آثر لديه ، وقراباتهما أكرم ـ عليه ـ من أبوي نسبه (2) وقراباتهما قال الله تعالى ـ له ـ : فضلت الافضل ، لاجعلنك الافضل ، وأثرت الاولى بالايثار ، لاجعلنك بدار قراري ، ومنادمة (3) أوليائي أولى.
  207 ـ وقال جعفر بن محمد (عليهما السلام) : من ضاق عن قضاء حق قرابة أبوي دينه وأبوي نسبه ، وقدح كل واحد منهما في الآخر ، فقدم قرابة أبوي دينه على قرابة أبوي نسبه .
  قال الله عزوجل يوم القيامة : كما قدم قرابة أبوي دينه فقدموه إلى جناني ، فيزداد فوق ماكان أعد له من الدرجات ألف ألف ضعفها .
  208 ـ وقال موسى بن جعفر (عليهما السلام) وقد قيل له : إن فلانا كان له ألف درهم عرضت عليه بضاعتان يشتريهما (4) لاتتسع بضاعته لهما ، فقال : أيهما أربح ـ لي ـ؟ فقيل له : هذا يفضل ربحه على هذا بألف ضعف .

--------------------
(1) الفتيل : ما يكون في شق النواة (النهاية 3/ 409) .
(2) ( نفسه ) أ ، ب ، ط .
(3) ( مناديه ) أ ، ندا (يندو ندوا) القوم : اجتمعوا وحضروا النادى ، والنديم : الرفيق والصاحب .
(4) ( يشتهيهما ) س ، ص ، ق ، د ، البحار ، والمستدرك . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 337_
  قال (عليه السلام) : أليس يلزمه في عقله أن يؤثر الافضل ؟ قالوا : بلى .
  قال : فهكذا إيثار قرابة أبوي دينه (1) : محمد وعلي (عليهما السلام) ، أفضل ثوابا بأكثر (2) من ذلك ، لان فضله على قدر فضل محمد وعلي على أبوي نسبه .
  209 ـ وقيل للرضا (عليه السلام) : ألا نخبرك بالخاسر المتخلف ؟ قال : من هو ؟ قالوا: فلان باع دنانيره بدراهم أخذها ، فرد ماله من عشرة آلاف دينار ، إلى عشرة آلاف درهم .
  قال (عليه السلام) : بدرة (3) باعها بألف درهم ، ألم يكن أعظم تخلفا وحسرة ؟ قالوا : بلى .
  قال : ألا أنبئكم بأعظم من هذا تخلفا وحسرة ؟ قالوا : بلى .
  قال : أرأيتم لو كان له ألف جبل من ذهب باعها بألف حبة من زيف ، ألم يكن أعظم تخلفا وأعظم من هذا حسرة ؟ قالوا : بلى .
  قال : أفلا أنبئكم بمن هو أشد من هذا تخلفا ، وأعظم من هذا حسرة ؟ قالوا : بلى .
  قال : من آثر في البر والمعروف ـ قرابة أبوي نسبه ـ على قرابة أبوي دينه : محمد وعلي (عليهما السلام) لان فضل قرابات محمد وعلي أبوي دينه على قرابات ـ أبوي ـ نسبه أفضل من فضل ألف جبل ـ من ـ ذهب على ألف حبة زائف .
  210 ـ وقال محمد بن على الرضا (عليهما السلام) : من اختار قرابات أبوي دينه : محمد وعلي (عليهما السلام) على قرابات أبوي نسبه اختاره الله تعالى على رؤوس الاشهاد يوم التناد (4) وشهره بخلع كراماته ، وشرفه بها على العباد إلا من ساواه في فضائله أو فضله (5) .
  211 ـ وقال على بن محمد (عليهما السلام) : إن من إعظام جلال الله إيثار قرابة أبوي دينك : محمد وعلي (عليهما السلام) على قرابة (6) أبوي نسبك ، وإن من التهاون بجلال الله إيثار قرابة

