الفهرس العام

باب أسماء الله تعالى



   والفرق بين معانيها وبين معاني أسماء المخلوقين
  1 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم ، عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني ، عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام قال : سمعته يقول : هو اللطيف الخبير السميع البصير ، الواحد الأحد الصمد إلي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، منشئ الأشياء ومجسم الأجسام ومصور الصور .
   لو كان كما يقولون لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولا المنشئ من المنشأ ، لكنه المنشئ ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه وبينه إذ كا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم ، عن المختار بن محمد بن المختار الهمداني ، عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام قال : سمعته يقول : هو اللطيف الخبير السميع البصير ، الواحد الأحد الصمد إلي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، منشئ الأشياء ومجسم الأجسام ومصور الصور ، لو كان كما يقولون لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولا المنشئ من المنشأ ، لكنه المنشئ ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه وبينه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئا ، قلت : أجل ، جعلني الله فداك ، لكنك قلت : الأحد الصمد ، وقلت : لا يشبه هو شيئا ، والله واحد والإنسان واحد ، ليس قد تشابهت الوحدانية ؟! قال : يا فتح أحلت ثبتك الله ، إنما التشبيه في المعاني ، فأما في الأسماء فهي واحدة ، وهي دلالة على المسمى ، وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد فإنما يخبر أنه جثة واحدة وليس باثنين .
   فالإنسان نفسه ليس بواحد ، لأن أعضاءه مختلفة وألوانه مختلفة غير واحدة ، وهو أجزاء مجزأة ليس بسواء ، دمه غير لحمه ولحمه غير دمه ، وعصبه غير عروقه ، وشعره غير بشره ، وسواده غير بياضه وكذلك سائر الخلق ، فالإنسان واحد في الاسم لا واحد في المعنى ، والله جل جلاله هو واحد في المعنى ، لا واحد غيره ، لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة وجواهر شتى (1) غير أنه بالاجتماع شيء واحد ، قلت : جعلت فداك فرجت عني فرج الله عنك ،

---------------------------
(1) هنا خبر محذوف بقرينة ما قبله هو ( ففيه اختلاف وتفاوت وزيادة ونقصان ) ، وفي الباب الثاني في الحديث الثامن عشر ( فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف فمن أجزاء مختلفة ـ الخ ) و ... يح ، وكون المؤلف خبرا والجار متعلقا به بعيد ، إذ لا وجه لتعريف المسند مع عدم فاء الجواب.

التوحيد _ 186 _

   فقولك : ( اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) فسره لي كما فسرت الواحد ، فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه للفصل ، غير أني أحب أن تشرح ذلك لي ، فقال : يا فتح إنما قلنا : اللطيف ، للخلق اللطيف ، ولعلمه بالشيء اللطيف ، أولا ترى وفقك الله وثبتك إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق اللطيف من الحيوان الصغار من البعوض والجرجس وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى والحدث المولود من القديم ، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه ، واهتدائه للسفاد ، والهرب من الموت ، والجمع لما يصلحه مما في لجج البحار وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار ، وفهم بعضها عن بعض منطقها ، وما يفهم به أولادها عنها ، ونقلها الغذاء إليها ، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة ، وبياض مع حمرة ، وما لا تكاد عيوننا تستبينه بتمام خلقها ولا تراه عيوننا ولا تلمسه أيدينا.
   علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف ، لطف في خلق ما سميناه بلا علاج ولا أداة ولا آله ، وإن صانع كل شيء فمن شيء صنع (1) والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء (2).
  2 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا علي بن محمد ، عن محمد بن عيسى ، عن الحسين ابن خالد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال : إعلم ـ علمك الله الخير ـ أن الله تبارك وتعالى قديم ، والقدم صفة دلت العاقل على أنه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديموميته ، فقد بان لنا بإقرار العامة مع معجزة الصفة لا شيء قبل الله ولا شيء مع الله في بقائه (3) وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شيء وذلك أنه لو كان معه

---------------------------
(1) قوله : ( وأن صانع ـ الخ ) يقرء بكسر الهمزة على الاستيناف ، أو بفتحها عطفا على أن خالق ـ الخ.
(2) هذا بعض الحديث المذكور في الباب الثاني بسند آخر عن الفتح وهناك تعليقات .
(3) أي فقد بان لنا بإقرار عامة العقلاء أنه لا شيء قبل الله ولا شيء مع الله في بقائه لأنه قديم والقدم يستلزم ذلك ، أما أنه لا شيء قبله فظاهر ، وأما أنه لا شيء معه في بقائه فلان غيره حادث لأدلة التوحيد كما يأتي الإشارة إليه في كلامه عليه السلام عن قريب ، والحادث متأخر عن القديم لا معه ، وقوله : ( مع معجزة الصفة ) أي مع أن صفة القدم أعجزت العقلاء عن درك حقيقتها وحقيقة موصوفها ، بل هم إنما يحكمون بعقولهم على ما ذكر ، وقوله : ( أنه لا شيء الخ ) ينازع فيه ( بان ) بالفاعلية ، والإقرار بالمفعولية ، وفي نسخة ( و ) و ( ب ) و ( د ) ليس لفظة ( مع ) وعلى هذا فمعجزة الصفة مفعول للاقرار وأنه لا شيء فاعل لبان بلا تنازع ، والباء في ( بإقرار العامة ) على كلا الحالين للالصاق .

التوحيد _ 187 _

   شئ فبقائه لم يجز أن يكون خالقا له لأنه لم يزل معه : فكيف يكون خالقا لمن لم يزل معه ، ولو كان قبله شيء كان الأول ذلك الشيء لا هذا ، وكان الأول أولى بأن يكون خالقا للأول الثاني (1).
   ثم وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم وابتلاهم إلى أن يدعوه بها ، فسمى نفسه سميعا بصيرا قادرا قائما ظاهرا باطنا لطيفا خبيرا قويا عزيزا حكيما عليما وما أشبه هذه الأسماء ، فلما رأى ذلك من أسمائه الغالون المكذبون وقد سمعونا نحدث عن الله أنه لا شيء مثله ولا شيء من الخلق في حاله قالوا : أخبرونا إذ زعمتم أنه لا مثل لله ولا شبه له كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسميتم بجميعها ؟! فإن في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها دون بعض ، إذ جمعتكم الأسماء الطيبة ، قيل لهم : إن الله تبارك وتعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه على اختلاف المعاني (2) وذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين ، والدليل على ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع ، وهو الذي خاطب الله به الخلق وكلمهم بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا ، وقد يقال للرجل : كلب وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد ، وكل ذلك على خلافه

---------------------------
(1) أي هذا الذي ظهر أنه الأول لا القديم الذي كلامنا فيه أولى بأن يكون خالقا للأول الذي صار ثانيا متأخرا على فرض أن يكون قبله شيء .
(2) أي ألزم عباده أسماء من أسمائه ليدعوه بها على اختلاف الحقائق التي أطلق تلك الأسماء عليها كما يظهر من الأمثلة وإن كانت من حيث اللفظ والمفهوم واحدة .

التوحيد _ 188 _

   وحالاته (1) لم تقع الأسامي على معانيها التي كانت بنيت عليها ، لأن الإنسان ليس بأسد ولا كلب ، فافهم ذلك رحمك الله.
   وإنما نسمي الله بالعلم بغير علم حادث علم به الأشياء ، واستعان به على حفظ ما يستقبل من أمره والروية فيما يخلق من خلقه ، وبعينه ما مضى مما أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك العلم ويعنه كان جاهلا ضعيفا (2) كما أنا رأينا علماء الخلق أنما سموا بالعلم لعلم حادث إذ كانوا قبله جهلة ، وربما فارقهم العلم بالأشياء فصاروا إلى الجهل (3) وإنما سمي الله عالما لأنه لا يجهل شيئا ، فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العلم (4) واختلف المعنى على ما رأيت ، وسمى ربنا سميعا لا بجزء فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به ، كما أن جزءنا الذي نسمع به لا نقوى على النظر به ، ولكنه أخبر أنه لا يخفى عليه الأصوات ، ليس على حد ما سمينا نحن ، فقد جمعنا الاسم بالسميع واختلف المعنى ، وهكذا البصر لا بجزء به أبصر .
   كما أنا نبصر بجزء منا لا ننتفع به في غيره ، ولكن الله بصير لا يجهل شخصا منظورا إليه ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى ، وهو قائم ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في

---------------------------
(1) أي كل مسمى بواحد من هذه الأسماء على خلاف المسمى الأصلي بحسب الحقيقة و بحسب حالاته وأوصافه ، وفي البحار باب معاني الأسماء : ( وكل ذلك على خلافه لأنه لم تقع ـ الخ ).
(2) قوله : ( والروية ) عطف على حفظ ، وقوله : وبعينه أي كيف يكون تعالى عالما بالعلم الحادث الذي يحدث بحدوث المعلوم ويزول بزواله والحال أنه يكون بعينه أي بحضرته العلمية ما مضى ـ الخ وقوله : ( مما لو لم يحضره ذلك العلم ـ الخ ) بيان للعلم الحادث بأنه يحضر ويغيب وعند غيبته يصير العالم جاهلا تعالى الله عن ذلك ، وقوله ، ( ويعنه ) بالجزم عطف على مدخول لم ، والنسخ من قوله : ( والرؤية ) إلى هنا مختلفة كثيرا لم نتعرض لها لطول الكلام فيها .
(3) في الكافي باب معاني الأسماء وفي نسخة ( و ) ( فعادوا إلى الجهل ).
(4) في الكافي وفي نسخة ( ب ) ( اسم العالم ).

التوحيد _ 189 _

   كبد كما قامت الأشياء (1) ولكن أخبر أنه قائم ، يخبر أنه حافظ ، كقولك : الرجل القائم بأمرنا فلان ، وهو قائم على كل نفس بما كسبت ، والقائم أيضا في كلام الناس الباقي ، والقائم أيضا يخبر عن الكفاية ، كقولك للرجل قم بأمر فلان أي اكفه ، والقائم منا قائم على ساق ، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى ، وأما اللطيف فليس على قلة وقضافة وصغر ، ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء (2) والامتناع من أن يدرك ، كقولك لطف عني هذا الأمر ، ولطف فلان في مذهبه وقوله يخبرك أنه غمض فبهر العقل وفات الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم ، فهكذا لطف الله ، تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف ، واللطافة منا الصغر و القلة ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى ، وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شيء ولا يفوته شيء ، ليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء فيفيده التجربة والاعتبار علما لولاهما ما علم ، لأن من كان كذلك كان جاهلا ، والله لم يزل خبيرا بما يخلق والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم ، وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى ، وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها ، وقعود عليها ، وتسنم لذراها ، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء ولقدرته عليها كقوله الرجل : ظهرت على أعدائي وأظهرني الله على خصمي ، يخبر عن الفلج والغلبة ، فهكذا ظهور الله على الأعداء (3).
   ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده ، لا يخفى عليه شيء (4) وأنه مدبر لكل ما برأ ، فأي ظاهر أظهره وأوضح من الله تعالى ، وإنك لا تعدم صنعه حيثما توجهت ، وفيك من آثاره ما يغنيك ، والظاهر منا البارز بنفسه والمعلوم بحده ،

---------------------------
(1) أي في مشقة فإن القيام على الساق شاق على الحيوان بالنسبة إلى القعود الاضطجاع ، ويأتي الكبد بمعنى الهواء.
(2) وهذا المعنى أريد في الآية : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ).
(3) في الكافي وفي البحار وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( فهكذا ظهور الله على الأشياء ).
(4) أي لا يخفى على الله تعالى شيء لظهوره على كل شيء فهو الظاهر على الأشياء لمن أراده.

