ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) : ياعباد الله إنما يعرف الفضل أهل الفضل .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (لسعد : أبشر)
(1) فان الله يختم لك بالشهادة ويهلك بك أمة من الكفرة ،ويهتز (عرش الرحمن)
(2) لموتك ، ويدخل بشفاعتك الجنة مثل عدد ـ شعور ـ الحيوانات كلها
(3).
قال : فذلك قوله تعالى (جعل لكم الارض فراشا) تفترشونها لمنامكم ومقيلكم .
(والسماء بناء) سقفا محفوظا أن تقع على الارض بقدرته تجري فيها شمسها وقمرها وكواكبها مسخرة
(4) لمنافع عباده وإمائه .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تعجبوا لحفظه السماء أن تقع على الارض، فان الله عزوجل يحفظ ما هو أعظم من ذلك .
قالوا : وما هو ؟ قال : أعظم من ذلك ثواب طاعات المحبين لمحمد وآله .
ثم قال : (وأنزل من السماء ماء) يعني المطر ينزل مع كل قطرة ملك يضعها في موضعها الذي يأمره به ربه عزوجل .
فعجبوا من ذلك .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أو تستكثرون عدد هؤلاء ؟ إن عدد الملائكة المستغفرين لمحبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) أكثر من عدد هؤلاء ـ ، وإن عدد الملائكة اللاعنين لمبغضيه أكثر من عدد هؤلاء .
ثم قال الله عزوجل :( فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ) ألا ترون كثرة ـ عدد ـ
(5) هذه الاوراق والحبوب والحشائش ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ما أكثر عددها !
--------------------
(1) ( أبشر يا على ) أ ، س ، ص ، نتصحيف ظ .
(2) روى الصدوق في معانى الاخبار : 388 ح 25 عن أبى بصير قال : قلت لابى عبدالله (عليه السلام) : ان الناس يقولون : ان العرش اهتز لموت سعد بن معاذ ؟ فقال (عليه السلام) :انما هو السرير الذى كان عليه ، انظر دلائل النبوة : 4/ 28
(3) ( مثل حيوانات كليب ) س .
(4) ( سخرها ) أ .
(5) من البحار . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) _ 152 _
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أكثر عددا منها ملائكة
(1) يبتذلون لآل محمد (صلى الله عليه وآله) فيخدمتهم ، أتدرون فيما يبتذلون لهم ؟ ـ يبتذلون ـ
(2) في حمل أطباق النور ، عليها التحف من عند ربهم فوقها مناديل النور ، ـ و ـ يخدمونهم في حمل ما يحمل آل محمد منها إلى شيعتهم ومحبيهم ، وأن طبقا من تلك الاطباق يشتمل من الخيرات على مالا يفي بأقل جزء منه جميع أموال الدنيا
(3).
قوله عزوجل : ( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين ، فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين ، وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل واتوا به متشابها ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون ) 23 ـ 25 76 ـ قال الامام
(4) (عليه السلام) : فلما ضرب الله الامثال للكافرين المجاهرين الدافعين لنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) والناصبين المنافقين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، الدافعين ما
(5) قاله محمد (صلى الله عليه وآله) في أخيه علي ، والدافعين أن يكون ما قاله عن الله تعالى ، وهي آيات محمد (صلى الله عليه وآله) ومعجزاته ـ لمحمد ـ مضافة إلى آياته التي بينها لعلي (عليه السلام) بمكة والمدينة ، ولم يزدادوا إلا عتوا وطغيانا قال الله تعالى لمردة أهل مكة وعتاة أهل المدينة : (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) حتى تجحدوا أن يكون محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن يكون هذا المنزل
--------------------
(1) ( الملائكة ) أ .
(2) من البحار .
(3) عنه تأويل الايات : 1/ 41 ح 14 (قطعة) والبحار : 27/ 97 ح 60 ، وج 59 ، 379 ح
18 قطعة .
(4) ( العالم موسى بن جعفر ) أ ، س ، ص ، البحار : 17 و 92 ، ( العالم ) البحار : 9 ، والبرهان .
