ونظراً الى ان الآيات نزلت في مناسبات مختلفة خلال ثلاث وعشرون سنة ، من السهولة بمكان تصور اشتمالها على هكذا احكام ، ان وضع حكم موقت في حين لم تتم مقتضيات الحكم الدائم ، ثم وضع الحكم الدائم وابدال الحكم الموقت به ، شيء ثابت لا اشكال فيه .
  كما يفهم هذا ايضا مما ورد في القرآن الكريم حول فلسفة النسخ ، قال تعالى : ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (1) .
  الجري والانطباق في القرآن : القرآن الكريم كتاب دائم لكل الازمان وتسري احكامه على كل الناس ، فيجري في الغائب كما يجري في الحاضر وينطبق على الماضي والمستقبل كما ينطبق على الحال .
  فمثلاً الآيات النازلة في حكم ما على احد المؤمنين بشروط خاصة في عصر النبوة يسري ذلك الحكم على غيره لو توفرت تلك الشروط في العصور التالية ايضاً ، والآيات التي تمدح او تذم بعض من يتحلى بصفات ممدوحة او مذمومة تشمل من يتحلى بها ممن لم يعاصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
  فاذاً مورد نزول آية من الآيات لا يكون مخصصاً لتلك الآية نفسها ، ونعني بذلك انه لو نزلت في شخص او اشخاص معينين آية لا تكون تلك الآية جامدة في ذلك الشخص او اولئك الاشخاص ، بل يسري حكمها في كل من يشترك مع اولئك في الصفات التي كانت مورداً لتلك الآية ، هذا هو الذي يسمى في السنة الاحاديث بـ ( الجري ) .
  قال الامام الباقر عليه السلام ، في حديثه للفضيل بن يسار ، عندما سأله عن هذه الرواية ( ما في القرآن آية الا ولها ظهر وبطن وما فيها حرف الا وله حد ولكل حد مطلع ) ما يعني بقوله ( ظهر وبطن ) ؟ قال عليه السلام : ظهره تنزيله وبطنه تأويله ، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما يجري الشمس والقمر كلما جاء منه شيء وقع ، الحديث (2) .
  وفي بعض الاحاديث يعتبر بطن القرآن ـ يعني انطباقه بموارد وجدت بالتحليل ـ مثل الجري (3) .
  بدأ التفسير للآيات وبيان معاني الفاظ القرآن وعباراته من عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان هو المعلم الاول للقرآن الكريم وتوضيح مقاصده وحل ما غمض من عباراته ، قال تعالى ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (4) .
  وقال : (/1} هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (5) .
--------------------
(1) سورة النحل : 101 ـ 102 .
(2) تفسير العياشي 1 / 10 .
(3) انظر المصدر السابق 1 / 11 .
(4) سورة النحل : 44 .
(5) سورة الجمعة : 2 .

القرآن في الاسلام _ 27 _

  وفي عصر النبي وبأمر منه اشتغل جماعة من الصحابة بقراءة القرآن وحفظه وضبطه ، وهم الذين يسمون بـ ( القراء ) ، وبعد الصحابة استمر المسلمون في التفسير ولا زال حتى الان فيهم مفسرون .
  علم التفسير وطبقات المفسرين :
  اشتغل جماعة من الصحابة بالتفسير بعد ان ارتحل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى الرفيق الاعلى ، ومنهم أُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الانصاري وابو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وانس وابو هريرة وابو موسى ، وكان اشهرهم عبد الله بن عباس .
  كان منهج هؤلاء في التفسير انهم ينقلون ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معاني الآيات بشكل احاديث مسندة (1) وبلغت هذه الاحاديث كلها الى نيف واربعين ومائتي حديث اسانيد كثير منها ضعيفة ومتون بعضها منكرة لا يمكن الركون اليها .
  وربما ذكر هؤلاء تفسير بعض الآيات على انه تفسير منهم بدون اسناده الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فعد المفسرون من متأخري اهل السنة هذا القسم ايضا من جملة الاحاديث ، بحجة ان الصحابة اخذوا علم القرآن من النبي ويبعد ان يفسروا من عند انفسهم ، ولكن لا دليل قاطع على كلامهم هذا ، بالاضافة الى ان كمية كبيرة من الاحاديث المذكورة واردة في اسباب نزول الآيات وقصصها التاريخية ، كما ان فيها احاديث غير مسندة منقولة عن بعض علماء اليهود الذين اسلموا ككعب الاحبار وغيره .
  وكان ابن عباس في اكثر الاوقات يستشهد بأبيات شعرية في فهم معاني الآيات ، كما نرى ذلك جلياً في مسائل نافع بن الازرق ، فان ابن عباس عند الاجابة عليها استشهد بالشعر في اكثر من مائتي مورد من الآيات ، وقد نقل السيوطي مائة وتسعين جواباً منها في كتابه الاتقان (2) .
  ومن هنا لا يمكن اعتبار الاحاديث المنقولة عن الصحابة احاديث نبوية كما لا يمكن القول بأنهم لم يفسروا مطلقاً برأيهم ، ومفسرو الصحابة هم الطبقة الاولى من المفسرين ، ( الطبقة الثانية ) هم التابعون ، وهم تلامذة مفسري الصحابة ، وهم مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وضحاك ، ومن هذه الطبقة ايضا الحسن البصري وعطاء بن ابي رباح وعطاء بن ابي مسلم وابي العالية ومحمد بن كعب القرظي وقتادة وعطية وزيد بن اسلم وطاوس اليماني (3) .
--------------------
(1) آخر كتاب الاتقان ، طبع القاهرة سنة 1370 هـ .
(2) الاتقان ص 120 ـ 133 .
(3) مجاهد ، مفسر مشهور ، توفي
  سنة 100 او سنة 103 ( تهذيب الاسماء للنووي ) .
  سعيد بن جبير مفسر معروف تلميذ ابن عباس ، قتله الحجاج الثقفي سنة 94 ( التهذيب ) .
  عكرمة ، مولى ابن عباس وتلميذه وتلميذ سعيد بن جبير ، توفي سنة 104 ( التهذيب ) .
  ضحاك ، من تلامذة عكرمة ( لسان الميزان ) .
  الحسن البصري ، زاهد ومفسر معروف ، توفي سنة 110 ( التهذيب ) .
  عطاء بن ابي رباح ، فقيه ومفسر مشهور ، من تلامذة ابن عباس ، توفي سنة 115 ( التهذيب ) .
  عطاء بن ابي مسلم ، من اكابر التابعين ، ومن تلامذة ابن جبير وعكرمة ، توفي سنة 133 ( التهذيب ) .
  ابو العالية ، من ائمة التفسير واكابر التابعين ، كان في المائة الاولى من الهجرة ( التهذيب ) .
  محمد بن كعب القرظي ، مفسر معروف ، وهو من اسرة يهودية من بني قريظة ، كان في المائة الاولى من الهجرة .
  قتادة ، اعمى ، كان من اكابر المفسرين ، وهو من تلامذة الحسن البصري وعكرمة ، توفي سنة 117 ( التهذيب ) .
  عطية ، ينقل عن ابن عباس ( لسان الميزان ) .
  زيد بن اسلم ، مولى عمر بن الخطاب ، فقيه ومفسر ، توفي سنة 136 ( التهذيب ) .
  طاوس اليماني ، من اعلام عصره ، وهو تلميذ ابن عباس ، توفي سنة 106 ( التهذيب ) .

القرآن في الاسلام _ 28 _
  ( الطبقة الثالثة ) تلامذة الطبقة الثانية ، كربيع بن انس وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم وابو صالح الكلبي ونظرائهم (1) .
  ابو صالح الكلبي ، النسابة المفسر ، وهو من اعلام القرن الثاني .
  وكان منهج التابعين في التفسير انهم ينقلونه احيانا بصورة احاديث عن الرسول الكريم او الصحابة ، واحيانا ينقلونه بشكل نظريات خاصة بلا اسنادها الى احد ، فعامل متأخرو المفسرين مع هذه الاقوال معاملة الاحاديث النبوية واعتبروها احاديث موقوفة (2) .
  ويطلق على الطبقتين الاخرتين لفظة ( قدماء المفسرين ) .
  ( الطبقة الرابعة ) اوائل المؤلفين في علم التفسير ، كسفيان ابن عيينة ووكيع بن الجراح وشعبة بن الحجاج وعبد بن حميد وغيرهم . ومن هذه الطبقة ايضا ابن جرير الطبري صاحب التفسير المشهور (3) .
  ومنهج هذه الطبقة من المفسرين كان نقل اقوال الصحابة والتابعين بشكل احاديث في مؤلفاتهم التفسيرية بدون ذكر آرائهم الخاصة ، الا ان ابن جرير في تفسيره قد يبدي رأيه في ترجيح بعض الاحاديث على بعضها وكيفية الجمع بينها ، ومن هذه الطبقة تبدأ طبقات المفسرين المتأخرين .
  ( الطبقة الخامسة ) المفسرون الذين نقلوا الاحاديث في تفاسيرهم بحذف الاسانيد واكتفوا بنقل الاقوال والآراء ، قال السيوطي : فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل (4) .
  الا ان المتدبر في الاحاديث المسندة يرى ايضا كثيرا من الوضع والدس ، ويشاهد الاقوال المتناقضة تنسب الى صحابي واحد ، ويقرأ قصصاً وحكايات يقطع بعدم صحتها ، ويمر على احاديث في اسباب النزول والناسخ والمنسوخ لا تتفق مع سياق الآيات .
  ومن هنا نقل ان الامام احمد بن حنبل قال : ثلاثة لا اصل لها المغازي والملاحم واحاديث التفسير ، ونقل عن الامام الشافعي ان الثابت من الاحاديث المروية عن ابن عباس مائة حديث فقط .
--------------------
(1) عبد الرحمن بن زيد ، يعد من علماء التفسير .
(2) الاحاديث الموقوفة هي التي لم يذكر فيها المروي عنه .
(3) سفيان بن عيينة ، مكي من طبقة التابعين الثانية ، وهو من علماء التفسير توفي سنة 198 ( التهذيب ) .
وكيع بن الجراح ، كوفي من طبقة التابعين الثانية ، ومن مشاهير المفسرين توفي سنة 197 ( التهذيب ) .
شعبة بن الحجاج البصري ، من طبقة التابعين الثانية ، وهو من مشاهير المفسرين ، توفي سنة 160 ( التهذيب ) .
عبد بن حميد ، صاحب تفسير ، من طبقة التابعين الثانية ، كان في القرن الثاني من الهجرة .
ابن جرير الطبري ، محمد بن جرير بن يزيد ، من مشاهير علماء السنة ، توفي سنة 310 ( لسان الميزان ) .
(4) الاتقان 2 / 190 .

