ومنهم قوم نصاب لايقدرون على القدح فينا ، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا ، وينتقصون ـ بنا ـ عند نصابنا
(1) ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الاكاذيب علينا التي نحن براء منها ، فيتقبله ـ المسلمون ـ المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوهم
(2) .
وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي (عليهما السلام) وأصحابه فانهم يسلبونهم الارواح والاموال ، وللمسلوبين عند الله أفضل الاحوال لما لحقهم من أعدائهم .
وهؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بأنهم لنا موالون ، ولاعدائنا معادون يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا ، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب .
ـ لا جرم ـ أن من علم الله من قلبه ـ من هؤلاء العوام ـ أنه لا يريد إلا صيانة دينه وتعظيم وليه ، لم يتركه في يد هذا الملبس الكافر .
ولكنه يقيض له مؤمنا يقف به على الصواب ، ثم يوفقه الله تعالى للقبول منه فيجمع له بذلك خير الدنيا والآخرة ، ويجمع على من أضله لعن الدنيا وعذاب الآخرة .
ثم قال : ـ قال ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله) : شرار علماء أمتنا المضلون عنا ، القاطعون للطرق إلينا ، المسمون أضدادنا بأسمائنا ، الملقبون أضدادنا
(3) بألقابنا ، يصلون عليهم وهم للعن مستحقون ، ويلعنوننا ونحن بكرامات الله مغمورون ، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا ـ عن صلواتهم علينا ـ مستغنون
(4) .
--------------------
(1) ( أنصارنا ) خ ل ، ط .
(2) ( وأضلوا ) ط ، والبحار ، والبرهان .
(3) ( أندادنا ) الاحتجاج والبحار : 2 ، ق ، د .
(4) عنه البحار : 9/ 318 ضمن ح 12 (قطعة) ، ج 70/ 168 ضمن ح 18 (قطعة) والبرهان :
1/ 117 ضمن ح 1 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 286 ح 8 ، وعنه الوسائل : 18/ 94 ح 20 < (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 303 _
144 ـ ثم ـ قال : ـ قيل لامير المؤمنين (عليه السلام) : من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى ؟ قال : العلماء إذا صلحوا .
قيل : فمن شر خلق الله بعد إبليس وفرعون ونمرود ، وبعد المتسمين (1) بأسمائكم والمتلقبين (2) بألقابكم ، والآخذين لامكنتكم ، والمتأمرين في ممالككم ؟ قال : العلماء إذا فسدوا ، هم المظهرون للاباطيل ، الكاتمون للحقائق ، وفيهم قال الله عزوجل : (اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا) الآية (3).
ثم قال الله عزوجل : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) الآية .
145 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الله عزوجل ـ هذا ـ لقوم من هؤلاء اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة النبي (4) (صلى الله عليه وآله) وهو خلاف صفته ، وقالوا للمستضعفين ـ منهم ـ : هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان : إنه طويل ، عظيم البدن والبطن ، أصهب (5) الشعر ، ومحمد (صلى الله عليه وآله) بخلافه ، وهو يجئ بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة .
وإنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رياستهم ، وتدوم لهم منهم إصابتهم (6)
--------------------
> والبحار : 2/ 86 ضمن ح 12 وعن الاحتجاج : 2/ 262 (وفيه تقدم تفسير الاية التالية ( فويل للذين يكتبون ... ) قبل حديث الامام الصادق (عليه السلام) ، فلاحظ) .
(1) ( المسمين ) أ ، ص .
(2) ( الملقبين ) أ .
(3) عنه البرهان : 1/ 118 ضمن ح 1 ، وص 171 ح 6 ، وعنه البحار : 2/ 89 ذ ح 12 ، وعن الاحتجاج : 2/ 264 ، والاية الاخيرة : 159 ـ 160 من سورة البقرة .
(4) ( محمد (صلى الله عليه وآله) ) ب ، ط ، الاحتجاج ، والبحار .
(5) الصهبة : احمرار الشعر .
(6) أصاب من الشئ : أخذ وتناول . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 304 _
ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ وخدمة علي (عليه السلام) ـ وأهل خاصته .
