وقال ( عليه السلام ) كل عزيز داخل تحت القدرة فذليل .
  وقال ( عليه السلام ) أهلك الناس اثنان خوف الفقر وطلب الفخر .
  وقال ( عليه السلام ) أيها الناس إياكم وحب الدنيا فإنها رأس كل خطيئة وباب كل بلية وقران كل فتنة وداعي كل رزية .
  وقال ( عليه السلام ) جمع الخير كله في ثلاث خصال النظر والسكوت والكلام فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو فطوبى لمن كان نظره عبرة وسكوته فكرة وكلامه ذكرا وبكى على خطيئته وأمن الناس من شره .
  وقال ( عليه السلام ) ما أعجب هذا الإنسان مسرور بدرك ما لم يكن ليفوته محزون على فوت ما لم يكن ليدركه ولو أنه فكر لأبصر وعلم أنه مدبر وأن الرزق عليه مقدر ولاقتصر على ما تيسر ولم يتعرض لما تعسر .
وقال ( عليه السلام ) إذا طاف في الأسواق ووعظهم قال يا معشر التجار قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة واقتربوا من المبتاعين وتزينوا بالحلم وتناهوا عن اليمين وجانبوا الكذب وتجافوا عن الظلم وأنصفوا المظلومين ولا تقربوا الربا وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين .
  وسئل أي شي‏ء مما خلق الله أحسن فقال (عليه السلام) الكلام فقيل أي شي‏ء مما خلق الله أقبح قال الكلام ثم قال بالكلام ابيضت الوجوه وبالكلام اسودت الوجوه .
  وقال ( عليه السلام ) قولوا الخير تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله .
  وقال ( عليه السلام ) إذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم واعلموا أن الهالك من هلك دينه والحريب من سلب دينه ألا وإنه لا فقر بعد الجنة ولا غنى بعد النار .
  وقال ( عليه السلام ) لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده .
  وقال ( عليه السلام ) ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذاب إنه يكذب حتى يجي‏ء بالصدق فما يصدق .
  وقال ( عليه السلام ) أعظم الخطايا اقتطاع مال امرئ مسلم بغير حق .
  وقال ( عليه السلام ) من خاف القصاص كف عن ظلم الناس .
  وقال ( عليه السلام ) ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد .
  وقال ( عليه السلام ) العامل بالظلم والمعين عليه والراضي به شركاء ثلاثة .
  وقال ( عليه السلام ) الصبر صبران صبر عند المصيبة حسن جميل وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عليك والذكر ذكران ذكر عند المصيبة حسن جميل وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم الله عليك فيكون ذلك حاجزا .
  وقال ( عليه السلام ) اللهم لا تجعل بي حاجة إلى أحد من شرار خلقك وما جعلت بي من حاجة فاجعلها إلى أحسنهم وجها وأسخاهم بها نفسا وأطلقهم بها لسانا وأقلهم علي بها منا .

تحف العقول عن آل الرسول _77 _

  وقال ( عليه السلام ) طوبى لمن يألف الناس ويألفونه على طاعة الله.
  وقال ( عليه السلام ) إن من حقيقة الإيمان أن يؤثر العبد الصدق حتى نفر عن الكذب حيث ينفع ولا يعد المرء بمقالته علمه .
  وقال ( عليه السلام ) أدوا الأمانة ولو إلى قاتل ولد الأنبياء .
  وقال ( عليه السلام ) التقوى سنخ الإيمان .
  وقال ( عليه السلام ) ألا إن الذل في طاعة الله أقرب إلى العز من التعاون بمعصية الله .
  وقال ( عليه السلام ) المال والبنون حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد جمعهما الله لأقوام .
  وقال ( عليه السلام ) مكتوب في التوراة في صحيفتين إحداهما من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء الله ساخطا ومن أصبح من المؤمنين يشكو مصيبة نزلت به إلى من يخالفه على دينه فإنما يشكو ربه إلى عدوه ومن تواضع لغني طلبا لما عنده ذهب ثلثا دينه ومن قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا وقال (عليه السلام) في الصحيفة الأخرى من لم يستشر يندم ومن يستأثر من الأموال يهلك والفقر الموت الأكبر .
  وقال ( عليه السلام ) الإنسان لبه لسانه وعقله دينه ومروته حيث يجعل نفسه والرزق مقسوم والأيام دول والناس إلى آدم شرع سواء .
  وقال ( عليه السلام ) لكميل بن زياد رويدك لا تشهر وأخف شخصك لا تذكر تعلم تعلم واصمت تسلم لا عليك إذا عرفك دينه لا تعرف الناس ولا يعرفونك .
  وقال ( عليه السلام ) ليس الحكيم من لم يدار من لا يجد بدا من مداراته .
  وقال ( عليه السلام ) أربع لو ضربتم فيهن أكباد الإبل لكان ذلك يسيرا لا يرجون أحد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه ولا يستحين أن يقول لا أعلم إذا هو لم يعلم ولا يستكبرن أن يتعلم إذا لم يعلم .
  وكتب إلى عبد الله بن العباس أما بعد فاطلب ما يعنيك واترك ما لا يعنيك فإن في ترك ما لا يعنيك درك ما يعنيك وإنما تقدم على ما أسلفت لا على ما خلفت وابن ما تلقاه غدا على ما تلقاه والسلام .
  وقال ( عليه السلام ) إن أحسن ما يألف به الناس قلوب أودائهم ونفوا به الضغن عن قلوب أعدائهم حسن البشر عند لقائهم والتفقد في غيبتهم والبشاشة بهم عند حضورهم .
  وقال ( عليه السلام ) لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
  وقال ( عليه السلام ) يا رب ما أشقى جد من لم يعظم في عينه وقلبه ما رأى من ملكك وسلطانك في جنب ما لم تر عينه وقلبه من ملكك وسلطانك وأشقى منه من لم يصغر في عينه وقلبه ما رأى وما لم ير من ملكك وسلطانك في جنب عظمتك وجلالك لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .

تحف العقول عن آل الرسول _78 _

  وقال ( عليه السلام ) إنما الدنيا فناء وعناء وغير وعبر فمن فنائها أنك ترى الدهر موترا قوسه مفوقا نبله لا تخطئ سهامه ولا تشفى جراحه يرمي الصحيح بالسقم والحي بالموت ومن عنائها أن المرء يجمع ما لا يأكل ويبني ما لا يسكن ثم يخرج إلى الله لا مالا حمل ولا بناء نقل ومن غيرها أنك ترى المغبوط مرحوما والمرحوم مغبوطا ليس بينهم إلا نعيم زال وبؤس نزل ومن عبرها أن المرء يشرف على أمله فيتخطفه أجله فلا أمل مدروك ولا مؤمل متروك فسبحان الله ما أعز سرورها وأظمأ ريها وأضحى فيئها فكان ما كان من الدنيا لم يكن وكان ما هو كائن قد كان وإن الدار الآخرة هي دار المقام ودار القرار وجنة ونار صار أولياء الله إلى الأجر بالصبر وإلى الأمل بالعمل .
  وقال ( عليه السلام) من أحب السبل إلى الله جرعتان جرعة غيظ تردها بحلم وجرعة حزن تردها بصبر ومن أحب السبل إلى الله قطرتان قطرة دموع في جوف الليل وقطرة دم في سبيل الله ومن أحب السبل إلى الله خطوتان خطوة امرئ مسلم يشد بها صفا في سبيل الله وخطوة في صلة الرحم وهي أفضل من خطوة يشد بها صفا في سبيل الله .
  وقال ( عليه السلام ) لا يكون الصديق لأخيه صديقا حتى يحفظه في نكبته وغيبته وبعد وفاته .
  وقال ( عليه السلام ) إن قلوب الجهال تستفزها الأطماع وترهنها المنى وتستعلقها الخدائع .
  وقال ( عليه السلام ) من استحكمت فيه خصلة من خصال الخير اغتفرت ما سواها ولا أغتفر فقد عقل ولا دين لأن مفارقة الدين مفارقة الأمن ولا حياة مع مخافة وفقد العقل فقد الحياة ولا يقاس إلا بالأموات .
  وقال ( عليه السلام ) من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن ومن كتم سره كانت الخيرة في يده .
  وقال ( عليه السلام ) إن الله يعذب ستة بستة العرب بالعصبية والدهاقين بالكبر والأمراء بالجور والفقهاء بالحسد والتجار بالخيانة وأهل الرستاق بالجهل .
  وقال ( عليه السلام ) أيها الناس اتقوا الله فإن الصبر على التقوى أهون من الصبر على عذاب الله .
  وقال ( عليه السلام ) الزهد في الدنيا قصر الأمل وشكر كل نعمة والورع عن كل ما حرم الله .
  وقال ( عليه السلام ) إن الأشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج منهما الفقر .
  وقال ( عليه السلام ) ألا إن الأيام ثلاثة يوم مضى لا ترجوه ويوم بقي لا بد منه ويوم يأتي لا تأمنه فالأمس موعظة واليوم غنيمة وغد لا تدري من أهله أمس شاهد مقبول واليوم أمين مؤد وغد يعجل بنفسك سريع الظعن طويل الغيبة أتاك ولم تأته أيها الناس إن البقاء بعد الفناء ولم تكن إلا وقد ورثنا من كان قبلنا ولنا وارثون بعدنا فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه واسلكوا سبل الخير ولا تستوحشوا فيها لقلة أهلها واذكروا حسن صحبة الله لكم فيها ألا وإن العواري اليوم والهبات غدا وإنما نحن فروع لأصول قد مضت فما بقاء الفروع بعد أصولها أيها الناس إنكم إن آثرتم الدنيا على الآخرة أسرعتم إجابتها إلى العرض الأدنى ورحلت مطايا آمالكم إلى الغاية القصوى تورد مناهل عاقبتها الندم وتذيقكم ما فعلت بالأمم الخالية والقرون الماضية من تغير الحالات وتكون المثلات .

