ما يفعلونه فهو فاسق ، لا يجوز أن يصدق على الله، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله، فلذلك ذمهم ـ الله ـ لما قلدوا من قد عرفوا ، ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ، ولا تصديقه في حكايته ، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى ، وأشهر من أن لاتظهر لهم .
  وكذلك عوام امتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر ، والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصبون عليه إن كان لاصلاح أمره مستحقا ، وبالترفق (1) بالبر والاحسان على من تعصبوا له ، وإن كان للاذلال والاهانة مستحقا .
  فمن قلد من عوامنا ـ من ـ مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم .
  فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه .
  وذلك لايكون إلا ـ في ـ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ، فان من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ، ولا كرامة لهم ، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل (2) عنا أهل البيت لذلك ، لان الفسقة يتحملون عنا ، فهم يحرفونه بأسره لجهلهم ، ويضعون الاشياء على غير ـ مواضعها و ـ وجوهها لقلة معرفتهم وآخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا (3) من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم .

--------------------
(1) ( بالتوقير ) ب ، ( بالتوفر ) س ، ص ، ( بالترفرف ) الاحتجاج ، البحار : 2 والبرهان ، وهى كناية عن اللطف .
(2) حمل العلم : نقله ورواه .
(3) ( ليحرزوا ) ب ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)_ 302 _

  ومنهم قوم نصاب لايقدرون على القدح فينا ، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا ، وينتقصون ـ بنا ـ عند نصابنا (1) ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الاكاذيب علينا التي نحن براء منها ، فيتقبله ـ المسلمون ـ المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوهم (2) .
  وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي (عليهما السلام) وأصحابه فانهم يسلبونهم الارواح والاموال ، وللمسلوبين عند الله أفضل الاحوال لما لحقهم من أعدائهم .
  وهؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بأنهم لنا موالون ، ولاعدائنا معادون يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا ، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب .
  ـ لا جرم ـ أن من علم الله من قلبه ـ من هؤلاء العوام ـ أنه لا يريد إلا صيانة دينه وتعظيم وليه ، لم يتركه في يد هذا الملبس الكافر .
  ولكنه يقيض له مؤمنا يقف به على الصواب ، ثم يوفقه الله تعالى للقبول منه فيجمع له بذلك خير الدنيا والآخرة ، ويجمع على من أضله لعن الدنيا وعذاب الآخرة .
  ثم قال : ـ قال ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله) : شرار علماء أمتنا المضلون عنا ، القاطعون للطرق إلينا ، المسمون أضدادنا بأسمائنا ، الملقبون أضدادنا (3) بألقابنا ، يصلون عليهم وهم للعن مستحقون ، ويلعنوننا ونحن بكرامات الله مغمورون ، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا ـ عن صلواتهم علينا ـ مستغنون (4) .

--------------------
(1) ( أنصارنا ) خ ل ، ط .
(2) ( وأضلوا ) ط ، والبحار ، والبرهان .
(3) ( أندادنا ) الاحتجاج والبحار : 2 ، ق ، د .
(4) عنه البحار : 9/ 318 ضمن ح 12 (قطعة) ، ج 70/ 168 ضمن ح 18 (قطعة) والبرهان : 1/ 117 ضمن ح 1 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 286 ح 8 ، وعنه الوسائل : 18/ 94 ح 20 < (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 303 _
  144 ـ ثم ـ قال : ـ قيل لامير المؤمنين (عليه السلام) : من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى ؟ قال : العلماء إذا صلحوا .
  قيل : فمن شر خلق الله بعد إبليس وفرعون ونمرود ، وبعد المتسمين (1) بأسمائكم والمتلقبين (2) بألقابكم ، والآخذين لامكنتكم ، والمتأمرين في ممالككم ؟ قال : العلماء إذا فسدوا ، هم المظهرون للاباطيل ، الكاتمون للحقائق ، وفيهم قال الله عزوجل : (اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا) الآية (3).
  ثم قال الله عزوجل : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) الآية .
  145 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الله عزوجل ـ هذا ـ لقوم من هؤلاء اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة النبي (4) (صلى الله عليه وآله) وهو خلاف صفته ، وقالوا للمستضعفين ـ منهم ـ : هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان : إنه طويل ، عظيم البدن والبطن ، أصهب (5) الشعر ، ومحمد (صلى الله عليه وآله) بخلافه ، وهو يجئ بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة .
  وإنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رياستهم ، وتدوم لهم منهم إصابتهم (6)

--------------------
> والبحار : 2/ 86 ضمن ح 12 وعن الاحتجاج : 2/ 262 (وفيه تقدم تفسير الاية التالية ( فويل للذين يكتبون ... ) قبل حديث الامام الصادق (عليه السلام) ، فلاحظ) .
(1) ( المسمين ) أ ، ص .
(2) ( الملقبين ) أ .
(3) عنه البرهان : 1/ 118 ضمن ح 1 ، وص 171 ح 6 ، وعنه البحار : 2/ 89 ذ ح 12 ، وعن الاحتجاج : 2/ 264 ، والاية الاخيرة : 159 ـ 160 من سورة البقرة .
(4) ( محمد (صلى الله عليه وآله) ) ب ، ط ، الاحتجاج ، والبحار .
(5) الصهبة : احمرار الشعر .
(6) أصاب من الشئ : أخذ وتناول . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 304 _
  ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ وخدمة علي (عليه السلام) ـ وأهل خاصته .
  فقال الله تعالى : (فويل لهم مما كتبت أيديهم) من هذه الصفات المحرفات المخالفات لصفة (1) محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) ، الشدة لهم من العذاب في أسوأ بقاع جهنم (وويل لهم) الشدة (لهم من) (2) العذاب ثانية مضافة إلى الاولى (مما يكسبون) من الاموال التي يأخذونها إذا أثبتوا (3) عوامهم على الكفر بمحمد رسول الله، والجحد لوصيه : أخيه علي ولي الله (عليهما السلام) (4).
  قوله عزوجل : ( وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النارهم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) : 80 ـ 82 .
  146 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الله عزوجل : (وقالوا) يعني اليهود ـ المصرون ـ (5) المظهرون للايمان ، المسرون للنفاق ، المدبرون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذويه بما يظنون أن فيه عطبهم (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) وذلك أنه كان لهم أصهار (6) وإخوه رضاع من المسلمين يسرون (7) كفرهم عن محمد (8) (صلى الله عليه وآله) وصحبه ، وإن كانوا به عارفين ، صيانة لهم لارحامهم وأصهارهم .
  قال لهم هؤلاء : لم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط

--------------------
(1) ( لصفات ) أ ، ص .
(2) ( في ) أ .
(3) ثبت وأثبت : جعله ثابتا .
(4) عنه البحار : 9/ 318 ضمن ح 12 ، وج 70/ 168 ضمن ح 18 ، والبرهان : 1/ 119 ضمن ح 1 ، وعنه في البحار : 2/ 87 ضمن ح 1 وعن الاحتجاج : 2/ 262 .
(5) ( المقرون ) أ .
(6) الصهر : القرابة ، زوج الاخت أو الابنة .
(7) ( يسترون ) س ، د ، والبرهان .
(8) ( بمحمد ) أ ، والبحار : 8 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _305 _
  عليكم معذبون ؟ أجابهم هؤلاء اليهود : بأن مدة ذلك العذاب (1) الذي نعذب به لهذه الذنوب (أياما معدودة) تنقضي ، ثم نصير بعد في النعمة في الجنان ، فلا نتعجل المكروه في الدنيا للعذاب الذي ـ هو ـ بقدر أيام ذنوبنا ، فانها تفنى وتنقضي ، ونكون قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة ولذات نعمة الدنيا ، ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد فانه إذا لم يكن دائما فكأنه قد فنى .
  فقال الله عزوجل : (قل ـ يا محمد ـ أتخذتم عند الله عهدا) أن عذابكم على كفركم بمحمد ودفعكم لآياته في نفسه ، وفي علي وسائر خلفائه وأوليائه منقطع غير دائم ؟ بل ما هو إلا عذاب دائم لا نفاد له ، فلا تجتروا على الآثام والقبائح من الكفر بالله وبرسوله وبوليه المنصوب بعده على امته ، ليسوسهم ويرعاهم سياسة الوالد الشفيق الرحيم ـ الكريم ـ لولده ، ورعاية الحدب (2) المشفق على خاصته (فلن يخلف الله عهده) فكذلك أنتم بما تدعون من فناء عذاب ذنوبكم هذه في حرز (أم تقولون على الله مالا تعلمون) اتخذتم عهدا ؟ أم تقولون؟ (3) بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون .
  (4) ثم قال الله عزوجل ردا عليهم : (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) : 81 147 ـ قال الامام (عليه السلام) : السيئة المحيطة به هي التي تخرجه عن جملة (5) دين الله وتنزعه عن ولاية الله وترميه في (6) سخط الله ـ و ـ هي الشرك بالله ، والكفر به ، والكفر بنبوة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والكفر بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) (7) كل واحد

--------------------
(1) ( العقاب ) أ
(2) أى العطوف ، وفى ( أ ) : الجد .
(3) ( تقولون جهلا ) البحار : 8 .
(4) عنه البحار : 8/ 300 ضمن ح 55 ، وج 9/ 319 ضمن ح 12 ، وج 70/ 169 ضمن ح 18 ، والبرهان : 1/ 119 ضمن ج 1 .
(5) ( حمله ) س .
(6) ( لا تؤمنه ) ص ، ق ، د .
(7) زاد في البحار : 8 ( وخلفائه ) . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 306 _
  من هذه سيئة تحيط به ، أي تحيط بأعماله فتبطلها وتمحقها (فاولئك) عاملوا هذه السيئة المحيطة (أصحاب النارهم فيها خالدون) (1).

في أن ولاية على (عليه السلام) حسنة لا يضر معها سيئة :
148 ـ ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن ولاية علي حسنة لا يضر معها شئ (2) من السيئات وإن جلت إلا ما يصيب أهلها من التطهير منها بمحن الدنيا ، وببعض العذاب في الآخرة إلى أن ينجو منها بشفاعة مواليه الطيبين الطاهرين .
  وإن ولاية أضداد علي ومخالفة علي (عليه السلام) سيئة لا ينفع معها شئ إلا ما ينفعهم بطاعاتهم في الدنيا بالنعم والصحة والسعة ، فيردون الآخرة ولا يكون لهم إلا دائم العذاب .
  ثم قال : إن من جحد ولاية علي لا يرى الجنة بعينه أبدا إلا ما يراه بما يعرف به أنه لو كان يواليه لكان ذلك محله ومأواه ومنزله ـ ، فيزداد حسرات وندامات .
  وإن من تولى عليا ، وبرئ من أعدائه ، وسلم لاوليائه لا يرى النار بعينه أبدا إلا ما يراه ، فيقال له : لو كنت على غير هذا لكان ذلك مأواك ، إلا ما يباشره منها إن كان مسرفا على نفسه ـ بما دون الكفر ـ إلى أن ينظف بجهنم (3) كما ينظف القذر من (4) بدنه بالحمام ـ الحامي ـ ثم ينتقل منها بشفاعة مواليه (5) .
  149 ـ ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اتقوا الله معاشر الشيعة ، فان الجنة لن تفوتكم

--------------------
(1) عنه البحار : 8/ 300 ضمن ح 55 ، وص 358 ح 19 ، والبرهان : 1/ 119 ضمن ح 1 وج 4/ 20 صدر ح 4 .
(2) ( سيئة ) خ ل .
(3) ( بحبهم ) خ ل .
(4) كذا استظهرها في ( أ ) ، وفى ( ب ، س ، ط ، ق ، د ) قذر ، وليس في ( ص ) .
(5) عنه البحار : 8/ 301 ذ ح 55 (قطعة) والبرهان : 1/ 119 ذ ح 1 ، وج 4/ 20 ضمن ح 4(*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 307 _
  وإن أبطأت بكم عنها قبائح أعمالكم ، فتنافسوا في درجاتها .
  قيل : فهل يدخل جهنم ـ أحد ـ من محبيك ، ومحبي علي (عليه السلام) ؟ قال : من قذر نفسه بمخالفة وعلي ، وواقع المحرمات ، وظلم المؤمنين والمؤمنات ، وخالف ما رسما له (1) من الشرعيات (2) جاء يوم القيامة قذرا طفسا (3) ، يقول له محمد وعلي : يا فلان أنت قذر طفس ، لا تصلح لمرافقة مواليك الاخيار ، ولا لمعانقة الحور الحسان ، ولا لملائكة الله المقربين ، ولا تصل إلى ما هناك إلا بأن يطهر عنك ما هيهنا ـ يعني ما عليه من الذنوب ـ فيدخل إلى الطبق الاعلى من جهنم ، فيعذب ببعض ذنوبه .
  ومنهم من تصيبه الشدائد في المحشر ببعض ذنوبه ، ثم يلقطه (4) من هنا ومن هنا من يبعثهم إليه مواليه من خيار شيعتهم ، كما يلقظ (5) الطير الحب .
  ومنهم من تكون ذنوبه أقل وأخف فيطهر منها بالشدائد والنوائب من السلاطين وغيرهم ، ومن الآفات في الابدان في الدنيا ليدلى في قبره وهو طاهر من ـ ذنوبه ـ (6) .
  ومنهم من يقرب موته ، وقد بقيت عليه (7) فيشتد نزعه ، ويكفر به عنه ، فان بقي شئ وقويت عليه يكون له بطن (8) أو أضطراب في يوم موته ، فيقل من يحضره فيلحقه به الذل ، فيكفر عنه ، فان بقي شئ اتي به ولما يلحد ويوضع ، فيتفرقون عنه ، فيطهر .
  فان كانت ذنوبه أعظم وأكثر طهر منها بشدائد عرصات ـ يوم ـ القيامة ، فان كانت