فقال الله تعالى : (فويل لهم مما كتبت أيديهم) من هذه الصفات المحرفات المخالفات لصفة (1) محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) ، الشدة لهم من العذاب في أسوأ بقاع جهنم (وويل لهم) الشدة (لهم من) (2) العذاب ثانية مضافة إلى الاولى (مما يكسبون) من الاموال التي يأخذونها إذا أثبتوا (3) عوامهم على الكفر بمحمد رسول الله، والجحد لوصيه : أخيه علي ولي الله (عليهما السلام) (4).
قوله عزوجل : ( وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النارهم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) : 80 ـ 82 .
146 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال الله عزوجل : (وقالوا) يعني اليهود ـ المصرون ـ (5) المظهرون للايمان ، المسرون للنفاق ، المدبرون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذويه بما يظنون أن فيه عطبهم (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) وذلك أنه كان لهم أصهار (6) وإخوه رضاع من المسلمين يسرون (7) كفرهم عن محمد (8) (صلى الله عليه وآله) وصحبه ، وإن كانوا به عارفين ، صيانة لهم لارحامهم وأصهارهم .
قال لهم هؤلاء : لم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط
--------------------
(1) ( لصفات ) أ ، ص .
(2) ( في ) أ .
(3) ثبت وأثبت : جعله ثابتا .
(4) عنه البحار : 9/ 318 ضمن ح 12 ، وج 70/ 168 ضمن ح 18 ، والبرهان : 1/ 119 ضمن ح 1 ، وعنه في البحار : 2/ 87 ضمن ح 1 وعن الاحتجاج : 2/ 262 .
(5) ( المقرون ) أ .
(6) الصهر : القرابة ، زوج الاخت أو الابنة .
(7) ( يسترون ) س ، د ، والبرهان .
(8) ( بمحمد ) أ ، والبحار : 8 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_305 _
عليكم معذبون ؟ أجابهم هؤلاء اليهود : بأن مدة ذلك العذاب (1) الذي نعذب به لهذه الذنوب (أياما معدودة) تنقضي ، ثم نصير بعد في النعمة في الجنان ، فلا نتعجل المكروه في الدنيا للعذاب الذي ـ هو ـ بقدر أيام ذنوبنا ، فانها تفنى وتنقضي ، ونكون قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة ولذات نعمة الدنيا ، ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد فانه إذا لم يكن دائما فكأنه قد فنى .
فقال الله عزوجل : (قل ـ يا محمد ـ أتخذتم عند الله عهدا) أن عذابكم على كفركم بمحمد ودفعكم لآياته في نفسه ، وفي علي وسائر خلفائه وأوليائه منقطع غير دائم ؟ بل ما هو إلا عذاب دائم لا نفاد له ، فلا تجتروا على الآثام والقبائح من الكفر بالله
وبرسوله وبوليه المنصوب بعده على امته ، ليسوسهم ويرعاهم سياسة الوالد الشفيق الرحيم ـ الكريم ـ لولده ، ورعاية الحدب (2) المشفق على خاصته (فلن يخلف الله عهده) فكذلك أنتم بما تدعون من فناء عذاب ذنوبكم هذه في حرز (أم تقولون على الله مالا تعلمون) اتخذتم عهدا ؟ أم تقولون؟ (3) بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون .
(4) ثم قال الله عزوجل ردا عليهم : (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) : 81 147 ـ قال الامام
(عليه السلام) : السيئة المحيطة به هي التي تخرجه عن جملة (5) دين الله وتنزعه عن ولاية الله وترميه في (6) سخط الله ـ و ـ هي الشرك بالله ، والكفر به ، والكفر بنبوة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والكفر بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) (7) كل واحد
--------------------
(1) ( العقاب ) أ
(2) أى العطوف ، وفى ( أ ) : الجد .
(3) ( تقولون جهلا ) البحار : 8 .
(4) عنه البحار : 8/ 300 ضمن ح 55 ، وج 9/ 319 ضمن ح 12 ، وج 70/ 169 ضمن ح 18 ،
والبرهان : 1/ 119 ضمن ج 1 .
(5) ( حمله ) س .
(6) ( لا تؤمنه ) ص ، ق ، د .
(7) زاد في البحار : 8 ( وخلفائه ) . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 306 _