الفهرس العام

باب معنى قول الله عزوجل ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )

    49 ـ باب معنى قوله عزوجل : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ )
    50 ـ باب العرش وصفاته
    51 ـ باب أن العرش خلق أرباعا
    52 ـ باب معنى قول الله عزوجل : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ )
    53 ـ باب فطرة الله عزوجل الخلق على التوحيد
    54 ـ باب البداء
    55 ـ باب المشيئة والإرادة
    56 ـ باب الاستطاعة



      1 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن سهل بن زياد الآدمي ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن مارد أن أبا عبد الله عليه السلام سئل عن قول الله عزوجل : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) فقال : استوى من كل شيء ، فليس شيء هو أقرب إليه من شيء .
      2 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين (1) عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (2) ) فقال : استوى من كل شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء ، لم يبعد منه بعيد ، ولم يقرب منه قريب ، استوى من كل شيء (3).

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ط ) وحاشية نسخة ( ن ) و ( ه‍ ) ( عن محمد بن الحسن ).
    (2) طه : 5.
    (3) استعمل الاستواء في معان : استقرار شيء على شيء وهذا ممتنع عليه تعالى كما نفاه الإمام عليه السلام في أخبار من هذا الباب لأنه من خواص الجسم.
       والعناية إلى الشيء ليعمل فيه ، وعليه فسر في بعض الأقوال قوله تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء ).
       والاستيلاء على الشيء كقول الشاعر : فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسر والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الأقوال وفي الحديث الأول من الباب الخمسين. والاستقامة ، وفسر بها قوله تعالى : ( فاستوى على سوقه ) وهذا قريب من المعنى الأول.
       والاعتدال في شيء وبه فسر قوله تعالى : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ). والمساواة في النسبة ، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى : ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ ) وفسر الإمام عليه السلام الآية بها في هذا الباب وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان لأنه تعالى في كل مكان وليس في شيء من المكان بمحدود ، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع الحيثيات ، وإنما الاختلاف من قبل حدود الممكنات ، ولا يبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعنى.

    التوحيد _ 316 _

      3 ـ حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي ، قال : حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو (1) قال : حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب ، قالا : حدثنا محمد بن سنان الحنظلي ، قال : حدثنا عبد الله بن عاصم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن قيس ، عن أبي هاشم الرماني ، عن زاذان ، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها ، ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه ، وكان فيما سأله أن قال له : أخبرني عن الرب أين هو وأين كان ؟ فقال علي عليه السلام : لا يوصف الرب جل جلاله بمكان ، هو كما كان ، وكان كما هو ، لم يكن في مكان ، ولم يزل من مكان إلى مكان ، ولا أحاط به مكان ، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف ، قال : صدقت ، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أو في الآخرة ؟ قال علي عليه السلام : لم يزل ربنا قبل الدنيا ، ولا يزال أبدا ، هو مدبر الدنيا ، وعالم بالآخرة ، فأما أن يحيط به الدنيا والآخرة فلا ، ولكن يعلم ما في الدنيا ، والآخرة ، قال : صدقت يرحمك الله ، ثم قال : أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل ؟ فقال علي عليه السلام : إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل ، قال النصراني : فكيف ذاك ؟! ونحن نجد في الإنجيل ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) فقال علي عليه السلام : إن الملائكة تحمل العرش ، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير ، ولكنه شيء محدود مخلوق مدبر ، وربك عزوجل مالكه ، لا أنه عليه ككون الشيء على الشيء ، وأمر الملائكة بحمله ، فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه ، قال النصراني : صدقت رحمك الله ـ والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة ـ.
      4 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن بعض

    ---------------------------
    (1) الصغد بالضم فالسكون قرى بين بخارا وسمرقند.

    التوحيد _ 317 _

       رجاله رفعه ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل : ( الرحمن على العرش استوى ) فقال : استوى من كل شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء .
      5 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : من زعم أن الله عزوجل من شيء أو في شيء أو على شيء فقد كفر ، قلت : فسر لي ، قال : أعني بالحواية من الشيء له ، أو بإمساك له ، أو من شيء سبقه.
      6 ـ وفي رواية أخرى قال : من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثا ، ومن زعم أنه في شيء فقد جعله محصورا ، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولا .
      7 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال : حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، قال : حدثني مقاتل بن سليمان ، قال : سألت جعفر بن محمد عليهما السلام ، عن قول الله عزوجل : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) فقال : استوى من كل شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء .
      8 ـ وبهذا الإسناد ، عن الحسن بن محبوب ، عن حماد ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : كذب من زعم أن الله عزوجل من شيء أو في شيء أو على شيء .
      9 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد ابن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : من زعم أن الله عزوجل من شيء أو في شيء أو على شيء فقد أشرك ، ثم قال : من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثا ، ومن زعم أنه في شيء فقد زعم أنه محصور (1) ، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولا .
       قال مصنف هذا الكتاب : إن المشبهة تتعلق بقوله عزوجل ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ) (2) ولا حجة لها في ذلك لأنه عزوجل عني بقوله : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ج ) ( ومن زعم أنه في شيء فقد جعله محصورا ).
    (2) الأعراف : 54.

    التوحيد _ 318 _

       الْعَرْشِ ) أي ثم نقل إلى فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له ، وقوله عزوجل : ( ثم ) إنما لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للاستواء فلا يجوز أن يكون معنى قوله : ( استوى ) استولى لأن استيلاء الله تبارك وتعالى على الملك وعلى الأشياء ليس هو بأمر حادث ، بل لم يزل مالكا لكل شيء ومستوليا على كل شيء ، وإنما ذكر عزوجل الاستواء بعد قوله : ( ثم ) وهو يعني الرفع مجازا ، وهو كقوله : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ ) (1) فذكر ( نعلم ) مع قوله : ( حتى ) وهو عزوجل يعني حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك لأن حتى لا يقع إلا على فعل حادث ، وعلم الله عزوجل بالأشياء لا يكون حادثا ، وكذلك ذكر قوله عزوجل : ( اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) بعد قوله : ( ثم ) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لاستيلائه عليه ، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لأن الله لا يجوز أن يكون جسما ولا ذا بدن ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (2)

    ---------------------------
    (1) محمد صلى الله عليه وآله وسلم : 31.
    (2) حاصل مراده رحمه الله أن ( ثم ) لا يتعلق بقوله ( استوى ) لأنه بمعنى استولى و استيلاؤه تعالى على العرش لا يكون متأخرا عن خلق السماوات والأرض لأنه مالك ملك مستول على كل شيء أزلا ، بل يتعلق بمحذوف تقديره ثم نقل العرش إلى فوق السماوات لأنه استوى عليه ، وأخذ هذا التفسير من الحديث الثاني من الباب التاسع والأربعين ، وقيل : ثم أظهر استواؤه على العرش للملائكة ، وقيل : ثم قصد إلى خلق العرش فخلقه بعد خلق السماوات والأرض ، وقيل : ثم بين أنه استوى على العرش ، وقيل : ثم صح الوصف بأنه مستو على العرش لأنه لم يكن عرش قبل وجوده ، والحق أن ثم لمجرد الترتيب ، والاستواء هو الاستيلاء الفعلي الظاهر عن مقام الذات في الخلق بعد الايجاد ، وحاصل المعنى أنه تعالى استوى على العرش الذي هو جملة الخلق في بعض التفاسير بتدبير الأمر ونفاذه فيه بعد الايجاد ألا له خلق الأشياء وأمرها بعد إيجادها ، ولا يخفى أن معنى الاستيلاء أنسب بسياق هذه الآية ، ومعنى مساواة النسبة أنسب بقوله : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ثم إن قوله : ( عَلَى الْعَرْشِ ) متعلق باستوى إن فسر بالاستيلاء ، وإن فسر بمساواة النسبة فمتعلق بمحذوف و استوى حال أو خبر بعد خبر ، أو ضمن معنى الاستيلاء فمتعلق به أيضا.

    التوحيد _ 319 _

    49 ـ باب معنى قوله عزوجل : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) (1)

      1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا جذعان بن نصر أبو نصر الكندي ، قال : حدثني سهل بن زياد الآدمي ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن كثير (2) عن داود الرقي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله ، عزوجل : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) فقال لي : ما يقولون في ذلك ؟ قلت : يقولون إن العرش كان على الماء والرب فوقه ، فقال : كذبوا ، من زعم هذا فقد صير الله محمولا ووصفه بصفة المخلوقين ولزمه أن الشيء الذي يحمله أقوى منه ، قلت : بين لي جعلت فداك ، فقال : إن الله عزوجل حمل علمه ودينه الماء (3) قبل أن تكون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر ، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه (4) فقال لهم : من ربكم ؟! فكان أو من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام و الأئمة صلوات الله عليهم ، فقالوا : أنت ربنا ، فحملهم العلم والدين ، ثم قال للملائكة : هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون (5) ثم قيل لبني ـ

    ---------------------------
    (1) هود : 7.
    (2) في نسخة ( ج ) و ( ط ) وحاشية نسخة ( ن ) ( عن عبد الله بن كثير ) وهو تصحيف والخبر رواه الكليني في الكافي باب العرش والكرسي بإسناده عن عبد الرحمن عن داود .
    (3) لا يبعد أن يكون المراد بالماء هنا أول ما خلقه الله الذي ذكر في الحديث العشرين من الباب الثاني ، إلا أن الاحتمال الأول هناك غير آت هنا.
    (4) فيه إشارة إلى عالم الذر ، أي فلما أراد أن يخلق الخلق هذه الخلقة وكانوا ذرا نثرهم بين يديه ـ الخ.
    (5) إشارة إلى قوله تعالى : ( إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) روي الكليني ـ رحمه الله ـ في كتاب الحجة من الكافي باب إن أهل الذكر هم الأئمة عليهم السلام بالإسناد عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : ( إن من عندنا يزعمون أن قول الله عزوجل : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) إنهم اليهود والنصارى ، قال : إذا يدعونكم إلى دينهم ، قال : قال بيده إلى صدره : ( نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون ).

