الفهرس العام

باب الابتلاء والاختبار

    58 ـ باب السعادة والشقاوة
    59 ـ باب نفي الجبر والتفويض
    60 ـ باب القضاء والقدر والفتنة والأرزاق والأسعار والآجال
    61 ـ باب الأطفال وعدل الله عزوجل فيهم



      1 ـ أبي رحمه الله قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ابن عمران الأشعري ، عن محمد بن السندي ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما من قبض ولا بسط إلا ولله فيه المن والابتلاء.
      2 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن عيسى ابن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن حمزة بن محمد الطيار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما من قبض ولا بسط إلا ولله فيه مشية وقضاء وابتلاء.
      3 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن حمزة بن محمد الطيار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ليس شيء فيه قبض أو بسط مما أمر الله به أو نهى عنه إلا وفيه من الله عزوجل ابتلاء وقضاء (1)

    58 ـ باب السعادة والشقاوة

      1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا علي بن محمد رفعه عن شعيب العقرقوفي ، عن أبي بصير ، قال : كنت بين يدي أبي عبد الله عليه السلام جالسا وقد سأله سائل فقال : جعلت فداك يا ابن رسول الله من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتى حكم لهم في علمه بالعذاب على عملهم ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : أيها السائل علم الله عزوجل ألا يقوم أحد من خلقه بحقه ، فلما علم بذلك وهب لأهل محبته القوة على معرفته ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله (2) ووهب لأهل المعصية القوة على معصيتهم (3) لسبق علمه فيهم

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ليس شيء فيه قبض ولا بسط ـ الخ ).
    (2) أي بحقيقة المحبة التي هم أهلها فإن المحبة تدفع ثقل العمل كما يشهد به الوجدان.
    (3) مع أن كلا الفريقين قادرون على الطاعة والمعصية إلا أن محبة الله تدفع ثقل الطاعة وتمنع عن المعصية ، ومحبة النفس والدنيا تجر إلى المعصية وتثقل الطاعة ، فيصح حينئذ أن يقال : لهم القوة على المعرفة والطاعة ولهم القوة على المعصية.

    التوحيد _ 355 _

       ولم يمنعهم إطاقة القبول منه لأن علمه أولى بحقيقة التصديق ، فوافقوا ما سبق لهم في علمه ، وإن قدروا أن يأتوا خلالا تنجيهم عن معصيته (1) وهو معنى شاء ما شاء ، وهو سر (2).

    ---------------------------
    (1) في الكافي باب السعاة والشقاوة : ( ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه ) وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم عن معصيته ) وقوله في النسختين :
       ( ولم يقدروا ) لا يناسب قوله : ( ولم يمنعهم اطاقة القبول منه ) لأنه تعالى إن لم يمنعهم ذلك فهم قادرون على أن يأتوا حالا تنجيهم عن معصيته فالمناسب ( وإن قدروا ) كما في سائر النسخ ، إلا أن في الكافي : ( ومنعهم إطاقة القبول ) فيناسب .
       ثم إن معنى الحديث على ما في الكتاب ظاهر لا إشكال فيه كما قلنا من قبل : إن كلا الفريقين قادرون ـ الخ ، وأما على ما في الكافي فمنع الإطاقة وعدم القدرة على ما ينجيهم من عذابه لأجل عدم المحبة له تعالى بحيث لا ينبعث إرادتهم على القبول لما من عنده من المعارف والأوامر والنواهي وغيرها وعلى الاتيان بما فيه رضى الرب تعال ومع عدم انبعاث الإرادة امتنع القبول والإتيان ، وعدم المحبة لأجل عدم المعرفة وهو معلول لعدم التوجه والاقبال إلى الحق وهو معلول للتغافل ثم الغفلة عن مبدئه ومعاده وهو معلول للاشتغال بما عنده من اللذات المادية وما في الدنيا من الأمور الفانية وتوهم أنها مطلوبة نافعة بما هي هي ، والحاصل أن امتناع الإطاقة وعدم القوة على الاتيان معلول لمنعه تعالى إياهم محبته فلذا أسنده إلى نفسه ، لكن ذلك ليس جزافا وظلما بل لعدم قابلية المحل لمحبته بسبب الاشتغال بمحبة نفسه ومحبة ما يراه ملائما لنفسه ، وببيان آخر أن القدرة قد يراد بها كون الفاعل بحيث يصح منه الفعل والترك ويمكنانه ، وقد يراد بها القوة المنبعثة في العضلات على الاتيان بعد تحقق الإرادة ، ويعبر عنها بالاستطاعة والإطاقة أيضا ، والمنفية عنهم في الحديث هي القدرة بالمعنى الثاني ، فتدبر .
    (2) في الكافي : ( وهو سره ) والسر يأتي بمعنى الأمر المكتوم والأمر المعزوم عليه ، والأصل ، وجوف كل شيء ولبه ، وعلى نسخة الكتاب فالأنسب المعنى الأول ، فمعنى الكلام : وهو أي هبة القوة للفريقين معنى شاء ما شاء ، وهذا المعنى أمر مكتوم عن أفهام العامة ، و على ما في الكافي فالأنسب أن يكون بمعنى الأصل ، فمعناه : وهو أي معنى شاء ما شاء أصل الأمر فيما قلت لك من شأن أهل المحبة وأهل المعصية.

    التوحيد _ 356 _

      2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ) (1) قال : بأعمالهم شقوا .
      3 ـ حدثنا الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : حدثنا علي بن محمد ابن قتيبة النيسابوري ، عن الفضل بن شاذان ، عن محمد بن أبي عمير ، قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله : ( الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه ) فقال : الشقي من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل أعمال الأشقياء (2) والسعيد من علم الله وهو في بطن أمه أنه سيعمل أعمال السعداء ، قلت له : فما معنى قوله صلى الله عليه وآله : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق الله ) ؟ فقال : إن الله عزوجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ولم يخلقهم ليعصوه ، وذلك قوله عزوجل : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (3) فيسر كلا لما خلق له ، فالويل لمن استحب العمى على الهدى. (4)

    ---------------------------
    (1) المؤمنون : 106.
    (2) في نسخة ( ط ) و ( ن ) في الموضعين : ( من علمه الله ).
    (3) الذاريات : 56.
    (4) في نسخة ( و ) بعد الحديث الرابع هكذا : ( قال مصنف هذا الكتاب : ولهذا الحديث معنى آخر وهو أن أم الشقي جهنم ، قال الله عزوجل : ( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) والشقي من جعل في الهاوية ، والسعيد من أسكن الجنة ).
       أقول : وله معنى آخر مذكور في بعض الأخبار ، وهو أن ملك الأرحام يكتب له بإذن الله بين عينيه أنه سعيد أم شقي وهو في بطن أمه ، ومعنى آخر أن المراد بالأم دار الدنيا فإنه كما يولد من بطن أمه إلى الدنيا يولد من الدنيا إلى الآخرة فإحديهما حاصلة له في الدنيا بأعماله .

    التوحيد _ 357 _

      4 ـ أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن معلى أبي عثمان (1) عن علي بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : يسلك بالسعيد طريق الأشقياء حتى يقول الناس : ما أشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه السعادة ، وقد يسلك بالشقي طريق السعداء حتى يقول الناس : ما أشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه الشقاء.
       إن من علمه الله تعالى سعيدا وإن لم يبق من الدنيا إلا فواق ناقة ختم له بالسعادة. (2)
      5 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إن الله عزوجل خلق السعاة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه (3) فمن علمه الله سعيدا لم يبغضه أبدا ، وإن عمل شرا أبغض عمله ولم

    ---------------------------
    (1) هو أبو عثمان معلى بن عثمان الأحول الكوفي الثقة الذي روي عن أبي عبد الله عليه السلام بلا واسطة أيضا ، وفي نسخة ( و ) و ( ه‍ ) عن معلى بن عثمان ، وأما معلى بن أبي عثمان كما في بعض النسخ فالظاهر أنه خطأ .
    (2) الختم بالسعادة أو الشقاوة منوط بخير القلب وعدمه ، وهو ما أنبأ عنه في قوله تعالى : ( لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ) وقوله : ( إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا ) وهذا الخير هو ميل القلب إلى الحق وحبه له كائنا ما كان وإن لم يعرف مصداقه واشتبه عليه الباطل به ، فإن على الله الهدى إن علم ذلك من عبده.
    (3) في الكافي : ( فمن خلقه الله سعيدا لم يبغضه أبدا ـ الخ ) ( وإن كان شقيا لم يحبه أبدا ـ الخ ) أقول : لا شبهة أن السعادة التي هي الفوز بالمطلوب والشقاوة التي هي الحرمان عنه لاحقتان بالعبد إثر عقيدته وعمله كما صرح به في الحديث الأول ، فمعنى خلقهما قبل خلق الخلق خلق عللهما وأن لا تتم إلا باختيار العبد ، أو المعنى أنه تعالى خلقهما بخلق الإنسان الذي هو موضوعهما في العوالم السالفة كالميثاق والأرواح قبل أن يخلقه خلقة هذه النشأة ، أو معنى خلقهما تقديرهما في ألواح التقدير لا إيجادهما في موضوعهما .

    التوحيد _ 358 _

       يبغضه ، وإن كان علمه شقيا لم يحبه أبدا ، وإن عمل صالحا أحب عمله وأبغضه لما يصير إليه ، فإذا أحب الله شيئا لم يبغضه أبدا ، وإذا أبغض شيئا لم يحبه أبدا.
      6 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، وسعد بن عبد الله جميعا ، قالا : حدثنا أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) (1) قال : يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق (2) وقد قيل : إن الله تبارك وتعالى يحول بين المرء وقلبه بالموت (3) وقال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى ينقل العبد من الشقاء إلى السعادة ولا ينقله من السعادة إلى الشقاء. (4)

    ---------------------------
    (1) الأنفال : 24.
    (2) وكذا أن يعلم أن الحق باطل ، وهذا عام لكل أحد من الناس ، وذلك لأن اليقين من صنع الرب تعالى ، ولا يصنع في عبده اليقين بما خالف الحق ، بل إما يصنع اليقين أو لا يصنع ، ولما رواه العياشي في تفسيره عن الصادق عليه السلام أنه قال ( لا يستيقن القلب إن الحق باطل أبدا ولا يستيقن أن الباطل حق أبدا ) فأما المخالفون للحق الآخذون الباطل مكان الحق أو الحق مكان الباطل فهم إما مستيقنون بأنفسهم جاحدون بألسنتهم أو شاكون وإن استدلوا على ما بأيديهم ، وإلا لم يتم الحجة عليهم لأن اليقين حجة بنفسه مع أن لله تعالى الحجة البالغة على جميع خلقه ، والحاصل أن متعلق يقين القلب حق أبدا ، وأما الأباطيل فهي وراء اليقين ، فمن ادعى اليقين بباطل فهو كذاب مفتر .
    (3) الظاهر أن نقل هذا القيل من الصدوق رحمه الله.
    (4) إن قلت : إن كان المراد بالشقاوة والسعادة بحسب ما يراه الناس فالنقل ثابت من كل منهما إلى الآخر كما نطق به الحديث وشهد به الواقع ، وإن كان المراد بهما بحسب ما في علم الله فلا نقل أصلا لأن ما علمه تعالى لا يتغير ، قلت : إن الكلام منصرف عن هذا البحث بل المراد أن الله تعالى يلطف بأمور لبعض من يسلك سبيل الشقاوة فيقربه من سبيل السعادة لمصالح لشخصه أو لغيره سواء ختم أمره بالسعادة أو بالشقاوة ، ولا يمكر بمن يسلك سبيل السعادة بأمر فيقربه من سبيل الشقاوة سواء أيضا ختم أمره بها أو بها .
       والشاهد له الحديث السابع من الباب التالي ، ولا يبعد أن يكون الكلام ناظرا إلى مسألة البداء.

    التوحيد _ 359 _

    59 ـ باب نفي الجبر والتفويض

      1 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إن الله عزوجل خلق الخلق فعلم ما هم صائرون إليه ، وأمرهم ونهاهم ، فما أمرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به ، وما نهاهم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه ، ولا يكونوا آخذين ولا تاركين إلا بإذن الله (1).
      2 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن حفص بن قرط ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من زعم أن الله تبارك وتعالى يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله ، و من زعم أن الخير والشر بغير مشية الله فقد أخرج الله من سلطانه ، ومن زعم أن المعاصي بغير قوة الله فقد كذب على الله ، ومن كذب على الله أدخله الله النار.
       يعني بالخير والشر : الصحة والمرض ، وذلك قوله عزوجل : ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) (2).

    ---------------------------
    (1) هذا هو الحديث الثامن من الباب السادس والخمسين بسند آخر ، وفي نسخة ( و ) هنا : يعني بعلمه كما هناك.
    (2) الأنبياء : 35 ، والظاهر أن قوله : ( يعني بالخير ـ الخ ) من الصدوق فإن الحديث مروي بعين السند في باب الجبر والقدر من الكافي إلى قوله : ( أدخله النار ) ثم إن مفاد الكلام أعم من هذا التفسير ، بل هو رد على المفوضة القائلين بأن مشيئة الله غير متعلقة بأفعال العباد.

    التوحيد _ 360 _

      3 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن عن غير واحد ، عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله عليهما السلام ، قالا : إن الله عزوجل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها ، والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون ، قال : فسئلا عليهما السلام ، هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة ؟ قالا : نعم ، أوسع مما بين السماء والأرض (1).
      4 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا الحسن ابن متيل (2) عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : الله تبارك وتعالى أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقونه والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد .
      5 ـ حدثنا علي بن عبد الله الوراق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ابن بطة ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، ومحمد بن علي بن محبوب ، ومحمد بن الحسين بن عبد العزيز ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ابن عيسى الجهني ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إن الناس في القدر على ثلاثة أوجه : رجل يزعم أن الله عزوجل أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر ، ورجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم فهذا قد أوهن

    ---------------------------
    (1) سعته باعتبار مشيئة الله العامة لكل شيء في الوجود ، فإن الجبرية ضيقوا مشيئته تعالى لأنهم يقولون لا تتعلق بمشيئة العبد لفعله إذ لا مشيئة له ، والقدرية ضيقوها لأنهم يقولون لا تتعلق بها إذا لعبد مستقل في مشيئته ، ويرد قول الفريقين الحديث القدسي المشهور المروي عن النبي والأئمة عليهم السلام : ( يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ) وقد مضى في الباب الخامس والخمسين .
    (2) بفتح الميم ، وقيل بضمها ، وفي نسخه ( و ) وصفة بالدقاق ، قال في قاموس الرجال : إن المصنف ( يعني الممقاني ) زاد في عنوانه الدقاق القمي ، والدقاق يستفاد من خبر مزار التهذيب وأما القمي فلم يعلم مستنده .

    التوحيد _ 361 _

       الله في سلطانه فهو كافر ، ورجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون وإذا أحسن حمد الله ، وإذا أساء استغفر الله ، فهذا مسلم بالغ .
      6 ـ حدثنا علي بن عبد الله الوراق رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إسماعيل بن سهل ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمد بن عجلان ، قال : قلت لأبي ـ عبد الله عليه السلام : فوض الله الأمر إلى العباد ؟ فقال : الله أكرم من أن يفوض إليهم ، قلت : فأجبر الله العباد على أفعالهم ؟ فقال : الله أعدل من أن يجبر عبدا على فعل ثم يعذبه عليه.
      7 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا : سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : ذكر عنده الجبر والتفويض ، فقال : ألا أعطيكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه ولا تخاصمون عليه أحدا إلا كسرتموه ، قلنا : إن رأيت ذلك ، فقال : إن الله عزوجل لم يطع بإكراه ، ولم يعص بغلبة (1) ولم يهمل العباد في ملكه ، هو المالك لما ملكهم ، والقادر على ما أقدرهم عليه ، فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادا ولا منها مانعا وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ، ثم قال عليه السلام : من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه (2).

    ---------------------------
    (1) قوله : ( لم يطع بإكراه ) رد على الجبرية ، وقوله : ( لم يعص بغلبه ) رد على القدرية وفي نسخة و ( و ) و ( ط ) و ( ن ) ( لم يطع بالاكراه ).
    (2) حاصل كلامه عليه السلام : أنه تعالى قادر على كل شيء ومالك كل شيء حتى إرادات ذويها فإنها بيده يمنع ويعطي فلا معنى لقول القدرية المفوضة ، لكنه تعالى يخلي بين العبد و بين إرادته في مقام الطاعة فيفعل فيستحق ، ويخلي بينه وبينها في مقام المعصية تارة ويحول أخرى بسلب مقدمة من المقدمات الخارجية أو الداخلية ، فإن حال فهو لطف من الله لعبده ، وإن لم يحل وفعل العبد فإنما فعل بإرادته التي جعلها الله تعالى من حيث الفعل والترك بيده ، لا أنه تعالى أكرهه على ذلك ، فليس على الله شيء ، إذ ليس من حق العبد على الله عزوجل أن يحول بينه وبين معصيته ، فلا معنى لقول الجبرية.

    التوحيد _ 362 _

      8 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن خنيس بن محمد ، عن محمد بن يحيى الخزاز ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين ، قال : قلت : وما أمر بين أمرين ؟ قال : مثل ذلك مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية ، فليس حيث لم يقبل منك فتركته أنت الذي أمرته بالمعصية. (1)
      9 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق المؤدب رحمه الله ، قال : حدثنا أحمد ابن علي الأنصاري ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر عليهم السلام يقول : من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة ولا تقبلوا له شهادة ، إن الله تبارك وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها ، ولا يحملها فوق طاقتها (2) ولا تكسب كل نفس إلا عليها ، ولا تزر وازرة وزر أخرى. (3)
      10 ـ حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال : حدثنا الحسين بن محمد ابن عامر ، عن معلى بن محمد البصري ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته فقلت له : الله فوض الأمر إلى العباد ؟ قال : الله أعز

    ---------------------------
    (1) بيانه أنك حيث نهيته فلم ينته فتركته على عمله لست أنت الذي أمرته بالمعصية ، كذلك الله تعالى حيث نهى العبد عن المعصية فلم ينته فتركه وخلى بينه وبين عمله ليس هو الذي أدخله فيها وأجبره عليها ، فالله خلاه فلا جبر ، وقادر على منعه إن شاء فلا تفويض .
    (2) إشارة إلى قوله تعالى : ( وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) ، والفقرات الثلاث الأخر مذكورة في الكتاب.
    (3) في نسخه ( و ) و ( ن ) و ( ه‍ ) بعد الحديث التاسع هذا الحديث : ( حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل ؟ فقال : ( لا ، بل اعقلها وتوكل ).

    التوحيد _ 363 _

       من ذلك ، قلت : فأجبرهم على المعاصي ؟ قال : الله أعدل وأحكم من ذلك ، ثم قال : قال الله عزوجل : يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيئاتك مني ، عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك .
      11 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، قال : حدثنا أبو عبد الله الرازي ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن ابن سنان ، عن مهزم ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : أخبرني عما اختلف فيه من خلفت من موالينا ، قال : قلت : في الجبر والتفويض ، قال : فسلني ، قلت : أجبر الله العباد على المعاصي ؟ قال : الله أقهر لهم من ذلك (1) قال : قلت : ففوض إليهم ؟ قال : الله أقدر عليهم من ذلك ، قال : قلت : فأي شيء هذا أصلحك الله ؟ قال : فقلب يده مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : لو أجبتك فيه لكفرت .
      12 ـ حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري ، عن أبيه ، قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام ، قال : قلت له : يا ابن رسول الله إن الناس ينسبوننا إلى القول بالتشبيه والجبر لما روي من الأخبار في ذلك عن آبائك الأئمة عليهم السلام ، فقال : يا ابن خالد أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي الأئمة عليهم السلام في التشبيه والجبر أكثر أم الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ؟! فقلت : بل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك أكثر ، قال : فليقولوا : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول بالتشبيه والجبر إذا ، فقلت له : إنهم يقولون : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل من ذلك شيئا وإنما روي عليه ، قال :

    ---------------------------
    (1) كأن القائل بالجبر يقول : إن الله تعالى لو جعل عباده مختارين لفات عنه انفاذ مشيئته فيهم كما ذهب إليه المفوضة ، فقال عليه السلام : أنه تعالى أقهر لهم من ذلك ، وليست الملازمة ثابتة ، بل هو قاهر عليهم مع اختيارهم ، وفي نسخة ( و ) ( الله أرحم لهم من ذلك ) والعجب أن كلا من الفريقين على حسب سلوكهم لو جازوا عن مقامهم وقعوا في مهوى الآخرين ، و ذلك لأنهم لم يطلبوا العلم عن باب مدينته حتى يستقيموا على الطريقة الوسطى.

    التوحيد _ 364 _

       فليقولوا في آبائي عليهم السلام : إنهم لم يقولوا من ذلك شيئا وإنما روي عليهم ، ثم قال عليه السلام : من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك ونحن منه براء في الدنيا والآخرة يا ابن خالد إنما وضع الأخبار عنا في التشبيه والجبر الغلاة الذين صغروا عظمة الله ، فمن أحبهم فقد أبغضنا ، ومن أبغضهم فقد أحبنا ، ومن والاهم فقد عادانا ، ومن عاداهم فقد والانا ، ومن وصلهم فقد قطعنا ، ومن قطعهم فقد وصلنا ، ومن جفاهم فقد برنا ، ومن برهم فقد جفانا ، ومن أكرمهم فقد أهاننا ، ومن أهانهم فقد أكرمنا ، ومن قبلهم فقد ردنا ، ومن ردهم فقد قبلنا ، ومن أحسن إليهم فقد أساء إلينا ، ومن أساء إليهم فقد أحسن إلينا ، ومن صدقهم فقد كذبنا ، ومن كذبهم فقد صدقنا ، ومن أعطاهم فقد حرمنا ، ومن حرمهم فقد أعطانا ، يا ابن خالد من كان من شيعتنا فلا يتخذن منهم وليا ولا نصيرا .

    60 ـ باب القضاء والقدر والفتنة والأرزاق والأسعار والآجال

      1 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سمعته يقول : إن القضاء والقدر خلقان من خلق الله ، والله يزيد في الخلق ما يشاء. (1)

    ---------------------------
    (1) قال المجلسي رحمه الله ذيل هذا الحديث في البحار القضاء والقدر : ( خلقان من خلق الله ) بضم الخاء أي صفتان من صفات الله ، أو بفتحهما أي هما نوعان من خلق الأشياء وتقديرها في الألواح السماوية ، وله البداء فيها قبل الايجاد ، فذلك قوله : ( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء ) أو المعنى مرتبتان من مراتب خلق الأشياء فإنها تتدرج في الخلق إلى أن تظهر في الوجود العيني.
       أقول : ولا يبعد أن يكون المراد بهما موجودين من الملائكة أو غيرهم يجري على أيديهم قضاؤه تعالى وقدره كالنازلين ليلة القدر ، مع أن إطلاق الخلق على نفس القضاء والقدر صحيح باعتبار جريانهما في الممكنات كالمشيئة على ما في الحديث الثامن في الباب الخامس والخمسين.

    التوحيد _ 365 _

      2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن درست ، عن ابن أذينة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت له جعلت فداك ما تقول في القضاء والقدر ؟ قال : أقول : إن الله تبارك وتعالى إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم (2).
      3 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن عبد الملك بن عنترة الشيباني ، عن أبيه ، عن جده ، قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر ، قال عليه السلام : بحر عميق فلا تلجه ، قال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر ، قال عليه السلام : طريق مظلم فلا تسلكه ، قال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر ، قال عليه السلام : سر الله فلا تكلفه (3) قال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أما إذا أبيت فإني سائلك ، أخبرني أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله ؟! قال : فقال له الرجل : بل كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قوموا فسلموا على أخيكم فقد أسلم وقد كان كافرا ، قال : وانطلق الرجل غير بعيد ، ثم انصرف إليه فقال له : يا أمير المؤمنين أبا لمشية الأولى نقوم ونقعد ونقبض ونبسط ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : وإنك لبعد في المشية (4) أما إني سائلك عن

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( و ) و ( ج ) و ( ه‍ ) ( عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام ).
    (2) بيانه أنه تعالى لا يسأل العباد يوم القيامة عما قضى عليهم قضاء تكوينيا حتى نفس أفعالهم الصادرة عنهم لأنها من حيث هي هي أشياء تقع في الوجود تبعا لعللها فليست خارجة عن حيطة قدره تعالى وقضائه ، بل مورد السؤال يوم القيامة هو أفعالهم من حيث الموافقة و المخالفة لقضائه التشريعي الذي هو التحليل والتحريم ، وهذا هو العهد.
    (3) في البحار باب القضاء والقدر : ( فلا تتكلفه ).
    (4) في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( وإنك لبعيد في المشيئة ).

    التوحيد _ 366 _

       ثلاث لا يجعل الله لك في شيء منها مخرجا : أخبرني أخلق الله العباد كما شاء أو كما شاؤوا ؟! فقال : كما شاء ، قال عليه السلام : فخلق الله العباد لما شاء أو لما شاؤوا ؟! فقال : لما شاء ، قال عليه السلام : يأتونه يوم القيامة كما شاء أو كما شاؤوا ؟ قال : يأتونه كما شاء ، قال عليه السلام : قم فليس إليك من المشية شيء . (1)
      4 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد الإصبهاني عن سليمان بن داود المنقري ، عن سفيان بن عيينة (2) عن الزهري ، قال : قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام ، : جعلني الله فداك أبقدر يصيب الناس ما أصابهم أم بعمل ؟
       فقال عليه السلام : إن القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد ، فالروح بغير جسد لا تحس والجسد بغير روح صورة لا حراك بها (3) فإذا اجتمعا قويا وصلحا ، وكذلك العمل والقدر ، فلو لم يكن القدر واقعا على العمل لم يعرف الخالق من المخلوق وكان

    ---------------------------
    (1) إن السائل توهم أن أعمال العباد لو كانت واقعة بقدر الله تعالى لزم الظلم إذا عذبوا عليها إذ لا محيص لهم عن القدر ، كما أن هذا التوهم ألجأ المفوضة إلى التفويض ونفي القدر فأجاب عليه السلام أن أعمال العباد مسبوقة برحمته ، مرتبطة بها ، مقدرة بها كسائر الأشياء ، فإن رحمته وسعت كل شيء ، فإن كانت مقدرة بها فلا معنى لأن يكون في التقدير ظلم ، فالجواب يرجع إلى نفي الملازمة بإثبات ضد الظلم في القدر ، وحيث إنه عليه السلام نفي التفويض وأثبت القدر توهم الجبر فرجع وقال : ( أبا لمشيئة الأولى ـ الخ ) إذ إثبات القدر في الأعمال يستلزم كونها بمشيئته ، وهذا من عجيب أمر هذا المبحث إذ نفي أحد الطرفين يجر إلى الطرف الآخر والقرار في الوسط يحتاج إلى قريحة لطيفة وفكرة دقيقة ، فأثبت عليه السلام للعبد مشيئة ولله تعالى المشيئة إلا أنها متقدمة حاكمة عليها مؤثرة فيها ، وقوله : ( فليس إليك من المشيئة شيء ) أي ليس شيء من مشيئتك مفوض إليك من دون تأثير مشيئته ، وهذا هو الأمر بين أمرين ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( فليس إليك في المشيئة شيء ) وفي نسخة ( ن ) ( فليس لك من المشيئة شيء ) و في نسخة ( ج ) ( ليس لك في المشيئة شيء ).
    (2) في نخسة ( ب ) و ( د ) وحاشية نسخة ( ن ) و ( ط ) ( عن سيف بن عيينة ).
    (3) في نسخة ( ب ) و ( ط ) و ( ن ) ( لا حراك لها ).

    التوحيد _ 367 _

       القدر شيئا لا يحس ، ولو لم يكن العمل بموافقة من القدر لم يمض ولم يتم ، ولكنهما باجتماعهما قويا ، ولله فيه العون لعباده الصالحين (1) ثم قال عليه السلام : ألا إن من أجور الناس من رأى جوره عدلا وعدل المهتدي جورا ، إلا إن للعبد أربعة أعين : عينان يبصر بهما أمر آخرته ، وعينان يبصر بهما أمر دنياه ، فإذا أراد الله عزوجل بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما العيب (2) وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه ، ثم التفت إلى السائل عن القدر فقال : هذا منه ، هذا منه (3).
      5 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا علي بن زياد ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي حيان التيمي (4) ، عن أبيه ـ و

    ---------------------------
    (1) بيان كلامه عليه السلام : إن القدر يضاف إلى الله تعالى وهو هندسة الشيء ووضع حدوده وجودا وعدما ، ويضاف إلى الأمر المقدر وهو تعينه وتقدره بتلك الهندسة والحدود ، فما لم يكن القدر من الله تعالى لشيء لعدم تحقق بعض ما له دخل فيه لم يتعين ذلك الشيء ولم يوجد ( وهذا معنى قوله عليه السلام : ( لم يمض ولم يتم ) ولم يعرف الخالق منه ولم يكن قدر الله فيه محسوسا ، ثم إن العمل حيث إن له دخلا فيما يصيب الإنسان في دنياه وآخرته وإنه جزء لقدر ما يصيبه قال عليه السلام : ( ولكنهما باجتماعهما قويا ) وصارا منشأ لتحقق ما يصيب الإنسان ( وصلحا ) لحصوله .
       والحاصل إنا كل شيء خلقناه بقدر ، فلولا القدر لم يكن مخلوقا ولا القدر فيه محسوسا ولا المقدر منه معروفا ، وعمل الإنسان له دخل فيما له وما عليه ، فلذلك لم يتم قدر الله لما يصيب الإنسان إلا بالعمل ، إلا أن القدر هو الأصل في ذلك لمكان التمثيل ولأن العمل أيضا موقع للقدر ، ثم إن قوله : ( لا نحس ـ ولا يحس ) في الموضعين على بناء المجهول ، والضمير المجرور في قوله : ( ولله فيه العون ) يرجع إلى العمل.
    (2) في نسخة ( ج ) ( فأبصر بهما الغيب ).
    (3) أي فتح عيني القلب وتركه من القدر ، وفي هذا الكلام إشارة إلى أن المعرفة بسر القدر والرضا به لمن فتحت عين قلبه .
    (4) هو أبو حيان يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي ، ثقة مات سنة خمس و أربعين.
       كما قال ابن حجر والذهبي .
       وفي نسخة ( ب ) ( عن أبي حنان التيمي ).

    التوحيد _ 368 _

       كان مع علي عليه السلام يوم صفين وفيما بعد ذلك ـ قال : بينا علي بن أبي طالب عليه السلام يعبي الكتائب يوم صفين ومعاوية مستقبله على فرس له يتأكل تحته تأكلا وعلي عليه السلام على فرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرتجز ، وبيده حربة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو متقلد سيفه ذو الفقار (1) فقال رجل من أصحابه : احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك هذا الملعون ، فقال عليه السلام : لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه وإنه لأشقى القاسطين وألعن الخارجين على الأئمة المهتدين ، ولكن كفى بالأجل حارسا ، ليس أحد من الناس إلا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه حائطا أو يصيبه سوء ، فإذا حان أجله خلوا بينه وبين ما يصيبه ، وكذلك أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها (2) فخضب هذه من هذا ـ وأشار إلى لحيته ورأسه ـ عهدا معهودا ووعدا غير مكذوب ، والحديث طويل ، أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته بتمامه في كتاب الدلائل والمعجزات.
      6 ـ حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله قالا : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كما أن بادي النعم من الله عزوجل وقد نحلكموه ، فلذلك الشر من أنفسكم وإن جرى به قدره (3).
      7 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ، عن يوسف بن الحارث ، عن محمد بن عبد الرحمن العرزمي ، عن أبيه عبد الرحمن بإسناده رفعه إلى من قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة .

    ---------------------------
    (1) بالرفع على أن يكون علما للسيف ، وفي نسخة ( و ) و ( ب ) ( ذا الفقار ) بالنصب فهو وصف له .
    (2) أي أشقى الأمة أو أشقى الفرقة المارقة أو أشقى الثلاثة المتعاهدين.
    (3) في نسخه ( ج ) ( وإن جرى به القدر ) وفي نسخة ( ه‍ ) ( وإن جرى بيده قدره ).

    التوحيد _ 369 _

      8 ـ حدثنا علي بن عبد الله الوراق ، وعلي بن محمد بن الحسن المعروف بابن مقبرة القزويني (1) قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن ثابت (2) عن سعد بن طريف عن الإصبع بن نباته ، قال : إن أمير المؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر ، فقيل له ، يا أمير المؤمنين أتفر من قضاء الله ؟ فقال : أفر من قضاء الله إلى قدر الله عزوجل (3).
      9 ـ حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري (4) قال : حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن المثنى (5) قال : حدثنا أبو الحسن (6) علي بن مهرويه القزويني ، قال : حدثنا أبو أحمد الغازي ، قال : حدثنا علي بن موسى الرضا

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ب ) ( ابن مقيرة القزويني ) بالقاف والياء المثناة من تحت ، وفي نسخة ( د ) و ( ه‍ ) وحاشية نسخة ( ن ) كما في المتن والبقية ( ابن مغيرة القزويني ) بالغين والياء .
    (2) في نخسة ( ب ) ( عن عمر بن ثابت ).
    (3) أي سقوط الحائط المائل على من عنده من قضاء الله تعالى ، إلا أنه لم يقدر لي فلا يقضي فلا يقع على بل المقدر لي الفرار من عنده ، وهذا لا ينافي ما روي في باب فضل اليقين من الكافي عن الصادق عليه السلام : ( إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس ، فقال بعضهم : لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معود ، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : حرس امرء أجله ، فلما قام سقط الحائط ، قال : وكان أمير المؤمنين عليه السلام يفعل هذا وأشباهه ، وهذا اليقين ـ انتهى الحديث ) لأنه عليه السلام كان عالما بأن المقدر سقوط الحائط بعد قيامه عنه والإمام عليه السلام يعمل بعض الأحيان بعلمه وإن كان الوظيفة بحسب الظاهر المعلوم الفرار عن الحائط.
    (4) في نسخة ( ن ) و ( ط ) ( أبو الحسين محمد بن عمر بن علي البصري ).
    (5) في نسخة ( ه‍ ) ( أبو الحسين علي بن الحسن الميثمي ) وفي نسخة ( و ) ( أبو الحسن علي بن الحسن بن المثنى ، وفي نسخة ( ب ) أبو الحسين علي بن الحسن بن المثنى ) وفي نسخة ( د ) ( أبو الحسين علي بن الحسين بن المثنى ).
    (6) في نسخة ( د ) وحاشية نسخة ( ب ) ( أبو الحسين ).

    التوحيد _ 370 _

       قال : حدثنا أبي موسى بن جعفر ، قال : حدثنا أبي جعفر بن محمد ، قال : حدثنا أبي محمد بن علي ، قال : حدثنا أبي علي بن الحسين ، قال : حدثنا أبي الحسين ابن علي عليهم السلام ، قال : سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : الأعمال على ثلاثة أحوال : فرائض وفضائل ومعاصي (1) وأما الفرائض فبأمر الله عزوجل ، وبرضى الله وقضاء الله وتقديره ومشيته وعلمه ، وأما الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضى الله و بقضاء الله وبقدر الله وبمشيته وبعلمه ، وأما المعاصي فليست بأمر الله (2) ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبمشيته وبعلمه ، ثم يعاقب عليها.
       قال مصنف هذا الكتاب : قضاء الله عزوجل في المعاصي حكمه فيها ، ومشيته في المعاصي نهيه عنها ، وقدره فيها علمه بمقاديرها ومبالغها (3).

    ---------------------------
    (1) كأنه عليه السلام أراد بالمعاصي أعم من المكروهات ، ولم يدخل المباحات في القسمة.
    (2) ولا برضى الله تعالى أيضا.
    (3) أقول : قد ورد في الأحاديث أنه لا يكون شيء في السماوات والأرض إلا بسبع : مشيئة ، إرادة ، قدر ، قضاء ، كتاب ، أجل ، إذن ، وكذا ورد فيها كالحديث التاسع من الباب الرابع والخمسين أن الله تعالى علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى ، وكذا أحاديث أخر دالة على أن كل شيء واقع بقضائه وقدره حتى أفعال العباد ومعاصيهم ، وبالنظر في أخبار هذا الباب والأبواب السبعة قبله وغيرها ينحل ما يخطر بالبال من الشبهات في هذا المبحث ، ومجمل القول : أن كل شيء حتى كل فعل صدر من العبد من حيث هو شيء إنما يقع في الخارج بعلله المنتهية إليه تعالى ، وإنكار ذلك إخراج لبعض ما في ملكه عن سلطانه تعالى عن ذلك ، لكنه تعالى جعل فعل العبد بيده أي بقدرته وإرادته ، وإنكار قدرة العبد وإرادته سفه وإنكار لأمر وجداني ، يوجب ذلك الشبهات التي تراكمت في أذهان أصحابها لانحرافهم عن الحق وأهله ، مع أن قدرته وإرادته وكل شيء له محكومة بتلك الأمور ، فإذا فعل فإنما فعل بقدرته وإرادته بعد مشيئة الله له وإرادته وقدره وقضائه وإذنه بأجل في كتاب ، وأما أمره تعالى ونهيه فإنهما لا يتعلقان بفعل العبد من حيث ذاته وإنه شيء إذ لو لم يكن أمر ولا نهي لكان الفعل واقعا أو غير واقع من غير دخل لهما فيه ، بل يتعلقان به من حيث الموافقة بمعنى أن الأمر وكذا النهي يبعث العبد مع شرائط البعث فيه على أن يجعل فعله وتركه وفقا لما أمر به ونهى عنه ، والحاصل أن الفعل المأمور به أو المنهى عنه من حيث هو كذلك الذي يتحقق الطاعة بموافقته والمعصية بمخالفته ليس موردا لإرادته وقضائه وغيرهما من أسباب الخلق ، نعم مورد للتشريعية منها .

    التوحيد _ 371 _

      10 ـ وبهذا الإسناد قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم ، والعلم كله حجة إلا ما عمل به ، والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصا ، و الاخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له .
      11 ـ حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي ابن أبي طالب عليهم السلام ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : قال الله جل جلاله : من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلها غيري ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : في كل قضاء الله خيرة للمؤمن. (1)
      12 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمد بن عذافر ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم في بعض أسفاره إذا لقيه ركب فقالوا : السلام عليك يا رسول الله ، فالتفت إليهم فقال : ما أنتم ؟ فقالوا : مؤمنون ، فقال : ما حقيقة إيمانكم.
       قالوا : الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء ، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الذي إليه ترجعون .
      13 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن هارون

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( د ) ( في كل قضاء الله عزوجل خيرة للمؤمنين ).

    التوحيد _ 372 _

       ابن مسلم (1) عن ثابت بن أبي صفية ، عن سعد الخفاف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل : إن كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل رزقه (2) وإن كنت واليت عدوه فاخرج عن ملكه ، وإن كنت غير قانع بقضائه وقدره فاطلب ربا سواه .
      14 ـ وبهذا الإسناد ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : قال الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام : يا موسى احفظ وصيتي لك بأربعة أشياء : أولهن ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشغل بعيوب غيرك (3) والثانية ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتم بسبب رزقك ، والثالثة ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج أحدا غيري ، والرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره .
      15 ـ وبهذا الإسناد عن الإصبع بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أما بعد فإن الاهتمام بالدنيا غير زائد في الموظوف وفيه تضييع الزاد ، والاقبال على الآخرة غير ناقص من المقدور (4) وفيه إحراز المعاد ، وأنشد : ( لو كان في صخرة في البحر راسية ( رزق لنفس يراها الله لا نفلقت ( أو كان بين طباق السبع مجمعه ( حتى يوافي الذي في اللوح خط له صماء ملمومة ملس نواحيها ) عنه فأدت إليه كل ما فيها ) لسهل الله في المرقى مراقيها ) إن هي أتته وإلا فهو يأتيها ) (5)

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( و ) و ( ط ) و ( ن ) ( عن مروان بن مسلم ).
    (2) في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فلا تأكل من رزقه ).
    (3) في النسخ المخطوطة عندنا : ( فلا تشتغل ـ الخ ) ، وما هنا أبلغ.
    (4) في نسخه ( و ) و ( ه‍ ) و ( ج ) ( غير ناقص في المقدور ).
    (5) قوله : ( فأدت إليه ) هكذا في النسخ ، والقاعدة تقتضي إليها ، أي فأدت تلك الصخرة إلى تلك النفس ، وكذا الكلام في الضمير المستتر في يوافي والضمير المجرور باللام بعده لأن مرجعهما النفس ، والتذكير يمكن أن يكون باعتبار صاحب النفس ، وقوله : ( مجمعه ) اسم مكان والضمير يرجع إلى رزق ، وفي نسخه ( و ) و ( ب ) وحاشية نسخة ( ن ) ( مجمعة ) بالتاء مكان الضمير ، وهو اسم مكان أيضا ، أي مجمعة له ، وقوله : ( وفي المرقى مراقيها ) أي لسهل الله في السماء صعود مدارج السماوات السبع لمن رزقه فيها ، والمصراع الأخير نظير قوله عليه السلام في النهج : ( الرزق رزقان : رزق تطلبه ورزق يطلبك ، فإن لم تأته أتاك ) والضمائر المؤنثة في المصراع الأخير راجعة إلى النفس والمذكرة إلى الرزق.

    التوحيد _ 373 _

       قال مصنف هذا الكتاب : كل ما مكننا الله عزوجل من الانتفاع به ولم يجعل لأحد منعنا منه فقد رزقناه وجعله رزقا لنا ، وكل ما لم يمكننا الله عزوجل من الانتفاع به وجعل لغيرنا منعنا منه فلم يرزقناه ولا جعله رزقا لنا. (1)
      16 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن سليمان ، قال : سأل رجل أبا الحسن عليه السلام وهو في الطواف فقاله له : أخبرني عن الجواد ، فقال له : إن لكلامك وجهين : فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عزوجل عليه ، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه ، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له وإن منع ما ليس له .
      17 ـ حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله ابن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : حدثني جدي

    ---------------------------
    (1) أقوله : الله تعالى خالق الخلق ورازقهم ، والخلق هو الايجاد ، والرزق هو إيصال ما ينتفع به الموجود إليه ، وكما يطلق الخلق على المخلوق يطلق الرزق على المرزوق أي ما ينتفع به الموجود ، وهذا أمر تكويني داخل تحت القدر والقضاء ، يستوي فيه الإنسان و غيره والمكلف وغيره وكاسب الحلال وغيره ، فإن على الله رزق كل موجود إن أراد بقاءه ، ثم إن من الرزق ما يكتسب بأسباب في أيدي المكلفين من المعاملات وغيرها ، وبعض تلك الأسباب ممضى من الشارع وبعضها غير ممضى ، وما يكتسب بالأول فهو الحلال وما يكتسب بالثاني فهو الحرام ، فاختلف المسلمون فالمعتزلة وفاقا للإمامية إلى أن الحلال رزق والحرام لا يسمى رزقا ، والأشاعرة إلى أن كليهما رزق ، ولكل من الفريقين متمسكات من الكتاب والسنة ، وقول المصنف هنا : ( ولم يجعل لأحد منعنا منه ) لإخراج الحرام.
       وتفصيل الكلام في محله .

    التوحيد _ 374 _

       يحيى بن الحسن ، قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، قال : حدثني ابن أبي عمير و عبد الله بن المغيرة ، عن أبي حفص الأعشى ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليهما السلام ، قال : خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط فاتكيت عليه ، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي ، ثم قال لي : يا علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا حزينا ، أعلى الدنيا حزنك ؟ فرزق الله حاضر للبر والفاجر ، فقلت : ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول ، قال : أفعلى الآخرة حزنك ؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر ، قلت : ما على هذا أحزن وإنه لكما تقول : قال : فعلى ما حزنك ؟ فقلت : أنا أتخوف من فتنة ابن الزبير (1) فضحك ، ثم قال : يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا خاف الله تعالى فلم ينجه. قلت : لا ، قال : يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا سأل الله عزوجل فلم يعطه ؟ قلت : لا ، قال عليه السلام : ثم نظرت فإذا ليس قدامي أحد.
      18 ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن المفضل بن صالح ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، قال : إن موسى بن عمران عليه السلام قال : يا رب رضيت بما قضيت ، تميت الكبير وتبقي الصغير ، فقال الله جل جلاله : يا موسى أما ترضاني لهم رازقا وكفيلا ؟ قال : بلى يا رب ، فنعم الوكيل أنت ونعم الكفيل.
      19 ـ حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وأحمد بن الحسن القطان ، ومحمد بن إبراهيم بن أحمد المعاذي ، قالوا : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم ، قال : حدثنا يحيى بن إسماعيل الجريري (2) قراءة ، قال : حدثنا الحسين بن إسماعيل قال : حدثنا عمرو بن جميع ، عن جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ط ) ( فقلت : لما أتخوف من فتنة ابن الزبير ) فمن بيانية ، وفي نسخه ( ج ) ( إنا نتخوف ـ الخ ).
    (2) في نسخة ( د ) و ( ب ) ( الحريزي ) بالزاي المعجمة قبل الياء الأخيرة.

    التوحيد _ 375 _

       جده عليهم السلام قال : دخل الحسين بن علي عليهما السلام ، على معاوية (1) فقال له : ما حمل أباك على أن قتل أهل البصرة ثم دار عشيا في طرقهم في ثوبين ؟! فقال عليه السلام : حمله على ذلك علمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه (2) وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، قال : صدقت ، قال : وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام لما أراد قتال الخوارج : لو احترزت يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام : أي يومي من الموت أفر يوم ما قدر لا أخشى الردى أيوم لم يقدر أم يوم قدر وإذا قدر لم يغن الحذر (3).
      20 ـ حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني ، قال : حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي ، قال : أخبرنا أبو منصور محمد بن القاسم بن عبد الرحمن العتكي ، قال : حدثنا محمد بن أشرس ، قال : حدثنا إبراهيم بن نصر قال : حدثنا وهب بن وهب بن هشام أبو البختري ، قال : حدثنا جعفر بن محمد (4) عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : يا علي إن اليقين أن لا ترضي أحدا على سخط الله ، ولا تحمدن أحدا على ما آتاك الله ، ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله ، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يصرفه كره كاره ، فإن الله عزوجل بحكمته وفضله (5) جعل الروح والفرج (6) في

    ---------------------------
    (1) النسخ متفقة في هذه العبارة مع أنه لا يستقيم ارجاع ضمير جده إلى جعفر بن محمد وهذا ظاهر ، ولا إلى ( أبي ) لأن الجد حينئذ هو الحسين بن علي ، ولا إلى أبيه وهذا أيضا ظاهر ، فعن جده إما زيادة أو صاحب القصة الحسن دون الحسين عليهما السلام مع ارجاع الضمير إلى أبي ، والله العالم.
    (2) قوله : ( أن ـ الخ ) بالفتح معمول لعلمه ، ويحتمل الكسر ، وفي نسخة ( د ) ( على أن ما أصابه ـ الخ ) فيكون جوابا آخر.
    (3) في نسخة ( و ) ( لا أخشى الورى ).
    (4) في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) و ( ه‍ ) ( حدثني جعفر بن محمد ).
    (5) في نسخة ( و ) و ( ه‍ ) ( بحكمه وفضله ).
    (6) في نسخة ( ج ) و ( د ) و ( ط ) و ( ن ) ( جعل الروح والفرج ) بالجيم .

