السلام عليك يا رسول رب العالمين
(1) وسيد الخلق أجمعين .
ووضعها خدودهما على التراب ، ومرغاها
(2) بين يديه ، وقالا : نحن كنا دعاة إليك ، بعثنا إليك هذا الراعي وأخبرناه بخبرك .
فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المنافقين معه فقال : ما للكافرين عن هذا محيص ، ولا للمنافقين عن هذا موئل ولا معدل .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه واحدة ، قد علمتم صدق الراعي فيها ، أفتحبون
(3) أن تعلموا صدقه في الثانية ؟ قالوا : بلى يا رسول الله.
قال : أحيطوا بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ففعلوا ، ثم نادى رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أيها الذئبان إن هذا محمد ، قد أشرتما للقوم إليه وعينتما عليه ، فأشيرا وعينا
(4) علي بن أبي طالب الذي ذكرتماه بما ذكرتماه .
قال : فجاء الذئبان ، وتخللا القوم ، وجعلا يتأملان الوجوه والاقدام ، فكل من تأملاه أعرضا عنه ، حتى بلغا عليا (عليه السلام) فلما تأملاه مرغا في التراب أبدانهما ، ووضعا ـ على الارض ـ بين يديه خدودهما ، وقالا : السلام عليك يا حليف الندى
(5) ، ومعدن النهى
(6) ، ومحل الحجى
(7) ـ وعالما ـ بما في الصحف الاولى ـ و ـ وصي المصطفى .
السلام عليك يا من أسعد الله به محبيه ، وأشقى بعداوته شانئيه وجعله سيد آل محمد وذويه .
السلام عليك يا من لو أحبه أهل الارض كما يحبه أهل السماء لصاروا خيار الاصفياء ، ويا من لو أحسن بأقل قليل من أنفق في سبيل الله ما بين العرش إلى الثرى
--------------------
(1) ( الله ) أ ، ( الله رب العالمين ) البحار .
(2) ( ومرغاهما ) أ .
(3) ( أتحبون ) ب ، ط .
(4) ( وأعينا على ) أ .
(5) أي ملازم الجود لا يفارقه كما لا يفارق الحليف صاحبه .
(6) أي العقل .
(7) أي العقل والفطنة . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 188 _
لانقلب بأعظم الخزي والمقت من العلي الاعلى .
قال : فعجب أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين كانوا معه ، وقالوا : يا رسول الله ما ظننا أن لعلي هذا المحل من السباع مع محله منك
(1) .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فكيف لو رأيتم محله من سائر الحيوانات المبثوثات في البر والبحر ، وفي السماوات والارض، والحجب والعرش والكرسي ، والله لقد رأيت من تواضع أملاك سدرة المنتهى لمثال علي المنصوب بحضرتهم ـ ليشيعوا
(2) بالنظر إليه بدلا من النظر إلى علي كلما اشتاقوا إليه ـ ما يصغر
(3) في جنبه تواضع هذين الذئبين .
وكيف لا يتواضع الاملاك وغيرهم من العقلاء لعلي (عليه السلام) ؟ وهذا رب العزة قد آلى (على نفسه)
(4) قسما حقا : لا يتواضع أحد لعلى (عليه السلام) قدر
(5) شعرة إلا رفعه الله في علو الجنان
(6) مسيرة مائة ألف سنة .
وإن التواضع الذي تشاهدون ، يسير قليل في جنب هذه الجلالة والرفعة اللتين عنهما تخبرون
(7) .
(8)
--------------------
(1) ( عندك ) أ .
(2) ( ليشبعوا ) ب ، ص ، ط ، والبحار ، وشايعه شياعا وشيعه : تابعه .
(3) ( يصغى ) أ ، تقول : أصغى حقه : اذا نقصه .
(4) ( بنفسه ) أ .
(5) ( قيس ) س ، البحار .
(6) ( الجلال ) أ .
(7) ( تحيرون ) أ ، ( تجزون ) ص .
(8) عنه البحار : 7/ 274 ح 49 (قطعة) ، وج 17/ 321 ضمن ح 15 ، ومدينة المعاجز : 42 ،
وأورد مثله في ثاقب المناقب : 39 (مخطوط) عن أبى سعيد الخدرى باختصار . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 189 _
حديث حنين العود :
ـ وفيه ما يدل على فضل على (عليه السلام) :
88 ـ وأما حنين العود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يخطب بالمدينة إلى جذع نخلة في صحن مسجدها ، فقال له بعض أصحابه (1) :يا رسول الله إن الناس قد كثروا ، وأنهم يحبون النظر إليك إذا خطبت .
فلو (2) أذنت ـ في ـ أن نعمل لك منبرا له مراق ترقاها فيراك الناس إذا الناس إذا خطبت .
