السلام عليك يا رسول رب العالمين (1) وسيد الخلق أجمعين .
  ووضعها خدودهما على التراب ، ومرغاها (2) بين يديه ، وقالا : نحن كنا دعاة إليك ، بعثنا إليك هذا الراعي وأخبرناه بخبرك .
  فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المنافقين معه فقال : ما للكافرين عن هذا محيص ، ولا للمنافقين عن هذا موئل ولا معدل .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه واحدة ، قد علمتم صدق الراعي فيها ، أفتحبون (3) أن تعلموا صدقه في الثانية ؟ قالوا : بلى يا رسول الله.
  قال : أحيطوا بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ففعلوا ، ثم نادى رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أيها الذئبان إن هذا محمد ، قد أشرتما للقوم إليه وعينتما عليه ، فأشيرا وعينا (4) علي بن أبي طالب الذي ذكرتماه بما ذكرتماه .
   قال : فجاء الذئبان ، وتخللا القوم ، وجعلا يتأملان الوجوه والاقدام ، فكل من تأملاه أعرضا عنه ، حتى بلغا عليا (عليه السلام) فلما تأملاه مرغا في التراب أبدانهما ، ووضعا ـ على الارض ـ بين يديه خدودهما ، وقالا : السلام عليك يا حليف الندى (5) ، ومعدن النهى (6) ، ومحل الحجى (7) ـ وعالما ـ بما في الصحف الاولى ـ و ـ وصي المصطفى .
  السلام عليك يا من أسعد الله به محبيه ، وأشقى بعداوته شانئيه وجعله سيد آل محمد وذويه .
  السلام عليك يا من لو أحبه أهل الارض كما يحبه أهل السماء لصاروا خيار الاصفياء ، ويا من لو أحسن بأقل قليل من أنفق في سبيل الله ما بين العرش إلى الثرى

--------------------
(1) ( الله ) أ ، ( الله رب العالمين ) البحار .
(2) ( ومرغاهما ) أ .
(3) ( أتحبون ) ب ، ط .
(4) ( وأعينا على ) أ .
(5) أي ملازم الجود لا يفارقه كما لا يفارق الحليف صاحبه .
(6) أي العقل .
(7) أي العقل والفطنة . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 188 _

  لانقلب بأعظم الخزي والمقت من العلي الاعلى .
  قال : فعجب أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين كانوا معه ، وقالوا : يا رسول الله ما ظننا أن لعلي هذا المحل من السباع مع محله منك (1) .
  قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فكيف لو رأيتم محله من سائر الحيوانات المبثوثات في البر والبحر ، وفي السماوات والارض، والحجب والعرش والكرسي ، والله لقد رأيت من تواضع أملاك سدرة المنتهى لمثال علي المنصوب بحضرتهم ـ ليشيعوا (2) بالنظر إليه بدلا من النظر إلى علي كلما اشتاقوا إليه ـ ما يصغر (3) في جنبه تواضع هذين الذئبين .
  وكيف لا يتواضع الاملاك وغيرهم من العقلاء لعلي (عليه السلام) ؟ وهذا رب العزة قد آلى (على نفسه) (4) قسما حقا : لا يتواضع أحد لعلى (عليه السلام) قدر (5) شعرة إلا رفعه الله في علو الجنان (6) مسيرة مائة ألف سنة .
  وإن التواضع الذي تشاهدون ، يسير قليل في جنب هذه الجلالة والرفعة اللتين عنهما تخبرون (7) .
   (8)

--------------------
(1) ( عندك ) أ .
(2) ( ليشبعوا ) ب ، ص ، ط ، والبحار ، وشايعه شياعا وشيعه : تابعه .
(3) ( يصغى ) أ ، تقول : أصغى حقه : اذا نقصه .
(4) ( بنفسه ) أ .
(5) ( قيس ) س ، البحار .
(6) ( الجلال ) أ .
(7) ( تحيرون ) أ ، ( تجزون ) ص .
(8) عنه البحار : 7/ 274 ح 49 (قطعة) ، وج 17/ 321 ضمن ح 15 ، ومدينة المعاجز : 42 ، وأورد مثله في ثاقب المناقب : 39 (مخطوط) عن أبى سعيد الخدرى باختصار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 189 _
حديث حنين العود :

  ـ وفيه ما يدل على فضل على (عليه السلام) :
  88 ـ وأما حنين العود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يخطب بالمدينة إلى جذع نخلة في صحن مسجدها ، فقال له بعض أصحابه (1) :يا رسول الله إن الناس قد كثروا ، وأنهم يحبون النظر إليك إذا خطبت .
   فلو (2) أذنت ـ في ـ أن نعمل لك منبرا له مراق ترقاها فيراك الناس إذا الناس إذا خطبت .
   فأذن في ذلك ، فلما كان يوم الجمعة مر بالجذع ، فتجاوزه إلى المنبر فصعده ، فلما استوى عليه حن إليه ذلك الجذع حنين الثكلى ، وأن أنين الحبلى ، فارتفع بكاء الناس وحنينهم وأنينهم ، وارتفع حنين الجذع وأنينه في حنين الناس وأنينهم ارتفاعا بينا .
  فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك نزل عن المنبر ، وأتى الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده ، وقال : اسكن فما تجاوزك رسول الله (صلى الله عليه وآله) تهاونا بك ، ولا استخفافا بحرمتك ولكن ليتم لعباد الله مصلحتهم ، ولك جلالك وفضلك إذ كنت مستند محمد رسول الله.
   فهدأ حنينه وأنينه ، وعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منبره ، ثم قال : معاشر المسلمين هذا الجذع يحن إلى رسول رب العالمين ، ويحزن لبعده عنه وفي عباد الله ـ الظالمين أنفسهم ـ من لا يبالي : قرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو بعد ـ و ـ (3) لولا أني ما احتضنت هذا الجذع ، ومسحت يدي عليه ما هدأ حنينه ـ وأنينه ـ إلى يوم القيامة .
  وإن من عباد الله وإمائة لمن (4) يحن إلى محمد رسول الله وإلى علي ولي الله كحنين هذا الجذع ، وحسب المؤمن أن يكون قلبه على موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين ـ الطاهرين ـ منطويا ، أرأيتم شدة حنين هذا الجذع إلى محمد رسول الله ؟

--------------------
(1) ( أهله ) ب ، س ، ط
(2) ( فان ) ب ، ط .
(3) من البحار .
(4) ( لم ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 190 _
  كيف هدأ لما احتضنه محمد رسول الله ومسح يده عليه ؟ قالوا بلى : يا رسول الله.
  قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : والذى بعثني بالحق نبيا ، إن حنين خزان الجنان وحور عينها وسائر قصورها ومنازلها إلى من يتولى (1) محمدا وعليا وآلهما الطيبين ويبرأ (2) من أعدائهم ، لاشد من حنين هذا الجذع الذي رأيتموه إلى رسول الله.
  وإن الذي يسكن حنينهم وأنينهم ، ما يرد عليهم من صلاة أحدكم ـ معاشر شيعتنا ـ على محمد وآله الطيبين ، أو صلاته لله (3) نافلة ، أو صوم أو صدقة .
  وإن من عظيم ما يسكن حنينهم إلى شيعة محمد وعلي ما يتصل ـ بهم ـ من إحسانهم إلى إخوانهم المؤمنين ، ومعونتهم لهم على دهرهم ، يقول أهل الجنان بعضهم لبعض : لا تستعجلوا صاحبكم ، فما يبطئ عنكم إلا للزيادة في الدرجات العاليات في هذه الجنان باسداء المعروف إلى إخوانه (4) المؤمنين .
  وأعظم من ذلك ـ مما يسكن حنين سكان الجنان وحورها إلى شيعتنا ـ ما يعرفهم الله من صبر شيعتنا على التقية واستعمالهم (5) التورية ليسلموا بها من كفرة عباد الله وفسقتهم (6) فحينئذ يقول خزان الحنان وحورها : لنصبرن على شوقنا إليهم ـ وحنيننا ـ (7) كما يصبرون على سماع المكروه في ساداتهم وأئمتهم ، وكما يتجرعون الغيظ ويسكتون عن إظهار الحق لما يشاهدون من ظلم من لايقدرون على دفع مضرته .
  فعند ذلك يناديهم ربنا عزوجل : ( يا سكان جناني ويا خزان رحمتي ما لبخل أخرت عنكم أزواجكم وساداتكم ، ولكن ليستكملوا (8) نصيبهم من كرامتي بمواساتهم

--------------------
(1) ( يتوالى ) أ ، ب ، ص ، ط ، ( توالى ) البحار : 68 ، ( يوالى ) البحار : 8 و 17 .
(2) ( يتبرأ ) أ ، ب ، س ، ط ، ( تبرأ ) البحار : 68 .
(3) ( صلوات ) أ ، ( صلاة ) البحار .
(4) ( اخوانهم ) الاصل ، وما في المتن كما في البحار .
(5) ( استعمالها ) ب ، ط .
(6) ( فسقهم ) أ .
(7) ليس في البحار ، وفى ( أ ) وحنيننا اليهم .
(8) ( الا ليستعملوا ) أ (*).