القرآن في الاسلام _ 29_
  ( الطبقة السادسة ) المفسرون الذين كتبوا التفسير بعد ظهور العلوم المختلفة ونضجها ، فكتب كل منهم حسب اختصاصه وفي العلم الذي اتقنه : فالنحوي ادرج المباحث النحوية كالزجاج والواحدي وابي حيان (1) ، والاديب اورد المباحث البلاغية كالزمخشري في كشافه (2) ، والمتكلم اهتم بالمباحث الكلامية كالفخر الرازي في تفسيره الكبير (3) ، والصوفي غاص في المباحث الصوفية كابن العربي وعبد الرزاق الكاشاني في تفسيريهما (4) ، والاخباري ملأ كتابه بالاحاديث كالثعلبي في تفسيره (5) ، والفقيه جاء بالمسائل الفقهية كالقرطبي في تفسيره (6) .
  وقد خلط جماعة آخرون في تفاسيرهم بين العلوم المختلفة كما نشاهده في تفسير روح المعاني (7) وروح البيان (8) وتفسير النيسابوري (9) .
  والخدمة التي قدمتها هذه الطبقة الى علم التفسير هي اخراجه من جموده واخضاعه للدرس والبحث ، ولكن الانصاف يقتضي القول بأن كثيراً من المباحث التي كتبها هؤلاء حملت على القرآن حملاً ولا تدل عليها الآيات .
  أسلوب مفسري الشيعة وطبقاتهم :
  الطبقات التي ذكرناها هي طبقات المفسرين من السنة ، وقد رأينا ان لهم منهجاً خاصا في التفسير ساروا على ضوئه من حين نشأته ، فجعلوه احاديث نبوية واقوال للصحابة والتابعين ولم يجيزوا اعمال النظر فيها لانه يكون من قبيل الاجتهاد مقابل النص .
--------------------
(1) الزجاج ، من علماء النحو ، توفي سنة 310 ( ريحانة الادب ) .
الواحدي ، نحوي مفسر ، توفي سنة 468 ( الريحانة ) .
ابو حيان الاندلسي ، نحوي مفسر قارىء توفي في مصر سنة 745 ( الريحانة ) .
(2) الزمخشري ، من مشاهير علماء الادب ، مؤلف تفسير الكشاف ، توفي سنة 538 ( كشف الظنون ) .
(3) الامام فخر الدين الرازي ، متكلم مفسر مشهور ، صاحب تفسير مفاتيح الغيب ، توفي سنة 606 ( كشف الظنون ) .
(4) عبد الرزاق الكاشاني ، من مشاهير علماء الصوفية في القرن الثامن الهجري ( ريحانة الادب ) .
(5) احمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي ، صاحب التفسير المشهور ، توفي سنة 426 او 427 ( الريحانة ) .
(6) محمد بن احمد بن ابي بكر القرطبي ، توفي سنة 668 ( الريحانة ) .
(7) تأليف الشيخ اسماعيل حقي ، توفي سنة 1137 ( ذيل كشف الظنون ) .
(8) تأليف شهاب الدين محمود الالوسي البغدادي ، توفي سنة 1270 ( ذيل كشف الظنون ) .
(9) غرائب القرآن ، تأليف نظام الدين حسن القمي النيسابوري ، توفي سنة 728 ( ذيل كشف الظنون ) .

القرآن في الاسلام _ 30 _
  ولكن لما ظهر التناقض والتضارب والدس والوضع فيها بدأت الطبقة السادسة تعمل رأيها فيها وتجتهد .
  أما المنهج الذي اتخذته الشيعة في تفسير القرآن الكريم فيختلف مع منهج السنة ، ولذا يختلف تقسيم طبقاتهم مع الطبقات المذكورة .
  تعتقد الشيعة ـ بنص من القرآن الكريم حجية اقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التفسير ، وترى ان الصحابة والتابعين كبقية المسلمين لا حجية في اقوالهم الا ما ثبت انه حديث نبوي ، وقد ثبت بطرق متواترة في حديث الثقلين ان اقوال العترة الطاهرة من اهل بيته عليهم السلام هي تالية لاقوال الرسول ، فهي حجة ايضا .
  ومن هنا اخذت الشيعة في التفسير بما اثر عن النبي واهل بيته عليهم السلام ، فكانت طبقات المفسرين منهم كما يلي :
  ( الطبقة الاولى ) : الذين رووا التفسير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وائمة اهل البيت عليهم السلام ، وادرجوا الاحاديث في مؤلفاتهم المتفرقة ، كزرارة ومحمد بن مسلم ومعروف وجرير واشباههم (1) .
  ( الطبقة الثانية ) : اوائل المؤلفين في التفسير ، كفرات بن ابراهيم الكوفي وابي حمزة الثمالي والعياشي وعلي بن ابراهيم القمي والنعماني (2) .
  وطريقة هؤلاء في تفاسيرهم تشبه طريقة الطبقة الرابعة من مفسري اهل السنة ، فقد رووا الاحاديث المأثورة عن الطبقة الاولى وادرجوها مسندة في مؤلفاتهم ولم يبدوا آراءهم الخاصة في الموضوع .
  ومن الواضح ان الزمن الذي كان يمكن الاخذ فيه عن الائمة عليهم السلام كان طويلاً بلغ نحواً من ثلاثمائة سنة ،فكان من الطبيعي ان لا يضبط الترتيب الزمني لهاتين الطبقتين بصورة دقيقة ، بل كانتا متداخلتين ومن الصعوبة بمكان التفريق الدقيق بينهما .
--------------------
(1) زرارة بن اعين ومحمد بن مسلم من فقهاء الشيعة وخواص اصحاب الامامين الباقر والصادق عليهما السلام .
  معروف بن خربوذ وجرير من خواص اصحاب الامام الصادق عليه الصلاة والسلام .
(2) فرات بن ابراهيم الكوفي ، صاحب التفسير المشهور ، من مشايخ علي بن ابراهيم القمي ( ريحانة الادب ) .
ابو حمزة الثمالي ، من فقهاء الشيعة وخواص اصحاب الامام السجاد والباقر عليهما السلام ( الريحانة ) .
العياشي ، محمد بن مسعود الكوفي السمرقندي ، من اعيان علماء الامامية في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ( الريحانة ) .
علي بن ابراهيم القمي ، من مشائخ الحديث الشيعي في اواخر القرن الثالث واوائل القرن الرابع الهجري .
النعماني ، محمد بن ابراهيم ، من اعيان علماء الامامية ، وهو تلميذ ثقة الإسلام الكليني ، كان في اوائل القرن الرابع الهجري ( الريحانة ) .

القرآن في الاسلام _ 31 _
  وقد قل عند اوائل مفسري الشيعة نقل احاديث التفسير بشكل روايات مرسلة في تفاسيرهم ، وكنموذج لنقل الاحاديث مروية بدون اسانيد نلفت الانظار الى تفسير العياشي الذي حذف بعض تلامذته اسانيده اختصاراً ، فاشتهرت نسخة التلميذ المختصرة وحلت محل نسخة الاصل .
  ( الطبقة الثالثة ) اصحاب العلوم المختلفة ، كالشريف الرضي في تفسيره الادبي والشيخ الطوسي في تفسيره الكلامي المسمى بالتبيان والمولى صدر الدين الشيرازي في تفسيره الفلسفي والميبدي الكونابادي في تفسيره الصوفي والشيخ عبد علي الحويزي والسيد هاشم البحراني والفيض الكاشاني في تفاسيرهم نور الثقلين والبرهان والصافي (1) .
  وهناك جماعة جمعوا في تفاسيرهم بين العلوم المختلفة ، ومنهم الشيخ الطبرسي في تفسيره ( مجمع البيان ) الذي يبحث فيه عن اللغة والنحو والقراءة والكلام والحديث وغيرها (2) .
  كيف يتقبل القرآن التفسير ؟
  الاجابة على هذا السؤال تتوضح من الفصول الماضية ، فان القرآن الكريم ـ كما ذكرنا ـ كتاب دائم للجميع ، يخاطب الكل ويرشدهم الى مقاصده وقد تحدى في كثير من آياته على الاتيان بمثله واحتج بذلك على الناس ، ووصف نفسه بأنه النور والضياء والتبيان لكل شيء ، فلا يكون مثل هذا الكتاب محتاجا الى شيء اخر .
--------------------
(1) الشريف الرضي ، محمد بن الحسين الموسوي ، من اجلاء فقهاء الامامية ، اعلم اهل زمانه في الشعر والادب ، ومن تآليفه كتاب ( نهج البلاغة ) توفي سنة 404 او 406 ( ريحانة الادب ) .
شيخ الطائفة ، محمد بن الحسن الطوسي ، من اعلام علماء الامامية ، من تآليفه ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) اللذين هما اصلان من الاصول الاربعة الحديثية عند الشيعة ، توفي سنة 460 ( الريحانة ) .
صدر المتألهين ، محمد بن ابراهيم الشيرازي ، الفيلسوف المشهور ، مؤلف كتاب ( اسرار الآيات )و ( مجموعة تفاسير ) ، توفي سنة 1050 ( روضات الجنات ) .
الميبدي .
السيد هاشم البحراني ، صاحب تفسير ( البرهان ) في اربعة اجزاء كبار توفي سنة 1107 ( الريحانة ) .
الفيض الكاشاني ، المولى محمد محسن بن المرتضى ، مؤلف كتاب ( الصافي ) و ( الاصفى ) ، توفي سنة 1091 ( الريحانة ) .
الشيخ عبد علي الحويزي الشيرازي ، مؤلف كتاب ( نور الثقلين ) في خمسة اجزاء ، توفي سنة 1112 ( الريحانة ) .
(2) أمين الإسلام ، الفضل بن الحسن الطبرسي ، من اعيان علماء الامامية ، صاحب ( مجمع البيان ) في عشرة اجزاء ، توفي سنة 548 ( الريحانة ) .