--------------------
(1) رسم له كذا : أمره به .
(2) ( الشريعات ) س ، ص ، ط ، ق ، د ، الشرعى : ما وافق الاصل وانطبق عليه .
(3) الطفس ـ بالتحريك ـ : الوسخ والدرن .
(4) ( يلتقطه ) خ ل .
(5) ( يلتقط ) خ ل .
(6) من البرهان ، وفى ( أ ) من ذنوبهم .
(7) أى الذنوب ، وزاد عليها في البحار : سيئة .
(8) بالتحريك : داء البطن ، وفى البحار : البطر وبطر الشئ : كرهه من غير أن يستحق الكراهة . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 308_
  أكثر وأعظم طهر منها في الطبق الاعلى من جهنم ، وهؤلاء أشد محبينا عذابا وأعظمهم ذنوبا .
  ليس هؤلاء يسمون بشيعتنا ، ولكنهم يسمون بمحبينا والموالين لاوليائنا والمعادين لاعدائنا ، إن شيعتنا من شيعنا ، واتبع أثارنا ، واقتدى بأعمالنا .
  (1) ـ بيان معنى الشيعة : ـ 150 ـ وقال الامام (عليه السلام) : قال رجل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : ـ يا رسول الله ـ فلان ينظر إلى حرم جاره (2) فان أمكنه مواقعة حرام لم ينزع (3) عنه ! فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال : ائتوني به .
  فقال رجل آخر : يا رسول الله إنه من شيعتكم ممن يعتقد موالاتك وموالاة علي ، ويتبرأ من أعدائكما .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تقل إنه من شيعتنا فانه كذب ، إن شيعتنا من شيعنا وتبعنا في أعمالنا ، وليس هذا الذي ذكرته في هذا الرجل من أعمالنا (4).
  151 ـ وقيل لامير المؤمنين ـ وإمام المتقين ، ويعسوب الدين ، وقائد الغر المحجلين ، ووصي رسول رب العالمين : إن ـ (5) فلان مسرف على نفسه بالذنوب الموبقات ، وهو مع ذلك من شيعتكم .
  فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قد كتبت عليك كذبة أو كذبتان ، إن كان مسرفا بالذنوب على نفسه ، يحبنا ويبغض أعداءنا ، فهو كذبة واحدة ، هو (6) من محبينا لا من شيعتنا .

--------------------
(1) عنه البحار : 68/ 154 صدر ح 11 ، والبرهان : 4/ 21 ضمن ح 4 .
(2) ( فلان ) ب ، س ، ط .
(3) ( يرع ) س ، ص ، ق ، د ، تنبيه الخواطر ، والبحار ، نزع عن كذا : كف وانتهى عنه ، ورعا يرعو رعوا : رجع عن جهله .
(4) اضافة للبحار والبرهان المتقدمين : عنه تنبيه الخواطر : 2/ 105
(5) من البحار .
(6) ( لانه ) البحار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 309 _
  وإن كان يوالي أولياءنا ويعادي أعداءنا ، وليس ـ هو ـ بمسرف على نفسه ـ في الذنوب ـ كما ذكرت فهو منك كذبة ، لانه لا يسرف في الذنوب .
  وإن كان ـ لا ـ (1) يسرف في الذنوب ولا يوالينا ولا يعادي أعداءنا ، فهو منك ـ كذبتان ـ (2).
  152 ـ ـ قال (عليه السلام) : ـ قال رجل لامرأته : اذهبي إلى فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسليها عني ، أنا من شيعتكم ، أو لست من شيعتكم ؟ فسألتها ، فقالت (عليها السلام) : قولي له : إن كنت تعمل بما أمرناك ، وتنتهي عما زجرناك عنه فأنت من شيعتنا ، وإلا فلا .
  فرجعت ، فأخبرته ، فقال : يا ويلي ومن ينفك من الذنوب والخطايا ، فأنا إذن خالد في النار ، فان من ليس من شيعتهم فهو خالد في النار .
  فرجعت المرأة فقالت لفاطمة (عليها السلام) ما قال لها زوجها .
  فقالت فاطمة (عليها السلام) : قولي له : ليس هكذا ـ فان ـ شيعتنا من خيار أهل الجنة ، وكل محبينا وموالي أوليائنا ، ومعادي أعدائنا ، والمسلم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات ، وهم مع ذلك في الجنة ، ولكن بعد ما يطهرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا ، أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها ، أو في الطبق الاعلى من جهنم بعذابها إلى أن نستنقذهم ـ بحبنا ـ منها ، وننقلهم إلى حضرتنا (3) .
  153 ـ وقال رجل للحسن بن على (عليهما السلام) : يابن رسول الله أنا من شيعتكم .
  فقال الحسن بن علي (عليهما السلام) يا عبدالله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعا فقد

--------------------
(1) استظهرها في ( ص ) وهو الصحيح .
(2 و 3) عنه البحار والبرهان المتقدمين . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 310 _
  صدقت ، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها لاتقل : أنا من شيعتكم ، ولكن قل : أنا من مواليكم ومحبيكم ، ومعادي أعدائكم ، وأنت في خير ، وإلى خير (1).
  154 ـ وقال رجل للحسين بن على (عليهما السلام) : يابن رسول الله أنا من شيعتكم .
  قال (عليه السلام) : اتق الله ولا تدعين شيئا يقول الله تعالى لك : كذبت وفجرت في دعواك .
  إن شيعتنا من سلمت قلوبهم من كل غش وغل ودغل (2) ولكن قل : أنا من مواليكم و ـ من ـ محبيكم (3).
  155 ـ وقال رجل لعلى بن الحسين (عليهما السلام) : يابن رسول الله أنا من شيعتكم الخلص فقال له : يا عبدالله فاذن أنت كابراهيم الخليل (عليه السلام) الذي قال الله فيه : (وإن من شيعته لابراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم) (4) فان كان قلبك كقلبه فأنت من شيعتنا وإن لم يكن قلبك كقلبه ، وهو طاهر من الغش والغل ـ فأنت من محبينا ـ وإلا فانك إن عرفت أنك بقولك كاذب فيه ، إنك لمبتلى بفالج لا يفارقك إلى الموت أو جذام ليكون كفارة لكذبك هذا (5).
  156 ـ وقال الباقر (عليه السلام) لرجل فخر على آخر ـ قال ـ: (6) أتفاخرني وأنا من شيعة آل محمد الطيبين ؟ ! فقال له الباقر (عليه السلام) : ما فخرت عليه ورب الكعبة ، وغبن (7) منك على الكذب يا عبدالله ، أمالك معك تنفقه على نفسك أحب إليك أم تنفقه على إخوانك المؤمنين ؟ قال : بل أنفقه على نفسي .
  قال : فلست من شيعتنا ، فانا نحن ما ننفق على المنتحلين من إخواننا أحب إلينا

--------------------
(1 و 3) اضافة للبحار والبرهان المتقدمين ، عنه تنبيه الخواطر : 2/ 106 .
(2) ( دخل ) ، وهى ـ بالتحريك ـ ما داخل الانسان من فساد في العقل أو الجسم .
(4) الصافات : 83 ـ 84 .
(5) عنه البحار والبرهان المذكورين .
(6) استظهرها في ( أ ) .
(7) ( الغش ) خ ل .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 311 _
  ـ من أن ننفق (1) على أنفسنا ـ ولكن قل : أنا من محبيكم ومن الراجين للنجاة بمحبتكم (2).
  ـ في معنى الرافضى ، وأن أول من سمى به سحرة موسى : ـ 157 ـ وقيل للصادق (عليه السلام) : إن عمارا الدهني (3) شهد اليوم عند ـ ابن ـ أبي ليلى (4) قاضي الكوفة بشهادة ، فقال له القاضي : قم يا عمار فقد عرفناك .
  لا تقبل شهادتك ، لانك رافضي .
  فقام عمار وقد ارتعدت فرائصه ، واستفرغه (5) البكاء .

