تعرفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس ، حتى لا أعود إلى مثله .
  قال : تركك حين جلست أن تقول : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فجعل (1) الله ذلك لسهوك عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك .
  أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حدثني عن الله عزوجل أنه قال : كل أمر ذي بال لم يذكر ( بسم الله ) (2) فيه فهو أبتر .
   فقلت : بلى بأبي أنت وأمي لا أتركها بعدها .
  قال : إذا تحصن (3) بذلك وتسعد .
  ثم قال عبدالله بن يحيى : يا أمير المؤمنين ما تفسير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ؟ قال : إن العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملا ـ و ـ يقول : ـ بسم الله أي : بهذا الاسم أعمل هذا العمل .
  فكل أمر (4) يعمله يبدأ فيه ب ـ (5) ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فانه يبارك له فيه (6).
  8 ـ قال الامام محمد بن على الباقر (عليه السلام) : دخل محمد بن ـ على بن ـ (7) مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) وهو كئيب حزين فقال له زين العابدين (عليه السلام) : ما بالك مهموما مغموما ؟ قال : يا بن رسول الله هموم وغموم تتوالى علي لما امتحنت ـ به ـ من جهة حساد (نعمتي ، والطامعين) (8) في ، وممن أرجوه وممن قد أحسنت إليه فيخلف ظني .

--------------------
(1) ( فعجل ) أ .
(2) ( لم يسم الله ) خ ل .
(3) ( تحظى ) ب ، ط .
(4) ( عمل ) خ ل .
(5) ليس في البحار .
(6) عنه البحار : 92/ 240 ضمن ح 48 ، والجواهر السنية : 170 ، والبرهان : 1/ 45 ح 11 وفى الوسائل : 4/ 1194 ح 4 ، والبحار : 67/ 232 ح 48 ، وج 76/ 305 ح 1 (قطعة) وعنه (قطعة) في الوسائل المذكور ضمن ح 2 وعن التوحيد : 231 ضمن ح 5 باسناده عن محمد بن القاسم ، عن يوسف بن محمد ، عن على بن محمد بن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن على (عليهما السلام) ، وأخرجه في نور الثقلين : 1/ 6 ح 20 (قطعة) عن التوحيد .
(7) من البحار .
(8) ( نعمى ، والطاغين ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 27 ـ
  فقال له على بن الحسين ـ زين العابدين ـ (عليهما السلام) : إحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك .
  قال الزهرى : يا بن رسول الله إني احسن إليهم بما يبدر من كلامي .
  قال على بن الحسين (عليهما السلام) : هيهات هيهات إياك وأن تعجب من نفسك بذلك وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره ، فليس كل من تسمعه (1) نكرأ أمكنك أن توسعه عذرا .
  ثم قال : يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه ، كان هلاكه من أيسر ما فيه .
  ثم قال : يا زهري وما عليك أن (2) تجعل المسلمين ـ منك ـ بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم منك بمنزلة والدك ، وتجعل صغيرهم ـ منك ـ بمنزلة ولدك ، وتجعل تربك (3) منهم بمنزلة أخيك ، فأي هؤلاء تحب أن تظلم ؟ وأي هؤلاء تحب أن تدعو عليه ؟ وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره .
  وإن عرض لك إبليس ـ لعنه الله ـ بأن لك فضلا على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك فقل : قد سبقني بالايمان والعمل الصالح ، فهو خير مني وإن كان أصغر منك ، فقل : قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني وإن كان تربك فقل : أنا على يقين من ذنبي ، وفي شك من أمره ، فمالي أدع يقيني لشكي (4) وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل : هذا فضل أحدثوه (5) وإن رأيت منهم (جفاء وانقباضا عنك قل : هذا الذي) (6) أحدثته فانك إذا فعلت ذلك ، سهل الله عليك عيشك ، وكثر أصدقاؤك ، وقل أعداؤك ، وفرحت بما يكون من برهم ، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم .

--------------------
(1) ( أسمعته ) ظ .
(2) ( الا أن ) ب ، ط .
(3) ترب الرجل : الذى ولد معه .
(4) ( بشكى ) ب ، ط .
(5) ( أخذوا به ) ب ، ط ، والبحار .
(6) ( لذنب ) خ ل والبحار .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 28 ـ
  واعلم : أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضا ، وكان عنهم مستغنيا متعففا ، وأكرم الناس بعده عليهم من كان عنهم متعففا ، وإن كان إليهم محتاجا ، فانما أهل الدنيا (يعشقون الاموال) (1) ، فمن لم يزاحمهم فيما يعشقونه كرم عليهم ، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم منها أو من بعضها كان أعز ـ عليهم ـ وأكرم (2).
   9 ـ قال (عليه السلام) : ثم قال إليه رجل فقال : يا ابن رسول الله أخبرني ما معنى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ؟ فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : حدثني أبي ، عن أخيه ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أن رجلا قام إليه فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن بسم ( الله الرحمن الرحيم) ما معناه ؟ فقال (عليه السلام) : إن قولك : ( الله ) أعظم الاسماء (3) ـ من أسماء الله تعالى ـ وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يتسمى به غير الله، ولم يتسم به مخلوق .
  فقال الرجل : فما تفسير قوله تعالى : ( الله ) ؟ فقال (عليه السلام) : هو الذى يتأله إليه عند الحوائج (4)والشدائد كل مخلوق ، عند انقطاع الرجاء من جميع من دونه ، وتقطع الاسباب من كل من سواه وذلك أن كل مترئس (5) في هذه الدنيا أو متعظم فيها ، وإن عظم غناؤه وطغيانه و (6) كثرت حوائج من دونه إليه ، فانهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم .
  وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته ، حتى إذا كفى همه ، عاد إلى شركه .
   أما تسمع الله عزوجل يقول : ( قل أرأيتكم أن أتيكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم

--------------------
(1) ( يعيشون أموال الدنيا ) أ .
(2) عنه البحار : 71/ 229 ح 6 ، وج 92/ 242 ضمن ح 48 ، وفي ج 1/ 94 ح 26 قطعة .
(3) ( اسم ) البرهان .
(4) ( الاحتياج ) خ ل .
(5) ( رئيس ) أ ، ( مترائس ) خ ل .
(6) ( اذا ) أ، (*) .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 29 ـ
  صادقين بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون ) (1) فقال الله تعالى لعباده : أيها الفقراء إلى رحمتي إنى قد ألزمتكم الحاجة إلى في كل حال ، وذلة العبودية في كل وقت ، فالي فافزعوا في كل أمر تأخذون به وترجون تمامه ، وبلوغ غايته ، فاني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم ـ فأنا أحق من سئل ، وأولى من تضرع إليه ـ فقولوا عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير :( بسم الله الرحمن الرحيم ) أي أستعين على هذا الامر بالله الذي لا تحق العبادة لغيره ، المغيث إذا استغيث ، ـ و ـ المجيب إذا دعي ( الرحمن ) الذي يرحم ببسط (2) الرزق علينا ( الرحيم ) بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا : خفف الله علينا الدين ، وجعله سهلا خفيفا ، وهو يرحمنا بتمييزنا من أعدائه .
  ثم قال رسول الله (عليه السلام) : من أحزنه أمر تعاطاه فقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وهو مخلص لله عزوجل ويقبل بقلبه إليه ، لم ينفك من إحدى اثنتين : إما بلوغ حاجتة الدنياوية (3) وإما ما يعد له عنده ، ويدخر (4) لديه ، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين (5).

