وحضره ذات يوم جماعة من الشيعة فوعظهم وحذرهم وهم ساهون لاهون فأغاظه ذلك فأطرق مليا ثم رفع رأسه إليهم فقال إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتا ألا يا أشباحا بلا أرواح وذبابا بلا مصباح كأنكم خشب مسندة وأصنام مريدة أ لا تأخذون الذهب من الحجر أ لا تقتبسون الضياء من النور الأزهر أ لا تأخذون اللؤلؤ من البحر خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وإن لم يعمل بها فإن الله يقول ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ ) ويحك يا مغرور أ لا تحمد من تعطيه فانيا ويعطيك باقيا درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم آتاك الله عند مكافأة هو مطعمك وساقيك وكاسيك ومعافيك وكافيك وساترك ممن يراعيك من حفظك في ليلك ونهارك وأجابك عند اضطرارك وعزم لك على الرشد في اختبارك كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك دعوته فاستجاب لك فاستوجب بجميل صنيعه الشكر فنسيته فيمن ذكر وخالفته فيما أمر ويلك إنما أنت لص من لصوص الذنوب كلما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه فارتكبته كأنك لست بعين الله أو كان الله ليس لك بالمرصاد يا طالب الجنة ما أطول نومك وأكل مطيتك وأوهى همتك فلله أنت من طالب ومطلوب ويا هاربا من النار ما أحث مطيتك إليها وما أكسبك لما يوقعك فيها انظروا إلى هذه القبور سطورا بأفناء الدور تدانوا في خططهم وقربوا في مزارهم وبعدوا في لقائهم عمروا فخربوا وآنسوا فأوحشوا وسكنوا فأزعجوا وقطنوا فرحلوا فمن سمع بدان بعيد وشاحط قريب وعامر مخروب وآنس موحش وساكن مزعج وقاطن مرحل غير أهل القبور يا ابن الأيام الثلاث يومك الذي ولدت فيه ويومك الذي تنزل فيه قبرك ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك فيا له من يوم عظيم يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة ما لي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة أما والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه وما أنتم إليه صائرون لقلتم يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين قال جل من قائل ( بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) .
قال (عليه السلام) صانع المنافق بلسانك وأخلص مودتك للمؤمن وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته .
وقال ( عليه السلام ) ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم .
وقال ( عليه السلام ) الكمال كل الكمال التفقه في الدين والصبر على النائبة وتقدير المعيشة .
وقال ( عليه السلام ) والله المتكبر ينازع الله رداءه .
وقال ( عليه السلام ) يوما لمن حضره ما المروة فتكلموا فقال (عليه السلام) المروة أن لا تطمع فتذل وتسأل فتقل ولا تبخل فتشتم ولا تجهل فتخصم فقيل ومن يقدر على ذلك فقال ( عليه السلام ) من أحب أن يكون كالناظر في الحدقة والمسك في الطيب وكالخليفة في يومكم هذا في القدر .
وقال يوما رجل عنده اللهم أغننا عن جميع خلقك فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) لا تقل هكذا ولكن قل اللهم أغننا عن شرار خلقك فإن المؤمن لا يستغني عن أخيه .
وقال ( عليه السلام ) قم بالحق واعتزل ما لا يعنيك وتجنب عدوك واحذر صديقك من الأقوام إلا الأمين من خشي الله ولا تصحب الفاجر ولا تطلعه على سرك واستشر في أمرك الذين يخشون الله .
وقال ( عليه السلام ) صحبة عشرين سنة قرابة .
وقال (عليه السلام) ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتحلم إذا جهل عليك .
وقال ( عليه السلام ) الظلم ثلاثة ظلم لا يغفره الله وظلم يغفره الله وظلم لا يدعه الله فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك بالله وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله وأما الظلم الذي لا يدعه الله فالمداينة بين العباد .
وقال ( عليه السلام ) ما من عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في حاجته قضيت أو لم تقض إلا ابتلي بالسعي في حاجة من يأثم عليه ولا يؤجر وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله .
وقال (عليه السلام) في كل قضاء الله خير للمؤمن .
وقال (عليه السلام) إن الله كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة وأحب ذلك لنفسه إن الله جل ذكره يحب أن يسأل ويطلب ما عنده .
وقال (عليه السلام) من لم يجعل الله له من نفسه واعظا فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا .
وقال ( عليه السلام ) من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه .
وقال ( عليه السلام ) كم من رجل قد لقي رجلا فقال له كب الله عدوك وما له من عدو إلا الله .
وقال ( عليه السلام ) ثلاثة لا يسلمون الماشي إلى الجمعة والماشي خلف جنازة وفي بيت الحمام .
وقال ( عليه السلام ) عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد .
وقال ( عليه السلام ) لا يكون العبد عالما حتى لا يكون حاسدا لمن فوقه ولا محقرا لمن دونه .
تحف العقول عن آل الرسول _111_
وقال ( عليه السلام ) ما عرف الله من عصاه وأنشد .
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في الفعال بديعلو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن أحب مطيع .
وقال ( عليه السلام ) إنما مثل الحاجة إلى من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الأفعى أنت إليه محوج وأنت منها على خطر .
وقال ( عليه السلام ) ثلاث خصال لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز الله بها وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم وإن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمي أموالهم ويثرون وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها .
وقال ( عليه السلام ) لا يقبل عمل إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل ومن عرف دلته معرفته على العمل ومن لم يعرف فلا عمل له .
وقال ( عليه السلام ) إن الله جعل للمعروف أهلا من خلقه حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله ووجه لطلاب المعروف الطلب إليهم ويسر لهم قضاءه كما يسر الغيث للأرض المجدبة ليحييها ويحيي أهلها وإن الله جعل للمعروف أعداء من خلقه بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله وحظر على طلاب المعروف التوجه إليهم وحظر عليهم قضاءه كما يحظر الغيث عن الأرض المجدبة ليهلكها ويهلك أهلها وما يعفو الله عنه أكثر .
وقال ( عليه السلام ) اعرف المودة في قلب أخيك بما له في قلبك .
وقال ( عليه السلام ) الإيمان حب وبغض .
وقال ( عليه السلام ) ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء .
وقال ( عليه السلام ) أربع من كنوز البر كتمان الحاجة وكتمان الصدقة وكتمان الوجع وكتمان المصيبة .
وقال ( عليه السلام ) من صدق لسانه زكا عمله ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره بأهله زيد في عمره .
وقال ( عليه السلام) إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر من كسل لم يؤد حقا ومن ضجر لم يصبر على حق .
وقال ( عليه السلام ) من استفاد أخا في الله على إيمان بالله ووفاء بإخائه طلبا لمرضاة الله فقد استفاد شعاعا من نور الله وأمانا من عذاب الله وحجة يفلج بها يوم القيامة وعزا باقيا وذكرا ناميا لأن المؤمن من الله عز وجل لا موصول ولا مفصول قيل له ( عليه السلام ) ما معنى لا مفصول ولا موصول قال لا موصول به أنه هو ولا مفصول منه أنه من غيره .
