سترا ، وأرادت التزويج به ، فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له ـ غيضا ـ ، وغبطاه عليها لايثارها إياه
(1) فعمدا إلى ابن عمهما المرضي ، فأخذاه إلى دعوتهما ، ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على أكثر قبيلة في بني إسرائيل ، فألقياه بين أظهرهم ليلا .
فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك ، فعرف حاله ، فجاء ابنا عمه القاتلان له ، فمزقا ـ ثيابهما ـ
(2) على أنفسهما ، وحثيا التراب على رؤوسهما ، واستعديا عليهم ، فأحضرهم موسى (عليه السلام) وسألهم ، فأنكروا أن يكونوا قتلوه ، أو علموا قاتله .
فقال : فحكم الله عزوجل على من فعل هذه الحادثه ما عرفتموه ، فالتزموه .
فقالوا : يا موسى أي نفع في أيماننا ـ لنا ـ
(3) إذا لم تدرأ عنا الغرامة الثقيلة ؟ أم أي نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرأ عنا الايمان ؟ فقال موسى (عليه السلام) : كل النفع في طاعة الله والايتمار لامره ، والانتهاء عما نهى عنه .
فقالوا : يا نبي الله غرم ثقيل ولا جناية لنا ، وأيمان غليظة ولا حق في رقابنا ـ لو ـ أن الله عرفنا قاتله بعينه ، وكفانا مؤنته ، فادع لنا ربك يبين لنا هذا القاتل لتنزل به ما يستحقه من العقاب ، وينكشف أمره لذوي الالباب .
فقال موسى (عليه السلام) : إن الله عزوجل قد بين ما أحكم به في هذا ، فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم ، ولا أعترض عليه فيما أمر .
ألا ترون أنه لما حرم
(4) العمل في يوم السبت ، وحرم لحم الجمل لم يكن لنا
--------------------
(1) ( من اثرتها اياه ) أ ، س ، ص ، ق ، ( من آثرته ) ب ، ط ، د ، وما في المتن كما في البحار .
(2) من البرهان .
(3) من البحار ، ق .
(4) لقد أشبعنا موضوع تحريم العمل يوم السبت ، وتحريم لحم الجمل ، دراسة وبحثا وتحليلا في كتابنا ( المدخل إلى التفسير الموضوعى للقرآن الكريم حسب التسلسل الطبيعى للموضوع ) ج 1/ 36 وج 2/ 164 ـ 172 فراجع .
ففيه تجد ابطال ما قالته اليهود ـ كما عن التوراة المحرفة ـ من أنه تعالى أصابه اعياء ولغوب ، فراح يستريح من عمله يوم السبت ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وانما جعل < (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)_ 276 _
أن نقترح عليه أن يغير ماحكم به علينا من ذلك ، بل علينا أن نسلم له حكمه ، ونلتزم ما ألزمنا ، وهم بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثهم فأوحى الله عزوجل إليه : يا موسى أجبهم إلى ما اقترحوا ، وسلني أن ابين لهم القاتل ليقتل ، ويسلم غيره من التهمة والغرامة ، فاني إنما اريد باجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار امتك ، دينه الصلاة على محمد وآله الطيبين ، والتفضيل لمحمد (صلى الله عليه وآله) وعلي بعده على سائر البرايا ، اغنية في الدنيا في هذه القضية ، ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد وآله .
فقال موسى : يا رب بين لنا قاتله .
فأوحى الله تعالى إليه : قل لبني إسرائيل إن الله يبين لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة ، فتضربوا ببعضها المقتول فيحيى فتسلمون لرب العالمين ذلك ، وإلا فكفوا عن المسألة ، والتزموا ظاهر حكمي .
فذلك ما حكى الله عزوجل : (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم ـ أي سيأمركم ـ أن تذبحوا بقرة) إن أردتم الوقوف على القاتل ، وتضربوا المقتول ببعضها ليحيى ويخبر بالقاتل (قالوا ـ يا موسى ـ أتتخذنا هزوا) ـ و ـ سخرية ؟ تزعم أن الله يأمرنا أن نذبح بقرة ، ونأخذ قطعة من ميت ، ونضرب بها ميتا ، فيحيى أحد الميتين بملاقات بعض الميت الآخر
--------------------
> التحريم من الله على الذين اختلفوا فيه ـ وقال لا تعدوا في السبت ـ لبغيهم على الله وافترائهم بالتحريم على أنفسهم ابتداء ، فأجابهم الله ابتلاء ـ ثم أخذهم بما اعتدوا في السبت ـ وهكذا في تحريم الطيبات ، والحاصل أن كليهما كان حلالا من الله، فحرموه على أنفسهم بغيا ، ثم حرمه الله عليهم لبغيهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، فراجع البحث بطوله . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 277 _
ـ له ـ ، فكيف يكون هذا ؟ (قال ـ موسى ـ أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) أنسب إلى الله تعالى مالم يقل لي ، وأن أكون من الجاهلين ، اعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت ، دافعا لقول الله عزوجل وأمره .