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 191 _
  إخوانهم المؤمنين ، والاخذ بأيدي الملهوفين ، والتنفيس عن المكروبين ، وبالصبر على التقية من الفاسقين والكافرين ، حتى إذا استكملوا أجزل كراماتي (1) نقلتهم إليكم على أسر الاحوال وأغبطها فابشروا ،فعند ذلك يسكن حنينهم وأنينهم (2) .

قلب السم على اليهود

  89 ـ وأما قلب الله السم على اليهود الذين قصدوه ـ به ـ ـ وأهلكهم (3) الله به ـ فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما ظهر بالمدينة اشتد حسد ( ابن أبي ) (4) له ، فدبر عليه أن عليه أن يحفر له حفيرة

--------------------
(1) ( كرامتى ) ب ، ط
(2) عنه البحار : 8/ 163 ح 106 ، وج 17/ 326 ضمن ح 15 ، وج 68/ 33 ح 70 ، وروى مثله في الخرائج والجرائح : 83 (مخلوط) باختصار .
(3) ( واهلاكهم ) ط .
(4) لا غرابة في أن يذكر ( ابن ابى ) المنافق هنا ويقترن اسمه باليهود بل في قوله : ( اشتد حسده زيادة على حسدهم ) لطف ، فما ذكر في كتب السيرة والتاريخ الا وتبعه موقف له مشهود مع اليهود : عن عاصم بن عمر أن بنى قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ... فحاصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى نزلوا على حكمه فقام عبدالله ابن ابى بن سلول إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أمكنه الله منهم ، فقال : يامحمد أحسن في موالى ـ وكانوا حلفاء الخزرج ـ ... فقال النبى (صلى الله عليه وآله) : هم لك ، خلوهم لعنهم الله ولعنهم معه ، وعن عبادة بن الوليد قال ( لما حاربت بنو قينقاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشبث بأمرهم عبدالله بن ابى وقام دونهم ... ) (دلائل النبوة : 3/ 174 ، ابن الاثير : 2/ 138) .
وفى الكامل لابن الاثير : 2/ 112 : جاء أبوقيس الاسلت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلقيه عبدالله بن أبى المنافق فقال : كرهت قتال الخزرج ... وعلى الجملة لا تخفى هويته على أحد ، فعن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن كفار قريش كتبوا إلى ابن ابى ، من كان يعبد ـ < (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 192 _
  في مجلس من مجالس داره ، ويبسط فوقها بساطا ، وينصب في أسفل الحفيرة أسنة رماح ونصب (1) سكاكين مسمومة ، وشد أحد (2) جوانب البساط والفراش إلى الحائط ليدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخواصه مع علي (عليه السلام) ، فاذا وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجله على البساط وقع في الحفيرة ، وكان قد نصب في داره ، وخبأ رجالا بسيوف مشهورة يخرجون على علي (عليه السلام) ومن معه عند وقوع محمد (صلى الله عليه وآله) في الحفيرة فيقتلونهم بها ودبر أنه إن (3) لم ينشط للقعود على ذلك البساط أن يطعموه من طعامهم (4) المسموم ليموت هو وأصحابه معه جميعا .
  فجاءه جبرئيل (عليه السلام) وأخبره بذلك ، وقال له : إن الله يأمرك أن تقعد حيث يقعدك وتأكل مما يطعمك ، فانه مظهر عليك آياته ، ومهلك أكثر من تواطأ على ذلك فيك .
  فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقعد (5) على البساط ، وقعدوا عن يمينه وشماله وحواليه ، ولم يقع في الحفيرة ، فتعجب ابن ابي ونظر ، فاذا قد صار ما تحت البساط أرضا ملتئمة .
  وأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام) وصحبهما بالطعام المسموم ، فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضع يده في الطعام قال : يا علي أرق (6) هذا الطعام بالرقية النافعة .
  فقال علي (عليه السلام) : ( بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لايضر مع اسمه شئ ـ ولا داء ـ في الارض ولا في السماء ، وهو السميع العليم ) .
  ثم أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) ومن معهما حتى شبعوا ، ثم جاء أصحاب عبدالله بن ابي وخواصه ، فأكلوا فضلات رسول الله (صلى الله عليه وآله)

--------------------
معه الاوثان من الاوس والخزرج ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر ... فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود ، (دلائل النبوة : 3/ 178) .
(1) ( ينصب ) ب ، س ، ط .
(2) ( آخر ) أ .
(3) ( لو ) ب .
(4) ( الطعام ) أ .
(5) ( وعلى (عليه السلام) وأصحابهما وقعدا ) ب ، ط .
(6) من الرقية ، وهى العوذة (*).

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 193 _
  وصحبه ، ظنا منهم (1) أنه قد غلط ولم يجعل فيه سما (2) لما رأوا محمدا وصحبه لم يصبهم مكروه .
  وجاءت بنت عبدالله بن ابي إلى ذلك المجلس المحفور تحته ، المنصوب فيه ما نصب ، وهي كانت دبرت ذلك ، ونظرت فاذا ما تحت البساط أرض ملتئمة ، فجلست على البساط واثقة ، فأعاد الله الحفيرة بما فيها فسقطت فيها وهلكت ، فوقعت الصيحة .
  فقال عبدالله بن ابي : إياكم ـ و ـ أن تقولوا أنها سقطت في الحفيرة ، فيعلم محمد ما كنا دبرناه عليه .
  فبكوا ـ وقالوا : ـ ماتت العروس ـ وبعلة عرسها كانوا دعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ ومات القوم الذين أكلوا فضلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  فسأل ـ ـ ه ـ رسول الله عن سبب موت الابنة والقوم ؟ فقال ابن ابي : سقطت من السطح ، ولحق القوم تخمة .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ـ الله ـ (3) أعلم بماذا ماتوا ، وتغافل عنهم (4).

نظير المعجزة المذكورة لعلي (عليه السلام):

  90 ـ قال على بن الحسين (عليهما السلام) : وكان نظيرها لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) مع جد بن قيس (5) وكان تالي عبدالله بن ابي في النفاق ، كما أن (6) علي تالي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الكمال والجمال والجلال .

--------------------
(1) ( ظنوا ) س ، ط .
(2) ( سموما ) ب ، س ، ط ، والبحار .
(3) من البحار .
(4) عنه البحار : 17/ 328 ضمن ح 15 ، ومدينة المعاجز : 79 .
(5) كان من رؤساء المنافقين ، قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هل لك في جلاد بنى الاصفر ؟ فقال : والله لقد عرف قومى حبى للنساء ، وأخشى أن لا أصبر على نساء بنى الاصفر ، فان رأيت أن تأذن لى ولا تفتنى ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قد أذنت لك ، فأنزل الله تعالى ( ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى ) التوبة : 49 ، (انظر تاريخ الطبرى : 2/ 277)
(6) ( كان ) ب ، ط (*).

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 194 _
  وتفرد جد مع عبدالله بن ابي ـ بعد هذه القصة (1) التي سلم الله منها محمدا وصحبه وقلبها على عبدالله بن ابي ـ فقال له : إن محمدا (صلى الله عليه وآله) ماهر بالسحر ، وليس علي (عليه السلام) كمثله ، فاتخذ أنت يا جد لعلي دعوة بعد أن تتقدم في تنبيش (2) أصل حائط بستانك ، ثم يقف رجال خلف الحائط بخشب يعتمدون بها على الحائط ، ويدفعونه على علي (عليه السلام) ـ ومن معه ـ ليموتوا تحته .
  فجلس على (عليه السلام) تحت الحائط (3) فتلقاه بيسراه ودفعه (4) وكان الطعام بين أيديهم فقال علي (عليه السلام) : كلوا بسم الله.
   وجعل يأكل معهم حتى أكلوا وفرغوا ، وهو يمسك الحائط بشماله ـ والحائط ثلاثون ذراعا طوله في خمسة ـ عشر ـ ذراعا سمكه ، في ذراعين غلظه ـ فجعل أصحاب علي (عليه السلام) ـ وهم يأكلون ـ يقولون : يا أخا رسول الله أفتحامي هذا و ـ أنت ـ (5) تأكل ؟ فانك تتعب في حبسك هذا الحائط عنا .
  فقال على (عليه السلام) : إني لست أجد له من المس بيساري إلا أقل مما أجده من ثقل هذه اللقمة بيميني .
  وهرب جد بن قيس ، وخشي أن يكون علي قد مات وصحبه ، وإن محمدا يطلبه لينتقم منه ، واختبأ عند عبدالله بن ابي ، فبلغهم أن عليا قد أمسك الحائط بيساره وهو يأكل بيمينه ، وأصحابه تحت الحائط لم يموتوا .
  فقال أبوالشرور وأبوالدواهي اللذان كانا أصل التدبير في ذلك : إن عليا قد مهر بسحر محمد فلا سبيل لنا عليه ، فلما فرغ القوم مال علي (عليه السلام) على الحائط بيساره (6) فأقامه وسواه ، ورأب (7)

--------------------
(1) أى قصة قلب السم على اليهود وسقوط بنت ابن ابى في الحفرة ، وفى ( ص ) القضية .
(2) ( تنفيش ) أ ، ( تفتيش ) ب ، ص ، ط ، وكلاهما تصحيف من في المتن .
(3) أضاف في ( أ ) ويدفعونه .
(4) ( وأوقفه ) البحار
(5) من البحار .
(6) ( بيسراه ) ب ، ط .
(7) أى أصلح (*).