تحف العقول عن آل الرسول _112 _
وقال ( عليه السلام ) كفى بالمرء غشا لنفسه أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه أو يعيب غيره بما لا يستطيع تركه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه .
وقال ( عليه السلام ) التواضع الرضا بالمجلس دون شرفه وأن تسلم على من لقيت وأن تترك المراء وإن كنت محقا .
وقال ( عليه السلام ) إن المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسيء به الظن .
وقال ( عليه السلام ) لابنه اصبر نفسك على الحق فإنه من منع شيئا في حق أعطي في باطل مثليه .
وقال ( عليه السلام ) من قسم له الخرق حجب عنه الإيمان .
وقال ( عليه السلام ) إن الله يبغض الفاحش المتفحش .
وقال ( عليه السلام ) إن لله عقوبات في القلوب والأبدان ضنك في المعيشة ووهن في العبادة وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب .
وقال ( عليه السلام ) إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الصابرون فيقوم فئام من الناس ثم ينادي مناد أين المتصبرون فيقوم فئام من الناس قلت جعلت فداك ما الصابرون والمتصبرون فقال ( عليه السلام ) الصابرون على أداء الفرائض والمتصبرون على ترك المحارم .
وقال ( عليه السلام ) يقول الله ابن آدم اجتنب ما حرمت عليك تكن من أورع الناس .
وقال ( عليه السلام ) أفضل العبادة عفة البطن والفرج .
وقال ( عليه السلام ) البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة وقربة من الله وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من الله .
وقال ( عليه السلام ) ما تذرع إلي بذريعة ولا توسل بوسيلة هي أقرب له إلى ما يحب من يد سالفة مني إليه أتبعتها أختها لتحسن حفظها وريها لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل وما سمحت لي نفسي برد بكر الحوائج .
وقال ( عليه السلام ) الحياء والإيمان مقرونان في قرن فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه .
وقال ( عليه السلام ) إن هذه الدنيا تعاطاها البر والفاجر وإن هذا الدين لا يعطيه الله إلا أهل خاصته .
وقال ( عليه السلام ) الإيمان إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل .
وقال ( عليه السلام ) الإيمان ما كان في القلب والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء والإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان .
وقال ( عليه السلام ) من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئا ومن علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ولا ينقص أولئك من أوزارهم شيئا .
وقال ( عليه السلام ) ليس من أخلاق المؤمن الملق والحسد إلا في طلب العلم .
تحف العقول عن آل الرسول _113_
وقال ( عليه السلام ) الكسل يضر بالدين والدنيا .
وقال ( عليه السلام ) لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ولو يعلم المسئول ما في المنع ما منع أحد أحدا .
وقال ( عليه السلام ) إن لله عبادا ميامين مياسير يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده مثل القطر ولله عباد ملاعين مناكيد لا يعيشون ولا يعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده مثل الجراد لا يقعون على شيء إلا أتوا عليه .
وقال (عليه السلام) قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم فإن الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين الفاحش المتفحش السائل الملحف ويحب الحيي الحليم العفيف المتعفف .
وقال ( عليه السلام ) إن الله يحب إفشاء السلام .
ما روي عن الإمام أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) :
وروي عن الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) في طوال هذه المعاني :
وصيته (عليه السلام) لعبد الله بن جندب :
روي أنه (عليه السلام) قال يا عبد الله لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلا أولياءنا ولقد جلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا ثم قال آه آه على قلوب حشيت نورا وإنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم والعدو الأعجم أنسوا بالله واستوحشوا مما به استأنس المترفون أولئك أوليائي حقا وبهم تكشف كل فتنة وترفع كل بلية يا ابن جندب حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه فإن رأى حسنة استزاد منها وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أوتوا من نعيم الدنيا وزهرتها طوبى لعبد طلب الآخرة وسعى لها طوبى لمن لم تلهه الأماني الكاذبة ثم قال (عليه السلام) رحم الله قوما كانوا سراجا ومنارا كانوا دعاة إلينا بأعمالهم ومجهود طاقتهم ليس كمن يذيع أسرارنا يا ابن جندب إنما المؤمنون الذين يخافون الله ويشفقون أن يسلبوا ما أعطوا من الهدى فإذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا وأشفقوا وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا مما أظهره من نفاذ قدرته وعلى ربهم يتوكلون يا ابن جندب قديما عمر الجهل وقوي أساسه وذلك لاتخاذهم دين الله لعبا حتى لقد كان المتقرب منهم إلى الله بعلمه يريد سواه أولئك هم الظالمون يا ابن جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة ولأظلهم الغمام ولأشرقوا نهارا ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولما سألوا الله شيئا إلا أعطاهم يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلا خيرا واستكينوا إلى الله في توفيقهم وسلوا التوبة لهم فكل من قصدنا
تحف العقول عن آل الرسول _114_
ووالانا ولم يوال عدونا وقال ما يعلم وسكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة يا ابن جندب يهلك المتكل على عمله ولا ينجو المجترئ على الذنوب الواثق برحمة الله قلت فمن ينجو قال الذين هم بين الرجاء والخوف كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقا إلى الثواب وخوفا من العذاب يا ابن جندب من سره أن يزوجه الله الحور العين ويتوجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور يا ابن جندب أقل النوم بالليل والكلام بالنهار فما في الجسد شيء أقل شكرا من العين واللسان فإن أم سليمان قالت لسليمان (عليه السلام) يا بني إياك والنوم فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم يا ابن جندب إن للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه ومصائده قلت يا ابن رسول الله وما هي قال أما مصائده فصد عن بر الإخوان وأما شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها الله أما إنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام إلى بر الإخوان وزيارتهم ويل للساهين عن الصلوات النائمين في الخلوات المستهزءين بالله وآياته في الفترات أولئك الذين لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم يا ابن جندب من أصبح مهموما لسوى فكاك رقبته فقد هون عليه الجليل ورغب من ربه في الربح الحقير ومن غش أخاه وحقره وناوأه جعل الله النار مأواه ومن حسد مؤمنا انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر وأحد وما عذب الله أمة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم لا تذهبن بكم المذاهب فو الله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة الإخوان في الله وليس من شيعتنا من يظلم الناس يا ابن جندب إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى بالسخاء والبذل للإخوان وبأن يصلوا الخمسين ليلا ونهارا شيعتنا لا يهرون هرير الكلب ولا يطمعون طمع الغراب ولا يجاورون لنا عدوا ولا يسألون لنا مبغضا ولو ماتوا جوعا شيعتنا لا يأكلون الجري ولا يمسحون على الخفين ويحافظون على الزوال ولا يشربون مسكرا قلت جعلت فداك فأين أطلبهم قال (عليه السلام) على رءوس الجبال وأطراف المدن وإذا دخلت مدينة فسل عمن لا يجاورهم ولا يجاورونه فذلك مؤمن كما قال الله ( وجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ) والله لقد كان حبيب النجار وحده يا ابن جندب كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك وكل البر مقبول إلا ما كان رئاء يا ابن