--------------------
(1) الانعام : 40 ـ 41 .
(2) ( ويبسط ) أ .
(3) ( في الدنيا ) التوحيد والبرهان .
(4) ( ويدخره ) أ .
(5) عنه البحار : 92/ 244 ضمن ح 48 ، ورواه الصدوق في التوحيد : 231 ضمن ح 5 باسناده عن محمد بن القاسم... عنه البرهان : 1/ 45 ضمن ح 8 ، والوسائل : 4/ 1193 ضمن ح 1 (قطعة) (*) .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 30 ـ
فضل فاتحة الكتاب :
  10 ـ وقال الحسن ـ بن علي ـ (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : وإن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم .
  ـ قال ـ : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : إن الله عزوجل قال لي: يا محمد ( ولقد اتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم ) (1) فأفرد الامتنان ـ علي ـ بفاتحة الكتاب ، وجعلها بازاء القرآن العظيم وأن فاتحة الكتاب أشرف (2) ما في كنوز العرش .
  وأن الله تعالى خص بها محمدا (صلى الله عليه وآله) وشرفه ـ بها ـ (3) ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان (عليه السلام) فانه أعطاه منها ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ألا ترى أنه يحكي عن بلقيس حين قالت :( انى القى إلى كتاب كريم انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم ) (4) ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله الطيبين ، منقادا لامرهم ، مؤمنا بظاهرهم وباطنهم ، أعطاه الله عزوجل بكل حرف منها حسنة ، كل حسنة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ومن استمع قارئا يقرأها كان له قدر ثلث ما للقارئ ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم ، فانه غنيمة لا يذهبن أوانه ، فتبقى في قلوبكم الحسرة . (5)

--------------------
(1) الحجر : 87 .
(2) ( أعظم وأشرف مما ) ب ، ط .
(3) من البرهان .
(4) النمل : 28 ـ 29 .
(5) أمالى الصدوق : 148 ح 2 ، وعيون أخبار الرضا : 1/ 235 ح 60 باسناده عن محمد بن القاسم ، عن يوسف بن محمد بن زياد ، وعلى بن محمد بن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن ابن على (عليهما السلام) ، عنهما الوسائل : 4/ 746 ح 9 ، والبحار : 92/ 227 ح 5 والبرهان : 1/ 31 ح 3 وج 2/ 353 ح 2 (قطعة) وعن تفسير الامام ، وعن الاخير تأويل الايات : 1/ 23 ح 1 ، والبحار : 92/ 245 ضمن ح 48 ، وج 14/ 128 ح 14 (قطعة) .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 31 ـ
تفسير الحمد:
  11 ـ قوله تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الامام (عليه السلام) : جاء رجل إلى الرضا (عليه السلام) فقال : يا بن رسول الله أخبرني عن قوله عزوجل ( الحمد لله رب العالمين ) ما تفسيره ؟ قال (عليه السلام) : لقد حدثني أبي ، عن جدي عن الباقر ، عن زين العابدين (عليهم السلام) أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : أخبرني عن قوله عزوجل ( الحمد لله رب العالمين ) ما تفسيره ؟ فقال : ( الحمد لله ) هو أن عرف الله عباده بعض نعمه عليهم جملا ، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل ، لانها أكثر من أن تحصى أو تعرف فقال لهم : قولوا : ( الحمد لله) على ما أنعم به (1) علينا .
  (رب العالمين) (2) وهم الجماعات (3) من كل مخلوق ، من الجمادات ، والحيوانات : فأما الحيوانات ، فهو يقلبها في قدرته ، ويغذوها من رزقه ، ويحوطها (4) بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته .
  وأما الجمادات فهو يمسكها بقدرته ، يمسك ما اتصل منها أن يتهافت ، ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق (5) ويمسك السماء أن تقع على الارض إلا باذنه ، ويمسك الارض أن تنخسف إلا بأمره ، إنه بعباده رؤوف رحيم .
  قال (عليه السلام) : و (رب العالمين) مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم ، إليهم ، من حيث يعلمون ، ومن حيث لايعلمون .

--------------------
(1) ( الله ) البرهان .
(2) أضاف في الاصل : يعنى مالك العالمين وليس في المصادر .
(3) ( الجماعة ) ب ، ط .
(4) حاطه يحوطه حوطها وحياطة : اذا حفظه وصانه ، وذب عنه .
(5) ( يتلاحق ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 32 ـ
   فالرزق مقسوم ، وهو يأتي ابن آدم على أي سيرة سارها من الدنيا ، ليس لتقوى متق بزائده ، ولا لفجور فاجر بناقصه ، وبينه وبينه ستر (1) وهو طالبه .
  ولو أن أحدكم يفر من (2) رزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت .
  قال ـ أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ: فقال الله تعالى لهم : قولوا ( الحمد لله ) على ما أنعم به علينا ، وذكرنا به من خير في كتب الاولين من قبل أن نكون .
  ففي هذا إيجاب على محمد وآل محمد لما فضله وفضلهم ، وعلى شيعتهم أن يشكروه بما فضلهم ـ به على غيرهم ـ .