ثم قال موسى (عليه السلام) : أو ليس ماء الرجل نطفة ميتة (1) ، وماء المرأة كذلك ، ميتان يلتقيان فيحدث الله تعالى من التقاء الميتين بشرا حيا سويا ؟ أو ليس بذوركم (2) التي تزرعونها في أرضيكم تتفسخ وتتعفن وهي ميتة ، ثم يخرج الله منها هذه السنابل الحسنة البهيجة وهذه الاشجار الباسقة المونقة ؟ فلما بهرهم موسى (عليه السلام) قالوا له : يا موسى (ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) ـ أي ـ ما صفتها لنقف عليها .
فسأل موسى ربه عزوجل ، فقال : (إنها بقرة لا فارض) كبيرة (ولا بكر) صغيرة ـ لم تغبط ـ (3) (عوان) وسط (بين ذلك) بين الفارض والبكر (فافعلوا ما تؤمرون) إذا امرتم به .
(قالوا ـ يا موسى ـ ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها) أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها .
--------------------
(1) أى الظاهر في عصرهم ، والا ففي الحقيقة وعصر العلم هى ذرات حية كشف عنها العلم الحاضر ويمكن مشاهدتها بالمجهر ، وقد أشار اليها عزوجل في قوله : ( خلق الانسان من نطفة ) النحل : 4 .
(2) ( زروعكم ) أ .
(3) ليس في البحار ، وفي ب ، وخ ل البرهان ( تفرض ) بدل تغبط ، يقال : غبط الشاة اذا لمس منها الموضع الذى يعرف به سمنها من هزالها (النهاية : 3/ 341) ، والظاهر أنه كناية عن حداثة سنها وعدم انتقالها من شخص لاخر خلال عمليات بيع وشراء ، وفرضت البقرة : طعنت في السن . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 278 _
قال ـ موسى ـ ـ عن الله بعد السؤال والجواب ـ (إنها بقرة صفراء فاقع) حسن الصفرة (1) ليس بناقص يضرب إلى البياض ، ولا بمشبع يضرب إلى السواد (لونها) هكذا فاقع (تسر ـ البقرة ـ الناظرين) إليها لبهجتها وحسنها وبريقها .
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) ما صفتها ؟ ـ يزيد في صفتها ـ .
(قال ـ عن الله تعالى ـ إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الارض) لم تذلل لاثارة الارض (2) ولم ترض (3) بها (ولا تسقي الحرث) ولا هي مما تجر الدلاء ، ولا تدير النواعير قد أعفيت من ذلك أجمع (مسلمة) من العيوب كلها ، لا عيب فيها (لاشية فيها) لا لون فيها من غيرها .
فلما سمعوا هذه الصفات قالوا : يا موسى ـ أ ـ (4) فقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها ؟ قال : بلى .
ولم يقل موسى في الابتداء (إن الله قد أمركم) لانه لو قال : إن الله أمركم (5) لكانوا إذا قالوا : ادع لنا ربك يبين لنا ماهي وما لونها ـ وما هي ـ كان لا يحتاج أن يسأله ـ ذلك ـ عزوجل ، ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول : أمركم ببقرة ، فأي شئ وقع عليه اسم بقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها .
--------------------
(1) ( حسنة لون الصفراء ) أ .
(2) أثاروا الارض: أى قلبوها للزراعة وعمروها بالفلاحة .
(3) ( تربص ) خ ل ، ابل رضارض : راتعة ، كانها ترض العشب ، والرض : دق الشئ ،
وتربص بالمكان : لبث .
(4) من البحار ، ق ، د .