فأذن في ذلك ، فلما كان يوم الجمعة مر بالجذع ، فتجاوزه إلى المنبر فصعده ، فلما استوى عليه حن إليه ذلك الجذع حنين الثكلى ، وأن أنين الحبلى ، فارتفع بكاء الناس وحنينهم وأنينهم ، وارتفع حنين الجذع وأنينه في حنين الناس وأنينهم ارتفاعا بينا .
فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك نزل عن المنبر ، وأتى الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده ، وقال : اسكن فما تجاوزك رسول الله (صلى الله عليه وآله) تهاونا بك ، ولا استخفافا بحرمتك ولكن ليتم لعباد الله مصلحتهم ، ولك جلالك وفضلك إذ كنت مستند محمد رسول الله.
فهدأ حنينه وأنينه ، وعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منبره ، ثم قال : معاشر المسلمين هذا الجذع يحن إلى رسول رب العالمين ، ويحزن لبعده عنه وفي عباد الله ـ الظالمين أنفسهم ـ من لا يبالي : قرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو بعد ـ و ـ (3) لولا أني ما احتضنت هذا الجذع ، ومسحت يدي عليه ما هدأ حنينه ـ وأنينه ـ إلى يوم القيامة .
وإن من عباد الله وإمائة لمن (4) يحن إلى محمد رسول الله وإلى علي ولي الله كحنين هذا الجذع ، وحسب المؤمن أن يكون قلبه على موالاة محمد وعلي وآلهما الطيبين ـ الطاهرين ـ منطويا ، أرأيتم شدة حنين هذا الجذع إلى محمد رسول الله
؟
--------------------
(1) ( أهله ) ب ، س ، ط
(2) ( فان ) ب ، ط .
(3) من البحار .
(4) ( لم ) أ . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 190 _
كيف هدأ لما احتضنه محمد رسول الله ومسح يده عليه ؟ قالوا بلى : يا رسول الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : والذى بعثني بالحق نبيا ، إن حنين خزان الجنان وحور عينها وسائر قصورها ومنازلها إلى من يتولى (1) محمدا وعليا وآلهما الطيبين ويبرأ (2) من أعدائهم ، لاشد من حنين هذا الجذع الذي رأيتموه إلى رسول الله.
وإن الذي يسكن حنينهم وأنينهم ، ما يرد عليهم من صلاة أحدكم ـ معاشر شيعتنا ـ على محمد وآله الطيبين ، أو صلاته لله (3) نافلة ، أو صوم أو صدقة .
وإن من عظيم ما يسكن حنينهم إلى شيعة محمد وعلي ما يتصل ـ بهم ـ من إحسانهم إلى إخوانهم المؤمنين ، ومعونتهم لهم على دهرهم ، يقول أهل الجنان بعضهم لبعض : لا تستعجلوا صاحبكم ، فما يبطئ عنكم إلا للزيادة في الدرجات العاليات في هذه الجنان باسداء المعروف إلى إخوانه (4) المؤمنين .
وأعظم من ذلك ـ مما يسكن حنين سكان الجنان وحورها إلى شيعتنا ـ ما يعرفهم الله من صبر شيعتنا على التقية واستعمالهم (5) التورية ليسلموا بها من كفرة عباد الله وفسقتهم (6) فحينئذ يقول خزان الحنان وحورها : لنصبرن على شوقنا إليهم ـ وحنيننا ـ (7) كما يصبرون على سماع المكروه في ساداتهم وأئمتهم ، وكما يتجرعون الغيظ ويسكتون عن إظهار الحق لما يشاهدون من ظلم من لايقدرون على دفع مضرته .
فعند ذلك يناديهم ربنا عزوجل : ( يا سكان جناني ويا خزان رحمتي ما لبخل أخرت عنكم أزواجكم وساداتكم ، ولكن ليستكملوا (8) نصيبهم من كرامتي بمواساتهم
--------------------
(1) ( يتوالى ) أ ، ب ، ص ، ط ، ( توالى ) البحار : 68 ، ( يوالى ) البحار : 8 و 17 .
(2) ( يتبرأ ) أ ، ب ، س ، ط ، ( تبرأ ) البحار : 68 .
(3) ( صلوات ) أ ، ( صلاة ) البحار .
(4) ( اخوانهم ) الاصل ، وما في المتن كما في البحار .
(5) ( استعمالها ) ب ، ط .
(6) ( فسقهم ) أ .
(7) ليس في البحار ، وفى ( أ ) وحنيننا اليهم .
(8) ( الا ليستعملوا ) أ (*).