(5) ( أن يكون ما ) أ ، ص . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 153 _
عليه ـ كلامي ، مع إظهاري عليه ـ بمكة ، الباهرات من الآيات كالغمامة التي كانت يظله بها (1) في أسفاره ، والجمادات التي كانت تسلم عليه من الجبال والصخور و الاحجار والاشجار ، وكدفاعه قاصديه بالقتل عنه ، وقتله إياهم ، وكالشجرتين المتباعدتين اللتين تلا صقتا فقعد خلفهما لحاجته ، ثم تراجعتا إلى مكانهما (2) كما كانتا ، وكدعائه الشجرة فجاءته مجيبة (3) خاضعة
ذليلة ، ثم أمره لها بالرجوع فرجعت سامعة مطيعة (فأتوا) يا معشر قريش واليهود (ويا معشر النواصب) (4) المنتحلين الاسلام ، الذين هم منه براء ، ويا معشر العرب الفصحاء البلغاء ذوي الالسن .
(بسورة من مثله) من مثل محمد (5) (صلى الله عليه وآله) ، رجل (6) منكم لا يقرأ ولا يكتب ولم
--------------------
(1) ( مظلة بها (به/ خ ل) ) أ .
(2) ( أمكنتهما ) أ ، س ، والبحار .
(3) ( مجيئة ) أ ، ( فجيئته ) ب ، ط ، وكلاهما تصحيف لما في المتن .
(4) ( والنواصب ) أ .
(5) يجد القارئ اللبيب نظير هذا ـ بأسطر ـ :( فاتوا ) من مثل هذا الرجل بمثل هذا الكلام ومثله ضمن ح 92 بلفظ ( فاتوا بسورة من مثله ، مثل محمد امى لم يختلف قط إلى أصحاب كتب ... ثم جاءكم بعد بهذا الكتاب ) ،وسيأتى ما يتوهم معه التناقض والمنافاة في ذيل هذا الحديث وهو : ( فاتوا بسورة من مثله يعنى من مثل هذا القرآن من التوراة والانجيل وصحف ابراهيم ... فانكم لا تجدون في سائر كتب الله سورة كسورة من القرآنز ... ) ، قال المجلسى ـ رحمه الله ـ : ان هذا الخبر يدل على أن ارجاع الضمير في ( مثله ) إلى النبى ، والى القرآن كليهما ، مراد الله تعالى بحسب بطون الاية الكريمة ، أقول : يمكن أن يكون المعنى جامعا يعبر عنه مرة بلفظ الاول، واخرى بالثانى ، فلا منافاة وبيانه أن : فاتوا بسورة من مثل محمد ـ الامى ـ من الانبياء أو الخطباء والبلغاء من العرب ، فهل تجدون في كتب الانبياء أو كلمات الفصحاء سورة بمثل ما هو في القرآن الذى جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) ؟ حاشا ثم حاشا .
وبعد ، ففى التفاسير ذكروا احتمالين في ارجاع الضمير إلى محمد أو القرآن ، والاصل (*) في ذلك قوله تعالى ( من ) قبل قوله ( مثله ) ، والاحتمالات فيها أربع : أن تكون زائدة أو للتبيين أو للتبعيض أو للابتداء ، فالاول غيرممكن ، والثانى بحكمه ، والثالث يقتضى وجود ( المثل ) والامر هو الاتيان بسورة منه ، وهذا غير ممكن أيضا ، وأما الرابع أى للابتداء ، فيكون المعنى : فاتوا بسورة من جانب ( مثل ) محمد ـ الامى ـ لا يقرأ ولا يكتب .
وتجدر الاشارة إلى أن هذه الاية تميزت عن غيرها من آيات التحدى بلفظ ( من ) ـ مما استوجب التوضيح والتفصيل كما ترى في تفسيرنا هذا ـ قال تعالى ( فليأتوا بحديث مثله ) مثله الطور : 34 ، و ( فاتوا بسورة مثله ) يونس : 38 ، و ( فاتو بعشر سور مثله ) هود : 13 و ( قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ) الاسراء : 88 .
(6) من مثل رجل ( ب ، ط .
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 154 _
يدرس كتابا ، ولا اختلف إلى عالم ولا تعلم من أحد ، وأنتم تعرفونه في أسفاره وحضره بقي كذلك أربعين سنة ثم أوتي جوامع العلم ـ حتى علم ـ علم الاولين والآخرين .
فان كنتم في ريب من هذه الآيات فاتوا (1) من مثل هذا الكلام ليبين أنه كاذب كما تزعمون .
لان كل ماكان من عند غير الله فسيوجد له نظير في سائر خلق الله.
وإن كنتم معاشر قراء الكتب من اليهود والنصارى في شك مما جاءكم به محمد (صلى الله عليه وآله) من شرائعه ، ومن نصبه أخاه سيد الوصيين وصيا بعد أن قد أظهر لكم معجزاته التي منها : أن كلمته الذراع المسمومة ، وناطقه ذئب ، وحن إليه العود وهو على المنبر ودفع الله عنه السم الذي دسته اليهود في طعامهم ، وقلب (2) عليهم البلاء وأهلكهم به ، وكثر القليل من الطعام (فاتوا بسورة من مثله) ـ يعني من مثل ـ هذا ـ القرآن ـ من التوراة والانجيل والزبور وصحف إبراهيم (عليه السلام) والكتب الاربعة عشر (3) فانكم
--------------------
(1) ( فاتوا بسورة ) البحار : 92 .
(2) ( غلب ) أ .
(3) كذا في أكثر نسخ الاصل والبحار ، وفى س ، والبحار : 92 : المائة الاربعة عشر ،
وكلاهما تصحيف ، فقد روى الصدوق باسناده عن عبيد بن عمير الليثى ، عن أبى ذر (رحمه الله) ـ ضمن حديث طويل ـ انه قال : يا رسول الله كم أنزل الله تعالى من كتاب ؟ قال : مائة كتاب وأربعة كتب : أنزل الله تعالى على شيث خمسين صحيفة ، وعلى ادريس ثلاثين صحيفة ، وعلى ابراهيم عشرين صحيفة ، وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان الخبر ، (معانى الاخبار : 333 ضمن ح 1 ، الخصال : 2/ 524 ضمن ح 13 ، عنهما البحار : 11/ 32 ح (24) وروى مثله المفيد في الاختصاص : 258 عن ابن عباس ، فراجع . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 155 _
لا تجدون في سائر كتب الله سورة كسورة من هذا القرآن .
وكيف يكون كلام محمد المتقول أفضل من سائر كلام الله وكتبه ، يا معشر اليهود والنصارى .
ثم قال لجماعتهم : ( وادعوا شهداءكم من دون الله ) ادعوا أصنامكم التي تعبدونها ياأيها المشركون ، وادعوا شياطينكم يا أيها النصارى واليهود ، وادعوا قرناءكم من الملحدين يا منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد الطيبين ، وسائر أعوانكم (1) على إرادتكم (2) (إن كنتم صادقين) بأن محمدا تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه ، لم ينزله الله عزوجل عليه ، وأن ما ذكره من فضل علي (عليه السلام) على جميع أمته وقلده سياستهم (3) ليس بأمر أحكم الحاكمين .
ثم قال عزوجل (فان لم تفعلوا) أي ـ إن لم تأتوا يا أيها المقرعون بحجة رب العالمين (ولن تفعلوا) أي ـ ولا يكون هذا منكم أبدا (فاتقوا النار التي وقودها - حطبها ـ الناس والحجارة) توقد ـ ف ـ تكون عذابا على أهلها (أعدت للكافرين) المكذبين بكلامه ونبيه ، الناصبين العداوة لوليه ووصيه .
قال : فاعلموا بعجزكم عن ذلك أنه من قبل الله تعالى ولو كان من قبل المخلوقين (4) لقدرتم على معارضته .
فلما عجزوا بعد التقريع والتحدي ، قال الله عزوجل (قل لئن اجتمعت الانس
--------------------
(1) ( اخواتكم ) س
(2) ( أرائكم ) البحار : 17 .
(3) زاد في ( ب ) (وتتوسلون إلى الله بمثل توسلهما ليسد فاقتكم ويجبر كسركم ويسد خلتكم ، فقالوا : اللهم اليك التجأنا وعلى فضلك اعتقدنا فازل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم) ،والظاهر أنها من اضافات ناسخ ( ب ) ولا علاقة لها بالمتن .
(4) ( خلق الله ) ب ، ط . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 156 _
والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
(1).