    التوحيد _ 320 _

       آدم : أقر والله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة ، فقالوا : نعم ربنا أقررنا ، فقال للملائكة : اشهدوا ، فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (1) يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.
      2 ـ حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال : حدثنا أبي ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال : سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام ، عن قول الله عزوجل : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) فقال : إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض ، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عزوجل ، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شيء قدير ، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع (2) وخلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وهو مستول على عرشه ، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين ، ولكنه عزوجل خلقها في ستة إيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة ، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق ، لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم ، تعالى الله عن صفة خلقه علوا كبيرا .
       وأما قوله عزوجل : ( لِيَبْلُوَكُمْ

    ---------------------------
    (1) الأعراف : 173 ، ويقولوا في الموضعين في النسخ بالياء إلا نسخة ( ب ) و ( و ) ففيهما بالتاء ، والقراءات بالتاء إلا أبا عمرو فإنه قرأ بالياء .
    (2) الذي أفهم من هذا الكلام بشهادة الكلام بشهادة أحاديث أن للعرش رفعة وتفوقا على السماوات والأرض من حيث شؤونه ، وليس الكلام نصا بل ولا ظاهرا في الرفع الجسماني والنقل المكاني.

    التوحيد _ 321 _

       أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) فإنه عزوجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الامتحان والتجربة لأنه لم يزل عليما بكل شيء ، فقال المأمون : فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.

    50 ـ باب العرش وصفاته

      1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، قال : حدثني أبي ، عن حنان بن سدير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي ، فقال : إن للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة (1) فقوله : ( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) يقول : الملك العظيم ، وقوله : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) يقول : على الملك احتوى ، وهذا ملك الكيفوفية الأشياء (2) ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي (3) لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ، وهما جميعا غيبان ، وهما

    ---------------------------
    (1) ( سبب ) مضاف إلى ( وضع ) بصيغة المصدر ، أي للعرش في كل مورد في القرآن اقتضى سبب وضعه وذكره في ذلك المورد صفة على حدة ، وفي نسخة ( ه‍ ) ( له في كل سبب وضع في القرآن وصفة على حدة ) وفي نسخة ( ط ) والبحار ( له في كل سبب وصنع في القرآن صفة على حدة ) ، وبعض الأفاضل قرأ الجملة ( في كل سبب وضع ) على صيغة المجهول.
    (2) الكيفوفية بمعنى الكيفية مأخوذة من الكيف ، وهو سؤال عن حال الشيء يقال : كيف أصبحت أي على أي حال أصبحت ، فملك الكيفوفية ملك الأحوال الواقعة في الأشياء و الأمور الحاصلة فيها بعد إيجادها ، فإنه تعالى مالك الايجاد ومالك ما يقع في الموجودات بعد الايجاد ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ).
    (3) أي ثم العرش في حال كونه متصلا بالكرسي مرتبطا به متفرد منه متميز عنه ، أو المعنى : ثم العرش متفرد من الكرسي ومتميز عنه في وصله بالأمور الواقعة في الكون فإنه متصل بها مؤثر فيها بلا واسطة ، وأما العرش فمقدم على الكرسي ومؤثر فيها بواسطته ، وحاصل كلامه عليه السلام أن العرش والكرسي موجودان من الموجودات الملكوتية غائبان عن إدراكنا ، في كل منهما علم الأشياء ومن كل منهما تدبيرها من حيث سلسلة عللها وخصوصياتها ، إلا أن العرش مقدم في ذلك على الكرسي ، ومن العرش يجري إلى الكرسي ما يجري في الأشياء ، كما أن عرش السلطان يجري منه تدبير الأمور إلى الأمير صاحب الكرسي ثم منه إلى المقامات العاملة المباشرة لأمور المملكة.

    التوحيد _ 322 _

       في الغيب مقرونان لأن الكرسي هو الباب الظاهر (1) من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلها ، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة ، وعلم الألفاظ والحركات والترك ، وعلم العود والبدء (2) فهما في العلم بابان مقرونان لأن ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي ، فمن ذلك قال : ( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) أي صفته أعظم من صفة الكرسي وهما في ذلك مقرونان ، قلت : جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي ؟ قال : إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه ، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها (3) وحد رتقها وفتقها ،

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ب ) ( لأن الكرسي هو التأويل الظاهر ـ الخ ) وفي نسخة ( ج ) ( إلا أن الكرسي ـ الخ ).
    (2) في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) ( وعلم العود والبداء ).
    (3) من الأين أي أمكنه أبواب البداء ومواضعها ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( أنيتها ) أي ثبوتها ، وفي نسخة ( و ) و ( ن ) ( أبنيتها ) جمع البناء وهذا يرجع إلى المعنى الأول ، و بيانه أن الكرسي صار جار العرش وقرينا له لأن علم الكيفوفية فيه كما هو في العرش أيضا ، ولكنه يمتاز عن العرش بأن فيه البداء دونه ، وإنما هو مكان البداء وفيه يرتق ويفتق لأن في العرش علم كل شيء مع إرساله وتعليقه ، وأما الكرسي فيصل إليه علم كل شيء من العرش بالارسال سواء كان مرسلا في الواقع أو معلقا ، والبداء يأتي بيانه في بابه إن شاء الله تعالى ، وفي نسخة ( ه‍ ) ( وفيه الظاهر من أبواب البدء ) وفي نسخة ( ب ) ( وفيه الظاهر من علم أبواب البداء ).

    التوحيد _ 323 _

       فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف (1) وبمثل صرف العلماء (2) و يستدلوا على صدق دعواهما (3) لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز.
       فمن اختلاف صفات العرش (4) أنه قال تبارك وتعالى : ( رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (5) وهو وصف عرش الوحدانية لأن قوما أشركوا كما قلت لك (6) قال تبارك وتعالى : ( رَبِّ الْعَرْشِ ) رب الوحدانية عما يصفون ، وقوما وصفوه بيدين فقالوا : ( يد الله مغلولة ) وقوما وصفوه بالرجلين فقالوا : وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء (7) وقوما وصفوه بالأنامل فقالوا : إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قال : إني وجدت برد أنامله على قلبي ، فلمثل هذه الصفات قال : ( رَبِّ الْعَرْشِ

    ---------------------------
    (1) أي تعبير الحمل باعتبار صرف الكلام من غير المحسوس إلى المحسوس وبيان غير المحسوس بالمحسوس ، فإنهما جاران إلا أن الكرسي قائم بالعرش كما أن المحمول من الأجسام قائم بالحامل ، وفي نسخة ( ب ) و ( و ) و ( ج ) وحاشية نسخة ( ط ) والبحار ( في الظرف ) أي في الوعاء أي حمل صاحبه في وعاء علمه وسعة تأثيره.
    (2) ( مثل ) بفتحتين مفرد أو بضمتين جمع المثال ، و ( صرف ) فعل ماض من التصريف وفاعله العلماء ، أي بالأمثال يصرف العلماء في الكلام حتى يقرب من الذهن ما غاب عن الحس ، و يستدلون بها على صدق دعواهم.
    (3) هكذا في النسخ بصيغة المثنى ، ويمكن أن يكون من خطأ النساخ ، ويحتمل إضافة ( دعوى ) إلى العرش والكرسي بالحذف والإيصال أي دعواهم فيهما ، وكذا لا وجه لحذف النون من قوله : ويستدلوا ، ولكن في حاشية نسخة ( ط ) والبحار ( ليستدلوا ) وعلى هذا فتقدير الكلام : وذكرت هذا البيان في العرش والكرسي ليستدل العلماء على صدق دعواهم فيهما به.
    (4) أي فمن صفاته المختلفة المشار إليها في صدر الحديث.
    (5) الأنبياء : 22 ، الزخرف : 82.
    (6) في نسخة ( و ) ( وهو عرش وصف الوحدانية لا قوام أشركوا ـ الخ ) ، ولفظ ( قوم ) في المواضع الثلاثة بعد غير مكتوب بالألف فهو مجرور أو مرفوع.
    (7) مضى ذكر هذه الفرية في الحديث الثالث عشر من الباب الثامن والعشرين.

    التوحيد _ 324 _

       الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) يقول رب المثل الأعلى عما به مثلوه (1) ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ولا يوصف ولا يتوهم ، فذلك المثل الأعلى ، ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به (2) فلذلك قال : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فليس له شبه ولا مثل ولا عدل ، وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره ، وهي التي وصفها في الكتاب فقال : ( فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) (3) جهلا بغير علم ، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم ويكفر به وهو يظن أنه يحسن ، فلذلك قال : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) (4) فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها ، يا حنان إن الله تبارك وتعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء ، فهم الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم ، فأرسل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فكان الدليل على الله بأذن الله عزوجل حتى مضى دليلا هاديا فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلا هاديا على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه ، ثم الأئمة الراشدون عليهم السلام.