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 191 _
إخوانهم المؤمنين ، والاخذ بأيدي الملهوفين ، والتنفيس عن المكروبين ، وبالصبر على التقية من الفاسقين والكافرين ، حتى إذا استكملوا أجزل كراماتي (1) نقلتهم إليكم على أسر الاحوال وأغبطها فابشروا ،فعند ذلك يسكن حنينهم وأنينهم (2) .
قلب السم على اليهود
89 ـ وأما قلب الله السم على اليهود الذين قصدوه ـ به ـ ـ وأهلكهم
(3) الله به ـ فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما ظهر بالمدينة اشتد حسد ( ابن أبي )
(4) له ، فدبر عليه أن عليه أن يحفر له حفيرة
--------------------
(1) ( كرامتى ) ب ، ط
(2) عنه البحار : 8/ 163 ح 106 ، وج 17/ 326 ضمن ح 15 ، وج 68/ 33 ح 70 ، وروى مثله في الخرائج والجرائح : 83 (مخلوط) باختصار .
(3) ( واهلاكهم ) ط .
(4) لا غرابة في أن يذكر ( ابن ابى ) المنافق هنا ويقترن اسمه باليهود بل في قوله : ( اشتد حسده زيادة على حسدهم ) لطف ، فما ذكر في كتب السيرة والتاريخ الا وتبعه موقف له مشهود مع اليهود : عن عاصم بن عمر أن بنى قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ... فحاصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى نزلوا على حكمه فقام عبدالله ابن ابى بن سلول إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أمكنه الله منهم ، فقال : يامحمد أحسن في موالى ـ وكانوا حلفاء الخزرج ـ ... فقال النبى (صلى الله عليه وآله) : هم لك ، خلوهم لعنهم الله ولعنهم معه ، وعن عبادة بن الوليد قال ( لما حاربت بنو قينقاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشبث بأمرهم عبدالله بن ابى وقام دونهم ... ) (دلائل النبوة : 3/ 174 ، ابن الاثير : 2/ 138) .
وفى الكامل لابن الاثير : 2/ 112 : جاء أبوقيس الاسلت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلقيه عبدالله بن أبى المنافق فقال : كرهت قتال الخزرج ... وعلى الجملة لا تخفى هويته على أحد ، فعن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن كفار قريش كتبوا إلى ابن ابى ، من كان يعبد ـ < (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 192 _
في مجلس من مجالس داره ، ويبسط فوقها بساطا ، وينصب في أسفل الحفيرة أسنة رماح ونصب
(1) سكاكين مسمومة ، وشد أحد
(2) جوانب البساط والفراش إلى الحائط ليدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخواصه مع علي (عليه السلام) ، فاذا وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجله على البساط وقع في الحفيرة ، وكان قد نصب في داره ، وخبأ رجالا بسيوف مشهورة يخرجون على علي (عليه السلام) ومن معه عند وقوع محمد (صلى الله عليه وآله) في الحفيرة فيقتلونهم بها ودبر أنه إن
(3) لم ينشط للقعود على ذلك البساط أن يطعموه من طعامهم
(4) المسموم ليموت هو وأصحابه معه جميعا .
فجاءه جبرئيل (عليه السلام) وأخبره بذلك ، وقال له : إن الله يأمرك أن تقعد حيث يقعدك وتأكل مما يطعمك ، فانه مظهر عليك آياته ، ومهلك أكثر من تواطأ على ذلك فيك .
فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقعد
(5) على البساط ، وقعدوا عن يمينه وشماله وحواليه ، ولم يقع في الحفيرة ، فتعجب ابن ابي ونظر ، فاذا قد صار ما تحت البساط أرضا ملتئمة .
وأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام) وصحبهما بالطعام المسموم ، فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضع يده في الطعام قال : يا علي أرق
(6) هذا الطعام بالرقية النافعة .
فقال علي (عليه السلام) : ( بسم الله الشافي، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لايضر مع اسمه شئ ـ ولا داء ـ في الارض ولا في السماء ، وهو السميع العليم ) .
ثم أكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) ومن معهما حتى شبعوا ، ثم جاء أصحاب عبدالله بن ابي وخواصه ، فأكلوا فضلات رسول الله (صلى الله عليه وآله)
--------------------
معه الاوثان من الاوس والخزرج ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر ... فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود ، (دلائل النبوة : 3/ 178) .
(1) ( ينصب ) ب ، س ، ط .
(2) ( آخر ) أ .
(3) ( لو ) ب .
(4) ( الطعام ) أ .
(5) ( وعلى (عليه السلام) وأصحابهما وقعدا ) ب ، ط .
(6) من الرقية ، وهى العوذة (*).
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 193 _
وصحبه ، ظنا منهم (1) أنه قد غلط ولم يجعل فيه سما (2) لما رأوا محمدا وصحبه لم يصبهم مكروه .