--------------------
(1) ( دينك ) أكثر النسخ ، والبحار والمستدرك .
(2) ( بافضل ) أ .
(3) البدرة : عشرة ألاف درهم .
(4) ( القيامة ) ص .
(5) ( وافضاله ) خ ل ، ط .
(6) ( قرابات ) خ ل ، والمستدرك . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 338 _
  أبوي نسبك على قرابة أبوي دينك : محمد وعلي (عليهما السلام) .
  212 ـ وقال الحسن بن على (عليهما السلام) : إن رجلا جاع عياله ، فخرج يبغي لهم ما يأكلون ، فكسب درهما ، فاشترى به خبزا وإداما (1) ، فمر برجل وامرأة من قرابات محمد وعلي (عليهما السلام) فوجدهما جائعين .
  فقال : هؤلاء أحق من قراباتي .
  فأعطاهما إياه، ولم يدر بماذا يحتج في منزله فعل يمشي رويدا يتفكر فيما يعتل (2) به عندهم ويقول لهم ما فعل بالدرهم ، إذ لم يجئهم بشئ .
  فبينا هو متحير في طريقه إذا بفيج يطلبه (3) ، فدل عليه ، فأوصل إليه كتابا من مصر ، وخمسمائة دينار في صرة ، وقال : هذه بقية ـ مالك ـ حملته إليك من مال ابن عمك ، مات بمصر ، وخلف مائة ألف دينار على تجار مكة والمدينة ، وعقارا كثيرا ، ومالا بمصر بأضعاف ذلك .
  فأخذ الخمسمائة دينار ووسع على عياله ، ونام ليلته .
  فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام) ، فقالا له : كيف ترى إغناءنا لك لما آثرت قرابتنا على قرابتك ؟ ـ ثم ـ لم يبق بالمدينة ولا بمكة ممن عليه شئ من المائة ألف دينار إلا أتاه محمد وعلي في منامه وقالا له : إما بكرت بالغداة على فلان بحقه من ميرات ابن عمه وإلا بكرنا عليك بهلاكك واصطلامك : وإزالة نعمك ، وإبانتك من حشمك (4) .
  فأصبحوا كلهم وحملوا إلى الرجل ما عليهم حتى حصل عنده مائة ألف دينار وما ترك أحد بمصر ممن له عنده مال إلا وأتاه محمد وعلي (عليهما السلام) في منامه ، وأمراه

--------------------
(1) ( أدما ) أ ، الادام ـ بالكسر ـ والادم: ما يؤكل مع الخبز .
(2) ( يتعذر ) ب ، ط .
(3) ( بنعيج ويطلبه ) أ نعجت الناقة : أسرعت ، وتقدم معنى الفيج .
(4) الحشم : خدم الرجل ، قال ابن السكيت : هى كلمة بمعنى الجمع . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 339 _
  أمر تهدد بتعجيل مال الرجل أسرع ما يقدر عليه .
  وأتى محمد وعلي (عليهما السلام) هذا المؤثر لقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامه فقالا له : كيف رأيت صنع الله لك ؟ قد أمرنا من في مصر أن يعجل إليك مالك ، أفنأمر حاكمها بأن يبيع عقارك وأملاكك ويسفتج (1) إليك بأثمانها لتشترى بدلها من المدينة ؟ قال : بلى .
  فأتى محمد وعلي (عليهما السلام) حاكم مصر في منامه فأمراه أن يبيع عقاره ، والسفتجة (2) بثمنه إليه ، فحمل إليه من تلك الاثمان ثلاثمائة ألف دينار ، فصار أغنى من بالمدينة .
  ثم أتاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال : يا عبدالله هذا جزاؤك في الدنيا على إيثار قرابتي على قرابتك ، ولا عطينك في الآخرة بدل كل حبة من هذا المال في الجنة ألف قصر أصغرها أكبر من الدنيا ، مغرز إبرة منها خير من الدنيا ومافيها (3).
  213 ـ وقال الامام (عليه السلام) : وأما قوله عزوجل : (واليتامى) فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : حث الله عزوجل على بر اليتامى لانقطاعهم عن آبائهم .
  فمن صانهم صانه الله، ومن أكرمهم أكرمه الله، ومن مسح يده برأس يتيم رفقا به جعل الله له في الجنة بكل شعرة مرت تحت يده قصرا أوسع من الدنيا بما فيها وفيها ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين ، وهم فيها خالدون ، (4).