    51 ـ باب أن العرش خلق أرباعا (5)

      1 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن

    ---------------------------
    (1) كلمة ( عن ) في كلامه عليه السلام متعلقة بسبحان في الآية ، أو بالأعلى في كلامه .
    (2) ( ما ) هذه مصدرية ، أي وشبهوه بالمتشابه منهم في حال جهلهم به .
    (3) الأعراف : 180.
    (4) يوسف : 106.
    (5) إعلم أن العرش في اللغة يأتي بمعنى سرير السلطنة ، ومنه قوله تعالى : ( أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا ) وبمعنى السقف وأعالي البناء ، ومنه قوله تعالى : ( وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) ويأتي مصدرا بمعان ، ويستعمل مجازا واستعارة لمعان ، كل ذلك مذكور في مظانه ، وأما تفسيراته في العلوم فعند أهل الحكمة والهيئة يطلق على الفلك التاسع فكونه أرباعا على هذا إنما هو لفرض دائرتين متقاطعتين على ما فصل في كتب الهيئة ، أو لكونه مركبا من العقل والنفس والمادة والصورة على ما ذكر في بعض الكتب ، وفسر في بعض الأخبار كالحديث الأول من الباب التاسع والأربعين بعلمه تعالى ، لا علمه الذاتي الذي هو عين ذاته ، بل العلم الذي أعطى أول من خلق وحمل عليه ، وعلى هذا فكونه أرباعا باعتبار أصول العلم كله وأركانه التي هي أربع كلمات من كلمات التوحيد ، كما أشير إلى هذا في حديث رواه العلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ في الرابع عشر من البحار عن الفقيه والعلل والمجالس عن الصادق عليه السلام ( أنه سئل لم سمي الكعبة كعبة ؟ قال لأنها مربعة ، فقيل له : لم صارت مربعة ؟ قال لأنها بحذاء البيت المعمور وهو مربع ، فقيل له : ولم صار البيت المعمور مربعا ؟ قال : لأنه بحذاء العرش وهو مربع ، فقيل له : ولم صار العرش مربعا ؟ قال : لأن الكلمات التي بني عليها الإسلام أربع : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
       وحقيقة هذا العلم نور ينور به ما دون العرش من الموجودات كما أشير في حديث الباب وفيما رواه الكليني ـ رحمه الله ـ في باب العرش والكرسي من الكافي في حديث الجاثليق عن أمير المؤمنين عليه السلام : ( إن العرش خلقه الله من أنوار أربعة : نور أحمر منه احمرت الحمرة ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونور أبيض البياض ، وهو العلم الذي حمله الله الحملة ، وذلك نور من عظمته ، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين ، و بعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة ، فكل محمول ، يحمله بنوره وعظمته وقدرته ، لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، فكل شيء محمول ، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا والمحيط بهما من شيء ، وهو حياة كل شيء ونور كل شيء ، ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرً ).
       وأما العرش بمعنى الملك وجميع الخلق والقدرة والدين وبعض الصفات كعرش الوحدانية على ما ورد كل ذلك في الأخبار فتصور تربعه بعيد ، والعلم عند الله وعند صفوته .

    التوحيد _ 325 _

       الحسن الصفار ، عن علي بن إسماعيل ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي الطفيل ، عن أبي جعفر ، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال : إن الله عزوجل خلق العرش أرباعا ، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء : الهواء والقلم و

    التوحيد _ 326 _

       لنور ، ثم خلقه من أنوار مختلفة : فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة ونور أصفر اصفرت منه الصفرة ، ونور أحمر احمرت منه الحمرة ، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار (1) ثم جعله سبعين ألف طبق ، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين (2) ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة ، ولو أذن للسان منها فأسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون ولخسف البحار ولأهلك ما دونه ، له ثمانية أركان على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عزوجل ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، ولو حس شيء مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين (3) بينه وبين الاحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم (4) وليس وراء هذا مقال (5).

    ---------------------------
    (1) قيل في تلون هذه الأنوار بهذه الألوان : وجوه مر أحدها في ذيل الحديث الثالث عشر في الباب الثامن.
    (2) بالجعل المركب فهو أصل لهذه الأطباق فتدبر .
    (3) أي لو حس شيء من تلك الأطباق شيئا مما فوقه ـ الخ ، كما لو أذن للسان من السنة تلك الأطباق فاسمع شيئا مما تحته لهدم ـ الخ ، ونقل المجلسي ـ رحمه الله ـ هذا الحديث في الرابع عشر من البحار عن تفسير القمي والكشي وكتاب الاختصاص والتوحيد ، وقال : لو أحس شيء مما فوقه لعل قوله مما فوقه مفعول أحس أي شيئا مما فوقه ، وفي الاختصاص ( ولو أحس شيئا مما فوقه ) أي حاس أو كل من الملائكة الحاملين ، وفي بعض النسخ ( ولو أحس حس شيء منها ) ، وفي بعضها ( ولو أحس حس شيئا ) ، وهو أظهر ، انتهى.
    (4) ( بين ) مع معادله خبر مقدم والجبروت مبتدء مؤخر ، والضمير المجرور يرجع إلى ما يرجع إليه ضمير حس ، وفي نسخة ( ج ) و ( و ) و ( ه‍ ) ( والعلم ).
    (5) أي لا يوصف ما فوق هذه الأمور بالقول ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( وليس بعد هذا مقال ).

    التوحيد _ 327 _

    52 ـ باب معنى قول الله عزوجل : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) (1)

      1 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) قال : علمه .
      2 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) فقال : السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي ، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره .
      3 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي عن فضيل بن يسار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) فقال : يا فضيل السماوات والأرض وكل شيء في الكرسي.
      4 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) السماوات و الأرض وسعن الكرسي ، أم الكرسي وسع السماوات والأرض ؟ فقال : بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش (2) وكل شيء في الكرسي.

    ---------------------------
    (1) البقرة : 255.
    (2) العرش إما بالنصب عطف على السماوات أو بالرفع معطوف عليه كل شيء ، وعلى كلا التقديرين يدل الكلام على أن الكرسي أعظم من العرش ، وفي كثير من الأخبار التي ذكر بعضها في هذا الكتاب ( أن العرش أعظم من الكرسي ) ويمكن الجمع بإرادة معنى للعرش في هذا الحديث وإرادة معنى آخر في تلك الأخبار ، وقيل : العرش معطوف على الكرسي أي والعرش أيضا كالكرسي وسع السماوات والأرض.

    التوحيد _ 328 _

      5 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدثنا الحسين ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) السماوات والأرض وسعن الكرسي ، أم الكرسي وسع السماوات والأرض ؟ فقال : إن كل شيء في الكرسي (1).

    53 ـ باب فطرة الله عزوجل الخلق على التوحيد

      1 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن العلاء بن فضيل ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) (2) قال : التوحيد.
      2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ،

    ---------------------------
    (1) قال العلامة المجلسي ـ رحمه الله ـ في الرابع عشر من البحار : لعل سؤال زرارة لاستعلام أن في قرآن أهل البيت كرسيه مرفوع أو منصوب وإلا فعلى تقدير العلم بالرفع لا يحسن هذا السؤال لا سيما من مثل زرارة ، ويروى عن الشيخ البهائي ـ رحمه الله ـ أنه قال : سألت عن ذلك والدي فأجاب ـ رحمه الله ـ بأن بناء السؤال على قراءة ( وسع ) بضم الواو وسكون السين مصدرا مضافا وعلى هذا يتجه السؤال ، وإني تصفحت كتب التجويد فما ظفرت على هذه القراءة إلا هذه الأيام رأيت كتابا في هذا العلم مكتوبا بالخط الكوفي وكانت هذه القراءة فيه وكانت النسخة بخط مصنفه ، إنتهى ، أقول : على هذه القراءة ( فوسع كرسيه ) مبتدء والسماوات والأرض خبره ، أي سعة كرسيه وظرفية تأثيره السماوات والأرض ، لا أن يكون أحدهما فاعل وسع والآخر مفعوله حتى يحتاج إلى تقدير الخبر ، فعدم اتجاه السؤال باق على هذا التقدير ، فتأمل .
    (2) الروم : 30.

    التوحيد _ 329 _

       عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ؟ قال : التوحيد.
      3 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) ما تلك الفطرة ؟ قال : هي الإسلام ، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد فقال : ( ألست بربكم ) وفيه المؤمن والكافر (1).
      4 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، ويعقوب بن يزيد ، عن ابن فضال ، عن بكير عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) قال : فطرهم على التوحيد.
      5 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) قال : فطرهم على التوحيد.
      6 ـ أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) قال : فطرهم جميعا على التوحيد.
      7 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن حسان الواسطي ، عن الحسن بن يونس ، عن عبد الرحمن بن كثير مولى أبي جعفر ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) قال : التوحيد ومحمد رسول الله وعلي

    ---------------------------
    (1) الضمير يرجع إلى الميثاق ، وفي البحار : ( وفيهم المؤمن والكافر ) أي بحسب علمه تعالى أن بعضهم يؤمن في دار التكليف وبعضهم يكفر ، لا أنهم في الميثاق كانوا كذلك بالفعل لأن الآية والأخبار تدل على أن كلهم أقروا هناك بالتوحيد وشرائطه بفطرتهم .