التوحيد _ 190 _

   فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى ، وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا ، كقول القائل أبطنته ، يعني خبرته وعلمت مكتوم سره ، والباطن منا بمعنى الغائر في الشيء والمستتر به فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى ، وأما القاهر فإنه ليس على معنى علاج ونصب واحتيال ومداراة ومكر ، كما يقهر العباد بعضهم بعضا ، فالمقهور منهم يعود قاهرا ، والقاهر يعود مقهورا ، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أن جميع ما خلق ملتبس به الذل لفاعله وقلة الامتناع لما أراد به ، لم يخرج منه طرفة عين غير أنه يقول له : كن فيكون ، والقاهر منا على ما ذكرته ووصفت ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى ، وهكذا جميع الأسماء وإن كنا لم نسمها كلها ، فقد يكتفي للاعتبار بما ألقينا إليك ، والله عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا .
  3 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلق اسما بالحروف وهو عزوجل بالحروف غير منعوت (1) وباللفظ غير منطق ، وبالشخص غير مجسد ، وبالتشبيه غير موصوف ،

---------------------------
(1) في بعض النسخ ( خلق أسماء ) بصيغة الجمع وهو من خطأ الناسخ لمنافاته مع الذيل حيث قال : ( فجعله كلمة تامة ـ الخ ) وليس هذه الفقرة ( وهو عزوجل بالحروف ) في الكافي و البحار ، وموجودة في نسخ التوحيد التي عندي ، وقال المجلسي رحمه الله.
   إنها موجودة في أكثر النسخ ، والظاهر أنها من مختلقات بعض الناسخين لتوهمه أن هذه الأوصاف تمتنع على الاسم الملفوظ ، وغفل أن الأوصاف المذكورة بعد قوله : فجعله كلمة تامة أيضا تمتنع عليه مع أنها للاسم قطعا ، فالمراد بهذا الاسم ليس ما هو اللفظ ولا المفهوم ، بل هو حقيقة بإبداع الحق تعالى منشأ لظهور أسمائه وآثار صفاته في الأشياء ، ومن أراد الشرح لهذا الحديث فعليه بالبحار وشروح الكافي وتفسير الميزان ذيل الآية المائة والثمانين في سورة الأعراف ، وفي الكافي باب حدوث الأسماء وفي نسخة ( ج ) وحاشية نسخة ( ب ) و ( د ) ( بالحروف غير متصوت ).

التوحيد _ 191 _

   وباللون غير مصبوغ ، منفي عنه الأقطار ، مبعد عنه الحدود ، محجوب عنه حس كل متوهم ، مستتر غير مستور ، فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معا ، ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها (1) وحجب واحدا منها ، وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت ، فالظاهر هو الله تبارك وتعالى ، وسخر سبحانه لكل اسم من هذه أربعة أركان (2) فذلك اثنا عشر ركنا ، ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسما ، فعلا منسوبا إليها (3) فهو الرحمن الرحيم ، الملك ، القدوس ، الخالق البارئ ، المصور ، الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، العليم ، الخبير ، السميع ، البصير ، الحكيم ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، العلي ، العظيم ، المقتدر ، القادر ، السلام ، المؤمن المهيمن ، البارئ (4) المنشئ ، البديع ، الرفيع ، الجليل ، الكريم ، الرزاق ، المحيي ، المميت ، الباعث الوارث ، فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى تتم ثلاثمائة وستين اسما فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة ، وهذه الأسماء الثلاثة أركان وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة ، وذلك قوله عزوجل : ( قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى ) (5).
  4 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد الله ، عن محمد بن عبد الله ، وموسى بن عمرو ، والحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن ابن سنان قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام هل كان الله عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ (6)

---------------------------
(1) في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) و ( و ) ( فأظهر منها ثلاثة أشياء ـ الخ ).
(2) في البحار باب المغايرة بين الاسم والمعنى وفي نسخة ( ب ) و ( و ) ( فالظاهر هو الله ، وتبارك ، وسبحان ، لكل اسم من هذه ـ الخ ).
(3) أي فتصاعد ذلك الاسم في العدد إلى ثلاثمائة وستين اسما منسوبا إليها نسبة الأصل إلى الفروع كما هي منسوبة إليه نسبة الفروع إلى الأصل على ما ذكر في آخر الحديث.
(4) كذا.
(5) الإسراء : 110.
(6) هذا نظير ما في الحديث الحادي عشر من الباب الحادي عشر ، ثم كأن السائل توهم إن الله تعالى نفسا كما للإنسان ، فأزال عليه السلام وهمه بأنه تعالى ليس كذلك بل هو نفسه ونفسه هو لا تجزئة ولا اختلاف جهات فيه ، فلا يراها ولا يسمعها رؤية وسمعا يوجبان صحة السؤال والطلب كما هو شأن الرؤية والسمع بين شيئين .

التوحيد _ 192 _

   قال : نعم ، قلت : يراها ويسمعها ، قال : ما كان الله محتاجا إلى ذلك ، لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها ، هو نفسه ونفسه هو ، قدرته نافذة ، وليس يحتاج أن يسمي نفسه ، ولكن اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها ، لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأول ما اختار لنفسه العلي العظيم لأنه أعلى الأشياء كلها ، فمعناه الله ، واسمه العلي العظيم ، هو أول أسمائه لأنه علي ، علا كل شيء .
  5 ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن سنان قال : سألته عن الاسم ما هو ؟ قال : صفة لموصوف .
  6 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابه ، عن بكر بن صالح ، عن علي بن الحسن بن محمد ، عن خالد بن يزيد ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : اسم الله غير الله ، وكل شيء وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله فأما ما عبرته الألسن أو ما عملته الأيدي فهو مخلوق .
   والله غاية من غاياه ، و المغيى غير الغاية ، والغاية موصوفة ، وكل موصوف مصنوع ، وصانع الأشياء غير موصوف بحد مسمى ، لم يتكون فتعرف كينونته بصنع غيره ، ولم يتناه إلى غاية إلا كانت غيره ، لا يذل (1) من فهم هذا الحكم أبدا ، وهو التوحيد الخالص ، فارعوه وصدقوه وتفهموه بإذن الله ، من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك ، لأن الحجاب والمثال والصورة غيره ، وإنما هو واحد موحد فكيف يوحد من زعم أنه عرفه بغيره ، وإنما عرف الله من عرفه بالله ، ومن لم يعرفه به فليس يعرفه ، إنما يعرف غيره ، ليس بين الخالق والمخلوق شيء ، فالله خالق الأشياء لا من شيء كان ، والله يسمى بأسمائه وهو غير أسمائه والأسماء غيره (2).

---------------------------
(1) في الكافي ( لا يزل ).
(2) مضى هذا الحديث مع زيادة في الباب الحادي عشر بتفاوت في السند.

التوحيد _ 193 _

  7 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثني محمد بن بشر ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فسأله رجل فقال : أخبرني عن الرب تبارك و تعالى له أسماء وصفات في كتابه ، فأسماؤه وصفاته هي هو ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام إن لهذا الكلام وجهين : إن كنت تقول : هي هو أي إنه ذو عدد وكثرة فتعالى الله عن ذلك ، وإن كنت تقول : لم تزل هذه الصفات والأسماء ، فإن ( لم تزل ) يحتمل معنيين : فإن قلت : لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها فنعم ، وإن كنت تقول :
   لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره ، بل كان الله ولا خلق ، ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها إليه ويعبدونه ، وهي ذكره (1) وكان الله ولا ذكر ، والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل ، والأسماء والصفات مخلوقات المعاني ، والمعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف (2) وإنما يختلف ويأتلف المتجزئ ، فلا يقال : الله مؤتلف ، ولا الله كثير ولا قليل ، ولكنه القديم في ذاته ، لأن ما سوى الواحد متجزئ والله واحد ، لا متجزئ ، ولا متوهم بالقلة والكثرة ، وكل متجزئ ومتوهم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دال على خالق له ، فقولك : إن الله قدير خبرت أنه لا يعجزه شيء فنفيت بالكلمة العجز ، وجعلت العجز سواه ، وكذلك قولك : عالم إنما نفيت بالكلمة الجهل ، وجعلت الجهل سواه ، فإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصور والهجاء ، ولا ينقطع (3) ولا يزال من لم يزل عالما.

---------------------------
(1) أي هي ما به يذكر تعالى.
(2) أي مدلولات هذه الأسماء والصفات ومفاهيمها كأنفسها مخلوقات ، والذي يقصد بها ويتوجه إليه بها هو الله تعالى الذي لا يليق به ـ الخ ، وفي الكافي باب معاني الأسماء : ( والأسماء والصفات مخلوقات والمعاني ، والمعنى بها ـ الخ.
(3) في الكافي والبحار : ( والتقطيع ) مكان ( لا ينقطع ) أي تقطيع الحروف كما في صدر الرواية.

التوحيد _ 194 _

   قال الرجل : كيف سمي ربنا سميعا ؟ قال : لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع ، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس ، وكذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون وشخص وغير ذلك ، ولم نصفه بنظر لحظ العين ، وكذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأحقر من ذلك ، وموضع الشق منها والعقل (1) والشهوة والسفاد والحدب على نسلها ، وإفهام بعضها عن بعض ، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والأدوية والقفار ، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف ، وإنما الكيفية للمخلوق المكيف .
   وكذلك سمي ربنا قويا لا بقوة البطش المعروف من المخلوق ولو كان قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه ولا احتمل الزيادة ، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان ، وما كان ناقصا كان غير قديم ، وما كان غير قديم كان عاجزا ، فربنا تبارك وتعالى لا شبه له ، ولا ضد ولا ند ولا كيف ولا نهاية ولا أقطار ، محرم على القلوب أن تمثله ، وعلى الأوهام أن تحده ، وعلى الضمائر أن تكيفه ، جل عن أداة خلقه وسماته بريته ، وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
  8 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن لله تبارك و تعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهي : الله ، الإله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العلي ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، البارئ ، الأكرم ، الطاهر ، الباطن ، الحي ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحق ، الحسيب ، الحميد

---------------------------
(1) في الكافي : ( موضع النشوء منها ).
   وفي البحار : ( موضع المشي منها ) ، وليس المراد بالعقل ما في الإنسان بل مطلق الشعور في أمورها للقطع بأن الحيوان فاقد له.

التوحيد _ 195 _

   الحفي ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، الذارئ ، الرزاق ، الرقيب ، الرؤوف الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهين ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، السيد ، السبوح الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ، العدل ، العفو ، الغفور ، الغني ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدوس ، القوي ، القريب ، القيوم ، القابض ، الباسط ، قاضي الحاجات ، المجيد ، المولى ، المنان ، المحيط المبين ، المقيت ، المصور ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضر ، الوتر ، النور ، الوهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفي ، الوكيل ، الوارث البر ، الباعث ، التواب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي (1).
  9 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لله عزوجل تسعة وتسعون اسما ، من دعا الله بها استجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنة.
   قال محمد بن علي بن الحسين مؤلف هذا الكتاب : معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ، إحصاؤها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس ، وليس معنى الاحصاء عدها ، وبالله التوفيق.
   ( الله ، الإله ) الله والإله هو المستحق للعبادة ، ولا يحق العبادة إلا له ، و تقول : لم يزل إلها بمعنى أنه يحق له العبادة ، ولهذا لما ضل المشركون فقد روى أن العبادة تجب للأصنام سموها آلهة (2) وأصله الإلاهة وهي العبادة ، ويقال : أصله

---------------------------
(1) المذكور في البحار ونسخ التوحيد ( مائة كاملة ) والظاهر أن الرائي زائد كما أتى في نسخة بدلا عن الرؤوف ، أو أن لفظ الجلالة خارج عن العدد أتى بعنوان المسمى الجاري عليه الأسماء.
(2) في نسخة ( د ) و ( و ) ( فقد رأوا أن العبادة ـ الخ ).

التوحيد _ 196 _

   الإله ، يقال : أله الرجل يأله إليه ، أي فزع إليه من أمر نزل به ، وألهه أي أجاره ، ومثاله من الكلام ( الإمام ) فاجتمعت همزتان في كلمه كثر استعمالهم لها (1) و استثقلوها فحذفوا الأصلية ، لأنهم وجدوا فيما بقي دلالة عليها ، فاجتمعت لأمان أولاهما ساكنة فأدغموها في الأخرى ، فصارت لاما مثقلة في قولك : الله.
   ( الواحد ، الأحد ) الأحد معناه أنه واحد في ذاته ليس بذي أبعاض ولا أجزاء ولا أعضاء ، ولا يجوز عليه الأعداد والاختلاف ، لأن اختلاف الأشياء من آيات وحدانيته مما دل به على نفسه ، ويقال : لم يزل الله واحدا ، ومعنى ثان أنه واحد لا نظير له فلا يشاركه في معنى الوحدانية غيره ، لأن كل من كان له نظراء وأشباه لم يكن واحدا في الحقيقة ، ويقال : فلان واحد الناس أي لا نظير له فيما يوصف به ، والله واحد لا من عدد ، لأنه عزوجل لا يعد في الأجناس ، ولكنه واحد ليس له نظير .
   وقال بعض الحكماء في الواحد والأحد : إنما قيل : الواحد لأنه متوحد والأول لا ثاني معه ، ثم ابتدع الخلق كلهم محتاجا بعضهم إلى بعض ، والواحد من العدد في الحساب ليس قبله شيء ، بل هو قبل كل عدد ، والواحد كيف ما أدرته أو جزأته لم يزد عليه شيء ولم ينقص منه شيء ، تقول : واحد في واحد واحد ، فلم يزد عليه شيء ولم يتغير اللفظ عن الواحد ، فدل على أنه لا شيء قبله ، وإذا دل على أنه لا شيء قبله دل على أنه محدث الشيء ، وإذا كان هو محدث الشيء دل أنه مفني الشيء ، وإذا كان هو مفني الشيء دل أنه لا شيء بعده ، فإذا لم يكن قبله شيء ولا بعد شيء فهو المتوحد بالأزل ، فلذلك قيل : واحد ، أحد ، وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد ، تقول ليس في الدار واحد ، يجوز أن واحدا من الدواب أو الطير أو الوحش أو الإنس لا يكون في الدار ، وكان الواحد بعض الناس وغير الناس ، وإذا قلت ليس في الدار أحد فهو مخصوص بالآدميين دون سائرهم ، والأحد ممتنع من الدخول في الضرب والعدد والقسمة وفي شيء من الحساب ، وهو متفرد بالأحدية ، والواحد

---------------------------
(1) أي فاجتمعت همزتان بعد أن أدخلوا الألف واللام على لفظ إله.

التوحيد _ 197 _

   منقاد للعدد والقسمة وغيرهما داخل في الحساب ، تقول : واحد واثنان وثلاثة فهذا العدد ، والواحد علة العدد وهو خارج من العدد وليس بعدد ، وتقول : واحد في اثنين أو ثلاثة فما فوقها فهذا الضرب ، وتقول : واحد بين اثنين أو ثلاثة لكل واحد من الاثنين نصف ومن الثلاثة ثلث فهذه القسمة.
   والأحد ممتنع في هذه كلها لا يقال : أحد واثنان ، ولا أحد في أحد ، ولا واحد في أحد ، ولا يقال : أحد بين اثنين ، والأحد والواحد وغيرهما من هذه الألفاظ كلها مشتقة من الوحدة. (1)
   ( الصمد ) الصمد معناه السيد ومن ذهب إلى هذا المعنى جاز له أن يقول لم يزل صمدا ، ويقال للسيد المطاع في قومه الذي لا يقضون أمرا دونه : صمد ، وقد قال الشاعر : علوته بحسام ثم قلت له خذها حذيف فأنت السيد الصمد وللصمد معنى ثان وهو أنه المصمود إليه في الحوائج ، يقال : صمدت صمد هذا الأمر أي قصدت قصده ، ومن ذهب إلى هذا المعنى لم يجز له أن يقول : لم يزل صمدا ، لأنه قد وصفه عزوجل بصفة من صفات فعله ، وهو مصيب أيضا ، والصمد الذي ليس بجسم ولا جوف له .
   وقد أخرجت في معنى ( الصمد ) في تفسير قل هو الله أحد في هذا الكتاب معاني أخرى لم أحب إعادتها في هذا الباب.
   ( الأول والآخر ) الأول والآخر معناهما أنه الأول بغير ابتداء والآخر بغير انتهاء.
   ( السميع ) السميع معناه أنه إذا وجد المسموع كان له سامعا ، ومعنى ثان أنه سميع الدعاء أي مجيب الدعاء ، وأما السامع فإنه يتعدى إلى مسموع ويوجب وجوده ، ولا يجوز فيه بهذا المعنى لم يزل ، والبارئ عز اسمه سميع لذاته .
   ( البصير ) البصير معناه إذا كانت المبصرات كان لها مبصرا ، ولذلك جاز أن يقال : لم يزل بصيرا ، ولم يجز أن يقال : لم يزل مبصرا لأنه يتعدى إلى مبصر و يوجب وجوده ، والبصارة في اللغة مصدر البصير وبصر بصارة ، والله عزوجل بصير

---------------------------
(1) كانت النسخ ههنا مختلطة مغلوطة فصححناها على الصحة.

التوحيد _ 198 _

   لذاته ، وليس وصفنا له تبارك وتعالى بأنه سميع بصير وصفا بأنه عالم ، بل معناه ما قدمناه من كونه مدركا (1) وهذه الصفة صفة كل حي لا آفة به .
   ( القدير ، القاهر ) القدير والقاهر معناهما أن الأشياء لا تطيق الامتناع منه ومما يريد الانفاذ فيها ، وقد قيل : إن القادر من يصح منه الفعل إذا لم يكن في حكم الممنوع (2) ، والقهر الغلبة ، والقدرة مصدر قولك : قدر قدرة أي ملك ، فهو قدير قادر مقتدر ، وقدرته على ما لم يوجد واقتداره على إيجاده هو قهره وملكه له : وقد قال : عز ذكره : ( مالك يوم الدين ) (3) ويوم الدين لم يوجد بعد ، و يقال : أنه عزوجل قاهر لم يزل ، ومعناه أن الأشياء لا تطيق الامتناع منه ومما يريد إنفاذه فيها ، ولم يزل مقتدرا عليها ولم تكن موجودة كما يقال : مالك يوم الدين ، ويوم الدين لم يوجد بعد .
   ( العلي الأعلى ) العلي معناه القاهر فالله العلي ذو العلى والعلاء والتعالي أي ذو القدرة والقهر والاقتدار ، يقال : علا الملك علوا ، ويقال لكل شيء قد علا :
   علا يعلو علوا وعلي يعلى علاء ، والمعلاة مكتسب الشرف وهي من المعالي ، و علو كل شيء أعلاه ـ برفع العين وخفضها ـ وفلان من علية الناس وهو اسم ، ومعنى الارتفاع والصعود والهبوط عن الله تبارك وتعالى منفي ، ومعنى ثان أنه علا تعالى عن الأشباه والأنداد وعما خاضت فيه وساوس الجهال وترامت إليه فكر الضلال ، فهو علي متعال عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وأما الأعلى فمعناه العلي والقاهر ، ويؤيد ذلك قوله عزوجل لموسى عليه السلام : ( لا تخف إنك أنت الأعلى ) (4) أي القاهر ، وقوله عزوجل في تحريض المؤمنين على القتال : ( ولا

---------------------------
(1) كأنه رحمه الله أراد الإشارة إلى كونه تعالى عالما بالجزئيات.
(2) أي لم يكن الفعل ممتنعا أو لم يكن القادر ممنوعا ، وهذا القيد على كلا التقديرين زائد مستدرك لأن منع القادر عن فعله إنما هو في مقام الوقوع لا الصحة والامكان والفعل الممتنع لا يتصف بالصحة والامكان.
(3) الفاتحة : 4.
(4) طه : 68.

التوحيد _ 199 _

   تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) (1) وقوله عزوجل ( أن فرعون علا في الأرض ) (2) أي غلبهم واستولى عليهم ، وقال الشاعر في هذا المعنى : فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسر ومعنى ثان أنه متعال عن الأشباه والأنداد أي متنزه كما قال : ( تعالى عما يشركون ) (3).
  ( الباقي ) الباقي معناه الكائن بغير حدث ولا فناء ، والبقاء ضد الفناء ، بقي الشيء بقاء ، ويقال : ما بقيت منهم باقية ولا وقتهم من الله واقية ، والدائم في صفاته هو الباقي أيضا الذي لا يبيد ولا يفنى .
   ( البديع ) البديع معناه مبدع البدائع ومحدث الأشياء على غير مثال و احتذاء ، وهو فعيل بمعنى مفعل كقوله عزوجل : ( عذاب أليم ) (4) والمعنى مؤلم ويقول العرب : ضرب وجيع والمعنى موجع ، وقال الشاعر في هذا المعنى : أمن ريحانه الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع فالمعنى الداعي المسمع ، والبدع الشيء الذي يكون أولا في كل أمر ، و منه قوله عزوجل ، ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) (5) أي لست بأول مرسل ، والبدعة اسم ما ابتدع من الدين وغيره ، وقد قال الشاعر في هذا المعنى : وكفاك لم تخلقا للندى فكف عن الخير مقبوضة وأخرى ثلاثة آلافها ولم يك بخلهما بدعة كما حط عن مائة سبعة وتسع مائيها لها شرعة (6)

---------------------------
(1) آل عمران : 139.
(2) القصص : 4.
(3) يونس : 18 ، والنحل ، 1 و 3 ، والمؤمنون ، 92 ، والقصص ، 68 ، والروم : 40 والزمر : 67.
(4) في سبعين موضعا من الكتاب.
(5) الأحقاف : 9.
(6) هذه الأبيات شرحها المجلسي رحمه الله في البحار باب عدد أسماء الله تعالى.

التوحيد _ 200 _

   ويقال : لقد جئت بأمر بديع أي مبتع عجيب.
   ( البارئ ) البارئ معناه أنه بارئ البرايا ، أي خالق الخلائق ، برأهم يبرأهم أي خلقهم يخلقهم ، والبرية الخليقة ، وأكثر العرب على ترك همزها ، و هي فعيلة بمعنى مفعولة ، وقال بعضهم : بل هي مأخوذة من بريت العود ، ومنهم من يزعم أنه من البرى وهو التراب أي خلقهم من التراب ، وقالوا : لذلك لا يهمز .
   ( الأكرم ) الأكرم معناه الكريم ، وقد يجئ أفعل في معنى الفعيل ، مثل قوله عزوجل : ( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) (1) أي هين عليه ، ومثل قوله عزوجل : ( لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ) وقوله : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) (2) يعني بالأشقى والأتقى الشقي والتقي ، وقد قال الشاعر في هذا المعنى : إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول .
   ( الظاهر ) الظاهر معناه أنه الظاهر بآياته التي أظهرها من شواهد قدرته وآثار حكمته وبينات حجته التي عجز الخلق جميعا عن إبداع أصغرها وإنشاء أيسرها وأحقرها عندهم كما قال الله عزوجل : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ) (3) فليس شيء من خلقه إلا وهو شاهد له على وحدانيته من جميع جهاته ، وأعرض تبارك وتعالى عن وصف ذاته (4) فهو ظاهر بآياته وشواهد قدرته ، محتجب بذاته ، ومعنى ثان أنه ظاهر غالب قادر على ما يشاء ، ومنه قوله عزوجل : ( فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) (5) أي غالبين لهم .

---------------------------
(1) الروم : 27.
(2) الليل : 15 و 17.
(3) الحج : 73.
(4) أي ليس الظاهر وصفا لذاته تعالى ، بل هو وصف لفعله ، فتأمل في قوله تعالى : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِن ).
(5) الصف : 14.

التوحيد _ 201 _

   ( الباطن ) الباطن معناه أنه قد بطن عن الأوهام ، فهو باطن بلا إحاطة ، لا يحيط به محيط لأنه قدم الفكر فخبت عنه (1) وسبق المعلوم فلم يحط به (2) وفات الأوهام فلم تكتنهه ، وحارت عنه الأبصار فلم تدركه ، فهو باطن كل باطن ، و محتجب كل محتجب ، بطن بالذات ، وظهر وعلا بالآيات ، فهو الباطن بلا حجاب والظاهر بلا اقتراب ، ومعنى ثان أنه باطن كل شيء أي خبير بصير بما يسرون و ما يعلنون وبكل ما ذرأ وبرأ ، وبطانة الرجل وليجته من القوم الذين يداخلهم و يداخلونه في دخيلة أمره ، والمعنى أنه عالم بسرائرهم ، لا أنه عزوجل يبطن في شيء يواريه .
   ( الحي ) الحي معناه أنه الفعال المدبر ، وهو حي لنفسه لا يجوز عليه الموت والفناء ، وليس يحتاج إلى حياة بها يحيى .
   ( الحكيم ) الحكيم معناه أنه عالم ، والحكمة في اللغة العلم ، ومنه قوله عزوجل : ( يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء ) (3) ومعنى ثان أنه محكم وأفعاله محكمة متقنة من الفساد ، وقد حكمته وأحكمته لغتان ، وحكمة اللجام سميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد وهي ما أحاطت بحنكه .
   ( العليم ) العليم معناه أنه عليم بنفسه ، عالم بالسرائر ، مطلع على الضمائر ، لا يخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة ، علم الأشياء قبل حدوثها ، وبعد ما أحدثها ، سرها وعلانيتها ، ظاهرها وباطنها ، وفي علمه عزوجل بالأشياء على خلاف علم الخلق دليل على أنه تبارك وتعالى بخلافهم في جميع معانيهم والله عالم لذاته ، والعالم من يصح منه الفعل المحكم المتقن ، فلا يقال : إنه يعلم الأشياء بعلم كما لا يثبت معه قديم غيره ، بل يقال : إنه ذات عالمة ، وهكذا يقال في

---------------------------
(1) في نسخة ( ط ) ( فجنب عنه ) وفي نسخة ( ج ) ( فحنث عنه ).
(2) في البحار : ( وسبق العلوم فلم تحط به ) ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( وسبق العلوم فلم يحط به ).
(3) البقرة : 269.

التوحيد _ 202 _

   جميع صفات ذاته.
   ( الحليم ) الحليم معناه أنه حليم عمن عصاه لا يعجل عليهم بعقوبته .
   ( الحفيظ ) الحفيظ الحافظ ، وهو فعيل بمعنى الفاعل ، ومعناه أنه يحفظ الأشياء ويصرف عنها البلاء ، ولا يوصف بالحفظ على معنى العلم لأنا نوصف بحفظ القرآن والعلوم على المجاز ، والمراد بذلك أنا إذا علمناه لم يذهب عنا كما إذا حفظنا الشيء لم يذهب عنا (1).
   ( الحق ) الحق معناه المحق ، ويوصف به توسعا لأنه مصدر (2) وهو كقولهم ( غياث المستغيثين ) ومعنى ثان يراد به أن عبادة الله هي الحق وعبادة غيره هي الباطل ، ويؤيد ذلك القول عزوجل : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِل ) (3) أي يبطل ويذهب ولا يملك لأحد ثوابا ولا عقابا.
   ( الحسيب ) الحسيب معناه أنه المحصي لكل شيء ، العالم به ، لا يخفى عليه شيء ، ومعنى ثان أنه المحاسب لعباده يحاسبهم بأعمالهم ويجازيهم عليها ، وهو فعيل على معنى مفاعل مثل جليس ومجالس ، ومعنى ثالث : أنه الكافي ، والله حسبي وحسبك أي كافينا ، وأحسبني هذا الشيء أي كفاني ، وأحسبته أي أعطيته حتى قال : حسبي ، ومنه قوله عزوجل : ( جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا ) (4) أي كافيا.
   ( الحميد ) الحميد معناه المحمود ، وهو فعيل في معنى المفعول ، والحمد نقيض الذم ، ويقال : حمدت فلانا إذا رضيت فعله ونشرته في الناس.
   ( الحفي ) الحفي معناه العالم ، ومنه قوله عزوجل : ( يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ

---------------------------
(1) تأمل في كلامه هذا.
(2) لا يبعد أن يكون الحق صفة مشبهة أيضا كالصعب ، وعلى كل يستعمل مطلقا بمعنى الثابت وإن كانت خصوصيات موارده مختلفة ، والتوسع على وجوه : الاستعمال المجازي حذف حرف التعدية ، حذف الكلمة ، الحمل المجازي ، تقديم معمول خاص في مورد لا يقدم غيره فيه ، ويأتي في كلام المصنف بعض هذه فلا تغفل .
(3) الحج : 62.
(4) النبأ : 36.

التوحيد _ 203 _

   حَفِيٌّ عَنْهَا ) (1) أي يسألونك عن الساعة كأنك عالم بوقت مجيئها (2) ، ومعنى ثان أنه اللطيف ، والحفاية مصدر الحفي : اللطيف المحتفي بك ببرك وبلطفك (3).
   ( الرب ) الرب معناه المالك ، وكل من ملك شيئا فهو ربه ومنه قوله عزوجل : ( ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ) (4) أي إلى سيدك ومليكك ، وقال قائل يوم حنين : لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
   يريد يملكني ويصير لي ربا ومالكا ، ولا يقال لمخلوق : الرب بالألف واللام لأن الألف واللام دالتان على العموم ، وإنما يقال للمخلوق : رب كذا فيعرف بالإضافة لأنه لا يملك غيره فينسب إلى ما يملكه ، والربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة للرب في معنى الربوبية له ، والربيون الذين صبروا مع الأنبياء عليهم السلام.
   ( الرحمن ) الرحمن معناه الواسع الرحمة على عباده يعمهم بالرزق و الإنعام عليهم ، ويقال : هو اسم من أسماء الله تبارك وتعالى في الكتب لا سمي له فيه ويقال للرجل : رحيم القلب ولا يقال : الرحمن لأن الرحمن يقدر على كشف البلوى ولا يقدر الرحيم من خلقه على ذلك ، وقد جوز قوم أن يقال للرجل : رحمن وأرادوا به الغاية في الرحمة ، وهذا خطأ ، والرحمن هو لجميع العالم والرحيم بالمؤمنين خاصة .
   ( الرحيم ) الرحيم معناه أنه رحيم بالمؤمنين يخصهم برحمته في عاقبة أمرهم كما قال الله عزوجل : ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) والرحمن والرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على وزن ندمان ونديم ، ومعنى الرحمة النعمة ، والراحم المنعم كما

---------------------------
(1) الأعراف : 187.
(2) في تفسير علي بن إبراهيم : ( كأنك حفى عنها ) أي كأنك جاهل بها ، ويؤيده نزول الآية وتعدية الحفاية بعن فراجع.
(3) في نسخة ( و ) ( ب ) ( يبرك ويلطفك ) ، وفي نسخة ( ج ) ( بتبرك وتلطف ).
(4) يوسف : 50.