--------------------
(1) ( يستفتح ) أ ، س ، ص ، ق ، د ، ) يستفتج ( ب ، سفتجه ) : عامله بالسفتجة ، وهى أن تعطى مالا لرجل ، فيعطيك خطا يمكنك من استرداد ذلك المال من عميل له في مكان آخر .
(2) ( استفتحه ) أ .
(3) الاحايث من (210 ـ 218) عنها البحار : 23/ 262 ـ 265 ضمن ح 8 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 401 ح 11 ـ 19 .
(4) عنه منية المريد : 31 ، والمحجة البيضاء : 1/ 29 ، والبحار : 8/ 179 ضمن ح 137 ، وج 75/ 12 ح 44 ، والبرهان : 1/ 122 ح 14 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _340 _
في أن اليتيم الحقيقى هو المنقطع عن الامام (عليه السلام) :
  214 ـ وقال الامام (عليه السلام) : وأشد من يتم هذا اليتيم ، يتيم ـ ينقطع ـ عن إمامه لا يقدر على الوصول إليه ، ولا يدرى كيف حكمه فيما يبتلي به من شرايع دينه .
  ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا ، وهذا (1) الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم (1) في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الاعلى (3) .
  حدثني بذلك أبي ، عن آبائه ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  215 ـ وقال على بن أبي طالب (عليه السلام) : من كان من شعيتنا عالما بشريعتنا ، وأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه ـ به ـ جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضئ لاهل جميع تلك العرصات ، و ـ عليه ـ حلة لا يقوم لاقل سلك منها الدنيا بحذافيرها .
  ثم ينادي مناد ـ من عند الله ـ: يا عباد الله هذا عالم من بعض تلامذة آل محمد ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فيلتشبث بنوره ، ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزه الجنان .
  فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا ، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا ، أو أوضح له عن شبهة ، (4)

--------------------
(1) ( فهدى ) منية المريد . (2) ( كان كمن أخذ يتيما ) منية المريد .
(3) عنه تأويل الايات : 1/ 74 ح 48 ، ومنية المريد : 31 ، والمحجة البيضاء : 1/ 29 والبرهان ، 1/ 122 ح 15 ، وعنه في البحار : 2/ 2 ح 1 وعن الاحتجاج 1/ 5 باسناده عن الحسن ابن على العسكرى ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخرجه في عوالى اللئالى : 1/ 16 ح 1 عن الاحتجاج .
(4) عنه منية المريد : 31 ، والمحجة البيضاء : 1/ 29 ، عنه في البحار : 2/ 2 ح 2 وعن الاحتجاج : 1/ 7 باسناده عن الحسن العسكرى (عليه السلام) ، عنه (عليه السلام) وأخرجه في عوال اللئالى : 1/ 17 ح 2 عن الاحتجاج . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 341 _
  216 ـ قال (عليه السلام) : وحضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت : إن لي والدة ضعيفة ، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شئ ، وقد بعثتنى إليك أسألك .
  فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك ، ثم ثنت (1) ، فأجابت ، ثم ثلثت ـ فأجابت ـ إلى أن عشرت فأجابت ، ثم خجلت من الكثرة ، فقالت : لا أشق عليك يا بنت رسول الله.
  قالت فاطمة (عليها السلام) : هاتي وسلي عما بدا لك ، أرأيت من أكترى يوما يصعد إلى سطح بحمل ثقيل ، وكراؤه مائة ألف دينار ، أيثقل عليه ؟ فقالت : لا .
  فقالت : أكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا فأحرى أن لا يثقل علي ، سمعت أبي ـ رسول الله ـ (صلى الله عليه وآله) يقول : إن علماء شيعتنا يحشرون ، فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم ، وجدهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة (2) من نور .
  ثم ينادي منادي ربنا عزوجل : أيها الكافلون لايتام آل محمد ، الناعشون (3) لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم ، هؤلاء تلامذتكم والايتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم ـ كما خلعتموهم ـ (4) خلع العلوم في الدنيا .
  فيخلعون على كل واحد من أولئك الايتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم حتى أن فيهم ـ يعني في الايتام ـ لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة (5) وكذلك يخلع هولاء الايتام على من تعلم منهم .
  ثم إن الله تعالى يقول : أعيدوا على هولاء العلماء الكافلين للايتام حتى تتموا