القرآن في الاسلام _ 32 _
  يقول محتجاً على انه ليس من كلام البشر : (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) (1) .
  ليس فيه اي اختلاف ، ولو وجد فيه اختلاف بالنظرة البدائية يرتفع بالتدبر في القرآن نفسه .
  ومثل هذا الكتاب لو احتاج في بيان مقاصده الى شيء اخر لم تتم به الحجة ، لانه لو فرض ان احد الكفار وجد اختلافا في شيء من القرآن لا يرتفع من طريق الدلالة اللفظية للايات لم يقنع برفعه من طرق اخرى ، كأن يقول النبي مثلاً يرتفع بكذا وكذا ، ذلك لان هذا الكافر لا يعتقد بصدق النبي ونبوته وعصمته ، فلم يتنازل لقوله ودعاويه .
  وبعبارة اخرى : لا يكفي ان يكون النبي رافعا للاختلافات القرآنية بدون شاهد لفظي من نفس القرآن لمن لا يعتقد نبوته وعصمته ، والآية الكريمة ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) توجه الخطاب الى الكفار الذين لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فانهم لم يسلموا لاقواله لو لم يكن هناك شاهد قرآني صريح .
  ومن جهة اخرى نرى ان القرآن نفسه يثبت حجية اقوال النبي وتفسيره ، كما ان النبي يثبت حجية اقوال اهل بيته وتفسيرهم .
ونستنتج من هاتين المقدمتين ان في القرآن آيات تفسر الآيات الاخرى ، ومكانة الرسول واهل بيته من القرآن كمرشد معصوم لا يخطأ في تعاليمه وارشاداته ، فما يفسرونه يطابق التفسير الذي يستنتج من ضم الآيات بعضها الى بعض ولا يخالفها في شيء
  نتيجة البحث :
  النتيجة التي توصلنا اليها في الفصل الماضي هي ان التفسير الواقعي للقرآن هو التفسير الذي ينبع من التدبر في الآيات الكريمة وضم بعضها الى بعض .
  وبعبارة اوضح : يمكن ان نسلك في التفسير احدى طرق ثلاث :
  1 ـ تفسير الآية لوحدها بالمقدمات العلمية وغير العلمية التي نملكها .
  2 ـ تفسير الآية بمعونة الاحاديث المأثورة عن المعصومين عليهم السلام .
  3 ـ تفسير الآية بالتدبر والدقة فيها وفي غيرها والاستفادة من الاحاديث .
  الطريقة الثالثة هي المنهج الذي توصلنا اليه في الفصل الماضي ، وهو المنهج الذي حث عليه النبي واهل بيته عليهم السلام فيما اثر عنهم .
  قال صلى الله عليه وآله وسلم ( وانما نزل ليصدق بعضه بعضاً ) ، وقال علي عليه السلام ( ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض ) .
  ومما ذكرنا يتوضح ان هذه الطريقة غير الطريقة المنهية في الحديث النبوي المشهور ( من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ) ، لان الطريقة المذكورة تفسير للقرآن بالقرآن لا بالرأي .
--------------------
(1) سورة النساء : 82 .

القرآن في الاسلام _ 33 _
  والطريقة الأولى من الطرق الثلاث لا يمكن الاعتماد عليها ، وهي في الحقيقة من قبيل التفسير بالراي الذي لا يجوز الا ما وافق منه مع الطريقة الثالثة .
  واما الطريقة الثانية فهي التي كان يتبعها علماء التفسير في الصدر الاول وكان العمل عليها عدة قرون ، وهي الطريقة المعمولة حتى الان عند الاخباريين من الشيعة والسنة .
  وهذه الطريقة محدودة لا تفي بالحاجات غير المحدودة ، لان ستة الاف وعدة مئات من الآيات التي نقرأها في القرآن الكريم تقابلها مئات الالوف من الاسئلة العلمية وغير العلمية ، فمن اين نجد الاجابة على هذه الاسئلة وكيف التخلص منها ؟
  هل نرجع فيها الى الرويات والاحاديث ؟
  ان ما يمكن تسميته بالحديث النبوي في التفسير ، المروي من طريق السنة لا يزيد على مائتين وخمسين حديثاً ، مع العلم ان كثيراً من هذه الاحاديث ضعيفة الاسانيد وبعضها منكرة .
  نعم الاحاديث المروية عن اهل البيت عليهم السلام من طريق الشيعة تبلغ عدة الاف حديث ، وفيها مقدار كثير من الاحاديث التي يمكن الاعتماد عليها ، الا انها مع هذا لا تكفي للاجابة على الاسئلة غير المحدودة التي نواجهها تجاه الآيات القرآنية الكريمة .
  هذا ، بالاضافة الى ان هناك آيات لم يرد فيها حديث اصلاً لا من طريق السنة ولا من طريق الشيعة ، فكيف نصنع بها ؟ ففي هذه المشاكل : اما ان نرجع الى الآيات المناسبة لما نروم تفسيره ، وهذا ما تمنع عنه هذه الطريقة الحديثية ، واما ان نمتنع عن البحث في الآية بتاتاً ونغض الطرف عن حاجاتنا العلمية التي تدعونا الى البحث .
  اذاً ماذا نصنع مع ما تدل عليه الآيات الكريمة التالية الحاثة على البحث والتدبر والتبيين ؟
  قال تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (1) .
  وقال : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) (2) .
  وقال : ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) (3) .
  وقال : ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ ) (4) .
  وقد ورد في احاديث صحيحة عن النبي وائمة اهل البيت عليهم السلام انهم حثوا على الرجوع الى القرآن الكريم عند حدوث الفتن وظهور المشاكل (5) ، فماذا نصنع بهذه الاحاديث ؟
  وقد ثبت ايضا عن طريق العامة في احاديث نبوية وعن طريق الخاصة في روايات متواترة عن النبي وائمة اهل البيت عليهم السلام ضرورة عرض الاخبار على كتاب الله تعالى (6) ، وبموجبها يجب عرضها على القرآن الكريم فما وافقه يؤخذ به وما خالفه يطرح .
--------------------
(1) سورة النحل : 89 .
(2) سورة النساء : 82 .
(3) سورة ص : 39 .
(4) سورة المؤمنون : 68 .
(5) انظر اوائل تفسير العياشي والصافي والبرهان وبحار الانوار .
(6) بحار الانوار 1 / 137 ، باب اختلاف الاخبار .

القرآن في الاسلام _ 34 _
  من البديهي ان مضمون هذه الاحاديث يصح لو كانت الآيات تدل على مرادها ويكون لمدلولها ـ وهو التفسير ـ اعتبار ، فلو رجعنا لمعرفة محصل مدلول الآية ـ وهو التفسير ـ الى الحديث لم يبق موضع لعرض الحديث على القرآن .
  ان هذه الاحاديث التي اشرنا اليها احسن شاهد على ان الآيات القرآنية كبقية ما يتكلم به المتكلمون لها مداليلها ، وهي في نفسها حجة مع غض النظر عن الاحاديث الواردة في التفسير .
  قد تبين من البحوث السابقة ان واجب المفسر هو ملاحظة الاحاديث الواردة في التفسير عن النبي وائمة اهل البيت عليهم السلام والغور فيها ليعرف طريقتهم ، ثم يفسر القرآن الكريم بالمنهج الذي يستفاد من الكتاب والسنة ويأخذ بالاحاديث التي توافق الكتاب ويطرح ما عداها .
نموذج من تفسير القرآن بالقرآن :   قال الله تعالى : ( اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) (1) .
  تكرر مضمون هذه الآية الكريمة في اربعة مواضع من القرآن ، وبحسب هذا المضمون جميع المخلوقات الموجودة في الكون هي من خلق الله تعالى وصنعه .
  ويجب ان لا تغرب عنا هذه النكتة ان في مئات من الآيات صدق موضوع العلية والمعلولية ، ونسب فيها فعل كل فاعل اليه ، واعتبرت الافعال الاختيارية من افعال الإنسان نفسه ، وخصت الاثار بالمؤثرات كالاحراق بالنار والنبات الى الارض والمطر الى السماء وغيرها .
  والنتيجة ان صانع كل شيء وفاعله ينسب فعله وصنعه اليه ، الا ان مفيض الوجود والموجد الحقيقي للفعل هو الله تعالى ليس غيره .
ومن هنا نعرف التعميم الذي نجده في قوله تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَه ) (2) ، فلو انضمت هذه الآية الى الآية السابقة لرأينا الجمال والخلقة قرينين ، فكل ما وجد في عالم المخلوقات من خلق كان موصوفاً بالجمال .
  ويجب ايضا ان لا تغرب عنا هذه النكتة ان الآيات القرآنية تعترف بالخير مقابل الشر والنفع مقابل الضرر والحسن مقابل السيء والجمال مقابل القبح ، وتعتبر كثيرا من الافعال والاقوال والافكار حسنة او سيئة ، ولكن هذه المساوىء والقبائح والشرور تبدو واضحة اذا ما قيست بما يقابلها ، فوجدوها نسبي وليس بنفسي .
  لو تأملنا في الايتين المذكورتين سابقاً وامعنا النظر فيما سبق من الكلام ، نعلم ان هذا الجمال المحير الذي ملأ عالم الوجود كله انما هو لمعة من الجمال الالهي ندركه نحن بواسطة الآيات السماوية والارضية ، وكل جزء من العالم كوة ننظر منها الى القدرة اللامتناهية لنعرف ان ليس لهذه الاجزاء شيء من القدرة الا ما افيض عليها .
  ولهذا نرى في آيات قرآنية كثيرة نسبة انواع الجمال والكمال الى الله تعالى ، فتقول : ( هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو ) (3) .
--------------------
(1) سورة الزمر : 62 .
(2) سورة السجدة : 7 .
(3) سورة غافر : 65 .

القرآن في الاسلام _ 35_
  و ( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ) (1) .
  و ( فأَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ) (2) .
  و ( هُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير ) (3) .
  و ( هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير ) (4) .
  و ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ) (5) .
  فبمقتضى هذه الآيات كل جمال وكمال نراه في عالم الوجود هو في الحقيقة من الله تعالى وليس لغيره الا المجاز والعارية .
 وتأكيداً لما مضى ذكره يوضح القرآن الكريم بأسلوب آخر ان الجمال والكمال المودع في مخلوقات العالم انما هو محدود متناهي ، وهو عند الله تعالى غير محدود وليس له نهاية ، قال عز من قائل : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) (6) .
  وقال : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (7) .
  عندما يتقبل الإنسان هذه الحقيقة القرآنية يرى نفسه امام الجمال والكمال اللامتناهي ، يحيط به من كل جانب وليس فيه خللاً اصلاً ، ينسى كل جمال وكمال في العالم ، وحتى نفسه التي هي من تلك الآيات ينساها وينجذب الى خالق الجمال والكمال قال تعالى : ( والذين آمنوا اشد حباً لله )(8).
عند هذا يسلم العبد ارادته واستقلاله الى الله تعالى كما هو من شؤون الحب والعبودية الخالصة ، فينضوي تحت لواء الحق ويدخل في ولايته ، كما يقول عز وجل ( وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (9) ( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُر ) (10) .
--------------------
(1) سورة البقرة : 165 .
(2) سورة النساء : 139 .
(3) سورة الروم : 54 .
(4) سور الاسراء : 1 .
(5) سورة طه : 8 .
(6) سورة القمر : 49 .
(7) سورة الحجر : 21 .
(8) سورة البقرة : 165 .
(9) سورة آل عمران : 68 .
(10) سورة البقرة : 257 .

القرآن في الاسلام _ 36 _
  فيجد حينئذ روحاً اخرى ويحيا حياة جديدة ويشرق في قلبه نور الحقيقة ، فتتفتح له طرق السعادة ليشق مسيرته الكريمة بين المجتمع قال تعالى ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) (1) ، وقال : ( أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْه ) (2) .
  وفي آية اخرى يزمع تعالى الى كيفية حصول هذا النور فيقول ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ) (3) .
  وقد فسر الايمان بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم في آية اخرى بالتسليم له واتباعه ، فقال ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّه ) (4) .
  ووضح الاتباع في آية اخرى ، فقال ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) (5) .
  واوضح من هذا نجد معنى الاتباع في آية اخرى ايضا حيث يقول : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) (6) .
  فبمقتضى هذه الآية الكريمة البرنامج الكامل الإسلامي هو المتطلبات التي يحتاج اليها من يعيش في الكون ، ونعني بها القوانين والشرائع التي تدل عليها الفطرة الإنسانية ، الحياة غير المعقدة التي يحياها الإنسان المستقيم ، كما يقول تعالى في موضع اخر ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) (7) .
--------------------
(1) سورة الانعام : 122 .
(2) سورة المجادلة : 22 .
(3) سورة الحديد : 28 .
(4) سورة آل عمران : 31 .
(5) سورة الاعراف : 157 .
(6) سورة الروم : 30 .
(7) سورة الشمس : 7 ـ 10 .

القرآن في الاسلام _ 37 _
  القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يساوي بين الحياة الإنسانية السعيدة والحياة الفطرية النزيهة ، وهو بعكس جميع الكتب والمناهج الاخرى يجمع بين البرامج الدينية والبرامج الحياتية ، فله رأيه الخاص في الفرد والمجتمع وله كلمته في كل الشؤون ، ودستوره ينظر الى الحقائق الثابتة ( معرفة الله تعالى ـ النظرة الشاملة الى الكون ) بأعمق النظرات .
  ان القرآن يصف اولياء الله تعالى وعباده المخلصين بكثير من النعوت والخواص الصورية والمعنوية التي يتحلون بها نتيجة لايمانهم الخالص ويقينهم الثابت ، ويؤسفنا ان هذا الفصل القصير لا يسع لسردها بصورة مفصلة .
  معنى حجية اقوال النبي والائمة :

قد ذكرنا فيما سبق ان القرآن نفسه يثبت حجية قوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام في التفسير .
  هذه الحجية واضحة في اقوال النبي والائمة الصريحة والاحاديث قطعية الصدور ، اما الاحاديث غير قطعية الصدور ( المسماة بأخبار الاحاد والتي اختلف المسلمون في حجيتها وعدم حجيتها ) فأمرها يرجع الى المفسر نفسه .
 ان السنة يعملون مطلقا بالخبر الواحد الصحيح ، واما الشيعة فالذي ثبت تقريبا عندهم في علم اصول الفقه حجية الخبر الواحد الموثوق الصدور في الاحكام الشرعية ولا يعتبر في غيرها . ولمزيد التحقيق في الموضوع لا بد من الرجوع الى اصول الفقه .   تنبيه :
  على فرض ان يكون ( التفسير ) بيان محصل مدلول الآية ، تدخل في علم التفسير البحوث التي له تأثير في تفسير الآية ، اما البحوث التي لا يكون لها تأثير في معرفة محصل مدلول الآية ـ كبعض البحوث اللغوية والقراءة والبديع وما اشبهها ـ لا تكون هذه البحوث من تفسير القرآن في شيء .

الفصل الثالث

  وحي القرآن الكريم.
   المسلمون ووحي القرآن ،كتاب العصر والوحي والنبوة ،رأي القرآن في الوحي والنبوة ،حول الملائكة والشيطان والجن ،الإنسان في مسالك الحياة ،ضرورة القانون لرفع الخلافات .كيفية وحي القرآن

القرآن في الاسلام _ 38 _
 المسلمون ووحي القرآن :
  تحدث القرآن الكريم عن الوحي ومنزل الوحي اكثر من غيره من الكتب السماوية المقدسة كالتوراة والانجيل ، وحتى نجد فيه آيات تتحدث عن كيفية الوحي نفسه .
  ويعتقد عامة المسلمين (1) في وحي القرآن : ان القرآن بلفظه كلام الله تعالى انزله على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة احد الملائكة المقربين .
  هذا الملك الوسيط يسمى بـ ( جبرائيل ) و ( الروح الامين ) جاء بكلام الله تعالى الى الرسول في فترات مختلفة بلغت ثلاثاً وعشرين سنة .
  وكان على الرسول ان يتلو الآيات على الناس ويوقفهم على معانيها ويدعوهم الى ما فيها من المعارف الاعتقادية والآداب الاجتماعية والقوانين المدنية والوظائف الفردية .
  وقام الرسول بأداء ما كان عليه نصاً بدون ان يتصرف في مواد الدعوة الالهية او يضيف عليها او ينقص منها او يقدم او يؤخر شيئاً من موضعه الذي وضعه الله تعالى فيه .
  كتاب العصر والوحي والنبوة :
  أما الباحثون وكتاب العصر الذين لهم بحوث حديثة في الاديان والمذاهب ، فيعتقدون في وحي القرآن والنبوة انه :
  كان نبي الإسلام نابغة عارفاً بالاوضاع الاجتماعية ، وسعى في خلاص البشرية من مهوى الوحشية والانحطاط الخلقي ورفعها الى اوج المدنية والحرية ، فدعا الناس الى اعتناق آرائه الطاهرة التي تجلت بشكل دين جامع كامل .
  يقولون : كان النبي يحمل روحاً نزيهة وهمة عالية ، عاش في بيئة يسودها الظلام وتتحكم فيها القوة والاراجيف والهرج الاجتماعي ، وتتسم بحب الذات والسيطرة غير المشروع على الاموال ، وتتجلى فيها كل مظاهر الوحشية المقيتة .
  كان النبي في ألم نفسي دائم من هذه البيئة الفاسدة ، فكان كلما بلغت الالام في نفسه الكريمة مبلغها يأوي الى غار في احدى جبال تهامة ، فيبقى فيه اياماً يخلو الى نفسه ، وكان يتوجه بكل حواسه الى السماء والارض والجبال والبحار والاودية والآجام وما وضعته الطبيعة تحت تصرف البشرية من سائر النعم ، وكان يأسف على الإنسان المنهمك في الغفلة والجهل ، الذي قد ابدل حياته السعيدة الهانئة بحياة نكدة تضاهي حياة الحيوانات الوحشية .
--------------------
(1) هذه العقيدة ناشئة مما يفهم من ظواهر الفاظ القرآن الكريم .

القرآن في الاسلام _ 39 _
  كان النبي الى حوالي اربعين سنة من عمره يدرك تلك المفاسد الاجتماعية ويتألم من جرائها بالالام النفسية ، فلما بلغ الاربعين من عمره وفق الى كشف طريق للاصلاح يمكن بواسطته ابدال تلك الحياة الفاسدة بحياة سعيدة فيها كل معاني الخير ، وذلك الطريق هو ( الإسلام ) الذي كان يتضمن ارقى الدساتير التي كانت تناسب مزاج ذلك العصر .
  كان النبي يفرض ان افكاره الطاهرة هي كلام الهي ووحي سماوي يلقيها الله تعالى في روعه ويتكلم بها معه ، كما كان يفرض روحه الخيرة التي تترشح منها هذه الافكار لتستقر في قلبه هي ( الروح الامين ) و ( جبرائيل ) والملك الذي ينزل الوحي بواسطته .
وسمى النبي بشكل عام القوى التي تسوق الى الخير وتدل على السعادة بـ ( الملائكة ) ، كما سمى القوى التي تسوق الى الشر بـ ( الشياطين ) و ( الجن ) ، وقد سمى ايضا واجبه الذي املاه عليه وجدانه بـ ( النبوة ) و ( الرسالة ) .
  الرأي الذي ذكرناه باختصار هو للباحثين المعتقدين بالله تعالى وينظرون الى الدين الإسلامي بنظرة فيها شيء من الانصاف والتقييم ، اما الملحدون الذين لا يعتقدون بالله تعالى فانهم يعتبرون النبوة والوحي والتكاليف الالهية والثواب والعقاب والجنة والنار سياسات دينية بحتة ، وهم يذهبون الى ان هذه كلها اكاذيب قيلت لمصالح خاصة ضرورية في حينها .
  يقولون : ان الانبياء كانوا مصلحين جاؤا ببرامج اصلاحية في اطار ديني ، ونظرا الى ان الناس كانوا في العصور السالفة منهمكين في الجهل والظلمة والخرافات ، وضع لهم الانبياء النظم الدينية في ظل سلسلة من العقائد الخرافية تتمثل في مسائل المبدأ والمعاد .
  ماذا يقول القرآن في الموضوع :
  تفسير الوحي والنبوة بالشكل الذي بيناه انما هو لاولئك الباحثين الذين اشتغلوا بالعلوم المادية الطبيعية ، فهم يرون ان ما يوجد في الكون لا بد ان يفسر بالتفسير المادي الطبيعي ، وتنتهي جميع الحوادث والاحداث عندهم الى الاسباب الطبيعية البحتة ، ومن هنا فسروا التعاليم السماوية بتفاسير اجتماعية تتفق واتجاههم الطبيعي ، ونظروا الى تلك التعاليم كأحداث ظهرت لتفاعلات اجتماعية خاصة .
 فهي أذا تشبه الاحداث التي ظهرت على ايدي بعض النوابغ امثال الملك كورش وداريوش والاسكندر المقدوني ، فكما لا تفسير لاعمال لو نسبوها الى الله تعالى والاوامر السماوية الا ما مضى فكذا لا تفسير لاعمال الانبياء الا ما ذكروه .
  نحن لا نريد هنا البحث عما يتعلق بما وراء الطبيعة ، كما لا نريد ان نقول لهؤلاء الباحثين : ان لكل علم ان يبحث فيما يدخل في اطاره من مسائله الخاصة ، ولا يحق للعلوم المادية التي تختص بشؤون المادة وخواص آثارها ان تبحث عما يتعلق بما وراء الطبيعة نفيا او اثباتا .

القرآن في الاسلام _ 40 _
  لا نريد هذا ، ولكننا نقول : ان التفسير المذكور للوحي والنبوة يجب أن يعرض على الآيات القرآنية التي هي سند نبوة النبي الكريم ، لنرى هل يلتقيان معا أم لا يلتقيان ؟   القرآن الكريم صريح في عكس التفسير السابق للوحي والنبوة ولا يلتقي معه في شيء من آياته ، ولا بأس ان نقارن هنا مقاطع ذلك التفسير الموهوم مع ما جاء في القرآن ، فنقول :
  1 ـ كلام الله تعالى :
  يقول التفسير السابق : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمي افكاره الطاهرة التي كانت تنقدح في ذهنه بـ ( كلام الله ) .
  ومعنى هذا التفسير ان تلك الافكار كبقية افكار النبي كانت نتيجة لما تدور في خلده ، ولكنها لما كانت طاهرة ومقدسة نسبت الى الله تعالى ، فيه منسوبة الى النبي بالنسبة الطبيعية ومنسوبة الى الله بالنسبة التشريفية .
  ولكن القرآن الكريم يصرح في آيات التحدي بنفي كونه من كلام النبي او اي انسان اخر ، فيقول :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين ) (1) .
  ويقول : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين ) (2).
  ويقول : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) (3) .
  ويقول : ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (4) .
  ويقول : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) (5) .
من الواضح البديهي ان هذه التصريحات لا تناسب كون القرآن من كلام الرسول وقد نسب الى الله تشريفا ، بل تثبت قطعا انه من كلام الله تعالى لا غير .
--------------------
(1) سورة يونس : 38 .
(2) سورة هود : 13 .
(3) سورة الاسراء : 88 .
(4) سورة البقرة : 23 .
(5) سورة النساء : 82 .

القرآن في الاسلام _ 41 _
  وبالاضافة الى هذا يسرد القرآن في مئات من اياته ما ظهر من المعاجز وخوارق العادة على يد الانبياء عليهم السلام اثبتوا بواسطتها نبوتهم واستدلوا بها على رسالتهم ، فلو كانت النبوة ذلك النداء الوجداني والوحي تلك الافكار الطاهرة ـ كما يقول التفسير المذكور ـ لما احتاج القرآن الى اقامة الحجة تأكيدها على نبوة الانبياء بسرد قصص المعاجز والكرامات .
  وقد اوّل بعض الكتاب هذه المعاجز الصريحة بشكل مضحك ، الا ان كل واحد من القراء عندما يراجع ما قالوه في تأويلاتهم يرى ان مدلول الآيات القرآنية لا يتفق مع ما ذهبوا اليه من الآراء الخاطئة .
  لا نريد في هذا البحث اثبات امكان تحقق المعجزة وخوارق العادة ، او التأكيد على صحة القصص القرآنية ، بل نحاول القول بأن القرآن اثبت صريحا للانبياء السابقين كصالح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام معاجز خاصة ، ولا يمكن حمل هذه القصص الا على خوارق للعادة ، ولا نحتاج ـ كما قلنا ـ الى المعاجز في اثبات النداء الوجداني والفكر الطاهر .
  2 ـ جبرائيل والروح الامين :
  يسمى التفسير السابق روح الرسول الطاهرة التي كان دأبها طلب الخير والاصلاح الاجتماعي بـ ( الروح الامين ) ، ويسمى ما تلقيه الروح الزكية في روعه المبارك بـ ( الوحي ) .
  ولكن القرآن الكريم لا يؤيد ما ذهب اليه هؤلاء ، لانه يصرح بأن وسيط الوحي يسمى بـ ( جبرائيل ) ، وعلى التفسير المذكور لا موجب لهذه التسمية بتاتاً ، يقول تعالى : (قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ ) (1) .
  نزلت هذه الآية في اليهود الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عمن يأتيه بالوحي ، فأجابهم انه جبرائيل الملك ، قالوا : ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لاتبعناك (2) .
  يرد الله تعالى في هذه الآية على اليهود ، ويؤكد بأن جبرائيل انما جاء بالوحي باذن منه عز شأنه ، فيثبت بأن القرآن من كلام الله تعالى وليس من كلام جبرائيل .
  وواضح بأن اليهود كانوا اعداءاً لملك سماوي كان يأتي بالوحي من السماء ، وكان ذلك الملك غير موسى بن عمران ومحمد بن عبد الله صلى الله عليهما ، كما انه لم يكن روحيهما الطاهرة .
  والقرآن نفسه الذي صرح في الآية المذكورة ان وسيط الوحي هو جبرائيل ، صرح في آية اخرى انه الروح الامين فقال : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ) (3) .
--------------------
(1) سورة البقرة : 97 .
(2) الدر المنثور 1 / 90 ، ونور الثقلين 1 / 87 ـ 89 ، وغيرهما .
(3) سورة الشعراء : 193 .

القرآن في الاسلام _ 42 _
  ويقول تعالى في موضع اخر بصدد التعريف بوسيط الوحي : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ) (1) .
  وهذه الآيات تدل دلالة واضحة على ان جبرائيل من الملائكة المقربين عند الله تعالى ، وهو ذو قوة عظيمة ومنزلة رفيعة وهو المطاع الامين.
  ويصف الملائكة المقربين في موضع آخر بقوله : ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) (2) .
  تدل الآية على ان الملائكة موجودات لهم ارادتهم ومداركهم واستقلالهم ، لان الاوصاف المذكورة فيها ـ كالايمان بالله والتسبيح له واستغفار للمؤمنين ـ لا تتوفر الا فيمن يتم له الاستقلال الكامل والمدارك التامة والارادة الخاصة .
  ويقول تعالى في الملائكة المقربين ايضا : ( لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا ) الى ان يقول : ( وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ) (3) .
  ان المسيح والملائكة المقربين لا يعصون الله طرفة عين ، ولكن مع ذلك هددهم تعالى بالعذاب الاليم لو تلبسوا بالمعصية ، والتهديد من عذاب يوم القيامة المتفرع على ترك نوع من التكليف لا يصح الا بالاستقلال واردة .
  ويتضح من الآيات المذكورة ان الروح الامين ـ الذي يسمى جبرائيل ايضا وهو الذي يأتي بالوحي الالهي ـ له استقلاله وارادته ومداركه ، بل يستفاد من خلال آيات سورة التكوير ( مطاع ثم امين ) انه يأمر وينهي في الملأ الاعلى وتطيعه الملائكة المقربون ، بل نرى في بعض الاحيان ان الوحي ربما يأتي على يد ملائكة يأتمرون بأوامره ، كما تشير الى ذلك الآيات الواردة في سورة عبس ( كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاء ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) (4) .
  3 ـ الملائكة والشياطين :
  يؤكد التفسير السابق ان ( الملائكة ) اسم للقوى الطبيعية الداعية الى الخير والسعادة ، ( والشياطين ) اسم للقوى الطبيعية الداعية الى الشر والشقاء .
ولكن المستفاد من القرآن الكريم خلافه ، فانه يعتبر الملائكة والشياطين مخلوقات لا تدرك بالحواس الظاهرية الا ان لها وجودا خارجيا وهي ذات اداراك واردة مستقلة .
  اما الملائكة فقد نرى التصريح في الآيات الماضية بأنها موجودات مستقلة مؤمنة تصدر منها اعمال تحتاج الى الارادة والادراك ، وفي القرآن كثير من امثال هذه الآيات لا يسع البحث سردها كلها .
--------------------
(1) سورة التكوير : 19 ـ 23 .
(2) سورة المؤمن : 7 .
(3) سورة النساء : 173 .
(4) سورة عبس : 11 ـ 16 .

القرآن في الاسلام _ 43 _
  واما الشياطين فقصة ابليس وعدم سجوده لادم عليه السلام والمحاورات التي جرت بينه وبين الله تعالى مذكورة في عدة مواضع من القرآن ، فقد قال بعد ان اخرج من صفوف الملائكة ( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين *إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) ، فقال تعالى له : ( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِين ) (1) .
  وغير خفي ان الجزاء والعقاب لا يصح الا للمريد الذي يدرك الحسن والقبح ، ومعنى هذا ان الشياطين لها كامل الادراك والارادة .
  وفي آية اخرى نرى ان الله تعالى وصف ابليس بالظن الذي هو من مصاديق الادراك ، فقال : ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِين ) (2) .   ويصرح في آية اخرى بأن ابليس يدفع اللوم عن نفسه ، وهذا لا يكون الا ممن يدرك ، وله الارادة التامة ، فيقول تعالى : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُوم ) (3) .
  ان هذه الآيات الكريمة وآيات اخرى بمضمونها تثبت للشيطان صفات لاتتم الا مع الادراك والاستقلال في الارادة ، وهي لا تتفق مع القوى الطبيعية التي لا تتوفر فيها هذه الصفات البتة .
  الجن :
  وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم حول الجن اكثر مما ورد حول الملائكة والشياطين ، ففي آية يصف الله تعالى فيها اولئك الذين لم يستمعوا الى دعوة آبائهم وامهاتهم ونسبوا الدين الى الاساطير يقول : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِين ) (4) .
  ويقول تعالى في موضع اخر : ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيم * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) (5) .
  تدل هذه القصة على ان الجن كالانس لهم وجود مستقل وارادة وتكليف ونجد ايضا في الآيات التي تصف احوال القيامة ما يدل على ما نستفيده من هذه الآيات الكريمة .
--------------------
(1) سورة ص : 83 ـ 85 .
(2) سورة سبأ : 20 .
(3) سورة ابراهيم : 22 .
(4) سورة الاحقاف : 18 .
(5) سورة الاحقاف : 29 ـ 32 .

القرآن في الاسلام _ 44 _
  ـ صرخة الضمير :
  يستفاد من التفسير المذكور سابقا ان النبوة والرسالة هي صرخة الضمير للاصلاح الاجتماعي العام الشامل ، والسعي في رفع المساوىء الاجتماعية وابدالها بما يضمن للمجتمع السعادة والرفاه .
  ولكن المستفاد من القرآن الكريم خلاف هذا المعنى ، فانه يقول : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) (1) .
  ومعنى هذا ان كل انسان يعرف اعماله الحسنة والسيئة بما اوتي من صفاء الضمير فيدرك به صرخة الوجدان الاصلاحية ، الا ان هناك من يهتم بهذه الصرخة فيصبح من السعداء ومن لا يعتني بها فيعود من الاشقياء ، كما قال تعالى :
  ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) (2) .
  فلو كانت النبوة والرسالة اثراً من تلك الصرخة لكانت عامة في الناس مودعة في كل الضمائر ، وكان جميع الناس انبياء رسلاً ، مع العلم انا نجد ان الله تعالى يختص بعض عباده بهما فيقول : ( وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه ) (3) .   تدل الآية الكريمة على ان الكفار كانوا يشترطون لايمانهم عمومية الرسالة ليكون لهم حصة منها ، فيرد عز شأنه عليهم مثبتاً ان الرسالة خاصة بفئة مختارة .
  5 ـ حول التفسير الثاني :
  لقد كررنا القول اننا لا نحاول في هذه البحوث المختصرة اثبات ان الدين الإسلامي حق ودعاوى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صدق ، بل نريد ان نذكر ان تفسير اولئك الباحثين الوحي والنبوة والرسالة بما فسروه به خاطىء لا يطابق ما جاء في القرآن العظيم ، فنقول بصدد التفسير الثاني :
  يحاول التفسير الثاني ان يفسر الاصول الاعتقادية التي اتى بها الرسول بأنها مجموعة من العقائد الخرافية التي القيت على الناس بشكل دين سماوي ، ذلك لان الناس كانوا في جهل وامية ولو تتوفر فيهم الثقافة والعلم فلم يمكن اصلاحهم الا من هذا الطريق ، كانت هذه التعاليم الخرافية من صالح الناس ، وكان من الضروري ان يلقى عليهم بهذا اللون العقائدي الذي يحفه الخوف من الله ورجاء الجزاء في العالم الاخر ووجود الجنة والنار والحساب والكتاب ، ولولا هذا اللون المزيج بالخرافة لما امكن اصلاحهم بما ينجيهم من واقعهم الاليم .
  نقول : اننا لا نعلم الشيء الكثير عن حياة الانبياء الماضين عليهم السلام ، الا ان حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مدروسة بصورة واضحة جلية ، ويتبين من خلالها للمراجع الدقيق انه عليه الصلاة والسلام كان شديد الايمان بدعوته وكان يطمئن الى صحتها كامل الاطمئنان ، فلو كانت العقائد الإسلامية خرافية ـ كما يزعمون ـ لم يكن هناك حاجة الى مثل هذه الادلة الكثيرة التي يقيمها القرآن الكريم عليها ، كأدلة اثبات الصانع وتوحيده تعالى وبقية الصفات الالهية وسائر العقائد العائدة الى موضوع النبوة والمعاد وغيرهما .
  6 ـ ماذا يقول القرآن في الوحي والنبوة :
ملخص ما نستفيده من الآيات الكريمة انها تعتبر القرآن كتاباً سماوياً ألقي الى الرسول من طريق الوحي ، والوحي هو كلام سماوي ( غير مادي ) ليس للحواس الظاهرية والعقل ان تصل اليه ، بل ربما يوجد في بعض من يختاره الله تعالى ما يدرك بواسطة قوى ربانية الاوامر الالهية والدستور الغيبي ( غير المحسوس بالعقل والحواس الاخرى ) ، وهذه الحالة هي من حالات النبوة وبها يتلقى النبي الشريعة الالهية .
--------------------
(1) سورة الشمس : 7 ـ 8 .
(2) سورة الشمس : 9 ـ 10 .
(3) سورة الانعام : 124 .

القرآن في الاسلام _ 45 _
  ولزيادة توضيح هذا الموضوع يجب ان ندرس النقاط التالية :
  أ ـ الهداية العامة وهداية الإنسان :
  لقد ذكرنا في مباحث سابقة بصورة موسعة ان لكل موجود في هذا الكون ـ من الاحياء والجمادات وغيرهما ـ هدفاً يتوجه الى تحقيقه منذ اول خلقته ، وقد اودع فيه ما يناسب تحقيق هدفه من الالات والمعدات ، ولا بد ان يجتهد حتى يصل الى ذلك الهدف ويناله ، قال تعالى : ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (1) وقال : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى والذي قدر فهدى ) (2) .
  وقد ذكرنا ايضاً ان هذا القانون الكلي ( قانون الهداية العامة ) يشمل الإنسان كما يشمل غيره ، فله في حياته هدفه الخاص الذي يسعى الى تحقيقه ضمن الاطار العام ، وقد اودع فيه ما يمكّنه من الوصول اليه والحصول عليه ، ونجاحه في مسيرته الطويلة في اطار هذا القانون هو الوصول الى الكمال والسعادة ، كما ان اخفاقه في هذه المسيرة هو الانزلاق في مهوى الشقاء الابدي .
  وخلقته والاسرار المودعة فيه هي التي تدله على طريق الوصول الى ذلك الهدف السامي ، قال تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (3) .
  وقال عز من قائل : ( مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) (4) .
  ب ـ ميزة الإنسان في قطع مسالك الحياة :
  تمتاز الحيوانات على غيرها من سائر الموجودات ان اعمالها علمية تصدر عن فهم وادراك ، والإنسان مع انه يشارك الحيوانات في هذه الناحية يمتاز عنها بما اوتي من العقل فان الاعمال التي ينجزها تنبع من العقل ، وهو يميز الخير من الشر والنافع من الضار ، ويعملها بعد ان يتأكد من رجحان كفة المنافع فيها ، ويتبع فيها ما يدركه عقله ويرى ان فيه مصلحة له ، فما يراه العقل نافعا ليس فيه ما يضر يحكم بلزوم القيام به ، وما يراه ضارا ليس فيه ما ينفع يحكم بوجوب الاجتناب عنه (5) .
  ج ـ كيف يكون الإنسان اجتماعياً ؟
  لا شك ان الإنسان كان ولا يزال يعيش بصورة جماعية ويشكل مع الاخرين مجتمعاً مرتبطاً بعضه ببعض ويقضي حوائجه بالتعاون مع اخيه الإنسان ، ولكن هل هذا التعاون والترابط الاجتماعي هو مقتضى طبيعته الاولية وسجيته الساذجة التي تدفعه الى ان لا يعيش وحده بل يتعاون مع بني نوعه ؟
  لقد نرى ان للانسان حاجات حسب طبيعته البشرية ، وله عواطف ومدارك خاصة تدفعه الى ان ينجز ما يحتاج اليه بالاجهزة التي جهز بها ، وفي هذه الحاجة لا يشعر بما يحتاج اليه الاخرون ايضا .
--------------------
(1) سورة طه : 50 .
(2) سورة الاعلى : 2 ـ 3 .
(3) سورة الدهر : 2 ـ 3 .
(4) سورة عبس : 19 ـ 20 .
(5) نريد من حكم العقل ادراك ضرورة الفعل او الترك ، اما الدعوة الى فعل ما او تركه انما هو من عمل العاطفة التي يسوقها العقل اليه ، وهو الذي يميز بين النفع والضرر ، نعم لما كانت هذه الادراكات اعتبارية فالحكم فيها واحد لا يختلف ـ فليلاحظ ملاحظة دقيقة .