التوحيد _ 204_

   قال الله عزوجل لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (1) يعني : نعمة عليهم ويقال للقرآن : هدى ورحمة ، وللغيث رحمة يعني نعمة ، وليس معنى الرحمة الرقة لأن الرقة عن الله عزوجل منفية ، وإنما سمي رقيق القلب من الناس رحيما لكثرة ما توجد الرحمة منه ، ويقال : ما أقرب رحم فلان إذا كان ذا مرحمة وبر ، والمرحمة الرحمة ، ويقال : رحمته مرحمة ورحمة.
   ( الذارئ ) الذارئ معناه الخالق يقال : ذرأ الله الخلق وبرأهم أي خلقهم وقد قيل : إن الذرية منه اشتق اسمها كأنهم ذهبوا إلى أنها خلق الله عزوجل خلقها من الرجل ، وأكثر العرب على ترك همزها وإنما تركوا الهمزة في هذا المذهب لكثرة ترددها في أفواهم كما تركوا همزة البرية وهمزة بري وأشباه ذلك ، ومنهم من يزعم أنها من ذروت أو ذريت معا يريد أنه قد كثرهم وبثهم في الأرض بثا ، كما قال الله تعالى : ( وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ) (2).
   ( الرازق ) الرازق معناه أنه عزوجل يرزق عباده برهم وفاجرهم رزقا بفتح الراء رواية من العرب ، ولو أرادوا المصدر لقالوا : رزقا ، بكسر الراء ويقال : ارتزق الجند رزقة واحدة أي أخذوه مرة واحدة.
   ( الرقيب ) الرقيب معناه الحافظ وهو فعيل بمعنى فاعل ، ورقيب القوم حارسهم .
   ( الرؤوف ) الرؤوف معناه الرحيم ، والرأفة الرحمة.
   ( الرائي ) الرائي معناه العالم ، والرؤية العلم ، معنى ثان : أنه المبصر ومعنى الرؤية الإبصار ، ويجوز في معنى العلم لم يزل رائيا ، ولا يجوز ذلك في معنى الإبصار.
   ( السلام ) السلام معناه المسلم ، وهو توسع لأن السلام مصدر ، والمراد به أن السلامة تنال من قبله ، والسلام والسلامة مثل الرضاع والرضاعة واللذاذ و اللذاذة ، ومعنى ثان أنه يوصف بهذه الصفة لسلامته مما يلحق الخلق من العيب

---------------------------
(1) الأنبياء : 107.
(2) النساء : 1.

التوحيد _ 205 _

   والنقص والزوال والانتقال والفناء والموت ، وقوله عزوجل : ( لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ ) (1) فالسلام هو الله عزوجل وداره الجنة ، ويجوز أن يكون سماها سلاما لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا من مرض ووصب و موت وهرم وأشباه ذلك ، فهي دار السلامة من الآفات والعاهات ، وقوله عزوجل ( فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِين ) (2) يقول : فسلامة لك منهم أي يخبرك عنهم سلامة والسلامة في اللغة الصواب والسداد أيضا ، ومنه قوله عزوجل : ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) (3) أي سدادا وصوابا ، ويقال : سمي الصواب من القول سلاما لأنه يسلم من العيب والإثم.
   ( المؤمن ) المؤمن معناه المصدق ، والإيمان التصديق في اللغة ، يدلك على ذلك قوله عزوجل حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام : ( وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ) (4) فالعبد مؤمن مصدق بتوحيد الله وبآياته ، والله مؤمن مصدق لما وعده ومحققه ، ومعنى ثان : أنه محقق حقق وحدانيته بآياته عند خلقه وعرفهم حقيقته (5) لما أبدى من علاماته وأبان من بيناته وعجائب تدبيره ولطائف تقديره ، ومعنى ثالث أنه آمنهم من الظلم والجور ، قال الصادق عليه السلام : سمي البارئ عزوجل مؤمنا لأنه يؤمن من عذابه من أطاعه ، وسمي العبد مؤمنا لأنه يؤمن على الله عزوجل فيجيز الله أمانه (6) وقال عليه السلام : ( المؤمن من أمن جاره بوائقه ) ، وقال عليه السلام : ( المؤمن الذي يأتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم ).
   ( المهيمن ) المهيمن معناه الشاهد ، وهو كقوله عزوجل : ( وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) (7) أي شاهدا عليه ، ومعنى ثان أنه اسم مبني من الأمين ، والأمين اسم من

---------------------------
(1) الأنعام : 127.
(2) الواقعة : 91.
(3) الفرقان : 63.
(4) يوسف : 17.
(5) أي حقيقة خلقه ، ولا يبعد أن يكون في الأصل حقيته تعالى.
(6) في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فيجير الله أمانة ) ، وفي نسخة ( د ) و ( و ) ( فيخبر الله أمانة ).
(7) المائدة : 48.

التوحيد _ 206 _

   أسماء الله عزوجل ، ثم بني كما بني المبيطر من البيطر والبيطار ، وكأن الأصل فيه مؤيمن فقلبت الهمزة هاء كما قلبت همزة أرقت وأيهات فقيل : هرقت وهيهات ، وأمين اسم من أسماء الله عزوجل ، ومن طول الألف أراد ( يا أمين ) فأخرجه مخرج قولهم : أزيد.
   على معنى يا زيد ، ويقال : المهيمن اسم من أسماء الله عزوجل في الكتب السابقة.
   ( العزيز ) العزيز معناه أنه لا يعجزه شيء ولا يمتنع عليه شيء أراده فهو قاهر للأشياء ، غالب غير مغلوب ، وقد يقال في المثل : ( من عز بز ) أي من غلب سلب ، وقوله عزوجل حكاية عن الخصمين : ( وعزني في الخطاب ) (1) أي غلبني في مجاوبة الكلام (2) ، ومعنى ثان : أنه الملك ويقال للملك : عزيز كما قال إخوة يوسف ليوسف عليه السلام : ( يا أيها العزيز ) (3) والمراد به يا أيها الملك (4).
   ( الجبار ) الجبار معناه القاهر الذي لا ينال ، وله التجبر والجبروت أي التعظموالعظمة ، ويقال للنخلة التي لا تنال : جبارة ، والجبر أن تجبر إنسانا على ما يكرهه قهرا تقول : جبرته على أمر كذا وكذا ، وقال الصادق عليه السلام : ( لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ) عني بذلك : أن الله تبارك وتعالى لم يجبر عباده على المعاصي ولم يفوض إليهم أمر الدين حتى يقولوا فيه بآرائهم ومقائسهم (5) فإنه عزوجل قد حدو وظف وشرع وفرض وسن وأكمل لهم الدين ، فلا تفويض مع التحديد والتوظيف والشرع والفرض والسنة وإكمال الدين.
   ( المتكبر ) المتكبر مأخوذ من الكبرياء ، وهو اسم للتكبر والتعظم.
   ( السيد ) السيد معناه الملك ، ويقال لملك القوم وعظيمهم : سيدهم ، و قد سادهم يسودهم .
   وقيل لقيس بن عاصم : بم سدت قومك ؟ قال : ببذل الندى ، و

---------------------------
(1) ص : 23.
(2) في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( في محاورة الكلام ).
(3) يوسف : 88.
(4) قال المصحح في كلامه هذا نظر.
(5) في البحار وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( بآرائهم ومقائيسهم ).

التوحيد _ 207 _

   كف الأذى ، ونصر المولى ، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( علي سيد العرب ، فقالت عائشة : يا رسول الله ألست سيد العرب ؟ فقال : أنا سيد ولد آدم ، وعلي سيد العرب ، فقالت : يا رسول الله وما السيد ؟ قال : من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي ).
   وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب معاني الأخبار ، فعلى معنى هذا الحديث السيد هو الملك الواجب الطاعة.
   ( السبوح ) (1) هو اسم مبني على فعول ، وليس في كلام العرب فعول إلا سبوح وقدوس ، ومعناهما واحد ، وسبحان الله تنزيها له عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به ، ونصبه لأنه في موضع فقل على معنى تسبيحا لله يريد سبحت تسبيحا لله ، ويجوز أن يكون نصبا على الظرف ، ومعناه نسبح لله وسبحوا لله (2).
   ( الشهيد ) الشهيد معناه الشاهد بكل مكان صانعا ومدبرا على أن المكان مكان لصنعه وتدبيره ، لا على أن المكان مكان له ، لأنه عزوجل كان ولا مكان .
   ( الصادق ) الصادق معناه أنه صادق في وعده ، ولا يبخس ثواب من يفي بعهده .
   ( الصانع ) الصانع معناه أنه صانع كل مصنوع أي خالق كل مخلوق ، ومبدع جميع البدائع ، وكل ذلك دال على أنه لا يشبهه شيء من خلقه ، لأنا لم نجد فيما شاهدنا فعلا يشبه فاعله ، لأنهم أجسام وأفعالهم غير أجسام والله تعالى عن أن يشبه أفعاله ، وأفعاله لحم وعظم وشعر ودم وعصب وعروق وأعضاء وجوارح وأجزاء ونور وظلمة وأرض وسماء وحجر وشجر وغير ذلك من صنوف الخلق وكل ذلك فعله وصنعه عزوجل ، وجميع ذلك دليل على وحدانيته شاهد على انفراده وعلى أنه بخلاف خلقه وأنه لا شريك له .
   وقال بعض الحكماء في هذا المعنى وهو يصف النرجس :

---------------------------
(1) في أكثر النسخ : ( سبوح ) بدون الألف واللام ، ولم أفهم وجها لحذفهما عنه بالخصوص .
(2) الواو للمعية ، أي نسبح لله مع تسبيح الذين سبحوا لله ، فحذف ما عدا المصدر واسم الجلالة فصار تسبيح الله ، ثم أبدل عنه سبحان الله.

التوحيد _ 208_

   عيون في جفون في فنون بأبصار التغنج طامحات على غصن الزمرد مخبرات بدت فأجاد صنعتها المليك كأن حداقها ذهب سبيك بأن الله ليس له شريك ( الطاهر ) الطاهر معناه أنه متنزه عن الأشباه والأنداد والأضداد و الأمثال والحدود والزوال والانتقال ومعاني الخلق من الطول والعرض والأقطار والثقل والخفة ، والرقة والغلظة ، والدخول والخروج ، والملازقة والمباينة ، و الرائحة والطعم ، واللون والمجسة والخشونة واللين ، والحرارة والبرودة ، و الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق ، والتمكن في مكان دون مكان ، لأن جميع ذلك محدث مخلوق وعاجز ضعيف من جميع الجهات ، دليل على محدث أحدثه وصانع صنعه ، قادر قوي طاهر من معانيها لا يشبه شيئا منها (1) لأنها دلت من جميع جهاتها على صانع صنعها ومحدث أحدثها وأوجبت على جميع ما غاب عنها من أشباهها وأمثالها أن يكون دالة على صانع صنعها ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
   ( العدل ) العدل معناه الحكم بالعدل والحق ، وسمي به توسعا لأنه مصدر والمراد به العادل ، والعدل من الناس المرضي قوله وفعله وحكمه.
   ( العفو ) العفو اسم مشتق من العفو على وزن فعول ، والعفو : المحو ، يقال : عفا الشيء إذا امتحي وذهب ودرس ، وعفوته أنا إذا محوته ، ومنه قوله عزوجل ( عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) (2) أي محا الله عنك إذنك لهم .
   ( الغفور ) الغفور اسم مشتق من المغفرة ، وهو الغافر الغفار ، وأصله في اللغة التغطية والستر ، تقول : غفرت الشيء إذا غطيته ، ويقال : هذا أغفر من هذا أي أستر ، وغفر الصوف والخز ما علا فوق الثوب منهما كالزئبر ، سمي غفرا لأنه ستر الثوب ، ويقال لجنة الرأس : مغفر لأنها تستر الرأس ، والغفور : الساتر لعبده برحمته .
   ( الغني ) الغني معناه أنه الغني بنفسه عن غيره وعن الاستعانة بالآلات

---------------------------
(1) كذا.
(2) التوبة : 43.