جندب أحبب في الله واستمسك بالعروة الوثقى واعتصم بالهدى يقبل عملك فإن الله يقول ( إِلَّا مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) فلا يقبل إلا الإيمان ولا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بيقين ولا يقين إلا بالخشوع وملاكها كلها الهدى فمن اهتدى يقبل عمله وصعد إلى الملكوت متقبلا والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم يا ابن جندب إن أحببت أن تجاور الجليل في داره وتسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا واجعل الموت نصب عينك ولا تدخر شيئا لغد واعلم أن لك ما قدمت وعليك ما أخرت يا ابن جندب من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوه من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه وآخرته ويحفظ له ما غاب عنه وقد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا ولكل نعمة شكرا ولكل عسر يسرا صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال أو رزية فإنما يقبض عاريته ويأخذ هبته ليبلو فيهما صبرك وشكرك وارج الله رجاء لا يجريك على معصيته وخفه خوفا لا يؤيسك من رحمته ولا تغتر بقول الجاهل ولا بمدحه فتكبر وتجبر وتعجب
تحف العقول عن آل الرسول _115_
بعملك فإن أفضل العمل العبادة والتواضع فلا تضيع مالك وتصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك واقنع بما قسمه الله لك ولا تنظر إلا إلى ما عندك ولا تتمن ما لست تناله فإن من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع وخذ حظك من آخرتك ولا تكن بطرا في الغنى ولا جزعا في الفقر ولا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك ولا تكن واهنا يحقرك من عرفك ولا تشار من فوقك ولا تسخر بمن هو دونك ولا تنازع الأمر أهله ولا تطع السفهاء ولا تكن مهينا تحت كل أحد ولا تتكلن على كفاية أحد وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم واجعل قلبك قريبا تشاركه واجعل عملك والدا تتبعه واجعل نفسك عدوا تجاهده وعارية تردها فإنك قد جعلت طبيب نفسك وعرفت آية الصحة وبين لك الداء ودللت على الدواء فانظر قيامك على نفسك وإن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المن والذكر لها ولكن أتبعها بأفضل منها فإن ذلك أجمل بك في أخلاقك وأوجب للثواب في آخرتك وعليك بالصمت تعد حليما جاهلا كنت أو عالما فإن الصمت زين لك عند العلماء وستر لك عند الجهال يا ابن جندب إن عيسى ابن مريم (عليه السلام) قال لأصحابه أ رأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أ كان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها قالوا بل نرد عليها قال كلا بل تكشفون عنها كلها فعرفوا أنه مثل ضربه لهم فقيل يا روح الله وكيف ذلك قال الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها بحق أقول لكم إنكم لا تصيبون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون ولا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب وانظروا في عيوبكم كهيئة العبيد إنما الناس رجلان مبتلى ومعافى فارحموا المبتلى واحمدوا الله على العافية يا ابن جندب صل من قطعك وأعط من حرمك وأحسن إلى من أساء إليك وسلم على من سبك وأنصف من خاصمك واعف عمن ظلمك كما أنك تحب أن يعفى عنك فاعتبر بعفو الله عنك أ لا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين يا ابن جندب لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية على رءوس الأشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك واخفض الصوت إن ربك الذي يعلم ما تسرون وما تعلنون قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه وإذا صمت فلا تغتب أحدا ولا تلبسوا صيامكم بظلم ولا تكن كالذي يصوم رئاء الناس مغبرة وجوههم شعثة رءوسهم يابسة أفواههم لكي يعلم الناس أنهم صيامى يا ابن جندب الخير كله أمامك وإن الشر كله أمامك ولن ترى الخير والشر إلا بعد الآخرة لأن الله جل وعز جعل الخير كله في الجنة والشر كله في النار لأنهما الباقيان والواجب على من وهب الله له الهدى وأكرمه بالإيمان وألهمه رشده وركب فيه عقلا يتعرف به نعمه وآتاه علما وحكما يدبر به أمر دينه ودنياه أن يوجب على نفسه أن يشكر الله ولا يكفره وأن يذكر الله ولا ينساه وأن يطيع الله ولا يعصيه للقديم الذي تفرد له بحسن النظر وللحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه مخلوقا وللجزيل الذي وعده والفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاقته وما يعجز عن القيام به وضمن له العون على تيسير ما حمله من ذلك وندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه وهو معرض عما أمره وعاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه وبين ربه متقلدا لهواه ماضيا في شهواته مؤثرا لدنياه على آخرته وهو في ذلك يتمنى جنان الفردوس وما ينبغي لأحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الأبرار أما إنه لو وقعت الواقعة وقامت القيامة وجاءت الطامة ونصب الجبار الموازين لفصل القضاء وبرز الخلائق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة والكرامة وبمن تحل الحسرة والندامة فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الآخرة يا ابن جندب قال الله جل وعز
تحف العقول عن آل الرسول _116_
في بعض ما أوحى إنما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي ويقطع نهاره بذكري ولا يتعظم على خلقي ويطعم الجائع ويكسو العاري ويرحم المصاب ويؤوي الغريب فذلك يشرق نوره مثل الشمس أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما أكلؤه بعزتي وأستحفظه ملائكتي يدعوني فألبيه ويسألني فأعطيه فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها ولا تتغير عن حالها .
يا ابن جندب الإسلام عريان فلباسه الحياء وزينته الوقار ومروءته العمل الصالح وعماده الورع ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت يا ابن جندب إن لله تبارك وتعالى سورا من نور محفوفا بالزبرجد والحرير منجدا بالسندس والديباج يضرب هذا السور بين أوليائنا وبين أعدائنا فإذا غلى الدماغ وبلغت القلوب الحناجر ونضجت الأكباد من طول الموقف أدخل في هذا السور أولياء الله فكانوا في أمن الله وحرزه لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وأعداء الله قد ألجمهم العرق وقطعهم الفرق وهم ينظرون إلى ما أعد الله لهم فيقولون ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار فينظر إليهم أولياء الله فيضحكون منهم فذلك قوله عز وجل ( أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ وقوله فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ ) فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغير حساب .
وصيته (عليه السلام) لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول :
قال أبو جعفر قال لي الصادق (عليه السلام) إن الله جل وعز عير أقواما في القرآن بالإذاعة فقلت له جعلت فداك أين قال قال قوله ( وإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ ) ثم قال المذيع علينا سرنا كالشاهر بسيفه علينا رحم الله عبدا سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه والله إني لأعلم بشراركم من البيطار بالدواب شراركم الذين لا يقرءون القرآن إلا هجرا ولا يأتون الصلاة إلا دبرا ولا يحفظون ألسنتهم اعلم أن الحسن بن علي (عليه السلام) لما طعن واختلف الناس عليه سلم الأمر لمعاوية فسلمت عليه الشيعة عليك السلام يا مذل المؤمنين فقال (عليه السلام) ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معز المؤمنين إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم يا ابن النعمان إني لأحدث الرجل منكم بحديث فيتحدث به عني فأستحل بذلك لعنته والبراءة منه فإن أبي كان يقول وأي شيء أقر للعين من التقية إن التقية جنة المؤمن ولو لا التقية ما عبد الله وقال الله عز وجل ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ومَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً ) .