تفضيل امة محمد على جميع الامم

   ـوذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : لما بعث الله عزوجل موسى بن عمران واصطفاه نجيا وفلق له البحر فنجى بني إسرائيل ، وأعطاه التوراة والالواح ، رأى مكانه من ربه عزوجل فقال : يارب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي .
  فقال الله عزوجل : يا موسى أما علمت أن محمدا أفضل عندى من جميع ملائكتي وجميع خلقي ؟ قال موسى : يا رب فان كان محمد أكرم (3) عندك من جميع خلقك ، فهل في آل الانبياء أكرم من آلي ؟ قال الله عزوجل : يا موسى أما علمت أن فضل آل محمد على جميع آل النبيين (4) كفضل محمد على جميع المرسلين ؟ (5) فقال : يا رب فان كان آل محمد عندك كذلك ، فهل في صحابة الانبياء أكرم ـ عندك ـ من صحابتي ؟

--------------------
(1) كذا في خ ل ، وفى الاصل : شبر .
(2) ( يتربص ) في الاصل ، والتربص : المكث والانتظار ، وهو تصحيف .
(3) ( أفضل ) ب ، ط .
( 4 ، 5 ) ( المرسلين ) ، ( النبيين ) أ ، (*) .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 33 ـ
  قال الله عزوجل : يا موسى أما علمت أن فضل صحابة محمد ( صلى الله عليه وآله ) على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين و ـ ك ـ فضل محمد على جميع المرسلين ؟ فقال موسى : يارب فان كان محمد وآله وصحبه كما وصفت ، فهل في امم الانبياء أفضل عندك من امتي ؟ ظللت عليهم الغمام ، وأنزلت عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر ؟ فقال الله تعالى : يا موسى أما علمت أن فضل امة محمد على جميع الامم كفضلي (1) علي جميع خلقي ؟ قال موسى : يارب ليتني كنت أراهم .
   (فأوحى الله تعالى إليه) (2): يا موسى إنك لن تراهم ، فليس هذا أو ان ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في الجنة (3) جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون ، وفي خيراتها يتبحبحون (4) ، أفتحب أن أسمعك كلامهم ؟ قال : نعم يا إلهي :

نداء الرب سبحانه وتعالى امة محمد (صلى الله عليه وآله)

  قال ـ الله جل وجلاله ـ (5) : قم بين يدي ، واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي السيد الملك الجليل ، ففعل ذلك موسى .
  فنادى ـ الملك ـ ربنا عزوجل يا أمة محمد .
   فأجابوه كلهم ، وهم في أصلاب آبائهم وأرحام امهاتهم : ( لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك ) .

--------------------
(1) كذا في الاصل ، وفي المصادر : كفضله .
(2) ( فقال الله عزوجل ) أ .
(3) (الجنات ) العيون .
(4) ( يتبحبحون ) أ ، البحار ج 26 والتأويل ، وتبحبح به : فخر .
(5) من المصادر (*) .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 34 ـ
  قال فجعل الله تعالى تلك الاجابة منهم شعار الحج .
   (1) ثم نادى ربنا عزوجل : يا امة محمد إن قضائي عليكم أن رحمتي سبقت غضبي ، وعفوي قبل (2) عقابي ، فقد استجبت لكم من قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم من قبل أن تسألوني ، من لقيني منكم بشهادة (3) : أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
  وأن محمدا عبده ورسوله ، صادق في أقواله ، محق في أفعاله (4) وأن علي بن أبي طالب أخوه ووصيه من بعده ووليه ، يلتزم طاعته ـ كما يلتزم طاعة ـ محمد وأن أولياءه (5) المصطفين الاخيار المطهرين المباينين (6) بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما أولياؤه ، أدخلته جنتي ، إن كانت ذنوبه مثل زبد البحر .
  قال : فلما بعث الله عزوجل نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) قال : يا محمد ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ) (7) امتك بهذه الكرامة .
  ثم قال عزوجل لمحمد (صلى الله عليه وآله) : قل : الحمد لله رب العالمين على ما اختصني به من هذه الفضيلة .
   وقال لامته : ـ و ـ قولوا أنتم : الحمد لله رب العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضائل (8) .

--------------------
(1) ( الحاج ) العيون والبرهان .
(2) ( سبق ) ب ، ط .
(3) ( يشهد ) أ ، البحار ج 92 والبرهان ج 3 .
(4) ( أحواله ) ب ، ط .
(5) ( أولادهما ) خ ل ، ( ذريته ) التأويل .
(6) ( الميامين ) ب ، وبعض المصادر ، ( اللابسين/ أودهما ) خ ل . ( المنبئين ) (العيون) ،( المبلغين ) بشارة المصطفى : والمباينة : المفارقة ، أى المفارقين والممتازين عن الخلق بعجائب الله.
(7) القصص : 46 .
(8) عنه البحار : 92/ 245 ضمن ح 48 وج 26/ 274 ح 17 ، وتأويل الايات : 1/ 418 ح 12 ، وعنه البحار : 92/ 224 ح 2 وعن عيون أخبار الرضا : 1/ 220 ح 30 . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 35 ـ
  قوله عزوجل : ( الرحمن الرحيم ).
  12 ـ قال الامام (عليه السلام) : ( الرحمن ) : العاطف على خلقه بالرزق ، لايقطع عنهم مواد رزقه ، وإن انقطعوا عن طاعته .
  ( الرحيم ) بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعاته وبعباده الكافرين في الرفق بهم في دعائهم إلى موافقته .
  قال : وإن أمير المؤمينن (عليه السلام) قال : ( الرحمن ) هو العاطف على خلقه بالرزق .
  قال : ومن رحمته أنه لما سلب الطفل قوة النهوض والتعذي جعل تلك القوة في امه ، ورققها (1) عليه لتقوم بتربيته وحضانته ، فان قسا قلب ام من الامهات أوجب تربية هذا الطفل ـ وحضانته ـ (2) على سائر المؤمنين ، ولما سلب بعض الحيوانات قوة التربية لاولادها ، والقيام بمصالحها ، جعل تلك القوة في الاولاد لتنهض حين تولد وتسير إلى رزقها المسبب (3)لها .
  قال (عليه السلام) : وتفسير قوله عزوجل ( الرحمن ) : أن قوله ( الرحمن ) مشتق من الرحمة (4) سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : قال الله عزوجل : أنا ( الرحمن ) .
   وهي ـ من ـ (5) الرحم شققت لها إسما من إسمي ، من وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته .
   ثم قال علي (عليه السلام) : أو تدري ما هذه الرحم التي من وصلها وصله الرحمن ، ومن قطعها قطعه الرحمن ؟ فقيل يا أمير المؤمنين : حث بهذا كل قوم على أن يكرموا أقرباءهم (6)

--------------------
وعنه الوسائل : 9/ 54 ح 5 وعن عيون أخبار الرضا .
وعلل الشرائع : 2/ 416 ح 3 ومن لا يحضره الفقيه : 2/ 327 ح 2586 (باسناده عن محمد بن القاسم...) ورواه الطبرى في بشارة المصطفى : 262 .
وأخرجه البحار : 13/ 330 ح 18 عن العيون والعلل ، وفي ج 99/ 185 ح 16 عن العيون والعلل والمعانى وفى البرهان : 1/ 49 ح 18 وج 3/ 228 ح 4 (قطعة) عن ابن بابويه .
(1) ( رفقها ) ب ، ط .
(2) من البحار .
(3) ( المبيت ) ب ، ط ، وبيت الشئ : دبره ليلا .
(4) ( الرحم ) البحار .
(5) من التأويل .
(6) ( آباءهم ) البحار : 92 ، (*) .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 36 ـ
  ويصلوا أرحامهم .
  فقال لهم : أيحثهم على أن يصلوا أرحامهم الكافرين ، وأن يعظموا من حقره الله، وأوجب احتقاره من الكافرين ؟ قالوا : لا ، ولكنه حثهم على صلة أرحامهم المؤمنين .
   قال : فقال : أوجب حقوق أرحامهم ، لاتصالهم بآبائهم وامهاتهم ؟ قلت : بلى يا أخا رسول الله.
  قال : فهم إذن إنما يقضون فيهم (1) حقوق الآباء والامهات .
  قلت : بلى يا أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال : فآباؤهم وامهاتهم إنما غذوهم في الدنيا ووقوهم مكارهها ، وهي نعمة زائلة ، ومكروه ينقضي ، ورسول ربهم ساقهم إلى نعمة دائمة لا تنقضي ، ووقاهم مكروها مؤبدا لا يبيد ، فأي النعمتين أعظم ؟ قلت : نعمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعظم وأجل وأكبر .
  قال : فكيف يجوز أن يحث على قضاء حق من صغر ـ الله ـ (2) حقه ، ولا يحث على قضاء حق من كبر ـ الله ـ (3) حقه؟ قلت : لا يجوز ذلك .
  قال : فاذا حق رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعظم من حق الوالدين ، وحق رحمه أيضا أعظم من حق رحمهما ، فرحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4) أولى بالصلة ، وأعظم في القطيعة فالويل كل الويل لمن قطعها ، والويل كل الويل لمن لم يعظم حرمتها .
  أوما علمت أن رحمة رحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة رسول الله، وأن حرمة رسول الله حرمة الله تعالى ، وأن الله أعظم حقا من كل منعم سواه ، وأن كل منعم سواه إنما أنعم حيث قيضه لذلك (5) ربه ، ووفقه له .
  أما علمت ما قال الله تعالى لموسى بن عمران ؟ قلت : بأبي أنت وأمي ما الذي قال له ؟

--------------------
(1) ( فيه ) ب ، ط .
( 2 ، 3 ) من البحار .
(4) زاد في البحار : 92 : أيضا أعظم وأحق من رحمها ، فرحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
(5) ( له ذلك ) البحار . (*)


تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 37 ـ
  قال (عليه السلام) : قال الله تعالى : يا موسى أتدري ما بلغت برحمتي (1) إياك ؟ فقال موسى : أنت أرحم بي من أبي وامي .
  قال الله تعالى : يا موسى وإنما رحمتك امك لفضل رحمتي ، فأنا الذي رققتها (2) عليك ، وطيبت قلبها لتترك طيب وسنها (3) لتربيتك ، ولو لم أفعل ذلك بها لكانت هي وسائر النساء (4) سواء .

ما يكون كفارة للذنوب :

   يا موسى أتدري أن عبدا من عبادي (5) يكون له ذنوب وخطايا تبلغ أعنان السماء فأغفرها له ، ولا أبالي ؟ قال : يا رب وكيف لا تبالي ؟ قال تعالى : لخصلة شريفة تكون في عبدي احبها ، وهي أن يحب إخوانه الفقراء المؤمنين ، ويتعاهدهم ، ويساوي نفسه بهم ، ولا يتكبر عليهم .
  فاذا فعل ذلك غفرت له ذنوبه ، ولا ابالي .
  يا موسى إن الفخر (6) ردائي والكبرياء إزاري ، من نازعني في شئ منهما عذبته بناري .
  يا موسى إن من إعظام جلالي إكرام العبد الذي أنلته حظا من ـ حطام ـ (7) الدنيا عبدا من عبادي مؤمنا .
   قصرت يديه في الدنيا ، فان تكبر عليه فقد استخف بعظيم جلالي .

--------------------
(1) ( من رحمتى ) أ . ( رحمتى ) البحار .
(2) ( رفقها ) ب ، ط .
(3) ( نومها ) خ ل ، والوسن : أول النوم .
(4) ( الناس ) ب ، ط .
(5) زاد في ( ب ، ط ) مؤمنا .
(6) ( العظمة ) ب ، ط .
(7) من البحار . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 38 ـ
الحث على صلة رحم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
  ـ ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن الرحم التي اشتقها الله عزوجل من رحمته بقوله :أنا (1) ( الرحمن ) هي (2) رحم محمد (3) (صلى الله عليه وآله) ، وإن من إعظام الله إعظام محمد (صلى الله عليه وآله) وإن من إعظام محمد (صلى الله عليه وآله) إعظام رحم محمد ، وإن كل مؤمن ومؤمنة من شيعتنا هو من رحم محمد (4) وإن إعظامهم من إعظام محمد (صلى الله عليه وآله) .
  فالويل لمن استخف بشئ من حرمة محمد (صلى الله عليه وآله) ، وطوبى لمن عظم حرمته ، وأكرم رحمه ووصلها (5) قوله عزوجل : ( الرحيم ).
  13 ـ قال الامام (عليه السلام) : وأما قوله تعالى ( الرحيم ) (فان أمير المؤمنين(عليه السلام) قال : ) (6) رحيم بعباده المؤمنين ، ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة ، وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم ، فبها (7) يتراحم الناس ، وترحم الوالدة ولدها ، وتحنو الامهات من الحيوانات على أولادها .

شفاعة المؤمنين :
  فأذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة ـ الواحدة ـ إلى تسعة وتسعين رحمة فيرحم بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ، ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة حتى أن الواحد ليجئ إلى مؤمن من الشيعة ، فيقول : اشفع لي .
   فيقول : وأي حق لك علي ؟ فيقول : سقيتك يوما ماءا .
   فيذكر ذلك ، فيشفع له ، فيشفع فيه ، ويجيئه آخر فيقول : إن لي عليك حقا ، فاشفع لي .
  فيقول : وما حقك علي ؟ فيقول : استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار .
   فيشفع له ، فيشفع فيه ، ولا يزال يشفع