قصة الغمامة :
77 ـ قال الحسن بن على (عليه السلام) : فقلت لابي ( علي بن محمد ) (عليهما السلام) : كيف كانت هذه الاخبار في هذه الآيات التي ظهرت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة والمدينة ؟ فقال : يا بني استأنف لها النهار .
فلما كان في الغد ، قال : يا بني أما الغمامة فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يسافر
(2) إلى الشام مضاربا لخديجة بنت خويلد ، وكان من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر فكانوا في حمارة القيظ
(3) يصيبهم حر تلك البوادي ، وربما عصفت عليهم فيها الرياح وسفت عليهم الرمال والتراب .
وكان الله تعالى في تلك الاحوال يبعث لرسول الله (صلى الله عليه وآله) غمامة تظله فوق رأسه تقف بوقوفه ، وتزول بزواله ، إن تقدم تقدمت ، وإن تأخر تأخرت ، وإن تيامن تيامنت ، وإن تياسر تياسرت ، فكانت تكف عنه حر الشمس من فوقه ، وكانت تلك الرياح المثيرة لتلك الرمال والتراب ، تسفيها
(4) في وجوه قريش ووجوه رواحلهم
(5) حتى إذا دنت من محمد (صلى الله عليه وآله) هدأت وسكنت ، ولم تحمل شيئا من رمل ولا تراب ، وهبت عليه ريحا باردة لينة ، حتى كانت قوافل قريش يقول قائلها : جوار محمد أفضل من خيمة .
فكانوا يلوذون به ، ويتقربون إليه فكان الروح يصيبهم بقربه ، وإن كانت الغمامة
--------------------
(1) عنه البحار : 8/ 299 ح 54 قطعة ، وج 9/ 175 ح 4 ، وج 17/ 214 ضمن ح 20 ، وج 92/ 28 ضمن ح 33 والبرهان : 1/ 67 ح 1 ، والاية الاخيرة من سورة الاسراء : 88 .
(2) ( سائر ) أ .
(3) ( حارة القيظة )
(4) ( تنسفها ) أ ، سفت وأسفت الريح التراب : ذرته أو حملته .
(5) ( رواحلها ) أ ، س . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 157 _
مقصورة عليه .
وكان إذا اختلط بتلك القوافل غرباء ، فاذا الغمامة ، تسير في موضع بعيد منهم .
قالوا : إلى من قرنت (1) هذه الغمامة فقد شرف وكرم .
فيخاطبهم أهل القافلة : انظروا إلى الغمامة تجدوا عليها اسم صاحبها ، واسم صاحبه وصفيه وشقيقه .
فينظرون فيجدون مكتوبا عليها : ( لا إله إلا الله محمد رسول الله )(صلى الله عليه وآله) ، أيدته بعلي سيد الوصيين ، وشرفته بآله (2) الموالين له ولعلي وأوليائهما ، والمعادين لاعدائهما فيقرأ ذلك ، ويفهمه من يحسن أن يكتب ، ويقرأ من لايحسن ذلك (3) .
تسليم الجبال والصخور والاحجار عليه (صلى الله عليه وآله)
78 ـ قال على بن محمد (عليهما السلام) : وأما تسليم الجبال والصخور والاحجار عليه فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما ترك التجارة إلى الشام ، وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات ، كان يغدو كل يوم إلى حراء يصعده ، وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله وأنواع عجائب رحمته
(4) وبدائع حكمته ، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الارض والبحار ، والمفاوز ، والفيافي ، فيعتبر بتلك الآثار ، ويتذكر بتلك الآيات ، ويعبدالله حق عبادته .
فلما استكمل أربعين سنة ـ و ـ
(5) نظر الله عزوجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب
--------------------
(1) ( قربت ) أ .
(2) ( بأصحابه ) الاصل ومدينة المعاجز واثبات الهداة ، وما في المتن من البحار ،
وتشرف القصر : صار ذا شرف ، وهى ما أشرف من البناء .
(3) عنه البحار : 17/ 307 صدر ح 15 ، ومدينة المعاجز : 168 ، واثبات الهداة : 3/ 574 ح 662 .
(4) ( رحمة الله ) أ .