التوحيد _ 209 _

   والأدوات وغيرها ، والأشياء كلها سوى الله عزوجل متشابهة في الضعف والحاجة ، لا يقوم بعضها إلا ببعض ولا يستغني بعضها عن بعض .
   ( الغياث ) الغياث معناه المغيث سمي به توسعا لأنه مصدر .
   ( الفاطر ) الفاطر معناه الخالق ، فطر الخلق أي خلقهم وابتدأ صنعة الأشياء وابتدعها فهو فاطرها أي خالقها ومبدعها.
   ( الفرد ) الفرد معناه أنه المتفرد بالربوبية والأمر دون خلقه ، ومعنى ثان : أنه موجود وحده لا موجود معه .
   ( الفتاح ) الفتاح معناه أنه الحاكم ومنه قوله عزوجل : ( وأنت خبير الفاتحين ) (1) وقوله عزوجل ؟ ( وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ) (2).
   ( الفالق ) الفالق اسم مشتق من الفلق ، ومعناه في أصل اللغة الشق ، يقال : سمعت هذا من فلق فيه ، وفلقت الفستقة فانفلقت ، وخلق الله تبارك وتعالى كل شيء فانفلق عن جميع ما خلق ، فلق الأرحام فانفلقت عن الحيوان ، وفلق الحب والنوى فانفلقا عن النبات ، وفلق الأرض فانفلقت عن كل ما أخرج منها ، وهو كقوله عزوجل : ( وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْع ) (3) صدعها فانصدعت ، وفلق الظلام فانفلق عن الاصباح ، وفلق السماء فانفلقت عن القطر ، وفلق البحر لموسى عليه السلام فانفلق فكان كل فرق منه كالطود العظيم.
   ( القديم ) القديم معناه أنه المتقدم للأشياء كلها ، وكل متقدم لشيء يسمى قديما إذا بولغ في الوصف ، ولكنه سبحانه قديم لنفسه بلا أول ولا نهاية ، و سائر الأشياء لها أول ونهاية ، ولم يكن لها هذا الاسم في بدئها ، فهي قديمة من وجه و محدثه من وجه ، وقد قيل : إن القديم معناه أنه الموجود لم يزل ، وإذا قيل لغيره عزوجل : إنه قديم كان على المجاز لأن غيره محدث ليس بقديم.
   ( الملك ) الملك هو مالك الملك قد ملك كل شيء ، والملكوت ملك الله عزوجل

---------------------------
(1) الأعراف : 89.
(2) سبأ : 26.
(3) الطارق : 12.

التوحيد _ 210 _

   زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت ، تقول العرب : رهبوت خير من رحموت أي لأن ترهب خير من أن ترحم .
   ( القدوس ) القدوس معناه الطاهر ، والتقديس التطهير والتنزيه ، وقوله عزوجل حكاية عن الملائكة : ( وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ) (1) أي ننسبك إلى الطهارة ، ونسبحك ونقدس لك بمعنى واحد (2) ، وحظيرة القدس موضع الطهارة من الأدناس التي تكون في الدنيا والأوصاب والأوجاع وأشباه ذلك ، وقد قيل : إن القدوس من أسماء الله عزوجل في الكتب.
   ( القوي ) القوي معناه معروف وهو القوي بلا معاناة ولا استعانة.
   ( القريب ) القريب معناه المجيب ، ويؤيد ذلك قول عزوجل ( فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) (3) ومعنى ثان : أنه عالم بوساوس القلوب لا حجاب بينه وبينها ولا مسافة ، ويؤيد هذا المعنى قوله عزوجل : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (4).
   فهو قريب بغير مماسة ، بائن من خلقه بغير طريق ولا مسافة ، بل هو على المفارقة لهم في المخالطة ، والمخالفة لهم في المشابهة ، وكذلك التقرب إليه ليس من جهة الطرق والمسائف ، إنما هو من جهة الطاعة وحسن العبادة ، فالله تبارك وتعالى قريب دان دنوه من غير سفل ، لأنه ليس باقتطاع المسائف يدنو ، ولا باجتياز الهواء يعلو ، كيف وقد كان قبل السفل والعلو وقبل أن يوصف بالعلو والدنو.
   ( القيوم ) القيوم والقيام هما فيعول وفيعال من قمت بالشيء إذا وليته بنفسك وتوليت حفظه وإصلاحه وتقديره ، ونظيره قولهم : ما فيها من ديور ولا ديار.
   ( القابض ) القابض اسم مشتق من القبض ، وللقبض معان ، منها : الملك يقال : فلان في قبضي ، هذه الضيعة في قبضي ، ومنه قوله عزوجل : ( وَالْأَرْضُ

---------------------------
(1) البقرة : 30.
(2) في نسخة ( ب ) و ( د ) ، ( ونسبحك ونسبح لك بمعنى واحد ).
(3) البقرة : 186.
(4) ق : 16.

التوحيد _ 211 _

   جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (1) وهذا كقول الله عزوجل : ( وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ ) (2) وقوله عزوجل : ( وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) (3) وقوله عزوجل : ( مالك يوم الدين ) (4) ومنها : إفناء الشيء ، ومن ذلك قولهم للميت : قبضه الله إليه ، ومنه قوله عزوجل : ( ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ) (5) فالشمس لا تقبض بالبراجم ، والله تبارك وتعالى قابضها ومطلقها ، ومن هذا قوله عزوجل : ( وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (6) فهو باسط على عباده فضله ، وقابض ما يشاء من عائدته وأياديه ، والقبض قبض البراجم أيضا وهو عن الله تعالى ذكره منفي ، ولو كان القبض والبسط الذي ذكره الله عزوجل من قبل البراجم لما جاز أن يكون في وقت واحد قابضا وباسطا لاستحالة ذلك ، والله تعالى ذكره في كل ساعة يقبض الأنفس ويبسط الرزق ويفعل ما يريد .
   ( الباسط ) الباسط معناه المنعم المفضل ، قد بسط على عباده فضله وإحسانه ، و أسبغ عليهم نعمه .
   ( قاضي الحاجات ) القاضي اسم مشتق من القضاء ، ومعنى القضاء من الله عزوجل على ثلاثة أوجه : فوجه منها هو الحكم والالزام ، يقال : قضي القاضي على فلان بكذا أي حكم عليه به وألزمه إياه ، ومنه قوله عزوجل : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ) (7) ووجه منها هو الخبر ، ومنه قوله عزوجل : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ) (8) أي أخبرناهم بذلك على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ووجه منها هو الاتمام ، ومنه قوله عزوجل : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) (9) ومنه

---------------------------
(1) الزمر : 67.
(2) الأنعام : 73.
(3) الانفطار : 19.
(4) الفاتحة : 4.
(5) الفرقان : 46.
(6) البقرة : 245.
(7) الإسراء : 23.
(8) الإسراء : 4.
(9) فصلت : 12.

التوحيد _ 212 _

   قول الناس : قضى فلان حاجتي ، يريد أنه أتم حاجتي على ما سألته .
   ( المجيد ) المجيد معناه الكريم العزيز ، ومنه قوله عزوجل : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ) (1) أي كريم عزيز. والمجد في اللغة نيل الشرف ، ومجد الرجل وأمجد لغتان وأمجده كرم فعاله ، ومعنى ثان : أنه مجيد ممجد ، مجده خلقه أي عظموه.
   ( المولى ) المولى معناه الناصر ينصر المؤمنين ويتولى نصرهم على عدوهم و يتولى ثوابهم وكرامتهم ، وولي الطفل هو الذي يتولى إصلاح شأنه ، والله ولي المؤمنين وهو مولاهم وناصرهم ، والمولى في وجه آخر هو الأولى ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وذلك على إثر كلام قد تقدمه وهو أن قال : ( ألست أولى بكم منكم بأنفسكم (2) ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال من كنت مولاه أي من كنت أولى به منه بنفسه فعلي مولاه ) أي أولى به منه بنفسه .
   ( المنان ) المنان معناه المعطي المنعم ، ومنه قوله عزوجل : ( فامنن أو أمسك بغير حساب (3) ) وقوله عزوجل : ( وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ) (4).
   ( المحيط ) المحيط معناه أنه محيط بالأشياء عالم بها كلها ، وكل من أخذ شيئا كله أو بلغ علمه أقصاه فقد أحاط به ، وهذا على التوسع لأن الإحاطة في الحقيقة إحاطة الجسم الكبير بالجسم الصغير من جوانبه كإحاطة البيت بما فيه و إحاطة السور بالمدن ، ولهذا المعنى سمي الحائط حائطا ، ومعنى ثان يحتمل أن يكون نصبا على الظرف ، معناه مستوليا مقتدرا ، كقوله عزوجل : ( وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ )(5) فسماه إحاطة لهم لأن القوم إذا أحاطوا بعدوهم لم يقدر العدو على التخلص منهم .

---------------------------
(1) البروج : 21.
(2) في نسخة ( ج ) ( ألست أولى منكم بأنفسكم ) ، وفي البحار وفي البحار وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ألست أولى بكم من أنفسكم ).
(3) ص : 39.
(4) المدثر : 6.
(5) يونس : 22.

التوحيد _ 213 _

   ( المبين ) المبين معناه الظاهر البين حكمته ، المظهر لها بما أبان من بيناته وآثار قدرته ، ويقال : بان الشيء وأبان واستبان بمعنى واحد .
   ( المقيت ) المقيت معناه الحافظ الرقيب ، ويقال : بل هو القدير.
   ( المصور ) المصور هو اسم مشتق من التصوير ، يصور الصور في الأرحام كيف يشاء ، فهو مصور كل صورة ، وخالق كل مصور في رحم ومدرك ببصر وممثل في نفس ، وليس الله تبارك وتعالى بالصور والجوارح يوصف ، ولا بالحدود والأبعاض يعرف ، ولا في سعة الهواء بالأوهام يطلب ، ولكن بالآيات يعرف ، وبالعلامات و الدلالات يحقق ، وبها يوقن ، وبالقدرة والعظمة والجلال والكبرياء يوصف ، لأنه ليس له في خلقه شبيه ولا في بريته عديل.
   ( الكريم ) الكريم معناه العزيز ، يقال : فلان أكرم علي من فلان أي أعز منه ، ومنه قوله عزوجل : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) (1) وكذلك قوله عزوجل : ( ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ) (2) ، ومعنى ثان : أنه الجواد المفضل ، يقال : رجل كريم أي جواد ، وقوم كرام أي أجواد ، وكريم وكرم مثل أديم وأدم.
   ( الكبير ) الكبير السيد ، يقال لسيد القوم : كبيرهم ، والكبرياء اسم التكبر والتعظم.
   ( الكافي ) الكافي اسم مشتق من الكفاية ، وكل من توكل عليه كفاه ولا يلجئه إلى غيره.
   ( كاشف الضر ) الكاشف معناه المفرج يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ، والكشف في اللغة رفعك شيئا عما يواريه ويغطيه.
   ( الوتر ) الوتر الفرد ، وكل شيء كان فردا قيل : وتر.
   ( النور ) النور معناه المنير ، ومنه قوله عزوجل : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (3) أي منير لهم وآمرهم وهاديهم ، فهم يهتدون به في مصالحهم كما يهتدون

---------------------------
(1) الواقعة : 77.
(2) الدخان : 49.
(3) النور : 35.