وجاءت بنت عبدالله بن ابي إلى ذلك المجلس المحفور تحته ، المنصوب فيه ما نصب ، وهي كانت دبرت ذلك ، ونظرت فاذا ما تحت البساط أرض ملتئمة ، فجلست على البساط واثقة ، فأعاد الله الحفيرة بما فيها فسقطت فيها وهلكت ، فوقعت الصيحة .
فقال عبدالله بن ابي : إياكم ـ و ـ أن تقولوا أنها سقطت في الحفيرة ، فيعلم محمد ما كنا دبرناه عليه .
فبكوا ـ وقالوا : ـ ماتت العروس ـ وبعلة عرسها كانوا دعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ ومات القوم الذين أكلوا فضلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
فسأل ـ ـ ه ـ رسول الله عن سبب موت الابنة والقوم ؟ فقال ابن ابي : سقطت من السطح ، ولحق القوم تخمة .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ـ الله ـ (3) أعلم بماذا ماتوا ، وتغافل عنهم (4).
نظير المعجزة المذكورة لعلي (عليه السلام):
90 ـ قال على بن الحسين (عليهما السلام) : وكان نظيرها لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) مع جد بن قيس
(5) وكان تالي عبدالله بن ابي في النفاق ، كما أن
(6) علي تالي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الكمال والجمال والجلال .
--------------------
(1) ( ظنوا ) س ، ط .
(2) ( سموما ) ب ، س ، ط ، والبحار .
(3) من البحار .
(4) عنه البحار : 17/ 328 ضمن ح 15 ، ومدينة المعاجز : 79 .
(5) كان من رؤساء المنافقين ، قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هل لك في جلاد بنى الاصفر ؟ فقال : والله لقد عرف قومى حبى للنساء ، وأخشى أن لا أصبر على نساء بنى الاصفر ، فان رأيت أن تأذن لى ولا تفتنى ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قد أذنت لك ، فأنزل الله تعالى ( ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى ) التوبة : 49 ، (انظر تاريخ الطبرى : 2/ 277)
(6) ( كان ) ب ، ط (*).
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 194 _
وتفرد جد مع عبدالله بن ابي ـ بعد هذه القصة (1) التي سلم الله منها محمدا وصحبه وقلبها على عبدالله بن ابي ـ فقال له : إن محمدا (صلى الله عليه وآله) ماهر بالسحر ، وليس علي (عليه السلام) كمثله ، فاتخذ أنت يا جد لعلي دعوة بعد أن تتقدم في تنبيش (2) أصل حائط بستانك ، ثم يقف رجال خلف الحائط بخشب يعتمدون بها على الحائط ، ويدفعونه على علي (عليه السلام) ـ ومن معه ـ ليموتوا تحته .
فجلس على (عليه السلام) تحت الحائط (3) فتلقاه بيسراه ودفعه (4) وكان الطعام بين أيديهم فقال علي (عليه السلام) : كلوا بسم الله.
وجعل يأكل معهم حتى أكلوا وفرغوا ، وهو يمسك الحائط بشماله ـ والحائط ثلاثون ذراعا طوله في خمسة ـ عشر ـ ذراعا سمكه ، في ذراعين غلظه ـ فجعل أصحاب علي (عليه السلام) ـ وهم يأكلون ـ يقولون : يا أخا رسول الله أفتحامي هذا و ـ أنت ـ (5) تأكل ؟ فانك تتعب في حبسك هذا الحائط عنا .
فقال على (عليه السلام) : إني لست أجد له من المس بيساري إلا أقل مما أجده من ثقل هذه اللقمة بيميني .
وهرب جد بن قيس ، وخشي أن يكون علي قد مات وصحبه ، وإن محمدا يطلبه لينتقم منه ، واختبأ عند عبدالله بن ابي ، فبلغهم أن عليا قد أمسك الحائط بيساره وهو يأكل بيمينه ، وأصحابه تحت الحائط لم يموتوا .
فقال أبوالشرور وأبوالدواهي اللذان كانا أصل التدبير في ذلك : إن عليا قد مهر بسحر محمد فلا سبيل لنا عليه ، فلما فرغ القوم مال علي (عليه السلام) على الحائط بيساره (6) فأقامه وسواه ، ورأب (7)
--------------------
(1) أى قصة قلب السم على اليهود وسقوط بنت ابن ابى في الحفرة ، وفى ( ص ) القضية .
(2) ( تنفيش ) أ ، ( تفتيش ) ب ، ص ، ط ، وكلاهما تصحيف من في المتن .
(3) أضاف في ( أ ) ويدفعونه .
(4) ( وأوقفه ) البحار
(5) من البحار .
(6) ( بيسراه ) ب ، ط .
(7) أى أصلح (*).
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 195 _