--------------------
(1) أى سألتها ثانية .
(2) ( حلة ) ب ، س ، ط ، د ، الخلعة : الثوب الذى يعطى منحة .
(3) نعشه : رفعه وأقامه ، تداركه بعد هلكة .
(4) من البحار : 7 .
(5) ( حلة ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 342 _
  لهم خلعهم ، وتضعفوها .
  فيتم لهم ماكان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ، ويضاعف لهم ، وكذلك من بمرتبتهم (1) ممن يخلع عليه على مرتبتهم .
  وقالت فاطمة (عليها السلام) : يا أمة الله إن سلكا من تلك الخلع لافضل مما طلعت عليه الشمس (1) ألف ألف مرة ، وما فضل (3) فانه مشوب بالتنغيص (4) والكدر (5) .
  217 ـ قال الحسن بن على (عليهما السلام) : فضل كافل يتيم آل محمد ، المنقطع عن مواليه الناشب في تيه (6) الجهل ـ يخرجه من جهله ، ويوضح له ما اشتبه عليه ـ على ـ فضل ـ كافل يتيم يطعمه ويسقيه كفضل الشمس على السهى (7)(8) .
  218 ـ وقال الحسين بن على (عليهما السلام) : من كفل لنا يتيما قطعته عنا محنتنا (9) باستتارنا فواساه من علومنا التى سقطت إليه حتى أرشده وهداه ، قال الله عزوجل له : يا أيها العبد الكريم المواسي إني أولى بالكرم (10) اجعلوا له ياملائكتي في الجنان

--------------------
(1) ( يليهم ) البحار : 2 ، وكذا التى تأتى .
(2) أى الدنيا .
(3) ( أفضل ) ب ، س ، ط ، وأضاف في المحجة والمنية : ما طلعت عليه الشمس .
(4) ( بالتنقيص ) أ ، ( بالتنقص ) ب ، ص ، ط ، ( بالتنغيض ) منية المريد ، تنغص العيش : تكدر ، وتنغض الشئ : اهتز واضطرب ، تنقص الشئ : أخذ منه قليلا .
(5) عنه منية المريد : 32 ، والمحجة البيضاء : 1/ 30 ، والبحار : 2/ 3 ح 3 ، وج 7/ 224 ضمن ح 143 .
(6) أى الواقع فيما لا مخلص منه ، وفى ( أ ) التائية بدل ( الناشب ) .
(7) كوكب خفى من بنات نعش الصغرى .
(8) عنه منية المريد : 33 ، والمحجة البيضاء : 1/ 31 ، وعنه في البحار : 2/ 3 ح 4 ، وعن الاحتجاج : 1/ 7 .
(9) ( محبتنا ) خ ل ، ط ، والبحار : 2 ، ( صحبتنا ) أ ، ( غيبتنا و ) البحار : 8 ، قال المجلسى (ره) : أى كان سبب قطعه عنا أنا أحببنا الاستتار عنه لحكمة ، وفى بعض النسخ ( محنتنا ) بالنون وهو أظهر .
(10) ( بهذا الكرم ) أ ، س ، البحار : 8 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 343_
  بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر ، وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعم ، (1) 219 ـ وقال على بن الحسين (عليهما السلام) : أوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام) حببني إلى خلقي ، وحبب خلقي إلي.
  قال : يا رب كيف أفعل ؟ قال : ذكرهم آلائي ونعمائي ليحبوني ، فلئن ترد آبقا عن بابي ، أوضالا عن فنائي ، أفضل لك من عبادة مائة (2) سنة بصيام نهارها وقيام ليلها .
  قال موسى (عليه السلام) : ومن هذا العبد الآبق منك ؟ قال : العاصي المتمرد .
  قال : فمن الضال عن فنائك ؟ قال : الجاهل بامام زمانه تعرفه ، والغائب عنه بعدما عرفه ، الجاهل بشريعة دينه تعرفه شريعته ، وما يعبد به ربه ، ويتوصل (2) ـ به ـ إلى مرضاته .
  قال على (عليه السلام) : فابشروا معاشر علماء شيعتنا بالثواب الاعظم ، والجزاء (4) الاوفر (5) .
  220 ـ وقال محمد بن على (عليهما السلام) : العالم كمن معه شمعة تضئ للناس ، فكل من أبصر بشمعته دعا له بخير ، كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة .
  فكل من أضاءت له فخرج بها من حيرة أونجى بها من جهل ، فهو من عتقائه من النار ، والله يعوضه عن ذلك بكل شعرة لمن أعتقه ما هو أفضل ـ له ـ من الصدقة بمائة ألف قنطار على غير الوجه الذي أمر الله عزوجل به ، بل تلك الصدقة وبال على صاحبها ، لكن يعطيه الله ماهو أفضل من مائة ألف ركعة بين يدي الكعبة ، (6)