التوحيد _ 214 _

   في النور والضياء (1) وهذا توسع إذا لنور الضياء والله عزوجل متعال عن ذلك علوا كبيرا ، لأن الأنوار محدثة ، ومحدثها قديم لا يشبهه شيء ، وعلى سبيل التوسع قيل : إن القرآن نور لأن الناس يهتدون به في دينهم كما يهتدون بالضياء في مسالكهم ، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم منيرا .
   ( الوهاب ) الوهاب معروف وهو من الهبة يهب لعباده ما يشاء ويمن عليهم بما يشاء ، ومنه قوله عزوجل : ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ ) (2).
   ( الناصر ) الناصر والنصير بمعنى واحد ، والنصرة حسن المعونة.
   ( الواسع ) الواسع الغني ، والسعة الغنى ، يقال : فلان يعطي من سعة أي من غنى ، والوسع جدة الرجل وقدرة ذات يده ، ويقال : أنفق على قدر وسعك .
   ( الودود ) الودود فعول بمعنى مفعول كما يقال : هيوب بمعنى مهيب ، يراد به ، أنه مودود ومحبوب ، ويقال : بل فعول بمعنى فاعل كقولك : غفور بمعنى غافر أي يود عباده الصالحين ويحبهم ، والود والوداد مصدر المودة ، فلان ودك ووديدك أي حبك وحبيبك.
   ( الهادي ) الهادي معناه أنه عزوجل يهديهم للحق ، والهدى من الله عزوجل على ثلاثة أوجه : فوجه هو الدلالة قد دلهم جميعا على الدين ، والثاني هو الإيمان والإيمان هدى من الله عزوجل كما أنه نعمة من الله عزوجل ، والثالث هو النجاة وقد بين الله عزوجل ، أنه سيهدي المؤمنين بعد وفاتهم فقال : ( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ) (3) ولا يكون الهدى بعد الموت والقتل إلا الثواب والنجاة ، وكذلك قوله عزوجل : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ) (4) وهو ضد الضلال الذي هو عقوبة الكافر ، وقال الله عزوجل : ( وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ ) (5) أي يهلكهم ويعاقبهم ، وهو كقوله عزوجل :

---------------------------
(1) في نسخة ( ج ) ( كما يهتدون بالنور ـ الخ ).
(2) الشورى : 49.
(3) محمد صلى الله عليه وآله : 5.
(4) يونس : 9.
(5) إبراهيم عليه السلام : 27.

التوحيد _ 215 _

   ( أضل أعمالهم ) (1) أي أهلك أعمالهم وأحبطها بكفرهم .
   ( الوفي ) الوفي معناه أنه يفي بعهدهم ويوفي بعهده ، يقال : رجل وفي و موف ، وقد وفيت بعهدك وأوفيت لغتان .
   ( الوكيل ) الوكيل معناه المتولي أي القائم بحفظنا ، وهذا هو معنى الوكيل على المال منا ، ومعنى ثان أنه المعتمد والملجأ ، والتوكل الاعتماد عليه و الالتجاء إليه.
   ( الوارث ) الوارث معناه أن كل من ملكه الله شيئا يموت ويبقى ما كان في ملكه ولا يملكه إلا الله تبارك وتعالى.
   ( البر ) البر معناه الصادق ، يقال : صدق فلان وبر ، ويقال : برت يمين فلان إذا صدقت ، وأبرها الله أي أمضاها على الصدق.
   ( الباعث ) الباعث معناه أنه يبعث من في القبور ويحييهم وينشرهم للجزاء والبقاء .
   ( التواب ) التواب معناه أنه يقبل التوبة ويعفو عن الحوبة إذا تاب منها العبد ، يقال : تاب العبد إلى الله عزوجل فهو تائب إليه (2) وتاب الله عليه أي قبل توبته فهو تواب عليه ، والتوب التوبة ، ويقال : اتأب فلان من كذا ـ مهموزا ـ إذا استحيى منه ، ويقال : ما طعامك بطعام تؤبة أي لا يحتشم منه ولا يستحيى (3).
   ( الجليل ) الجليل معناه السيد ، يقال لسيد القوم : جليلهم وعظيمهم ، و جل جلال الله فهو الجليل ذو الجلال والاكرام ، ويقال جل فلان في عيني أي عظم ، وأجللته أي عظمته (4).
   ( الجواد ) الجواد معناه المحسن المنعم الكثير الإنعام والاحسان ، يقال :

---------------------------
(1) محمد صلى الله عليه وآله وسلم : 1.
(2) في البحار وفي نسخة ( ب ) و ( د ) فهو ( تائب تواب إليه ).
(3) التاء في المواضع الثلاثة مبدلة من الواو ، فيطلب في اللغة في مادة ( وأب ).
(4) في نسخة ( ب ) و ( و ) ( أي أعظمته ).

التوحيد _ 216 _

   جاد السخي من الناس يجود جودا ، ورجل جواد ، وقوم أجواد وجود أي أسخياء ، ولا يقال لله عزوجل : سخي لأن أصل السخاوة راجع إلى اللين ، يقال : أرض سخاوية وقرطاس سخاوي إذا كان لينا .
   وسمي السخي سخيا للينه عند الحوائج إليه.
   ( الخبير ) الخبير معناه العالم ، والخبر والخبير في اللغة واحد ، والخبر علمك بالشيء ، يقال : لي به خبر أي علم.
   ( الخالق ) الخالق معناه الخلاق ، خلق الخلائق خلقا وخليقة ، والخليقة : الخلق ، والجمع الخلائق ، والخلق في اللغة تقديرك الشيء ، يقال في المثل : إني إذا خلقت فريت لا كمن يخلق ولا يفري ، وفي قول أئمتنا عليهم السلام : إن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين ، وخلق عيسى عليه السلام من الطين كهيئة الطير هو خلق تقدير أيضا ، ومكون الطير وخالقه في الحقيقة هو الله عزوجل.
   ( خير الناصرين ) خير الناصرين وخير الراحمين معناه أن فاعل الخير إذا كثر ذلك منه سمي خيرا توسعا.
   ( الديان ) الديان هو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم ، والدين الجزاء ، ولا يجمع لأنه مصدر ، يقال : دان يدين دينا ، ويقال في المثل : ( كما تدين تدان ) أي كما تجزي تجزى ، قال الشاعر : كما يدين الفتى يوما يدان به من يزرع الثوم لا يقلعه ريحانا .
   ( الشكور ) الشكور والشاكر معناهما أنه يشكر للعبد عمله ، وهذا توسع لأن الشكر في اللغة عرفان الاحسان ، وهو المحسن إلى عباده المنعم عليهم ، لكنه سبحانه لما كان مجازيا للمطيعين على طاعاتهم جعل مجازاته شكرا لهم على المجاز كما سميت مكافأة المنعم شكرا .
   ( العظيم ) العظيم معناه السيد ، وسيد القوم عظيمهم وجليلهم ، ومعنى ثان : أنه يوصف بالعظمة لغلبته على الأشياء وقدرته عليها ولذلك كان الواصف بذلك معظما ، ومعنى ثالث : أنه عظيم لأن ما سواه كله له ذليل خاضع فهو عظيم السلطان ، عظيم

التوحيد _ 217 _

   الشأن ، ومعنى رابع : أنه المجيد يقال : عظم فلان في المجد عظامة ، والعظامة مصدر :
   الأمر العظيم ، والعظمة من التجبر ، وليس معنى العظيم ضخم طويل عريض ثقيل لأن هذه المعاني معاني الخلق وآيات الصنع والحدث وهي عن الله تبارك وتعالى منفية ، وقد روي في الخبر أنه سمي العظيم لأنه خالق الخلق العظيم ورب العرش العظيم وخالقه.
   ( اللطيف ) اللطيف معناه أنه لطيف بعباده فهو لطيف بهم ، بار بهم ، منعم عليهم واللطف البر والتكرمة ، يقال : فلان لطيف بالناس بار بهم يبرهم ويلطفهم إلطافا ، ومعنى ثان أنه لطيف في تدبيره وفعله يقال : فلان لطيف العمل ، وقد روي في الخبر أن معنى اللطيف هو أنه الخالق للخلق اللطيف كما أنه سمي العظيم لأنه الخالق للخلق العظيم.
   ( الشافي ) الشافي معناه معروف وهو من الشفاء كما قال الله عزوجل حكاية عن إبراهيم عليه السلام : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) (1) فجملة هذه الأسماء الحسنى تسعة و تسعون اسما.
   وأما ( تبارك ) (2) فهو من البركة وهو عزوجل ذو بركة وهو فاعل البركة وخالقها وجاعلها في خلقه ، وتبارك وتعالى عن الولد والصاحبة والشريك وعما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وقد قيل : إن معنى قول الله عزوجل : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) (3) إنما عنى به أن الله الذي يدوم بقاؤه وتبقى نعمه ويصير ذكره بركة على عباده واستدامة لنعم الله عندهم ( هو الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) والفرقان هو القرآن وإنما سماه فرقانا لأن الله عزوجل فرق به بين الحق والباطل ، وعبده الذي أنزل عليه ذلك هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسماه عبدا لئلا يتخذ ربا معبودا ، وهذا رد على من يغلو فيه ، وبين عزوجل أنه نزل عليه ذلك لينذر به العالمين وليخوفهم به من معاصي الله وأليم

---------------------------
(1) الشعراء : 80.
(2) المذكور في صدر الحديث.
(3) الفرقان : 1.

