الفهرس العام

باب تفسير قول الله عزوجل ( كل شيء هالك إلا وجهه )

14 ـ باب تفسير قول الله عزوجل : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ )
15 ـ باب تفسير قول الله عزوجل : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ـ إلى آخر الآية )
16 ـ باب تفسير قول الله عزوجل : ( نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ )
17 ـ باب تفسير قوله عزوجل : ( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ )
18 ـ باب تفسير قول الله عزوجل : ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ )
19 ـ باب تفسير قوله عزوجل : ( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )
20 ـ باب تفسير قوله عزوجل : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ )
21 ـ باب تفسير قوله عزوجل : ( سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ )
22 ـ باب معنى جنب الله عزوجل
23 ـ باب معنى الحجزة
24 ـ باب معنى العين والأذن واللسان
25 ـ باب معنى قوله عزوجل : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )
26 ـ باب معنى رضاه عزوجل وسخطه
27 ـ باب معنى قوله عزوجل : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي )
28 ـ باب نفي المكان والزمان والسكون والحركة والنزول والصعود والانتقال عن الله عزوجل


  1 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله : قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصور بن يونس ، عن جليس لأبي حمزة ، عن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : قول الله عزوجل ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ؟ (1) قال : فيهلك كل شيء ويبقي الوجه ، إن الله عزوجل أعظم من أن يوصف بالوجه ، ولكن معناه كل شيء هالك إلا دينه والوجه الذي يؤتى منه (2).
  2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي بصير ، عن الحارث بن المغيرة النصري (3) قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) قال : كل شيء هالك إلا من أخذ طريق الحق.
  3 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن سهل ابن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) قال : من أتى الله بما أمر به من طاعة محمد والأئمة من بعده صلوات الله عليهم فهو الوجه الذي لا يهلك ، ثم قرأ : ( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) (4).

---------------------------
(1) القصص : 88.
(2) في نسخة ( ب ) ( والوجه الذي يؤتى الله منه ).
(3) من بني نصر بن معاوية ، ثقة .
(4) النساء : 80.

التوحيد _ 150 _

  4 ـ وبهذا الإسناد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : نحن وجه الله الذي لا يهلك (1).
  5 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن ربيع الوراق ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : كل شيء هالك إلا وجهه قال : نحن .
  6 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، عن أبيه ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سلام ، عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : نحن المثاني التي أعطاها الله نبينا صلى الله عليه وآله (2) ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم ، عرفنا من عرفنا ، ومن جهلنا فأمامه اليقين (3).

---------------------------
(1) الوجه من كل شيء هو أول ما يظهر منه ويتوجه إليه منه ، وجميع الأخبار الواردة في هذا الباب في هذا الكتاب وغيره عن أئمتنا صلوات الله عليهم فسر الوجه فيه بهم وبما يتعلق بهم من الأمور الإلهية.
(2) إشارة إلى قوله تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) و ( من ) في الآية بيانية ، والمثاني جمع المثنى ، وقد فسر في أخبار بهم كما هنا ، ومن المحتمل في ذلك أنهم عليهم السلام سبع بحسب أسمائهم وإن كرر بعضها : علي ، فاطمة ، حسن ، حسين ، محمد ، جعفر ، موسى ، عليهم السلام ، وما ذكره المصنف حق لكنه بعيد من ظاهر اللفظ ، وقد قيل في تفسيرها وجوه أخر.
(3) أي يتيقن بعد الموت الذي أمامه أنا وجه الله الذي لا بد لعباده أن يتوجهوا إليه به ، وفي السفينة عن سابع البحار : ( عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا ، من عرفنا فأمامه اليقين ومن جهلنا فأمامه السعير ) أي يتيقن عين اليقين بما وعده الله على ولايتنا ومعرفتنا ، وفي باب النوادر من توحيد الكافي : ( عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا وإمامة المتقين ) وهي بالنصب عطف على ضمير المتكلم في جهلنا الثاني أي جهلنا وجهل بجهله إيانا إمامة المتقين فلم يكن منهم .

التوحيد _ 151 _

   قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : معنى قوله : نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي صلى الله عليه وآله إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا ، فأخبر أمته بأن لا نفترق حتى نرد عليه حوضه (1).
  7 ـ أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن سيف ، عن أخيه الحسين بن سيف (2) ، عن أبيه سيف بن عميرة النخعي عن خيثمة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) قال : دينه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام دين الله ، ووجهه وعينه في عباده ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده على خلقه ، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه ، لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية ، قلت : وما الروية ؟ قال : الحاجة فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب (3).
  8 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، قال : حدثنا بكر ، عن الحسن بن سعيد ، عن الهيثم بن عبد الله ، عن مروان بن صباح ، قال : أبو عبد الله عليه السلام : إن الله عزوجل خلقنا فأحسن خلقنا ، وصورنا فأحسن صورنا (4) وجعلنا عينه في عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ، و وجهه الذي يؤتي منه ، وبابه الذي يدل عليه ، وخزائنه في سمائه وأرضه (5) بنا

---------------------------
(1) ( حوضه ) منصوب على الظرفية ، وفي نسخة ( ب ) و ( ط ) ( حتى نرد على حوضه ).
(2) هكذا في النسخ ، والظاهر على العكس برواية الحسين عن أخيه على كما في الحديث الثامن والتاسع والعاشر والثاني عشر والثالث عشر من الباب الأول وغيرها.
(3) المراد بها ما يتعلق به إرادته تعالى كحاجة الإنسان التي يتعلق بها إرادته من دون احتياج له تعالى.
(4) في نسخة ( ب ) و ( د ) و ( و ) ( فأحسن صورتنا ).
(5) في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( و ) ( وخزانه في سمائه وأرضه ).

التوحيد _ 152 _

   أثمرت الأشجار ، وأينعت الثمار وجرت الأنهار ، وبنا نزل غيث السماء ونبت عشب الأرض ، بعبادتنا عبد الله ، ولولا نحن ما عبد الله.
  9 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد العزيز ، عن ابن أبي يعفور ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله واحد ، أحد ، متوحد بالوحدانية ، متفرد بأمره ، خلق خلقا ففوض إليهم أمر دينه ، فنحن هم يا ابن أبي يعفور نحن حجة الله (1) في عباده ، وشهداؤه على خلقه ، وأمناؤه على وحيه ، و خزانه على علمه ، ووجهه الذي يؤتي منه وعينه في بريته ، ولسانه الناطق ، و قلبه الواعي ، وبابه الذي يدل عليه ، ونحن العاملون بأمره ، والداعون إلى سبيله ، بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، نحن الأدلاء على الله ، ولولانا ما عبد الله ، (2).
  10 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي بن الحسين السكري ، قال : حدثنا الحكم بن أسلم ، قال : حدثنا ابن علية (3) عن الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، عن علي عليه السلام ، قال : سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يقول لرجل : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : مه ، لا تقل هذا ، فإن الله خلق آدم على صورته .
   قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله تركت المشبهة من هذا الحديث أوله و قالوا : إن الله خلق آدم على صورته ، فضلوا في معناه وأضلوا.
  11 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله ، قال : حدثنا علي ـ

---------------------------
(1) كذا.
(2) جعلهم الله تعالى منه منزلة الأعضاء من الإنسان لأن أمره تعالى جار في خلقه بهم ومن طريقهم كما يدل عليه الآيات والأخبار ، فلا يلزم من ذلك أن يكون لله تعالى أعضاء ولا أن يكونوا هم الله الواحد الأحد المتوحد بالوحدانية المتفرد بالأمر ، تعالى عما يقول الجاهلون ، وفي نسخة ( و ) نحن القائمون بأمره ، وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) ( نحن القائلون بأمره ).
(3) هو إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية. والجريري هو أبو مسعود سعيد بن أياس.