تحف العقول عن آل الرسول _79 _

  وقال ( عليه السلام ) الصلاة قربان كل تقي والحج جهاد كل ضعيف ولكل شي‏ء زكاة وزكاة البدن الصيام وأفضل عمل المرء انتظاره فرج الله والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية استنزلوا الرزق بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وما عال امرؤ اقتصد والتقدير نصف العيش والتودد نصف العقل والهم نصف الهرم وقلة العيال أحد اليسارين ومن أحزن والديه عقهما ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين والله ينزل الصبر على قدر المصيبة فمن قدر رزقه الله ومن بذر حرمه الله والأمانة تجر الرزق والخيانة تجر الفقر ولو أراد الله بالنملة صلاحا ما أنبت لها جناحا .
  وقال ( عليه السلام ) متاع الدنيا حطام وتراثها كباب بلغتها أفضل من أثرتها وقلعتها أركن من طمأنينتها حكم بالفاقة على مكثرها وأعين بالراحة من رغب عنها من راقه رواؤها أعقبت ناظريه كمها ومن استشعر شغفها ملأت قلبه أشجانا لهن رقص على سويداء قلبه كرقيص الزبدة على أعراض المدرجة هم يحزنه وهم يشغله كذلك حتى يؤخذ بكظمه ويقطع أبهراه ويلقى هاما للقضاء طريحا هينا على الله مداه وعلى الأبرار ملقاه وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار ويسمع فيها بإذن النفث .
  وقال ( عليه السلام ) تعلموا الحلم فإن الحلم خليل المؤمن ووزيره والعلم دليله والرفق أخوه والعقل رفيقه والصبر أمير جنوده .
  وقال ( عليه السلام ) لرجل تجاوز الحد في التقشف يا هذا أ ما سمعت قول الله ( وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) فو الله لابتذالك نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالكها بالمقال .
  وقال لابنه الحسن ( عليه السلام ) أوصيك بتقوى الله وإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها وأوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عند الجاهل والتفقه في الدين والتثبت في الأمر والتعهد للقرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش كلها في كل ما عصي الله فيه .
  وقال ( عليه السلام ) قوام الدنيا بأربعة بعالم مستعمل لعلمه وبغني باذل لمعروفه وبجاهل لا يتكبر أن يتعلم وبفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره وإذا عطل العالم علمه وأمسك الغني معروفه وتكبر الجاهل أن يتعلم وباع الفقير آخرته بدنيا غيره فعليهم الثبور .
  وقال ( عليه السلام ) من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق بأن لا ينزل به مكروه أبدا قيل وما هن يا أمير المؤمنين قال العجلة واللجاجة والعجب والتواني .
  وقال ( عليه السلام ) اعلموا عباد الله أن التقوى حصن حصين والفجور حصن ذليل لا يمنع أهله ولا يحرز من لجأ إليه ألا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا وبالصبر على طاعة الله ينال ثواب الله وباليقين تدرك الغاية القصوى عباد الله إن الله لم يحظر على أوليائه ما فيه نجاتهم إذ دلهم عليه ولم يقنطهم من رحمته لعصيانهم إياه إن تابوا إليه .

تحف العقول عن آل الرسول _80 _

  وقال ( عليه السلام ) الصمت حكم والسكوت سلامة والكتمان طرف من السعادة .
  وقال ( عليه السلام ) تذل الأمور للمقدور حتى تصير الآفة في التدبير .
  وقال ( عليه السلام ) لا تتم مروة الرجل حتى يتفقه في دينه ويقتصد في معيشته ويصبر على النائبة إذا نزلت به ويستعذب مرارة إخوانه .
  وقال ( عليه السلام ) الاستغفار مع الإصرار ذنوب مجددة .
  وقال ( عليه السلام ) سكنوا في أنفسكم معرفة ما تعبدون حتى ينفعكم ما تحركون من الجوارح بعبادة من تعرفون .
  وقال ( عليه السلام ) المستأكل بدينه حظه من دينه ما يأكله .
  وقال ( عليه السلام ) الإيمان قول مقبول وعمل معمول وعرفان بالمعقول .
  وقال ( عليه السلام ) الإيمان على أربعة أركان التوكل على الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله والرضا بقضاء الله وأركان الكفر أربعة الرغبة والرهبة والغضب والشهوة .
  وقال ( عليه السلام ) من زهد في الدنيا ولم يجزع من ذلها ولم ينافس في عزها هداه الله بغير هداية من مخلوق وعلمه بغير تعليم وأثبت الحكمة في صدره وأجراها على لسانه .
  وقال ( عليه السلام ) إن لله عبادا عاملوه بخالص من سره فشكر لهم بخالص من شكره فأولئك تمر صحفهم يوم القيامة فرغا فإذا وقفوا بين يديه ملأها لهم من سر ما أسروا إليه .
  وقال ( عليه السلام ) ذللوا أخلاقكم بالمحاسن وقودوها إلى المكارم وعودوا أنفسكم الحلم واصبروا على الإيثار على أنفسكم فيما تجمدون عنه ولا تداقوا الناس وزنا بوزن وعظموا أقداركم بالتغافل عن الدني من الأمور وأمسكوا رمق الضعيف جاهكم وبالمعونة له إن عجزتم عما رجاه عندكم ولا تكونوا بحاثين عما غاب عنكم فيكثر غائبكم وتحفظوا من الكذب فإنه من أدنى الأخلاق قدرا وهو نوع عن الفحش وضرب من الدناءة وتكرموا بالتعامي عن الاستقصاء وروي بالتعامس من الاستقصاء .
  وقال ( عليه السلام ) كفى بالأجل حرزا إنه ليس أحد من الناس إلا ومعه حفظة من الله يحفظونه أن لا يتردى في بئر ولا يقع عليه حائط ولا يصيبه سبع فإذا جاء أجله خلوا بينه وبين أجله .

تحف العقول عن آل الرسول _81 _

ما روي عن الإمام السبط الزكي الحسن بن علي ( عليهما السلام ) :
  وروي عن الامام السبط التقي أبي محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما ورحمته وبركاته في طوال هذه المعاني في أجوبته عن مسائل سأله عنها أمير المؤمنين (عليه السلام) أو غيره في معان مختلفة .
  قيل له ( عليه السلام ) ما الزهد قال الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا قيل فما الحلم قال كظم الغيظ وملك النفس قيل ما السداد قال دفع المنكر بالمعروف قيل فما الشرف قال اصطناع العشيرة وحمل الجريرة قيل فما النجدة قال الذب عن الجار والصبر في المواطن والإقدام عند الكريهة قيل فما المجد قال أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم قيل فما المروة قال حفظ الدين وإعزاز النفس ولين الكنف وتعهد الصنيعة وأداء الحقوق والتحبب إلى الناس قيل فما الكرم قال الابتداء بالعطية قبل المسألة وإطعام الطعام في المحل قيل فما الدنيئة قال النظر في اليسير ومنع الحقير قيل فما اللؤم قال قلة الندى وأن ينطق بالخنا قيل فما السماح قال البذل في السراء والضراء قيل فما الشح قال أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا قيل فما الإخاء قال الإخاء في الشدة والرخاء قيل فما الجبن قال الجرأة على الصديق والنكول عن العدو قيل فما الغنى قال رضا النفس بما قسم لها وإن قل قيل فما الفقر قال شره النفس إلى كل شي‏ء قيل فما الجود قال بذل المجهود قيل فما الكرم قال الحفاظ في الشدة والرخاء قيل فما الجرأة قال موافقة الأقران قيل فما المنعة قال شدة البأس ومنازعة أعزاء الناس قيل فما الذل قال الفرق عند المصدوقة قيل فما الخرق قال مناوأتك أميرك ومن يقدر على ضرك قيل فما السناء قال إتيان الجميل وترك القبيح قيل فما الحزم قال طول الأناة والرفق بالولاة والاحتراس من جميع الناس قيل فما الشرف قال موافقة الإخوان وحفظ الجيران قيل فما الحرمان قال تركك حظك وقد عرض عليك قيل فما السفه قال اتباع الدناة ومصاحبة الغواة قيل فما العي قال العبث باللحية وكثرة التنحنح عند المنطق قيل فما الشجاعة قال موافقة الأقران والصبر عند الطعان قيل فما الكلفة قال كلامك فيما لا يعنيك قيل وما السفاه قال الأحمق في ماله المتهاون بعرضه قيل فما اللؤم قال إحراز المرء نفسه وإسلامه عرسه .