يا ابن النعمان إياك والمراء فإنه يحبط عملك وإياك والجدال فإنه يوبقك وإياك وكثرة الخصومات فإنها تبعدك من الله ثم قال إن من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت وأنتم تتعلمون الكلام كان أحدهما إذا أراد التعبد يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين فإن كان يحسنه ويصبر عليه تعبد وإلا قال ما أنا
تحف العقول عن آل الرسول _117_
لما أروم بأهل إنما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء وصبر في دولة الباطل على الأذى أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا وهم المؤمنون إن أبغضكم إلي المتراسون المشاءون بالنمائم الحسدة لإخوانهم ليسوا مني ولا أنا منهم إنما أوليائي الذين سلموا لأمرنا واتبعوا آثارنا واقتدوا بنا في كل أمورنا ثم قال والله لو قدم أحدكم ملء الأرض ذهبا على الله ثم حسد مؤمنا لكان ذلك الذهب مما يكوى به في النار يا ابن النعمان إن المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزرا بل هو أعظم وزرا بل هو أعظم وزرا يا ابن النعمان إنه من روى علينا حديثا فهو ممن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطأ يا ابن النعمان إذا كانت دولة الظلم فامش واستقبل من تتقيه بالتحية فإن المتعرض للدولة قاتل نفسه وموبقها إن الله يقول ( ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) يا ابن النعمان إنا أهل بيت لا يزال الشيطان يدخل فينا من ليس منا ولا من أهل ديننا فإذا رفعه ونظر إليه الناس أمره الشيطان فيكذب علينا وكلما ذهب واحد جاء آخر يا ابن النعمان من سئل عن علم فقال لا أدري فقد ناصف العلم والمؤمن يحقد ما دام في مجلسه فإذا قام ذهب عنه الحقد يا ابن النعمان إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم لأنه سر الله الذي أسره إلى جبرئيل (عليه السلام) وأسره جبرئيل (عليه السلام) إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسره محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي (عليه السلام) وأسره علي (عليه السلام) إلى الحسن (عليه السلام) وأسره الحسن (عليه السلام) إلى الحسين (عليه السلام) وأسره الحسين (عليه السلام) إلى علي (عليه السلام) وأسره علي (عليه السلام) إلى محمد (عليه السلام) وأسره محمد (عليه السلام) إلى من أسره فلا تعجلوا فو الله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذعتموه فأخره الله والله ما لكم سر إلا وعدوكم أعلم به منكم يا ابن النعمان أبق على نفسك فقد عصيتني لا تذع سري فإن المغيرة بن سعيد كذب على أبي وأذاع سره فأذاقه الله حر الحديد وإن أبا الخطاب كذب علي وأذاع سري فأذاقه الله حر الحديد ومن كتم أمرنا زينه الله به في الدنيا والآخرة وأعطاه حظه ووقاه حر الحديد وضيق المحابس إن بني إسرائيل قحطوا حتى هلكت المواشي والنسل فدعا الله موسى بن عمران (عليه السلام) فقال يا موسى إنهم أظهروا الزنا والربا وعمروا الكنائس وأضاعوا الزكاة فقال إلهي تحنن برحمتك عليهم فإنهم لا يعقلون فأوحى الله إليه أني مرسل قطر السماء ومختبرهم بعد أربعين يوما فأذاعوا ذلك وأفشوه فحبس عنهم القطر أربعين سنة وأنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم يا أبا جعفر ما لكم وللناس كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى هذا الأمر فو الله لو أن أهل السماوات والأرض اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا أن يضلوه كفوا عن الناس ولا يقل أحدكم أخي وعمي وجاري فإن الله جل وعز إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه فلا يسمع معروفا إلا عرفه ولا منكرا إلا أنكره ثم قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره يا ابن النعمان إن أردت أن يصفو لك ود أخيك فلا تمازحنه ولا تمارينه ولا تباهينه ولا تشارنه ولا تطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرك فإن الصديق قد يكون عدوك يوما يا ابن النعمان لا يكون العبد مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث سنن سنة من الله وسنة من رسوله وسنة من الإمام فأما السنة من الله جل وعز فهو أن يكون كتوما للأسرار يقول الله جل ذكره ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ) وأما التي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو أن يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق الحنيفية وأما التي من الإمام فالصبر في البأساء والضراء حتى يأتيه الله بالفرج يا ابن النعمان ليست البلاغة بحدة اللسان ولا بكثرة الهذيان ولكنها إصابة المعنى وقصد الحجة .
تحف العقول عن آل الرسول _118_
رسالته (عليه السلام) إلى جماعة شيعته وأصحابه :
أما بعد فسلوا ربكم العافية وعليكم بالدعة والوقار والسكينة والحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون منكم وعليكم بمجاملة أهل الباطل تحملوا الضيم منهم وإياكم ومماظتهم دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم بالتقية التي أمركم الله بها فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم ويعرفون في وجوهكم المنكر ولو لا أن الله يدفعهم عنكم لسطوا بكم وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم مجالسكم ومجالسهم واحدة وإن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل أصل الخلق مؤمنا لم يمت حتى يكره إليه الشر ويباعده منه ومن كره الله إليه الشر وباعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية فلانت عريكته وحسن خلقه وطلق وجهه وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشعه وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء وإن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل أصل الخلق كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقربه منه فإذا حبب إليه الشر وقربه منه ابتلي بالكبر والجبرية فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها فبعد ما بين حال المؤمن والكافر فسلوا الله العافية واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله أكثروا من الدعاء فإن الله يحب من عباده الذين يدعونه وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فإن الله أمر بكثرة الذكر له والله ذاكر من ذكره من المؤمنين إن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وعليكم بحب المساكين المسلمين فإن من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم واعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس أشد مقتا فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم فإن الله أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بحبهم فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين إياكم والعظمة والكبر فإن الكبر رداء الله فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة إياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله إياكم أن يحسد بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم يدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة إياكم أن تشره نفوسكم إلى شيء مما حرم الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه هاهنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين .
تحف العقول عن آل الرسول _119_
ومن كلامه (عليه السلام) سماه بعض الشيعة نثر الدرر :
الاستقصاء فرقة الانتقاد عداوة قلة الصبر فضيحة إفشاء السر سقوط السخاء فطنة اللوم تغافل ثلاثة من تمسك بهن نال من الدنيا والآخرة بغيته من اعتصم بالله ورضي بقضاء الله وأحسن الظن بالله ثلاثة من فرط فيهن كان محروما استماحة جواد ومصاحبة عالم واستمالة سلطان ثلاثة تورث المحبة الدين والتواضع والبذل من برئ من ثلاثة نال ثلاثة من برئ من الشر نال العز ومن برئ من الكبر نال الكرامة ومن برئ من البخل نال الشرف ثلاثة مكسبة للبغضاء النفاق والظلم والعجب ومن لم تكن فيه خصلة من ثلاثة لم يعد نبيلا من لم يكن له عقل يزينه أو جدة تغنيه أو عشيرة تعضده ثلاثة تزري بالمرء الحسد والنميمة والطيش ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثة مواطن لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا عند الحرب ولا أخ إلا عند الحاجة ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان احذر من الناس ثلاثة الخائن والظلوم والنمام لأن من خان لك خانك ومن ظلم لك سيظلمك ومن نم إليك سينم عليك لا يكون الأمين أمينا حتى يؤتمن على ثلاثة فيؤديها على الأموال والأسرار والفروج وإن حفظ اثنين وضيع واحدة فليس بأمين لا تشاور أحمق ولا تستعن بكذاب ولا تثق بمودة ملول فإن الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب والأحمق يجهد لك نفسه ولا يبلغ ما تريد والملول أوثق ما كنت به خذلك وأوصل ما كنت له قطعك أربعة لا تشبع من أربعة أرض من مطر وعين من نظر وأنثى من ذكر وعالم من علم أربعة تهرم قبل أوان الهرم أكل القديد والقعود على النداوة والصعود في الدرج ومجامعة العجوز النساء ثلاث فواحدة لك وواحدة لك وعليك وواحدة عليك لا لك فأما التي هي لك فالمرأة العذراء وأما التي هي لك وعليك فالثيب وأما التي هي عليك لا لك فهي المتبع التي لها ولد من غيرك ثلاث من كن فيه كان سيدا كظم الغيظ والعفو عن المسيء والصلة بالنفس والمال ثلاثة لا بد لهم من ثلاث لا بد للجواد من كبوة وللسيف من نبوة وللحليم من هفوة ثلاثة فيهن البلاغة التقرب من معنى البغية والتبعد من حشو الكلام والدلالة بالقليل على الكثير النجاة في ثلاث تمسك عليك لسانك ويسعك بيتك وتندم على خطيئتك الجهل في ثلاث في تبدل الإخوان والمنابذة بغير بيان والتجسس عما لا يعني ثلاث من كن فيه كن عليه المكر والنكث والبغي وذلك قول الله ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ وقال جل وعز فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وقال يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي قصر الهمة وقلة الحيلة وضعف الرأي الحزم في ثلاثة الاستخدام للسلطان والطاعة للوالد والخضوع للمولى الأنس في ثلاث في الزوجة الموافقة والولد البار والصديق المصافي من رزق ثلاثا نال ثلاثا وهو الغنى الأكبر القناعة بما أعطي واليأس مما في أيدي الناس وترك الفضول لا يكون الجواد جوادا إلا بثلاثة يكون سخيا بماله على حال اليسر والعسر وأن يبذله للمستحق ويرى أن الذي أخذه من شكر الذي أسدى إليه أكثر مما أعطاه ثلاثة لا يعذر المرء فيها مشاورة ناصح ومداراة حاسد والتحبب إلى الناس لا يعد العاقل عاقلا حتى يستكمل ثلاثا إعطاء الحق من نفسه على حال الرضا والغضب وأن يرضى للناس ما يرضى لنفسه واستعمال الحلم عند العثرة لا تدوم النعم إلا بعد ثلاث معرفة بما يلزم لله سبحانه فيها وأداء شكرها والتعب فيها ثلاث من ابتلي بواحدة منهن تمنى الموت فقر متتابع وحرمة فاضحة وعدو غالب .
تحف العقول عن آل الرسول _120_
من لم يرغب في ثلاث ابتلي بثلاث من لم يرغب في السلامة ابتلي بالخذلان ومن لم يرغب في المعروف ابتلي بالندامة ومن لم يرغب في الاستكثار من الإخوان ابتلي بالخسران ثلاث يجب على كل إنسان تجنبها مقارنة الأشرار ومحادثة النساء ومجالسة أهل البدع ثلاثة تدل على كرم المرء حسن الخلق وكظم الغيظ وغض الطرف من وثق بثلاثة كان مغرورا من صدق بما لا يكون وركن إلى من لا يثق به وطمع في ما لا يملك ثلاثة من استعملها أفسد دينه ودنياه من أساء ظنه وأمكن من سمعه وأعطى قيادة حليلته أفضل الملوك من أعطي ثلاث خصال الرأفة والجود والعدل وليس يحب للملوك أن يفرطوا في ثلاث في حفظ الثغور وتفقد المظالم واختيار الصالحين لأعمالهم ثلاث خلال تجب للملوك على أصحابهم ورعيتهم الطاعة لهم والنصيحة لهم في المغيب والمشهد والدعاء بالنصر والصلاح ثلاثة تجب على السلطان للخاصة والعامة مكافأة المحسن بالإحسان ليزدادوا رغبة فيه وتغمد ذنوب المسيء ليتوب ويرجع عن غيه وتألفهم جميعا بالإحسان والإنصاف ثلاثة أشياء من احتقرها من الملوك وأهملها تفاقمت عليه خامل قليل الفضل شذ عن الجماعة وداعية إلى بدعة جعل جنته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهل بلد جعلوا لأنفسهم رئيسا يمنع السلطان من إقامة الحكم فيهم العاقل لا يستخف بأحد وأحق من لا يستخف به ثلاثة العلماء والسلطان والإخوان لأنه من استخف بالعلماء أفسد دينه ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه ومن استخف بالإخوان أفسد مروته وجدنا بطانة السلطان ثلاث طبقات طبقة موافقة للخير وهي بركة عليها وعلى السلطان وعلى الرعية وطبقة غايتها المحاماة على ما في أيديها فتلك لا محمودة ولا مذمومة بل هي إلى الذم أقرب وطبقة موافقة للشر وهي مشئومة مذمومة عليها وعلى السلطان ثلاثة أشياء يحتاج الناس طرا إليها الأمن والعدل والخصب ثلاثة تكدر العيش السلطان الجائر والجار السوء والمرأة البذية لا تطيب السكنى إلا بثلاث الهواء الطيب والماء الغزير العذب والأرض الخوارة ثلاثة تعقب الندامة المباهاة والمفاخرة والمعازة ثلاثة مركبة في بني آدم الحسد والحرص والشهوة من كانت فيه خلة من ثلاثة انتظمت فيه ثلاثتها في تفخيمه وهيبته وجماله من كان له ورع أو سماحة أو شجاعة ثلاث خصال من رزقها كان كاملا العقل والجمال والفصاحة ثلاثة تقضى لهم بالسلامة إلى بلوغ غايتهم المرأة إلى انقضاء حملها والملك إلى أن ينفد عمره والغائب إلى حين إيابه ثلاثة تورث الحرمان الإلحاح في المسألة والغيبة والهزء ثلاثة تعقب مكروها حملة البطل في الحرب في غير فرصة وإن رزق الظفر وشرب الدواء من غير علة وإن سلم منه والتعرض للسلطان وإن ظفر الطالب بحاجته منه ثلاث خلال يقول كل إنسان أنه على صواب منها دينه الذي يعتقده وهواه الذي يستعلي عليه وتدبيره في أموره الناس كلهم ثلاث طبقات سادة مطاعون وأكفاء متكافون وأناس متعادون قوام الدنيا بثلاثة أشياء النار والملح والماء من طلب ثلاثة بغير حق حرم ثلاثة بحق من طلب الدنيا بغير حق حرم الآخرة بحق ومن طلب الرئاسة بغير حق حرم الطاعة له بحق ومن طلب المال بغير حق حرم بقاءه له بحق ثلاثة لا ينبغي للمرء الحازم أن يتقدم عليها شرب السم للتجربة وإن نجا منه وإفشاء السر إلى القرابة الحاسد وإن نجا منه وركوب البحر وإن كان الغنى فيه لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة يفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم فإن عدموا ذلك كانوا همجا فقيه عالم ورع وأمير خير مطاع وطبيب بصير ثقة يمتحن الصديق بثلاث خصال فإن كان مؤاتيا