    التوحيد _ 330 _

       أمير المؤمنين (1).
      8 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أصلحك الله ، قول الله عزوجل في كتابه : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ؟
       قال : فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته أنه ربهم ، قلت : وخاطبوه ؟ قال : فطأطأ رأسه ، ثم قال : لولا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا من رازقهم (2).
      9 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) (3) وعن الحنيفية ، فقال : هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، وقال : فطرهم الله على المعرفة ، قال زرارة : وسألته عن قول الله عزوجل : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ـ الآية ) قال : أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر ، فعرفهم وأراهم صنعه ، ولولا ذلك لم يعرف أحد

    ---------------------------
    (1) الاقرار بالرسالة والولاية من شروط التوحيد للحديث الثالث والعشرين من الباب الأول ولأن الفطرة تطلب أن تدور الاعتقادات والحركات على مدار التوحيد وذلك لا يتم إلا بهما ، وفي نسخة ( ط ) ( وعلى ولي الله أمير المؤمنين ).
    (2) إشارة إلى أن الفطرة أصل العلم فالاستدلال لا ينفع ما لم تكن الفطرة باقية بحالها فالكافر إنما يكفر لكدورة فطرته بتقليد الآباء والتعصب لما عند جمعه من الرسوم والعقائد والعادات والاشتغال بالماديات والتغافل ثم الغفلة عن فحص الحق وطريقه ، ولهذا ورد في الحديث ( كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ) ومع ذلك أصل الفطرة باقية لا تزول لأنها عجين الذات ، وتظهر نوريته بعض الأحيان على القلب وتدعو إلى الحق ببعض التنبيهات الفطرية ، ( إن لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ) ولذلك لا يقبل عذرهم بأن آباءهم كانوا كافرين أو أنهم كانوا غافلين ، قال تعالى : ( وإذ أخذ ربك ـ إلى قوله ـ المبطلون ).
    (3) الحج : 31.

    التوحيد _ 331 _

       ربه ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : كل مولود يولد على الفطرة. يعني على المعرفة بأن الله عزوجل خالقه ، فذلك قوله : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) (1).
      10 ـ حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن أحمد السراج الهمداني ، قال : حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم السرنديبي ، قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن هارون الرشيد بحلب ، قال : حدثنا محمد بن آدم بن أبي إياس (2) قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله ، وأربعة أشهر الصلاة على النبي وآله ، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه. (3)

    54 ـ باب البداء (4)

      1 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ،

    ---------------------------
    (1) لقمان : 25 ، والزمر : 38.
    (2) في نسخة ( و ) وحاشية نسخة ( ه‍ ) محمد بن آدم بن أبي اتاس ، وفي نسخة ( د ) و ( ب ) ( محمد بن أكرم بن أبي أياس ).
    (3) الحديث الرابع من الباب الرابع المتحد مع الحديث السابع من الباب العاشر يناسب هذا الباب ويبينه بعض البيان.
    (4) البداء في أصل اللغة بمعنى الظهور ، وقد اكتسب في الاستعمال اختصاصا في ظهور رأى جديد في أمر ، ولذلك لم يذكر في اللفظ فاعل الفعل ، يقال : بدا لي في كذا أي بدا لي فيه رأي جديد خلاف ما كان من قبل ، ولازم ذلك عدم الاستمرار على ما كان عليه سابقا من فعل أو تكليف للغير أو قصد لشيء ، ولا يستلزم هذا الظهور وعدم الاستمرار الجهل بشيء أو الندامة عما كان عليه أولا ، بل هو أعم لأن ظهور الرأي الجديد قد يكون عن العلم الحادث بعد الجهل بخصوصيات ما كان عليه أو ما انتقل إليه وقد يكون لتغير المصالح والمفاسد والشروط والقيود والموانع فيهما ، نعم إن الغالب فينا هو الأول فيتبادر عند الاستعمال الجهل والندامة ، وإما بحسب مفهوم اللفظ فلا ، فإسناد البداء إلى الله تعالى صحيح من دون احتياج إلى التوجيه ، ومعناه في حقه تعالى عدم الاستمرار والابقاء لشيء في التكوين أو التشريع بإثبات ما لم يكن ومحو ما كان ، ولا ريب أن محو شيء أو إثباته يدور مدار علته التامة ومباديه في الملكوت بأن يثبت بعض أسبابه وشرائطه أو يمحي أو يثبت بعض موانعه أو يمحي ، وذلك إلى مشيته وإرادته التابعة لعلمه فإنه تعالى كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن ويمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ، ولكل أجل كتاب ، وهذا مما لا ارتياب فيه ولا إشكال ، ومن استشكل فيه من الإسلاميين أو غيرهم فإنما هو لسوء الفهم وفقد الدرك.
       وإنما الكلام فيما أخبر الله تعالى أو أحد الأنبياء والأوصياء عن وقوعه محدودا بحدود و موقوتا بأوقات ولم يقع بعد كذلك ثم أخبر عنه مخالفا لما حد ووقت أو يظهر مخالفا له من دون إخبار كمواعدة موسى على نبينا وآله وعليه السلام وذبح إسماعيل على نبينا وآله وعليه السلام وقوله تعالى : ( فتول عنهم فما أنت بملوم ) ، وإخبار عيسى على نبينا وآله وعليه السلام بموت عروس ليلة عرسها ولم تمت وإخبار نبي من أنبياء بني إسرائيل بموت ملك ولم يمت وغير ذلك مما هو مذكور في مواضعه .
       وأحق ما قيل في الجواب ما ذكر في كلمات أئمتنا صلوات الله عليهم أن من الأمور أمورا موقوفة عند الله تعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء وعلم ذلك كله عنده تعالى ويقع علم تلك الأمور عند مدبرات الأمور من الملائكة وغيرهم فيخبرون عنها مع جهلهم بالتوقف أو سكوتهم عنه مع العلم كما سكت عنه الله تعالى كما هو الشأن في أئمتنا صلوات الله عليهم بعقيدتي لأن علمهم فوق البداء لأنهم معادن علمه وإن كان ظاهر بعض الأخبار على خلاف ذلك ، فيقال عند ذلك : بد الله تعالى في ذلك الأمر لأن الله تعالى غير الأمر عما أخبر به أولا بالارسال ، وإن شئت فقل إنه تعالى أو غيره أخبر عن الأمر بحسب علته الناقصة مع العلم بعلته التامة و وقوعها أو عدم وقوعها .
       ثم إن اختصاص العلم الكامل بالأمور بنفسه وبصفوة خلقه ووقوع العلم الناقص عند العاملين في ملكوته وبعض خلقة من لوازم كبريائه وسلطانه كما هو الشأن عند السلطان مع عمال حكومته ، ولذلك ما عبد الله وما عظم بمثل البداء لأن المعتقد بالبداء معتقد كمال كبريائه وعظمته ، وإلى هذا أشار الإمام عليه السلام على ما روي في تفسير القمي في قوله تعالى : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ ـ الخ ) قال : قالوا : قد فرغ الله من الأمر لا يحدث الله غير ما قدره في التقدير الأول فرد الله عليهم فقال : ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) أي يقدم و يؤخر ويزيد وينقص وله البداء والمشيئة ، انتهى.
       نفي عليه السلام بيانه هذا اتحاد ما في التقدير مع ما يقع ، وإليه أشير أيضا في قولهم عليهم السلام : ( إن لله عزوجل علمين علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو من ذلك يكون البداء وعلما علمه ملائكته ورسله ).

    التوحيد _ 332 _

       عن الحجال ، عن أبي إسحاق ثعلبة ، عن زرارة ، عن أحدهما يعني أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام قال : ما عبد الله عزوجل بشيء مثل البداء.

    التوحيد _ 333 _

      2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ما عظم الله عزوجل بمثل البداء.
      3 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ما بعث الله عزوجل نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الاقرار بالعبودية ، وخلع الأنداد ، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء .
      4 ـ وبهذا الإسناد ، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما ، عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ ) (1) قال : فقال : وهل يمحو الله إلا ما كان وهل يثبت إلا ما لم يكن ؟!.
      5 ـ حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله قال : أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم بن حكيم ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله عزوجل بخمس : بالبداء والمشية و السجود والعبودية والطاعة .
      6 ـ حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ،

    ---------------------------
    (1) الرعد : 39 : أي يمحو الله ما يشاء مما ثبت في كتاب التقدير عند عمال الملكوت ويثبت مكانه أمرا آخر ( وعنده أم الكتاب ) التي إليها يرجع أمر الكتاب في المحو والاثبات.