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 195 _
  صدعه ، ولام (1) شعبه ، وخرج هو والقوم (2) .
  فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال ـ له ـ : يا أبا الحسن ضاهيت اليوم أخي الخضر لما أقام الجدار ، وما سهل الله ذلك له إلا بدعائه بنا أهل البيت (3).

تكثير الله القليل من الطعام

  91 ـ وأما تكثير الله القليل من الطعام لمحمد (صلى الله عليه وآله) فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يوما جالسا هو وأصحابه بحضرة جمع من خيار المهاجرين والانصار إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن شدقي يتحلب ، وأجدني أشتهي حريرة مدوسة (4) ملبقة بسمن وعسل .
  فقال على (عليه السلام) : وأنا أشتهي ما يشتهيه (5) رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابي الفصيل : ماذا تشتهي أنت ؟ قال : خاصرة حمل مشوي .
  وقال لابي الشرور وأبي الدواهي (6) : (ماذا تشتهيان أنتما) (7) ؟ قالا : صدر حمل مشوي .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أي عبد مؤمن يضيف اليوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصحبه ويطعمهم شهواتهم ؟

--------------------
(1) لام الشئ : أصلحه ، جمعه وشده .
(2) زاد في ص والبحار : من تحته .
(3) عنه البحار : 42/ 31 ح 9 ، ومدينة المعاجز : 80 ، ومناقب آل أبى طالب : 2/ 293 (قطعة) واثبات الهداة : 4/ 594 ح 288 (قطعة) .
(4) ( مدقسة ) أ ، قال المجلسى (رحمه الله) : الدوس : الوطى بالرجل ، واخراج الحب من السنبل ، ولعل المراد هنا المبالغة في التقية أو الدق أو الخلط ، وقال ابن الاثير في النهاية : 4/ 226 : لبقها ، خلطها خلطا شديدا .
(5) ( يشتهى ) أ .
(6) ( الفضيل ) الاصل ، قال المجلسى (رحمه الله) : وأبوالفصيل : أبوبكر ، وكان يكنى به لموافقة البكر والفصيل في المعنى ، وأبوالشرور : عمر ، وأبوالدواهى : عثمان ، وفى الاخير ـ كما سيأتى ـ يحتمل أن يكون المراد بأبى الشرور : أبابكر على الترتيب إلى معاوية أو عمر على الترتيب إلى معاوية ، ثم على هذا أبوالنكث اما أبوبكر أو طلحة بترك ذكر أبى بكر
(7) ( وأنتما فماذا تشتهيان ) ب ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 196 _
  فقال عبدالله بن ابي : هذا والله اليوم الذي نكيد فيه محمدا وصحبه ـ ومحبيه ـ ونقتله ، ونخلص العباد والبلاد منه ، وقال : يا رسول الله أنا اضيفكم ، عندي شئ من بر وسمن وعسل ، وعندي حمل أشوبه لكم .
  قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فافعل .
  فذهب عبدالله بن ابي ، وأكثر السم في ذلك البر الملبق بالسمن والعسل ، وفي ذلك الحمل المشوي ، ثم عاد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال : هلموا إلى ما اشتهيتم .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنا ومن ؟ قال ابن ابي : أنت وعلي وسلمان وأبوذر والمقداد وعمار .
  فأشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي الشرور وأبي الدواهي وأبي الملاهي وأبي النكث وقال (صلى الله عليه وآله) : يابن ابي دون هؤلاء ؟ ـ ف ـ قال ابن ابي : نعم دون هؤلاء .
   وكره أن يكونوا معه (1) لانهم كانوا مواطئين لابن ابي على النفاق .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا حاجة لي في شئ استبد به دون هؤلاء ، ودون المهاجرين والانصار الحاضرين لي .
  فقال عبدالله يا رسول الله إن ـ لي ـ الشئ القليل ، لا يشبع (2) أكثر من أربعة (3) إلى خمسة .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عبدالله إن الله أنزل مائدة على عيسى (عليه السلام) وبارك له في ـ أربعة ـ أرغفة وسميكات حتى أكل وشبع منها أربعة آلاف وسبعمائة .
   فقال : شأنك .
  ثم نادى رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يامعشر المهاجرين والانصار هلموا إلى مائدة (4) عبدالله بن ابي ، فجاءوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم سبعة (5) آلاف وثمانمائة .

--------------------
(1) ( معهم ) أ .
(2) ( لا يسع ) ب ، س ، ص ، ط .
(3) ( عشرة ) البحار .
(4) ( مأدبة ) ب ، ط .
(5) ( ستة ) ب ، س ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 197 _
  فقال عبدالله لاصحاب له : كيف نصنع ؟ هذا محمد وصحبه (1) وإنما نريد أن نقتل محمدا ونفرا من أصحابه ، ولكن إذا مات محمد وقع بأس هؤلاء بينهم ، فلا يلتقي (2) منهم اثنان في طريق .
  وبعث ابن ابي إلى أصحابه والمتعصبين له ليتسلحوا ويجتمعوا ، وقال : ماهو إلا أن يموت محمد حتى يلقانا (3) أصحابه ، ويتهالكوا .
  فلما دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) داره ، أومأ عبدالله إلى بيت له صغير ، فقال : يا رسول الله أنت وهؤلاء الاربعة يعني عليا وسلمان والمقداد وعمارا في هذا البيت ، والباقون (4) في الدار والحجرة والبستان ، ويقف منهم قوم على الباب حتى يفرغ ـ منهم ـ أقوام ويخرجون ، ثم يدخل بعدهم أقوام .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن الذي يبارك في هذا الطعام القليل ليبارك في هذا البيت الصغير الضيق ، ادخل يا علي ويا سلمان ويا مقداد ويا عمار ، ـ و ـ ادخلوا معاشر المهاجرين والانصار .
  فدخلوا أجمعين وقعدوا (5) حلقة واحدة كما يستديرون حول ترابيع الكعبة ، وإذا البيت قد وسعهم أجمعين حتى أن بين كل رجلين منهم موضع رجل .
  فدخل عبدالله بن ابي فرأي ـ عجبا ـ عجيبا من سعة البيت الذي كان ضيقا ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ائتنا بما عملته .
   فجاءه بالحريرة الملبقة بالسمن والعسل ، و ـ ب ـ الحمل المشوي .
   فقال ابن ابي : يا رسول الله كل أنت أولا قبلهم ، ثم ليأكل صحبك هؤلاء : علي ومن معه ، ثم يطعم (6) هؤلاء .

--------------------
(1) ( أصحابه ) ب ، ط .
(2) ( يبقى ) ب ، ط .
(3) ( يبقانى ) أ ، ( يبقى ) ب ، س ، ص ، ط ، وما في المتن من البحار .
(4) ( وهؤلاء الباقون ) ب ، س ، ص ، ط .
(5) ( جعلوا ) ب ، ط .
(6) ( نطعم ) ب ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 198 _
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كذلك ـ أفعل ـ .
  فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على الطعام ووضع علي (عليه السلام) يده معه .
  فقال ابن ابي : ألم يكن الامر على أن تأكل مع أصحابك وتفرد رسول الله (1)؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا عبدالله إن عليا أعلم بالله و ـ ب ـ رسوله منك ، إن الله ما فرق فيما مضى بين علي ومحمد ، ولا يفرق فيما يأتي أيضا بينهما ، إن عليا كان وأنا معه نورا واحدا ، عرضنا الله عزوجل على أهل سماواته وأرضه (2) وسائر حجبه وجنانه وهوامه (3) وأخذ عليهم لنا العهود والمواثيق ليكونن لنا ولاوليائنا موالين ولاعدائنا معادين ، ولمن نحبه محبين ، ولمن نبغضه مبغضين ، ما زالت إرادتنا واحدة ولا تزال ، لا اريد إلا مايريد ، ـ ولا يريد إلا ما اريد ـ يسرني ما يسره (4) ويؤلمني ما يؤلمه فدع يا ابن ابي علي بن أبي طالب (5) فانه أعلم بنفسه وبي منك .
  قال ابن ابي : نعم يا رسول الله، وأفضى إلى جد ومعتب ، فقال : أردنا واحدا فصار إثنين ، الآن يموتان جميعا ، وتكفى شرهما ، هذا لخيبتهما (6) وسعادتنا ، فلو بقي علي بعده لعله كان يجادل (7) أصحابنا هؤلاء ، و عبدالله بن ابي قد جمع جميع أصحابه ومتعصبيه حول داره ليضعوا السيف (8) على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ مات بالسم .
  ثم وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) يديهما في الحريرة الملبقة بالسمن والعسل فأكلا حتى شبعا ، ثم وضع من اشتهى خاصرة الحمل ، ومن اشتهى صدره (منهم فأكلا) (9) حتى شبعا ، وعبدالله ينظر ويظن أن لا يلبثهم السم ، فاذاهم لا يزدادون إلا نشاطا .