    التوحيد _ 376 _

       اليقين والرضا ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط ، إنه لا فقر أشد من الجهل (1) ولا مال أعود من العقل ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ، ولا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف عن المحارم ، ولا حسب كسن الخلق ، ولا عبادة كالتفكر ، وآفة الحديث الكذب ، وآفة العلم النسيان وآفة العبادة الفترة ، وآفة الظرف الصلف ، وآفة الشجاعة البغي ، وآفة السماحة المن ، وآفة الجمال الخيلاء ، وآفة الحسب والفجر.
      21 ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن أبي الصهبان ، قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن زياد الأزدي ، قال : حدثني أبان الأحمر ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ، أنه جاء إليه رجل فقال له : بأبي أنت وأمي عظني موعظة ، فقال عليه السلام ، إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا ، وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا ، وإن كان الحساب حقا فالجمع لماذا ، وإن كان الخلف من الله عزوجل حقا فالبخل لماذا (2) وإن كانت العقوبة من الله عزوجل النار فالمعصية لماذا ، وإن كان الموت حقا فالفرح لماذا وإن كان العرض على الله عزوجل حقا فالمكر لماذا ، وإن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا ، وإن كان الممر على الصراط حقا فالعجب لماذا ، وإن كان كل شيء بقضاء وقدر فالحزن لماذا ، وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا ؟!.
      22 ـ حدثنا أبو منصور أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري بنيسابور ، قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن هارون الخوري ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن زياد الفقيه الخوري ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله الجويباري الشيباني ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله عزوجل قدر المقادير ودبر التدابير قبل أن يخلق آدم بألفي

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ج ) و ( ط ) و ( ن ) ( فإنه لا فقر ـ الخ ).
    (2) المعنى أنه تعالى إن كان يخلف على العبد ما أنفقه ويعوضه أضعاف ما صرفه في سبيله فالبخل لماذا ؟.

    التوحيد _ 377 _

       عام (1).
      23 ـ حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ ، قال : حدثنا علي بن مهرويه القزويني (2) قال : حدثنا علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : إن يهوديا سأل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله ، فقال عليه السلام : أما ما لا يعلمه الله عزوجل فذلك قولكم يا معشر اليهود : إن عزيرا ابن الله والله لا يعلم له ولدا ، وأما قولك ما ليس لله فليس لله شريك ، و قولك : ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد ، فقال اليهودي : أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
      24 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس الليثي ، قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني مولى بني هاشم ، قال : أخبرني الحارث بن أبي أسامة قراءة ، عن المدائني ، عن عوانة بن الحكم ، وعبد الله بن العباس بن سهل الساعدي ،

    ---------------------------
    (1) قد مضى في الحديث السابع تقدير المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، والاختلاف يدل على تعدد التقدير للكل ، أو أن التقدير لبعض الأشياء قبل بعضها ، وفي حاشية نسخة ( ط ) و ( ن ) ( قبل أن يخلق العالم ـ الخ ).
    (2) في نسخة ( و ) و ( ه‍ ) ( حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال : حدثنا داود بن سليمان الغزاء ( بالغين المعجمة والزاي المعجمة مبالغة الغازي ) قال : حدثنا علي بن موسى الرضا ـ الخ ) وهذا هو الصحيح ، وهذا الرجل هو أبو أحمد الغازي المذكور في الحديث التاسع ، ولا يبعد أن يكون ملقبا بالغزاء والغازي معا ، ولا يخفى أن الرجل مذكور في الحديث الرابع والعشرين من الباب الثاني ، والحديث السابع عشر من الباب الثامن والعشرين بلقب الفراء بالفاء والراء المهملة ، ولا شبهة أنه تصحيف الغزاء ، ونحن أبقيناه عليه لاتفاق النسخ عليه ، وقال في قاموس الرجال : داود بن سليمان بن وهب الغازي روى عن الرضا عليه السلام حديث الإيمان كما يظهر من لئالي السيوطي وروى الخصال عنه حديث رواية أربعين حديثا إلا أن النساخ صحفوا الغازي فيه بالفراء ، أقول : الأقرب أن صحفوا الغزاء به كما قلنا .

    التوحيد _ 378 _

       وأبي بكر الخراساني مولى بني هاشم ، عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه وغيره أن الناس أتوا الحسن بن علي بعد وفاة علي عليهما السلام ، ليبايعوه فقال : الحمد لله على ما قضى من أمر ، وخص من فضل ، وعم من أمر ، وجلل من عافية (1) حمدا يتمم به علينا نعمه ونستوجب به رضوانه ، إن الدنيا دار بلاء وفتنة وكل ما فيها إلى زوال ، وقد نبأنا الله عنها كيما نعتبر ، فقدم إلينا بالوعيد كي لا يكون لنا حجة بعد الانذار ، فازهدوا فيما يفنى ، وارغبوا فيما يبقى ، وخافوا الله في السر والعلانية ، إن عليا عليه السلام في المحيا والممات والمبعث عاش بقدر و مات بأجل ، وإني أبايعكم على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت ، فبايعوه على ذلك .
       قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب : أجل موت الإنسان هو وقت موته ، وأجل حياته هو وقت حياته وذلك معنى قول الله عزوجل : ( فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) (2) وإن مات الإنسان حتف أنفه على فراشه أو قتل فإن أجل موته هو وقت موته ، وقد يجوز أن يكون المقتول لو لم يقتل لمات من ساعته ، وقد يجوز أن يكون لو لم يقتل لبقي (3) وعلم ذلك مغيب عنا

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( و ) ( الحمد لله على ما قضى من أمره ـ الخ ) وفي نسخة ( د ) ( الحمد لله على ما قضى من أمر ورخص من فضل وعم من أمر وحلل من غاية ).
    (2) الأعراف : 34 ، والنحل : 61.
    (3) يقال الأجل لنفس المدة كقوله تعالى ( أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ ) ولمنتهى المدة كقوله تعالى : ( إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) فأجل الإنسان منتهى مدة حياته الذي يقع فيه موته بالقتل أو بحتف الأنف ، وأجل أمة وقت فنائهم ، وقال قوم من المعتزلة : إن أجل المقتول ليس الوقت الذي يقتل فيه بل الوقت الذي لو لم يقتل لبقي إليه هو أجله ، وقد ورد في آيات وأخبار أن الأجل أجلان : المقضى والمسمى ، وتفصيل الكلام في محله ، وقال العلامة رحمه الله في شرح التجريد : اختلف الناس في المقتول لو لم يقتل فقالت المجبرة : إنه كان يموت قطعا وهو قول أبي الهذيل العلاف ، وقال بعض البغداديين : إنه كان يعيش قطعا ، وقال أكثر المحققين : إنه كان يجوز أن يعيش ويجوز له أن يموت .

    التوحيد _ 379 _

       وقد قال الله عزوجل : ( قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) (1) وقال عزوجل : ( قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ) (2) ولو قتل جماعة في وقت لجاز أن يقال : إن جميعهم ماتوا بآجالهم وإنهم لو لم يقتلوا لماتوا من ساعتهم ، كما كان يجوز أن يقع الوبا في جميعهم فيميتهم ، في ساعة واحدة ، وكان لا يجوز أن يقال : إنهم ماتوا بغير آجالهم ، وفي الجملة أن أجل الإنسان هو الوقت الذي علم الله عزوجل أنه يموت فيه أو يقتل ، وقول الحسن عليه السلام في أبيه عليه السلام ( إنه عاش بقدر ومات بأجل ) تصديق لما قلناه في هذا الباب والله الموفق للصواب بمنه .
      25 ـ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي بنيسابور ، قال : أخبرنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الإصبهاني ، قال : حدثنا علي بن عبد الله ، قال : حدثنا الحسن بن أحمد الحراني ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن الضحاك ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : ألا نحرسك ، قال : حرس كل امرء أجله.
      26 ـ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال : حدثنا منصور بن عبد الله ، قال : حدثنا علي بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن وهب ، قال : كنا مع سعيد بن قيس بصفين ليلا والصفان ينظر كل واحد منهما إلى صاحبه حتى جاء أمير المؤمنين عليه السلام فنزلنا على فنائه فقال له سعيد بن قيس : أفي هذه الساعة يا أمير المؤمنين ؟! أما خفت شيئا ، قال : وأي شيء أخاف ؟! إنه ليس من أحد إلا و معه ملكان موكلان به أن يقع في بئر أو تضربه دابة أو يتردى من جبل حتى يأتيه القدر ، فإذا أتى القدر خلوا بينه وبينه .
      27 ـ حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم بن تميم السرخسي بسرخس قال : حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد

    ---------------------------
    (1) آل عمران : 154.
    (2) الأحزاب : 16.

    التوحيد _ 380 _

       الجوهري ، قال : حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض ، عن أبي حازم ، عن عمر وبن شعيب (1) عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره .
      28 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الطائي ، قال : حدثنا أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي ، الرازي عن علي بن جعفر الكوفي ، قال : سمعت سيدي علي بن محمد يقول : حدثني أبي محمد بن علي ، عن أبيه الرضا علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين ابن علي عليهم السلام ، وحدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي ، قال : حدثني أبو القاسم إسحاق بن جعفر العلوي ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد بن علي ، عن سليمان ابن محمد القرشي ، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليهم السلام ـ واللفظ لعلي بن أحمد بن محمد ابن عمران الدقاق ـ قال : دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أجل يا شيخ ، فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر فقال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي (2) يا أمير المؤمنين ، فقال : مهلا يا شيخ ، لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما (3) لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر ، ولسقط معنى الوعيد والوعد ، ولم يكن على مسيئ لائمة ولا لمحسن محمدة ، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالاحسان من

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ج ) ( عن أبي دجانة عن عمر بن شعيب ) ، وفي نسخة ( ط ) ( عن أبي دجانة عن عمرو بن سعيد ).
    (2) أي إن كان خروجنا وجهادنا بقضائه تعالى وقدره لم نستحق أجرا فرجائي أن يكون عنائي عند الله محسوبا في عداد أعمال من يتفضل عليهم بفضله يوم القيامة.
    (3) بالمعنى الذي زعمته الجبرية.

    التوحيد _ 381 _

       المحسن (1) تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومجوسها يا شيخ إن الله عزوجل كلف تخييرا ، ونهى تحذيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (2).
       قال : فنهض الشيخ وهو يقول : ( أنت الإمام الذي نرجو بطاعته ( أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا ( فليس معذرة في فعل فاحشة (3) ( لا لا ولا قائلا ناهيه أوقعه ( ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا ( أني يحب وقد صحت عزيمته يوم النجاة من الرحمن غفرانا ) (4) جزاك ربك عنا فيه إحسانا ) قد كنت راكبها فسقا وعصيانا ) فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا ) قتل الولي له ظلما وعدوانا ) ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا ) قال مصنف هذا الكتاب : لم يذكر محمد بن عمر الحافظ في آخر هذا الحديث إلا بيتين من هذا الشعر من أوله.
       وحدثنا بهذا الحديث أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي العزائمي ، قال : حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي بجرجان ، قال : حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر ببغداد ، قال : حدثني عبد الوهاب بن عيسى المروزي ، قال : حدثنا الحسن بن علي بن محمد البلوي ، قال : حدثنا محمد

    ---------------------------
    (1) لأنهما في أصل الفعل سيان ، إذ ليس بقدرتهما وإرادتهما مع أن المحسن يمدحه الناس وهو يرى ذلك حقا له وليس كذلك فليستحق اللائمة دون المذنب ، والمذنب يذمه الناس وهو يرى ذلك حقا عليه وليس كذلك فليستحق الاحسان كي ينجبر تحمله لأذى ذم الناس دون المحسن.
    (2) كما في سورة ص : 27.
    (3) في حاشية نسخة ( ه‍ ) ( يوم المعاد من الرحمن غفرانا ).
    (4) في نسخة ( ط ) و ( و ) ( فليس معذرة في كل فاحشة ).