ومن حكمه ( عليه السلام ) :
  أيها الناس إنه من نصح لله وأخذ قوله دليلا هدي للتي هي أقوم ووفقه الله للرشاد وسدده للحسنى فإن جار الله آمن محفوظ وعدوه خائف مخذول فاحترسوا من الله بكثرة الذكر واخشوا الله بالتقوى وتقربوا إلى الله بالطاعة فإنه قريب مجيب قال الله تبارك وتعالى ( وإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) فاستجيبوا لله وآمنوا به فإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم فإن رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن

تحف العقول عن آل الرسول _82 _

  يتواضعوا وعز الذين يعرفون ما جلال الله أن يتذللوا له وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة ولا يضلوا بعد الهدى واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف ورأيتم الفرية على الله والتحريف ورأيتم كيف يهوي من يهوي ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون والتمسوا ذلك عند أهله فإنهم خاصة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدى بهم بهم عيش العلم وموت الجهل وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم وحكم منطقهم عن صمتهم وظاهرهم عن باطنهم لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه وقد خلت لهم من الله سنة ومضى فيهم من الله حكم إن في ذلك لذكرى للذاكرين واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعاية ولا تعقلوه عقل رواية فإن رواة الكتاب كثير ورعاته قليل والله المستعان .

جوابه ( عليه السلام ) عن مسائل سئل عنها في خبر طويل كتبنا منه موضع الحاجة :
  بعث معاوية رجلا متنكرا يسأل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن مسائل سأله عنها ملك الروم فلما دخل الكوفة وخاطب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنكره فقرره فاعترف له بالحال فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قاتل الله ابن آكلة الأكباد ما أضله وأضل من معه قاتله الله لقد أعتق جارية ما أحسن أن يتزوجها حكم الله بيني وبين هذه الأمة قطعوا رحمي وصغروا عظيم منزلتي وأضاعوا أيامي علي بالحسن والحسين ومحمد فدعوا فقال ( عليه السلام ) يا أخا أهل الشام هذان ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا ابني فاسأل أيهم أحببت فقال الشامي اسأل هذا يعني الحسن (عليه السلام) ثم قال كم بين الحق والباطل وكم بين السماء والأرض وكم بين المشرق والمغرب وعن هذا المحو الذي في القمر وعن قوس قزح وعن هذه المجرة وعن أول شي‏ء انتضح على وجه الأرض وعن أول شي‏ء اهتز عليها وعن العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين والمشركين وعن المؤنث وعن عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فقال الحسن ( عليه السلام ) يا أخا أهل الشام بين الحق والباطل أربع أصابع ما رأيت بعينيك فهو الحق وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومد البصر فمن قال غير هذا فكذبه وبين المشرق والمغرب يوم مطرد للشمس تنظر إلى الشمس حين تطلع وتنظر إليها حين تغرب من قال غير هذا فكذبه وأما هذه المجرة فهي أشراج السماء مهبط الماء المنهمر على نوح (عليه السلام) وأما قوس قزح فلا تقل قزح فإن قزح شيطان ولكنها قوس الله وأمان من الغرق وأما المحو الذي في القمر فإن ضوء القمر كان مثل ضوء الشمس فمحاه الله وقال في كتابه ( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) وأما أول شي‏ء انتضح على وجه الأرض فهو وادي دلس وأما أول شي‏ء اهتز على وجه الأرض فهي النخلة وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها سلمى وأما العين التي تأوي إليها أرواح الكافرين فهي عين يقال لها برهوت وأما المؤنث

تحف العقول عن آل الرسول _83 _

  فإنسان لا يدرى امرأة هو أو رجل فينتظر به الحلم فإن كانت امرأة بانت ثدياها وإن كان رجلا خرجت لحيته وإلا قيل له يبول على الحائط فإن أصاب الحائط بوله فهو رجل وإن نكص كما ينكص بول البعير فهي امرأة وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شي‏ء خلق الله الحجر وأشد من الحجر الحديد وأشد من الحديد النار وأشد من النار الماء وأشد من الماء السحاب وأشد من السحاب الريح وأشد من الريح الملك وأشد من الملك ملك الموت وأشد من ملك الموت الموت وأشد من الموت أمر الله قال الشامي أشهد أنك ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأن عليا وصي محمد ثم كتب هذا الجواب ومضى به إلى معاوية وأنفذه معاوية إلى ابن الأصفر فلما أتاه قال أشهد أن هذا ليس من عند معاوية ولا هو إلا من معدن النبوة .

كلامه ( عليه السلام ) في الاستطاعة :
  كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) أما بعد فإنكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة والأعلام النيرة الشاهرة أو كسفينة نوح ( عليه السلام ) التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون كتبت إليك يا ابن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك ( عليه السلام ) فإن من علم الله علمكم وأنتم شهداء على الناس والله الشاهد عليكم ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم فأجابه الحسن ( عليه السلام ) بسم الله الرحمن الرحيم وصل إلي كتابك ولو لا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذا ما أخبرتك أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أن الله يعلمه فقد كفر ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر إن الله لم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا ولم يهمل العباد سدى من المملكة بل هو المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم بل أمرهم تخييرا ونهاهم تحذيرا فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادا وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمن عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبرا ولا ألزموها كرها بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم لا جبلا لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة ولا جبرا لهم على ما نهاهم عنه ولله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين والسلام على من اتبع الهدى .

موعظة :
  اعلموا أن الله لم يخلقكم عبثا وليس بتارككم سدى كتب آجالكم وقسم بينكم معايشكم ليعرف كل ذي لب منزلته وأن ما قدر له أصابه وما صرف عنه فلن يصيبه قد كفاكم مئونة الدنيا وفرغكم لعبادته وحثكم على الشكر وافترض عليكم الذكر وأوصاكم بالتقوى وجعل التقوى منتهى رضاه والتقوى باب كل توبة ورأس كل حكمة وشرف كل عمل بالتقوى فاز من فاز من المتقين قال الله تبارك وتعالى ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً وقال ويُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ ) فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن ويسدده في أمره ويهيئ له رشده ويفلجه بحجته ويبيض وجهه ويعطه رغبته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

تحف العقول عن آل الرسول _84 _

خطبته ( عليه السلام ) حين قال له معاوية بعد الصلح اذكر فضلنا :
  حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد النبي وآله ثم قال من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول الله أنا ابن البشير النذير أنا ابن المصطفى بالرسالة أنا ابن من صلت عليه الملائكة أنا ابن من شرفت به الأمة أنا ابن من كان جبرئيل السفير من الله إليه أنا ابن من بعث رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله أجمعين فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده فقال يا حسن عليك بالرطب فانعته لنا قال نعم يا معاوية الريح تلقحه والشمس تنفخه والقمر يلونه والحر ينضجه والليل يبرده ثم أقبل على منطقه فقال أنا ابن المستجاب الدعوة أنا ابن من كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن مكة ومنى أنا ابن من خضعت له قريش رغما أنا ابن من سعد تابعه وشقي خاذله أنا ابن من جعلت الأرض له طهورا ومسجدا أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترى أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقال معاوية أظن نفسك يا حسن تنازعك إلى الخلافة فقال ويلك يا معاوية إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمل بطاعة الله ولعمري إنا لأعلام الهدى ومنار التقى ولكنك يا معاوية ممن أبار السنن وأحيا البدع واتخذ عباد الله خولا ودين الله لعبا فكان قد أخمل ما أنت فيه فعشت يسيرا وبقيت عليك تبعاته يا معاوية والله لقد خلق الله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب اسماهما جابلقا وجابلسا ما بعث الله إليهما أحدا غير جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال معاوية يا أبا محمد أخبرنا عن ليلة القدر قال نعم عن مثل هذا فاسأل إن الله خلق السماوات سبعا والأرضين سبعا والجن من سبع والإنس من سبع فتطلب من ليلة ثلاث وعشرين إلى ليلة سبع وعشرين ثم نهض (عليه السلام .