(5) من البحار . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 158 _
وأجلها ، وأطوعها وأخشعها وأخضعها ، أذن لابواب السماء ففتحت ، ومحمد (صلى الله عليه وآله) ينظر إليها ، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد (صلى الله عليه وآله) ينظر إليهم ، وأمر بالرحمة فانزلت (1) عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغمرته ، ونظر إلى جبرئيل الروح الامين المطوق بالنور ، طاووس الملائكة هبط إليه ، وأخذ بضبعه (2) وهزه وقال :يا محمد اقرأ .
قال : وما أقرأ ؟ قال : يا محمد (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق ـ إلى قوله ـ مالم يعلم ) (3) ثم أوحى ـ إليه ـ ما أوحى إليه ربه عزوجل ، ثم صعد إلى العلو ، ونزل محمد (صلى الله عليه وآله) من (4) الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله، وورد عليه من كبير (5) شأنه ماركبه به (6) الحمى والنافض .
يقول وقد اشتد عليه مايخافه من تكذيب قريش في خبره ، ونسبتهم إياه إلى الجنون ، ـ وأنه ـ يعتريه شيطان (7) وكان من أول أمره أعقل خليقة (8) الله، وأكرم براياه وأبغض الاشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم .
فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره ، ويشجع قلبه ، فأنطق الجبال والصخور والمدر ، وكلما وصل إلى شئ منها ناداه : ـ السلام عليك يامحمد ـ السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يارسول الله، السلام عليك يا حبيب الله، أبشر فان الله عزوجل قد فضلك وجملك وزينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الاولين والآخرين لا يحزنك قول (9) قريش : إنك مجنون ، وعن الدين مفتون ، فان الفاضل من فضله
--------------------
(1) ( فنزلت ) أ .
(2) ( بضبعيه ) ب ، س ، ص ، ط ، والضبع : وسط العضد أو الابط .
(3) العلق : 1 ـ 5 .
(4) ( عن ) الاصل .
(5) ( كبرياء ) ب ، س ، ص ، ط .
(6) ( له من ) ب ، ط .
(7) ( الشياطين ) أ .
(8) ( خلق ) البحار والحلية ، والخليقة : ما خلقه الله.
(9) ( أن يقول ) أ ، س . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 159 _
ـ الله ـ رب العالمين ، والكريم من كرمه (1) خالق الخلق أجمعين ، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك ، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات ويرفعك إلى أرفع الدرجات .
وسوف ينعم ويفرح (2) أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وسوف يبث علومك في العباد والبلاد ، بمفتاحك وباب مدينة علمك (3) علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وسوف يقر عينك ببنتك (4) فاطمة (عليها السلام) ، وسوف يخرج منها ومن علي : الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، وسوف ينشر في البلاد دينك ، وسوف يعظم اجور المحبين لك ولاخيك ، وسوف يضع في يدك لواء الحمد ، فتضعه في يد أخيك علي ، فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد ، يكون قائدهم أجمعين إلى جنات النعيم .
فقلت في سري : يارب من علي بن أبي طالب الذي وعدتني به ؟ ـ وذلك بعد ما ولد علي (عليه السلام) وهو طفل ـ أو هو (5) ولد عمي ؟ وقال بعد ذلك لما تحرك علي قليلا (6) وهو معه : أهو هذا ؟ ففي كل مرة من ذلك أنزل عليه ميزان الجلال ، فجعل محمد (صلى الله عليه وآله) في كفة منه ومثل له علي (عليه السلام) وسائر الخلق من امته إلى يوم القيامة ـ في كفة ـ (7) فوزن بهم فرجح .
ثم أخرج محمد (صلى الله عليه وآله) من الكفة وترك علي في كفة محمد (صلى الله عليه وآله) التي كان فيها فوزن بسائر امته ، فرجح بهم ، فعرفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعينه وصفته .
ونودي في سره : يا محمد هذا علي بن أبي طالب صفيي (8) الذي اؤيد به هذا الدين ، يرجح على جميع امتك بعدك .
--------------------
(1) ( أكرمه الله ) أ .
(2) ( تنعم وتفرح ) أ .
(3) ( حكمتك ) أ ، والبحار .
(4) ( تقر عينك بنتك ) ط .
(5) ( أهو ) البحار : 18 .
(6) ( وليدا ) البحار : 18 .
(7) من البحار .
(8) ( الصفى ) ب ، ط . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 160 _