(5) ( يأمركم ) البحار ، قال المجلسى (ره) : حاصله أنه (عليه السلام) حمل قوله تعالى ( ان الله يأمركم ) على حقيقة الاستقبال ، ولذا فسره بقوله سيأمركم ، فوعدهم أولا بالامر ، ثم بعد سؤالهم وتعيين البقرة أمرهم ، ولو قال موسى أولا بصيغة الماضى أمركم أن تذبحوا لتعلق الامر بالحقيقة ، وكان يكفى أى بقرة كانت... أقول : للشريف المرتضى مجلس في تأويل هذه الاية ، راجع أماليه : 2/ 36 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 279 _
قال : فلما استقر (1) الامر عليهم ، طلبوا هذه البقرة فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل أراه الله عزوجل في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما ، فقالا له : إنك كنت لنا ـ وليا ـ محبا ومفضلا ، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا ، فاذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر امك ، فان الله عزوجل يلقنها ما يغنيك به وعقبك .
ففرح الغلام ، وجاءه القوم يطلبون بقرته ، فقالوا : بكم تبيع بقرتك هذه ؟ قال : بدينارين ، والخيار لامي .
قالوا : قد رضينا ـ بدينار ـ ، فسألها ، فقالت : بأربعة .
فأخبرهم فقالوا : نعطيك دينارين ، فأخبر امه ، فقالت : بثمانية ، (2) فما زالوا يطلبون على النصف ، مما تقول امه ، ويرجع إلى امه ، فتضعف الثمن حتى بلغ ثمنها ملء مسك (3) ثور أكبر ما يكون ملؤه (4) دنانير ، فأوجب لهم البيع .
ثم ذبحوها ، وأخذوا قطعة وهي عجز (5) الذنب الذي منه خلق ابن آدم ، وعليه يركب إذا اعيد خلقا جديدا ، فضربوه بها ، وقالوا : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت ، وأنطقته ليخبرنا عن قاتله .
فقام سالما سويا وقال : ـ يا نبي الله ـ قتلني هذان ابنا عمي ، حسداني على بنت عمي فقتلاني ، وألقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي ـ منهم ـ .
فأخذ موسى (عليه السلام) الرجلين فقتلهما ، وكان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي ، فقالوا : يا نبي الله أين ما وعدتنا عن الله عزوجل ؟ فقال موسى (عليه السلام) : ـ قد ـ صدقت ، وذلك إلى الله عزوجل .
--------------------
(1) أى : ثبت عليهم .
(2) ( بمائة ) س ، ق ، د والبحار .
(3) أى جلد .
(4) كذا في البحار ، وفى الاصل : ملاء ، وليس في التأويل .
(5) ( عجب ) البحار ، وهو أصل الذنب عند رأس العصعص . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 280 _
فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى إني لا اخلف وعدي ، ولكن ليقدموا للفتى ثمن بقرته ملء مسكها دنانير ثم احيي هذا .
فجمعوا أموالهم ، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما ملئ به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار .
فقال بعض بني إسرائيل لموسى (عليه السلام) ـ وذلك بحضرة
(1) المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة ـ: لا ندري أيهما أعجب : إحياء الله هذا وإنطاقه بما نطق
(2) أو اغناؤه لهذا الفتى بهذا المال العظيم ! فأوحى الله إليه : يا موسى قل لبني إسرائيل : من أحب منكم أن اطيب في الدنيا
(3) عيشه ، واعظم في جناني محله ، وأجعل لمحمد وآله الطيبين فيها منادمته ، فليفعل كما فعل هذا الفتى ، إنه كان قد سمع من موسى بن عمران (عليه السلام) ذكر محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي وآلهما الطيبين ، فكان عليهم مصليا ، ولهم على جميع الخلائق من الجن والانس والملائكة مفضلا ، فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم ليتنعم
(4) بالطيبات ويتكرم بالهبات والصلاة ، ويتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات ، ويكبت
(5) بنفقاته ذوي العداوات .
قال الفتى : يا نبي الله كيف أحفظ هذه الاموال ؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها، وحسد من يحسدني لاجلها ؟ قال : قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها ، فان الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا (بهذا القول مع صحة الاعتقاد)
(6) .
--------------------
(1) ( بمحضر ) أ ، المحضر : المشهد .
(2) ( قال لبني اسرائيل ) أ .
(3) ( دنياه ) أ ، والبرهان .
(4) ( لينتفع ) ب ، ط ، د .
(5) ( يكب ) ب ، ط ، كبته كبتا : أذله ، أهانه ، وكب الرجل : صرعه .