تحف العقول عن آل الرسول _121_
فيها فهو الصديق المصافي وإلا كان صديق رخاء لا صديق شدة تبتغي منه مالا أو تأمنه على مال أو تشاركه في مكروه إن يسلم الناس من ثلاثة أشياء كانت سلامة شاملة لسان السوء ويد السوء وفعل السوء إذا لم تكن في المملوك خصلة من ثلاث فليس لمولاه في إمساكه راحة دين يرشده أو أدب يسوسه أو خوف يردعه إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها وإن لم يكن في طبعه ذلك معاشرة جميلة وسعة بتقدير وغيرة بتحصن كل ذي صناعة مضطر إلى ثلاث خلال يجتلب بها المكسب وهو أن يكون حاذقا بعمله مؤديا للأمانة فيه مستميلا لمن استعمله ثلاث من ابتلي بواحدة منهن كان طائح العقل نعمة مولية وزوجة فاسدة وفجيعة بحبيب جبلت الشجاعة على ثلاث طبائع لكل واحدة منهن فضيلة ليست للأخرى السخاء بالنفس والأنفة من الذل وطلب الذكر فإن تكاملت في الشجاع كان البطل الذي لا يقام لسبيله والموسوم بالإقدام في عصره وإن تفاضلت فيه بعضها على بعض كانت شجاعته في ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر وأشد إقداما ويجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء شكرهما على كل حال وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه في غير معصية الله ونصيحتهما في السر والعلانية وتجب للولد على والده ثلاث خصال اختياره لوالدته وتحسين اسمه والمبالغة في تأديبه تحتاج الإخوة فيما بينهم إلى ثلاثة أشياء فإن استعملوها وإلا تباينوا وتباغضوا وهي التناصف والتراحم ونفي الحسد إذا لم تجتمع القرابة على ثلاثة أشياء تعرضوا لدخول الوهن عليهم وشماتة الأعداء بهم وهي ترك الحسد فيما بينهم لئلا يتحزبوا فيتشتت أمرهم والتواصل ليكون ذلك حاديا لهم على الألفة والتعاون لتشملهم العزة لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها وحسن خلقه معها واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهن صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه وحياطته ليكون ذلك عاطفا عليها عند زلة تكون منها وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه لا يتم المعروف إلا بثلاث خلال تعجيله وتقليل كثيره وترك الامتنان به والسرور في ثلاث خلال في الوفاء ورعاية الحقوق والنهوض في النوائب ثلاثة يستدل بها على إصابة الرأي حسن اللقاء وحسن الاستماع وحسن الجواب الرجال ثلاثة عاقل وأحمق وفاجر فالعاقل إن كلم أجاب وإن نطق أصاب وإن سمع وعى والأحمق إن تكلم عجل وإن حدث ذهل وإن حمل على القبيح فعل والفاجر إن ائتمنته خانك وإن حدثته شانك الإخوان ثلاثة فواحد كالغذاء الذي يحتاج إليه كل وقت فهو العاقل والثاني في معنى الداء وهو الأحمق والثالث في معنى الدواء فهو اللبيب ثلاثة أشياء تدل على عقل فاعلها الرسول على قدر من أرسله والهدية على قدر مهديها والكتاب على قدر كاتبه العلم ثلاثة آية محكمة وفريضة عادلة وسنة قائمة الناس ثلاثة جاهل يأبى أن يتعلم وعالم قد شفه علمه وعاقل يعمل لدنياه وآخرته ثلاثة ليس معهن غربة حسن الأدب وكف الأذى ومجانبة الريب الأيام ثلاثة فيوم مضى لا يدرك ويوم الناس فيه فينبغي أن يغتنموه وغدا إنما في أيديهم أمله من لم تكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه الإيمان حلم يرد به جهل الجاهل وورع يحجزه عن طلب المحارم وخلق يداري به الناس ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان من إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل ومن إذا قدر عفا ثلاث خصال يحتاج إليها صاحب الدنيا الدعة من غير توان والسعة مع قناعة والشجاعة من غير كسل ثلاثة أشياء لا ينبغي للعاقل أن ينساهن على كل حال فناء الدنيا وتصرف الأحوال والآفات التي لا أمان لها ثلاثة أشياء لا ترى كاملة في واحد قط الإيمان والعقل والاجتهاد الإخوان ثلاثة مواس بنفسه وآخر مواس
تحف العقول عن آل الرسول _122_
بماله وهما الصادقان في الإخاء وآخر يأخذ منك البلغة ويريدك لبعض اللذة فلا تعده من أهل الثقة لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث الفقه في الدين وحسن التقدير في المعيشة والصبر على الرزايا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
كلامه (عليه السلام) في وصف المحبة لأهل البيت والتوحيد والإيمان والإسلام والكفر والفسق :
دخل عليه رجل فقال (عليه السلام) له ممن الرجل فقال من محبيكم ومواليكم فقال له جعفر (عليه السلام) لا يحب الله عبد حتى يتولاه ولا يتولاه حتى يوجب له الجنة ثم قال له من أي محبينا أنت فسكت الرجل فقال له سدير وكم محبوكم يا ابن رسول الله فقال على ثلاث طبقات طبقة أحبونا في العلانية ولم يحبونا في السر وطبقة يحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية وطبقة يحبونا في السر والعلانية هم النمط الأعلى شربوا من العذب الفرات وعلموا تأويل الكتاب وفصل الخطاب وسبب الأسباب فهم النمط الأعلى الفقر والفاقة وأنواع البلاء أسرع إليهم من ركض الخيل مستهم البأساء والضراء وزلزلوا وفتنوا فمن بين مجروح ومذبوح متفرقين في كل بلاد قاصية بهم يشفي الله السقيم ويغني العديم وبهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون وهم الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا وخطرا والطبقة الثانية النمط الأسفل أحبونا في العلانية وساروا بسيرة الملوك فألسنتهم معنا وسيوفهم علينا والطبقة الثالثة النمط الأوسط أحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية ولعمري لئن كانوا أحبونا في السر دون العلانية فهم الصوامون بالنهار القوامون بالليل ترى أثر الرهبانية في وجوههم أهل سلم وانقياد قال الرجل فأنا من محبيكم في السر والعلانية قال جعفر (عليه