التوحيد _ 153 _

   ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الله خلق آدم على صورته ، فقال : قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك ، فإن الله عزوجل خلق آدم على صورته (1).
  13 ـ باب تفسير قول الله عزوجل : ( يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )
  1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، قال : حدثنا بكر ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن عبد الله بن بحر ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت : قوله عزوجل : ( يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) (2) ؟ فقال : اليد في كلام العرب القوة والنعمة ، قال : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ) (3) وقال : ( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ) (4) أي بقوة وقال : ( وأيدهم بروح منه ) (5) أي قواهم ويقال : لفلان عندي أيادي كثيرة أي فواضل وإحسان ، وله عندي يد بيضاء أي نعمة (6).
  2 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن ـ

---------------------------
(1) قد مر ذكر وجوه لهذه الرواية في ذيل الحديث الثامن عشر من الباب السادس.
(2) ص : 75.
(3) ص : 17.
(4) الذاريات : 47.
(5) المجادلة : 22.
(6) المشهور أن لفظ اليد ناقص يائي حذفت ياؤه ، ومن هذا الحديث يظهر أنه مهموز الفاء حذفت فاؤه.

التوحيد _ 154 _

   سيف ، عن محمد بن عبيدة ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل لإبليس : ( مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ ) ؟ قال : يعني بقدرتي وقوتي .
   قال مصنف هذا الكتاب : سمعت بعض مشايخ الشيعة بنيسابور يذكر في هذه الآية أن الأئمة عليهم السلام كانوا يقفون على قوله : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت ) ثم يبتدؤون بقوله عزوجل : ( بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ) وقال : هذا مثل قول القائل : بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني ، كأنه يقول عزوجل : بنعمتي قويت على الاستكبار والعصيان .

14 ـ باب تفسير قول الله عزوجل : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ ) (1)

  1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، عن بكر ، عن الحسين بن سعد ، عن أبي الحسن عليه السلام في قوله عزوجل : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) قال : حجاب من نور يكشف ، فيقع المؤمنون سجدا ، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود (2).
  2 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) قال : تبارك الجبار ، ثم أشار إلى ساقه فكشف عنها الإزار ، قال : ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ، قال : أفحم القوم (3)

---------------------------
(1) القلم : 42.
(2) تدمج على صيغة المجهول ، والدمج دخول شيء في شيء مستحكما ، كأنه يدخل في أصلابهم شيء يمنعهم عن الانحناء فلا يستطيعون السجود.
(3) الافحام الاسكات بالحجة ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) و ( د ) بالقاف وهو الادخال في مكان بالعنف .

التوحيد _ 155 _

   ودخلتهم الهيبة ، وشخصت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون .
   قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب : قوله عليه السلام : تبارك الجبار وأشار إلى ساقه فكشف عنها الإزار ، يعني به : تبارك الجبار أن يوصف بالساق الذي هذا صفته .
  3 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الحسين بن موسى ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : كشف إزاره عن ساقه ، ويده الأخرى على رأسه فقال : سبحان ربي الأعلى.
   قال مؤلف هذا الكتاب : معنى قوله : ( سبحان ربي الأعلى ) تنزيه لله عز وجل أن يكون له ساق .

15 ـ باب تفسير قول الله عزوجل : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ـ إلى آخر الآية ) (1)

  1 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن العباس بن هلال ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فقال : هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض. وفي رواية البرقي : هدى من في السماوات وهدى من في الأرض.
   قال مصنف هذا الكتاب : إن المشبهة تفسر هذه الآية على أنه ضياء السماوات والأرض ، ولو كان كذلك لما جاز أن توجد الأرض مظلمة في وقت من الأوقات لا بالليل ولا بالنهار (2) لأن الله هو نورها وضياؤها على تأويلهم وهو موجود غير

---------------------------
(1) النور : 35.
(2) في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( لما جاز أن توجد في الأرض ظلمة ـ الخ ).

التوحيد _ 156 _

   معدوم ، فوجودنا الأرض مظلمة بالليل (1) ووجودنا داخلها أيضا مظلما بالنهار يدل على أن تأويل قوله : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) هو ما قاله الرضا عليه السلام دون تأويله المشبهة ، فإنه عزوجل هاد لأهل السماوات والأرض ، المبين لأهل السماوات والأرض أمور دينهم ومصالحهم ، فلما كان بالله وبهداه يهتدي أهل السماوات والأرض إلى صلاحهم وأمور دينهم كما يهتدون بالنور الذي خلق الله لهم في السماوات والأرض إلى صلاح دنياهم قال : إنه نور السماوات والأرض على هذا المعنى ، وأجرى على نفسه هذا الاسم توسعا ومجازا ، لأن العقول دالة على أن الله عزوجل لا يجوز أن يكون نورا ولا ضياء ولا من جنس الأنوار والضياء ، لأنه خالق الأنوار وخالق جميع أجناس الأشياء .
   وقد دل على ذلك أيضا قوله : ( مَثَلُ نُورِهِ ) وإنما أراد به صفة نوره ، وهذا النور هو غيره ، لأنه شبهه بالمصباح وضوئه الذي ذكره ووصفه في هذه الآية ، ولا يجوز أن يشبه نفسه بالمصباح ، لأن الله لا شبه له ولا نظير ، فصح أن نوره الذي شبهه بالمصباح إنما هو دلالته أهل السماوات و الأرض على مصالح دينهم وعلى توحيد ربهم وحكمته وعدله ، ثم بين وضوح دلالته هذه وسماها نورا من حيث يهتدي بها عبادة إلى دينهم وصلاحهم ، فقال : مثله كمثل كوة وهي المشكاة فيها المصباح والمصباح هو السراج في زجاجة صافية شبيهة بالكوكب الدري في صفائه ، والكوكب الدري ، هو الكوكب المشبه بالدر في لونه ، وهذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية يتوقد من زيت زيتونة مباركة ، وأراد به زيتون الشام لأنه يقال : إنه بورك فيه لأهله وعنى عزوجل بقوله : ( لا شرقية ولا غربية ) أن هذه الزيتونة ليست بشرقية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الغروب ، ولا غربية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الطلوع ، بل هي في أعلى شجرها والشمس تسقط عليها في طول نهارها فهو أجود لها وأضوء لزيتها ، ثم أكد وصفه لصفاء زيتها فقال : ( يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ) لما فيها من الصفاء فبين أن دلالات الله التي بها دل عباده في السماوات والأرض على

---------------------------
(1) في البحار نقلا عن التوحيد ( فوجود الأرض مظلمة بالليل ).

التوحيد _ 157 _

   مصالحهم وعلى أمور دينهم هي في الوضوح والبيان بمنزلة هذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية ويتوقد بها الزيت الصافي الذي وصفه ، فيجتمع فيه ضوء النار مع ضوء الزجاجة وضوء الزيت وهو معنى قوله : ( نُّورٌ عَلَى نُورٍ ) وعنى بقوله عزوجل : ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء ) يعني من عباده وهم المكلفون ليعرفوا بذلك ويهتدوا به ويستدلوا به على توحيد ربهم وسائر أمور دينهم ، وقد دل الله عزوجل بهذه الآية وبما ذكره من وضوح دلالاته وآياته التي دل بها عباده على دينهم أن أحد منهم لم يؤت فيما صار إليه من الجهل ومن تضييع الدين لشبهة ولبس دخلا عليه في ذلك من قبل الله عزوجل ، إذ كان الله عزوجل قد بين لهم دلالاته وآياته على سبيل ما وصف ، وإنهم إنما أتوا في ذلك من قبل أنفسهم بتركهم النظر في دلالات الله واستدلال بها على الله عزوجل وعلى صلاحهم في دينهم ، وبين أنه بكل شيء من مصالح عباده ومن غير ذلك عليم .
  2 ـ وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) فقال : هو مثل ضربه الله لنا ، فالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين من دلالات الله وآياته التي يهتدى بها إلى التوحيد ومصالح الدين وشرائع الإسلام والفرائض والسنن ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
  3 ـ وتصديق ذلك ما حدثنا به إبراهيم بن هارون الهيتي بمدينة السلام ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، قال : حدثنا الحسين بن أيوب ، عن محمد بن غالب عن علي بن الحسين ، عن الحسن بن أيوب ، عن الحسين بن سليمان ، عن محمد بن مروان الذهلي عن الفضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام : ( الله نور السماوات والأرض ) ؟ قال : كذلك الله عزوجل ، قال : قلت : ( مَثَلُ نُورِهِ ) ؟ قال : محمد صلى الله عليه وآله ، قلت ( كَمِشْكَاةٍ ) ؟ قال : صدر محمد صلى الله عليه وآله ، قال : قلت : ( فِيهَا مِصْبَاحٌ ) ؟ قال : فيه نور العلم يعني النبوة ، قلت : ( الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ) ؟ قال : علم رسول الله صلى الله عليه وآله صدر إلى قلب علي عليه السلام ، قلت : ( كَأَنَّهَا ) ؟ قال : لأي شيء

التوحيد _ 158 _

   تقرأ كأنها ، فقلت : فكيف جعلت فداك ؟ قال : كأنها كوكب دري (1) قلت : ( دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ) ؟ قال : ذلك أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني ، قلت : ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار ) ؟ قال : يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد من قبل أن ينطق به (2) ، قلت : ( نُّورٌ عَلَى نُورٍ ) ؟ قال : الإمام في إثر الإمام عليه السلام.
  4 ـ حدثنا إبراهيم بن هارون الهيتي ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي ـ الثلج ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري ، قال : حدثنا أحمد بن صبيح قال : حدثنا ظريف بن ناصح ، عن عيسى بن راشد ، عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله عزوجل : ( كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) ، قال : المشكاة نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه وآله ( الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ) الزجاجة صدر علي عليه السلام ، صار علم النبي صلى الله عليه وآله إلى صدر علي عليه السلام ( الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة ) قال : نور ، ( لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ) قال : لا يهودية ولا نصرانية ( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار ) قال : يكاد العالم من آل محمد عليهم السلام يتكلم بالعلم قبل أن يسأل ، ( نُّورٌ عَلَى نُورٍ ) يعني : إماما مؤيدا بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد عليهم السلام ، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة.
   فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله عزوجل خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه لا تخلو ا الأرض في كل عصر من واحد منهم عليهم السلام ، يدل على صحة ذلك قول أبي طالب في رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت الأمين محمد قرم أغر مسود أنت السعيد من السعود تكنفتك الأسعد فلقد عرفتك صادقا بالقول لا تتفند لمسودين أطائب كرموا وطاب المولد من لدن آدم لم يزل فينا وصي مرشد ما زلت تنطق بالصواب وأنت طفل أمرد يقول : ما زلت تتكلم بالعلم قبل أن يوحى إليك وأنت طفل كما قال

---------------------------
(1) تذكير الضمير باعتبار تأويل الزجاجة بقلب أمير المؤمنين عليه السلام.
(2) أي من قبل أن يسأل عنه ، كما في الحديث التالي.

التوحيد _ 159 _

   إبراهيم عليه السلام وهو صغير لقومه : ( إني برئ مما تشركون ) (1) وكما تكلم عيسى عليه السلام في المهد فقال : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت ـ الآية ) (2).
   ولأبي طالب في رسول الله صلى الله على وآله وسلم مثل ذلك في قصيدته اللامية حين يقول : وما مثله في الناس سيد معشر فأيده رب العباد بنوره إذا قايسوه عند وقت التحاصل وأظهر دينا حقه غير زائل ويقول فيها : وأبيض يستسقي الغمام بوجهه تطيف به الهلاك من آل هاشم وميزان صدق لا يخيس شعيرة ربيع اليتامى عصمة للأرامل فهم عنده في نعمة وفواضل وميزان عدل وزنه غير عائل .
  5 ـ حدثنا علي بن عبد الله الوراق ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن أسلم الجبلي ، عن الخطاب بن عمر (3) ومصعب بن عبد الله الكوفيين ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة ) فالمشكاة صدر نبي الله صلى الله عليه وآله فيه المصباح ، والمصباح هو العلم في الزجاجة والزجاجة أمير المؤمنين عليه السلام وعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنده.

16 ـ باب تفسير قول الله عزوجل : ( نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ ) (4)

  1 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان ، قال : حدثنا أبو حامد عمران

---------------------------
(1) الأنعام : 78.
(2) مريم : 31.
(3) في نسخة ( و ) و ( ب ) و ( د ) ( عن الخطاب أبي عمر ) ولم أجده.
(4) التوبة : 67.

التوحيد _ 160 _

   ابن موسى بن إبراهيم ، عن الحسن بن القاسم الرقام ، عن القاسم بن مسلم ، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم ، قال : سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام عن قول الله عزوجل : ( نسوا الله فنسيهم ) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو ، وإنما ينسى ويسهو المخلوق المحدث ، ألا تسمعه عزوجل يقول : ( وما كان ربك نسيا ) (1) وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم ، كما قال عزوجل : ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنسيهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ) (2) وقوله عزوجل ( فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ) (3) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا.
   قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : قوله : نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب من كان يرجوا لقاء يومه ، لأن الترك لا يجوز على الله عزوجل ، وأما قول الله عزوجل : ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ ) (4) أي لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتوبوا (5).

17 ـ باب تفسير قوله عزوجل : ( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) (6)

  1 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان الكليني ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام ، عن

---------------------------
(1) مريم : 64.
(2) الحشر : 19.
(3) الأعراف : 51.
(4) البقرة : 17.
(5) حاصل كلام الإمام عليه السلام أن الله تعالى لا ينسى ولا يسهو بل ينسى غيره مجازاة ، و أما نسيانه فهو بمعنى الترك ، ومراد الصدوق رحمه الله أن تركه تعالى ليس ترك إهمال و سدى بل على وجوه أخرى كترك الأخذ بالعجلة.
(6) الزمر : 67.

التوحيد _ 161 _

   قول الله عزوجل : ( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) فقال : ذلك تعيير الله تبارك وتعالى لمن شبهه بخلقه ، ألا ترى أنه ، قال : ( وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) ومعناه إذ قالوا : إن الأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه ، كما قال عزوجل : ( وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) إذ قالوا : ( ما أنزل الله على بشر من شيء ) (1) ثم نزه عزوجل نفسه عن القبضة واليمين فقال : ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (2).
  2 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رحمه الله قال : حدثنا أحمد بن يحيى ابن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم ابن بهلول ، عن أبيه ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فقال : يعني ملكه لا يملكها معه أحد ، والقبض من الله تبارك وتعالى في موضع آخر المنع والبسط ، منه الاعطاء والتوسيع ، كما قال عزوجل : ( وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (3) يعني يعطي ويوسع ويمنع ويضيق ، والقبض منه عزوجل في وجه

---------------------------
(1) الأنعام : 91. (2) مراده عليه السلام أن قوله تعالى : ( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا ـ الخ ) حكاية قول من شبه الله بخلقه بتقدير إذ قالوا كما في الآية الأخرى ، فيكون قوله تعالى : ( وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) تعييرا من الله عليهم لقولهم ذلك ، فلذا نزه نفسه في آخر الآية غن ذلك لأنه تشبيه له بخلقه كما أنه تعالى عيرهم في الآية الأخرى لقولهم : ما أنزل الله ، ثم إن ( إذ ) في الموضعين للتعليل قال العلامة المجلسي في البحار في الصفحة الثانية من الجزء الرابع من الطبعة الحديثة : هذا وجه حسن لم يتعرض له المفسرون ، ويؤيده أن العامة رووا ( أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وآله وذكر نحوا من ذلك فيضحك صلى الله عليه وآله ، وهذا التفسير لا ينافي ما في الحديث التالي وغيره لأن المتشابهات تحمل على بعض الوجوه الحقة المحكمة أو على جميعها بدلالة من الراسخين في العلم.
(3) البقرة : 245.

التوحيد _ 162 _

   آخر الأخذ (1) في وجه القبول منه كما قال : ( ويأخذ الصدقات ) (2) أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها ، قلت : فقوله عزوجل : ( وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) ؟ قال : اليمين اليد ، واليد القدرة والقوة ، يقول عزوجل : السماوات مطويات بقدرته وقوته ، سبحانه وتعالى عما يشركون .

18 ـ باب تفسير قول الله عزوجل : ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) (3)

  1 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، عن قول الله عزوجل : ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده ، ولكنه يعني ، إنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون .

19 ـ باب تفسير قوله عزوجل : ( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) (4) (3)

  1 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ، قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، عن قول الله عزوجل ( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) فقال : إن الله عزوجل لا يوصف بالمجيء والذهاب تعالى عن الانتقال ، إنما يعني بذلك وجاء أمر ربك والملك صفا صفا .

---------------------------
(1) في نسخة ( ج ) وحاشية نسخة ( ب ) ( في موضع آخر الأخذ ).
(2) التوبة : 104.
(3) المطففين : 15.
(4) الفجر : 22.

التوحيد _ 163 _

20 ـ باب تفسير قوله عزوجل : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ ) (1)

  1 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ، قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ ) قال : يقول : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام ، وهكذا نزلت .

21 ـ باب تفسير قوله عزوجل : ( سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ ) (2) وقوله عزوجل : ( اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ) (3) وقوله عزوجل : ( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (4) وقوله عزوجل : ( يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) (5)

  1 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، قال : سألته عن قول الله عزوجل ( سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ ) وعن قول الله عزوجل : ( الله يستهزئ بهم ) وعن قوله : ( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ ) وعن قوله ( يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع ولكنه عزوجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء ، وجزاء المكر والخديعة ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. (6).

---------------------------
(1) البقرة : 210.
(2) التوبة : 79.
(3) البقرة : 15.
(4) آل عمران : 54.
(5) النساء : 142.
(6) إن الله تبارك وتعالى ذاته الأحدية منزهة عن كل حدوث وتركيب وتغير وزوال وإمكان ونقصان بالبراهين العقلية والنقلية ، وإنما هو الله عزوجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فكل ما أسند إليه تعالى في الكتاب والسنة باعتبار مما تنزه تعالى عنه بالبراهين فهو راجع إلى خلقه الممكن فيه ذلك ، أو يؤول إلى ما يليق بقدسه .
   وهذان الوجهان مذكوران في كثير من أحاديث هذا الكتاب فاستبصر .

التوحيد _ 164 _

22 ـ باب معنى جنب الله عزوجل

  1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله : قال : حدثنا محمد بن جعفر الكوفي (1) ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي الكوفي ، عن عمه الحسين بن يزيد ، عن علي بن الحسين ، عمن حدثه ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إن أمير المؤمنين عليه السلام قال : أنا علم الله ، وأنا قلب الله الواعي ، ولسان الله الناطق ، وعين الله ، وجنب الله ، وأنا يد الله.
   قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : معنى قوله عليه السلام : وأنا قلب الله الواعي أي أنا القلب الذي جعله الله وعاء لعلمه ، وقلبه إلى طاعته ، وهو قلب مخلوق الله عزوجل كما هو عبد الله عزوجل ، ويقال : قلب الله كما يقال : عبد الله وبيت الله وجنة الله ونار الله.
   وأما قوله : عين الله ، فإنه يعني به : الحافظ لدين الله ، وقد قال الله عزوجل : ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) (2) أي بحفظنا ، وكذلك قوله عزوجل : ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ) (3) معناه على حفظي .
  2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن ابن سنان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته : أنا الهادي ، وأنا المهتدي ، وأنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الأرامل ، وأنا ملجأ كل

---------------------------
(1) هو أبو الحسين محمد بن جعفر بن عون الأسدي الكوفي المذكور في كثير من أسانيد الكتاب بعنوان محمد بن أبي عبد الله.
(2) القمر : 14.
(3) طه : 39.

التوحيد _ 165 _

   ضعيف ومأمن كل خائف ، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنة ، وأنا حبل الله المتين ، و أنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى ، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده ، وأنا جنب الله الذي يقول : ( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ ) (1) وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة ، وأنا باب حطة ، من عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه لأني وصي نبيه في أرضه ، وحجته على خلقه ، لا ينكر هذا إلا راد على الله ورسوله .
   قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : الجنب الطاعة في لغة العرب ، يقال : هذا صغير في جنب الله أي في طاعة الله عزوجل ، فمعنى قول أمير المؤمنين عليه السلام : أنا جنب الله أي أنا الذي ولايتي طاعة الله ، قال الله عزوجل : ( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ ) أي في طاعة الله عزوجل (2).

23 ـ باب معنى الحجزة

  1 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن محمد بن بشر الهمداني (3) قال : سمعت محمد بن الحنفية يقول : حدثني أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة نبينا ، و شيعتنا آخذون بحجزتنا ، قلت : يا أمير المؤمنين وما الحجزة ؟ قال : الله أعظم من أن يوصف بالحجزة أو غير ذلك ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذ بأمر الله ، ونحن آل محمد آخذون بأمر نبينا وشيعتنا آخذون بأمرنا .
  2 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى

---------------------------
(1) الزمر : 56.
(2) قد مر الكلام جملة في أمثال هذه الأحاديث المروية عنهم عليهم السلام في ذيل الحديث التاسع من الباب الثاني عشر ، والشاهد لما قلنا ما في الباب الرابع والعشرين.
(3) في نسخة ( و ) وحاشية نسخة ( ب ) محمد بن بشير الهمداني.

التوحيد _ 166 _

   عن الحسن بن علي الخزاز ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة نبينا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا ثم قال : والحجزة النور.
  3 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثني علي بن العباس ، قال : حدثنا الحسن بن يوسف (1) ، عن عبد السلام ، عن عمار ابن أبي اليقظان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يجئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة آخذا بحجزة ربه ، ونحن آخذون بحجزة نبينا ، وشيعتنا آخذون بحجزتنا ، فنحن وشيعتنا حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، والله ما نزعم أنها حجزة الإزار ولكنها أعظم من ذلك ، يجئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذا بدين الله ، ونجئ نحن آخذين بدين نبينا وتجئ شيعتنا آخذين بديننا .
  4 ـ وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال : ( الصلاة حجزة الله ) وذلك أنها تحجز المصلي عن المعاصي ما دام في صلاته (3) قال الله عزوجل : ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) (4).

---------------------------
(1) في نسخة ( و ) ( الحسين بن يوسف ).
(2) في البحار باب معنى حجزة الله في الجزء الرابع من الطبعة الحديثة وفي نسخة ( و ) عن عمار عن أبي اليقظان ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) عن عمار أبي اليقظان ، والصحيح هو الأخير.
(3) الحجزة في اللغة موضع شد الإزار والحزام والتكة وقيل لها الحجزة أيضا للمجاورة ، ثم استعيرت في الكلام لسبب القائم بمن يلتجأ إليه به ويعتصم به عن الهلاك ، فإن دين الله ونوره وأمره وصلاته كما في هذه الأحاديث كذلك ، والحجزة في الحديث كالعروة الوثقى في الآية.
(4) العنكبوت : 45.

التوحيد _ 167 _

24 ـ باب معنى العين والأذن واللسان

  1 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن لله عزوجل خلقا من رحمته خلقهم من نوره ورحمته من رحمته لرحمته (1) فهم عين الله الناظرة ، وأذنه السامعة ولسانه الناطق في خلقه بإذنه ، وأمناؤه على ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة ، فبهم يمحو السيئات ، وبهم يدفع الضيم ، وبهم ينزل الرحمة ، وبهم يحيي ميتا ، وبهم يميت حيا ، وبهم يبتلي خلقه ، وبهم يقضي في خلقه قضيته ، قلت : جعلت فداك من هؤلاء ؟ قال : الأوصياء.

25 ـ باب معنى قوله عزوجل : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ).

  1 ـ أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن أبي ـ عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن علي بن نعمان ، عن إسحاق بن عمار ، عمن سمعه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في قوله الله عزوجل : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة ) : لم يعنوا أنه هكذا ، ولكنهم قالوا : قد فرغ من الأمر ، فلا يزيد ولا ينقص ، فقال الله جل جلاله تكذيبا لقولهم : ( غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) (2) ألم تسمع الله عزوجل يقول : ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ

---------------------------
(1) في نسخة ( ج ) و ( د ) ( إن الله عزوجل خلقا خلقهم من نوره ـ الخ ) وفي نسخة ( ب ) و ( و ) ( إن لله عزوجل خلقا خلقهم من نوره ورحمة من رحمته لرحمته ) ورحمة بالتنوين عطف على خلقا .
(2) المائدة : 64.

التوحيد _ 168 _

وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ). (1)
  2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن المشرقي ، عن عبد الله بن قيس (2) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) فقلت : له يدان هكذا ، وأشرت بيدي إلى يده ، فقال : لا ، لو كان هكذا لكان مخلوقا .

26 ـ باب معنى رضاه عزوجل وسخطه

  1 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثني أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن أبي ـ عبد الله ، عن محمد عيسى اليقطيني ، عن المشرقي ، عن حمزة بن الربيع (3) ، عمن ذكره ، قال : كنت في مجلس أبي جعفر عليه السلام إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له جعلت فداك قول الله تبارك وتعالى : ( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ) (4) ما ذلك الغضب ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : هو العقاب يا عمرو ، إنه من زعم أن الله عزوجل زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق ، إن الله عزوجل لا يستفزه شيء ولا يغيره .
  2 ـ وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام في قوله الله عزوجل : ( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا ) (5) قال : إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون ، وهم مخلوقون

---------------------------
(1) الرعد : 39.
(2) في نسخة ( ب ) و ( د ) و ( و ) ( عن المشرقي عبد الله بن قيس ) وفي معاني الأخبار ص 18 هذا الخبر بإسناده ( عن محمد بن عيسى عن المشرقي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ) وفي الكافي ج 1 ص 110 باب الإرادة في حديث ( عن محمد بن عيسى عن المشرقي حمزة بن المرتفع ) ، وفي المعاني باب رضي الله ( عن محمد بن عيسى اليقطيني عن المشرقي حمزة بن الربيع ).
(3) كذا وتقدم الكلام فيه .
(4) طه : 81.
(5) الزخرف : 55.

التوحيد _ 169 _

   مدبرون ، فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطا ، وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه ، فلذلك صاروا كذلك ، وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه ، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك ، وقد قال أيضا : ( من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها ). وقال أيضا : ( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) (1) وقال أيضا : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ) (2) وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك ، هكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكون الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول : إن المكون يبيد يوما ما ، لأنه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون ، ولا القادر من المقدور ، ولا الخالق من المخلوق ، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا ، هو الخالق للأشياء لا لحاجة ، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه ، فافهم ذلك إن شاء الله (3).
   3 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن العباس بن عمرو الفقيمي ، عن هشام بن الحكم أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الله تبارك وتعالى له رضا وسخط ؟ فقال : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ، وذلك أن الرضا والغضب دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال ، معتمل ، مركب ، للأشياء فيه مدخل (4) وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه ، واحد ، أحدي الذات ، وأحدي المعنى ، فرضاه ثوابه و سخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال ، فإن ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين ، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز الذي لا حاجة

---------------------------
(1) النساء : 80.
(2) الفتح : 10.
(3) إذا كان لا لحاجة كان واجب الوجود ، وواجب الوجود يستحيل أن يحد أو يكيف.
(4) قوله : معتمل على صيغة المفعول أي منفعل يتأثر من الأشياء ، وتقدير الكلام : لأن المخلوق معتمل ـ الخ ، كما في الكافي.

التوحيد _ 170 _

   به إلى شيء مما خلق ، وخلقه جميعا محتاجون إليه ، أنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا.
  4 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا الحسن بن علي السكري قال : حدثنا محمد بن زكريا الجوهري ، عن جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه ، قال : سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ، فقلت له : يا ابن رسول الله أخبرني عن الله عزوجل هل له رضا وسخط ؟ فقال : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين ولكن غضب الله عقابه ، ورضاه ثوابه .

27 ـ باب معنى قوله عزوجل : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (1)

  1 ـ حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله ، قال : أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله الله عزوجل : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) قال : روح اختاره الله واصطفاه وخلقه إلى نفسه وفضله على جميع الأرواح ، فأمر فنفخ منه في آدم (2).

---------------------------
(1) الحجر : 29 ، وص 72.
(2) نفخ الروح ذكر في القرآن في مواضع : بدن آدم ، رحم مريم أي بدن عيسى الذي سواه الله في رحمها ، الطين كهيئة الطير التي خلقها عيسى ، والنافخ في الموضع الأول والثاني ملك بإذن الله لما في الحديث السادس ولقوله تعالى : ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) وفي الموضع الثالث عيسى عليه السلام بإذن الله لقوله تعالى : ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ ) ثم يحتمل أن تكون لفظة ( من ) في قوله تعالى : ( ونفخت فيه من روحي ) نشوية ابتدائية أي نفخت فيه من طريق ملك وبواسطته وسمى ذلك الملك روحا فأضافه إلى نفسه كما في قوله تعالى في قصة عيسى : ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ـ الآية ) فمعنى كان روح اختاره الله واصطفاه ـ الخ ، فأمر الله فنفخ الله في آدم من طريقه وبواسطته ويقرب هذا الاحتمال قوله تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ـ الآية ) فإن النفخ في بدن عيسى في رحم مريم بواسطة الملك قطعا .

التوحيد _ 171 _

  2 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن ابن فضال ، عن الحلبي ، وزرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إن الله تبارك وتعالى أحد ، صمد ، ليس له جوف ، وإنما الروح خلق من خلقه ، نصر وتأييد وقوة ، يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين (1).
  3 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن ، قال : حدثنا بكر بن صالح ، عن القاسم بن عروة ، عن عبد الحميد الطائي ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) كيف هذا النفخ ؟ فقال : إن الروح متحرك كالريح ، وإنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح ، وإنما أخرجه على لفظ الروح لأن الروح مجانس للريح ، وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما اصطفى بيتا من البيوت ، فقال : بيتي ، وقال لرسول من الرسل : خليلي ، وأشباه ذلك ، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبرا (2).
  4 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن ـ

---------------------------
(1) الظاهر أن المراد به غير ما نحن فيه ، بل هو ما في قوله تعالى في وصف المؤمنين ( أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ).
(2) الريح هو الهواء المتحرك وأصله الواو كالروح قلبت ياء لكسرة ما قبلها ، و الروح ما يقوم به الحياة في الشيء ، والحياة منشأ الادراك والفعل ، وأما تحركه كالريح ففي الروح ما يقوم البخاري المعروف عند الأطباء الذي هو البخار اللطيف المنبعث من القلب الساري في جميع البدن ، وأما الروح التي هي النفس الناطقة التي هي محل العلوم و الكمالات الإنسانية ومدبرة للبدن فمتحركة حركة تناسب حقيقتها نظير حرة الفكر المذكورة في المنطق.

التوحيد _ 172 _

   إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن أبي جعفر الأصم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الروح التي في آدم عليه السلام والتي في عيسى عليه السلام ماهما ؟ قال : روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما ، روح آدم عليه السلام وروح عيسى عليه السلام.
  5 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا علي بن العباس ، قال : حدثنا علي بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عزوجل : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) قال : من قدرتي (1).
  6 ـ حدثنا محمد بن أحمد السناني ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب ، وعلي ابن أحمد بن محمد بن عمران رضي الله عنهم قالوا : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا علي بن العباس ، قال : حدثنا عبيس بن هشام ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) قال : إن الله عزوجل خلق خلقا وخلق روحا ثم أمر ملكا فنفخ فيه (2) فليست بالتي نقضت من قدرة الله شيئا من قدرته (3).

---------------------------
(1) هذا تأويل للمتشابه إلى محكم لازم له ، ويحتمل أن يكون تفسيرا للروح بالقدرة .
(2) خلق خلقا هو بدن آدم ، وخلق روحا هو روح آدم ، ثم أمر ملكا فنفخ ذلك الملك ذلك الروح في بدن آدم ، ولا بأس بإسناد النفخ إليه تعالى وإلى الملك أيضا كإسناد التوفي إليه تعالى وإلى ملك الموت وعماله ، ويمكن ارجاع ضمير نفخ إليه تعالى كما في الحديث الأول.
(3) دفع لتوهم أن الروح التي نفخها الملك ليست مقدورة لله حتى نفخها الملك ، لا بل هي مقدورة له تعالى نفخها بإذنه وأمره وقدرته وإقداره إياه على ذلك ، بل نفخه نفخه تعالى في الواقع كما هو الشأن في التوفي الذي يقابل هذا النفخ ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) وليست بالتي ـ الخ.

التوحيد _ 173 _

28 ـ باب نفي المكان والزمان والسكون والحركة والنزول والصعود والانتقال عن الله عزوجل

  1 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر عليه السلام فقال : أخبرني عن الله متى كان ؟ فقال له : ويلك ، أخبرني أنت متى لم يكن حتى أخبرك متى كان ، سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.
  2 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له : يا أبا جعفر أخبرني عن ربك متى كان ؟ فقال : ويلك ، إنما يقال لشيء لم يكن فكان : متى كان ، إن ربي تبارك وتعالى كان لم يزل حيا بلا كيف ، ولم يكن له كان (1) ولا كان لكونه كيف ، ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لكونه مكانا (2) ولا قوي بعد ما كون شيئا : ولا ضعيفا قبل أن يكون شيئا ، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا ، ولا يشبه شيئا مكونا ، ولا كان خلوا من ( القدرة على ) الملك قبل إنشائه ، ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه ، لم يزل حيا بلا حياة ، وملكا قادرا قبل أن ينشئ شيئا ، وملكا جبارا بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ،

---------------------------
(1) أي لا يقال له : كان كذا وكذا كونا زمانيا.
(2) في نسخة ( ب ) و ( د ) و ( و ) ولا ابتدع لكانه مكانا ، وفي نسخة ( ج ) ولا ابتدع لمكانه مكانا ، كما في الحديث الذي في الباب الحادي عشر.

التوحيد _ 174 _

   لا له أين ، ولا له حد ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشيء ، ولا يجوفه شيء ، تصعق الأشياء كلها من خيفته ، كان حيا بلا حياة عارية (1) ولا كون موصوف ، ولا كيف محدود ، ولا أثر مقفو (2) ولا مكان جاور شيئا ، بل حي يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك ، أنشأ ما شاء بمشيته ، لا يحد ولا يبعض ، ولا يفنى ، كان أولا بلا كيف ، ويكون آخرا بلا أين ، وكل شيء هالك إلا وجهه ، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ، ويلك أيها السائل ، إن ربي لا تغشاه الأوهام ، ولا تنزل به الشبهات ، ولا يجار من شيء (3) ولا يجاوره شيء ولا تنزل به الأحداث ، ولا يسأل عن شيء يفعله ، ولا يقع على شيء ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
  3 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الموصلي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : جاء حبر من الأحبار إلى أمير ـ المؤمنين عليه السلام فقال له : يا أمير المؤمنين متى كان ربك ؟ فقال له : ثكلتك أمك ، و متى لم يكن حتى يقال : متى كان ، كان ربي قبل القبل ، بلا قبل ويكون بعد البعد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنه ، فهو منتهى كل غاية (4) فقال : يا أمير المؤمنين فنبي أنت ؟ فقال : ويلك ، إنما أنا عبد من عبيد ـ

---------------------------
(1) في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( و ) بلا حياة جارية ، وفي البحار باب جوامع التوحيد وفي حاشية نسخة ( ن ) بلا حياة حادثة.
(2) هذا كناية عن عدم إدراك أحد ذاته ، وفي نسخة ( د ) ولا أثر مفقود. أي آثاره ظاهرة وإعلامه لائحة .
(3) في نسخة ( ط ) و ( ن ) ولا يحاذر من شيء .
(4) قد مضى نظير هذا الحديث والحديث السادس في أواخر الباب الثاني ، وكان الكل واحد .

التوحيد _ 175 _

   محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
   قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : يعني بذلك : عبد طاعته لا غير ذلك (1).
  4 ـ وروي أنه سئل عليه السلام أين كان ربنا قبل أن يخلق سماء وأرضا ؟ فقال عليه السلام : ( أين ) سؤال عن مكان ، وكان الله ولا مكان .
  5 ـ حدثنا علي بن الحسين بن الصلت رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ابن علي بن الصلت ، عن عمه أبي طالب عبد الله بن الصلت ، عن يونس بن عبد الرحمن ، قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ، : لأي علة عرج الله بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء ، ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومنها إلى حجب النور ، وخاطبه و ناجاه هناك والله لا يوصف بمكان ؟ فقال عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان ، ولكنه عزوجل أراد أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته ، ويكرمهم بمشاهدته ، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه ، وليس ذلك على ما يقول المشبهون ، سبحان الله وتعالى عما يشركون .
  6 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن سهل بن زياد ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمد بن يحيى الخزاز ، عن محمد بن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رأس الجالوت لليهود : إن المسلمين يزعمون أن عليا ، من أجدل الناس وأعلمهم ، اذهبوا بنا إليه لعلي أسأله عن مسألة أخطئه فيها ، فأتاه فقال : يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن مسألة ، قال : سل عما شئت ، قال : يا أمير المؤمنين متى كان ربنا ؟ قال : يا يهودي ، إنما يقال : متى كان لمن لم يكن فكان ، هو كائن بلا كينونة كائن كان بلا كيف ، يا يهودي ،

---------------------------
(1) إن العبودية : الإطاعة والخضوع والتعظيم لأحد ، وهذا غير منكر ، إذا كان هو أهلا لها والمنكر أن يعتقد فيه الألوهية ولم يكن إلها كالنصارى في عيسى والغالين في بعض الأئمة عليهم السلام ، أو يطاع ويعظم ويخضع له ولم يكن أهلا لها كأكثر الأمة لخلفاء الجور أو هما معا كالمشركين لأصنامهم ، وفي نسخة ( و ) و ( د ) عبد طاعة ـ الخ.

التوحيد _ 176 _

   كيف يكون له قبل وهو قبل القبل بلا غاية ولا منتهى ، غاية ولا غاية إليها ، غاية انقطعت الغايات عنه ، فهو غاية كل غاية ، فقال : أشهد أن دينك الحق وأن ما خالفه باطل .
  7 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن هارون الصوفي ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ؟ فقال عليه السلام : لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه ، والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذلك ، إنما قال صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله تبارك وتعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير ، وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فاعطيه ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ يا طالب الخير أقبل ، يا طالب الشر اقصر ، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء ، حدثني بذلك أبي عن جدي ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
  8 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال : حدثنا علي بن محمد ، عن محمد بن سليمان ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمد التميمي ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد (1) عن زيد ابن علي عليه السلام قال : سألت أبي سيد العابدين عليه السلام فقلت له : يا أبه أخبرني عن جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما عرج به إلى السماء وأمره ربه عزوجل بخمسين صلاة كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران عليه السلام : ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك ؟ فقال عليه السلام : يا بني ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يقترح على ربه عزوجل ولا يراجعه في شيء يأمره به ، فلما سأله موسى عليه السلام ذلك وصار شفيعا لأمته إليه لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى عليه السلام ، فرجع إلى ربه عزوجل فسأله التخفيف إلى أن ردها إلى خمس صلوات ، قال :

---------------------------
(1) في نسخة ( ج ) و ( ط ) و ( ن ) ( عمر بن خالد ) وهو تصحيف .

التوحيد _ 177 _

   فقلت : يا أبه فلم لم يرجع إلى ربه عزوجل ولم يسأله التخفيف بعد خمس صلوات (1) فقال : يا بني أراد صلى الله عليه وآله وسلم أن يحصل لأمته التخفيف مع أجر خمسين صلاة لقول الله عزوجل : ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (2) ألا ترى أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما هبط إلى الأرض نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، ويقول : إنها خمس بخمسين ( مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) (3) قال : فقلت له يا أبه أليس الله تعالى ذكره لا يوصف بمكان ؟ فقال : بلى ، تعالى الله عن ذلك ، فقلت فما معنى قول موسى عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ارجع إلى ربك ؟ فقال : معناه معنى قول إبراهيم عليه السلام : ( إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) (4) ومعنى قول موسى عليه السلام : ( و عجلت إليك رب لترضى ) (5) ومعنى قول عزوجل : ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) (6) يعني حجوا إلى بيت الله ، يا بني إن الكعبة بيت الله فمن حج بيت الله فقد قصد إلى الله ، والمساجد بيوت الله ، فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه ، والمصلي ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي الله جل جلاله ، وأهل موقف عرفات وقوف بين يدي الله عزوجل وإن لله تبارك وتعالى بقاعا في سماواته ، فمن عرج به إليها فقد عرج به إليه (7) ألا تسمع الله عزوجل يقول : ( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) (8) ويقول عزوجل : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (9).

---------------------------
(1) في البحار باب نفي الزمان والمكان بعد قوله : ( خمس صلوات ) هذه بعبارة : ( وقد سأله موسى عليه السلام أن يرجع إلى ربه ويسأله التخفيف ).
(2) الأنعام : 160.
(3) ق : 29.
(4) الصافات : 99.
(5) طه : 84.
(6) الذاريات : 51.
(7) في البحار ( فمن عرج إلى بقعة منها فقد عرج به إليه ).
(8) المعارج : 4 ، وفي البحار بعد هذا هكذا : ويقول في قصة عيسى عليه السلام بل رفعه الله إليه.
(9) فاطر : 10.

التوحيد _ 178 _

  9 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، عن ابن محبوب ، عن صالح بن حمزة ، عن أبان ، عن أسد (1) ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : من زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك ، لو كان الله عزوجل على شيء لكان محمولا ، ولو كان في شيء لكان محصورا ، ولو كان من شيء لكان محدثا .
  10 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب عن حماد بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كذب من زعم أن الله عزوجل في شيء أو من شيء أو على شيء .
   قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : الدليل على أن الله عزوجل لا في مكان أن الأماكن كلها حادثة ، وقد قام الدليل على أن الله عزوجل قديم سابق للأماكن ، وليس يجوز أن يحتاج الغني القديم إلى ما كان غنيا عنه ، ولا أن يتغير عما لم يزل موجودا عليه ، فصح اليوم أنه لا في مكان كما أنه لم يزل كذلك وتصديق ذلك :
  11 ـ ما حدثنا به أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، عن بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن سليمان بن حفص المروزي ، عن سليمان بن مهران ، قال : قلت لجعفر بن محمد عليهما السلام هل يجوز أن نقول : إن الله عزوجل في مكان ؟ فقال : سبحان الله وتعالى عن ذلك ، إنه لو كان في مكان لكان محدثنا ، لأن الكائن في مكان محتاج إلى المكان والاحتياج من صفات المحدث لا من صفات القديم.
  12 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم

---------------------------
(1) في نسخة ( ج ) ( عن أبان بن أسد ).

التوحيد _ 179 _

   موسى بن جعفر عليهما السلام أنه قال : إن الله تبارك وتعالى كان لم يزل بلا زمان ولا مكان وهو الآن كما كان ، لا يخلو منه مكان (1) ولا يشغل به مكان ، ولا يحل في مكان ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا (2) ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير ستر مستور ، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
  13 ـ حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي قال : حدثنا الحسين بن إشكيب ، قال : أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي ، عن أسد بن سعيد النخعي ، قال أخبرني عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : قال محمد بن علي الباقر عليهما السلام : يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عزوجل ، يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس (3) ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجره (4) فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى ، يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه ، تعالى عن صفة الواصفين ، وجل عن أوهام المتوهمين ، واحتجب عن أعين الناظرين لا يزول مع الزائلين ، ولا يأفل مع الآفلين ، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.
  14 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، قال : رأى سفيان الثوري أبا ـ الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وهو غلام يصلي والناس يمرون بين يديه ، فقال

---------------------------
(1) لا بالحواية ، بل بإحاطته تعالى به.
(2) المجادلة : 7.
(3) المقدم والتالي كلاهما مزعومهم الباطل.
(4) هو إبراهيم النبي على نبينا وآله وعليه السلام وضع قدمه على حجرة في مكة حين تفقد عن ابنه إسماعيل لتغسلها زوجته فبقي فيها نقش منها ، وهي الآن في المحل المعروف بمقام إبراهيم عليه السلام قرب الكعبة ، وقصته طويلة تطلب من مظانها .

التوحيد _ 180 _

   له ، إن الناس يمرون بك وهم في الطواف ، فقال عليه السلام : الذي أصلي له أقرب إلي من هؤلاء.
  15 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قالا : حدثنا أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثني محمد بن عبيد الله ، قال : حدثنا علي بن الحكم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن الأسود ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام ، قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وآله صديقان يهوديان ، قد آمنا بموسى رسول الله ، وأتيا محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و سمعا منه ، وقد كانا قرءا التوراة وصحف إبراهيم وموسى عليهما السلام ، وعلما علم الكتب الأولى ، فلما قبض الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وآله ، أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده ، وقالا : إنه لم يمت نبي قط إلا وله خليفة يقوم بالأمر في أمته من بعده قريب القرابة إليه من أهل بيته ، عظيم الخطر ، جليل الشأن ، فقال أحدهما لصاحبه : هل تعرف صاحب الأمر من بعد هذا النبي ؟ قال الآخر : لا أعلمه إلا بالصفة التي أجدها في التوراة ، وهو الأصلع المصفر ، فإنه كان أقرب القوم من رسول الله.
   فلما دخلا المدينة وسألا عن الخليفة أرشدا إلى أبي بكر ، فلما نظرا إليه قالا : ليس هذا صاحبنا ، ثم قالا له : ما قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : إني رجل من عشيرته ، وهو زوج ابنتي عائشة ، قالا : هل غير هذا ؟ قال : لا ، قالا : ليست هذه بقرابة ، قالا : فأخبرنا أين ربك ؟ قال : فوق سبع سماوات ، قالا : هل غير هذا ؟ قال : لا ، قالا : دلنا على من هو أعلم منك ، فإنك أنت لست بالرجل الذي نجد صفته في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته ، قال : فتغيظ من قولهما وهم بهما ، ثم أرشدهما إلى عمر ، وذلك أنه عرف من عمر أنهما إن استقبلاه بشيء بطش بهما ، فلما أتياه قالا : ما قرابتك من هذا النبي ؟ قال : أنا من عشيرته ، وهو زوج ابنتي حفصة ، قالا : هل غير هذا ؟ قال : لا ، قالا : ليست هذه بقرابة ، و ليست هذه الصفة التي نجدها في التوراة ، ثم قالا له فأين ربك ؟ قال : فوق سبع

التوحيد _ 181 _

   سماوات : قالا : هل غير هذا ؟ قال : لا ، قالا : دلنا على من هو أعلم منك ، فأرشدهما إلى علي صلوات الله عليه فلما جاءاه فنظرا إليه قال أحدهما لصاحبه : إنه الرجل الذي نجد صفته في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته وزوج ابنته و أبو السبطين والقائم بالحق من بعده ، ثم قالا لعلي عليه السلام : أيها الرجل ما قرابتك من رسول الله ؟ قال : هو أخي ، وأنا وارثه ووصيه وأول من آمن به ، وأنا زوج ابنته فاطمة ، قالا له : هذه القرابة الفاخرة والمنزلة القريبة ، وهذه الصفة التي نجدها في التوراة.
   ثم قالا له : فأين ربك عزوجل ؟ قال لهما علي عليه الصلاة والسلام : إن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيكما موسى عليه السلام ، وإن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، قالا : أنبئنا بالذي كان على عهد نبينا موسى عليه السلام ، قال علي عليه السلام : أقبل أربعة أملاك : ملك من المشرق ، وملك من المغرب ، وملك من السماء ، وملك من الأرض ، فقال صاحب المشرق لصاحب المغرب : من أين أقبلت ؟
   قال : أقبلت من عند ربي ، وقال : صاحب المغرب لصاحب المشرق : من أين أقبلت ؟
   قال : أقبلت من عند ربي ، وقال النازل من السماء للخارج من الأرض : من أين أقبلت ؟ قال : أقبلت من عند ربي ، وقال الخارج من الأرض للنازل من السماء : من أين أقبلت ؟ قال : أقبلت من عند ربي ، فهذا ما كان على عهد نبيكما موسى عليه السلام ، وأما ما كان على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وآله فذلك قوله في محكم كتابه : ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ ـ الآية (1) ) قال اليهوديان : فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الذي أنت أهله ؟! فوالذي أنزل التوراة على موسى إنك لأنت الخليفة حقا ، نجد صفتك في كتبنا ونقرؤه في كنائسنا ، وإنك لأحق بهذا الأمر وأولى به ممن قد غلبك عليه ، فقال علي عليه السلام : قدما وأخرا (2) وحسابهما

---------------------------
(1) المجادلة : 7.
(2) الظاهر أنهما على صيغة المعلوم ، أي قدما أنفسهما في هذا الأمر ولم يكن من شأنهما وأخراني عنه وهو من شأني ، ويحتمل كونهما على صيغة المجهول ، أي قدما في هذا الأمر الذي ليس من شأنهما وأخرا عن فوائد الإسلام والإيمان في الآخرة وحرما عنها.

التوحيد _ 182 _

   على الله عزوجل ، يوقفان ويسألان.
  16 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي أبو الحسين ، قال : حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد النسوي ، قال : حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا : حدثنا محمد بن سنان الحنظلي ، قال : حدثنا عبد الله بن عاصم ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن قيس ، عن أبي هاشم الرماني ، عن زاذان ، عن سلمان الفارسي رحمه الله في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها ، ثم أرشد إلى أمير ـ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه ، فكان فيما سأله أن قال له : أخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالى ، فدعا علي ، عليه السلام بنار وحطب فأضرمه ، فلما اشتعلت قال علي عليه السلام : أين وجه هذه النار ؟! قال النصراني : هي وجه من جميع حدودها : قال علي عليه السلام : هذه النار مدبرة مصنوعة لا يعرف وجهها ، و خالقها لا يشبهها ، ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ، لا يخفى على ربنا خافية. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
  17 ـ حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ ، قال : حدثنا علي بن مهرويه القزويني ، عن داود بن سليمان الفراء ( كذا ) ، عن علي ابن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن موسى بن عمران لما ناجى ربه قال : يا رب أبعيد أنت مني فأناديك أم قريب فأناجيك ؟ (1) فأوحى الله جل جلاله إليه : أنا جليس من ذكرني ، فقال موسى : يا رب إني أكون في حال أجلك أن أذكرك فيها ، فقال : يا موسى اذكرني على كل حال .

---------------------------
(1) هذا بعيد عن النبي المرسل إلا أن يأول.

التوحيد _ 183 _

  18 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بأبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام ، قال : ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك و تعالى ينزل إلى السماء الدنيا ، فقال : إن الله تبارك وتعالى لا ينزل ، ولا يحتاج إلى أن ينزل ، إنما منظره في القرب والبعد سواء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد (1) ولم يحتج بل يحتاج إليه ، وهو ذو الطول ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم أما قول الواصفين : إنه تبارك وتعالى ينزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة ـ وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به (2) فظن بالله الظنون فهلك ، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود ، فإن الله جل عن صفة الواصفين ، ونعت الناعتين ، و توهم المتوهمين ، وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
  19 ـ وبهذا الإسناد عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر ، عن أبي إبراهيم عليه السلام أنه قال : لا أقول : إنه قائم فأزيله عن مكانه ، ولا أحده بمكان يكون فيه ، ولا أحده أن يتحرك في شيء من الأركان والجوارح ، ولا أحده بلفظ شق فم ، ولكن كما قال تبارك وتعالى : ( كُن فَيَكُونُ ) بمشيته من غير تردد في نفس ، فرد ، صمد لم يحتج إلى شريك يكون له في ملكه ، ولا يفتح له أبواب علمه (3).
  20 ـ حدثنا محمد بن أحمد السناني رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله

---------------------------
(1) لم يبعد ولم يقرب على صيغة المجهول من باب التفعيل ، أو التقدير لم يبعد منه قريب من غير ولم يقرب منه بعيد من غيره .
(2) من يحركه بالقسر أو ما يتحرك به من النفس أو الطبع.
(3) عطف على ( يكون ) أي ولم يحتج إلى شريك يفتح له أبواب علمه.

التوحيد _ 184 _

   الأسدي الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، قال : إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون ، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
  21 ـ حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق العزائمي ، قال : حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي ، قال : أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق ، قال : حدثني جعفر بن محمد الحسني ، قال : حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار ، قال : حدثنا بشر بن الحسن المرادي ، عن عبد القدوس وهو ابن حبيب ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الأعور ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه دخل السوق ، فإذا هو برجل موليه ظهره يقول : لا والذي احتجب بالسبع ، فضرب علي عليه السلام ظهره ، ثم قال : من الذي احتجب بالسبع ؟ قال : الله يا أمير المؤمنين ، قال : أخطأت ثكلتك أمك ، إن الله عزوجل ليس بينه وبين خلقه حجاب لأنه معهم أينما كانوا ، قال : ما كفارة ما قلت يا أمير المؤمنين ؟ قال : أن تعلم أن الله معك حيث كنت ، قال : أطعم المساكين ؟ قال : لا إنما حلفت بغير ربك.
  22 ـ حدثنا أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي ، قال : حدثني أبو سعيد الرميحي ، قال : أخبرنا عبد العزيز بن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن عيسى بن هارون الواسطي ، قال : حدثنا محمد بن زكريا المكي ، قال : أخبرني منيف (1) مولى جعفر بن محمد ، قال : حدثني سيدي جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام قال : كان الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، يصلي ، فمر بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه ، فلما انصرف من صلاته قال له : لم نهيت الرجل ؟ قال : يا ابن رسول الله حظر فيما بينك وبين المحراب ، فقال : ويحك إن الله عزوجل أقرب إلي من أن يخطر فيما بيني وبينه أحد.

---------------------------
(1) كذا ، ولم أجده وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( سيف ).