--------------------
(1) ( تنفق ) أ .
(2) عنه البحار : والبرهان المذكورين .
(3) قال النجاشى في رجاله : 411 ضمن ترجمة ولده معاوية : ( كان أبوه ثقة في العامة وجيها ) ، وقال الشيخ المامقانى ره في رجاله : 2/ 317 : بالدال المهملة المضمومة والهاء الساكنة والنون والياء ، نسبة إلى بنى دهن حى من بجيلة ، وهم بنو دهن بن معاوية بن أسلم بن أحمص بن الغوث ... واشتهار الرجل بالتشيع كاشتهار الشمس في رابعة النهار ، وقال ـ بعد نقله كلام النجاشى المتقدم ـ : ومثله بعينه في الخلاصة ، وغرضهما من التقييد بقولهما ( في العامة ) ليس هو الحكم بكونه عاميا ... بل غرضهما بذلك أن العامة أيضا كانوا يثقون به ويعظمونه ، وكان له فيهم أيضا وجاهة لروايته عن عظمائهم والا فالرجل شيعى ثقة ... انتهى ، أقول : وعلى كل لم يرد نص على أنه من العامة ـ كما يستظهر البعض ـ ، وقد وثقه الذهبى في ميزان الاعتدال : 3/ 172 فقال : قال على بن المدينى : قال سفيان ابن عيينة : قطع بشر بن مروان بن الحكم عرقوبيه ، قلت : في أى شئ ؟ قال : في التشيع ، انتهى وسفيان هو أحد الرواة عنه ، وقال ابن حجر العسقلانى في تقريب التهذيب : 2/ 48 : صدوق ، يتشيع .
(4) قال عنه الذهبى في سير النبلاء : 6/ 310 : محمد بن عبدالرحمن بن أبى ليلى مفتى الكوفة وقاضيها .
(5) كذا في الاصل وتنبيه الخواطر والبحار ، واستظهرها في رجال المامقانى : ( استغرقه ) يقال : استفرغ فلان مجهوده : اذا لم يبق من جهده وطاقته شيئا ، واستغرق في البكاء : بالغ فيه . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 312_
  فقال له ابن أبي ليلى : أنت رجل من أهل العلم والحديث ، إن كان يسوءك أن يقال لك ( رافضي ) فتبرأ من الرفض ، فأنت من إخواننا .
  فقال له عمار : ياهذا ما ذهبت والله حيث ذهبت ، ولكني بكيت عليك وعلي : أما بكائي على نفسي فانك نسبتني إلى رتبة شريفة لست من أهلها ، زعمت أني رافضي ، ويحك لقد حدثني الصادق (عليه السلام) ( أن أول من سمي الرافضة (1) السحرة الذين لما شاهدوا آية موسى (عليه السلام) في عصاه آمنوا به ـ ورضوا به ـ واتبعوه ورفضوا أمر فرعون ، واستسلموا لكل ما نزل بهم ، فسماهم فرعون الرافضة لما رفضوا دينه ) .
  فالرافضي من رفض كلما كرهه الله، تعالى وفعل كل ما أمره الله، فأين في الزمان مثل هذا ؟ فانما بكيت على نفسي خشية أن (يطلع الله تعالى) (2) على قلبي ، وقد تقبلت (3) هذا الاسم الشريف على نفسي ، فيعاتبني (4) ربي عزوجل ويقول : يا عمار أكنت رافضا للاباطيل ، عاملا للطاعات كما قال لك ؟ فيكون ذلك تقصيرا بي في الدرجات إن سامحني ، وموجبا لشديد العقاب علي إن ناقشني ، إلا أن يتداركني موالي بشفاعتهم .
  وأما بكائي عليك ، فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي ، وشفقتي الشديدة عليك من عذاب الله تعالى أن صرفت أشرف الاسماء إلى أن جعلته من أرذلها (5) كيف يصبر بذلك على عذاب ـ الله، وعذاب ـ كلمتك هذه ؟! فقال الصادق (عليه السلام) : لو أن على عمار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات والارضين لمحيت عنه بهذه الكلمات : وإنها لتزيد في حسناته عند ربه عزوجل

--------------------
(1) ( الرافضية ) أ ، ( الرفضة ) البحار .
(2) ( يطبع ) رجال المامقانى ، يقال : طبع الله على قلبه : أى ختم وغطى فلا يعى ولا يوفق .
(3) ( تلقبت ) س ، ق ، د ، والبحار .
(4) ( فيعاقبنى ) ب ، س ، ص ، ط ، د .
(5) ( أراذلها ) أ ، والارذل : الردئ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 313 _
  حتى يجعل كل خردلة منها أعظم من الدنيا ألف (1) مرة (2) .
  158 ـ قال (عليه السلام) : وقيل لموسى بن جعفر (عليهما السلام) : مررنا برجل في السوق وهو ينادي : أنا من شيعة محمد وآل محمد الخلص ، وهو ينادي على ثياب يبيعها : على من يزيد (3) .
  فقال موسى (عليه السلام) : ماجهل ولا ضاع امرؤ عرف قدر نفسه ، أتدرون ما مثل هذا ؟ ـ ما مثل ـ (4) هذا كمن قال : ( أنا مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار ) وهو مع ذلك يباخس (5) في بيعة ، ويدلس (6) عيوب المبيع على مشتريه ، ويشتري الشئ بثمن فيزايد الغريب يطلبه فيوجب له ، ثم إذا غاب المشتري قال : لا أريده إلا بكذا بدون ماكان يطلبه ـ منه ـ ، أيكون هذا كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار ؟ حاش لله أن يكون هذا كهم ولكن لا نمنعه (7) من أن يقول : ( أنا من محبي محمد وآله محمد ، ومن موالي أوليائهم ومعادي أعدائهم ) .
  (8) 159 ـ قال (عليه السلام) : ولما جعل (9) إلى علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) ولاية العهد دخل عليه آذنه فقال : إن قوما بالباب يستأذنون عليك ، يقولون : نحن من شيعة علي (عليه السلام) .
  فقال عليه : أنا مشغول فاصرفهم ، فصرفهم .