--------------------
(1) عنه منية المريد : 33 ، والمحجة البيضاء : 1/ 31 ، والبحار : 8/ 180 ضمن ح 137 ، وعنه في البحار : 2/ 4 ح 5 وعن الاحتجاج : 1 8 .
(2) ( ألف ) أ ، ( مائة ألف ) ط .
(3) ( يتوسل ) س ، ط ، ق ، د .
(4) ( الثراء ) ب ، س ، ط .
(5) عنه منية المريد : 33 ، والمحجة البيضاء : 1/ 31 ، والبحار : 2/ 4 ح 6 .
(6) عنه منية المريد : 33 ، والمحجة البيضاء : 1/ 31 ، وعنه في البحار : 2/ 4 ح 7 وعن الاحتجاج : 1/ 8 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 344 _
  221 ـ وقال جعفر بن محمد (عليهما السلام) : ـ علماء ـ شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته ، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا ، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب .
  ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر (1) ألف ألف مرة ، لانه يدفع عن أديان محبينا ، وذلك يدفع عن أبدانهم (2) .
  222 ـ وقال موسى بن جعفر (عليهما السلام) : فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنا وعن (3) مشاهدتنا بتعليم ماهو محتاج إليه ، أشد على إبليس من ألف عابد .
  لان العابد همه ذات نفسه فقط ، وهذا همه مع ذات نفسه ذات عباد الله إمائه لينقذهم من يد إبليس ومردته .
  ولذلك هو أفضل عند الله من (4) ألف ألف عابد (5)

--------------------
> ـ قال المجلسى (ره) : لعله (عليه السلام) فضل تعليم العلم أولا على الصدقة بهذا المقدار الكثير في غير مصرفه لدفع ما يتوهمه عامة الناس من فضل الظلمة الذين يعطون بالاموال المحرمة العطايا الجزيلة على العلماء الباذلين للعلوم الحقة من يستحقه ، ثم استدرك (عليه السلام) بأن تلك الصدقة وبال على صاحبها لكونها من الحرام ، فلا فضل لها حتى يفضل عليها شئ ، ثم ذكر (عليه السلام) فضله في عمل له فضل جزيل ليظهر مقدار فضله ورفعة قدره .
(1) الخزر : جيل خزر العيون ، وفى حديث حذيفة ( كأنى بهم خنس الانوف ، خزر العيون ) والخزرة : انقلاب الحدقة نحو اللحاظ ، لسان العرب : 4/ 236 لزيادة الاطلاع عليها راجع معجم البلدان : 2/ 367 ففيه تفصيل ذلك .
(2) عنه منية المريد : 34 ، والمحجة البيضاء : 1/ 31 ، وعنه في البحار : 2/ 5 ح 8 وعن الاحتجاج : 1/ 8 .
(3) ( من ) أ .
(4) ( من ألف عابد و ) س ، ص ، ق ، ومنية المريد ، وفى المحجة والاحتجاج بلفظ : من ألف ألف عابد وألف ألف عابدة .
(5) عنه منية المريد : 34 ، والمحجة البيضاء : 1/ 31 ، وعنه في البحار : 2/ 5 ح 9 وعن الاحتجاج : 1/ 8 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 345_
  223 ـ وقال على بن موسى الرضا (عليهما السلام) : يقال للعابد يوم لقيامة : نعم الرجل كنت همتك ذات نفسك ، وكفيت الناس مؤنتك ، فادخل الجنة .
  ألا إن الفقيه من أفاض على الناس خيره ، وأنقذهم من أعدائهم ، ووفر عليهم نعم جنان الله، وحصل لهم رضوان الله تعالى .
  ويقال للفقيه : يا أيها الكافل لايتام آل محمد ، الهادي لضعفاء محبيه ومواليه قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك .
  فيقف ، فيدخل الجنة ومعه فئاما وفئاما (1) ـ حتى قال عشرا ـ وهم الذين أخذوا عنه علومه ، وأخذوا عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة ، فانظروا كم فرق (2) ما بين المنزلتين ؟! (3) 224 ـ وقال محمد بن على (عليهما السلام) : إن من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم ، المتحيرين في جهلهم ، الاسراء في أيدي شياطينهم ، وفى أيدي النواصب من أعدائنا ، فاستنقذهم منهم ، وأخرجهم من حيرتهم ، وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم ، ودليل أئمتهم ، ليفضلون عند الله تعالى على العابد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الارض، والعرش والكرسي والحجب ـ على السماء ـ وفضلهم على هذا العابد (4) كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء (5) .
  225 ـ وقال على بن محمد (عليهما السلام) : لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم (6) عليه الصلاة