--------------------
(1) ( من قوله ) البحار : 92 .
(2) ( وهي الرحم ) أ .
( 3 ، 4 ) ( آل محمد ) ب ، ط .
(5) عنه البحار : 92/ 248 ضمن ح 48 ، وج 23/ 266 ح 12 وتأويل الايات : 1/ 24 ح 3 قطعة .
(6) ( معناه أنه ) البحار : 92 .
(7) ( فيها ) ب ، ط ، .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 39 ـ
  حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه ، فان المؤمن أكرم على الله مما تظنون (1).
  قوله عزوجل : ( مالك يوم الدين ) .
   14 ـ قال الامام (عليه السلام) : (مالك يوم الدين) أي قادر على إقامة يوم الدين ، وهو يوم الحساب ، قادر على تقديمه على وقته ، وتأخيره بعد وقته ، وهو المالك أيضا في يوم الدين ، فهو يقضي بالحق ، لا يملك الحكم والقضاء في ذلك اليوم من يظلم ويجور ، كما في الدنيا من يملك الاحكام .
  قال : وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) (يوم الدين) (2) هو يوم الحساب .
  وقال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : ألا اخبركم بأكيس (3) الكيسين وأحمق الحمقى ؟ قالوا : بلى يا رسول الله.
  قال : أكيس الكيسين من حاسب نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، وأن أحمق الحمقى من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله تعالى الاماني .
  فقال الرجل : يا أمير المؤمنين وكيف يحاسب الرجل نفسه ؟ قال : إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه فقال : يا نفس (4) إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا ، والله تعالى يسألك عنه فيما أفنيته ، فما الذي عملت فيه ؟ أذكرت الله أم حمدتيه ؟ أقضيت حوائج (5) مؤمن ؟ أنفست عنه كربة ؟ أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده ؟ أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه (6) ؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك ؟ أأعنت مسلما ؟ ما الذي صنعت فيه ؟ فيذكر ما كان منه .

--------------------
(1) عنه تأويل الايات : 1/ 25 ح 4 والبحار 92/ 250 ضمن ح 48 وج 8/ 44 ح 44 .
(2) ( مالك يوم الدين قال) أ .
(3) أى أعقل .
(4) ( فيقول يا نفسى ) أ .
(5) ( حق ) أخ ، التأويل والبحار .
(6) ( مخلفه ) أ . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 40 ـ
  فان ذكر أنه جرى منه خير ، حمد الله تعالى ، وكبره على توفيقه ، وإن ذكر معصية أو تقصيرا ، إستغفر الله تعالى ، وعزم على ترك معاودته ، ومحا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمد وآله الطيبين ، وعرض بيعة أمير المؤمينن علي (عليه السلام) على نفسه ، وقبوله لها ، وإعادة لعن أعدائه وشانئيه ودافعيه عن حقه (1).
  فاذا فعل ذلك قال الله عزوجل : لست أناقشك في شئ من الذنوب مع موالاتك أوليائي ، ومعاداتك أعدائي (2) قوله عزوجل : ( اياك نعبد واياك نستعين )
  15 ـ قال الامام (عليه السلام) (إياك نعبد وإياك نستيعن) قال الله تعالى :قولوا : يا أيها الخلق المنعم عليهم .
  ( إياك نعبد ) أيها المنعم علينا ، ونطيعك مخلصين مع التذلل والخضوع (3) بلا رياء ، ولا سمعة .
  ( واياك نستعين ) منك : نسأل المعونة على طاعتك لنؤديها كماأمرت ، ونتقي من دنيانا مانهيت عنه ، ونعتصم ـ من الشيطان الرجيم ، ومن سائر مردة الجن والانس من المضلين ، ومن المؤذين الظالمين ـ بعصمتك (4) .
  16 ـ وقال : سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) من العظيم الشقاء ؟ قال : رجل ترك الدنيا للدنيا ، ففاتته الدنيا وخسر الآخرة ، ورجل تعبد واجتهد وصام رئاء (5) الناس فذاك الذي حرم لذات الدنيا ، ولحقه التعب الذي لو كان به مخلصا لاستحق ثوابه ، فورد الآخرة وهو يظن أنه قد عمل ما يثقل به ميزانه ، فيجده هباءا منثورا .

--------------------
(1) ( حقوقه ) المصادر .
(2) عنه تنبيه الخواطر : 2/ 94 تأويل الايات : 1/ 26 ح 6 ، والبحار : 70/ 69 ح 16 ، وج 92/250 ضمن ح 48 .
(3) ( الخشوع ) التنبيه ، البحار
(4) عنه تنبيه الخواطر : 2/ 95 ، وتأويل الايات : 1/ 27 ح 7 ، والبحار : 7/ 216 ، وج 92/ 251 ضمن ح 48 .
(5) التظاهر بخير دون حقيقة . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 41 ـ
  قيل : فمن أعظم الناس حسرة ؟ قال : من رأى ماله في ميزان غيره ، وأدخله الله به النار ، وأدخل وارثه (1) به الجنة .
  قيل : فكيف يكون هذا ؟ قال : كما حدثني بعض إخواننا عن رجل دخل إليه وهو يسوق (2) فقال له : يا أبا فلان ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق ما (3) أديت منها زكاة قط ، ولا وصلت منها رحما قط ؟ قال : فقلت : فعلام جمعتها ؟ قال : لجفوة السلطان ، ومكاثرة العشيرة ، وتخوف (4) الفقر على العيال ، و لروعة الزمان .
  قال : ثم لم يخرج من عنده حتى فاضت نفسه .
  ثم قال على (عليه السلام) : الحمد لله الذي أخرجه منها ملوما ـ مليما ـ (5) بباطل جمعها ، ومن (6) حق منعها ، جمعها فأوعاها ، وشدها فأوكاها (7) ، قطع فيها المفاوز القفار ، ولجج البحار أيها الواقف لا تخدع كما خدع صويحبك (8) بالامس ، إن ـ من ـ أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى ماله في ميزان غيره ، أدخل الله عزوجل هذا به الجنة وأدخل هذا به النار (9).
  17 ـ قال الصادق (عليه السلام) : وأعظم من هذا حسرة (10) رجل جمع مالا عظيما بكد