--------------------
(1) ( يأكل على مع أصحابك ) البحار .
(2) ( أرضيه ) البحار .
(3) ( هوائه ) ب ، س ، ط ، والبحار .
(4) ( يسوءنى ما يسوءه ) ب ، ط .
(5) ( عليا ) ب ، ط ، والبحار .
(6) ( ونكفاهما جمعيا وهذا لحينهما ) س ، ص ، والبحار .
(7) ( يجالد ) البحار ، جادله : خاصمه ، وجالده بالسيف : ضاربه به .
(8) ( ليقعوا ) أ ، ب ، ص ، ط .
(9) ( بينهما وأكلا ) ب ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 199 _
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هات الحمل .
  فلما جاء به ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا أبا الحسن ضع الحمل في وسط البيت .
  فوضعه ـ في وسط البيت تناله أيديهم ـ ، فقال عبدالله ، يا رسول الله كيف تناله أيديهم ؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن الذي وسع هذا البيت ، وعظمه حتى وسع جماعتهم وفضل عنهم ، هو الذي يطيل أيديهم ـ حتى تنال هذا الحمل ، قال : ـ فأطال الله تعالى أيديهم حتى نالت ذلك ، فتناولوا منه وبارك الله في ذلك الحمل حتى وسعهم وأشبعهم وكفاهم ، فاذا هو بعد أكلهم لم يبق منه إلا عظامه (1) .
  فلما فرغوا منه طرح عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) منديلا له ، ثم قال :يا علي اطرح عليه (2) الحريرة الملبقة بالسمن والعسل .
  ففعل ، فأكلوا منه حتى شبعوا كلهم وأنفدوه (3) .
  ثم قالوا : يا رسول الله نحتاج إلى لبن أو شراب نشربه عليه .
  فقال رسول الله: إن صاحبكم أكرم على الله من عيسى (عليه السلام) ، أحيا الله تعالى له الموتى ، وسيفعل ـ الله ـ ذلك لمحمد (صلى الله عليه وآله ) .
   ثم بسط منديله ومسح يديه عليه و قال : (اللهم كما باركت فيها فأطعمتنا من لحمها ، فبارك فيها واسقنا من لبنها) .
  قال : فتحركت ، وبركت ، وقامت ، وامتلا ضرعها .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ائتوني بأزقاق وظروف وأوعية ومزادات (4) فجاءوا بها فملاها ، وسقاهم حتى شربوا ورووا .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لو لا أني أخاف أن يفتتن (5) بها أمتي كما افتتن بنو

--------------------
(1) ( عظاما ) أ .
(2) ( منديلك على ) أ .
(3) ( وأبعدوه ) أ ، أنفد الشئ : أفناه .
(4) المزادة : هى الظرف الذى يحمل فيه الماء كالقربة .
(5) ( يفتن ) أ ، افتتن : وقع في الفتنة . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 200 _
  إسرائيل بالعجل فاتخذوه ربا من دون الله تعالى لتركتها تسعى في أرض الله، وتأكل من حشائشها ، ولكن اللهم أعدها عظاما كما أنشأتها .
  فعادت عظاما ـ مأكولا ـ ما عليها من اللحم شئ ، وهم ينظرون ، قال : فجعل أصحاب رسول الله يتذاكرون (1) بعد ذلك توسعة ـ الله تعالى ـ البيت ـ بعد ضيقه ـ و ـ في ـ تكثيره الطعام ودفعه غائلة السم .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إني إذا تذكرت ذلك البيت كيف وسعه الله بعد ضيقه وفي تكثير ذلك الطعام بعد قلته ، وفي ذلك السم كيف أزال الله تعالى غائلته عن محمد ومن دونه (2) وكيف وسعه ـ وكثره ـ! أذكر ما يزيده الله تعالى في منازل شيعتنا وخيراتهم في جنات عدن وفي الفردوس .
  إن في (3) شيعتنا لمن يهب الله له في الجنان من الدرجات والمنازل والخيرات ما ـ لا ـ يكون الدنيا وخيراتها في جنبها ـ إلا ـ كالرملة في البادية الفضفاضة ، فما هو إلا أن يرى أخا له مؤمنا فقيرا فيتواضع له ويكرمه ويعينه ـ ويمونه ـ ويصونه عن بذل وجهه له ، حتى يرى الملائكة الموكلين بتلك المنازل والقصور ـ و ـ قد تضاعفت حتى صارت في الزيادة كما كان هذا الزائد في هذا البيت الصغير الذي رأيتموه فيها صار إليه من كبره وعظمه وسعته .
  فيقول الملائكة : يا ربنا لا طاقة لنا بالخدمة في هذه المنازل ، فامددنا (4) بأملاك يعاونوننا .
  فيقول الله: ماكنت لا حملكم ما لاتطيقون ، فكم تريدون مددا ؟

--------------------
(1) ( يتذكرون ) ب ، ط ، وتذاكروا الشئ : ذكروه .
(2) ( وعن ذويه ) البحار .
(3) ( من ) ب ، س ، ط ، والبحار : 8 .
(4) يقال : أمددته بمدد : أى قويته وأعنته به . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 201 _
  فيقولون : ألف ضعفنا .
  وفيهم من المؤمنين من يقول أملاكه : نستزيد مدد ألف ألف ضعفنا (1) وأكثر من ذلك على قدر قوة إيمان صاحبهم ، وزيادة إحسانه إلى أخيه المؤمن .
  فيمددهم الله تعالى بتلك الاملاك ، وكلما لقى هذا المؤمن أخاه فبره ، زاده الله في ممالكه وفي خدمه في الجنة كذلك .
  ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ـ و ـ إذا تفكرت في الطعام المسموم الذي صبرنا عليه كيف أزال الله عنا غائلته وكثره ووسعه ، ذكرت صبر شيعتنا على التقية ، وعند ذلك يؤديهم (2) الله تعالى بذلك الصبر إلى أشرف العاقبة (3) وأكمل السعادة طالما يغتبطون في تلك الجنان بتلك الطيبات ، فيقال لهم : كلوا هنيئا جزاء على تقيتكم لاعدائكم وصبركم عى أذاهم (4).
  92 ـ قال على بن الحسين (عليهما السلام) : وذلك قوله عزوجل (وإن كنتم) أيها المشركون واليهود وسائر النواصب ـ من ـ المكذبين لمحمد (5) (صلى الله عليه وآله) في القرآن ـ و ـ في تفضيله أخاه عليا ، المبرز (6) على الفاضلين ، الفاضل على المجاهدين ، الذي لا نظير له في نصرة المتقين ، وقمع الفاسقين ، وإهلاك الكافرين ، وبث (7) دين الله في العالمين (ان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) في إبطال عبادة الاوثان من دون الله، وفي النهي عن موالاة أعداء الله، ومعاداة أولياء الله، وفي الحث على الانقياد