--------------------
(1) ( ألف مائة الف ) أ .
(2) اضافة للبحار والبرهان المتقدمين ، عنه الخواطر : 2/ 106 ، وتنقيح المقال : 2/ 318 .
(3)( يريد ) ق .
(4) من ق ود .
(5) ( يناجش ) ب ، س ، ص ، ط ، ق ، د ، والبخس من الظلم ، أن تبخس أخاك حقه فتنقصه كما يبخس الكيال مكياله ، فينقصه ، (لسان العرب : 6/ 24) ، وتناجش القوم في البيع : تزايدوا .
(6) التدليس في البيع : كتمان عيب السلعة عن المشترى .
(7) ( مايمنعه ) البحار .
(8) عنه البحار والبرهان المتقدمين .
(9) على بناء المجهول ، وفى البحار : جعل المأمون . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 314 _
  فلما كان في اليوم الثاني جاؤا وقالوا كذلك ، فقال مثلها ، فصرفهم إلى أن جاؤه هكذا يقولون ويصرفهم شهرين ، ثم أيسوا من الوصول وقالوا للحاجب : قل لمولانا : إنا شيعة أبيك علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد شمت بنا أعداؤنا في حجابك لنا ، ونحن ننصرف هئذه الكرة ، نهرب من بلدنا خجلا وأنفة مما لحقنا ، وعجزا عن احتمال مضض ما يلحقنا بشماتة أعدائنا .
  فقال على بن موسى ـ الرضا ـ (عليهما السلام) : ائذن لهم ليدخلوا .
  فدخلوا عليه ، فسلموا عليه ، فلم يرد عليهم ، ولم يأذن (1) لهم بالجلوس ، فبقوا قياما ، فقالوا : يابن رسول الله ما هذا الجفاء العظيم والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب ؟ أي باقية تبقي منا بعد هذا ؟ فقال الرضا (عليه السلام ): اقرؤا (2) (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) (3) .
  ما اقتديت إلا بربي عزوجل فيكم ، وبرسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعده من آبائي الطاهرين (عليهم السلام) عتبوا عليكم ، فاقتديت بهم .
  قالوا : لماذا يابن رسول الله ؟ قال ـ لهم ـ : لدعواكم أنكم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام ) .
  ويحكم إنما شيعته الحسن والحسين (عليهما السلام) وسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر ، الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره ، ولم يرتكبوا شيئا من ـ فنون ؟ ـ زواجره .
  فأما أنتم إذا قلتم أنكم شيعته ، وأنتم في أكثر أعمالكم له مخالفون ، مقصرون في كثير من الفرائض ـ و ـ متهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله، وتتقون حيث لا تجب التقية ، وتتركون التقية ـ حيث لا بد من التقية ـ .
  لو قلتم أنكم موالوه ومحبوه ، والموالون لاوليائه ، والمعادون لاعدائه ، لم انكره من قولكم ، ولكن هذه مرتبة شريفة ادعيتموها ، إن لم تصدقوها قولكم بفعلكم

--------------------
(1) ( يؤذن ) ب ، ط .
(2) ( أفتروا ) أ .
(3) الشورى : 30 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _315 _
  هلكتم إلا أن تتدارككم رحمة ـ من ـ ربكم .
  قالوا : يابن رسول الله، فانا نستغفر الله ونتوب إليه من قولنا ، بل نقول ـ كما علمنا مولانا ـ نحن محبوكم ، ومحبوا أوليائكم ، ومعادوا أعدائكم .
  قال الرضا (عليه السلام) : فمرحبا بكم يا إخواني وأهل ودي ، ارتفعوا ، ارتفعوا (1) فما زال يرفعهم حتى ألصقهم بنفسه ، ثم قال لحاجبه : كم مرة حجبتهم ؟ قال : ستين مرة .
  فقال لحاجبه : فاختلف إليهم ستين مرة متوالية ، فسلم عليهم واقرأهم سلامي فقد محوا ما كان من ذنوبهم باستغفارهم وتوبتهم ، واستحقوا الكرامة لمحبتهم لنا وموالاتهم .
  وتفقد أمورهم وامور عيالاتهم ، فأوسعهم بنفقات ومبرات وصلات ودفع معرات (2) .
  (3) 160 ـ قال (عليه السلام) : ودخل رجل على محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) وهو مسرور ، فقال : ما لي أراك مسرورا ؟ قال : يا بن رسول الله ، سمعت أباك يقول : أحق يوم بأن يسر العبد فيه يوم يرزقه الله صدقات ومبرات وسد خلات من إخوان له مؤمنين ، وإنه قصدني اليوم عشرة من إخواني ـ المؤمنين ـ الفقراء لهم عيالات ، قصدوني من بلد كذا وكذا ، فأعطيت كل واحد منهم (4) فلهذا سروري .
  فقال محمد بن علي (عليهما السلام) : لعمري إنك حقيق بأن تسر إن لم تكن أحبطته أو لم تحبطه فيما بعد .

--------------------
(1) كررها في البحار ، ق ، د ، ثلاثا .
(2) ( مضرات ) أ ، والمعرة : المساءة والاذى والغرم والشدة .
(3) اضافة للبحار والبرهان المذكورين ، رواه في الاحتجاج : 2/ 236 باسناده عن الامام العسكرى (عليه السلام) ، عنه الوسائل : 11/ 470 ح 9 (قطعة) والبحار : 22/ 330 ح 39 (قطعة) .
(4) ( منهم (بكذا) كذا ) ب ، س ، ص ، ق ، د . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 316 _
  فقال الرجل : وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلص ؟ قال : هاه (1) قد أبطلت برك باخوانك وصدقاتك .
  قال : وكيف ذاك يا بن رسول الله ؟ قال له محمد بن علي (عليهما السلام) : اقرأ قول الله عزوجل : (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) (2) .
  قال الرجل : يا بن رسول الله ما مننت على القوم الذين تصدقت عليهم ولا آذيتهم ! قال له محمد بن علي (عليهما السلام) : إن الله عزوجل إنما قال : (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) ولمن يقل لا تبطلوا بالمن على من تتصدقون عليه ، ـ وبالاذى لمن تتصدقون عليه ـ وهو كل أذى ، أفترى أذاك للقوم الذين تصدقت عليهم أعظم ، أم أذاك لحفظتك وملائكة الله المقربين حواليك ، أم أذاك لنا ؟ فقال الرجل : بل هذا يا بن رسول الله.
  فقال : فقد آذيتني وآذيتهم وأبطلت صدقتك .
  قال : لماذا ؟ قال : لقولك ( وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلص ) ويحك ، أتدري من شيعتنا الخلص ؟ ـ قال : لا .
  قال : شيعتنا الخلص ـ حزقيل (3) المؤمن ، مؤمن آل فرعون ، وصاحب يس الذي قال الله تعالى ـ فيه ـ : (وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى) (4) وسلمان وأبوذر والمقداد وعمار ، أسويت نفسك بهؤلاء ؟ أما آذيت بهذا الملائكة ، وآذيتنا .
  فقال الرجل : أستغفر الله وأتوب إليه، فكيف أقول ؟