--------------------
(1) الفئام ـ بكسر الفاء ـ : الجماعة من الناس ، وفسر في خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الغدير بمائة ألف .
(2) ( صرف ) أ ، ص ، ق والاحتجاج ، الصرف : الفضل .
(3) عنه منية لمريد : 34 ، والمحجة البيضاء : 1/ 32 ، وعوالى اللئالى : 1/ 91 ، والبحار : 7/ 225 ضن ح 143 ، وعنه في البحار : 2/ 5 ح 10 وعن الاحتجاج : 1/ 9 .
(4) ( العباد ) الاحتجاج .
(5) عنه منية المريد : 34 ، والمحجة البيضاء : 1/ 32 ، وعنه في البحار : 2/ 6 ح 11 وعن الاحتجاج : 1/ 9 .
(6) ( قائمنا ) المحجة . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 346 _
  والسلام من العلماء الداعين إليه ، والدالين عليه ، والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ، ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الافضلون عند الله عزوجل (1) .
  226 ـ وقال الحسن بن على (2) (عليهما السلام) : يأتي علماء شيعتنا ، القوامون لضعفاء محبينا وأهل ولايتنا يوم القيامة ، والانوار تسطع من تيجانهم ، على رأس كل واحد منهم تاج بهاء ، قد انبثت تلك الانوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة .
  فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها ، فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه ، ومن ظلمة الجهل أنقذوه (3) ومن حيرة التيه أخرجوه ، إلا تعلق بشعبة من أنوارهم ، فرفعتهم إلى العلو حتى يحاذي بهم فوق الجنان .
  ثم تنزلهم (4) على منازلهم السعدة في جوار أستاديهم ومعلميهم ، وبحضرة أئمتهم الذين كانوا يدعون إليهم .
  ولا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلا عميت عيناه وصمت أذناه ، وأخرس لسانه ، ويحول عليه أشد من لهب النيران ، فيحملهم حتى يدفعهم إلى الزبانية ، فيدعوهم (5) إلى سواء الجحيم (6) .
  وأما قوله عزوجل : ( والمساكين) فهو من سكن الضر والفقر حركته .
  ألا فمن واساهم بحواشي ماله ، وسمع الله عليه جنانه ، وأناله غفرانه ورضوانه .

--------------------
(1) عنه منية المريد : 35 ، والمحجة البيضاء : 1/ 32 ، وعنه في البحار : 2/ 6 ح 12 وعن الاحتجاج : 1/ 9 .
(2) زاد في البحار ( عن أبيه (عليهما السلام) ) .
(3) ( قد علموه ) أ ، ب ، ط ، ( علموه ) س ، ق ، د .
(4) ( ينزلونهم ) ص ، منية المريد ، المحجة .
(5) أى فعوهم يدفعا عنيفا وبجفوة .
(6) عنه منية المريد : 35 ، والمحجة البيضاء : 1/ 32، والبحار : 7/ 225 ضمن ح 143 وعنه في البحار : 2/ 6 ح 13 وعن الاحتجاج : 1/ 10 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 347 _
في أن المسكين الحقيقى مساكين الشيعة الضعفاء في مقابلة أعدائهم :
  227 ـ قال الامام (عليه السلام) : وإن من محبي محمد ـ وعلي ـ (1) مساكين ، مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء ، وهم الذين سكنت (2) جوارحهم ، وضعفت قواهم عن مقاتلة (3) أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ، ويسفهون أحلامهم ، ألا فمن قواهم بفقهه وعلمه (4) حتى أزال مسكنتهم ، ثم سلطهم على الاعداء الظاهرين : النواصب وعلى الاعداء الباطنين : إبليس ومردته ، حتى يهزموهم عن دين الله ويذودوهم عن أولياء آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  حول الله تعالى تلك المسكنة إلى شياطينهم ، فأعجزهم عن إضلالهم .
  قضى الله تعالى بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) (5) .
  228 ـ وقال على بن أبي طالب (عليه السلام) : من قوى مسكينا في دينه ، ضعيفا في معرفته على ناصب مخالف ، فأفحمه (6) لقنه الله تعالى يوم يدلى في قبره أن يقول : الله ربي ، ومحمد نبيي ، وعلي وليي ، والكعبة قبلتي ، والقرآن بهجتي وعدتي والمؤمنون إخواني .
  فيقول الله: أدليت بالحجة ، فوجبت لك أعالي درجات الجنة .
  فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة (7) .
  229 ـ وقالت فاطمة (عليها السلام) وقد اختصم إليها امرأتان ، فتنازعتا في شئ من أمر