القرآن في الاسلام _ 46 _
  يستخدم الإنسان كل شيء للوصول الى مآربه وما يحتاج اليه ، فيستعين بكل بسيط ومركب لقضاء ما لا بد منه ، يستفيد من النباتات والاشجار الصغيرة والكبيرة ، ويسيطر على الحيوانات وما تدره من الخيرات ... كل ذلك ليرفع بها ما يشعر به من النواقص الحياتية ويسد بها ما يتجدد من الخلل في عيشه .
  الإنسان الذي هذا دأبه ويستخدم كل ما يجده لمصالحة هل يستفيد من نتائج وجوده . هذا الإنسان الذي يحترم اخاه الإنسان في الظاهر هل يخلص التعاون معه ويصرف نظره عن مصالحه الشخصية للمصالح الإنسانية العامة ؟ لا ، ليس هكذا ...
  بل الإنسان يحس بما تطلبه الحياة منه من الحاجات المعاشية الكثيرة ، ويعلم انه وحده لا يتمكن من انجازها ، بل يعلم انه بحاجة الى من يساعده في قضاء حوائجه من ابناء نوعه ... ولكن من جهة اخرى يلاحظ ان الاماني التي تدور في خلده تراود اذهان الاخرين ايضا ، فيسعون في تحقيق مصالحهم كما يسعى هو في تحقيق مصالحه .
  ههنا وعندما يحس بهذه الحقيقة يرضخ للتعاون الاجتماعي ، فيتنازل عن بعض منافع جهده لرفع ما يحتاج اليه بنو نوعه كما انه يستفيد من جهة اخرى من جهد غيره لمصالحه الخالصة . وفي الحقيقة يدخل في سوق الاخذ والعطاء الاجتماعي القائم في كل الاعصار والادوار ليأخذ منه ما يحتاج اليه في مسيرته الحياتية ...
  ان ما ينتج من الجهد الاجتماعي والعمل المشترك كأنه يختلط بعضه ببعض ، فيأخذ كل واحد من افراد المجتمع حسب وزنه الاجتماعي ، اي بمقدار قيمة العمل الذي يقوم به ، له حصة من تلك النتيجة يصرفها فيما يحتاج اليه من الحاجات المعاشية .
...   يتضح مما سبق ان الإنسان بمقتضى طبيعته في طلب مصالحه الشخصية ، يستخدم الاخرين لاستثمارهم فيما يعود اليه بالنفع ، ولا يرضخ للتعاون الاجتماعي الا اذا اضطر اليه اضطراراً .
 ان هذه حقيقة تتجلى واضحة في دراسة حياة الاطفال ، فان الطفل يريد الحصول على ما يشتهيه جزافاً وبدون قبول اي توجيه ، ويؤكد طلبه بالبكاء والالحاح لو لم يوفق الى الحصول عليه ، وكلما تقدم في السن يقترب الى الحياةالاجتماعية ويتعرف على ما يفرضه عليه الخضم الاجتماعي ، فيبتعد تدريجا عن القول جزافا والطلب غير الوجيه ، وهكذا تتبدل به الاحوال حتى ينسى الى حد ما مطاليبه الجزافية .
  وشاهد آخر : اننا نرى ان انسانا ما لو اوتي قدرة فوق قدرة المجتمع المحيط به لم يلتزم بما يتطلبه منه من التعاون الاجتماعي ، بل يحاول بكل امكاناته استخدام الناس ليستثمر جهدهم بدون اي تعويض .
  يشير تعالى الى التعاون الاجتماعي المذكور بقوله : ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ) (1) .
  الآية الكريمة تشير الى حقيقة التعاون الاجتماعي ، وان كل واحد من افراد البشر يفوق على غيره في جانب من الجهد المشترك ، فكل فرد من المجتمع له قابلية خاصة يستثمر الاخرين بواسطتها ، فهم وحدة اجتماعية متشابكة كالسدى واللحمة بالنسبة الى الثوب .
 ويقول تعالى : ( إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار ) (2) ، ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) (3) .
 الايتان تشيران الى الغريزة الطبيعية المودعة في الإنسان الذي يستخدم بواسطتها اخاه الإنسان ويظلمه ويبتز منه ثمرات جهده واتعابه .
--------------------
(1) سورة الزخرف : 32 .
(2) سورة ابراهيم : 34 .
(3) سورة الاحزاب : 72 .

القرآن في الاسلام _ 47 _
  د ـ الاختلافات وضرورة القانون :
  اضطر الإنسان ان يتقبل النظام الاجتماعي لاغراضه التي لا يمكن الوصول اليها بدونه ، ولذا ربما يتنازل عن بعض ما له من الحرية لضمان حريات الاخرين ، ولكن لا يكفي مجرد وجود التعاون الاجتماعي مع ما نراه من الاختلافات الطبقية وعدم التوازن في الاستغلال والاستثمار وشدة الفروق الكبيرة في القوى الروحية والجسدية ، وقد نرى ايضا ان المنافع التي ينتظر ان تكون سببا لاصلاح الفرد والمجتمع ، اصبحت هي بنفسها سببا لظهور انواع الخلافات والمشاجرات .
 من هنا يعلم الحاجة الى سلسلة من المقررات المشتركة التي يتفق افراد المجتمع على اقرارها والتسليم لها ، فان من البديهي المسلم ان معاملة ما ـ مهما كانت صغيرة وبسيطة ـ لا بد فيها من مقررات مشتركة بين البائع والمشتري حتى تتحقق المعاملة بالشكل المرضي على ضوء تلك المقررات .
  فاذن لا محيص من قوانين خاصة ، يسري مفعولها على كل الافراد ، ليبقى المجتمع متماسكاً لا يتسرب اليه التفكك وليحفظ بها المنافع والمصالح .
  ولهذا نجد المشرع الاول الذي يريد هداية الإنسان الى الصراط المستقيم وما فيه الحق ، وضع القوانين التي تضمن للمجتمع الإنساني سعادة الدنيا والاخرة ، ودعا الناس الى اتباعها وتحقيقها في حياتهم اليومية .
  قال تعالى : ( مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَه * ثم السبيل يسره ) (1) .
  هـ ـ لا يكفي العقل في هداية الإنسان الى القانون :
 مهما كانت هذه الهداية وكيفما تحققت فهي من الفيض الرباني ، لانه تعالى هو الذي خلق الخلق وجعل له هدفا في مسيرته الحياتية تضمن سعادته ، وهو الذي ارشده الى الهداية العامة التي من ضمنها هدايته .
  وواضح انه لا يسري الخطأ والتناقض في افعال الله عز وجل ، فلو لم ينتج سبب الهدف الخاص به او ينحرف عنه فليس ذلك من ذنب السبب ، بل هو مستند الى تأثير السبب او الاسباب الاخرى التي منعت الوصول الى ذلك الهدف او الانحراف عنه ، فان السبب الواحد لا يصدر منه الامور المتضادة والمتناقضة ولا يخطأ ولم ينحرف لولا مزاحمة الاسباب .
  من هنا يتبين ان العقل وحده لا يمكنه هداية الانسان الى القانون ، لانه هو الذي يدعو في بعض الاحيان الى الاختلاف ، وهو الذي يوقظ غريزة الاستثمار وجلب النفع بصورة مطلقة وبحرية كاملة ، وهو الذي يضطر الى ان يتقبل المجتمع المجتمع المتوازن ، كل ذلك لما يحس به من المزاحم الذي يزاحمه .
  ومن البديهي ان القوة الواحدة لا يصدر عنها اثرين متناقضين ـ احداث الاختلافات ورفعها .
  ان ما يحدث من سحق الحقوق وعدم الوفاء بالوعود وما اشبه هذا من الامور ، انما يحدث من العقلاء الذين لهم الادراك الكامل ، ولولا العقل لما صح عدما يفعلونه ذنباً ولما صح العقاب عليه ، فلو كان العقل يدل حقا على القوانين الرافعة للاختلاف ولم يكن يتخلف عن واجبه ، لما كان يرضى بما يصدر عن الانسان مما ذكرناه ، بل كان يمنع منه اشد المنع .
--------------------
(1) سورة عبس : 19 ـ 20 .