--------------------
(1) ( ضعفها ) الاصل ، وهو تصحيف .
(2) ( يؤتيهم ) ب ، ط .
(3) ( العافية ) أ .
(4) عنه البحار : 8/ 147 ح 57 (قطعة) ، وج 14/ 249 ح 27 (قطعة) ، وج 17/ 330 ضمن ح 15 وج 74/ 37 ح 60 ، واثبات الهداة : 2/ 158 ح 605 ، والبرهان : 1/ 512 ح 9 (قطعة) .
(5) ( بمحمد ) أ ، والبرهان .
(6) ( الممزز ) أ ، مززه بكذا : فضله .
(7) ( وبثه ) ب ، ( وتثبيته ) التأويل . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 202 _
  لاخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، واتخاذه إماما ، واعتقاده فاضلا راجحا ، لا يقبل الله عزوجل إيمانا ولا طاعة (1) إلا بموالاته .
  وتظنون أن محمدا تقوله (2) من عنده ، وينسبه إلى ربه ـ فان كان كما تظنون ـ (فأتوا بسورة من مثله) مثل (3) محمد أمي لم يختلف قط إلى أصحاب كتب وعلم ولا تتلمذ لاحد ، ولا تعلم منه ، وهو من قد عرفتموه في حضره وسفره ، لم يفارقكم قط إلى بلد ليس معه منكم جماعة يراعون أحواله ، ويعرفون أخباره ، ثم جاءكم بعد بهذا الكتاب المشتمل على هذه العجائب (4) فان كان متقولا كما تظنون (5) فأنتم الفصحاء والبلغاء والشعراء والادباء الذين لا نظير لكم في سائر ـ البلاد و ـ الاديان ، ومن سائر الامم ، فان كان كاذبا فاللغة لغتكم وجنسه جنسكم ، وطبعه طبعكم ، وسيتفق لجماعتكم أو لبعضكم معارضة كلامه ـ هذا ـ بأفضل منه أو مثله .
  لان ماكان من قبل البشر ، لا عن الله، فلا يجوز إلا أن يكون في البشر من يتمكن من مثله ، فاتوا بذلك لتعرفوه ـ وسائر النظائر (6) إليكم في أحوالكم ـ أنه مبطل كاذب ـ يكذب ـ على الله تعالى (وادعوا شهداءكم من دون الله) الذين يشهدون بزعمكم أنكم محقون ، وأن ما تجيئون به نظير لما جاء به محمد ، وشهداءكم الذين تزعمون (7) أنهم شهداؤكم عند رب العالمين لعبادتكم لها ، وتشفع لكم إليه (إن كنتم صادقين) في قولكم : أن محمدا (صلى الله عليه وآله) تقوله .
  ثم قال الله عزوجل : (فان لم تفعلوا) هذا الذى تحديتكم به (ولن تفعلوا)

--------------------
(1) ( اسلاما ) خ ل .
(2) ( يقوله ) ب ، س ، ط .
(3) ( أى من مثل ) ب ، ص ، ط .
(4) ( الخطاب ) ط .
(5) ( تزعمون ) أ ، س ، ص والبرهان ، ( تزعمونه ) البحار .
(6) ( النظار ) ب ، ص ، ط ، والبحار ، والنظائر : المثل والشبه في الاشكال .
(7) ( يزعمون ) البحار : 92 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 203 _
  ـ أي ـ ولا يكون ذلك منكم ، ولا تقدرون عليه ، فاعلموا أنكم مبطلون ، وأن محمدا الصادق الامين المخصوص برسالة رب العالمين ، المؤيد بالروح الامين ، وبأخيه أمير المؤمنين وسيد الوصيين ، فصدقوه فيما يخبركم به عن الله من أوامره ونواهيه وفيما يذكره من فضل ـ علي ـ وصيه وأخيه .
  (فاتقوا) بذلك عذاب (النار التي وقودها ـ حطبها ـ الناس والحجارة) حجارة الكبريت أشد الاشياء حرا (أعدت) تلك النار (للكافرين) بمحمد والشاكين في نبوته ، والدافعين لحق أخيه علي ، والجاحدين لامامته .
  ثم قال تعالى : (وبشر الذين آمنوا) بالله وصدقوك في نبوتك ، فاتخذوك نبيا (1) وصدقوك في أقوالك ، وصوبوك في أفعالك ، واتخذوا أخاك عليا بعدك إماما ولك وصيا مرضيا ، وانقادوا لما يأمرهم به وصاروا إلى ما أصارهم إليه ، ورأوا له ما يرون لك إلا النبوة التي افردت بها .
  وأن الجنان لا تصير لهم إلا بموالاته وموالاة من ينص لهم عليه من ذريته وموالاة سائر أهل ولايته ، ومعاداة أهل مخالفته وعداوته .
  وأن النيران لا تهدأ عنهم ، ولا تعدل بهم عن عذابها إلا بتنكبهم (2) عن موالاة مخالفيهم ، ومؤازرة شانئيهم .
  (وعملوا الصالحات) من أداء الفرائض واجتناب المحارم ، ولم يكونوا كهؤلاء الكافرين بك ، بشرهم (أن لهم جنات) بساتين (تجري من تحتها الانهار) من تحت أشجارها (3) ومساكنها (كلما رزقوا منها) من تلك الجنان (من ثمرة) من ثمارها (رزقا) وطعاما يؤتون به (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) في الدنيا

--------------------
(1) ( أماما ) أ ، البحار : 68 ، والبرهان .
(2) تنكب عنه : تجنبه واعتزله (3) ( شجرها ) أ ، والبحار : 8 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 204 _
  فأسماؤه كأسماء ما في الدنيا من تفاح وسفرجل ورمان ـ و ـ كذا وكذا .
  وإن كان ماهناك مخالفا لما في الدنيا فانه في غاية الطيب ، وإنه لا يستحيل إلى ما تستحيل إليه ثمار الدنيا من عذرة وسائر المكروهات من صفراء وسوداء ودم ـ وبلغم ـ بل لا يتولد من مأكولهم إلا العرق الذي يجري من أعراضهم أطيب من رائحة المسك .
  (وأتوا به) بذلك الرزق من الثمار من تلك البساتين (متشابها) يشبه بعضه بعضا بأنها كلها خيار لا رذل (1) فيها ـ و ـ بأن كل صنف منها في غاية الطيب واللذة ليس كثمار الدنيا ـ التي ـ بعضها ني ، وبعضها متجاوز لحد النضج والادراك إلى حد الفساد من حموضة ومرارة وسائر ضروب المكاره ، ومتشابها أيضا متفقات الالوان مختلفات الطعوم .
  (ولهم فيها) في تلك الجنان (أزواج مطهرة) من أنواع الاقذار والمكاره مطهرات من الحيض والنفاس ، لا ولاجات ولا (خراجات ولا دخالات ولاختالات ولا متغايرات) (2) ولا لازواجهن فركات (3) ولا صخابات (4) ولا عيابات (5) ولا فحاشات (6) ومن كل العيوب والمكاره بريات .
  (وهم فيها خالدون) مقيمون في تلك البساتين والجنات (7).

--------------------
(1) الرذل : الردئ من كل شئ .
(2) ( جراحات ولا دخالات ولا حيالات ولا متغيرات ) أ ، خراج ولاج: كثير الخروج والولوج ، كثير الظرف والاحتيال ، والمخافلة : المخادعة .
(3) الفرك ـ بالضم ـ : خاصة ببغض الزوجين .
(4) كذا في خ ل ، وفى ( أ ) ضخامات ، وفى ( ب ، س ، ط ) متخابات ، والصخاب : الشديد الصياح .
(5) ( عتابات ) ب ، س ، ط .
(6) الفحش : القبيح من القول والفعل .
(7) عنه تأويل الايات : 1/ 42 ـ 44 ح 15 ، 17 ، وقطع في البحار : 8/ 299 ح 53 ، و ج 17/216 ضمن ح 20 وج 67/ 18 ، وج 68/ 34 ح 71 ، وج 92/ 30 ضمن ح 33 والبرهان 1/ 68 ضمن ح 2 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 205 _
  ما يدل على مؤاخذة الشيعة بمظالم العباد المؤمنين :
  93 ـ ـ قال : ـ وقال على بن أبي طالب (عليه السلام) : يا معشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطبا ، وإن لم تكونوا بالله كافرين ، فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين ، فانه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا إلا ثقل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله ، ولم يفكه (1) منها إلاشفاعتنا ، ولن نشفع إلى الله تعالى إلا بعد أن نشفع له إلى أخيه المؤمن ، فان عفا عنه شفعنا ـ له ـ وإلا طال في النار مكثه (2).
   94 ـ وقال على بن الحسين (عليها السلام) : معاشر شيعتنا أما الجنة فلن تفوتكم سريعا كان أو بطيئا ، ولكن تنافسوا في الدرجات ، واعلموا أن أرفعكم درجات ، وأحسنكم قصورا ودورا وأبنية فيها : أحسنكم إيجابا لاخوانه المؤمنين ، وأكثركم مواساة لفقرائهم (3) .
   إن الله عزوجل ليقرب الواحد منكم إلى الجنة بكلمة طيبة (4) يكلم بها أخاه المؤمن الفقير بأكثر من مسيرة مائة ألف سنة تقدمه (5) وإن كان من المعذبين بالنار ، فلا تحتقروا (6) الاحسان إلى إخوانكم ، فسوف ينفعكم ـ الله تعالى ـ (7) حيث لا يقوم مقام ذلك شئ غيره (8).
  قوله عزوجل : ( إن الله لا يستحى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين امنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد

--------------------
(1) ( يكفه ) ب ، ط ، والبحار ، كفه عن الامر : صرفة ومنعه ، ويفكه : يخلصه .
(2) عنه البحار : 75/ 315 ح 39 ، والبرهان : 1/ 69 ضمن ح 2 .
(3) ( لفقرائكم ) ب ، ط .
(4) ( بالكلمة الطيبة ) أ .
(5) ( يقدمه ) ب ، ط ، ( بقدمه ) البحار ، ( بقدومه ) البرهان .
(6) ( تحقروا ) ب ، س ، ط .
(7) من البحار .
(8) عنه البحار : 74/ 308 ح 61 ، والبرهان : 1/ 69 ضمن ح 2 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 206 _
  الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك هم الخاسرون ) 26 و 27 95 ـ
   قال الامام ـ (عليه السلام) : قال الباقر(عليه السلام ) : فلما قال الله تعالى : (يا أيها الناس ضرب مثله) (1) وذكر الذباب في قوله : (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا) الآية (2) ولما قال (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) (3) .
  وضرب المثل في هذه السورة بالذي استوقد نارا ، وبالصيب من السماء .
  قالت الكفار والنواصب : وما هذا من الامثال فيضرب ؟ ! يريدون به الطعن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  فقال الله: يا محمد (إن الله لا يستحي) لا يترك حياء (أن يضرب مثلا) للحق ويوضحه به عند عباده المؤمنين (ما بعوضة) (4) ـ أي ـ ما هو بعوضة المثل (فما فوقها) فوق البعوضة وهو الذباب ، يضرب (5) به المثل إذا علم أن فيه صلاح عباده ونفعهم .