--------------------
(1) ( وآل محمد ) البحار . (2) ( تنكست ) أ ، نكس الرجل : ضعف وعجز .
(3) ( مقابلة ) ب ، س ، ص ، ط ، ق ، د .
(4) ( وعلمهم ) أ ، والبرهان .
(5) عنه تأويل الايات : 1/ 75 ح 49 ، والبرهان : 1/ 122 صدر ح 17 ، وعنه في البحار : 2/ 7 ضمن ح 13 وعن الاحتجاج : 1/ 10 .
(6) أى أسكته بالحجة .
(7) عنه البحار : 6/ 228 ح 31 ، والبرهان : 1/ 122 ذ ح 17 وعنه في البحار : 2/ 7 ح 14 وعن الاحتجاج: 1/ 10 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 348 _
  الدين : إحديهما معاندة ، والاخرى مؤمنة ، ففتحت على المؤمنة حجتها ، فاستظهرت على المعاندة ، ففرحت فرحا شديدا .
  فقالت فاطمة (عليها السلام) : إن فرح الملائكة باستظهارك عليها أشد من فرحك ، وإن حزن الشيطان ومردته بحزنها عنك أشد من حزنها .
  وإن الله عزوجل قال للملائكة : أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الاسيرة من الجنان ألف ألف ضعف ماكنت أعددت لها واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على أسير مسكين ، فيغلب معاندا مثل ألف ألف (1) ماكان له معدا من الجنان (2) .
  230 ـ وقال الحسن بن على ـ بن أبي طالب ـ (عليهما السلام) ـ وقد حمل إليه رجل هدية ـ فقال له : أيما أحب إليك ؟ أن أرد عليك بدلها عشرين ضعفا ، عشرين ألف درهم ، أو أفتح لك بها بابا من العلم تقهر فلان الناصبي في قريتك ، تنقذ به ضعفاء أهل قريتك ؟ إن أحسنت الاختيار جمعت لك الامرين ، وإن أسأت الاختيار خيرتك لتأخذ أيهما شئت قال يابن رسول الله فثوابي في قهري لذلك الناصب ، واستنقاذي لاولئك الضعفاء من يده ، قدره عشرون ألف درهم ؟ قال (عليه السلام) : بل أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة! فقال : يابن رسول الله فكيف أختار الادون! بل أختار الافضل : الكلمة التي أقهر بها عدو الله، وأذوده عن أولياء الله.
  فقال الحسن بن على (عليهما السلام) : قد أحسنت الاختيار .
  وعلمه الكلمة (3) ، وأعطاه عشرين ألف درهم .
  فذهب ، فأفحم الرجل ، فاتصل خبره به (عليه السلام) ، فقال له إذ حضره :