(6) ( ويدفع عنك ) البرهان . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 281 _
فقالها الفتى فما رامها حاسد ـ له ـ ليفسدها ، أو لص ليسرقها ، أو غاصب ليغصبها ، إلا دفعه الله عزوجل عنها بلطف من ألطافه (1) حتى يمتنع من ظلمه اختيارا أو منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه ، فيكف أضطرارا .
ـ قال (عليه السلام) : ـ فلما قال موسى (عليه السلام) للفتى ذلك وصار الله عزوجل له - لمقالته ـ حافظا ، قال هذا المنشور : اللهم إني أسألك بما سألك به هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين والتوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا بابنة عمي وتجزي (2) عني أعدائي وحسادي ، وترزقني فيها ـ خيرا ـ (3) كثيرا طيبا .
فأوحى الله إليه : يا موسى إنه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستون سنة ، وقد وهبت له بمسألته وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه ، ثابت فيها جنانه (4) ، قوية فيها شهواته ، يتمتع بحلال هذه الدنيا ويعيش ولا يفارقها ولا تفارقه ، فاذا حان (5) حينه ـ حان حينها ـ وماتا جميعا ـ معا ـ فصارا إلى جناني ، وكانا زوجين فيها ناعمين .
ولو سألني ـ يا موسى ـ هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد ، وأقنعه بما رزقته ـ وذلك هو الملك العظيم ـ لفعلت .
ولو سألني بذلك مع التوبة من صنعه أن لا أفضحه لما فضحته ، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل ، ولاغنيت هذا الفتى من غير ـ هذا الوجه بقدر ـ هذا المال أوجده (6) .
--------------------
(1) ( بلطيفة من لطائفه ) أ ، ب ، س ، ط .
(2) ( تخزى ) البحار : 13 .
(3) من البحار ، وفى التأويل بلفظ : منها أولادا.
(4) الجنان ـ بفتح الجيم ـ : القلب .
(5) ( جاء ) أ ، الحين : الموت والهلاك ، وحان : قرب وقته .
(6) أوجد الله فلانا : أغناه وقواه ، وفى ( أ ) : الذى أوجده . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 282_
ولو سألني بعد ما افتضح ، وتاب إلى، وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن انسى الناس فعله ـ بعدما ألطف لاوليائه فيعفونه عن القصاص ـ لفعلت ، فكان لا يعيره بفعله أحد ولا يذكره فيهم ذاكر ، ولكن ذلك فضل (1) اوتيه من أشاء ، وأنا ذو الفضل العظيم وأعدل بالمنع على من أشاء ، وأنا العزيز الحكيم .
فلما ذبحوها قال الله تعالى : (فذبحوها وما كادوا يفعلون) فأرادوا أن لايفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ، ولكن اللجاج (2) حملهم على ذلك ، واتهامهم لموسى (عليه السلام) حدأهم (3) عليه .
ـ قال : ـ فضجوا إلى موسى (عليه السلام) وقالوا : فتقرت القبيلة ودفعت إلى التكفف وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا (4) فادع الله لنا بسعة الرزق .
فقال موسى (عليه السلام) : ويحكم ما أعمى قلوبكم ؟ أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة وما أورثه الله تعالى من الغنى ؟ أو ما سمعتم دعاء ـ الفتى ـ المقتول المنشور ، وما أثمر له من العمر الطويل والسعادة والتنعم والتمتع بحواسه وسائر بدنه وعقله ؟ لم لا تدعون الله تعالى بمثل دعائهما ، وتتوسلون إلى الله بمثل توسلهما (5) ليسد فاقتكم ، ويجبر كسركم ، ويسد خلتكم ؟ فقالوا : اللهم إليك التجأنا ، وعلى فضلك اعتمدنا ، فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم .
فأوحى الله إليه : ياموسى قل لهم : ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان ، ويكشفوا في موضع كذا ـ لموضع عينه ـ وجه أرضها قليلا ، ثم يستخرجوا ماهناك ، فانه عشرة آلاف ألف دينار ، ليردوا على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع ، لتعود
--------------------
(1) أى التوسل بمحمد (صلى الله عليه وآله) الطيبين ، وفى ( ب ، س ، ط ، ق ، د ، والبرهان ) فضلى .
(2) أى الالحاح .
(3) ( جرهم ) ب ، ط ، حدأ : لجأ .
(4) كناية عن الافلاس الذى أصابهم .
(5) ( وسيلتهما ) أ ، س ، ص ، ق ، د . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 283 _