    التوحيد _ 334 _

       عن الريان بن الصلت ، قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر ، وأن يقر له بالبداء .
      7 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن مالك الجهني قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه .
      8 ـ وبهذا الإسناد ، عن يونس ، عن منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله تعالى بالأمس ؟ قال : لا ، من قال هذا فأخزاه الله ، قلت : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله ؟! قال : بلى قبل أن يخلق الخلق.
      9 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد بن عامر ، عن معلى بن محمد ، قال : سئل العالم عليه السلام كيف علم الله ؟ قال : علم ، وشاء ، وأراد ، وقدر ، وقضى ، وأبدى (1) فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدر ، وقدر ما أراد ، فبعلمه كانت المشية ، وبمشيته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبفضائه كان الامضاء ، فالعلم متقدم المشية (2) والمشية ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالامضاء ، فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء وفيما أراد لتقدير الأشياء ، فإذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء ، فالعلم بالمعلوم قبل كونه ، والمشية في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا وقياما (3) ، والقضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام (4) المدركات بالحواس من ذي لون وريح ووزن وكيل وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك

    ---------------------------
    (1) في الكافي والبحار : ( أمضى ) مكان ( أبدى ) وهو الأصح ، وإن كان المآل واحدا.
    (2) في الكافي ( على المشيئة ).
    (3) في الكافي ( عيانا ووقتا ).
    (4) في نسخة ( د ) و ( ن ) ( من المعقولات ذوات الأجسام ).

    التوحيد _ 335 _

       مما يدرك بالحواس ، فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ، والله يفعل ما يشاء ، وبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشية عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها (1) وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها و صفاتها وحدودها ، وبالتقدير قدر أوقاتها (2) وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها ، وبالإمضاء شرح عللها (3) وأبان أمرها ، وذلك التقدير العزيز العليم.
       قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب أعانه الله على طاعته : ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك ، ولكن يجب علينا أن نقر لله عزوجل بأن له البداء ، معناه أن له أن يبدأ (4) بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء (5) ثم يعدم ذلك الشيء ويبدأ بخلق غيره ، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه ، وذلك مثل نسخ الشرايع وتحويل القبلة وعدة المتوفى عنها زوجها ، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك ، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به ، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم ، فمن أقر لله عزوجل بأن له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء ، ويقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، ويأمر بما شاء كيف شاء فقد أقر بالبداء ، وما عظم الله عزوجل بشيء أفضل من الاقرار بأن له الخلق والأمر ، والتقديم ، والتأخير ، وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان ، والبداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا : إن الله قد فرغ من الأمر فقلنا :

    ---------------------------
    (1) قوله : ( أنشأها ) على بناء الماضي عطف على عرف ، وفي أكثر النسخ على بناء المصدر فمع ما بعده مبتدء وخبر .
    (2) في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( و ) و ( ه‍ ) ( قدر أقواتها ).
    (3) في نسخة ( و ) ( شرع عللها ).
    (4) لا يتوهم من هذا أنه أخذ البداء مهموزا فليتأمل في ذيل كلامه.
    (5) في نسخة ( ب ) و ( د ) ( أن يبدأ بشيء فيجعله قبل شيء ).

    التوحيد _ 336 _

       إن الله كل يوم في شأن ، يحيى ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء ، والبداء ليس من ندامة ، و هو ظهور أمر ، يقول العرب : بدا لي شخص في طريقي أي ظهر ، قال الله عزوجل : ( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) (1) أي ظهر لهم ، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره ، ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره ، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزنا نقص من رزقه وعمره ، ومتى ظهر له منه التعفف عن الزنا زاد في رزقه وعمره .
      10 ـ ومن ذلك قول الصادق عليه السلام : ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل ابني ، يقول : ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ اخترمه قبلي ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي .
      11 ـ وقد روي لي من طريق أبي الحسين الأسدي رضي الله عنه في ذلك شيء غريب ، وهو أنه روى أن الصادق عليه السلام قال : ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل أبي إذا أمر أباه إبراهيم بذبحه ثم فداه بذبح عظيم ، وفي الحديث على الوجهين جميعا عندي نظر ، إلا أني أوردته لمعنى لفظ البداء والله الموفق للصواب (2)

    55 ـ باب المشيئة والإرادة

      1 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المشية محدثة (3).

    ---------------------------
    (1) الزمر : 47.
    (2) لا إشكال في الروايتين ، وهو من القسم الثالث من البداء على ما ذكرنا فراجع.
    (3) تقدم هذا الحديث بعينه في الباب الحادي عشر من الكتاب ، ومشيئة الله تعالى تارة تؤخذ باعتبار تعلقها بأفعاله تعالى فهي عند الحكماء وأكثر المتكلمين قديمة من صفات الذات وعند أئمتنا صلوات الله عليهم وبعض المتكلمين كالمفيد ( ره ) حادثة من صفات الفعل على ما يظهر من أحاديث جمة في هذا الكتاب في هذا الباب والباب الحادي عشر والباب السادس والستين وغير هذا الكتاب ، وقد أوردت البحث فيها مستوفيا في تعليقتي على شرح التجريد.
       وأخرى تؤخذ باعتبار تعلقها بأفعال العباد فهي من مباحث الجبر والتفويض والقدر والقضاء ، ويأتي الكلام فيها في خلال الأحاديث.

    التوحيد _ 337 _

      2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن جعفر بن محمد بن عبد الله ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام ، قال : قيل لعلي عليه السلام : إن رجلا يتكلم في المشية فقال : ادعه لي ، قال : فدعي له ، فقال : يا عبد الله خلقك الله لما شاء أو لما شئت ؟!
       قال : لما شاء ، قال : فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت ؟! قال : إذا شاء : قال : فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت ؟! قال : إذا شاء ، قال : فيدخلك حيث شاء أو حيث شئت ؟! قال : حيث شاء ، قال : فقال علي عليه السلام له : لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك (1).
      3 ـ وبهذا الإسناد قال : دخل على أبي عبد الله عليه السلام أو أبي جعفر عليه السلام رجل من أتباع بني أمية فخفنا عليه ، فقلنا له : لو تواريت وقلنا ليس هو ههنا ، قال : بل ائذنوا له فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الله عزوجل عند لسان كل قائل و يد كل باسط ، فهذا القائل لا يستطيع أن يقول إلا ما شاء الله ، وهذا الباسط لا يستطيع أن يبسط يده إلا بما شاء الله ، فدخل عليه فسأله عن أشياء وآمن بها وذهب.
      4 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن مروان ابن مسلم ، عن ثابت بن أبي صفية ، عن سعد الخفاف ، عن الأصبغ بن نباته ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام : يا داود تريد وأريد ولا يكون إلا ما أريد ، فإن أسلمت لما أريد أعطيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد.
      5 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد

    ---------------------------
    (1) كأن الرجل كان على اعتقاد المعتزلة فنبهه عليه السلام بأن الأمور ليست مفوضة إليك ، أو على اعتقاد اليهود القائلين بأن الله قد فرغ من الأمر.

    التوحيد _ 338 _

       ابن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : قال الرضا عليه السلام : المشية والإرادة من صفات الأفعال ، فمن زعم أن الله تعالى لم يزل مريدا شائيا فليس بموحد .
      6 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : قلت له : إن أصحابنا بعضهم يقولون بالجبر وبعضهم بالاستطاعة ، فقال لي : أكتب قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبقوتي أديت إلي فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي ، جعلتك سميعا بصيرا قويا ، ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، وذلك أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني ، وذلك أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، قد نظمت لك كل شيء تريد (1).
      7 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن العرزمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان لعلي عليه السلام غلام اسمه قنبر وكان يحب عليا عليه السلام حبا شديدا .
       فإذا خرج علي عليه السلام خرج على أثره بالسيف ، فرآه ذات ليلة فقال : يا قنبر ما لك ؟
       قال : جئت لأمشي خلفك ، فإن الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين فخفت عليك ، قال : ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض ؟! قال : لا ، بل من

    ---------------------------
    (1) مفاد الحديث : إني قد نظمت وأعددت لك كل شيء يقتضيه بقاؤك وتحتاج إليه في التكوين والتشريع وشئت أن تكون تعمل بمشيتك التي أعطيتها ما في اختيارك من الأمور حتى تستحق مني الكرامة والزلفى ودوام الخلود في جنة الخلد فإني لم أصنع بك إلا جميلا منا مني عليك ورحمة ، فما أصابك من حسنة فمني لأنها بالجميل الذي صنعته بك فأنا أولى بها وغير مسؤول عنها إذ لا سؤال عن الجميل ، فإن ارتكبت معصيتي فإنما ارتكبت بالجميل الذي صنعته بك من المشيئة والنعمة والقوة وغيرها فالسيئة منك فأنت أولى بها فأنت مسؤول عنها .

    التوحيد _ 339 _

       أهل الأرض ، قال : إن أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلا بإذن الله عزوجل من السماء ، فارجع ، فرجع .
      8 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار قال : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن موسى بن عمر (1) عن ابن سنان ، عن أبي سعيد القماط ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : خلق الله المشية قبل الأشياء ، ثم خلق الأشياء بالمشية (2).
      9 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن درست بن أبي منصور ، عن فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا ـ عبد الله عليه السلام يقول : شاء وأراد ولم يحب ولم يرض ، شاء أن لا يكون شيء إلا بعلمه وأراد مثل ذلك ، ولم يحب أن يقال له : ( ثالث ثلاثة ) ولم يرض لعباده الكفر (3).

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( د ) و ( ه‍ ) ( عن موسى بن عمران ).
    (2) ذكر هذا الحديث في آخر الباب الحادي عشر بسند آخر مع تغاير في المتن.
    (3) الباء في قوله : ( بعلمه ) ليست للسببية بل لمطلق التعلق والالصاق ، ومفاد الكلام أنه تعالى شاء كل كائن تعلق به علمه فكما لا يعزب عن علمه شيء لا يعزب عن مشيته شيء ، ومع ذلك لم يحب بعض ما شاء ولم يرض به فنهى عنه كالشرك والظلم وغيرهما من قبائح العقائد و الأعمال كما رضى أمورا فأمر بها ، والحديث نظير ما رواه المجلسي رحمه الله في البحار في باب القضاء والقدر والمشيئة عن محاسن البرقي عن النضر عن هشام وعبيد بن زرارة عن حمران قال : ( كنت أنا والطيار جالسين فجاء أبو بصير فأفرجنا له فجلس بيني وبين الطيار فقال : في أي شيء أنتم ؟ فقلنا : كنا في الإرادة والمشيئة والمحبة ، فقال أبو بصير : قلت لأبي عبد ـ الله عليه السلام : شاء لهم الكفر وأراده ؟ فقال : نعم ، قلت : فأحب ذلك ورضيه ؟ فقال : لا ، قلت : شاء وأراد ما لم يحب ولم يرض ؟! قال : هكذا خرج إلينا ).
       أقول : هذا الحديث مروي في باب المشيئة والإرادة من الكافي بتغاير في السند والمتن وهو نظير ما في الحديث الثامن عشر من باب الثاني من قول أبي الحسن عليه السلام : ( إن لله مشيتين وإرادتين ـ الخ ) ثم إن كلامه عليه السلام لا يستلزم الجبر كما توهم لأن تعلق مشيئة وإرادته تعالى بأفعال غيره لا ينافي اختيارهم كما يتبين من هذا الباب وبعض الأبواب الآتية ، وأمثال هذا الحديث عنهم عليهم السلام لنفي التفويض لا لإثبات الجبر.

    التوحيد _ 340 _

      10 ـ حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني الأسواري ، قال : حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي ، قال : أخبرنا أبو منصور محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي ، قال : حدثنا محمد أشرس ، قال : حدثنا بشر بن الحكيم ، و إبراهيم بن نصر السورياني (1) قالا : حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة ، قال : حدثنا غياث بن المجيب (2) عن الحسن البصري ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : سبق العلم ، وجف القلم (3) وتم القضاء بتحقيق الكتاب وتصديق الرسالة والسعادة من الله والشقاوة من الله عزوجل (4) قال عبد الله بن عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يروي حديثه عن الله عزوجل قال : قال عزوجل : يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي وبعصمتي وعفوي وعافيتي أديت إلي فرائضي ، فأنا أولى بإحسانك منك (5) وأنت أولى بذنبك مني ، فالخير مني إليك بما أوليت بداء (6) والشر مني إليك بما جنيت جزاء ، وبسوء ظنك

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ج ) وفي البحار باب نفي الظلم والجور : ( وإبراهيم بن أبي نصر ) وفي نسخة ( ه‍ ) و ( و ) ( السورياني ) وفي ( ب ) و ( د ) و ( ج ) ( السرياني ) والأخير تصحيف .
    (2) في نسخة ( و ) وحاشية نسخة ( ن ) ( عتاب بن المجيب ).
    (3) جفاف القلم كناية عن إتمام الكتابة فإن الله تعالى كتب في كتاب التقدير الأول ما يجري على الخلق كلا ، لا يزيد عليه ولا ينقص منه شيء ، ونفس البداء مما كتب فيه بخلاف التقدير المتأخر الذي يجري بأيدي عمال الملكوت فإن البداء يقع عليه.
    (4) أي وبالسعادة من الله عطفا على تحقيق الكتاب ، وبيان القضاء بالسعادة و الشقاوة يأتي في الحديث الثالث عشر وفي الباب الثامن والخمسين.
    (5) كذا.
    (6) بالرفع خبر للخير ، وكذا الجملة التالية ، أي الخير الواصل مني إليك مبتدء من دون استحقاقك لأن مبادي الخير الذي تستحقه بعملك أيضا مني ، والشر الواصل جزاء متفرع على جنايتك ، وفي البحار باب نفي الظلم والجور ، وفي نسخة ( ب ) بالنصب ، وهو على التميز والخبر مقدر ، ( واصل ) أو ما بمعناه ، وأوليته معروفا أي صنعته إليه.

    التوحيد _ 341 _

       بي قنطت من رحمتي ، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان ، ولي السبيل عليك بالعصيان ، ولك الجزاء والحسنى عندي بالاحسان (1) لم أدع تحذيرك ، ولم آخذك عند عزتك (2) ولم أكلفك فوق طاقتك ، ولم أحملك من الأمانة إلا ما قدرت عليه (3) رضيت منك لنفسي ما رضيت به لنفسك مني . (4) قال عبد الملك : لن أعذبك إلا بما عملت.
      11 ـ حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي ( ره ) قال : حدثنا أبي ، عن أحمد ابن علي الأنصاري ، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : سأل المأمون يوما علي بن موسى الرضا عليهم السلام فقال له : يا ابن رسول الله ما معنى قول الله عزوجل : ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ

    ---------------------------
    (1) في البحار وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ولك الجزاء الحسنى ) بالتوصيف مع أن الجزاء مذكر والحسنى مؤنث ، فإن صح فكأنه كان كما في الآية من قوله تعالى : ( فله جزاء الحسنى ) فغير عند النسخ .
    (2) المراد بالعزة هنا ما في قوله تعالى : ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ ) وهي التكبر والطغيان والغلبة على العباد بالظلم والعدوان أي لم آخذك عندها بل نبهتك ووعظتك وحذرتك حتى حين ، وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) ( عند غرتك ) ، وفي البحار ( ولم أخذل عند عزتك ).
    (3) الظاهر منه جنس الأمانة وهو ما استودعها الله تعالى عباده من المعارف وغيرها و مباديها ، والمراد بالتحميل التكليف بها .
    (4) هذا الكلام يقال إذا عوهد بين اثنين بجزاء على عمل فإن كلا منهما رضي لنفسه بما من الآخر في قبال ما منه على حسب المعاهدة ، وقول عبد الملك الذي هو أحد من في السند تفسير لهذه الفقرة ، ولو قال : لن أجزيك إلا بما عملت ، لكان أتم.

    التوحيد _ 342 _

       حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) (1) فقال الرضا عليه السلام : حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام أن المسلمين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو أكرهت يا رسول الله من قدرت عليه من الناس على الإسلام كثر عددنا وقوينا على عدونا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما كنت لألقى الله عزوجل ببدعة لم يحدث إلي فيها شيئا ، وما أنا من المتكلفين ، فأنزل الله تبارك وتعالى : يا محمد ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ) على سبيل الالجاء والاضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة ، ولو فعلت ذلك بهم لهم لم يستحقوا مني ثوابا ولا مدحا ، لكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ) وأما قوله عزوجل : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله ، وإذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلفة متعبدة ، وإلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبد عنها.
       فقال المأمون : فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك (2).

    ---------------------------
    (1) يونس : 100.
    (2) حاصل كلامه عليه السلام في الآيتين : لو شاء ربك أن يؤمن الناس كلهم بالالجاء و التكوين لآمنوا ، ولكنه لم يشأ كذلك فلم يؤمن كلهم ، فلا يطمع أصحابك أن تكره الناس على الإيمان حتى يكونوا مؤمنين ، بل الله تعالى شاء أن يؤمن الناس بالاختيار حتى يستحقوا الكرامة والزلفى ودوام الخلود في جنة الخلد ، وعلى هذا فما كان لنفس أن تؤمن إلا بأمره المناسب لاختيارهم.
       وأمره هو ما يجمع أسباب إيمان النفوس من جهته تعالى من تشريع الشرائع ونصب الأعلام والأدلة وإعطاء العقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب والدعوة إليه والوعد والوعيد والانذار والتبشير وغير ذلك من الألطاف والهدايات ، فما لم يعد الله هذه الأمور ما كان لنفس أن تؤمن لأن الإيمان مسبب عنها ووجوده بدون السبب ممتنع ، وما

    التوحيد _ 343 _

      12 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا : حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن درست ، عن فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : شاء الله أن أكون مستطيعا لما لم يشأ أن أكون فاعله (1) قال : وسمعته يقول : شاء وأراد ولم يحب ولم يرض ، شاء أن لا يكون في ملكه شيء إلا بعلمه ، وأراد مثل ذلك ، ولم يحب أن يقال له : ( ثالث ثلاثة ) ولم يرض لعباده الكفر.
      13 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن علي بن حسان ، عن إسماعيل ابن أبي زياد الشعيري ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن سعدان (2) عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سبق العلم ، وجف القلم ، ومضى القدر بتحقيق الكتاب

    ---------------------------
       أبلغ كلمة الإذن هنا لأن الإذن هو تخلية الشيء في طريق التحقيق والوجود بإتمام سببه إلا أن الإمام عليه السلام فسره بالأمر لرعاية فهم المخاطب ، ولا يخفى أن المراد به التكويني لا التشريعي المقابل للنهي لأن الإيمان لا يتوقف عليه وإن أمر به تأكيدا في بعض الآيات بل على الأمر التكويني النازل من عنده تعالى المساوق للإذن التكويني كما بينا ، ثم إن الرجس المذكور في الآية هو الشك وعدم الإيمان وهو مستند إلى عدم السبب التام من ناحية الإنسان من جهة عدم تعقله في الأدلة والآيات فلا يتحقق الإيمان ، لكن نقصان السبب ليس من عند الله بل من عند النفس فلذا قال تعالى : ( ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ) وعقبه بقوله : ( قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ـ الآية ).
    (1) مفاده أن الاستطاعة ثابتة مع عدم الفعل خلافا للأشاعرة .
    (2) في نسخة ( و ) و ( ب ) و ( د ) ( عن خالد بن معدان ) ، وأظن أنه الصواب قال ابن حجر في التقريب ، خالد بن معدان الكلاعي الحمصي أبو عبد الله ثقة عابد يرسل كثيرا مات سنة ثلاث ومائة وقيل بعد ذلك.

    التوحيد _ 344 _

       وتصديق الرسل وبالسعادة من الله عزوجل لمن آمن واتقى وبالشقاء لمن كذب و كفر وبولاية الله المؤمنين وبراءته من المشركين ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عن الله أروي حديثي إن الله تبارك وتعالى يقول : يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبعصمتي وعوني وعافيتي أديت إلي فرائضي ، فأنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيئاتك مني ، فالخير مني إليك بما أوليت بداء ، و الشر مني إليك بما جنيت جزاء ، وبإحساني إليك قويت على طاعتي ، وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي ، فلي الحمد والحجة عليك بالبيان ، ولي السبيل عليك بالعصيان ، ولك جزاء الخير عندي بالاحسان ، لم أدع تحذيرك ، ولم أخذك عند عزتك ، ولم أكلفك فوق طاقتك ، ولم أحملك من الأمانة إلا ما أقررت به على نفسك (1) رضيت لنفسي منك ما رضيت لنفسك مني .

    56 ـ باب الاستطاعة (2)

      1 ـ أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله البرقي ، قال : حدثني أبو شعيب صالح بن خالد المحاملي ، عن أبي سليمان الجمال ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن شيء من الاستطاعة ، فقال : ليست الاستطاعة من كلامي ولا كلام آبائي. (3)

    ---------------------------
    (1) في البحار باب القضاء والقدر : إلا ما أقررت بها على نفسك ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( إلا ما قدرت به على نفسك ).
    (2) الاستطاعة استفعال من الطوع ، وقد يراد بها مطلق القدرة على الفعل قبله وحينه ، و هذا مورد النزاع مع الأشاعرة النافين لها قبل الفعل ، وقد يراد بها أخص من هذا المعنى وهو الوسع والإطاقة للفعل وهو القدرة عليه من دون المشقة ، والأول شرط لكل تكليف بالضرورة والثاني شرط شرعا وقد يتخلف .
    (3) أي ليست الاستطاعة التي يقول بها القدرية من استقلال العبد في كل فعل وترك من كلامي ولا كلام آبائي كما يظهر من الحديث الثاني والعشرين ، وتفسير الصدوق ـ رحمه الله ـ بعيد عن سياق السؤال.

    التوحيد _ 345 _

       قال مصنف هذا الكتاب : يعني بذلك أنه ليس من كلامي ولا كلام آبائي أن نقول لله عزوجل : إنه مستطيع ، كما قال الذين كانوا على عهد عيسى عليه السلام : ( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء ). (1)
      2 ـ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بنيسابور ، قال : حدثنا أحمد بن الفضل بن المغيرة ، قال : حدثنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الإصفهاني ، قال : حدثنا علي بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن أبي الحسين القريظي (2) عن سهل بن أبي محمد المصيصي (3) عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام ، قال : لا يكون العبد فاعلا ولا متحركا إلا والاستطاعة معه من الله عزوجل وإنما وقع التكليف من الله تبارك وتعالى بعد الاستطاعة ، ولا يكون مكلفا للفعل إلا مستطيعا. (4)

    ---------------------------
    (1) المائدة : 112.
    (2) في نسخة ( و ) ( العريضي مكان القريظي ).
    (3) في نسخة ( ب ) و ( د ) ( عن سهل أبي محمد المصيصي ).
    (4) في نسخة ( و ) و ( ن ) بعد الحديث الثاني أربعة أحاديث ليست في سائر النسخ ، هي هذه :
      أ ـ حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي جميلة المفضل بن صالح ، عن محمد بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) قال : وهم مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه ، وبذلك ابتلوا ، قال : وسألته عن رجل مات وترك مائة ألف درهم ولم يحج حتى مات هل كان يستطيع الحج ؟ قال : نعم ، إنما استطاعته بما له وصحته.
      ب ـ حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن حديد الأزدي ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ) قال : صارت أصلابهم كصياصي البقر ، يعني قرونها ، ( وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) قال : ( وهم مستطيعون ).
      ج ـ حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران ، عن محمد بن حمران ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : رجل عرض عليه الحج فاستحيا أهو ممن يستطيع الحج ؟ قال : نعم .
      د ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله جميعا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) قال : ( هذا لمن كان عنده مال وله صحة ).

    التوحيد _ 346 _

      3 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبيد بن زرارة ، قال : حدثني حمزة ابن حمران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاستطاعة فلم يجبني ، فدخلت عليه دخلة أخرى فقلت : أصلحك الله أنه قد وقع في قلبي منها شيء لا يخرجه إلا شيء أسمعه منك ، قال : فإنه لا يضرك ما كان في قلبك : قلت : أصلحك الله فإني أقول : إن الله تبارك وتعالى لم يكلف العباد إلا ما يستطيعون وإلا ما يطيقون ، فإنهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلا بإرادة الله ومشيته وقضائه وقدرة ، قال : هذا دين الله الذي أنا عليه وآبائي أو كما قال. (1)
       قال مصنف هذا الكتاب : مشية الله وإرادته في الطاعات الأمر بها والرضا ،

    ---------------------------
    (1) أي قال عليه السلام : هذا دين الله ـ الخ أو قال ما أشبه هذا مما يفيد معناه .

    التوحيد _ 347 _

       وفي المعاصي النهي عنها والمنع منها بالزجر والتحذير. (1)
      4 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن محمد بن يحيى الصيرفي ، عن صباح الحذاء ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سأله زرارة وأنا حاضر فقال : أفرأيت (2) ما افترض الله علينا في كتابه وما نهانا عنه جعلنا مستطيعين لما افترض علينا مستطيعين لترك ما نهانا عنه ، فقال : نعم .
      5 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، قال : حدثنا أبي ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير ، عن حمزة بن حمران ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن لنا كلاما نتكلم به ، قال : هاته ، قلت : نقول : إن الله عزوجل أمر ونهى وكتب الآجال والآثار لكل نفس بما قدر لها وأراد ، وجعل فيهم من الاستطاعة لطاعته ما يعملون به ما أمرهم به وما نهاهم عنه (3) فإذا تركوا ذلك إلى غيره كانوا محجوجين بما صير فيهم من الاستطاعة و القوة لطاعته ، فقال : هذا هو الحق إذا لم تعده إلى غيره.
      6 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي جميلة المفضل بن صالح ، عن محمد ابن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ما أمر العباد إلا بدون سعتهم ، فكل شيء أمر الناس بأخذه فهم متسعون له ، وما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم ، ولكن الناس لا خير فيهم .

    ---------------------------
    (1) لا بأس بأن يكون مراده الإرادة والمشيئة والقضاء والقدر التكوينية لأن أفعال العباد ليست خارجة عنها ولا ينافي ذلك اختيارهم.
    (2) في نسخة ( و ) و ( ن ) و ( ب ) ( أرأيت ) :
    (3) ( ما أمرهم به ) مفعول لقوله : يعملون ، وكذا ما نهاهم عنه من باب ( علفتها تبنا وماء باردا ) أي ويتركون ما نهاهم عنه.

    التوحيد _ 348 _

      7 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن علي بن أسباط ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الاستطاعة ، فقال : يستطيع العبد بعد أربع خصال : أن يكون مخلى السرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح ، له سبب وارد من الله عزوجل ، قال : قلت : جعلت فداك فسرها لي ، قال : أن يكون العبد مخلى السرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح ، يريد أن يزني فلا يجد امرأة ثم يجدها ، فإما أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف ، أو يخلى بينه وبين إرادته فيزني فيسمى زانيا (1) ولم يطع الله بإكراه ولم يعص بغلبة (2).

    ---------------------------
    (1) تخلية السرب هي عدم المانع ، وصحة الجسم أن لا يكون مريضا ضعيفا يعاف العمل أو لا يقوى عليه ، وسلامه الجوارح أن يكون له آلة العمل بأن لا يكون عنينا أو أعمى أو أصم أو مشلولا أو غير ذلك ، والسبب الوارد من الله تعالى هو الأسباب التي ليست عند العبد بنفسه ، والحاصل أن لا يكون له مانع من الخارج أو الداخل ويكون له الأسباب من الداخلية والخارجية ، فعند ذلك يحصل له التمكن ولا يبقى له شيء لاختيار أحد الطرفين من الفعل و الترك فإن فعل القبيح فبتخليه الله إياه بينه وبن إرادته ، وإن تركه فبالعصمة المانعة ، فهي إما بالقوة القدسية كما في الأنبياء والأوصياء عليهم السلام .
       أو بالعقل القاهر كما في المؤمنين ، أو بأن يحول بينه وبين قلبه فينفسخ العزم وينتقض الهم ، أو بان يعدم ما لوجوده دخل في الفعل ، أو يوجد ما لعدمه دخل فيه ، فمراده عليه السلام بالعصمة ما هو أعم من المصطلحة. وأما الحسن فإنه تركه فبتخلية الله إياه وإن فعل فبتوفيقه تعالى بعد الاستطاعة إذ الاستطاعة على الحسن لا تستلزمه وإن كانت حاصلة في الحال وانتفاء الموانع لأن الإنسان كثيرا ما يتمكن من إتيان الحسن ولا يأتيه ، اذكر قول العبد الصالح شعيب النبي على نبينا وآله وعليه السلام ( إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) ، وللتوفيق علل كالعصمة فافحصها ، ثم إن العبد بعد ما كان له صفة الاختيار لا يستحق من الله تعالى العصمة و التوفيق فإن صنعهما الله تعالى به فبفضله وإن كان أصل الاختيار وعلله أيضا بفضله ، هذه جملة أن تهتد إلى تفاصيلها لم يبق لك شبهة في مبحث الأفعال.
    (2) الفعلان على بناء المجهول ، والمعنى : لا يكره الله عباده على إطاعته ، بل يعصم ويوفق وهما لا يصلان إلى حد الاكراه ، ولا يعصيه عباده بالغلبة عليه سبحانه وتعالى لأنه قادر على منعهم عن المعصية ، بل يخلى بينهم وبين إرادتهم.

    التوحيد _ 349 _

      8 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن إسماعيل بن الجابر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إن الله عزوجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه ، وأمرهم ونهاهم ، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به ، وما نهاهم عنه فقد جعل لهم السبيل إلى تركه ، ولا يكونوا (1) آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله عزوجل ، يعني : بعلمه (2).
      9 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان بن عثمان ، عن حمزة بن محمد الطيار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) (3) قال : مستطيعون ، يستطيعون الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه ، وبذلك ابتلوا ، ثم قال : ليس شيء مما أمروا به ونهوا عنه إلا ومن الله تعالى عزوجل فيه ابتلاء وقضاء (4).
      10 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن موسى بن المتوكل رحمهما الله قالا : حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

    ---------------------------
    (1) بحذف النون مجزوما عطف على الجزاء في الجملتين ، ومثله في الحديث الأول من الباب التاسع والخمسين ، ونسخة ( ج ) و ( ط ) ( ولا يكونوا فيه ـ الخ ) فالضمير المجرور يرجع إلى المأمور به والمنهي عنه ، وفي البحار المطبوع حديثا في باب القضاء والقدر : ( ولا يكونون فيه ـ الخ ).
    (2) الظاهر أن هذا تفسير من بعض الرواة أو من الصدوق ـ رحمه الله ـ كما استظهره المجلسي ـ رحمه الله ـ وقد مضى بيان الإذن في الحديث الحادي عشر من الباب السابق.
    (3) القلم : 43.
    (4) أي امتحان وحكم بالثواب أو العقاب.

    التوحيد _ 350 _

       قول الله عزوجل : ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) قال : يكون له ما يحج به ، قلت : فمن عرض عليه الحج فاستحيا ؟ قال : هو ممن يستطيع .
      11 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو ممن يستطيع الحج.
      12 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن سعيد بن جناح ، عن عوف بن عبد الله الأزدي ، عن عمه ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاستطاعة ، فقال : وقد فعلوا (1) فقلت : نعم ، زعموا أنها لا تكون إلا عند الفعل وإرادة في حال الفعل لا قبله (2) فقال أشرك القوم (3).
      13 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عمن رواه من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : لا يكون العبد فاعلا إلا وهو مستطيع وقد يكون مستطيعا غير فاعل ولا يكون فاعلا أبدا حتى يكون معه الاستطاعة.
      14 ـ حدثنا أبي رحمه الله قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ما يعني بذلك ؟ قال : من كان

    ---------------------------
    (1) هذا إخبار ، أي وقد فعلوا ما يوجب أمثال هذه الضلالات في الدين.
    (2) قوله : ( وإرادة ) بالجر عطف على الفعل ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) بصيغة اسم الفاعل المؤنث من الورود فهو خبر للاتكون .
    (3) إشراكهم ليس لأجل هذه العقيدة خاصة ، بل لما فعلوا في أصل الدين ، ويحتمل ذلك لأن هذه العقيدة من لوازم الجبر المستلزم إسناد الظلم والفواحش إليه تعالى .

    التوحيد _ 351 _

       صحيحا في بدنه ، مخلى سربه ، له زاد وراحلة .
      15 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الله بن محمد الحجال الأسدي ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الأعلى بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه الآية ( لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (1) أنهم كانوا يستطيعون وقد كان في العلم أنه لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لفعلوا .
      16 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن عبد الله ، عن أحمد ابن محمد البرقي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون ) قال : أكذبهم الله عزوجل في قولهم : ( لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ) وقد كانوا مستطيعين للخروج .
      17 ـ حدثتا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن عبد الله ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أبي الحسن الحذاء ، عن المعلى بن خنيس ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما يعني بقوله عزوجل : ( وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ) ؟ (3) قال : و هم مستطيعون .
      18 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا سعد ابن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن عبد الحميد ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يكون العبد فاعلا ولا متحركا إلا والاستطاعة معه من الله عزوجل وإنما وقع التكليف من الله بعد الاستطاعة ، فلا يكون مكلفا للفعل إلا مستطيعا .

    ---------------------------
    (1) التوبة : 42.
    (2) كذا ، ولا يعرف الرجل في أصحاب الصادق عليه السلام وفي نسخة ( و ) و ( ه‍ ) ( عن أبي محمد البرقي ).
    (3) القلم : 43.

    التوحيد _ 352 _

      19 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما كلف الله العباد كلفة فعل ولا نهاهم عن شيء حتى جعل لهم الاستطاعة ثم أمرهم ونهاهم ، فلا يكون العبد آخذا ولا تاركا إلا باستطاعة متقدمة قبل الأمر والنهي وقبل الأخذ والترك وقبل القبض والبسط.
      20 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا يكون من العبد قبض ولا بسط إلا باستطاعته متقدمة للقبض والبسط .
      21 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي شعيب المحاملي ، وصفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سمعته يقول وعنده قوم يتناظرون في الأفاعيل والحركات فقال : الاستطاعة قبل الفعل ، لم يأمر الله عزوجل بقبض ولا بسط إلا والعبد لذلك مستطيع .
      22 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن مروك بن عبيد ، عن عمرو رجل من أصحابنا (1) عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له : إن لي أهل بيت قدرية يقولون : نستطيع أن نعمل كذا وكذا ونستطيع أن لا نعمل ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : قل له : هل تستطيع أن لا تذكر ما تكره وأن لا تنسى ما تحب ؟ فإن قال : لا فقد ترك قوله ، وإن قال : نعم فلا تكلمه أبدا فقد ادعى الربوبية.
      23 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو الخير صالح بن أبي حماد ، قال : حدثني أبو خالد السجستاني ، عن علي بن يقطين ، عن أبي إبراهيم عليه السلام ، قال : مر أمير المؤمنين عليه السلام بجماعة بالكوفة وهم

    ---------------------------
    (1) قوله : ( رجل ) بالجر بدل عن ( عمرو ) ولكون الواو بعد عمر للعطف احتمال.

    التوحيد _ 353 _

       يختصمون في القدر ، فقال لمتكلمهم : أبالله تستطيع أم مع الله أم دون الله تستطيع ؟!
       فلم يدر ما يرد عليه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنك إن زعمت أنك بالله تستطيع فليس لك من الأمر شيء (1) وإن زعمت أنك مع الله تستطيع فقد زعمت أنك شريك معه في ملكه ، وإن زعمت أنك من دون الله تستطيع فقد ادعيت الربوبية من دون الله ، عزوجل ، فقال : يا أمير المؤمنين لا ، بل بالله أستطيع ، فقال عليه السلام : أما إنك لو قلت غير هذا لضربت عنقك .
      24 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : رفع عن أمتي تسعة : الخطأ ، و النسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، وما لا يعلمون ، وما اضطروا إليه ، و الحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة. (2)
      25 ـ حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي ( ره ) بفرغانة ، قال : حدثنا أبي ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا ) (3) فقال عليه السلام : إن غطاء العين لا يمنع من الذكر ، و الذكر لا يرى بالعيون ، ولكن الله عزوجل شبه الكافرين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بالعميان لأنهم كانوا يستثقلون قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه ولا يستطيعون سمعا ، فقال المأمون : فرجت عني فرج الله عنك.

    ---------------------------
    (1) أي شيء مما ادعيت من استقلالك في الأفاعيل والحركات ، وفي نسخة ( و ) و ( ج ) ( فليس إليك ـ الخ ).
    (2) ليس المرفوع ذوات هذه الأمور قطعا ، بل المؤاخذة أو الأحكام التكليفية أو الوضعية أو كلتاهما كلا أو بعضا ، والتفصيل في محله ، وذكر الحديث هنا لذكر ما لا يطيقون فيه أي ما لا يستطيعون بالمعنى الثاني المذكور في صدر الباب.
    (3) الكهف : 101 .