--------------------
(1 و 2) الحج : 73 .
(3) العنكبوت : 41 .
(4) قال المجلسى ره : لعله كان في قراءتهم (عليهم السلام) ( بعوضة ) بالرفع ، كما قرئ به في الشواذ : قال البيضاوى بعد أن وجه قراءة النصب يكون كلمة ( ما ) مزيدة للتنكير والابهام أو للتأكيد : وقرئت بالرفع على أنه خبر مبتدأ ـ محذوف ـ وعلى هذا يحتمل ( ما ) وجوها أخر : أن تكون موصولة حذف صدر صلتها ، أو موصوفة بصفة كذلك ومحلها النصب بالبدلية على الوجهين ، واستفهامية هى المبتدأ (راجع : أنوار التنزيل : 1/ 123 ـ 125 والبحار : 24/ 392 ـ 393 وج 9/ 178 ) .
(5) ( فضرب ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 207 _
  ( فأما الذين آمنوا ) بالله وبولاية محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي وآلهما الطيبين ، وسلم (1) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وللائمة (عليهم السلام) أحكامهم وأخبارهم وأحوالهم ـ و ـ لم يقابلهم في أمورهم ، ولم يتعاط الدخول في أسرارهم ، ولم يفش شيئا مما يقف عليه منها إلا باذنهم (فيعلمون) يعلم هؤلاء المؤمنون الذين هذه صفتهم (أنه) المثل المضروب (الحق من ربهم) أراد به الحق وإبانته ، والكشف عنه وإيضاحه .
  ( وأما الذين كفروا ) بمحمد (صلى الله عليه وآله) بمعارضتهم ـ له ـ (2) في علي بلم ؟ وكيف ؟ وتركهم الانقياد له في سائر ما أمر به (فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) يقول الذين كفروا : إن الله يضل بهذا المثل كثيرا ويهدي به كثيرا ـ أي ـ فلا معنى للمثل ، لانه وإن نفع به من يهديه (3) فهو يضر به من يضل ـ ـ ه ـ به .
  فرد الله تعالى عليهم قيلهم ، فقال (وما يضل به) يعني ما يضل الله بالمثل (إلا الفاسقين) الجانين (4) على أنفسهم بترك تأمله ، وبوضعه (5) على خلاف ماأمر الله بوضعه عليه (6).
  ـ حديث صلة الرحم ، وأن صلة رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله) أوجب :
  96 ـ ثم وصف هؤلاء الفاسقين الخارجين عن دين الله وطاعته منهم ، فقال عزوجل : (الذين ينقضون عهد الله) المأخوذ عليهم الله بالربوبية ، ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة ، ولعلي بالامامة ، ولشيعتهما بالمحبة (7) والكرامة (من بعد ميثاقه) إحكامه (8) وتغليظه .

--------------------
(1) كذا في الاصل والبحار ، بلفظ المفرد ـ وكذا ما بعدها ـ والمراد الفرد من المؤمنين
(2) من البحار : 92 .
(3) ( يهدى به ) أ .
(4) ( الخائبين ) أ .
(5) ( يوضعه ) أ ، ( بوصفه ) ب ، ط ، وكلاهما تصحيف ما في المتن .
(6) عنه البحار : 9/ 177 ح 5 ، وج 24/ 388 صدر ح 112 ، والبرهان : 1/ 70 صدر ح 2 .
(7) ( بالجنة ) أ ، ب ، ص ، ط .
(8)( واحكامه ) ب ، ط ، والبرهان . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 208 _
  (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) من الارحام والقرابات أن يتعاهدوهم ويقضوا حقوقهم .
  وأفضل رحم ، وأوجبه حقا رحم محمد (صلى الله عليه وآله) فان حقهم بمحمد (1) (صلى الله عليه وآله) كما أن حق قرابات الانسان بأبيه وأمه ، ومحمد (صلى الله عليه وآله) أعظم حقا من أبويه ، وكذلك حق رحمه أعظم ، وقطيعته ـ أقطع ـ وأفضع وأفضح .
  (ويفسدون في الارض) بالبراءة ممن فرض الله إمامته ، واعتقاد إمامة من قد فرض الله مخالفته (أولئك) أهل هذه الصفة (هم الخاسرون) خسروا أنفسهم لما صاروا إلى النيران ، وحرموا الجنان ، فيالها من خسارة ألزمتهم عذاب الابد ، وحرمتهم نعيم الابد.
  ـ قال : ـ وقال الباقر (عليه السلام) : ألا ومن سلم لنا مالا يدريه ، ثقة بأنا محقون عالمون لا نقف به إلا على أوضح المحجات ، سلم الله تعالى إليه من قصور الجنة أيضا مالا ـ يعلم قدرها هو ، ولا ـ يقادر (2) قدرها إلا خالقها وواهبها .
  ـ الاول ـ من ترك المراء والجدال واقتصر على التسليم لنا ، وترك الاذى، حبسه الله على الصراط ، فجاءته (3) الملائكة تجادله على أعماله ، وتواقفه (4) على ذنوبه ، فاذا النداء من قبل الله عزوجل : يا ملائكتي عبدي هذا لم يجادل ، وسلم الامر لائمته ، فلا تجادلوه ، وسلموه في جناني إلى أئمته يكون متبجحا (5) فيها ، بقربهم كما كان مسلما في الدنيا لهم .

--------------------
(1) ( لمحمد ) أ .
(2) ( يقدر ) أ ، قادره : قايسه وفعل مثل فعله .
(3) ( فاذا حبسه الله على الصراط جاءته ) أ ، س ، والبرهان .
(4) واقفه مواقفة : وقف معه في حرب أو خصومة .
(5) ( منيخا ) أ ، والبحار ، بجح : فخر ، وأناخ فلان بالمكان : أقام به . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 209 _
  واما من عارضنا (1) بلم ؟ وكيف ؟ ونقض الجملة بالتفصيل ، قالت له الملائكة على الصراط : واقفنا يا عبدالله ، وجادلنا على أعمالك كما جادلت ـ أنت ـ في الدنيا الحاكين (2) لك ـ عن ـ أئمتك .
  فيأتيهم النداء : صدقتم ، بما عامل فعاملوه ، ألا فواقفوه ، فيواقف ويطول حسابه ويشتد في ذلك الحساب عذابه ، فما أعظم هناك ندامته ، وأشد حسراته ، لا ينجيه هناك إلا رحمة الله ـ إن لم يكن فارق في الدنيا جملة دينه ـ وإلا فهو في النار أبدا الآباد (3) .
  ـ و ـ قال الباقر (عليه السلام) : ويقال للموفي بعهوده ـ في الدنيا في نذوره وإيمانه ومواعيده ـ : يا أيتها الملائكة وفى هذا العبد في الدنيا بعهوده ، فأوفوا له ههنا بما وعدناه ، وسامحوه ، ولا تناقشوه .
   فحينئذ تصيره الملائكة إلى الجنان .
  وأما من قطع رحمه ، فان كان وصل رحم محمد (صلى الله عليه وآله) و ـ قد ـ قطع رحم نفسه شفع أرحام محمد (صلى الله عليه وآله) ـ له ـ إلى رحمه ، وقالوا ـ له ـ : لك من حسناتنا وطاعاتنا ما شئت ، فاعف عنه .
  فيعطونه منها ما يشاء ، فيعفو عنه ، ويعطي الله المعطين ما ينفعهم (4) ولا ينقصهم .
  وان ـ كان ـ وصل أرحام نفسه ، وقطع أرحام محمد (صلى الله عليه وآله) بأن جحد حقوقهم ودفعهم عن واجبهم ، وسمى غيرهم بأسمائهم ، ولقب غيرهم بألقابهم ، ونبز (5) بالالقاب القبيحة مخالفيه من أهل ولايتهم .
  قيل له : يا عبدالله اكتسبت عداوة آل محمد الطهر (6) أئمتك ، لصداقة هؤلاء