القرآن في الاسلام _ 48 _
  لعامل الاصلي في التخلي عن الواجب مع وجود العقل ، هو ان العقل يضطر الى الحكم بقبول مجتمع يحافظ على التوازن ويرعى القوانين المتضمنة للعدالة الاجتماعية ، ويوجد هناك مزاحم يحد من الحرية الكاملة في العمل ، ولولا وجود المزاحم لما كان العقل يحكم برعاية التعاون والعدالة الاجتماعية .
  المتخلفون عن القانون هم الذين يملكون قدرة فوق القدرة المجربة لذلك القانون ، فيتخلفون عنه بلا وجل ولا خوف ، او الذين يلجأون الى مخبأ يصعب الوصول اليهم لبعدهم عن القوة المجرية ، او كونهم في مكان حريز غفل عنهم المراقبون ، او يتخلفون عنه لاعذار تخيلوها في اذهانهم ليظهر اعمالهم بمظاهر قانونية ، او ينتهزون ضعف من يستثمرونه لمصالحهم ... وعلى كل حال لا يجدون من يزاحمهم او يضايقهم ، او يزاحمهم ويضايقهم من هو اضعف منهم ولا يملك القوة الكافية لمقاومتهم وسحقهم . ففي هذا الموضوع ليس للعقل حكم خاص ، وهو لا يجد شيئا من الحرية المطلقة ، ويدع غريزة الاستخدام والاستمثار بحالها .
  فاذن ليس في نطاق العقل وحده ان يرشد الى قانون اجتماعي تام يضمن نفع المجتمع والفرد بشكل عادل ، لان العقل يدفع الى رعاية مثل هذا القانون لو لم يجد مزاحماً ، فاذا وجد مزاحما يمنعه عن حريته المطلقة ، يمتنع هو بدوره عن هذا الدفع ، بل ربما يحكم بخلافه .
  قال تعالى : ( كلا ان الانسان ليطغى * ان رآه استغنى ) (1) .
  من انواع الاستغناء ، الاستغناء عن التعاون الاجتماعي ورعاية القانون في حفظ حقوق الاخرين .
  و ـ لا تكون الهداية الا بالوحي :
  لقد علمنا من المباحث السابقة ان الانسان كبقية الموجودات له هدف ذاتي خاص يضمن سعادته ، ولما كان حسب تكوينه محتاجا الى الحياة الاجتماعية فسعادته وشقاؤه في سعادة المجتمع وشقائه ، وهو جزء واحد من الهيكل الاجتماعي ولا بد ان يجد سعادته وحسن عاقبته في سعادة المجتمع .
  وعلمنا ايضا ان الطريق الوحيد للحصول على ضالته المنشودة هو ( القانون المشترك ) الذي فيه السعادة الاجتماعية التي بضمنها سعادة الفردية .
 وتبين ايضا ضرورة هداية الانسان كسائر الاشياء الى ذلك الهدف الذي يشتمل على سعادته ، وارشاده الى المقدمات الموصلة اليه ، ومعنى هذا انه يجب ان يدل الى القانون المشترك الذي يلزم مراعاته .
  من كل هذه المقدمات نستنتج انه لا بد للانسان من ادراك يدله على هدفه غير الادراك العقلي والطريق الوحيد الذي نعرفه غير طريق العقل هو ما نجده في اشخاص يسمونهم بـ ( الانبياء ) ومبعوثي الاله ، وهو الذي يسميه الانبياء بـ ( الوحي السماوي ) ويقيمون على اثبات مدعاهم الادلة والحجج .
--------------------
(1) سورة العلق : 6 ـ 7 .

القرآن في الاسلام _ 49 _
  قال تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيه ) (1) .
  ويقول : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِه ) الى ان يقول ( رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل ) (2) .
  الاية الاولى تصرح بأن لا يمكن حل الاختلافات الا من طريق الوحي والنبوة ، والاية الثانية تعتبر الوحي والنبوة الدليل الوحيد لاتمام الحجة على العباد ، ولازم هاتين الايتين ان العقل لا يكفي لان يكون دليلاً للهداية واتمام الحجة . بمعنى ان الانبياء لو لم يبعثوا ولم يبلغوا الاحكام الالهية ، لم يكن مجرد ان الناس عقلاء يدركون قبح الظلم والفساد موجبا للعقاب في العالم الاخر بدون بعث الانبياء وبيان الاحكام الالهية .
  ز ـ اشكال وجواب :
  الاشكال : انكم جردتم العقل عن قابلية وضع القوانين والارشاد الى السعادة النوعية بحجة انه لا يمكنه منع الناس عن المخالفات التي تصدر منهم ، وسلمتم القياد الى الوحي والنبوة لوضع الدستور الصالح الذي يتكفل اسعاد البشرية ، ولكن نرى ان قوانين الوحي ايضا لا تتمكن من السيطرة التامة على الانسان وضبطه ، بل نرى انه يبتعد عن الاديان والشرائع اكثر مما يبتعد عن القوانين الوضعية ؟ ! .
  الجواب : اراءة الطريق والهداية الى السعادة شيء ومتابعة الناس لتلك الهداية واتباعهم ذلك الطريق او عدم متابعتهم واتباعهم شيء اخر ، فان الذي يقتضيه قانون الهداية العامة هو ارشاد الناس وهدايتهم الى وسيلة توصلهم الى دستور يضمن سعادتهم ، وليس من واجبها الالزام العملي بالاتباع .
  والذي استدللنا به على عدم كفاية العقل من التخلفات القانونية التي تنجم عن الحرية التامة في التصرف ، لمن يكن هذا الاستدلال لان العقل لم يحد بعض هذه الحرية في قضايا خاصة ، بل لانه ليس له حكم بات في هذه الحرية المطلقة ، ولم يدع الى التعاون الاجتماعي التام واتباع القانون ، لان ما قام به من بعض التحديد والدعوة الى اتباع القانون انما كان نتيجة الضغط والضرورة المتأتية من المزاحم الذي يمنع عن حرية التصرف ، وهو علمه بأن مساوىء الحرية المطلقة في التصرف اكثر من محاسنها ، وبديهي ان العقل لو لم يقع تحت هذا الضغط ولم يكن هناك مزاحم ومانع عن الحرية في التصرف ، لم يحد عن الحرية المطلقة ولم يدع الى اتباع القانون الذي هو بدوره تحديد للحرية .
  فاذا لاننا لا نرى العقل دائما يدعو الى اتباع القانون نقول بأنه وحده لا يكفي للهداية ، بل نقول بضرورة اتباع الانبياء والرسل ، لان الوحي دائم الدعوة الى السير على ضوء القانون الالهي الذي يراقب الانسان في كل حالاته ، فيثيب المحسن على احسانه ويعاقب المسيء على اساءته بدون تمييز بعض على بعض .
  قال تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه ) (3) .
  وقال : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) (4) .
--------------------
(1) سورة البقرة : 213 .
(2) سورة النساء : 165 .
(3) سورة يوسف : 40 .
(4) سورة الزلزال : 7 ـ 8 .

القرآن في الاسلام _ 50 _
  وقال : ( إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ) (1) .
  وقال : ( أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُون ) (2) .
  وقال : ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ) (3) .
  ومن هنا يتبين ان الدين السماوي الذي يؤخذ من طريق الوحي هو اقدر من القوانين الوضعية في تحديد المتخلفين عن الاتباع ، لان آخر ما يتشبث به القانون الوضعي انه يجعل مراقبين على اعمال الناس الظاهرة ويضع للمجرم منهم مواد جزائية يعاقبون بها .
  اما الدين فله : اولا مراقبون على الاعمال الظاهرة كما القانون الوضعي ، وثانيا فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تجعل كل واحد من الناس مكلفا بمراقبة اعمال البقية ، وثالثاً من العقائد الدينية ان الاعمال كلها تحفظ وتضبط ليوم يجمع الناس في مجمع عام ويحاسبون عليها الحساب الدقيق ، ورابعاً ـ وهو اهمها واعظمها ـ الاعتقاد بأن الله تعالى محيط بالكون وما فيه وهو يعلم ويرى كل الاعمال الصادرة من الانسان .
  وبالاضافة الى المواد الجزائية التي يجازى بها المجرمون في الدنيا ، فان من جملة العقائد الدينية ان في الاخرة ايضا موادا جزائية وضعت للمتخلفين عن الاوامر الالهية ، ولا يستثنى منها احد ابداً .
  قال تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُم ) (4) .   وقال : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر ) (5) .   وقال : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) (6) .
  وقال : ( وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) (7) .
  اشكال آخر : نستنتج مما مضى ان العقل لا يحكم دائماً بضرورة رعاية القانون واجتناب التخلف عنه ، وهذا ينافي ما ورد عن ائمة اهل البيت عليهم السلام في احاديث ان لله تعالى على العباد حجتين ظاهرية وباطنية هما النبي والعقل ، لان العقل ليس له حكم قاطع في موارد تخلف الانسان عن بعض واجباته فكيف يكون حجة عليه ؟ .
  الجواب : العقل العملي يدعو دائما الى ما ينفع والاجتناب عما يضر ، ولكن الانسان المستثمر عندما يرضخ للتعاون الاجتماعي وتبادل الجهد المشترك انما يفعل ذلك اضطراراً ، ومنشأ الاضطرار هو القدرة التي يملكها ويستثمر بها بحرية تامة جهود الاخرين او القوة التي تقع في يد من يضع القوانين ، وغير ذلك من الاسباب التي فصلناها قبل هذا ، في هذه الحالة لو لم تكن قوانين خاصة تحد من هذه القوة والقدرة ، لا يحكم العقل في نفسه بلزوم اتباع القوانين ، كما لا ينهي عن تخلف الانسان عن القوانين ونقضه لها .
--------------------
(1) سورة الحج : 17 .
(2) سورة البقرة : 77 .
(3) سورة الاحزاب : 52 .
(4) سورة النساء : 59 .
(5) سورة التوبة : 71 .
(6) سورة الانفطار : 9 ـ 11 .
(7) سورة سبأ : 21 .