السلام) إن لمحبينا في السر والعلانية علامات يعرفون بها قال الرجل وما تلك العلامات قال (عليه السلام) تلك خلال أولها أنهم عرفوا التوحيد حق معرفته وأحكموا علم توحيده والإيمان بعد ذلك بما هو وما صفته ثم علموا حدود الإيمان وحقائقه وشروطه وتأويله قال سدير يا ابن رسول الله ما سمعتك تصف الإيمان بهذه الصفة قال نعم يا سدير ليس للسائل أن يسأل عن الإيمان ما هو حتى يعلم الإيمان بمن قال سدير يا ابن رسول الله إن رأيت أن تفسر ما قلت قال الصادق (عليه السلام) من زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك ومن زعم أنه يعرف الله بالاسم دون المعنى فقد أقر بالطعن لأن الاسم محدث ومن زعم أنه يعبد الاسم والمعنى فقد جعل مع الله شريكا ومن زعم أنه يعبد المعنى بالصفة لا بالإدراك فقد أحال على غائب ومن زعم أنه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد لأن الصفة غير الموصوف ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر بالكبير وما قدروا الله حق قدره قيل له فكيف سبيل التوحيد قال (عليه السلام) باب البحث ممكن وطلب المخرج موجود إن معرفة عين الشاهد قبل صفته ومعرفة صفة الغائب قبل عينه قيل وكيف نعرف عين الشاهد قبل صفته قال (عليه السلام) تعرفه وتعلم علمه وتعرف نفسك به ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك وتعلم أن ما فيه له وبه كما قالوا ليوسف إنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي فعرفوه به ولم يعرفوه بغيره ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب أ ما ترى الله يقول ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها يقول ليس لكم أن تنصبوا إماما من قبل أنفسكم تسمونه محقا بهوى أنفسكم وإرادتكم ثم قال الصادق (عليه السلام) ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم من أنبت شجرة لم ينبته الله يعني من نصب إماما لم ينصبه الله أو جحد من نصبه الله ومن زعم أن لهذين سهما في الإسلام وقد قال الله ( ورَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) .
تحف العقول عن آل الرسول _123_
صفة الإيمان :
قال (عليه السلام) معنى صفة الإيمان الإقرار والخضوع لله بذل الإقرار والتقرب إليه به والأداء له بعلم كل مفروض من صغير أو كبير من حد التوحيد فما دونه إلى آخر باب من أبواب الطاعة أولا فأولا مقرون ذلك كله بعضه إلى بعض موصول بعضه ببعض فإذا أدى العبد ما فرض عليه مما وصل إليه على صفة ما وصفناه فهو مؤمن مستحق لصفة الإيمان مستوجب للثواب وذلك أن معنى جملة الإيمان الإقرار ومعنى الإقرار التصديق بالطاعة فلذلك ثبت أن الطاعة كلها صغيرها وكبيرها مقرونة بعضها إلى بعض فلا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلا بترك ما استحق أن يكون به مؤمنا وإنما استوجب واستحق اسم الإيمان ومعناه بأداء كبار الفرائض موصولة وترك كبار المعاصي واجتنابها وإن ترك صغار الطاعة وارتكب صغار المعاصي فليس بخارج من الإيمان ولا تارك له ما لم يترك شيئا من كبار الطاعة ولم يرتكب شيئا من كبار المعاصي فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن لقول الله( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ونُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً ) يعني المغفرة ما دون الكبائر فإن هو ارتكب كبيرة من كبائر المعاصي كان مأخوذا بجميع المعاصي صغارها وكبارها معاقبا عليها معذبا بها فهذه صفة الإيمان وصفة المؤمن المستوجب للثواب .
صفة الإسلام :
وأما معنى صفة الإسلام فهو الإقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم والأداء له فإذا أقر المقر بجميع الطاعة في الظاهر من غير العقد عليه بالقلوب فقد استحق اسم الإسلام ومعناه واستوجب الولاية الظاهرة وإجازة شهادته والمواريث وصار له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين فهذه صفة الإسلام وفرق ما بين المسلم والمؤمن أن المسلم إنما يكون مؤمنا أن يكون مطيعا في الباطن مع ما هو عليه في الظاهر فإذا فعل ذلك بالظاهر كان مسلما وإذا فعل ذلك بالظاهر والباطن بخضوع وتقرب بعلم كان مؤمنا فقد يكون العبد مسلما ولا يكون مؤمنا إلا وهو مسلم .
صفة الخروج من الإيمان :
وقد يخرج من الإيمان بخمس جهات من الفعل كلها متشابهات معروفات الكفر والشرك والضلال والفسق وركوب الكبائر فمعنى الكفر كل معصية عصى الله بها بجهة الجحد والإنكار والاستخفاف والتهاون في كل ما دق وجل وفاعله كافر ومعناه معنى كفر من أي ملة كان ومن أي فرقة كان بعد أن تكون منه معصية بهذه الصفات فهو كافر ومعنى الشرك كل معصية عصى الله بها بالتدين فهو مشرك صغيرة كانت المعصية أو كبيرة ففاعلها مشرك ومعنى الضلال الجهل بالمفروض وهو أن يترك كبيرة من كبائر الطاعة التي لا يستحق العبد الإيمان إلا بها بعد ورود البيان فيها والاحتجاج بها فيكون التارك لها تاركا بغير جهة الإنكار والتدين
تحف العقول عن آل الرسول _124_
بإنكارها وجحودها ولكن يكون تاركا على جهة التواني والإغفال والاشتغال بغيرها فهو ضال متنكب عن طريق الإيمان جاهل به خارج منه مستوجب لاسم الضلالة ومعناها ما دام بالصفة التي وصفناه بها فإن كان هو الذي مال بهواه إلى وجه من وجوه المعصية بجهة الجحود والاستخفاف والتهاون كفر وإن هو مال بهواه إلى التدين بجهة التأويل والتقليد والتسليم والرضا بقول الآباء والأسلاف فقد أشرك وقلما يلبث الإنسان على ضلالة حتى يميل بهواه إلى بعض ما وصفناه من صفته ومعنى الفسق فكل معصية من المعاصي الكبار فعلها فاعل أو دخل فيها داخل بجهة اللذة والشهوة والشوق الغالب فهو فسق وفاعله فاسق خارج من الإيمان بجهة الفسق فإن دام في ذلك حتى يدخل في حد التهاون والاستخفاف فقد وجب أن يكون بتهاونه واستخفافه كافرا ومعنى راكب الكبائر التي بها يكون فساد إيمانه فهو أن يكون منهمكا على كبائر المعاصي بغير جحود ولا تدين ولا لذة ولا شهوة ولكن من جهة الحمية والغضب يكثر القذف والسب والقتل وأخذ الأموال وحبس الحقوق وغير ذلك من المعاصي الكبائر التي يأتيها صاحبها بغير جهة اللذة ومن ذلك الأيمان الكاذبة وأخذ الربا وغير ذلك التي يأتيها من أتاها بغير استلذاذ والخمر والزنا واللهو ففاعل هذه الأفعال كلها مفسد للإيمان خارج منه من جهة ركوبه الكبيرة على هذه الجهة غير مشرك ولا كافر ولا ضال جاهل على ما وصفناه من جهة الجهالة فإن هو مال بهواه إلى أنواع ما وصفناه من حد الفاعلين كان من صنفه .