التوحيد _ 218 _

   عقابه ، والعالمون : الناس ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ) كما قالت النصارى إذ أضافوا إليه الولد كذبا عليه وخروجا من توحيده ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) يعني : أنه خلق الأشياء كلها على مقدار يعرفه وأنه لم يخلق شيئا من ذلك على سبيل سهو ولا غفلة ولا على تنحيب (1) ولا على مجازفة ، بل على المقدار الذي يعلم أنه صواب من تدبيره وأنه استصلاح لعباده في أمر دينهم وأنه عدل منه على خلقه لأنه لو لم يخلق ذلك على مقدار يعرفه على سبيل ما وصفناه لوجد في ذلك التفاوت والظلم والخروج عن الحكمة وصواب التدبير إلى العبث والظلم والفساد كما يوجد مثل ذلك في فعل خلقه الذين ينحبون في أفعالهم ويفعلون من ذلك ما لا يعرفون مقداره ، ولم يعن بذلك أنه خلق لذلك تقديرا يعرف به مقدار ما يفعله ثم فعل أفعاله بعد ذلك ، لأن ذلك إنما يوجد من فعل من لا يعلم مقدار ما يفعله إلا بهذا التقدير وهذا التدبير ، والله سبحانه لم يزل عالما بكل شيء ، وإنما عنى بقوله : فقدره تقديرا أي فعل ذلك على مقدار يعرفه ـ على ما بيناه ـ وعلى أن يقدر أفعاله لعباده بأن يعرفهم مقدارها ووقت كونها و مكانها الذي يحدث فيه ليعرفوا ذلك ، وهذا التقدير من الله عزوجل كتاب وخبر كتبه الله لملائكته وأخبرهم به ليعرفوه ، فلما كان كلامه لم يوجد إلا على مقدار يعرفه لئلا يخرج عن حد الصدق إلى الكذب وعن حد الصواب إلى الخطأ ، وعن حد البيان إلى التلبيس ، كان ذلك دلالة على أن الله قد قدره على ما هو به وأحكمه وأحدثه فلهذا صار محكما لا خلل فيه ولا تفاوت ولا فساد .
  10 ـ حدثنا غير واحد ، قالوا : حدثنا محمد بن همام ، عن علي بن الحسين (2)

---------------------------
(1) نحب فلان في عمله جد ، ونحب العمل فلانا أجهده ، ونحب فلان أمرا نذره و أوجبه على نفسه ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) و ( و ) ( ولا على تنحيت ) بالتاء المثناة في آخره.
   وهو انضاء العمل العامل بسبب كثرته أو مشقته ، وعلى هذه النسخة يقرء الفعل الآتي مجهولا كما يقرء مجهولا على المعنى الثاني.
(2) في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( علي بن الحسن ).

التوحيد _ 219 _

   قال : حدثني جعفر بن يحيى الخزاعي ، عن أبيه ، قال : دخلت مع أبي عبد الله عليه السلام على بعض مواليه يعوده ، فرأيت الرجل يكثر من قول آه ، فقلت له : يا أخي اذكر ربك واستغث به ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن آه اسم من أسماء الله عزوجل (1) فمن قال : آه استغاث بالله تبارك وتعالى.
  11 ـ حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني الأسواري قال : حدثنا مكي بن أحمد بن سعدويه البرذعي ، قال : أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي بدمشق وأنا أسمع ، قال : حدثنا أبو عامر موسى بن عامر المري (2) قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا زهير بن محمد ، عن موسى بن عقبة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا ، إنه وتر يحب الوتر ، من أحصاها دخل الجنة ، فبلغنا أن غير واحد من أهل العلم قال : إن أولها يفتتح بلا إله إلا الله الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير ، وهو على كل شي قدير ، لا إله إلا الله له الأسماء الحسنى ، الله ، الواحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ،

---------------------------
(1) آه يقال وجعا أو أسفا أو حسرة أو ندامة على عمل أو ترحما على أحد أو حزنا على حادثة ، وقد اشتق منه الفعل والوصف ، منه قوله تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) و أما كونه اسما له تعالى فإما هو من غير المشهور من أسمائه كرمضان الذي ورد في الحديث أنه من أسمائه وكآمين كذلك ، وإما هو اسم له تعالى بالعبرانية أو السريانية نظير ( ياه ) المذكور في الزبور الموجود اليوم ، و ( يهواه ) المذكور فيه أيضا ، و ( آهيا شراحيا ) المذكور في دعاء الحرز للباقر عليه السلام في كتاب الدعاء من البحار ، وإما لا ذاك ولا ذاك ، بل المؤمن إذ يقوله متوجها إليه تعالى سائلا منه فهو بمنزلة اسم من أسمائه ، وقيل : فيه أربع عشرة لغة .
(2) قال الذهبي في الميزان : موسى بن عامر المري أبو عامر الدمشقي صاحب الوليد بن مسلم صدوق صحيح الكتب.
   تكلم فيه بغير حجة ولا ينكر له تفرده عن الوليد فإنه أكثر عنه ـ الخ.

التوحيد _ 220 _

   الجبار ، المتكبر ، الرحمن ، الرحيم ، اللطيف ، الخبير ، السميع ، البصير ، العلي ، العظيم ، البارئ ، ( كذا ) المتعالي ، الجليل ، الجميل ، الحي ، القيوم ، القادر ، القاهر ، الحكيم ، القريب ، المجيب ، الغني ، الوهاب ، الودود ، الشكور ، الماجد ، الأحد ، الولي ، الرشيد ، الغفور ، الكريم ، الحليم ، التواب ، الرب ، المجيد ، الحميد ، الوفي ، الشهيد ، المبين ، البرهان ، الرؤوف ، المبدئ ، المعيد ، الباعث الوارث ، القوي ، الشديد ، الضار ، النافع ، الوافي ، الحافظ ، الرافع ، القابض ، الباسط ، المعز ، المذل ، الرازق ، ذو القوة المتين ، القائم ، الوكيل ، العادل ، الجامع ، المعطي ، المجتبي ، المحيي ، المميت ، الكافي ، الهادي ، الأبد ، الصادق ، النور ، القديم ، الحق ، الفرد ، الوتر ، الواسع ، المحصي ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، المنتقم ، البديع (1).
  12 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من عبد الله بالتوهم فقد كفر ، ومن عبد الاسم ولم يعبد المعنى فقد كفر ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه (2) فعقد عليه قلبه و نطق به لسانه في سرائره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وفي حديث آخر : ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ).
  13 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني ، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمهما الله ، قالا : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن أسماء الله

---------------------------
(1) بعض ما في هذا الحديث من الأسماء يغير بعض ما في الحديث التاسع ، وقد شرح هذه الأسماء المحدث الفيض في كتاب علم اليقين والسبزواري في شرح الأسماء والكفعمي في المصباح وابن فهد الحلي في العدة.
(2) في نسخة ( ط ) ( باتباع الأسماء بصفاته التي ـ الخ ).

التوحيد _ 221 _

   عزوجل واشتقاقها ، فقال : الله مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد ، أفهمت يا هشام ، قال : قلت : زدني ، قال : لله عزوجل تسعة وتسعون اسما ، فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها هو إلها ، ولكن الله عزوجل معنى ، يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره ، يا هشام الخبز اسم للمأكول (1) والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس والنار اسم للمحرق ، أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتنافر أعداءنا والملحدين في الله والمشركين مع الله عزوجل غيره ؟ (2) قلت : نعم ، فقال : نفعك الله به وثبتك يا هشام ، قال هشام : فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حينئذ حتى قمت مقامي هذا.
  14 ـ حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري ، قال : حدثنا مكي ابن أحمد بن سعدويه البرذعي ، قال : أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي قال : حدثني جدي ، قال : حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن داود بن قيس الصنعاني ، قال : حدثني أفلح بن كثير ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله أن جبرئيل نزل عليه بهذا الدعاء من السماء ونزل عليه ضاحكا مستبشرا ، فقال : السلام عليك يا محمد ، قال : وعليك السلام يا جبرئيل فقال : إن الله بعث إليك بهدية ، فقال : وما تلك الهدية يا جبرئيل ؟ فقال : كلمات من كنوز العرش أكرمك الله بها ، قال : وما هن يا جبرئيل ؟ قال : قل : ( يا من أظهر الجميل وستر القبيح ، يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر ، يا عظيم العفو ، يا حسن التجاوز ، يا واسع المغفرة ، يا باسط اليدين بالرحمة ،

---------------------------
(1) الخبز اسم للمأكول ولا شيء من أحكام المأكول لاسمه ، فهما متغايران ذاتا ، و كذلك الله تعالى وأسماؤه .
(2) في الكافي باب معاني الأسماء واشتقاقها تحت رقم 2 هكذا ( أفهمت يا هشام فهما تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عزوجل غيره ـ الخ ).

التوحيد _ 222 _

   يا صاحب كل نجوى ، ويا منتهى كل شكوى ( يا مقيل العثرات (1) ) يا كريم الصفح ، يا عظيم المن يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها يا ربنا ويا سيدنا ويا مولانا ويا غاية رغبتنا أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي بالنار ) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل فما ثواب هذه الكلمات ؟ قال : هيهات هيهات ، انقطع العلم ، لو اجتمع ملائكة سبع سماوات وسبع أرضين على أن يصفوا ثواب ذلك إلى يوم القيامة ما وصفوا من ألف جزء جزءا واحدا ، فإذا قال العبد : ( يا من أظهر الجميل وستر القبيح ) ستره الله برحمته في الدنيا وجملة في الآخرة وستر الله عليه ألف ستر في الدنيا والآخرة ، وإذا قال : ( يا من لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر ) لم يحاسبه الله يوم القيامة ولم يهتك ستره يوم يهتك الستور ، وإذا قال : ( يا عظيم العفو ) غفر الله له ذنوبه ولو كانت خطيئته مثل زبد البحر ، وإذا قال : ( يا حسن التجاوز ) تجاوز الله عنه حتى السرقة وشرب الخمر وأهاويل الدنيا ، وغير ذلك من الكبائر ، وإذا قال : ( يا واسع المغفرة ) فتح الله عزوجل له سبعين بابا من الرحمة فهو يخوض في رحمة الله عزوجل حتى يخرج من الدنيا ، وإذا قال : ( يا باسط اليدين بالرحمة ) بسط الله يده عليه بالرحمة ، وإذا قال : ( يا صاحب كل نجوى و ( يا ) منتهى كل شكوى ) أعطاه الله عزوجل من الآجر ثواب كل مصاب وكل سالم وكل مريض وكل ضرير وكل مسكين وكل فقير إلى يوم القيامة ، وإذا قال : ( يا كريم الصفح ) أكرمه الله كرامة الأنبياء ، وإذا قال : ( يا عظيم المن ) أعطاه الله يوم القيامة أمنيته وأمنية الخلائق ، وإذا قال : ( يا مبتدئا بالنعم قبل استحقاقها ) أعطاه الله من الأجر بعدد من شكر نعماءه ، وإذا قال : ( يا ربنا ويا سيدنا ويا مولانا ) (2) قال الله تبارك وتعالى : اشهدوا ملائكتي أني غفرت له وأعطيته من الأجر بعدد من خلقته في الجنة والنار والسماوات السبع والأرضين السبع الشمس والقمر والنجوم وقطر الأمطار وأنواع الخلق والجبال والحصى والثرى وغير ذلك والعرش والكرسي ، وإذا قال : ( يا مولانا ) ملأ الله قلبه من الإيمان ، وإذا قال :

---------------------------
(1) ليس في أكثر النسخ ( يا مقيل العثرات ) وليس في نسخة بيان ثوابه .
(2) الظاهر زيادة ( ويا مولانا ) هنا لذكره من بعد .