ثم قلت له : افصل له منها قدر دينه فأعطه ، ففعل ، قلت : والباقي رزق ساقه الله تعالى إليك .
وكان الذي قضاه
(1) من دينه ألفا وسبعمائة درهم .
وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم ، فهو من أيسر أهل المدينة .
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن الله عزوجل يعلم من الحساب مالا يبله عقول الخلق إنه يضرب ألفا وسبعمائة في ألف وسبعمائة ، (ثم ما ارتفع من ذلك في مثله)
(2) إلى أن يفعل ذلك ألف مرة ، ثم آخر ما يرتفع من ذلك ـ في مثله ، إلى أن يفعل ذلك ألف مرة ، ثم آخر ما يرتفع من ذلك ـ
(3) عدد ما يهبه الله لك ـ يا علي ـ
(4) في الجنة من القصور : قصر من ذهب ، وقصر من فضة ، وقصر من لؤلؤ ، وقصر من زبرجد ، وقصر من زمرد ، وقصر من جوهر ، وقصر من نور رب العالمين وأضعاف ذلك من العبيد والخدم ـ والخيل ـ والنجب
(5) تطير بين سماء الجنة وأرضها .
فقال على (عليه السلام) : ( حمدا لربي ، وشكرا ) .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وهذا العدد هو عدد من يدخلهم
(6) الله الجنة ، ويرضى عنهم بمحبتهم لك ، وأضعاف هذا العدد ممن يدخلهم النار من الشياطين من الجن والانس ببغضهم لك ووقيعتهم فيك ، وتنقيصهم
(7) إياك
(8).
55 ـ ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أيكم قتل رجلا البارحة ، غضب الله ولرسوله ؟
--------------------
(1) ( فصل ) ص .
(2) ذكرها مرتين في ( ب ، ط ) .
(3) ليس في ب ، ط ، والبحار .
(4) من البحار : 8 .
(5) ( والجنيب ) أ ، والجنيب : كل طائع منقاد ، والجنيبة : الدابة تقودها إلى جنبك ،والنجيب من الابل : القوى ، الخفيف والسريع .
(6) ( يدخله ) ب ، ط ، البحار ، ولفظ الجلالة ليس في البحار .
(7) ( تنقيفهم ) أ ، قال ابن الاثير في النهاية : 5/ 109 : في حديث عبدالله بن عمر (
ثم يكون النقف والنقاف ) أى القتل والقتال .
(8) عنه البحار : 42/ 21 صدر ح 7 . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 103 _
فقال على (عليه السلام) : أنا ، وسيأتيك الخصوم الان .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : حدث إخوانك المؤمنين ـ ب ـ القصة .
فقال على (عليه السلام) : كنت في منزلي إذ سمعت رجلين خارج داري يتدارءان (1) فدخلا إلي ، فاذا فلان اليهودي ، وفلان رجل معروف في (2) الانصار .
فقال اليهودي : ياأبا حسن اعلم أنه قد بدت لي مع هذا حكومة ، فاحتكمنا إلى محمد صاحبكم ، فقضى لي عليه ، فهو يقول : لست أرضى بقضائه فقد حاف (3) ومال وليكن (4) بيني وبينك كعب ـ بن ـ الاشرف ، فأبيت عليه .
فقال ل ي: أفترضى بعلي ؟ ـ ف ـ قلت : نعم. فها هو قد جاء بي إليك .
فقلت لصاحبه : أكما يقول ؟ قال : نعم ، فقلت : أعد علي الحديث .
فأعاد كما قال اليهودي ، ثم قال لي : ياعلى فاقض بيننا بالحق ، فقمت أدخل منزلي فقال الرجل : إلى أين ؟ قلت : أدخل آتيك بما به أحكم بالحكم العدل، فدخلت ، واشتملت على سيفي ، فضربته على حبل عاتقه ، فلو كان جبلا لقددته (5) فوقع رأسه بين يديه .
فلما فرغ علي (عليه السلام) من حديثه جاء أهل ذلك الرجل ـ بالرجل ـ المقتول ، وقالوا :هذا ابن عمك قتل صاحبنا ، فاقتص منه .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا قصاص ، ـ ف ـ قالوا : أودية يا رسول الله ؟ ! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ولادية لكم ، هذا والله ـ قتيل الله ـ لا يؤدى ، إن عليا قد شهد ـ على صاحبكم ـ بشهادة والله يلعنه بشهادة علي ، ولو شهد علي على الثقلين لقبل الله شهادته عليهم إنه الصادق الامين ، ارفعوا صاحبكم هذا وادفنوه مع اليهود ، فقد كان منهم .