جوابه (عليه السلام) عن جهات معايش العباد ووجوه إخراج الأموال :
سأله سائل فقال كم جهات معايش العباد التي فيها الاكتساب أو التعامل بينهم ووجوه النفقات فقال (عليه السلام) جميع المعايش كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم مما يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات من المعاملات فقال له أ كل هؤلاء الأربعة الأجناس حلال أو كلها حرام أو بعضها حلال وبعضها حرام فقال (عليه السلام) قد يكون في هؤلاء الأجناس الأربعة حلال من جهة حرام من جهة وهذه الأجناس مسميات معروفات الجهات فأول هذه الجهات الأربعة الولاية وتولية بعضهم على بعض فالأول ولاية الولاة وولاة الولاة إلى أدناهم بابا من أبواب الولاية على من هو وال عليه ثم التجارة في جميع البيع والشراء بعضهم من بعض ثم الصناعات في جميع صنوفها ثم الإجارات في كل ما يحتاج إليه من الإجارات وكل هذه الصنوف تكون حلالا من جهة وحراما من جهة والفرض من الله على العباد في هذه المعاملات الدخول في جهات الحلال منها والعمل بذلك الحلال واجتناب جهات الحرام منها .
تفسير معنى الولايات :
وهي جهتان فإحدى الجهتين من الولاية ولاية ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم وتوليتهم على الناس وولاية ولاته وولاة ولاته إلى أدناهم بابا من أبواب الولاية على من هو وال عليه والجهة الأخرى من الولاية ولاية ولاة الجور وولاة ولاته إلى أدناهم بابا من الأبواب التي هو وال عليه فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل الذي أمر الله بمعرفته وولايته والعمل له في ولايته وولاية ولاته وولاة ولاته بجهة ما أمر الله به الوالي العادل بلا زيادة فيما أنزل الله به ولا نقصان منه ولا تحريف لقوله ولا تعد لأمره إلى غيره فإذا صار الوالي والي عدل بهذه الجهة فالولاية له والعمل معه ومعونته في ولايته وتقويته حلال محلل وحلال الكسب معهم وذلك أن في ولاية والي العدل وولاته إحياء كل حق وكل عدل وإماتة كل ظلم وجور وفساد فلذلك كان الساعي في تقوية سلطانه والمعين له على ولايته ساعيا إلى طاعة الله مقويا لدينه وأما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته الرئيس منهم وأتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم بابا من أبواب الولاية على من هو وال عليه والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام ومحرم معذب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير لأن كل شيء من جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر وذلك أن في ولاية الوالي الجائر دوس الحق كله وإحياء الباطل كله وإظهار الظلم والجور والفساد وإبطال الكتب وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة .
تحف العقول عن آل الرسول _125_
وأما تفسير التجارات :
في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز له وكذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز له فكل مأمور به مما هو غذاء للعباد وقوامهم به في أمورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون من جهة ملكهم ويجوز لهم الاستعمال له من جميع جهات المنافع التي لا يقيمهم غيرها من كل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فهذا كله حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته وأما وجوه الحرام من البيع والشراء فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله وشربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد نظير البيع بالربا لما في ذلك من الفساد أو البيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش أو الطير أو جلودها أو الخمر أو شيء من وجوه النجس فهذا كله حرام ومحرم لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه بوجه من الوجوه لما فيه من الفساد فجميع تقلبه في ذلك حرام وكذلك كل بيع ملهو به وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي أو باب من الأبواب يقوى به باب من أبواب الضلالة أو باب من أبواب الباطل أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم حرام بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلب فيه إلا في حال تدعو الضرورة فيه إلى ذلك .
وأما تفسير الإجارات :
فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال من جهات الإجارات أن يؤجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئا يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع أو العمل بنفسه وولده ومملوكه أو أجيره من غير أن يكون وكيلا للوالي أو واليا للوالي فلا بأس أن يكون أجيرا يؤجر نفسه أو ولده أو قرابته أو ملكه أو وكيله في إجارته لأنهم وكلاء الأجير من عنده ليس هم بولاة الوالي نظير الحمال الذي يحمل شيئا بشيء معلوم إلى موضع معلوم فيحمل ذلك الشيء الذي يجوز له حمله بنفسه أو بملكه أو دابته أو يؤاجر نفسه في عمل يعمل ذلك العمل بنفسه أو بمملوكه أو قرابته أو بأجير من قبله فهذه وجوه من وجوه الإجارات حلال لمن كان من الناس ملكا أو سوقة أو كافرا أو مؤمنا فحلال إجارته وحلال كسبه من هذه الوجوه فأما وجوه الحرام من وجوه الإجارة نظير أن يؤاجر نفسه على حمل ما يحرم عليه أكله أو شربه أو لبسه أو يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشيء أو حفظه أو لبسه أو يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارا أو قتل النفس بغير حل أو حمل التصاوير والأصنام والمزامير والبرابط والخمر والخنازير والميتة والدم أو شيء من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه من غير جهة الإجارة فيه وكل أمر منهي عنه من جهة من الجهات فمحرم على الإنسان إجارة نفسه فيه أو له أو شيء منه أو له إلا لمنفعة من استأجرته كالذي يستأجر الأجير يحمل له الميتة ينجيها عن أذاه أو أذى غيره وما أشبه ذلك والفرق بين معنى الولاية والإجارة وإن كان كلاهما يعملان بأجر أن معنى الولاية أن يلي الإنسان لوالي الولاة أو لولاة الولاة فيلي أمر غيره في التولية عليه وتسليطه وجواز أمره ونهيه وقيامه مقام الولي إلى الرئيس أو مقام وكلائه في أمره وتوكيده في معونته وتسديد ولايته وإن كان أدناهم ولاية فهو وال على من هو وال عليه يجري مجرى الولاة الكبار الذين يلون ولاية الناس في قتلهم من قتلوا وإظهار الجور والفساد وأما معنى الإجارة فعلى ما فسرنا من إجارة الإنسان نفسه أو ما يملكه من قبل أن يؤاجر الشيء من غيره فهو يملك يمينه لأنه لا يلي أمر نفسه وأمر ما يملك قبل أن يؤاجره ممن هو آجره والوالي لا يملك من أمور الناس شيئا إلا بعد ما يلي أمورهم ويملك توليتهم وكل من آجر نفسه أو آجر ما يملك نفسه أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقة على ما فسرنا مما تجوز الإجارة فيه فحلال محلل فعله وكسبه .