--------------------
(1) ( عارض ) ب ، س ، ط ، والبحار ، وفى ( أ ) : بكم بدل ( بلم ) .
(2) ( الحاكمين ) أ ، ص والبحار .
(3) ( الابد ) أ ، ( الابدين ) البحار ، والبرهان ، والمعنى واحد .
(4) ( ويعوض الله المعطين ) ب ، س ، ط ، والبحار .
(5) ( نبذ ) ص ، النبز ـ بالتحريك : ـ اللقب ، وكأنه يكثر فيما كان ذما . (النهاية : 5/8) ، ونبذ الشى : طرحه ورمى به .
(6)( الطهراء ) ب ، س ، ط ، والبحار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 210 _
  فاستعن بهم الآن ليعينوك ، فلا يجد معينا ولا مغينا ، ويصير إلى العذاب الاليم المهين .
  قال الباقر (عليه السلام) : ومن سمانا بأسمائنا ولقبنا بألقابنا ولم يسم أضدادنا بأسمائنا ولم يلقبهم بألقابنا إلا عند الضرورة التي عند مثلها نسمي نحن ، ونلقب أعداءنا بأسمائنا وألقابنا ، فان الله عزوجل يقول لنا يوم القيامة : اقترحوا لاوليائكم هؤلاء ما تعينونهم (1) به .
  فنقترح لهم على الله عزوجل ما يكون قدر الدنيا كلها فيه كقدر خردلة في السماوات والارض، فيعطيهم الله تعالى إياه ، ويضاعفه لهم ـ أضعافا ـ مضاعفات .
  فقيل للباقر (عليه السلام) : فان بعض من ينتحل موالاتكم يزعم أن البعوضة علي (عليه السلام) وأن ما فوقها ـ وهو الذباب ـ محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  فقال الباقر (عليه السلام) : سمع هؤلاء شيئا ـ و ـ لم يضعوه على وجهه .
  إنما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاعدا ذات يوم هو وعلي (عليه السلام) إذ سمع قائلا يقول : ماشاء الله وشاء محمد ، وسمع آخر يقول : ما شاء الله، وشاء علي .
  فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تقرنوا محمدا و ـ لا ـ عليا بالله عزوجل ولكن قولوا : ماشاء الله ثم ـ شاء محمد ماشاء الله ثم ـ (2) شاء علي .
  إن مشية الله هي القاهرة التي لا تساوى ، ولا تكافأ ولا تدانى .
  وما محمد رسول الله في ـ دين ـ (3) الله وفي قدرته إلا كذبابة تطير في هذه الممالك الواسعة .
  وما على (عليه السلام) في ـ دين ـ الله وفي قدرته إلا كبعوضة في جملة هذه الممالك .
  مع أن فضل الله تعالى على محمد وعلي هو الفضل الذي لا يفي (4) به فضله على

--------------------
(1) ( تغنونهم ) البحار .
(2) ( ماشاء محمد ثم ما شاء على ثم ماشاء محمد ماشاء الله ثم ما ) البحار ، شاء محمد ثم البرهان .
(3) أى الملك والحكم .
(4) أى يقصر عنه ولا يوازيه . ( مايفئ ) أ ، ب ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 211 _
  جميع خلقه من أول الدهر إلى آخره ، هذا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذكر الذباب والبعوضة في هذا المكان فلا يدخل في قوله : (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا مابعوضة) .
   (1) قوله عزوجل : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون )
   28 97 ـ قال الامام (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكفار قريش واليهود : (كيف تكفرون بالله) الذي دلكم على طرق الهدى ، وجنبكم إن أطعتموه سبل (2) الردى .
  (وكنتم أمواتا) في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم .
  (فأحياكم) أخرجكم أحياء (ثم يميتكم) في هذه الدنيا ويقبركم .
  (ثم يحييكم) في القبور ، وينعم فيها المؤمنين بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وولاية علي (عليه السلام) ، ويعذب فيها الكافرين بهما .
  (ثم إليه ترجعون) في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد ، ثم تحيوا (3) للبعث يوم القيامة ، ترجعون إلى ما وعدكم من الثواب على الطاعات إن كنتم فاعليها ، ومن العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها .
   (4) ـ حديث نعيم القبر وعذابه ، ورؤية المحتضر للائمة (عليهم السلام) :
   98 ـ فقيل له : يا ابن رسول الله (5) ففي القبر نعيم ، وعذاب ؟

--------------------
(1) عنه البحار : 24/ 389 ضمن ح 112 ، والبرهان : 1/ 71 ضمن ح 2 ، ومستدرك الوسائل : 3/ 60 ح 4 (قطعة) .
(2) ( سبيل ) أ ، ط .
(3) ( تجيئوا ) ب ، ط .
(4) عنه البحار : 6/ 236 صدر ح 54 ، والبرهان : 1/ 72 ح 1 .
(5) ( يا رسول الله ) ب ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 212 _
  قال : إي ، والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالحق نبيا ، وجعله زكيا هاديا ، مهديا .
  وجعل أخاه عليا بالعهد وفيا ، وبالحق مليا ولدى الله مرضيا ، وإلى الجهاد سابقا ، ولله في أحواله موافقا ، وللمكارم حائزا ، وبنصر الله على أعدائه فائزا ، وللعلوم حاويا ، ولاولياء الله (1) مواليا ، ولاعدائه مناويا (2) وبالخيرات ناهضا ، وللقبائح رافضا وللشيطان مخزيا ، وللفسقة المردة مقصيا (3) ولمحمد (صلى الله عليه وآله) نفسا ، وبين يديه لدى المكاره ترسا وجنة .
  آمنت به أنا ، وأبي (4) علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، عبد رب الارباب ، المفضل على أولي الالباب الحاوي لعلوم الكتاب ، زين من يوافي يوم القيامة في عرصات الحساب بعد محمد (صلى الله عليه وآله) صفي الكريم العزيز الوهاب إن في القبر نعيما يوفر الله به حظوظ أوليائه وإن في القبر عذابا يشدد الله به على أعدائه .
  ان المؤمن الموالي لمحمد وآله الطيبين ، المتخد لعلي بعد محمد (صلى الله عليه وآله) إمامه الذي يحتذي مثاله ، وسيده الذي يصدق أقواله ، ويصوب أفعاله ، ويطيعه بطاعة من يندبه من أطائب ذريته لامور الدين وسياسته ، إذا حضره من ـ أمر ـ الله تعالى مالا يرد ، ونزل به من قضائه مالا يصد ، وحضره ملك الموت وأعوانه ، وجد عند رأسه محمدا (صلى الله عليه وآله) رسول الله ـ سيد النبيين ـ من جانب ، ومن جانب آخر عليا (عليه السلام) سيد الوصيين ، وعند رجليه من جانب الحسن (عليه السلام) سبط سيد النبيين ، ومن جانب آخر الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء أجمعين ، وحواليه بعدهم خيار خواصهم ومحبيهم الذين هم سادة هذه الامة بعد ساداتهم من آل محمد فينظر إليهم

--------------------
(1) ( لاوليائه ) ب ، ط .
(2) ( معاديا ) أ .
(3) ( مغضبا ) أ .
(4) ( أخى ) ب ، س ، ص ، ط . باعتبار أن المتكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما أشرنا في صدر الحديث ، وهو تصحيف ظاهرا . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 213 _
  العليل المؤمن ، فيخاطبهم بحيث يحجب الله صوته عن آذان حاضريه كما يحجب رؤيتنا أهل البيت ورؤية خواصنا عن عيونهم ، ليكون إيمانهم بذلك أعظم ثوابا لشدة المحنة عليهم فيه .
  فيقول المؤمن : بأبي أنت وأمي يا رسول رب العزة ، بأبي أنت وأمي يا وصي رسول ـ رب ـ الرحمة ، بأبي أنتما وأمي يا شبلي محمد وضرغاميه ، و ـ يا ـ ولديه وسبطيه ، و ـ يا ـ سيدي شباب أهل الجنة المقربين من الرحمة والرضوان .
  مرحبا بكم ـ يا ـ معاشر خيار أصحاب محمد وعلي وولديهما (1) ماكان أعظم شوقي إليكم ! وما أشد سروري الآن بلقائكم ! يا رسول الله هذا ملك الموت قد حضرني ، ولا أشك في جلالتي في صدره (2) لمكانك ومكان أخيك مني .
   فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : كذلك هو .
  ثم يقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ملك الموت فيقول : يا ملك الموت استوص بوصية الله في الاحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا .
  فيقول ـ له ـ ملك الموت : يا رسول الله مره أن ينظر إلى ماقد أعد ـ الله ـ (3) له في الجنان .
  فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنظر إلى العلو ، فينظر (4) إلى مالا تحيط به الالباب ولا يأتي عليه العدد والحساب .
  فيقول ملك الموت : كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه ، وهذا محمد وعترته (5) زواره ؟ يا رسول الله لو لا أن الله جعل الموت عقبة لا يصل إلى تلك الجنان إلا من

--------------------
(1) ( ولديه ) أ ، والتأويل .
(2) ( صدرى ) أ ، وهو تصحيف .
(3) من البحار .
(4) ( وينظر إلى العلو ) أ ، س ، وفى ( ب ، ص ، ط ) بلفظ : انظر ، فينظر إلى العلو ، وينظر .
(5) ( أعزته ) ب ، س ، ص ، ط . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 214 _
  قطعها ، لما تناولت روحه ، ولكن لخادمك ومحبك هذا أسوة بك وبسائر أنبياء الله ورسله وأوليائه الذين أذيقوا الموت بحكم الله تعالى .
  ثم يقول محمد (صلى الله عليه وآله) : يا ملك الموت هاك أخانا قد سلمناه إليك فاستوص به خيرا .
   ثم يرتفع هو ومن معه إلى ربض (1) الجنان ، وقد كشف عن الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل ، فيراهم المؤمن هناك بعد ماكانوا حول فراشه .
  فيقول : يا ملك الموت الوحا ، الوحا (2) تناول روحي ولا تلبثني ههنا ، فلا صبر لي عن محمد وعترته (3) وألحقني بهم .
  فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فيسلها ، كما يسل الشعرة من الدقيق ، وإن كنتم ترون أنه في شدة فليس في شدة ، بل هو فيرخاء ولذة .
  فاذا أدخل قبره وجد جماعتنا هناك ، فاذا جاء منكر ونكير قال أحدهما للاخر :هذا محمد ، و ـ هذا ـ علي والحسن والحسين وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا فلنتضع (4) لهم .
  فيأتيان ويسلمان على محمد (صلى الله عليه وآله) سلاما ـ تاما ـ منفردا ، ثم يسلمان على علي سلاما تاما منفردا ، ثم يسلمان على الحسن والحسين سلاما يجمعانهما فيه ، ثم يسلمان على سائر من معنا من أصحابنا .
  ثم يقولان : قد علمنا يا رسول الله زيارتك في خاصتك لخادمك ومولاك ، ولو لا أن الله يريد إظهار فضله لمن بهذه الحضرة من أملاكه ـ ومن يسمعنا من ملائكته بعدهم ـ لما سألناه ، ولكن أمر الله لابد من امتثاله .
  ثم يسألانه فيقولان : من ربك؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ومن إمامك؟ وما قبلتك (5) ؟

--------------------
(1) ( رياض ) خ ل ، الربض ـ بالضم : ـ وسط الشئ، وبالتحريك : نواحيه .
(2) بالمد والقصر : السرعة ، السرعة
(3) ( أعزته ) أ ، س ، ص ، والبحار : 6 .
(4) أى فلنتذلل ولنتخشع .
(5) زاد في البحار : ومن شيعتك . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 215 _
  ومن إخوانك ؟ فيقول : الله ربي ، ومحمد نبيي؟ ؟ وعلي وصي محمد (1) إمامي ، والكعبة قبلتي والمؤمنون الموالون لمحمد وعلي ـ وآلهما ـ (2) وأوليائهما ، والمعادون لاعدائهما إخواني .
  ـ و ـ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن أخاه عليا ولي الله، وأن من نصبهم للامامة من أطائب عترته وخيار ذريته خلفاء الامة (3) وولاة الحق ، والقوامون بالعدل (4) .
  فيقول : على هذا حييت ، وعلى هذا مت ، وعلى هذا تبعث إن شاء الله تعالى ، وتكون مع من تتولاه في دار كرامة الله ومستقر رحمته .
  قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وإن كان لاوليائنا معاديا ،ولاعدائنا مواليا ، ولاضدادنا بألقابنا ملقبا ، فاذا جاءه ملك الموت لنزع روحه .
  مثل الله عزوجل لذلك الفاجر سادته الذين اتخذهم أربابا من دون الله، عليهم من أنواع العذاب مايكاد نظره إليهم يهلكه ، ولا يزال يصل (5) إليه من حر عذابهم مالا طاقة له به .
  فيقول له ملك الموت : ـ يا ـ أيها الفاجر الكافر تركت أولياء الله إلى (6) أعدائه فاليوم لا يغنون عنك شيئا ، ولا تجد إلى مناص سبيلا .
  فيرد (7) عليه من العذاب ما لو قسم أدناه على أهل الدنيا لاهلكهم .
  ثم إذا أدلي في قبره رأى بابا من الجنة مفتوحا إلى قبره يرى منه خيراتها ، فيقول

--------------------
(1) ( وصيه ) أ .
(2) من البحار .
(3) ( الائمة ) أ ، ص .
(4) ( بالصدق ) أ ، ص ، ( بالقسط ) خ ل .
(5) ( يوصل الله ) أ .
(6) ( وجئت إلى ) أ .
(7) ( فيزاد ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 216 _
   له ـ منكر ونكير : انظر إلى ما حرمته من ـ تلك ـ الخيرات .
  ثم يفتح له في قبره باب من النار يدخل عليه منه (1) ـ من ـ عذابها .
  فيقول : يا رب لاتقم الساعة ـ يارب ـ لا تقم الساعة .
   (2) قوله عزوجل : ( هو الذى خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء فسويهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم ) : 29 .
  99 ـ ـ قال الامام (عليه السلام) : ـ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (هو الذي خلق لكم مافي الارض جميعا) خلق لكم ـ مافي الارض جميعا ـ (3) لتعتبروا به وتتوصلوا به إلى رضوانه ، وتتوقوا ـ به ـ من عذاب نيرانه .
  ( ثم استوى إلى السماء ) أخذ في خلقها وإتقانها (فسويهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم) ولعلمه بكل شئ علم المصالح (4) فخلق لكم ـ كل ـ ما في الارض لمصالحكم يا بني آدم .
   (5) قوله عزوجل : ( واذ قال ربك للملائكة انى جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال انى اعلم مالا تعلمون وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين . قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم .
   قال يا ادم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم

--------------------
(1) ( من ذلك الباب ) أ .
(2) عنه المحتضر : 20 ، وتأويل الايات : 2/ 644 ح 10 ، والبحار : 6/ 173 ح 1 ، وص 236/ 54 (قطعة) ، ومدينة المعاجز : 186 ح 512 .
(3) من البحار .
(4) ( الصالح ) ص .
(5) عنه البحار : 3/ 40 ح 14 ، وعن عيون الاخبار ، 2/ 12 ح 29 باسناده عن ابن القاسم المفسر ، عن يوسف بن محمد ، وأخرجه في البرهان : 1/ 72 ح 1 عن العيون . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 217 _
  بأسمائهم قال ألم أقل لكم انى أعلم غيب السموات والارض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) 31
   33 100 ـ قال الامام (عليه السلام) : لما قيل لهم (هو الذي خلق لكم ما في الرأض جميعا) الآية ، قالوا : متى كان هذا ؟ فقال الله عزوجل (1) ـ حين قال ربك للملائكة الذين كانوا في الارض مع إبليس وقد طردوا عنها الجن بني الجان ، وخفت (2) العبادة : ـ (إني جاعل في الارض خليفة) بدلا منكم ورافعكم منها فاشتد ذلك عليهم لان العبادة عند رجوعهم إلى السماء تكون أثقل عليهم .
  (فقالوا) ربنا (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) كما فعلته الجن بنو الجان الذين قد طردناهم عن هذه الارض (ونحن نسبح بحمدك) ننزهك عما لا يليق بك من الصفات (ونقدس لك) نطهر أرضك ممن يعصيك .
  قال الله تعالى : (إني أعلم مالا تعلمون) إني أعلم من الصلاح الكائن فيمن أجعله بدلا منكم مالا تعلمون .
  وأعلم أيضا أن فيكم من هو كافر في باطنه ـ ما ـ لا تعلمون ـ ه ـ ـ وهو إبليس لعنه الله ـ.

--------------------
(1) ( قال الله عزوجل ) واذ قال ربك ( ابدائى هذا الخلق لكم ما في الارض جميعا ) ب ، س ، ص ، ط .
قال البيضاوى في تفسيره : 1/ 134 عند تفسيره هذه الاية : وأما قوله تعالى ( واذكر أخا عاد ) ونحوه فعلى تأويل : اذكر الحادث اذ كان كذا ، فحذف الحادث واقيم الظرف مقامه ، وعامله في الاية قالوا ، أو اذكر على التأويل المذكور لانه جاء معمولا له صريحا في القرآن كثيرا أو مضمرا دل عليه مضمون الاية المتقدمة مثل ( وبدا خلقكم اذا قال ) وعلى هذا فالجملة معطوفة على ( خلق لكم ) داخلة في حكم الصلة .
(2) ( حقت ) أ . (*)