--------------------
(1) تدارأ القوم : تدافعوا في الخصومة ، ونحوها ، واختلفوا ، (لسان العرب : 1/ 71) .
(2) ( من ) أ .
(3) كذا في البحار ، حاف عليه : جار عليه وظلمه ، ( خان ) أ ، ( خاف ) ب ، ط .
(4) ( لكن ) الاصل .
(5) القد : القطع طولا ، كالشق . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 104 _
فرفع وأوداجه تشخب (1) دما ، وبدنه قد كسي شعرا .
فقال على (عليه السلام) : يا رسول الله ما أشبهه إلا بالخنزير في شعره ! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي أو ليس لو حسبت (2) بعدد كل شعرة مثل عدد رمال الدنيا حسنات لكان كثيرا ؟ قال : بلى يا رسول الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أبا الحسن إن هذا القتل الذي قتلت به هذا الرجل قد أوجب الله لك به من الثواب كأنما أعتقت رقابا بعدد رمل عالج (3) ـ الدنيا ـ وبعدد كل شعرة على هذا المنافق ، وإن أقل ما يعطي الله بعتق رقبة لمن يهب له بعدد كل شعرة من تلك الرقبة ألف حسنة ، ويمحو ـ الله ـ عنه ألف سيئة، فان لم يكن له فلابيه ، فان لم يكن لابيه فلامه ، فان لم يكن لها فلاخيه ، وإن لم يكن له فلذريته (4) وجيرانه وقراباته (5).
56 ـ ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أيكم إستحى (6) البارحة من أخ له في الله لما رأى به ـ من ـ خلة ، ثم كايد (7) الشيطان في ذلك الاخ، ولم يزل به حتى غلبه ؟ فقال على (عليه السلام) : أنا يا رسول الله.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : حدث يا علي به إخوانك المؤمنين ، ليتأسوا بحسن صنيعك فيما يمكنهم ، وإن كان أحد منهم لا يلحق ثارك (8)
--------------------
(1) أى تسيل ، والودج : عرق في العنق .
(2) ( جئت ) البحار .
(3) قال ابن الاثير في النهاية : 3/ 287 : وفى حديث الدعاء ( وما تحويه عوالج الرمال ) هى جمع عالج ، وهو ما تراكم من الرمل ، ودخل بعضه في بعض .
(4) ( فلذويه ) س ، ص .
(5) عنه البحار : 42/ 24 ضمن ح 7 .
(6) ( استحيا ) ب ، ط ، والبحار .
(7) ( كابد ) ب ، س ، ط ، كابد الامر : قاساه وتحمل المشاق في فعله ، وكايده مكايدة : مكر به والخلة ـ بالفتح ـ : الحاجة والفقر .
(8) ( ثناءك ) ب ، ط ، ( شأنك ) البحار ، ( شأوك ) س ، مدينة المعاجز ( ثباتك ) خ ل ،
وشأوت القوم : سبقتهم . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 105 _
و (لا يشق غبارك) (1) ولا يرمقك في سابقة لك إلى الفضائل إلا كما يرمق الشمس من الارض، وأقصى المشرق من أقصى المغرب .
فقال على (عليه السلام) : يا رسول الله مررت بمزبلة بني فلان ، ورأيت رجلا من الانصار مؤمنا قد أخذ من تلك المزبلة قشور البطيخ والقثاء والتين ، فهو يأكلها من شدة الجوع ، فلما رأيته استحييت منه أن يراني فيخجل ، وأعرضت عنه ، ومررت إلى منزلي ، وكنت أعددت لسحوري وفطوري قرصين من شعير ، فجئت بهما إلى الرجل وناولته ـ إياهما ـ (2) وقلت له : أصب من هذا كلما جعت ، فان الله عزوجل يجعل البركة فيهما (3).
فقال لى : يا أبا الحسن أنا أريد أن أمتحن هذه البركة لعلمي بصدقك في قيلك إني أشتهي لحم فراخ ، اشتهاه علي (4) أهل منزلي .
فقلت ـ له ـ : اكسر منهما لقما بعدد (5) ما تريده من فراخ ، فان الله تعالى يقلبها فراخا بمسألتي إياه لك بجاه محمد وآله الطيبين الطاهرين .
فأخطر الشيطان ببالي (6) فقال : يا أبا الحسن تفعل هذا به ولعله منافق ؟
--------------------
(1) ( لم يسبق عبادتك ) البحار ، ( لا يسبق غناءك ) مدينة المعاجز .
(2) من البحار .
(3) ( فيه ) خ ل .
(4) ( عنى ) أ .
(5) ( بقدر ) س .
(6) واضح أن طبع الشيطان أن يأتى... ويوسوس لادم وبنيه ، وانما سلطانه على الذين يتولونه لا على الذين آمنوا وأميرهم أمير المؤمنين على (عليه السلام) ، ألا ترى حديث الباقر (عليه السلام) أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال لعلى (عليه السلام) ( أما علمت يا على أن صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتى يفك عنها من لحى سبعين شيطانا كلهم يامره بأن
لا تفعل ، ) رواه في ثواب الاعمال : 169 ح 12 عنه البحار : 96/ 124 ح 38 ، وفى تفسير العياشى : 2/ 107 ح 113 عنه البحار المذكور ص 127 ح 47 ،ونظيره ماقاله ابليس لموسى بن عمران (عليه السلام) :... اذا هممت بصدقة فامضها : فاذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابى حتى أحول بينه وبينها ، رواه المفيد في أماليه :156 ح 7 ، والراوندى في قصص الانبياء : 110 مخطوط ، عنها البحار : 63/ 251 ح 114 . (*) ،
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 106_
فرددت عليه : إن يكن مؤمنا فهو أهل لما أفعل معه
(1) وإن يكن منافقا ، فأنا للاحسان أهل ، فليس كل معروف يلحق بمستحقه
(2).
وقلت له : أنا أدعو الله بمحمد وآله الطيبين ليوفقه للاخلاص والنزوع
(3) عن الكفر إن كانت منافقا ، فان تصدقي عليه بهذا أفضل من تصدقي عليه بهذا الطعام الشريف الموجب للثراء والغناء ، فكايدت
(4) الشيطان ، ودعوت الله سرا من الرجل بالاخلاص بجاه محمد وآله الطيبين .
فارتعدت فرائص الرجل وسقط لوجهه ، فأقمته .
وقلت له : ماذا شأنك ؟ قال : كنت منافقا شاكا فيما يقوله محمد وفيما تقوله أنت ، فكشف لي ـ الله ـ
(5) عن السماوات والحجب فأبصرت الجنة ، ـ وأبصرت ـ كلما
(6) تعدان به من المثوبات ، وكشف لي عن أطباق الارض فأبصرت جهنم ، وأبصرت كلما ـ ت ـ توعدان به من العقوبات .
فذاك حين وقر
(7) الايمان في قلبي ، وأخلص به جناني ، وزال عني الشك الذي كان يعتورني
(8).
فأخذ الرجل القرصين ، وقلت له : كل شئ تشتهيه فاكسر من القرص قليلا ، فان الله يحوله ما تشتهيه وتتمناه وتريده .
فما زال كذلك ينقلب لحما ، وشحما ، وحلواء ، ورطبا ، وبطيخا ، وفواكه الشتاء وفواكه الصيف ، حتى أظهر الله تعالى من الرغيفين عجبا ، وصار الرجل من عنقاء الله
--------------------
(1) ( به ) أ ، ب ، س ، ط .
(2) ( احسان يلحق مستحقيه ) ب ، س ، ط .
(3) ( التورع ) مدينة المعاجز ، وفى الاصل : من بدل ( عن ) ، ونزع عن الشئ : كف وقلع .
(4) ( فكابدت ) ب ، س .
(5) من البحار .
(6) ( فأبصرت كما ) ط ، ومدينة المعاجز .
(7) أى سكن وثبت ، وفى مدينة المعاجز : وقع .
(8) أى يغشاه وينتابه ، وفى مدينة المعاجز : يتعودني . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 107 _
من النار (ومن عبيده المصطفين) (1) الاخيار .
فذلك حين رأيت جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت (2) قد قصدوا الشيطان كل واحد ـ منهم ـ (3) بمثل جبل أبي قبيس ، فوضع أحدهم عليه ، وبنيه (4) بعضهم على بعض فتهشم .
وجعل (5) إبليس يقول : يا رب وعدك وعدك ، ألم تنظرني إلى يوم يبعثون ؟ فاذا نداء ـ بعض الملائكة ـ:أنظرتك لئلا تموت ، ما أنظرتك لئلا تهشم وترضض .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أبا الحسن كما كايدت (6) الشيطان فأعطيت في الله من نهاك عنه وغلبته ، فان الله تعالى يخزي عنك الشيطان ، وعن محبيك ، ويعطيك ـ في الآخرة ـ بعدد كل حبة خردل مما أعطيت صاحبك (وفيما تمناه من الله، وفيما يمنيه الله منه درجة في الجنة من ذهب) (7) أكبر من الدنيا ، من الارض إلى السماء ، وبعدد كل حبة منها جبلا من فضة كذلك ، وجبلا من لؤلؤ ، وجبلا من ياقوت ، وجبلا من جوهر ، وجبلا من نور رب العزة (8) كذلك ، وجبلا من زمرد ، وجبلا من زبرجد كذلك وجبلا من مسك ، وجبلا من عنبر كذلك .
وإن عدد خدمك في الجنة أكثر من عدد قطر المطر والنبات وشعور الحيوانات بك يتمم الله الخيرات ، ويمحو عن محبيك السيئات ، وبك يميز الله المؤمنين
--------------------
(1) من البحار ، وفى الاصل ( بالمصطفين عنده و ) .
(2) ( وعزرائيل ) س ، ص .
(3) من البحار .
(4) ( بيتيها ) أ ، ( فتهتمه ) خ ل ، ( ويبنيها/ ويثنيها خ ل ) البحار ( ويتهيأ ) مدينة المعاجز ، وفيها :بعضها ، وبيت البيت : بناه ، وتهتم الشئ : تكسر .
(5) ( فهشم وهبل ) ب ، ط ، وليس في مدينة المعاجز .
(6) ( كابدت ) أ ، س ، ( عاندت ) البحار : 42 .
(7) ( ومما ينميه الله منه درجة ) ب ، س ، ط ، والبحار : 8 ، ومثلها في ( ص ) باضافة ( في الجنة من ذهب أكثر ) .
(8) ( العالمين ) أ . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 108 _
من الكافرين ، والمخلصين من المنافقين ، وأولاد الرشد من أولاد الغي (1).
57 ـ ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أيكم وقى بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة ؟ فقال على (عليه السلام) : أنا يا رسول الله وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شماس الانصاري (2) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : حدث بالقصة إخوانك المؤمنين ، ولا تكشف عن اسم المنافق المكابد لنا ، فقد كفاكما الله شره وأخره للتوبة لعله يتذكر أو يخشى (3).
فقال على (عليه السلام) : بينا أنا أسير في بني فلان بظاهر المدينة ، وبين يدي ـ بعيدا مني ـ ثابت بن قيس ، إذ بلغ بئرا عادية عميقة بعيدة القعر ، وهناك رجل (4) من المنافقين فدفعه ليرميه في البئر ، فتماسك ثابت ، ثم عاد فدفعه ، والرجل لا يشعربي حتى وصلت إليه وقد اندفع ثابت في البئر ، فكرهت أن أشتغل بطلب المنافق خوفا على ثابت ، فوقعت
--------------------
(1) عنه البحار : 8/ 179 ح 136 (قطعة) ، وج 42/ 25 ضمن ح 7 ، ومدينة المعاجز : 113 ح 303 .
(2) وهو صحابي أنصارى خزرجى ، وكان خطيب النبى (صلى الله عليه وآله) ، استشهد باليمامة ، روى المفيد عن مروان بن عثمان أنه لما بايع الناس أبابكر ، دخل على (عليه السلام) والزبير بيت فاطمة (عليها السلام) ، فقال... اضرموا عليهم البيت نارا... وخرج على (عليه السلام) نحو العالية فلقيه ثابت بن قيس ، فقال : ما شأنك يا أبا الحسن ؟ فقال : أرادوا أن يحرقوا على بيتى ، فقال ثابت : ولا تفارق كفى يدك حتى اقتل دونك ،
وذكر اليعقوبى عند مقتل عثمان وبيعة الناس لامير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان أول من تكلم من الانصار فقال : والله يا أمير لئن كانوا تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين ،يحتاجون اليك فيما لا يعلمون وما احتجت إلى أحد...
وروى ابن هشام عن ابن اسحاق أنه عندما آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين المهاجرين والانصار... ويقال ثابت بن قيس وعمار بن ياسر أخوين ، انظر : أمالى المفيد : 49 ح 9 ، تاريخ اليعقوبى : 179 ، سيرة ابن هشام : 2/ 152 .
(3) ( المنافقين المكايدين/ الكائدينز... شرهم ، وأخرهم للتوبة لعلهم يتذكرون أو يخشون ) س ، ص ، والمصادر ، أى بلفظ الجمع .
(4) ( الرجال ) أ ( رجال ) المصادر ، وساقوا الحديث فيها بصيغة الجمع تارة ، والمفرد تارة اخرى . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 109 _
في البئر لعلي آخذه، فنظرت فاذا ـ أنا ـ (1) قد سبقته إلى قرار البئر .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : وكيف لا تسبقه وأنت أرزن منه ؟ ! ولو لم يكن من رزانتك إلا ما في جوفك من علم الاولين والآخرين ، الذي أودعه الله رسوله وأودعك (2) لكان من حقك أن تكون أرزن من كل شئ ، فكيف كان حالك وحال ثابت ؟ قال : يا رسول الله صرت إلى قرار البئر ، واستقررت قائما ، وكان ذلك أسهل علي وأخف على رجلي من خطاي التي أخطوها رويدا ـ رويدا ـ ، ثم جاء ثابت ، فانحدر فوقع على يدي، وقد بسطتهما له ، فخشيت أن يضرني سقوطه علي أو يضره .
فما كان إلا كباقة (3) ريحان تناولتها بيدي .
ثم نظرت ، فاذا ذلك المنافق ومعه آخران على شفير البئر وهو يقول لهما : أردنا واحدا فصار اثنين ! فجاؤا بصخرة فيها مقدار مائتي من فأرسلوها علينا ، فخشيت أن تصيب ثابتا ، فاحتضنته وجعلت رأسه إلى صدري ، وانحنيت عليه ، فوقعت الصخرة على مؤخر رأسي ، فما كانت إلا كترويحة (4) بمروحة روحت بها في حمارة (5) القيظ .
ثم جاؤا بصخرة اخرى فيها قدر ثلاثمائة من فأرسلوها علينا ، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي ، فكانت كماء صببته على رأسي وبدني في يوم شديد الحر .
ثم جاؤا بصخرة ثالثة فيها قدر خمسمائة من يديرونها (6) على الارض لا يمكنهم أن يقلبوها ، فأرسلوها علينا ، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي وظهري فكانت كثوب ناعم صببته (7) على بدني ولبسته ، فتنعمت به .
--------------------
(1) من البحار والبرهان والحلية ، ويلاحظ تزامن الوقوع مع الاشتغال بحيث كان الثانى سببا للاول .
(2) زاد في ص ، البحار ، ومدينة المعاجز : رسوله .
(3) ( كطاقة ) ب ، ط ، وبعض المصادر ، والطاقة : الحزمة .
(4) ( كرويحة ) ب ، ط ، والرويحة : وجدان السرور الحادث من اليقين .
(5) ( حارة ) أ ، والحمارة : شدة الحر .
(6) ( يكيدونها ) خ ل ، وكاد الشئ : عالجه .
(7) ( أصبته ) أ ، وصب الدرع : لبسها . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 110 _
ثم سمعتهم يقولون : لو أن (1) لابن أبي طالب وابن قيس مائة ألف روح ما نجت واحدة منها من بلاء هذه الصخور .
ثم انصرفوا ، وقد دفع الله عنا شرهم ، فأذن الله عزوجل لشفير البئر فانحط ، ولقرار البئر فارتفع ، فاستوى القرار (2) والشفير بعد بالارض ، فخطونا وخرجنا .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أبا الحسن إن الله عزوجل قد أوجب لك بذلك من الفضائل والثواب مالا يعرفه غيره .
ينادي مناد يوم القيامة : أين محبو علي بن أبي طالب ؟ فيقوم قوم من الصالحين ، فيقال لهم : خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة فأدخلوهم الجنة .
فأقل رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل ـ تلك ـ العرصات ألف ألف رجل .
ثم ينادى مناد : أين البقية من محبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فيقوم قوم مقتصدون (3) فيقال لهم : تمنوا على الله عزوجل ما شئتم .
فيتمنون فيفعل بكل واحد ـ منهم ـ ما تمنى ، ثم يضعف له مائة ألف ضعف .
ثم ينادى مناد : أين البقية من محبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فيقوم قوم ظالمون لانفسهم ، معتدون عليها .
فيقال : أين المبغضون لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ فيؤتى بهم جم غفير ، وعدد عظيم كثير ، فيقال : ألا نجعل كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليدخلوا الجنة .
--------------------
(1) ( كان ) أ .
(2) ( واستوى قرار البئر ) أ .
(3) الظاهر أنه اشارة إلى ما في قوله تعالى من سورة فاطر : 32 ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) ففى حديث لابى اسحاق السبيعى ، عن الباقر (عليه السلام) - في الاية ـ قال : هى لنا خاصة ، يا أبا اسحاق أما السابق بالخيرات : فعلى بن أبى طالب والحسن والحسين والشهيد منا ، وأما المقتصد : فصائم بالنهار وقائم بالليل ، وأما الظالم لنفسه ففيه ما في الناس وهو مغفور له ، (سعد السعود : 107) . (*)
تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)
_ 111 _