--------------------
(1) ( وراثه ) ط .
(2) السوق : ـ بالواو الساكنة ـ النزع ، كأن روحه تساق لتخرج من بدنه (النهاية : 2/ 424) .
(3) ( قال ما ) أ ، والمستدرك ولكنه لا يناسب الجواب .
(4) ( ولخوف ) ب ، ط .
(5) ( مليا ) أ ، وليس في تنبيه الخواطر .
(6) ( وفى ) ط .
(7) الوكاء : الخيط الذى يشد به الصرة والكيس وغيرهما . (النهاية : 5/ 222) .
(8) ( صاحبك ) خ ل .
(9) عنه تنبيه الخواطر : 2/ 95 ، والبحار : 92/ 251 ضمن ح 48 ، ومستدرك الوسائل : 2/ 645 باب 23 ح 1 .
(10) زاد في ( ب ، ط ) : يوم القيامة . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 42 ـ
  شديد ، ومباشرة الاهوال ، وتعرض الاخطار ، ثم أفنى ماله في صدقات ومبرات ، وأفنى شبابه وقوته في عبادات وصلوات ، وهو مع ذلك لا يرى لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) حقه (1) ، ولا يعرف له من (2) الاسلام محله ، ويرى أن من لا بعشره ولابعشر (3) عشير معشاره أفضل منه (عليه السلام) يوقف (4) على الحجج فلا يتأملها ، ويحتج عليه بالآيات والاخبار فيأبى إلا تماديا في غيه ، فذاك أعظم من كل حسرة يأتي يوم القيامة ، وصدقاته ممثلة له في مثال الافاعي تنهشه ، وصلواته وعباداته ممثلة له في مثال الزبانية تدفعه حتى تدعه إلى جهنم دعا يقول : يا ويلى ألم أك من المصلين ؟ ألم أك من المزكين ؟ ألم أك عن أموال الناس ونسائهم من المتعففين ، فلماذا دهيت بما دهيت ؟ فيقال له : يا شقي ما نفعك ما عملت ، وقد ضيعت أعظم الفروض بعد توحيد الله تعالى والايمان بنبوة محمد ـ رسول الله (5) ـ (صلى الله عليه وآله) : ضيعت ما لزمك من معرفة (6) حق علي بن أبي طالب ولي الله، والتزمت ما حرم الله عليك من الائتمام (7) بعدو الله.
  فلو كان لك بدل أعمالك هذه عبادة الدهر من أوله إلى آخره ، وبدل صدقاتك الصدقة بكل أموال الدنيا بل بملء الارض ذهبا ، لما زادك ذلك من رحمة الله تعالى إلا بعدا ، ومن سخط الله عزوجل إلا قربا (8).
  18 ـ قال الامام الحسن بن على (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قال الله عزوجل : قولوا ( إياك نستعين ) على طاعتك وعبادتك ، وعلى دفع (9) شرور أعدائك ، ورد مكائدهم ، والمقام على ما أمرت (10) به (11)

--------------------
(1) ( حقا ) ب ، ط .
(2)( في ) البحار .
(3) ( يعشره ولا يعشر ) ب ، ط والبحار .
(4) كذا في البحار ، وفى الاصل : يواقف ، وواقفه على كذا : سأله الوقوف .
(5) من البحار .
(6) ( مفروض ) أ .
(7) ( الاهتمام ) ط .
(8) عنه تنبيه الخواطر : 2/ 96 ، والبحار : 92/ 252 ضمن ح 48 .
(9) ( رفع ) ط ، والبحار .
(10) ( أمرتنا ) ب ، ط .
(11) عنه البحار : 92/ 2 د 2 ضمن ح 48 . (*)


تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 43 ـ
أعظم الطاعات :
  19 ـ وقال (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل (عليه السلام) عن الله تعالى ـ قال : قال الله عزوجل ـ (1) : يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاسألوني الهدى أهدكم .
  وكلكم فقير إلا من أغنيته ، فاسألوني الغني أرزقكم .
  وكلكم مذنب إلا من غفرت (2) فأسألوني المغفرة أغفر لكم .
  ومن علم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني بقدرتي ، غفرت له ، ولا ابالي.
  ولو أن أولكم وآخركم ، وحيكم وميتكم ، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على إنقاء (3) قلب عبد من عبادي ، لم يزيدوا في ملكي جناح بعوضة .
  ولو أن أولكم وآخركم ، وحيكم وميتكم ، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على إشقاء قلب (4) عبد من عبادي لم ينقصوا من ملكي جناح بعوضة .
  ولو أن أولكم وآخركم ، وحيكم وميتكم ، ورطبكم ويابسكم ، اجتمعوا فتمني كل واحد منهم ، ما بلغت من امنيته ، فأعطيته لم يتبين ذلك في ملكي ، كما لو أن أحدكم مر على شفير البحر ، فغمس فيه إبرة ثم انتزعها ، وذلك بأني جواد ماجد ، واجد ، عطائي كلام ، وعذابي (5) كلام ، فاذا أردت شيئا فانما أقول له : كن فيكون .
  يا عبادي اعملوا أفضل الطاعات وأعظمها لاسامحكم وإن قصرتم فيما سواها واتركوا أعظم المعاصي وأقبحها لئلا اناقشكم في ركوب ماعداها .
إن أعظم الطاعات توحيدي ، وتصديق نبي ، والتسليم لمن نصبه بعده ـ وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ والائمة الطاهرين من نسله صلوات الله عليهم .

--------------------
(1) ليس في البحار .
(2) ( غفرته ) ب ، ط ، ( عافيته ) المصادر .
(3) ( اتقاء ) أ ، في المستدرك ، ( قلب اتقى ) بدل انقاء قلب .
(4) ( أشقى قلب ) الجواهر .
(5) ( عداتى ) البحار ، والجواهر ، (*) .

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 44 ـ
  وإن أعظم المعاصي ـ وأقبحها ـ عندي الكفر بي وبنبيي ، ومنابذة (1) ولي محمد بعده علي بن أبي طالب ، وأوليائه بعده .
  فان أردتم أن تكونوا عندي في المنظر الاعلى ، والشرف الاشرف ، فلا يكونن أحد من عبادي آثر عندكم من محمد (صلى الله عليه وآله) ، وبعده من أخيه علي (عليه السلام) ، وبعدهما من أبنائهما (2) القائمين بامور عبادي بعدهما فان من كانت تلك عقيدته جعلته من أشراف ملوك جناني .
   (3) واعلموا أن أبغض الخلق إلى من تمثل بي وادعى ربوبيتي ، وأبغضهم إلي بعده من تمثل بمحمد ، ونازعه نبوته (4) وادعاها ، وأبغضهم إلي بعده من تمثل بوصي محمد ، ونازعه محله وشرفه ، وادعاهما ، وأبغضهم (5) إلي بعد هؤلاء المدعين ـ لماهم به لسخطي متعرضون ـ من كان لهم على ذلك من المعاونين ، وأبغض الخلق إلي بعد هؤلاء من كان بفعلهم من الراضين ، وإن لم يكن لهم من المعاونين .
  وكذلك أحب الخلق إلي القوامون بحقي ، وأفضلهم لدي ، وأكرمهم علي محمد سيد الورى ، وأكرمهم وأفضلهم بعده (6) أخو المصطفى علي المرتضى ، ثم من بعده من القوامين بالقسط من أئمة الحق ، وأفضل الناس بعدهم من أعانهم على حقهم ، وأحب الخلق إلي بعدهم من أحبهم ، وأبغض أعداءهم ، وإن لم يمكنه معونتهم (7) قوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم)