وروي عنه (عليه السلام) في قصار هذه المعاني :
  قال ( عليه السلام ) ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم .
  وقال ( عليه السلام ) اللؤم أن لا تشكر النعمة .
  وقال ( عليه السلام ) لبعض ولده يا بني لا تؤاخ أحدا حتى تعرف موارده ومصادره فإذا استنبطت الخبرة ورضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العسرة .
  وقال ( عليه السلام ) لا تجاهد الطلب جهاد الغالب ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل من السنة والإجمال في الطلب من العفة وليست العفة بدافعة رزقا ولا الحرص بجالب فضلا فإن الرزق مقسوم واستعمال الحرص استعمال المأثم .
  وقال ( عليه السلام ) لرجل أبل من علة إن الله قد ذكرك فاذكره وأقالك فاشكره .
  وقال ( عليه السلام ) عند صلحه لمعاوية إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فسلبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم .
  وقال ( عليه السلام ) ما أعرف أحدا إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه .
  وقيل له فيك عظمة فقال ( عليه السلام ) بل في عزة قال الله (ولِلَّهِ الْعِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ ) .

تحف العقول عن آل الرسول _85 _

   وقال (عليه السلام) القريب من قربته المودة وإن بعد نسبه والبعيد من باعدته المودة وإن قرب نسبه لا شي‏ء أقرب من يد إلى جسد وإن اليد تفل فتقطع وتحسم .
  وقال ( عليه السلام ) من اتكل على حسن الاختيار من الله له لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له .
  وقال ( عليه السلام ) العار أهون من النار .
  وقال ( عليه السلام ) الخير الذي لا شر فيه الشكر مع النعمة والصبر على النازلة .
  وقال ( عليه السلام ) في وصف أخ كان له صالح :
  كان من أعظم الناس في عيني وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه كان خارجا من سلطان الجهالة فلا يمد يدا إلا على ثقة لمنفعة كان لا يشتكي ولا يتسخط ولا يتبرم كان أكثر دهره صامتا فإذا قال بذ القائلين كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجد فهو الليث عاديا كان إذا جامع العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت كان لا يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول كان إذا عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب إلى ربه نظر أقربهما من هواه فخالفه كان لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله .
  وقال ( عليه السلام ) من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان آية محكمة وأخا مستفادا وعلما مستطرفا ورحمة منتظرة وكلمة تدله على الهدى أو ترده عن ردى وترك الذنوب حياء أو خشية .
  ورزق غلاما فأتته قريش تهنيه فقالوا يهنيك الفارس فقال ( عليه السلام ) أي شي‏ء هذا القول ولعله يكون راجلا فقال له جابر كيف نقول يا ابن رسول الله فقال ( عليه السلام ) إذا ولد لأحدكم غلام فأتيتموه فقولوا له شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب بلغ الله به أشده ورزقك بره .
  وسئل عن المروة فقال ( عليه السلام ) شح الرجل على دينه وإصلاحه ماله وقيامه بالحقوق .
  وقال ( عليه السلام ) إن أبصر الأبصار ما نفذ في الخير مذهبه وأسمع الأسماع ما وعى التذكير وانتفع به أسلم القلوب ما طهر من الشبهات .
  وسأله رجل أن يخيله قال ( عليه السلام ) إياك أن تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك أو تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب أو تغتاب عندي أحدا فقال له الرجل ائذن لي في الانصراف فقال ( عليه السلام ) نعم إذا شئت .
  وقال ( عليه السلام ) إن من طلب العبادة تزكى لها إذا أضرت النوافل بالفريضة فارفضوها اليقين معاذ للسلامة من تذكر بعد السفر اعتد ولا يغش العاقل من استنصحه بينكم وبين الموعظة حجاب العزة قطع العلم عذر المتعلمين كل معاجل يسأل النظرة وكل مؤجل يتعلل بالتسويف .

تحف العقول عن آل الرسول _86 _

  وقال ( عليه السلام ) اتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب وتجاه الهرب وبادروا العمل قبل مقطعات النقمات وهادم اللذات فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجيعها ولا تتوقى مساوئها غرور حائل وسناد مائل فاتعظوا عباد الله بالعبر واعتبروا بالأثر وازدجروا بالنعيم وانتفعوا بالمواعظ فكفى بالله معتصما ونصيرا وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما وكفى بالجنة ثوابا وكفى بالنار عقابا ووبالا .
  وقال ( عليه السلام ) إذا لقي أحدكم أخاه فليقبل موضع النور من جبهته .
  ومر ( عليه السلام ) في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رءوسهم فقال إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وقصر آخرون فخابوا فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون وايم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه والمسي‏ء مشغول بإساءته ثم مضى .

ما روي عن الإمام السبط الشهيد المفدى :
وروي عن الإمام التقي السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) في طوال هذه المعاني :
من كلامه ( عليه السلام ) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويروى عن أمير المؤمنين :

  اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول ( لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ والْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ) وقال ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ) إلى قوله (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ) وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون والله يقول ( فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ واخْشَوْنِ وقال الْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفي‏ء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها ثم أنتم أيتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة وبالله في أنفس الناس مهابة يهابكم الشريف ويكرمكم الضعيف ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يد لكم عنده تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر أ ليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون فاستخففتم بحق الأئمة فأما حق الضعفاء فضيعتم وأما حقكم بزعمكم فطلبتم فلا مالا بذلتموه ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله أنتم تتمنون على الله جنته ومجاورة رسله وأمانا من عذابه لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل بكم نقمة من نقماته لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها ومن يعرف بالله لا تكرمون وأنتم بالله في عباده تكرمون وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون وأنتم لبعض ذمم آبائكم

تحف العقول عن آل الرسول _87 _

  تفزعون وذمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) محقورة والعمي والبكم والزمنى في المدائن مهملة لا ترحمون ولا في منزلتكم تعملون ولا من عمل فيها تعينون وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المئونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم واستسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب يتقلبون في الملك بآرائهم ويستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداء بالأشرار وجرأة على الجبار في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس فمن بين جبار عنيد وذي سطوة على الضعفة شديد مطاع لا يعرف المبدئ المعيد فيا عجبا وما لي لا أعجب والأرض من غاش غشوم ومتصدق ظلوم وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان ولا التماسا من فضول الحطام ولكن لنرى المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك فإن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم وعملوا في إطفاء نور نبيكم وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير .

موعظة :
أوصيكم بتقوى الله وأحذركم أيامه وأرفع لكم أعلامه فكان المخوف قد أفد بمهول وروده ونكير حلوله وبشع مذاقه فاعتلق مهجكم وحال بين العمل وبينكم فبادروا بصحة الأجسام في مدة الأعمار كأنكم ببغتات طوارقه فتنقلكم من ظهر الأرض إلى بطنها ومن علوها إلى سفلها ومن أنسها إلى وحشتها ومن روحها وضوئها إلى ظلمتها ومن سعتها إلى ضيقها حيث لا يزار حميم ولا يعاد سقيم ولا يجاب صريخ أعاننا الله وإياكم على أهوال ذلك اليوم ونجانا وإياكم من عقابه وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه عباد الله فلو كان ذلك قصر مرماكم ومدى مظعنكم كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه ويذهله عن دنياه ويكثر نصبه لطلب الخلاص منه فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف على حسابه لا وزير له يمنعه ولا ظهير عنه يدفعه ويومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون أوصيكم بتقوى الله فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب ويرزقه من حيث لا يحتسب فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم ويأمن العقوبة من ذنبه فإن الله تبارك وتعالى لا يخدع عن جنته ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله .

تحف العقول عن آل الرسول _88 _

كتابه ( عليه السلام ) إلى أهل الكوفة لما سار ورأى خذلانهم إياه :
  أما بعد فتبا لكم أيتها الجماعة وترحا حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا كان في أيماننا وحششتم علينا نارا اقتدحناها على عدونا وعدوكم فأصبحتم ألبا لفا على أوليائكم ويدا لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا لأمل أصبح لكم فيهم وعن غير حدث كان منا ولا رأي تفيل عنا فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لم يستحصف ولكن استسرعتم إليها كتطاير الدبى وتداعيتم عنها كتداعي الفراش فسحقا وبعدا لطواغيت الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان ومحرفي الكلام ومطفئي السنن وملحقي العهرة بالنسب المستهزءين الذين جعلوا القرآن عضين والله إنه لخذل فيكم معروف قد وشجت عليه عروقكم وتوارت عليه أصولكم فكنتم أخبث ثمرة شجا للناطر وأكلة للغاصب ألا فلعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلوا الله عليهم كفيلا ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز منا بين اثنتين بين الملة والذلة وهيهات منا الدنيئة يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وأنوف حمية ونفوس أبية وأن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام وإني زاحف إليهم بهذه الأسرة على كلب العدو وكثرة العدد وخذلة الناصر ألا وما يلبثون إلا كريثما يركب الفرس حتى تدور رحى الحرب وتعلق النحور عهد عهده إلي أبي (عليه السلام) فأجمعوا أمركم ثم كيدون فلا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم .

جوابه ( عليه السلام ) عن مسائل سأله عنها ملك الروم حين وفد إليه ويزيد بن معاوية في خبر طويل اختصرنا منه موضع الحاجة :
   سأله عن المجرة وعن سبعة أشياء خلقها الله لم تخلق في رحم فضحك الحسين (عليه السلام) فقال له ما أضحكك قال ( عليه السلام ) لأنك سألتني عن أشياء ما هي من منتهى العلم إلا كالقذى في عرض البحر أما المجرة فهي قوس الله وسبعة أشياء لم تخلق في رحم فأولها آدم ثم حواء والغراب وكبش إبراهيم ( عليه السلام ) وناقة الله وعصا موسى ( عليه السلام ) والطير الذي خلقه عيسى ابن مريم ( عليه السلام ) ثم سأله عن أرزاق العباد فقال ( عليه السلام ) أرزاق العباد في السماء الرابعة ينزلها الله بقدر ويبسطها بقدر ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تجتمع قال تجتمع تحت صخرة بيت المقدس ليلة الجمعة وهو عرش الله الأدنى منها بسط الأرض وإليها يطويها ومنها استوى إلى السماء وأما أرواح الكفار فتجتمع في دار الدنيا في حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب بينهما ريحان فيحشران الناس إلى تلك الصخرة في بيت المقدس فتحبس في يمين الصخرة وتزلف الجنة للمتقين وجهنم في يسار الصخرة في تخوم الأرضين وفيها الفلق والسجين فتفرق الخلائق من عند الصخرة فمن وجبت له الجنة دخلها من عند الصخرة ومن وجبت له النار دخلها من عند الصخرة .

تحف العقول عن أل الرسول _89 _

وجوه الجهاد :
  سئل عن الجهاد سنة أو فريضة فقال ( عليه السلام ) الجهاد على أربعة أوجه فجهادان فرض وجهاد سنة لا يقام إلا مع فرض وجهاد سنة فأما أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه عن معاصي الله وهو من أعظم الجهاد ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض وأما الجهاد الذي هو سنة لا يقام إلا مع فرض فإن مجاهدة العدو فرض على جميع الأمة لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب وهذا هو من عذاب الأمة وهو سنة على الإمام وحده أن يأتي العدو مع الأمة فيجاهدهم وأما الجهاد الذي هو سنة فكل سنة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال لأنها إحياء سنة وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا .

توحيد :
  أيها الناس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبهون الله بأنفسهم يضاهئون قول الذين كفروا من أهل الكتاب بل هو الله ليس كمثله شي‏ء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير استخلص الوحدانية والجبروت وأمضى المشيئة والإرادة والقدرة والعلم بما هو كائن لا منازع له في شي‏ء من أمره ولا كفو له يعادله ولا ضد له ينازعه ولا سمي له يشابهه ولا مثل له يشاكله لا تتداوله الأمور ولا تجري عليه الأحوال ولا تنزل عليه الأحداث ولا يقدر الواصفون كنه عظمته ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته لأنه ليس له في الأشياء عديل ولا تدركه العلماء بألبابها ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق إيقانا بالغيب لأنه لا يوصف بشي‏ء من صفات المخلوقين وهو الواحد الصمد ما تصور في الأوهام فهو خلافه ليس برب من طرح تحت البلاغ ومعبود من وجد في هواء أو غير هواء هو في الأشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه ومن الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها ليس بقادر من قارنه ضد أو ساواه ند ليس عن الدهر قدمه ولا بالناحية أممه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار وعمن في السماء احتجابه كمن في الأرض قربه كرامته وبعده إهانته لا تحله في ولا توقته إذ ولا تؤامره إن علوه من غير توقل ومجيئه من غير تنقل يوجد المفقود ويفقد الموجود ولا تجتمع لغيره الصفتان في وقت يصيب الفكر منه الإيمان به موجودا ووجود الإيمان لا وجود صفة به توصف الصفات لا بها يوصف وبه تعرف المعارف لا بها يعرف فذلك الله لا سمي له سبحانه ليس كمثله شي‏ء وهو السميع البصير .

وعنه ( عليه السلام ) في قصار هذه المعاني:
  وقال ( عليه السلام ) في مسيره إلى كربلاء إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل أ لا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون .

تحف العقول عن آل الرسول _90 _

  وقال ( عليه السلام ) لرجل اغتاب عنده رجلا يا هذا كف عن الغيبة فإنها إدام كلاب النار .
  وقال عنده رجل إن المعروف إذا أسدي إلى غير أهله ضاع فقال الحسين (عليه السلام) ليس كذلك ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر .
  وقال ( عليه السلام ) ما أخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنه طاعته ولا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته .
  وقال ( عليه السلام ) إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة .
  وقال له رجل ابتداء كيف أنت عافاك الله فقال ( عليه السلام ) له السلام قبل الكلام عافاك الله ثم قال ( عليه السلام ) لا تأذنوا لأحد حتى يسلم .
  وقال ( عليه السلام ) الاستدراج من الله سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر .
  وكتب إلى عبد الله بن العباس حين سيره عبد الله بن الزبير إلى اليمن أما بعد بلغني أن ابن الزبير سيرك إلى الطائف فرفع الله لك بذلك ذكرا وحط به عنك وزرا وإنما يبتلى الصالحون ولو لم تؤجر إلا فيما تحب لقل الأجر عزم الله لنا ولك بالصبر عند البلوى والشكر عند النعمى ولا أشمت بنا ولا بك عدوا حاسدا أبدا والسلام .
  وأتاه رجل فسأله فقال (عليه السلام) إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح أو فقر مدقع أو حمالة مفظعة فقال الرجل ما جئت إلا في إحداهن فأمر له بمائة دينار .
  وقال لابنه علي بن الحسين ( عليه السلام ) أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله جل وعز .
  وسأله رجل عن معنى قول الله( وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) قال ( عليه السلام ) أمره أن يحدث بما أنعم الله به عليه في دينه .
  وجاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة فقال (عليه السلام) يا أخا الأنصار صن وجهك عن بذلة المسألة وارفع حاجتك في رقعة فإني آت فيها ما سارك إن شاء الله فكتب يا أبا عبد الله إن لفلان علي خمسمائة دينار وقد ألح بي فكلمه ينظرني إلى ميسرة فلما قرأ الحسين ( عليه السلام ) الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة فيها ألف دينار وقال ( عليه السلام ) له أما خمسمائة فاقض بها دينك وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة إلى ذي دين أو مروة أو حسب فأما ذو الدين فيصون دينه وأما ذو المروة فإنه يستحيي لمروته وأما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك .

تحف العقول عن آل الرسول _91 _

  وقال ( عليه السلام ) الإخوان أربعة فأخ لك وله وأخ لك وأخ عليك وأخ لا لك ولا له فسئل عن معنى ذلك فقال ( عليه السلام ) الأخ الذي هو لك وله فهو الأخ الذي يطلب بإخائه بقاء الإخاء ولا يطلب بإخائه موت الإخاء فهذا لك وله لأنه إذا تم الإخاء طابت حياتهما جميعا وإذا دخل الإخاء في حال التناقض بطل جميعا والأخ الذي هو لك فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الإخاء فهذا موفر عليك بكليته والأخ الذي هو عليك فهو الأخ الذي يتربص بك الدوائر ويغشي السرائر ويكذب عليك بين العشائر وينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد والأخ الذي لا لك ولا له فهو الذي قد ملأه الله حمقا فأبعده سحقا فتراه يؤثر نفسه عليك ويطلب شحا ما لديك .
  وقال ( عليه السلام ) من دلائل علامات القبول الجلوس إلى أهل العقول ومن علامات أسباب الجهل المماراة لغير أهل الكفر ومن دلائل العالم انتقاده لحديثه وعلمه بحقائق فنون النظر .
  وقال ( عليه السلام ) إن المؤمن اتخذ الله عصمته وقوله مرآته فمرة ينظر في نعت المؤمنين وتارة ينظر في وصف المتجبرين فهو منه في لطائف ومن نفسه في تعارف ومن فطنته في يقين ومن قدسه على تمكين .
  وقال ( عليه السلام ) إياك وما تعتذر منه فإن المؤمن لا يسي‏ء ولا يعتذر والمنافق كل يوم يسي‏ء ويعتذر .
  وقال ( عليه السلام ) للسلام سبعون حسنة تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد .
  وقال ( عليه السلام ) البخيل من بخل بالسلام .
  وقال ( عليه السلام ) من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لما يحذر .

ما روي عن الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) :
وروي عن الإمام سيد العابدين علي بن الحسين ( عليه السلام ) في طوال هذه المعاني :
موعظته ( عليه السلام ) لسائر أصحابه وشيعته وتذكيره إياهم كل يوم جمعة :

  أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه راجعون فتجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه ويحك يا ابن آدم الغافل وليس مغفولا عنه إن أجلك أسرع شي‏ء إليك قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ويوشك أن يدركك فكان قد أوفيت أجلك وقد قبض الملك روحك وصيرت إلى قبرك وحيدا فرد إليك روحك واقتحم عليك ملكاك منكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن إمامك الذي كنت تتولاه وعن عمرك فيما أفنيت وعن مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته فخذ حذرك وانظر لنفسك وأعد الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار فإن تك مؤمنا عارفا بدينك متبعا للصادقين مواليا لأولياء الله لقاك

تحف العقول عن آل الرسول _92 _

  الله حجتك وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب وبشرت بالجنة والرضوان من الله واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجتك وعييت عن الجواب وبشرت بالنار واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم واعلم يا ابن آدم أن ما وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود يجمع الله فيه الأولين والآخرين يوم ينفخ في الصور ويبعثر فيه القبور ذلك يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ذلك يوم لا تقال فيه عثرة ولا تؤخذ من أحد فدية ولا تقبل من أحد معذرة ولا لأحد فيه مستقبل توبة ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده فاحذروا أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذركموها في الكتاب الصادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتدميره عند ما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن الله يقول ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ) وأشعروا قلوبكم خوف الله وتذكروا ما قد وعدكم في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد عقابه فإنه من خاف شيئا حذره ومن حذر شيئا تركه ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا الذين مكروا السيئات وقد قال الله تعالى ( أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ ) فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في كتابه لقد وعظكم الله بغيركم وإن السعيد من وعظ بغيره ولقد أسمعكم الله في كتابه ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال ( وأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) وقال فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ يعني يهربون قال لا تَرْكُضُوا وارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ فلما أتاهم العذاب قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فإن قلتم أيها الناس إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذاك وهو يقول ( ونَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وكَفى بِنا حاسِبِينَ ) اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا وإنما تنصب الموازين وتنشر الدواوين لأهل الإسلام فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى لم يحب زهرة الدنيا لأحد من أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها فإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته وايم الله لقد ضربت لكم فيه الأمثال وصرفت الآيات لقوم يعقلون فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون ولا قوة إلا بالله وازهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله يقول وقوله الحق

تحف العقول عن آل الرسول _93 _

  ( إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ والْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله قال لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (ولا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) ولا تركنوا إلى هذه الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان فإنها دار قلعة ومنزل بلغة ودار عمل فتزودوا الأعمال الصالحة قبل تفرق أيامها وقبل الإذن من الله في خرابها فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها وأسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى والزهد في الدنيا جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل هذه الحياة الدنيا الراغبين في آجل ثواب الآخرة فإنما نحن له وبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

موعظة وزهد وحكمة :
  كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبارين أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا المائلون إليها المفتونون بها المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد غدا واحذروا ما حذركم الله منها وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من أعدها دارا وقرارا وبالله إن لكم مما فيها عليها دليلا من زينتها وتصريف أيامها وتغيير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها إنها لترفع الخميل وتضع الشريف وتورد النار أقواما غدا ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه وإن الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن وحوادث البدع وسنن الجور وبوائق الزمان وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان لتثبط القلوب عن نيتها وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله جل وعز فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ونهج سبيل الرشد وسلك طريق القصد ثم استعان على ذلك بالزهد فكرر الفكر واتعظ بالعبر وازدجر فزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ورغب في دائم نعيم الآخرة وسعى لها سعيها وراقب الموت وشنأ الحياة مع القوم الظالمين فعند ذلك نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة النظر وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة فقد لعمري استدبرتم من الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيها ما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق فاستعينوا بالله وارجعوا إلى طاعته وطاعة من هو أولى بالطاعة من طاعة من اتبع وأطيع فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم وما العلم بالله والعمل بطاعته إلا إلفان مؤتلفان فمن عرف الله خافه فحثه الخوف على العمل بطاعة الله وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه وقد قال الله( إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) فلا تلتمسوا شيئا في هذه الدنيا بمعصية

تحف العقول عن آل الرسول _94 _

  الله واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله فإن ذلك أقل للتبعة وأدنى من العذر وأرجى للنجاة فقدموا أمر الله وطاعته وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأمور كلها ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت وفتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على رب العالمين يومئذ لا تكلم نفس إلا بإذنه واعلموا أن الله لا يصدق كاذبا ولا يكذب صادقا ولا يرد عذر مستحق ولا يعذر غير معذور بل لله الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل فاتقوا الله واستقبلوا من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها لعل نادما قد ندم على ما قد فرط بالأمس في جنب الله وضيع من حق الله واستغفروا الله وتوبوا إليه فإنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون وإياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين احذروا فتنتهم وتباعدوا من ساحتهم واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبد بأمره دون أمر ولي الله في نار تلتهب تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها غلبت عليها شقوتها فهم موتى لا يجدون حر النار فاعتبروا يا أولي الأبصار واحمدوا الله على ما هداكم واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته وسيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون فانتفعوا بالعظة وتأدبوا بآداب الصالحين .

رسالته ( عليه السلام ) المعروفة برسالة الحقوق :
  اعلم رحمك الله أن لله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها وآلة تصرفت بها بعضها أكبر من بعض وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ومنه تفرع ثم أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك فجعل لبصرك عليك حقا ولسمعك عليك حقا وللسانك عليك حقا وليدك عليك حقا ولرجلك عليك حقا ولبطنك عليك حقا ولفرجك عليك حقا فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال ثم جعل عز وجل لأفعالك عليك حقوقا فجعل لصلاتك عليك حقا ولصومك عليك حقا ولصدقتك عليك حقا ولهديك عليك حقا ولأفعالك عليك حقا ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك وأوجبها عليك حقوق أئمتك ثم حقوق رعيتك ثم حقوق رحمك فهذه حقوق يتشعب منها حقوق فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان ثم سائسك بالعلم ثم حق سائسك بالملك وكل سائس إمام وحقوق رعيتك ثلاثة أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان ثم حق رعيتك بالعلم فإن الجاهل رعية العالم وحق رعيتك بالملك من الأزواج وما ملكت من الأيمان وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة فأوجبها عليك حق أمك ثم حق أبيك ثم حق ولدك ثم حق أخيك ثم الأقرب فالأقرب والأول فالأول ثم حق مولاك المنعم عليك ثم حق مولاك الجارية نعمتك عليه ثم حق ذي المعروف لديك ثم حق مؤذنك بالصلاة ثم حق إمامك في صلاتك ثم حق جليسك ثم حق جارك ثم حق صاحبك ثم حق شريكك