--------------------
(1) هه : كلمة تذكر ، وتكون بمعنى التحذير أيضا ، فاذا مددتها وقلت : هاه كانت وعيدا في حال ، وحكاية لضحك الضاحك في حال ، (لسان العرب : 13/ 551) .
(2) سورة البقرة : 264 .
(3) ( حزبيل ) س ، ص .
(4) سورة يس : 20 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 317 _
  قال : قل : أنا من مواليكم ومحبيكم ، ومعادي أعدائكم ، وموالي أوليائكم .
  فقال : كذلك أقول ، وكذلك أنا يابن رسول الله، وقد تبت من القول الذي أنكرته ، وأنكرته الملائكة ، فما أنكرتم ذلك إلا لانكار الله عزوجل .
  فقال محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) : الآن قد عادت إليك مثوبات صدقاتك وزال عنها الاحباط .
  (1) 161 ـ قال أبويعقوب يوسف بن زياد وعلي بن سيار (رض) :حضرنا ليلة على غرفة الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) وقد كان ملك الزمان له معظما ، وحاشيته له مبجلين ، إذ مر علينا والي البلد ـ والي الجسرين ـ ومعه رجل مكتوف ، والحسن ابن علي (عليهما السلام) مشرف من روزنته (2) .
  فلما رآه الوالي ترجل عن دابته إجلالا له .
  فقال الحسن بن علي (عليهما السلام) : عد إلى موضعك .
  فعاد ، وهو معظم له ، وقال : يابن رسول الله، أخذت هذا ، في هذه الليلة ، على باب حانوت صيرفي ، فاتهمته بأنه يريد نقبه (3) والسرقة منه .
  فقبضت عليه ، فلما هممت أن أضربه خمسمائة ـ سوط ـ ـ وهذا سبيلي فيمن أتهمه ممن آخذه ـ (4) ليكون قد شقى (5) ببعض ذنوبه قبل أن يأتيني ـ ويسألني فيه ـ من لا أطيق مدافعته .
  فقال لي : اتق الله ولا تتعرض لسخط الله، فاني من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعة هذا الامام ـ أبي ـ القائم بأمر الله (6) (عليه السلام) .

--------------------
(1) عنه البحار والبرهان المتقدمين .
(2) هى الكوة النافذة ، معربة .
(3) ( أن ينقبه ) أ ، نقب الحائط : خرقه .
(4) زاد في البحار : ( لئلا يسألنى فيه من لا أطيق مدافعته ) .
(5) كذا في خ ل والبحار والبرهان ، وفى ( أ ) ينقى ، وفى الاخرى وق ، د : سعى .
(6) ( الامة ) ب ، س ، ط ، ق ، د . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 318_
  فكففت عنه ، وقلت : أنا مار بك عليه ، فان عرفك بالتشيع أطلقت عنك ، وإلا قطعت يدك ورجلك ، بعد أن أجلدك ألف سوط .
  وقد جئتك ـ به ـ يا بن رسول الله فهل هو من شيعة على (عليه السلام) كما ادعى ؟ فقال الحسن بن علي (عليهما السلام) : معاذ الله، ما هذا من شيعة علي (عليه السلام) ، وإنما ابتلاه الله في يدك ، لاعتقاده في نفسه أنه من شيعة علي (عليه السلام) فقال الوالي : الآن كفيتني مؤونته ، الآن (1) أضربه خمسمائة ـ ضربة ـ لا حرج علي فيها .
  فلما نحاه بعيدا ، قال : ابطحوه ، فبطحوه وأقام عليه جلادين ، واحدا عن يمينه ، وآخر عن شماله ، وقال : أوجعاه .
  فأهويا إليه بعصيهما (2) فكانا لا يصيبان إسته شيئا إنما يصيبان الارض.
  فضجر من ذلك ، وقال : ويلكما تضربان الارض ؟ اضربا إسته .
  ـ فذهبا يضربان إسته ـ فعدلت أيديهما (3) فجعلا يضرب بعضهما بعضا ويصيح ويتأوه .
  فقال : ويحكما ، أمجنونان أنتما يضرب بعضكما بعضا ؟! اضربا الرجل .
  فقالا : ما نضرب إلا الرجل ، وما نقصد سواه ، ولكن تعدل أيدينا حتى يضرب بعضنا بعضا .
  قال : فقال : يا فلان ويا فلان حتى دعا أربعة وصاروا مع الاولين ستة ، وقال : أحيطوا به ، فأحاطوا به ، فكان يعدل بأيديهم ، وترفع عصيهم إلى فوق ، فكانت لا تقع إلا بالوالي فسقط عن دابته ، وقال : قتلتموني ، قتلكم الله، ما هذا ؟! فقالوا : ما ضربنا إلا إياه ! ثم قال لغيرهم : تعالوا فاضربوا هذا .
  فجاؤا ، فضربوه بعد فقال : ويلكم إياي تضربون ؟! فقالوا : لا والله، ما (4) نضرب إلا الرجل !

--------------------
(1) ( أن ) ب ، ط .
(2) ( بقضيبهما ) أ .
(3) ( أيديهم ) أ ، والبرهان ، وكذا .
(4) ( لا ) أ ، ب ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 319 _
  قال الوالي : فمن أين لي هذه الشجات (1) برأسي ووجهي وبدني ، إن لم تكونوا تضربوني ؟! فقالوا : شلت أيماننا إن كنا ـ قد ـ قصدناك بضرب .
  فقال الرجل للوالي : يا عبدالله أما تعتبر بهذه الالطاف التي بها يصرف عني هذا الضرب ، ويلك ردني إلى الامام ، وامتثل فيأمره .
  قال : فرده الوالي بعد ـ إلى ـ بين يدي الحسن بن علي (عليهما السلام) .
  فقال : يابن رسول الله، عجبنا (2) لهذا ، أنكرت أن يكون من شيعتكم ومن لم يكن من شيعتكم ، فهو من شيعة إبليس ، وهو في النار ، وقد رأيت له من المعجزات ما لا يكون إلا للانبياء .
  فقال الحسن بن علي (عليهما السلام) : قل : أو للاوصياء .
  ـ فقال : أو للاوصياء ـ .
  فقال الحسن بن على (عليهما السلام) للوالي : يا عبدالله إنه كذب في دعواه ـ أنه من شيعتنا ـ كذبة لو عرفها ثم تعمدها لابتلى بجميع عذابك له ، ولبقي في المطبق ثلاثين سنة ، ولكن الله تعالى رحمه لاطلاق كلمة على ما عنى (3) لا على تعمد كذب وأنت يا عبدالله ، فاعلم أن الله عزوجل قد خلصه من يديك ، خل عنه فانه من موالينا ومحبينا ، وليس من شيعتنا .
  فقال الوالي : ماكان هذا كله عندنا إلا سواء ، فما الفرق ؟ قال له الامام (عليه السلام) : الفرق أن شيعتنا هم الذين يتبعون آثارنا ، ويطيعونا في جميع أوامرنا ونواهينا ، فاولئك ـ من ـ شيعتنا .
  فأما من خالفنا في كثير مما فرضه الله عليه فليسوا من شيعتنا .
  قال الامام (عليه السلام) للوالي : وأنت قد (4) كذبت كذبة لو تعمدتها وكذبتها لابتلاك الله عزوجل بضرب ألف سوط ، وسجن ثلاثين سنة في المطبق .
  قال : وما هي يابن رسول الله ؟

--------------------
(1) أى الجراحات ، وهى في الرأس خاصة .
(2) ( عجبا ) أ ، والبرهان .
(3) ( كلمته على عنى أ)، عنى بما قاله كذا : أراده وقصده .
(4) ( تب فقد ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 320 _
  قال : بزعمك (1) أنك رأيت له معجزات ، إن المعجزات ليست له إنما هي لنا أظهرها الله تعالى فيه أبانة لحجتنا (2) وإيضاحا لجلالتنا وشرفنا ، ولو قلت : شاهدت فيه معجزات ، لم أنكره عليك ، أليس إحياء عيسى (عليه السلام) الميت معجزة ؟ أهي للميت أم لعيسى ؟ أو ليس خلق من الطين كهيئة الطير فصار طيرا باذن الله ـ معجزة ـ أهي للطائر أو لعيسى ؟ أو ليس الذين جعلوا قردة خاسئين معجزة ، أهي (3) للقردة ؟ أو لنبي ذلك الزمان ؟ فقال الوالي : أستغفر الله ـ ربي ـ وأتوب إليه .
  ثم قال الحسن بن على (عليهما السلام) للرجل الذي قال إنه من شيعة علي (عليه السلام) يا عبدالله لست من شيعة علي (عليه السلام) ، إنما أنت من محبيه ، وإنما شيعة علي (عليه السلام) الذين قال عزوجل فيهم : (والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) .
  هم الذين آمنوا بالله ووصفوه بصفاته ، ونزهوه عن خلاف صفاته ، وصدقوا محمدا في أقواله ، وصوبوه في كل أفعاله ، ورأوا عليا بعده سيدا إماما ، وقرما (4) هماما لا يعدله من امة محمد أحد ، ولا كلهم إذا اجتمعوا في كفة يوزنون بوزنه ، بل يرجح عليهم كما ترجح السماء والارض على الذرة .
  وشيعة علي (عليه السلام) هم الذين لا يبالون في سبيل الله أوقع الموت عليهم ، أو وقعوا على الموت .
  وشيعة علي (عليه السلام) هم الذين يؤثرون إخوانهم على أنفسهم ، ولو كان بهم خصاصة وهم الذين لا يراهم الله حيث نهاهم ، ولا يفقدهم من حيث أمرهم .
  وشيعة علي (عليه السلام) هم الذين يقتدون بعلي في إكرام إخوانهم المؤمنين .

--------------------
(1) ( زعمت ) البرهان .
(2) ( لحجبنا ) س ، ص ، ق ، د ، والبرهان .
(3) ( أفهى معجزة ) ص ، ط ، ق ، د .
(4) القرم : العظيم ، السيد . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 321 _
  ما عن قولي أقول لك هذا ، بل أقوله عن قول محمد (صلى الله عليه وآله) ، فذلك قوله تعالى : (وعملوا الصالحات) قضوا الفرائض كلها ، بعد التوحيد واعتقاد النبوة والامامة وأعظمها ـ فرضا ـ (1) : قضاء حقوق الاخوان في الله، واستعمال التقية من أعداء الله عزوجل (2) ـ في وجوب الاهتمام بالتقية وقضاء حقوق المؤمنين : ـ
  162 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : مثل مؤمن لا تقية له كمثل جسد لا رأس له ، ومثل مؤمن لا يرعى حقوق إخوانه المؤمنين ، كمثل من حواسه كلها صحيحة فهو لا يتأمل بعقله ، ولا يبصر بعينه ، ولا يسمع باذنه ، ولا يعبر بلسانه عن حاجته ، ولا يدفع المكاره عن نفسه بالادلاء بحججه (3) ولا يبطش لشئ بيديه ، ولا ينهض إلي شئ برجليه ، فذلك قطعة لحم قد فاتته المنافع ، وصار غرضا لكل المكاره ، فكذلك المؤمن إذا جهل حقوق إخوانه ، فاته ثواب (4) حقوقهم ، فكان كالعطشان بحضرة الماء البارد فلم يشرب حتى طفى (5) وبمنزلة ذي الحواس لم يستعمل شيئا منها لدفاع مكروه ، ولا لانتفاع محبوب ، فاذا هو سليب كل نعمة ، مبتلى بكل آفة (6).
  163 ـ وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : التقية من أفضل أعمال المؤمن ، يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين .


--------------------
(1) ( فرضان ) الوسائل ، والبرهان .
(2) اضافة للبحار والبرهان المذكورين ، عنه الوسائل : 11 \ 483 ح 1 (قطعة) .
(3) ( باداء الحجة ) أ .
(4) ( فانه يفوت ) س ، ص ، ط ، ق ، د ،( فانه يفوت ثواب ) الوسائل .
(5) ( طفئ عطشه ) أ ، طفى : مات .
(6) عنه الوسائل : 11/ 473 ح 2 ، والبحار : 75/ 414 صدر ح 68 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 94 باب 105 ح 19 ، وأورده في جامع الاخبار : 110 فصل 53 مرسلا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، عنه البحار : 74/ 229 صدر ح 25 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 322 _
  وقضاء حقوق الاخوان أشرف أعمال المتقين ، يستجلب مودة الملائكة المقربين وشوق الحور العين (1).
  164 ـ وقال الحسن بن على (عليهما السلام) : إن التقية يصلح الله بها امة ، لصاحبها مثل ثواب أعمالهم ، وإن تركها ربما أهلك امة ، وتاركها شريك من أهلكهم .
  وإن معرفة حقوق الاخوان تحبب إلى الرحمن ، وتعظم الزلفى لدى الملك الديان ، وإن ترك قضاءها يمقت إلى الرحمن ، ويصغر الرتبة عند الكريم المنان (2).
  165 ـ وقال الحسين على (عليهما السلام) : لو لا التقية ما عرف ولينا من عدونا ولولا معرفة حقوق الاخوان ما عرف من السيئات شئ إلا عوقب على جميعها ، لكن الله عزوجل يقول : (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) (3).
  166 ـ وقال على بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) : يغفر الله للمؤمن كل ذنب ويطهره منه في الدنيا والآخرة ما خلا ذنبين : ترك التقية ، وتضييع حقوق الاخوان (4) .
  167 ـ وقال محمد بن على (عليهما السلام) : أشرف أخلاق الائمة والفاضلين من شيعتنا استعمال التقية ، وأخذ النفس بحقوق (5) الاخوان (6) .

--------------------
(1) عنه الوسائل : 11/ 473 ح 2 ، والبحار : 75/ 414 ضمن ح 68 ، اضافة لجامع الاخبار المتقدم .
(2) عنه الوسائل : 11/ 473 ح 4 ، اضافة لما تقدم .
(3) عنه الوسائل : 11/ 473 ح 5 ، والبحار : 75/ 415 ضمن ح 68 ، اضافة لجامع الاخبار المتقدم ، والاية : 30 من سورة الشورى .
(4 و 6) عنه السوائل : 11/ 474 ح 6 وح 7 ، اضافة لما تقدم .
(5) ( لحقوق ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 323 _
  168 ـ وقال جعفر بن محمد (عليهما السلام) : استعمال التقية لصيانة الاخوان (1) ، فان كان هو يحمي الخائف (2) فهو من أشرف (خصال الكرم) (3) .
  والمعرفة بحقوق الاخوان من أفضل الصدقات والصلوات والزكاة والحج والمجاهدات (4) .
  169 ـ وقال موسى بن جعفر (عليهما السلام) : ـ وقد حضره فقير مؤمن يسأله سد فاقته فضحك في وجهه ، وقال : أسألك مسألة ، فان أصبتها أعطيتك عشرة أضعاف ماطلبت ، وإن لم تصبها أعطيتك ما طلبت ـ وقد كان طلب منه مائة درهم يجعلها في بضاعة يتعيش بها ـ فقال الرجل : سل .
  فقال موسى (عليه السلام) : لو جعل إليك التمني لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمنى ؟ قال : كنت أتمنى أن ارزق التقية في ديني ، وقضاء حقوق إخواني .
  قال : فما بالك لم تسأل الولاية لنا أهل البيت ؟ قال : ذاك قد اعطيته ، وهذا لم اعطه ، فأنا أشكر على ما اعطيت ، وأسأل ربي عزوجل مامنعت .
  فقال : أحسنت ، أعطوه ألفي درهم (5) ، وقال : اصرفها في كذا ـ يعني العفص ـ (6) فانه متاع يابسن وسيقبل (7) ـ بعد ـ ما أدبر ، فانتظر به سنة، وأختلف إلى دارنا وخذ الاجراء في كل يوم .
ففعل ، فلما تمت له سنة ، فاذا (8) قد زاد في ثمن العفص للواحد

--------------------
(1) ( الدين والاخوان ) البحار .
(2) ( الجانب ) البحار .
(3) ( الكرام ) ب ، وجامع الاخبار .
(4) عنه الوسائل : 11/ 474 ح 8 ، اضافة لما تقدم .
(5) وهذا يدلل على مدى كرمهم (عليهم السلام) ومساعدتهم للمحتاجين ، وأيضا على اعجابه بالجواب .
(6) هو حمل شجرة البلوط ، وهو دواء قابض مجفف ، يديغ به ويتخذ منه الحبر ، وهو مولد ليس من كلام أهل البادية ، يقال له بالفارسية : مازو .
(7) ( بائر ويستقبل ) س ، ص ، ط ، بارت السلعة : كسدت ، ويابس كناية على أنه غير سريع التلف .
(8) ( اذ ) ب ، س ، ص ، ط ، والبحار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 324 _
  خمسة عشر ، فباع ما كان اشترى بألفي درهم بثلاثين ألف درهم (1) .
  170 ـ وكان على بن موسى (عليهما السلام) بين يديه فرس صعب ، وهناك راضة (2) لا يجسر أحد منهم أن يركبه ، وإن ركبه لم يجسر أن يسيره مخافة أن يشب (3) به ، فيرميه ويدوسه بحافره ، وكان هناك صبي ابن سبع سنين ، فقال : يا بن رسول الله أتأذن لي أن أركبه واسيره واذلله ؟ قال : أنت؟ ! قال : نعم .
  قال : لماذا ؟ قال : لاني قد استوثقت منه قبل أن أركبه بأن صليت على محمد وآله الطيبين الطاهرين مائة ـ مرة ـ ، وجددت على نفسي الولاية لكم أهل البيت .
  قال : اركبه ، فركبه ، فقال : سيره ، فسيره .
  وما زال يسيره ويعديه حتى أتعبه وكده ، فنادى الفرس : يا بن رسول الله قد آلمني منذ اليوم ، فاعفني منه ، وإلا فصبرني تحته .
  ـ ف ـ قال الصبي : سل ما هو خير لك ( أن يصبرك تحت مؤمن ) .
  قال الرضا (عليه السلام) : صدق ـ فقال : ـ اللهم صبره .
   فلان الفرس وسار ، فلما نزل الصبي قال : سل من دواب داري وعبيدها وجواربها ومن أموال خزائني ما شئت فانك مؤمن قد شهرك الله تعالى بالايمان في الدنيا .
  قال الصبي : يابن رسول الله ـ صلى الله عليك وآلك ـ وأسأل ما أقترح ؟ قال : يافتى اقترح ، فان الله تعالى يوفقك لاقتراح الصواب .
  فقال : سل لي ربك التقية الحسنة ، والمعرفة بحقوق الاخوان ، والعمل بما أعرف من ذلك .

--------------------
(1) عنه الوسائل : 11/ 474 ح 9 (قطعة) وج 12/ 312 ح 3 باختصار ، والبحار : 75/ 415 ضمن ح 68 ، وحلية الابرار : 2/ 259 ، ومدينة المعاجز : 470 ح 129 .
(2) راض المهر : ذلله وطوعه وعلمه السير ، فهو رائض ، وجمعه راضة ، ورواض ، وروض ، ورائضون .
(3) شب الفرس : رفع يديه . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 325 _
  قال الرضا (عليه السلام) : قد أعطاك الله ذلك ، لقد سألت أفضل شعار الصالحين ودثارهم (1) .
  171 ـ وقيل لمحمد بن على (عليهما السلام) : إن فلانا نقب في جواره على قوم ، فأخذوه بالتهمة ، وضربوه خمسمائة (2) سوط .
  قال محمد بن علي (عليهما السلام) : ذلك أسهل من مائة ألف ألف سوط في النار ، ـ نبه ـ على التوبة حتى يكفر ذلك .
  قيل : وكيف ذلك يابن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آلك ـ ؟ قال : إنه في غداة يومه الذي أصابه ما أصابه ضيع حق أخ مؤمن ، وجهر بشتم أبي الفصيل (3) وأبي الدواهي وأبي الشرور وأبي الملاهي ، وترك التقية ، ولم يستر على إخوانه ومخالطيه ، فاتهمهم عند المخالفين ، وعرضهم للعنهم وسبهم ومكروههم وتعرض هو أيضا ، فهم الذين سووا (4) عليه البلية ، وقذفوه بهذه التهمة .
  فوجهوا إليه وعرفوه ذنبه ليتوب ، ويتلافى ما فرط منه ، فان لم يفعل ، فليوطن نفسه على ضرب خمسمائة سوط ـ وحبس ـ في مطبق لا يفرق ـ فيه ـ بين الليل والنهار .
  فوجه إليه ، فتاب وقضى حق الاخ الذي كان قد قصر فيه ، فما فرغ من ذلك حتى عثر باللص ، واخذ منه المال ، وخلى عنه ، وجاءه الوشاة يعتذرون إليه (5) .
  172 ـ وقيل لعلى بن محمد (عليهما السلام) : من أكمل الناس ـ في ـ خصال الخير ؟ قال : أعملهم بالتقية ، وأقضاهم لحقوق إخوانه (6) .

--------------------
(1) عنه الوسائل : 11/ 474 ح 10 (قطعة) والبحار : 75/ 416 ضمن ح 68 ، ومدينة المعاجز : 487 ح 79 .
(2) ( مائة ) س ، ط ، ق ، د ، والوسائل .
(3) ( الفضيل ) بعض النسخ ، تقدم بيانه ص 178 .
(4) ( بهتوا ) أ ، ب ، ط ، البهت والبهتان : الكذب والافتراء .
(5) عنه الوسائل : 11/ 474 ح 11 (قطعة) والبحار : 75/ 416 ضمن ح 68 .
(6) عنه الوسائل : 11/ 475 ح 12 (وفيه : من أكمل الناس ؟) والبحار : 75/ 416 ذ ح 68 (*).