--------------------
(1) ( معاندة ) ط
(2) ( أبنائهم ) ب ، ط ، ( أبدالها ) الجواهر .
(3) ( جناتي ) أ
(4) ( بنبوته ) أ .
(5) ( وادعاها وأبغض الخلق ) أ
(6) ( بعده على ) أ .
(7) عنه الجواهر السنية : 171 صدر الحديث وص 287 ذيله ، وتأويل الايات : 1/ 27 ح 9 وح 10 ، ومستدرك الوسائل : 1/ 360 ح 10 قطعة ، وروى صدره في مسند أحمد : 5/ 177 وسنن الترمذى : 4/ 656 ح 2495 ، وسنن ابن ماجة : 2/ 1422 ح 4257 بأسانيدهم عن أبى ذر ، عنه (صلى الله عليه وآله) . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 45 ـ
  20 ـ قال الامام (عليه السلام) ـ قال الله عزوجل ـ (اهدنا الصراط المستقيم) أي (1) : أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا (2) و (الصراط المستقيم) هو صراطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الآخرة .
  فأما الطريق (3) المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن العلو ، وارتفع عن التقصير واستقام فلم يعدل إلى شئ من الباطل .
  والطريق الاخر : طريق المؤمنين إلى الجنة الذي هو مستقيم ، لا يعدلون عن الجنة إلى النار ، ولا إلى غير النار سوى الجنة .
  ـ قال : و ـ (4) قال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) : قوله عزوجل (اهدنا الصراط المستقيم) يقول : أرشدنا للصراط المستقيم ، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك ، والمبلغ إلى جنتك (5) والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب ، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك .
  ثم قال (6) (عليه السلام) : فان من اتبع هواه ، واعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء (7) العامة تعظمه وتصفه (8) ، فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لانظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد أحدق به خلق من غثاء العامة ، فوقفت منتبذا (9) عنهم ، متغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم ، فما زال يراوغهم (10) حتى خالف طريقهم ففارقهم ، ولم يعد (11)

--------------------
(1) ( يقول ) ب ، ط ، ( قال ) المعانى ، ( نقول ) البحار .
(2) ( أعمالنا ) أ
(3) ( الصراط ) ب ، ط ، والمعانى
(4) من المعانى .
(5) ( دينك ) المعانى
(6) ( قال على ) أ .
(7) ( أعناء ) تنبيه الخواطر ، وكذا التى بعدها ، والاعناء : القوم من قبائل شتى ، قال ابن الاثير في النهاية : 3/ 343 : ومنه حديث الحسن ( هذا الغثاء الذي كنا نحدث عنه ) يريد أرذال الناس وسقطهم .
(8) وصف الشئ له وعليه وصفا وصفة : حلاه ، (لسان العرب : 9/ 356) ، وفى المعانى : وتسفه .
(9) ( فرفعت مستترا ) خ ل .
(10) ( يراوعهم ) أ ، ريع القوم : تجمعوا ، راغ : خدع .
(11) ( يقر ) بعض المصادر . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 46 ـ
  فتفرقت العامة عنه لحوائجهم ، وتبعته أقتفي أثره ، فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله ، فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة (1) ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله معاملة .
  ثم مر بعده بصاحب رمان ، فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة فتعجبت منه ، ثم قلت ـ في نفسي ـ : لعله معاملة ، ثم أقول : وما حاجته ـ إذا ـ (2) إلى المسارقة ؟ ! ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض ، فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء فقلت له : يا عبدالله لقد سمعت بك ـ خيرا ـ وأحببت لقاءك ، فلقيتك ، لكني رأيت منك ما شغل قلبي ، وإني سائلك عنه، ليزول به شغل قلبي .
   قال : ما هو ؟ قلت : رأيتك مررت بخباز فسرقت منه رغيفين ، ثم مررت بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين ! قال : فقال لي : قبل كل شئ حدثني من أنت ؟ قلت له : رجل من ولد آدم من امة محمد (صلى الله عليه وآله) .
   قال : حدثني (3) ممن أنت ؟ قلت : رجل من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
  قال : أين بلدك ؟ قلت : المدينة .
  قال : لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ؟ قلت : بلى .
  قال لي : فما ينفعك شرف ـ أهلك و ـ (4) أصلك مع جهلك بما شرفت به ، وتركك علم جدك وأبيك لئلا تنكر ما يجب أن تحمد وتمدح فاعله! قلت : وما هو ؟ قال : القرآن كتاب الله.
  قلت : وما الذي جهلت منه ؟ قال : قول الله عزوجل : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها ) (5) وإني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين

--------------------
(1) سارقه : اختلس منه على غفلة
(2) من المعانى والبحار .
(3) ( لى ) ب ، ط
(4) ( جدك ) ط
(5) الانعام : 160 (*).

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 47 ـ
  فهذه أربع سيئات ، فلما تصدقت بكل واحدة منها كانت أربعين حسنة ، فانتقص من أربعين حسنة أربع (حسنات بأربع سيئات) (1) بقي لي ست وثلاثون حسنة .
  قلت : ثكلتك امك أنت الجاهل بكتاب الله تعالى ، أما سمعت قول الله تعالى : ( انما يتقبل الله من المتقين ) (2) إنك لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ، ولما دفعتهما إلى غير صاحبهما ، بغير أمر صاحبهما ، كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات ، ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات .
  فجعل يلاحظني (3) ، فتركته وانصرفت .
  قال الصادق (عليه السلام) : بمثل هذا التأويل القبيح المستنكر (4) يضلون ويضلون .
  وهذا ـ نحو ـ تأويل معاوية ـ عليه ما يستحق ـ لما قتل عمار بن ياسر (ره) فارتعدت فرائص خلق كثير ، وقالوا : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : عمار تقتله الفئة الباغية .
  فدخل عمرو بن العاص على معاوية ، وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا .
قال : لماذا ؟ قال : لقتل عمار بن ياسر ، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : عمار تقتله الفئة الباغية .
  فقال له معاوية : دحضت (5) في قولك ، أنحن قتلناه ؟ إنما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا .
   فاتصل ذلك بعلي (عليه السلام) ، فقال (عليه السلام) : إذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي قتل حمزة (ره) لما ألقاه بين رماح المشركين .

--------------------
(1) ( حسنات ) أ ، ( سيئات ) البحار : 47 .
(2) المائدة : 27
(3) ( بلا خبر ) أ ، ( يلاحينى ) البحار ، ( يلاحنى ) خ ، التنبيه ، قال ابن الاثير في النهاية : 4/ 241 : ( عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم ) أى فاطنهم وجادلهم ، يقال : لحن فلان في كلامه : إذا مال عن صحيح المنطق
(4) ( المنكرة ) أ ، ( المستكره ) ب ، المعانى
(5) أى زلقت . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ48 ـ
  21 ـ ثم ـ قال الصادق (عليه السلام) : طوبى للذين هم كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين (1) وتأويل الجاهلين .
   (2) فقال له رجل : يابن رسول الله إني عاجز ببدني عن نصرتكم ، ولست أملك إلا البراءة من أعدائكم ، واللعن عليهم ، فكيف حالي ؟ فقال له الصادق (عليه السلام) : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده (عليه السلام) ، عن رسول الله صلى عليه وآله ـ أنه ـ (3) قال من ضعف عن نصرتنا أهل البيت ، فلعن في خلواته أعداءنا ، بلغ الله صوته جميع الاملاك من الثرى إلى العرش ، فكلما لعن هذا الرجل أعداءنا لعنا ساعدوه فلعنوا من يلعنه ، ثم ثنوا فقالوا : اللهم صل على عبدك هذا ، الذي قد بذل ما في وسعه ، ولو قدر على أكثر منه لفعل .
  فاذا النداء من قبل الله تعالى : قد أجبت دعاءكم ، وسمعت نداءكم ، وصليت على روحه في الارواح، وجعلته عندي من المصطفين الاخيار .
  (4) قوله عزوجل : ( صراط الذين أنعمت عليهم )
   22 ـ قال الامام (عليه السلام) (صراط الذين أنعمت عليهم) أي قولوا : إهدانا صراط

--------------------
(1) ( المضلين) أ .
(2) عنه تنبيه الخواطر : 2/ 96 والبحار : 92/ 254 ضمن ح 48 (قطعة) وعنه في الوسائل : 6/ 326 ح 6 وعن معانى الاخبار : 33 ح 4 باسناده عن محمد بن القاسم... والاحتجاج: 2/ 129 (قطعة) وعنه في ج 18/ 31 ح 9 وعن المعانى والاحتجاج وعيون أخبار الرضا : 1/ 238 ح 65 (قطعة) وعنه في البحار : 94/ 9 ح 1 وعن معانى الاخبار (قطعة) ، وأخرجه في البحار : 47/ 238 ح 23 عن الاحتجاج ، وفي البرهان : 1/ 50 ح 23 وص 51 ح 24 عن المعانى والعيون .
(3) من البحار .
(4) عنه مستدرك الوسائل : 1/ 320 باب 10 ح 3 (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 49 ـ
  الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك .
  وهم الذين قال الله تعالى ( ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ) (1).
  وحكى هذا بعينه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : ثم قال : ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحة البدن ، وإن كان كل هذا نعمة من الله ظاهرة ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا ، أو فساقا ؟ فما ندبتم ـ إلى ـ أن تدعوا بأن ترشدوا إلى صراطهم ، وإنما امرتم بالدعاء لان ترشدوا إلى صراط الذين أنعم ـ الله ـ عليهم : بالايمان بالله ، والتصديق برسوله (2) وبالولاية لمحمد وآله الطيبين وأصحابه الخيرين المنتجبين وبالتقية الحسنة التي يسلم بها : من شر عباد الله، (ومن الزيادة في أيام أعداء الله وكفرهم) (3) بأن تداريهم فلا تغريهم بأذاك وأذى المؤمنين وبالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين فانه ما من عبد ولا أمة والى محمدا وآل محمد (4) وعادى من عاداهم إلاكان قد اتخذ من عذاب الله حصنا منيعا، وجنة حصينة .
  وما من عبد ولا أمة دارى عبادالله بأحسن المداراة ، ولم يدخل بها في باطل ، ولم يخرج بها من حق إلا جعل الله تعالى نفسه تسبيحا ، وزكى عمله ، وأعطاه بصيرة على كتمان سرنا ، واحتمال الغيظ لما يسمعه من أعدائنا ـ و ـ ثواب المتشحط بدمه في سبيل الله.
  وما من عبد أخذ نفسه بحقوق إخوانه فوفاهم حقوقهم جهده ، وأعطاهم ممكنه

--------------------
(1) النساء : 69
(2) ( برسول الله ) أ .
(3) ( ومن شر الزنادقة في أيام أعداء الله بكفرهم ) ب ، ط ، وفي المصادر : آثام بدل ( أيام ) .
(4) زاد في الاصل : وأصحاب محمد . (*)

تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) ـ 50 ـ
  ورضي منهم بعفوهم ، وترك الاستقصاء عليهم ، فيما يكون من زللهم ، وغفرها لهم إلا قال الله عزوجل له يوم القيامة (1) : يا عبدي قضيت حقوق إخوانك ، ولم تستقص عليهم فيما لك عليهم ، فأنا أجود وأكرم وأولى بمثل ما فعلته من المسامحة والتكرم ، فأنا أقضيك اليوم على حق ـ ما ـ وعدتك به ، وأزيدك من فضلي الواسع ، ولا أستقصي عليك في تقصيرك في بعض حقوقي .
  قال : فيلحقه بمحمد وآله وأصحابه ، ويجعله من خيار شيعتهم .
  ثم قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبعض أصحابه ذات يوم : يا عبدالله أحب في الله وأبغض في الله، ووال في الله، وعاد في الله، فأنه لاتنال ولاية الله تعالى إلا بذلك ولا يجد الرجل طعم الايمان ، و ـ إن ـ كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك ، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا ، عليها يتوادون ، وعليها يتباغضون ، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئا .
  فقال الرجل : يا رسول الله وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله ومن ولي الله حتى ا واليه؟ ومن عدوالله (2) حتى اعاديه ؟ فأشار له رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقال : أترى هذا ؟قال : بلى .
   قال : ـ فإن ـ ولي هذا ولي الله فواله ، وعدو هذا عدو الله فعاده ، ووال ولي هذا ، ولو أنه قاتل أبيك وولدك ، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك (3).

--------------------
(1) ( يلقاه ) المعانى والبحار : 24 .
(2) ( عدوه ) أ .
(3) عنه تنبيه الخواطر : 2/ 98 ، والبحار : 68/ 78 ح 140 وج 74/ 227 ح 22 وج 92/ 255 ضمن ح 48 ، وعنه في الوسائل : 11/ 440 ح 7 وعن معانى الاخبار : 36 ح 9 وعيون ا لاخبار : 1/ 226 ح 41 وأمالى الصدوق : 19 ح 7 وصفات الشيعة : 87 ح 65 وعلل الشرائع : 140 باب 119 ح 1 (باسناده عن محمد بن القاسم ...) وعنه في البحار : 24/ 10 ح 2 وعن معانى الاخبار (قطعة) ، وج 27/ 54 ح 8 عنه وعن المعانى والعيون والعلل (قطعة) وج 69/ 236 ح 1 عنه وعن العلل والعيون والامالى (قطعة) وأخرجه في البرهان : 1/ 51 ح 28 عن ابن بابويه ، وروى الشهيد ـ قطعة منه ـ في أربعينه : ح 28 باسناده عن أبى محمد الحسن العسكرى (ع) (*)