تحف العقول عن آل الرسول _95 _

  ثم حق مالك ثم حق غريمك الذي تطالبه ثم حق غريمك الذي يطالبك ثم حق خليطك ثم حق خصمك المدعي عليك ثم حق خصمك الذي تدعي عليه ثم حق مستشيرك ثم حق المشير عليك ثم حق مستنصحك ثم حق الناصح لك ثم حق من هو أكبر منك ثم حق من هو أصغر منك ثم حق سائلك ثم حق من سألته ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بذلك بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد منه ثم حق أهل ملتك عامة ثم حق أهل الذمة ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرف الأسباب فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفقه وسدده فأما حق الله الأكبر فإنك تعبده لا تشرك به شيئا فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منها وأما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله فتؤدي إلى لسانك حقه وإلى سمعك حقه وإلى بصرك حقه وإلى يدك حقها وإلى رجلك حقها وإلى بطنك حقه وإلى فرجك حقه وتستعين بالله على ذلك وأما حق اللسان فإكرامه عن الخنا وتعويده على الخير وحمله على الأدب وإجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا وإعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها ويعد شاهد العقل والدليل عليه وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقا كريما فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر ولا قوة إلا بالله وأما حق بصرك فغضه عما لا يحل لك وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا أو تستفيد بها علما فإن البصر باب الاعتبار وأما حق رجليك فأن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين والسبق لك ولا قوة إلا بالله وأما حق يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الأجل ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل ولا تقبضها مما افترض الله عليها ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما يحل لها وبسطها إلى كثير مما ليس عليها فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب في الآجل .
  وأما حق بطنك فأن لا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثير وأن تقتصد له في الحلال ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين وذهاب المروة وضبطه إذا هم بالجوع والظمأ فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم وإن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروة وأما حق فرجك فحفظه مما لا يحل لك والاستعانة عليه بغض البصر فإنه من أعون الأعوان وكثرة ذكر الموت والتهدد لنفسك بالله والتخويف لها به وبالله العصمة والتأييد ولا حول ولا قوة إلا به .

تحف العقول عن آل الرسول _96 _

ثم حقوق الأفعال :
  فأما حق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة إلى الله وأنك قائم بها بين يدي الله فإذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام الذليل الراغب الراهب الخائف الراجي المسكين المتضرع المعظم من قام بين يديه بالسكون والإطراق وخشوع الأطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت به خطيئتك واستهلكتها ذنوبك ولا قوة إلا بالله وأما حق الصوم فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ليسترك به من النار وهكذا جاء في الحديث الصوم جنة من النار فإن سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية لله لم تأمن أن تخرق الحجاب وتخرج منه ولا قوة إلا بالله وأما حق الصدقة فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج إلى إشهاد فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق بما استودعته علانية وكنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته وكان الأمر بينك وبينه فيها سرا على كل حال ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها كأنها أوثق في نفسك لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك ثم لم تمتن بها على أحد لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه لأن في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد ولا قوة إلا بالله وأما حق الهدي فأن تخلص بها الإرادة إلى ربك والتعرض لرحمته وقبوله ولا تريد عيون الناظرين دونه فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفا ولا متصنعا وكنت إنما تقصد إلى الله واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ولم يرد بهم التعسير وكذلك التذلل أولى بك من التدهقن لأن الكلفة والمئونة في المتدهقنين فأما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ولا مئونة عليهما لأنهما الخلقة وهما موجودان في الطبيعة ولا قوة إلا بالله .

ثم حقوق الأئمة :
  فأما حق سائسك بالسلطان فأن تعلم أنك جعلت له فتنة وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان وأن تخلص له في النصيحة وأن لا تماحكه وقد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه وتذلل وتلطف لإعطائه من الرضا ما يكفه عنك ولا يضر بدينك وتستعين عليه في ذلك بالله ولا تعازه ولا تعانده فإنك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك فعرضتها لمكروهه وعرضته للهلكة فيك وكنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك وشريكا له فيما أتى إليك ولا قوة إلا بالله وأما حق سائسك بالعلم فالتعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرغ له عقلك وتحضره فهمك وتزكي له قلبك وتجلي له بصرك بترك اللذات ونقص الشهوات وأن تعلم أنك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ولا تخنه في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلدتها ولا حول ولا قوة إلا بالله وأما حق سائسك بالملك فنحو من سائسك بالسلطان إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك تلزمك طاعته فيما دق وجل منك إلا أن تخرجك من وجوب حق الله ويحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق فإذا قضيته رجعت إلى حقه فتشاغلت به ولا قوة إلا بالله .

تحف العقول عن آل الرسول _97 _

ثم حقوق الرعية :
  فأما حقوق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم فما أولى من كفاكه ضعفه وذله حتى صيره لك رعية وصير حكمك عليه نافذا لا يمتنع منك بعزة ولا قوة ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلا بالله بالرحمة والحياطة والأناة وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة التي قهرت بها أن تكون لله شاكرا ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه ولا قوة إلا بالله وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن الله قد جعلك لهم فيما آتاك من العلم وولاك من خزانة الحكمة فإن أحسنت فيما ولاك الله من ذلك وقمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه كنت راشدا وكنت لذلك آملا معتقدا وإلا كنت له خائنا ولخلقه ظالما ولسلبه وعزه متعرضا وأما حق رعيتك بملك النكاح فأن تعلم أن الله جعلها سكنا ومستراحا وأنسا وواقية وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية فإن لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لا بد من قضائها وذلك عظيم ولا قوة إلا بالله وأما حق رعيتك بملك اليمين فأن تعلم أنه خلق ربك ولحمك ودمك وأنك تملكه لا أنت صنعته دون الله ولا خلقت له سمعا ولا بصرا ولا أجريت له رزقا ولكن الله كفاك ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه لتحفظه فيه وتسير فيه بسيرته فتطعمه مما تأكل وتلبسه مما تلبس ولا تكلفه ما لا يطيق فإن كرهته خرجت إلى الله منه واستبدلت به ولم تعذب خلق الله ولا قوة إلا بالله .

وأما حق الرحم :
  فحق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة بذلك فرحة موابلة محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض فرضيت أن تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى وترويك وتظمأ وتظلك وتضحى وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء وحجرها لك حواء وثديها لك سقاء ونفسها لك وقاء تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك فتشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه وأما حق أبيك فتعلم أنه أصلك وأنك فرعه وأنك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه واحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسئول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه ولا قوة إلا بالله وأما حق أخيك فتعلم أنه يدك التي تبسطها وظهرك الذي تلتجئ إليه وعزك الذي تعتمد عليه وقوتك التي تصول بها فلا تتخذه سلاحا على معصية الله ولا عدة للظلم بحق الله ولا تدع نصرته على نفسه ومعونته على عدوه والحول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه والإقبال عليه في الله فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه وأما حق المنعم عليك بالولاء فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها وأطلقك من أسر الملكة وفك عنك حلق