--------------------
(1) ( ضعف ) خ ل .
(2) عنه البحار : 8/ 180 ضمن ح 137 ، وعنه البحار : 2/ 8 ح 15 وعن الاحتجاج : 1/ 11 .
(3) ( الحكمة ) ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 349_
  ياعبدالله ما ربح أحد مثل ربحك ، ولا اكتسب أحد من الاوداء (1) ما اكتسبت : اكتسبت : مودة الله أولا، ومودة محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى (عليه السلام) ثانيا ، ومودة الطيبين من آلهما ثالثا ، ومودة ملائكة الله ـ المقربين ـ رابعا ، ومودة إخوانك المؤمنين خامسا واكتسبت بعدد كل مؤمن وكافر ما هو أفضل من الدنيا ـ وما فيها ألف ـ ألف مرة فهنيئا ـ لك ـ هنيئا (2) .
  231 ـ وقال الحسين بن على (عليهما السلام) لرجل : أيهما أحب إليك ؟ رجل يروم قتل مسكين قد ضعف ، تنقذه من يده ؟ أو ناصب يريد إضلال مسكين ـ مؤمن ـ من ضعفاء شيعتنا تفتح عليه ما يمتنع ـ المسكين ـ به منه ويفحمه ويكسره بحجج الله تعالى ؟ قال : بل إنقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا الناصب .
  إن الله تعالى يقول : (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) (3) ـ أي ـ ومن أحياها وأرشدها من كفر إلى إيمان ، فكأنما أحيا الناس جميعا من قبل (4) أن يقتلهم بسيوف الحديد (5) .
  232 ـ وقال على بن الحسين (عليها السلام) لرجل : أيما أحب إليك : صديق كلما رآك أعطاك بدرة دنانير ، أو صديق كلما رآك بصرك بمصيدة من مصائد الشياطين ، وعرفك ما تبطل به كيدهم ، وتخرق ـ به ـ شبكتهم ، وتقطع حبائلهم ؟ قال : بل صديق كلما رآني علمني كيف أخزي الشيطان عن نفسي وأدفع عني بلاءه (6) .
  قال (عليه السلام) : فأيهما أحب إليك : استنقاذك أسيرا مسكينا من أيدي الكافرين ، أو استنقاذك أسيرا مسكينا من أيدي الناصبين ؟ قال : يابن رسول الله، سل الله أن يوفقني

--------------------
(1) ( الاوتاد ) أ ، الاوداء: جمع : وديد وهو المحب .
(2) عنه البحار : 2/ 8 ح 16 ، عن الاحتجاج : 1/ 11 .
(3) المائدة : 32 .
(4) بكسر القاف وفتح الباء : أى من جهة قتلهم بالسيوف ، ويحتمل فتح القاف وسكون الباء ، قاله المجلسى (ره) .
(5) عنه البحار : 2/ 9 ح 17 .
(6) ( بلابله ) أ ، بلبلة الصدر : وساوسه . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 350 _
  للصواب في الجواب ، قال (عليه السلام) : اللهم وفقه .
  قال : بل استنقاذي المسكين الاسير من يد الناصب ، فانه توفير الجنة عليه ، وإنقاذه من النار ، وذلك توفير الروح عليه في الدنيا ، ودفع الظلم عنه فيها ، والله يعوض هذا المظلوم بأضعاف مالحقه من الظلم ، وينتقم من الظالم بما هو عادل بحكمه .
  قال (عليه السلام) : وفقت لله أبوك ! أخذته من جوف صدري لم تجزم (1) مما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرفا واحدا (2) .
  233 ـ وسئل الباقر محمد بن على (عليهما السلام) : إنقاذ الاسير المؤمن من محبينا من يد الناصب يريد أن يضله بفضل لسانه وبيانه أفضل ، أم إنقاذ الاسير من أيدي ـ أهل ـ الروم ؟ قال الباقر (عليه السلام) للرجل : أخبرني أنت عمن رأى رجلا من خيار المؤمنين يغرق وعصفورة تغرق لا يقدر على تخليصهما بأيهما اشتغل فاته الآخر ؟ أيهما أفضل أن يخلصه ؟ قال : الرجل من خيار المؤمنين .
  قال (عليه السلام) : فبعد ما سألت في الفضل أكثر من بعد ما بين هذين ، إن ذاك يوفر عليه دينه وجنان ربه ، وينقذه من النيران ، وهذا المظلوم إلى الجنان يصير (3) .
  234 ـ وقال جعفر بن محمد (عليهما السلام) : من كان همه في كسر النواصب عن المساكين الموالين لنا أهل البيت يكسرهم عنهم ، ويكشف عن مخازيهم (4) ويبين عوراتهم (5) ويفخم أمر محمد وآله (صلى الله عليه وآله) ، جعل الله همة (6) أملاك الجنان في بناء قصوره ودوره ، يستعمل بكل حرف من

--------------------
(1) ( تخرم ) ص ، والبحار ، وكلاهما بمعنى ، أى لم تقطع ، أو تنقص .
(2) عنه البحار : 2/ 9 ح 18 .
(3) عنه البحار المتقدم .
(4) ( مجاريهم ) أ .
(5) ( عوارهم ) ب ، ط ، ق ، د ، والاحتجاج ، العورة : كل مكمن للسر ، والعوار : العيوب .
(6) ( جمة ) أ ، الجمة ـ بفتح الجيم وضمها وتشديد الميم ـ معظم الشئ أو الكثير منه ، (*)