    التوحيد _ 382 _

       ابن عبد الله بن نجيح ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام.
       وحدثنا بهذا الحديث أيضا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا الحسن ابن علي السكري ، قال : حدثنا محمد بن زكريا الجوهري ، قال : حدثنا العباس ابن بكار الضبي ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما انصرف أمير المؤمنين عليه السلام من صفين قام إليه شيخ ممن شهد معه الواقعة فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا هذا أبقضاء من الله وقدر ؟ وذكر الحديث مثله سواء ، إلا أنه زاد فيه : فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين فما القضاء والقدر اللذان ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بهما ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الأمر من الله والحكم (1) ثم تلا هذه الآية : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) (2) أي أمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.
      29 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين ابن يزيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سألته عن الرقي (3) أتدفع من القدر شيئا ؟ فقال : هي من القدر ، وقال عليه السلام : إن القدرية مجوس هذه الأمة وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه ، وفيهم نزلت هذه الآية : ( يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ). (4)
      30 ـ حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي العزائمي ، قال : حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي ، قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى التميمي بالبصرة ، وأحمد بن إبراهيم بن معلى بن أسد العمي ، قالا : حدثنا

    ---------------------------
    (1) أي قضاء وقدرا تشريعيين.
    (2) الإسراء : 23.
    (3) جمع رقية كغرفة ، هي ما يعوذ به الصبيان وأصحاب الآفات كالحمى والصرع وغيرهما.
    (4) القمر : 49.

    التوحيد _ 383 _

       محمد بن زكريا الغلابي (1) قال : حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد (2) قال : حدثنا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليهما السلام ، أنه سئل عن قول الله عزوجل : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) ، فقال : يقول عزوجل : إنا كل شيء خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم (3).
      31 ـ حدثنا أبي رحمه الله قال : حدثنا علي بن الحسن الكوفي ، عن أبيه الحسن بن علي بن عبد الله الكوفي ، عن جده عبد الله بن المغيرة عن إسماعيل بن مسلم أنه سئل الصادق عليه السلام عن الصلاة خلف من يكذب بقدر الله عزوجل ، قال : فليعد كل صلاة صلاها خلفه .
      32 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، قال : حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن زياد بن المنذر ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباته ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في القدر : ألا إن القدر سر من سر الله ، وستر من ستر الله ، وحرز من حرز الله ، مرفوع في حجاب الله ، مطوي عن خلق الله ، مختوم بخاتم الله ، سابق في علم الله ، وضع الله العباد عن علمه (4) ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لأنهم لا ينالونه بحقيقة الربانية ولا بقدرة الصمدانية ولا بعظمة النورانية ولا بعزة الوحدانية ، لأنه بحر زاخر خالص لله تعالى ، عمقه ما بين السماء و

    ---------------------------
    (1) أبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار الغلابي أحد الرواة للسير والأحداث و المغازي وغير ذلك وكان ثقة صادقة ، كذا قال ابن النديم ، والغلاب بالغين المعجمة و اللام المخففة والباء الموحدة أبو قبيلة بالبصرة .
    (2) في نسخة ( ب ) و ( د ) ( أحمد بن عيسى بن يزيد ).
    (3) وأما أهل الجنة فإن لهم من الله فضلا كبيرا غير ما أعدلهم أجرا كريما .
    (4) هكذا في النسخ إلا نسخة ( ج ) ففيها : ( ومنع الله العباد عن علمه ) وفي البحار باب القضاء والقدر عن إعتقادات الصدوق : ( وضع الله عن العباد علمه ) مع أن ما في الاعتقادات موافق لما هنا.

    التوحيد _ 384 _

       الأرض ، عرضه ما بين المشرق والمغرب ، أسود كالليل الدامس ، كثير الحيات و الحيتان ، يعلو مرة ويسفل أخرى ، في قعره شمس تضيئ ، لا ينبغي أن يطلع إليها إلا الله الواحد الفرد ، فمن تطلع إليها فقد ضاد الله عزوجل في حكمه ونازعه في سلطانه ، وكشف عن ستره وسره ، وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
       قال المصنف هذا الكتاب نقول : إن الله تبارك وتعالى قد قضى جميع أعمال العباد وقدرها وجميع ما يكون في العالم من خير وشر ، والقضاء قد يكون بمعنى الأعلام كما قال الله عزوجل : ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ ) (1) يريد أعلمناهم ، وكما قال الله عزوجل : ( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ ) (2) يريد أخبرناه وأعلمناه ، فلا ينكر أن يكون الله عزوجل يقضي أعمال العباد و سائر ما يكون من خير وشر على هذا المعنى لأن الله عزوجل عالم بها أجمع. ويصح أن يعلمها عباده ويخبرهم عنها ، وقد يكون القدر أيضا في معنى الكتاب والإخبار كما قال الله عزوجل : ( إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ) (3) يعني كتبنا وأخبرنا ، وقال العجاج : واعلم بأن ذا الجلال قد قدر في الصحف الأولى التي كان سطر و ( قدر ) معناه كتب .
       وقد يكون القضاء بمعنى الحكم والالزام ، قال الله عزوجل ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) (4) يريد حكم بذلك وألزمه خلقه ، فقد يجوز أن يقال : إن الله عزوجل قد قضى من أعمال العباد على هذا المعنى ما قد ألزمه عباده وحكم به عليهم وهي الفرائض دون غيرها ، وقد يجوز أيضا أن يقدر الله أعمال العباد بأن يبين مقاديرها وأحوالها من حسن وقبح وفرض و نافلة وغير ذلك ، ويفعل من الأدلة على ذلك ما يعرف به هذه الأحوال لهذه الأفعال فيكون عزوجل مقدرا لها في الحقيقة ، وليس يقدرها ليعرف مقدارها ،

    ---------------------------
    (1) الإسراء : 4.
    (2) الحجر : 66.
    (3) الحجر : 60.
    (4) الإسراء : 23.

    التوحيد _ 385 _

       ولكن ليبين لغيره ممن لا يعرف ذلك حال ما قدره بتقديره إياه ، وهذا أظهر من أن يخفى ، وأبين من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه ، ألا ترى أنا قد نرجع إلى أهل المعرفة بالصناعات في تقديرها لنا فلا يمنعهم علمهم بمقاديرها من أن يقدروها لنا ليبينوا لنا مقاديرها ، وإنما أنكرنا أن يكون الله عزوجل حكم بها على عباده ومنعهم من الانصراف عنها ، أو أن يكون فعلها وكونها ، فأما أن يكون الله عزوجل خلقها خلق تقدير فلا ننكره .
       وسمعت بعض أهل العلم يقول : إن القضاء على عشرة أوجه : فأول وجه منها العلم وهو قول الله عزوجل : ( إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ) (1) يعني علمها.
       والثاني الإعلام وهو قوله عزوجل : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ) وقوله عزوجل : ( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ ) أي أعلمناه.
       والثالث الحكم وهو قوله عزوجل : ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) (2) أي يحكم بالحق .
       والرابع القول وهو قوله عزوجل : ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) (3) أي يقول الحق.
       والخامس الحتم وهو قوله عزوجل : ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ) (4) يعني حتمنا ، فهو القضاء الحتم.
       والسادس الأمر وهو قوله عزوجل : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ) يعني أمر ربك.
       والسابع الخلق وهو قوله عزوجل : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) (5)

    ---------------------------
    (1) يوسف : 68.
    (2) في البحار : ( ويقضي ربك بالحق ) وفي نسخة ( ن ) ( وهو يقضي بالحق ) وفي نسخة ( و ) و ( ج ) ( يقضي بالحق ) فما في النسخ كلها أما غير موجود في القرآن بعينه وأما عين ما ذكر في الوجه الرابع ، فالمناسب للوجه الثالث قوله تعالى في سورة النمل : ( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ).
    (3) المؤمن : 20.
    (4) سبأ : 14.
    (5) فصلت : 12.

    التوحيد _ 386 _

       يعني خلقهن .
       والثامن الفعل وهو قوله عزوجل : ( فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ) (1) أي افعل ما أنت فاعل .
       والتاسع الاتمام وهو قوله عزوجل : ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ ) وقوله عزوجل حكاية عن موسى : ( أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) (2) أي أتممت.
       والعاشر الفراغ من الشيء وهو قوله عزوجل : ( قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ) (3) يعني فرغ لكما منه ، وقوله القائل : قد قضيت لك حاجتك ، يعني فرغت لك منها ، فيجوز أن يقال : إن الأشياء كلها بقضاء الله وقدره تبارك وتعال بمعنى أن الله عزوجل قد علمها وعلم مقاديرها ، وله عزوجل في جميعها حكم من خير أو شر ، فما كان من خير فقد قضاه بمعنى أنه أمر به وحتمه وجعله حقا وعلم مبلغة ومقداره ، وما كان من شر فلم يأمر به ولم يرضه ولكنه عزوجل قد قضاه وقدره بمعنى أنه علمه بمقداره ومبلغه وحكم فيه بحكمه .
       والفتنة على عشرة أوجه فوجه منها الضلال.
       والثاني الاختبار وهو قول الله عزوجل : ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) (4) يعني اختبرناك اختبارا ، وقوله عزوجل : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ) (5) أي لا يختبرون .
       والثالث الحجة وهو قوله عزوجل : ( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (6).
       والرابع الشرك وهو قوله عزوجل : ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) (7).

    ---------------------------
    (1) طه : 72.
    (2) القصص : 28.
    (3) يوسف : 41.
    (4) طه : 40.
    (5) العنكبوت : 2.
    (6) الأنعام : 23.
    (7) البقرة 191.

    التوحيد _ 387 _

       والخامس الكفر وهو قوله عزوجل : ( أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ) (1) يعني في الكفر.
       والسادس الاحراق بالنار وهو قوله عزوجل : ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ـ الآية ) (2) يعني أحرقوا.
       والسابع وهو قوله عزوجل : ( يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ) (3) يعني يعذبون ، وقوله عزوجل : ( ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ) (4) يعني عذابكم ، وقوله عزوجل : ( وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ ) يعني عذابه ( فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا ) (5).
       والثامن القتل وهو قوله عزوجل : ( إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ) (6) يعني إن خفتم أن يقتلوكم ، وقوله عزوجل : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ) (7) يعني أن يقتلهم .
       والتاسع الصد وهو قوله عزوجل : ( وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) (8) يعني ليصدونك .
       والعاشر شدة المحنة وهو قوله عزوجل : ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ) (9) وقوله عزوجل : ( رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (10) أي محنة فيفتنوا بذلك ويقولوا في أنفسهم : لم يقتلهم إلا دينهم الباطل وديننا الحق (11) فيكون ذلك داعيا لهم إلى النار على ما هم عليه من الكفر والظلم (12).
       قد زاد علي بن إبراهيم بن هاشم على هذه الوجوه العشرة وجها آخر فقال :

    ---------------------------
    (1) التوبة : 49.
    (2) البروج : 10.
    (3) الذاريات : 13.
    (4) الذاريات : 14. وفي المصحف ( به تستعجلون )
    (5) المائدة : 41.
    (6) النساء : 101.
    (7) يونس : 83.
    (8) الإسراء : 73.
    (9)الممتحنة : 5.
    (10) يونس : 85.
    (11) في نسخه ( و ) ( لم نقتلهم إلا ودينهم الباطل وديننا الحق ).
    (12) في نسخة ( ه‍ ) ( داعيا لهم إلى الثبات على ـ الخ ).

    التوحيد _ 388 _

       من وجوه الفتنة ما هو المحبة وهو قوله عزوجل : ( أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) (1) أي محبة ، والذي عندي في ذلك أن وجوه الفتنة عشرة وأن الفتنة في هذا الموضع أيضا المحنة ـ بالنون ـ لا المحبة ـ بالباء ـ.
       وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( الولد مجهلة محنة مبخلة ) (2) وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب مقتل الحسين بن علي صلى الله عليهما.
      33 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمد بن ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام ، قال : مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن يخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر الأبصار إليها ، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو قومت عليهم ، فغضب عليه السلام حتى عرف الغضب في وجهه وقال : أنا أقوم عليهم ؟!
       إنما السعر إلى الله عزوجل (3) يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء .
       وقيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو أسعرت لنا سعرا فإن الأسعار تزيد وتنقص ، فقال عليه السلام : ما كنت لألقى الله عزوجل ببدعة لم يحدث لي فيها شيئا (4) فدعوا عباد الله يأكل بعضهم من بعض .
      34 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن

    ---------------------------
    (1) الأنفال : 28 ، والتغابن : 15.
    (2) أي يوجب الولد لأبيه الجهل والامتحان والبخل ، وفي البحار باب القضاء و القدر وفي نسخة ( و ) ( مجبنة ) من الجبن مكان محنة ، وقال المجلسي رحمه الله هناك ذيل كلام المصنف : أقول : هذه الوجوه من القضاء والفتنة المذكورة في تفسير النعماني فيما رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام وقد أثبتناه بإسناده في كتاب القرآن انتهى.
       ثم اعلم أن هذا الخبر رواه أبو يعلى في مسنده بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله هكذا ( الولد ثمرة القلب وأنه مجبنة مبخلة محزنة ).
    (3) في نسخة ( و ) ( إنما السعر على الله عزوجل ).
    (4) في نسخة ( و ) و ( ج ) و ( ه‍ ) ( لم يحدث إلى فيها شيئا ) ، والبدعة هنا بمعناها اللغوي.

    التوحيد _ 389 _

       الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما السلام ، قال : إن الله تبارك وتعالى وكل بالسعر ملكا يدبره بأمره ، وقال أبو حمزة الثمالي : ذكر عند علي بن الحسين عليهما السلام ، غلاء السعر فقال : وما علي من غلائه ، إن غلا فهو عليه ، وإن رخص فهو عليه.
       قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : الغلاء هو الزيادة في أسعار الأشياء حتى يباع الشيء بأكثر مما كان يباع في ذلك الموضع ، والرخص هو النقصان في ذلك ، فما كان من الرخص والغلاء عن سعة الأشياء وقلتها فإن ذلك من الله عزوجل ويجب الرضا بذلك والتسليم له ، وما كان من الغلاء والرخص بما يؤخذ الناس به لغير قلة الأشياء وكثرتها من غير رضى منهم به أو كان من جهة شراء واحد من الناس جميع طعام بلد فيغلو الطعام لذلك فذلك من المسعر والمتعدي بشرى طعام المصر كله (1) كما فعله حيكم بن حزام ، كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر .
      35 ـ حدثنا بذلك أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد عن صفوان بن يحيى ، عن سلمة الحناط ، عن أبي عبد الله عليه السلام متى كان في المصر طعام غير ما يشتريه الواحد من الناس فجائز له أن يلتمس بسلعته الفضل لأنه إذا كان في المصر طعام غيره يسع الناس لم يغل الطعام لأجله ، وإنما يغلو إذا اشترى الواحد من الناس جميع ما يدخل المدينة.
      36 ـ حدثنا أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن عبد الله بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الحكرة فقال : إنما الحكرة أن تشتري طعاما

    ---------------------------
    (1) هذا قول غير الأشاعرة ، وأما هم فعلى أن الرخص والغلاء ليسا إلا من الله بناء على أصلهم ، وقوله : ( لغير قلة الأشياء ـ الخ ) عطف بيان لقوله : ( بما يؤخذ الناس به ) أي وما كان من الغلاء والرخص بسبب عمل الناس الذي صح مؤاخذتهم عليه وهو غير قلة الأشياء وكثرتها من الله تعالى من دون وجوب الرضى على الناس به أو كان من جهة ـ الخ.

    التوحيد _ 390 _

       وليس في المصر غيره فتحتكره ، فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره (1) فلا بأس أن تلتمس لسلعتك الفضل ، (2) ولو كان الغلاء في هذا الموضع من الله عزوجل لما استحق المشتري لجميع طعام المدينة الذم لأنه الله عزوجل لا يذم العبد على ما يفعله (3) ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ) ولو كان منه عزوجل لوجب الرضى به والتسليم له ، كما يجب إذا كان عن قلة الأشياء أو قلة الريع لأنه من الله عزوجل ، وما كان من الله عزوجل أو من الناس فهو سابق في علم الله تعالى ذكره مثل خلق الخلق (4) وهو بقضائه وقدره على ما بينته من معنى القضاء والقدر .

    61 ـ باب الأطفال وعدل الله عزوجل فيهم

      1 ـ حدثنا الحسين بن يحيى بن ضريس البجلي (5) قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن عمارة السكري السرياني ، قال : حدثنا إبراهيم بن عاصم بقزوين ، قال : حدثنا عبد الله بن هارون الكرخي ، قال : حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد بن سلام بن عبيد الله قال : حدثني أبي عبد الله بن يزيد ، قال حدثني أبي يزيد بن سلام ، عن أبيه سلام بن عبيد الله ، عن عبد الله بن سلام مولى

    ---------------------------
    (1) في حاشية نسخة ( ه‍ ) ( طعام أو بياع غيره ).
    (2) الظاهر أن قوله : ( ولو كان الغلاء في هذا الموضع ـ الخ ) من الصدوق رحمه الله كما يظهر من الفقيه.
    (3) أي ما يفعله الله ، وفي نسخة ( و ) ( على ما لا يفعله ) أي ما لا يفعله العبد.
    (4) في نسخة ( و ) و ( ن ) ( قبل خلق الخلق ).
    (5) في نسخة ( و ) و ( ه‍ ) و ( ب ) و ( د ) ( الحسن بن يحيى ـ الخ ) وفي نسخة ( و ) بزيادة ( رحمه الله ).

    التوحيد _ 391 _

       رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) أنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : أخبرني أيعذب الله عزوجل خلقا بلا حجة ؟ فقال : معاذ الله ، قلت : فأولاد المشركين في الجنة أم في النار ؟ فقال : الله تبارك وتعالى أولى بهم ، إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله عزوجل الخلائق لفصل القضاء يأتي بأولاد المشركين فيقول لهم : عبيدي وإمائي من ربكم وما دينكم وما أعمالكم ؟! قال : فيقولون : اللهم ربنا أنت خلقتنا ولم نخلق شيئا وأنت أمتنا ولم نمت شيئا ولم تجعل لنا ألسنة ننطق بها ، ولا أسماعا نسمع بها ولا كتابا نقرؤه ، ولا رسولا فنتبعه ، ولا علم لنا إلا ما علمتنا ، قال : فيقول لهم عزوجل : عبيدي وإمائي إن أمرتكم بأمر أتفعلوه ؟! فيقولون : السمع والطاعة لك يا ربنا ، قال : فيأمر الله عزوجل نارا يقال لها : الفلق ، أشد شيء في جهنم عذابا فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسلاسل والأغلال ، فيأمرها الله عزوجل أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة فتنفخ ، فمن شدة نفختها تنقطع السماء وتنطمس النجوم وتجمد البحار وتزول الجبال وتظلم الأبصار وتضع الحوامل حملها ويشيب الولدان من هولها يوم القيامة ، ثم يأمر الله تبارك وتعالى أطفال المشركين أن يلقوا أنفسهم في تلك النار ، فمن سبق له في علم الله عزوجل أن يكون سعيدا ألقى نفسه فيها فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام ، ومن سبق له في علم الله عزوجل أن يكون شقيا امتنع فلم يلق نفسه في النار ، فيأمر الله تبارك و تعالى النار فتلقطه لتركه أمر الله وامتناعه من الدخول فيها فيكون تبعا لآبائه في جهنم ، وذلك قوله عزوجل ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ

    ---------------------------
    (1) في البحار في الباب الثالث عشر من الجزء الخامس وفي تفسير البرهان ذيل الآية المذكورة وفي نسخة ( و ) و ( ج ) بعد قوله : ( حدثني أبي يزيد بن سلام ) هكذا : ( عن أبيه سلام بن عبيد الله أخي عبد الله بن سلام عن عبد الله بن سلام مولى رسول الله صلى الله عليه و آله ) وفي نسخة ( ن ) و ( و ) و ( ج ) ( سلام بن عبد الله ) مكبرا ، وكون سلام بن عبيد الله أخا لعبد الله بن سلام مع اختلاف الأب يصححه كونهما أخوين للأم فقط .

    التوحيد _ 392 _

       رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) (1).
      2 ـ حدثنا أحمد بن زياد جعفر الهمداني رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، عن الرضا عليه السلام قال : قلت له : لأي علة أغرق الله عزوجل الدنيا كلها في زمن نوح عليه السلام وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له ؟ فقال : ما كان فيهم الأطفال لأن الله عزوجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم ، وما كان الله عزوجل ليهلك بعذابه من لا ذنب له ، وأما الباقون من قوم نوح عليه السلام فأغرقوا لتكذيبهم لنبي الله نوح عليه السلام وسائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين ، ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده وأتاه.
      3 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام ، قال : إن أولاد المسلمين هم موسومون عند الله عزوجل شافع ومشفع (2) فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات ، وإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات.
      4 ـ حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله ، قالا : حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن علي بن إسماعيل ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : إذا كان يوم القيامة احتج الله عزوجل على سبعة : على الطفل ، والذي مات بين النبيين ، والشيخ الكبير الذي أدرك النبي وهو لا يعقل ،

    ---------------------------
    (1) هود : 108.
    (2) أي معلومون عنده تعالى ، وفي حاشية نسخة ( ن ) ( مسوفون ) أي مرجون مؤخرون في أمرهم إلى يوم القيامة ، وقوله : ( شافع مشفع ) أي كل منهم ، ولا استبعاد فيه كما ورد في حديث المحبنطئ على باب الجنة.

    التوحيد _ 393 _

       والأبله ، والمجنون الذي لا يعقل ، والأصم ، والأبكم ، فكل واحد منهم يحتج على الله عزوجل (1) قال : فيبعث الله عزوجل إليهم رسولا فيؤجج لهم نارا (2) و يقول : إن ربكم يأمركم أن تثبوا فيها (3) فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما ومن عصى سيق إلى النار.
      5 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن فضل بن عامر ، عن موسى بن القاسم البجلي ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة بن أعين ، قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام صلى على ابن لجعفر عليه السلام صغير فكبر عليه ، ثم قال : يا زرارة إن هذا وشبهه لا يصلى عليه ، ولولا أن يقول الناس : إن بني هاشم لا يصلون على الصغار ما صليت عليه ، قال زرارة : فقلت : فهل سئل عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : نعم قد سئل عنهم فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، ثم قال : يا زرارة أتدري ما قوله : الله أعلم بما كانوا عاملين ؟ قال : فقلت : لا والله ، فقال : لله عزوجل فيهم المشية ، أنه إذا كان يوم القيامة احتج الله تبارك وتعالى على سبعة : على الطفل ، وعلى الذي مات بين النبي والنبي ، وعلى الشيخ الكبير الذي يدرك النبي وهو لا يعقل ، والأبله ، والمجنون الذي لا يعقل ، والأصم ، والأبكم ، فكل هؤلاء يحتج الله عزوجل عليهم يوم القيامة ، فيبعث الله إليهم رسولا ويخرج إليهم نارا فيقول لهم : إن ربكم يأمركم أن تثبوا في هذه النار ، فمن وثب فيها كانت عليه براد وسلاما ، ومن عصاه سيق إلى النار.
      6 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم عليه السلام وسارة أطفال المؤمنين

    ---------------------------
    (1) كاحتجاج أولاد المشركين عليه تعالى المذكور في الحديث الأول.
    (2) في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فيؤجج إليهم نارا ).
    (3) في نسخة ( ب ) و ( د ) ( أن تقيموا فيها ).

    التوحيد _ 394 _

       يغذونهم (1) من شجرة في الجنة لها أخلاف كأخلاف البقر ، في قصور من در (2) فإذا كان يوم القيامة ألبسوا وطيبوا وأهدوا إلى آبائهم ، فهم مع آبائهم ملوك في الجنة.
      7 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (3) قال : قصرت الأبناء عن عمل الآباء فألحق الله عزوجل الأبناء بالآباء ليقر بذلك أعينهم.
      8 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي زكريا ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا مات طفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السماوات والأرض : ألا إن فلان بن فلان قد مات ، فإن كان قد مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه يغذوه ، وإلا دفع إلى فاطمة صلوات الله عليها تغذوه حتى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين فتدفعه إليه. (4)
      9 ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن حسان ، عن الحسين بن محمد النوفلي من ولد نوفل بن

    ---------------------------
    (1) هكذا في النسخ ، والقاعدة تقتضي يغذوانهم كما في البحار عن الفقيه.
    (2) في حاشية نسخة ( ط ) كلمة ( زريعة ) بدلا عن ( در ) ، وهي كل شيء ناعم.
    (3) الطور : 21.
    (4) لا تنافي بين هذا والحديث السادس ، إذ يمكن الجمع باختصاصها عليها السلام بأطفال المؤمنين من ذريتها ، أو التبعيض على نحو آخر أو يغذوانهم بأمرها ، أو التبعيض في التغذية ، مع أنه لا تزاحم في العمل في تلك الدار.

    التوحيد _ 395 _

       عبد المطلب ، قال : أخبرني محمد بن جعفر ، عن محمد بن علي ، عن عيسى بن عبد الله العمري ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه السلام في المرض يصيب الصبي ؟ قال : كفارة لوالديه .
      10 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبد الله عليه السلام. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تزوجوا الأبكار فإنهم أطيب شيء أفواها وأدر شيء أخلافا وأفتح شيء أرحاما ، أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب الجنة فيقول الله عزوجل له : أدخل الجنة ، فيقول : لا حتى يدخل أبواي قبلي ، فيقول الله عزوجل لملك من الملائكة : ايتني بأبويه ، فيأمر بهما إلى الجنة ، فيقول : هذا بفضل رحمتي لك .
      11 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ابن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن الوليد ، عن حماد بن عثمان ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن أطفال الأنبياء عليهم السلام فقال : ليسوا كأطفال سائر الناس ، قال : وسألته عن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله لو بقي كان صديقا ؟ قال : لو بقي كان على منهاج أبيه صلى الله عليه وآله .
      12 ـ وبهذا الإسناد ، عن حماد بن عثمان ، عن عامر بن عبد الله ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان على قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله عذق يظله عن الشمس ، فلما يبس العذق ذهب أثر القبر فلم يعلم مكانه ، وقال عليه السلام : مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان له ثمانية عشر شهرا فأتم الله عزوجل رضاعه في الجنة.
       قال مصنف هذا الكتاب في الأطفال وأحوالهم : إن الوجه في معرفة العدل والجور والطريق إلى تميزهما ليس هو ميل الطباع إلى الشيء ونفورها عنه وأنه استحسان العقل له واستقباحه إياه ، فليس يجوز لذلك أن نقطع بقبح فعل من الأفعال لجهلنا بعلله .
       ولا أن نعمل في إخراجه عن حد العدل على ظاهر صورته ، بل الوجه

    التوحيد _ 396 _

       إذا أردنا أن نعرف حقيقة نوع من أنواع الفعل قد خفي علينا وجه الحكمة فيه أن نرجع إلى الدليل الذي يدل على حكمة فاعله ونفرغ إلى البرهان الذي يعرفنا حال محدثه ، فإذا أوجبنا له في الجملة أنه لا يفعل إلا الحكمة والصواب وما فيه الصنع والرشاد لزمنا أن نعم بهذه القضية أفعاله كلها ، جهلنا عللها أم عرفناها ، إذ ليس في العقول قصرها على نوع من الفعل دون نوع ولا خصوصها في جنس دون جنس ألا ترى أنا لو رأينا أبا قد ثبتت بالدلائل عندنا حكمته وصح بالبرهان لدينا عدله (1) يقطع جارحة من جوارح ولده أو يكوي عضوا من أعضائه ولم نعرف السبب في ذلك ولا العلة التي لها يفعل ما يفعله به لم يجز لجهلنا بوجه المصلحة فيه أن ننقض ما قد أثبته البرهان الصادق في الجملة من حسن نظره له ولإرادته الخير به ، فكذلك أفعال الله العالم بالعواقب والابتداء تبارك وتعالى لما أوجب الدليل في الجملة أنها لا تكون إلا حكمة ولا تقع إلا صوابا لم يجز لجهلنا بعلل كل منها على التفصيل أن نقف فيما عرفناه من جملة أحكامها ، لا سيما وقد عرفنا عجز أنفسنا عن معرفة علل الأشياء وقصورها عن الإحاطة بمعاني الجزئيات ، هذا إذا أردنا أن نعرف الجملة التي لا يسع جهلها من أحكام أفعاله عزوجل .
       فأما إذا أردنا أن نستقصي معانيها ونبحث عن عللها فلن نعدم في العقول بحمد الله ما يعرفنا من وجه الحكمة في تفصيلاتها ما يصدق الدلالة على جملتها ، والدليل على أن أفعال الله تبارك وتعالى حكمة بعدها من التناقض وسلامتها من التفاوت وتعلق بعضها ببعض وحاجة الشيء إلى مثله وائتلافه بشكله واتصال كل نوع بشبهه حتى لو توهمت على خلاف ما هي عليه من دوران أفلاكها وحركة شمسها وقمرها ومسير كواكبها لانتقضت وفسدت ، فلما استوفت أفعال الله عزوجل ما ذكرناه من شرائط العدل وسلمت مما قدمناه من علل الجور صح أنها حكمة ، والدليل على أنه لا يقع منه عزوجل الظلم ولا يفعله أنه قد ثبت أنه تبارك وتعالى قديم غني عالم لا يجهل والظلم لا يقع إلا من جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله منتفع به ، فلما كان أنه تبارك وتعالى قديما غنيا لا تجوز عليه المنافع و

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ج ) وحاشية نسخة ( ط ) ( ووضح بالبرهان ـ الخ ).

    التوحيد _ 397 _

       المضار عالما بما كان ويكون من قبيح وحسن صح أنه لا يفعل إلا الحكمة ولا يحدث إلا الصواب ، ألا ترى أن من صحت حكمته منا لا يتوقع منه مع غنائه عن فعل القبيح وقدرته على تركه وعلمه بقبحه وما يستحق من الذم على فعله ارتكاب العظائم فلا يخاف عليه مواقعة القبائح ، وهذا بين ، والحمد لله .
      13 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله ، قال : حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان الخزاز ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، : يا ابن رسول الله إنا نرى من الأطفال من يولد ميتا ، ومنهم من يسقط غير تام ، ومنهم من يولد أعمى أو أخرس أو أصم ، ومنهم من يموت من ساعته إذا سقط على الأرض ، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام ، ومنهم من يعمر حتى يصير شيخا ، فكيف ذلك وما وجهه ؟ فقال عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أولى بما يدبره من أمر خلقه منهم ، وهو الخالق والمالك لهم ، فمن منعه التعمير فإنما منعه ما ليس له ، ومن عمره فإنما أعطاه ما ليس له ، فهو المتفضل بما أعطاه وعادل فيما منع ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، قال جابر : فقلت له : يا ابن رسول الله وكيف لا يسأل عما يفعل ؟.
       قال : لأنه لا يفعل إلا ما كان حكمه وصوابا ، وهو المتكبر الجبار والواحد القهار فمن وجد في نفسه حرجا في شيء مما قضى الله فقد كفر ، ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد . (1)

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( و ) و ( ه‍ ) بعد الحديث الثالث عشر في آخر الباب هذا الحديث : ( حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثني محمد بن أبي بشير ، قال : حدثني الحسين بن أبي الهيثم ، قال : حدثنا سليمان بن داود ، عن حفص بن غياث ، قال : حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد ، قال : حدثني باقر علوم الأولين والآخرين محمد بن علي ، قال : حدثني سيد العابدين علي ابن الحسين ، قال : حدثني سيد الشهداء الحسين بن علي ، قال : حدثني سيد الأوصياء علي ابن أبي طالب عليهم السلام ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالسا في مسجده إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال : يا محمد إلى ما تدعو ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، قال : يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلى وحدانيته وتزعم أنك رسوله كيف هو ، قال : يا يهودي إن ربي لا يوصف بالكيف لأن الكيف مخلوق وهو مكيفه ، قال : فأين هو ؟ قال : إن ربي لا يوصف بالأين لأن الأين مخلوق وهو أينه ، قال : فهل رأيته يا محمد ؟ قال : إنه لا يرى بالأبصار ولا يدرك بالأوهام ، قال : فبأي شيء نعلم أنه موجود ؟ قال : بآياته وأعلامه ، قال : فهل يحمل العرش أم العرش يحمله ؟
       فقال : يا يهودي إن ربي ليس بحال ولا محل ، قال : فكيف خروج الأمر منه ؟ قال : باحداث الخطاب في المحال ، قال : يا محمد أليس الخلق كله له ؟! قال : بلى ، قال : فبأي شيء اصطفى منهم قوما لرسالته ؟ قال : بسبقهم إلى الاقرار بربوبيته ، قال : فلم زعمت إنك أفضلهم ؟ قال : لأني أسبقهم إلى الاقرار بربي عزوجل ، قال : فأخبرني عن ربك هل يفعل الظلم ؟ قال : لا ، قال : ولم ؟ قال : لعلمه بقبحه واستغنائه عنه ، قال : فهل أنزل عليك في ذلك قرآنا يتلى ؟ قال : نعم ، أنه يقول عزوجل : ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) ، ويقول : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ويقول : ( وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ ) ويقول : ( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ) قال اليهودي : يا محمد فإن زعمت أن ربك لا يظلم فكيف أغرق قوم نوح عليه السلام وفيهم الأطفال ؟ فقال : يا يهودي إن الله عزوجل أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعين عاما فأغرقهم حين أغرقهم ولا طفل فيهم ، وما كان الله ليهلك الذرية بذنوب آبائهم ، تعالى عن الظلم والجور علوا كبيرا ، قال اليهودي : فإن كان ربك لا يظلم فكيف يخلد في النار أبد الآبدين من لم يعصه إلا أياما معدودة ؟ قال : يخلده على نيته ، فمن علم الله نيته أنه لو بقي في الدنيا إلى انقضائها كان يعصي الله عزوجل خلده في ناره على نيته ، ونيته في ذلك شر من عمله ، وكذلك يخلد من يخلد في الجنة بأنه ينوي أنه لو بقي في الدنيا أيامها لأطاع الله أبدا ، ونيته خير من عمله ، فبالنيات يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، والله عزوجل يقول : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً ) قال اليهودي : يا محمد إني أجد في التوراة أنه لم يكن لله عزوجل نبي إلا كان له وصي من أمته فمن وصيك ؟ قال : يا يهودي وصيي علي بن أبي طالب عليه السلام ، واسمه في التوراة أليا وفي الإنجيل حيدار ، وهو أفضل أمتي وأعلمهم بربي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وأنه لسيد الأوصياء كما أني سيد الأنبياء ، فقال اليهودي : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن علي بن أبي طالب وصيك حقا ، والله أني لأجد في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي ، وإني لأجد فيها صفتك وصفة وصيك ، وأنه المظلوم ومحتوم له بالشهادة ، وأنه أبو سبطيك وولديك شبرا وشبيرا سيدي شباب أهل الجنة ).