تحف العقول عن آل الرسول _98 _

  العبودية وأوجدك رائحة العز وأخرجك من سجن القهر ودفع عنك العسر وبسط لك لسان الإنصاف وأباحك الدنيا كلها فملكك نفسك وحل أسرك وفرغك لعبادة ربك واحتمل بذلك التقصير في ماله فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولى رحمك في حياتك وموتك وأحق الخلق بنصرك ومعونتك ومكانفتك في ذات الله فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك وأما حق مولاك الجارية عليه نعمتك فأن تعلم أن الله جعلك حامية عليه وواقية وناصرا ومعقلا وجعله لك وسيلة وسببا بينك وبينه فبالحري أن يحجبك عن النار فيكون في ذلك ثواب منه في الآجل ويحكم لك بميراثه في العاجل إذا لم يكن له رحم مكافأة لما أنفقته من مالك عليه وقمت به من حقه بعد إنفاق مالك فإن لم تقم بحقه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه ولا قوة إلا بالله وأما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه وتنشر له المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته وإلا كنت مرصدا له موطنا نفسك عليها وأما حق المؤذن فأن تعلم أنه مذكرك بربك وداعيك إلى حظك وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك وإن كنت في بيتك مهتما لذلك لم تكن لله في أمره متهما وعلمت أنه نعمة من الله عليك لا شك فيها فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال ولا قوة إلا بالله وأما حق إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه قد تقلد السفارة فيما بينك وبين الله والوفادة إلى ربك وتكلم عنك ولم تتكلم عنه ودعا لك ولم تدع له وطلب فيك ولم تطلب فيه وكفاك هم المقام بين يدي الله والمساءلة له فيك ولم تكفه ذلك فإن كان في شي‏ء من ذلك تقصير كان به دونك وإن كان آثما لم تكن شريكه فيه ولم يكن له عليك فضل فوقى نفسك بنفسه ووقى صلاتك بصلاته فتشكر له على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله وأما حق الجليس فأن تلين له كنفك وتطيب له جانبك وتنصفه في مجاراة اللفظ ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار وإن كان الجالس إليك كان بالخيار ولا تقوم إلا بإذنه ولا قوة إلا بالله وأما حق الجار فحفظه غائبا وكرامته شاهدا ونصرته ومعونته في الحالين جميعا لا تتبع له عورة ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف كنت لما علمت حصنا حصينا وسترا ستيرا لو بحثت الأسنة عنه ضميرا لم تتصل إليه لانطوائه عليه لا تستمع عليه من حيث لا يعلم لا تسلمه عند شديدة ولا تحسده عند نعمة تقيل عثرته وتغفر زلته ولا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك ولا تخرج أن تكون سلما له ترد عنه لسان الشتيمة وتبطل فيه كيد حامل النصيحة وتعاشره معاشرة كريمة ولا حول ولا قوة إلا بالله وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلا وإلا فلا أقل من الإنصاف وأن تكرمه كما يكرمك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة فإن سبقك كافأته ولا تقصر به عما يستحق من المودة تلزم نفسك نصيحته وحياطته ومعاضدته على طاعة ربه ومعونته على نفسه فيما لا يهم به من معصية ربه ثم تكون عليه رحمة ولا تكون عليه عذابا ولا قوة إلا بالله وأما حق الشريك فإن غاب كفيته وإن حضر ساويته ولا تعزم على حكمك دون حكمه ولا تعمل برأيك دون مناظرته وتحفظ عليه ماله وتنفي عنه خيانته فيما عز أو هان فإنه بلغنا أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا ولا قوة إلا بالله وأما

تحف العقول عن آل الرسول _99 _

  حق المال فأن لا تأخذه إلا من حله ولا تنفقه إلا في حله ولا تحرفه عن مواضعه ولا تصرفه عن حقائقه ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه وسببا إلى الله ولا تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك وبالحري أن لا يحسن خلافته في تركتك ولا يعمل فيه بطاعة ربك فتكون معينا له على ذلك أو بما أحدث في مالك أحسن نظرا لنفسه فيعمل بطاعة ربه فيذهب بالغنيمة وتبوء بالإثم والحسرة والندامة مع التبعة ولا قوة إلا بالله وأما حق الغريم الطالب لك فإن كنت موسرا أوفيته وكفيته وأغنيته ولم تردده وتمطله فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال مطل الغني ظلم وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول وطلبت إليه طلبا جميلا ورددته عن نفسك ردا لطيفا ولم تجمع عليه ذهاب ماله وسوء معاملته فإن ذلك لؤم ولا قوة إلا بالله وأما حق الخليط فأن لا تغره ولا تغشه ولا تكذبه ولا تغفله ولا تخدعه ولا تعمل في انتقاضه عمل العدو الذي لا يبقى على صاحبه وإن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك وعلمت أن غبن المسترسل ربا ولا قوة إلا بالله وأما حق الخصم المدعي عليك فإن كان ما يدعي عليك حقا لم تنفسخ في حجته ولم تعمل في إبطال دعوته وكنت خصم نفسك له والحاكم عليها والشاهد له بحقه دون شهادة الشهود فإن ذلك حق الله عليك وإن كان ما يدعيه باطلا رفقت به وروعته وناشدته بدينه وكسرت حدته عنك بذكر الله وألقيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يرد عنك عادية عدوك بل تبوء بإثمه وبه يشحذ عليك سيف عداوته لأن لفظة السوء تبعث الشر والخير مقمعة للشر ولا قوة إلا بالله وأما حق الخصم المدعى عليه فإن كان ما تدعيه حقا أجملت في مقاولته بمخرج الدعوى فإن للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه وقصدت قصد حجتك بالرفق وأمهل المهلة وأبين البيان وألطف اللطف ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال فتذهب عنك حجتك ولا يكون لك في ذلك درك ولا قوة إلا بالله .
  وأما حق المنعم عليك بالولاء فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها وأطلقك من أسر الملكة وفك عنك .
    عدوه والحول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه والإقبال عليه في الله فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه .
  وأما حق المستشير فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به وذلك ليكن منك في رحمة ولين فإن اللين يؤنس الوحشة وإن الغلظ يوحش موضع الأنس وإن لم يحضرك له رأي وعرفت له من تثق برأيه وترضى به لنفسك دللته عليه وأرشدته إليه فكنت لم تأله خيرا ولم تدخره نصحا ولا حول ولا قوة إلا بالله وأما حق المشير عليك فلا تتهمه فيما لا يوافقك عليه من رأيه إذا أشار عليك فإنما هي الآراء وتصرف الناس فيها واختلافهم فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه فأما تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه وحسن وجه مشورته فإذا وافقك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك ولا قوة إلا بالله .

تحف العقول عن آل الرسول _100 _

   وأما حق المستنصح فإن حقه أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أنه يحمل وتخرج المخرج الذي يلين على مسامعه وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنبه وليكن مذهبك الرحمة ولا قوة إلا بالله وأما حق الناصح فأن تلين له جناحك ثم تشرئب له قلبك وتفتح له سمعك حتى تفهم عنه نصيحته ثم تنظر فيها فإن كان وفق فيها للصواب حمدت الله على ذلك وقبلت منه وعرفت له نصيحته وإن لم يكن وفق لها فيها رحمته ولم تتهمه وعلمت أنه لم يألك نصحا إلا أنه أخطأ إلا أن يكون عندك مستحقا للتهمة فلا تعبأ بشي‏ء من أمره على كل حال ولا قوة إلا بالله وأما حق الكبير فإن حقه توقير سنه وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق ولا تؤمه في طريق ولا تستجهله وإن جهل عليك تحملت وأكرمته بحق إسلامه مع سنه فإنما حق السن بقدر الإسلام ولا قوة إلا بالله وأما حق الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة والمداراة له وترك مماحكته فإن ذلك أدنى لرشده وأما حق السائل فإعطاؤه إذا تيقنت صدقه وقدرت على سد حاجته والدعاء له فيما نزل به والمعاونة له على طلبته وإن شككت في صدقه وسبقت إليه التهمة له ولم تعزم على ذلك لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدك عن حظك ويحول بينك وبين التقرب إلى ربك فتركته بستره ورددته ردا جميلا وإن غلبت نفسك في أمره وأعطيته على ما عرض في نفسك منه فإن ذلك من عزم الأمور وأما حق المسئول فحقه إن أعطى قبل منه ما أعطى بالشكر له والمعرفة لفضله وطلب وجه العذر في منعه وأحسن به الظن واعلم أنه إن منع فما له منع وأن ليس التثريب في ماله وإن كان ظالما فإن الإنسان لظلوم كفار .
  وأما حق من سرك الله به وعلى يديه فإن كان تعمدها لك حمدت الله أولا ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء وكافأته على فضل الابتداء وأرصدت له المكافأة وإن لم يكن تعمدها حمدت الله وشكرته وعلمت أنه منه توحدك بها وأحببت هذا إذ كان سببا من أسباب نعم الله عليك وترجو له بعد ذلك خيرا فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت وإن كان لم يتعمد ولا قوة إلا بالله وأما حق من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل فإن كان تعمدها كان العفو أولى بك لما فيه له من القمع وحسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق فإن الله يقول ( ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إلى قوله لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) وقال عز وجل ( وإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) هذا في العمد فإن لم يكن عمدا لم تظلمه بتعمد الانتصار منه فتكون قد كافأته في تعمد على خطإ ورفقت به ورددته بألطف ما تقدر عليه ولا قوة إلا بالله وأما حق أهل ملتك عامة فإضمار السلامة ونشر جناح الرحمة والرفق بمسيئهم وتألفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كف عنك أذاه وكفاك مئونته وحبس عنك نفسه فعمهم جميعا بدعوتك وانصرهم جميعا بنصرتك وأنزلتهم جميعا منك منازلهم كبيرهم بمنزلة الوالد وصغيرهم بمنزلة الولد وأوسطهم بمنزلة الأخ فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه وأما حق أهل الذمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأجبروا عليه وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حائل فإنه بلغنا أنه قال من ظلم معاهدا كنت خصمه فاتق الله ولا حول ولا قوة إلا بالله فهذه خمسون حقا محيطا بك لا تخرج منها في حال من الأحوال يجب عليك رعايتها والعمل في تأديتها والاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين .