عليه السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ، قال : فقلت :
       وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال : لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، قال : فقلت : أقررت ، وأقول إن وليهم ولي الله ، وعدوهم عدو الله ، وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله ، و أقول : إن المعراج حق ، والمسألة في القبر حق ، وإن الجنة حق ، وإن النار حق ، والصراط حق ، والميزان حق ، وإن الساعة آتية لا ريب فيها ، وإن الله يبعث من في القبور ، وأقول : إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال علي بن محمد عليهما السلام : يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

    3 ـ باب معنى الواحد والتوحيد والموحد

      1 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام ، ما معنى الواحد ؟ فقال : المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية (1).

    ---------------------------
    (1) هذا الحديث رواه الكليني رحمه الله في باب معاني الأسماء من الكافي ، ورواه المجلسي رحمه الله في البحار في باب التوحيد ونفي الشريك عن المحاسن والاحتجاج وفيه بلفظ ( الأحد ) كلهم عن أبي هاشم الجعفري ، والسؤال ليس عن المفهوم لأن السائل عارف به ولا عن الحقيقة الشرعية إذ ليس له حقيقة شرعية وراء ما عند العرف ، بل عن معنى الواحد في حق الله تعالى أنه بأي معنى يطلق عليه تعالى ، فأجاب عليه السلام أنه يطلق عليه بالمعنى الذي اجتمع الناس كلهم بلسان فطرتهم عليه ، وذلك المعنى أنه تعالى لا شبيه له ولا شريك له في الألوهية وصنع الأشياء كما أشار إليه بالاستشهاد بقوله تعالى ( ولئن سئلتهم ـ الآية ) كما في الخبر الآتي ، وصرح به بعد ذكر الآية بقوله : ( بعد ذلك له شريك وصاحبه ) ؟! استفهاما إنكاريا كما في البحار عن الاحتجاج ، ولا يخفى أن الحديث هنا وما في الكافي والمحاسن والاحتجاج واحد إلا أن الرواة غيروه بالتقطيع والنقل بالمعنى ، أو أبو هاشم نفسه فعل ذلك عند نقله للرواة المتعددين ، فلذلك ترى لفظ الحديث فيها مختلفا .

    التوحيد _ 83 _

      2 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني ، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن محمد ، ومحمد بن الحسن جميعا ، عن سهل بن زياد ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام ما معنى الواحد ؟ قال : الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد ، كما قال الله عزوجل : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) (1).
      3 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن سعيد بن يحيى البزوري ، قال : حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي ، قال : حدثنا أبي ، عن المعافي بن عمران ، عن إسرائيل ، عن المقدام بن شريح بن هانئ ، عن أبيه ، قال : إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا أمير ـ المؤمنين أتقول : إن الله واحد ؟ قال : فحمل الناس عليه ، قالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، ثم قال : يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على الله عزوجل ، و وجهان يثبتان فيه ، فأما اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنه كفر من قال : ثالث ثلاثة .
       وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس ، فبهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه ، وجل ربنا عن ذلك و تعالى (2).
       وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء

    ---------------------------
    (1) العنكبوت : 61 ، ولقمان : 25 ، والزمر : 38 ، والزخرف : 9.
    (2) الجنس في اللغة يأتي بمعنى التشابه والتماثل ، وقوله عليه السلام : ( يريد به النوع من الجنس ) أي يريد القائل بالواحد هكذا الوحدة النوعية التي تنتزع من الأفراد المتجانسة المتماثلة كأفراد الإنسان مثلا ، والفرق بين القسمين اللذين لا يجوز أن عليه تعالى أن الأول يثبت له وقوعا أو إمكانا فردا آخر مثله في الألوهية أو صفة غيرها وإن لم يكن مجانسا له في حقيقته والثاني يثبت له فردا آخر من حقيقته ، فالمنفي أولا الوحدة العددية وثانيا النوعية.

    التوحيد _ 84 _

       شبه ، كذلك ربنا ، وقول القائل : إنه عزوجل أحدي المعنى ، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم (1) كذلك ربنا عزوجل .
       قال مصنف هذا الكتاب : سمعت من أثق بدينه ومعرفته باللغة والكلام يقول : إن قول القائل : واحدا واثنين وثلاثة إلى آخره إنما وضع في أصل اللغة للإبانة عن كمية ما يقال عليه ، لا لأن له مسمى يتسمى به بعينه ، أو لأن له معنى سوى ما يتعلمه الانسان بمعرفة الحساب ويدور عليه عقد الأصابع عند ضبط الآحاد و العشرات والمئات الألوف ، وكذلك متى أراد مريد أن يخبر غيره عن كمية شيء بعينه سماه باسمه الأخص ثم قرن لفظ الواحد به وعلقه عليه يدل به على كميته لا على ما عدا ذلك من أوصافه ، ومن أجله يقول القائل : درهم واحد ، وإنما يعني به أنه درهم فقط ، وقد يكون الدرهم درهما بالوزن ، ودرهما بالضرب ، فإذا أراد المخبر أن يخبر عن وزنه قال : درهم واحد بالوزن ، وإذا أراد أن يخبر عن عدده وضربه قال : درهم واحد بالعدد ودرهم واحد بالضرب ، وعلى هذا الأصل يقول القائل : هو رجل واحد ، وقد يكون الرجل واحدا بمعنى أنه إنسان وليس بإنسانين ، ورجل وليس برجلين ، وشخص وليس بشخصين ، ويكون واحد في الفضل واحدا في العلم واحدا في السخاء واحدا في الشجاعة ، فإذا أراد القائل أن يخبر عن كميته قال : هو رجل واحد ، فدل ذلك من قوله على أنه رجل وليس هو برجلين ، وإذا أراد أن يخبر عن فضله قال : هذا واحد عصره ، فدل ذلك على أنه لا ثاني له

    ---------------------------
    (1) أي لا في الخارج كانقسام الإنسان إلى بدن وروح ، ولا في عقل كانقسام الماهية إلى أجزائها الحدية ، ولا في وهم كانقسام قطعة خشب إلى النصفين في التصور.

    التوحيد _ 85 _

       في الفضل ، وإذا أراد أن يدل على علمه قال : إنه واحد في علمه ، فلو دل قوله :
       واحد بمجرده على الفضل والعلم كما دل بمجرده على الكمية لكان كل من أطلق عليه لفظ واحد أراد فاضلا لا ثاني له في فضله وعالما لا ثاني له في علمه وجوادا لا ثاني له في جوده ، فلما لم يكن كذلك صح أنه بمجرده لا يدل إلا على كمية الشيء دون غيره وإلا لم يكن لما أضيف إليه من قول القائل : واحد عصره ودهره معنى ، ولا كان لتقييده بالعلم والشجاعة معنى ، لأنه كان يدل بغير تلك الزيادة وبغير ذلك التقييد على غاية الفضل وغاية العلم والشجاعة ، فلما احتيج معه إلى زيادة لفظ و احتيج إلى التقييد بشيء صح ما قلناه ، فقد تقرر أن لفظة القائل : واحد إذا قيل على الشيء دل بمجرده على كميته في اسمه الأخص ، ويدل بما يقترن به على فضل المقول عليه وعلى كماله وعلى توحده بفضله وعلمه وجوده ، وتبين أن الدرهم الواحد قد يكون درهما واحدا بالوزن ، ودرهما واحدا بالعدد ودرهما وحدا بالضرب ، وقد يكون بالوزن درهمين وبالضرب درهما واحدا ، وقد يكون بالدوانيق ستة دوانيق وبالفلوس ستين فلسا ويكون بالأجزاء كثيرا ، وكذلك يكون العبد عبدا واحدا ولا يكون عبدين بوجه ، ويكون شخصا واحدا ولا يكون شخصين بوجه ، ويكون أجزاء كثيرة وأبعاضا كثيرة ، وكل بعض من أبعاضه يكون جواهر كثيرة متحدة اتحد بعضها ببعض ، وتركب بعضها مع بعض ، ولا يكون العبد واحدا وإن كان كل واحد منا في نفسه إنما هو عبد واحد ، وإنما لم يكن العبد واحدا لأنه ما من عبد إلا وله مثل في الوجود أو في المقدور ، وإنما صح أن يكون للعبد مثل لأنه لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها صار عبدا مملوكا ، ووجب لذلك أن يكون الله عزوجل متوحدا بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى ، ليكون إلها واحدا ولا يكون له مثل ، ويكون واحدا لا شريك له ولا إله غيره ، فالله تبارك وتعالى واحد لا إله إلا هو ، وقديم واحد لا قديم إلا هو ، وموجود واحد ليس بحال ولا محل ولا موجود كذلك إلا هو ، وشيء واحد لا يجانسه شيء ، ولا يشاكله شيء ، ولا يشبهه شيء ، ولا شيء كذلك إلا هو ، فهو كذلك موجود غير منقسم في الوجود ولا في الوهم ،

    التوحيد _ 86 _

       وشيء لا يشبهه شيء بوجه ، وإله لا إله غيره بوجه ، وصار قولنا : يا واحد يا أحد في الشريعة اسما خاصا له دون غيره لا يسمى به إلا هو عزوجل ، كما أن قولنا : الله اسم لا يسمى به غيره .
       وفصل آخر في ذلك وهو أن الشيء قد يعد مع ما جانسه وشاكله وماثله ، يقال : هذا رجل ، وهذان رجلان ، وثلاثة رجال ، وهذا عبد ، وهذا سواد ، وهذان عبدان ، وهذان سوادان ، ولا يجوز على هذا الأصل أن يقال : هذان إلهان إذ لا إله إلا إله واحد ، فالله لا يعد على هذا الوجه ، ولا يدخل في العدد من هذا الوجه بوجه ، وقد يعد الشيء مع ما لا يجانسه ولا يشاكله ، يقال : هذا بياض ، وهذان بياض وسواد ، وهذا محدث ، وهذان محدثان ، وهذان ليسا بمحدثين ولا بمخلوقين ، بل أحدهما قديم والآخر محدث وأحدهما رب والآخر مربوب ، فعلى هذا الوجه يصح دخوله في العدد ، وعلى هذا النحو قال الله تبارك وتعالى : ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ـ الآية ) (1) وكما أن قولنا : إنما هو رجل واحد لا يدل على فضله بمجرده فكذلك قولنا : فلان ثاني فلان .
       لا يدل بمجرده إلا على كونه ، وإنما يدل على فضله متى قيل : إنه ثانيه في الفضل أو في الكمال أو العلم.
       فأما توحيد الله تعالى ذكره فهو توحيده بصفاته العلى ، وأسمائه الحسنى كان كذلك إلها واحدا لا شريك له ولا شبيه ، والموحد هو من أقر به على ما هو عليه عزوجل من أوصافه العلى ، وأسمائه الحسنى على بصيرة منه ومعرفة وإيقان و إخلاص ، وإذا كان ذلك كذلك فمن لم يعرف الله عزوجل متوحدا بأوصافه العلى ، وأسمائه الحسنى ولم يقر بتوحيده بأوصافه العلى ، فهو غير موحد ، وربما قال جاهل من الناس : إن من وحد الله وأقر أنه واحد فهو موحد وإن لم يصفه بصفاته التي توحد بها لأن من وحد الشيء فهو موحد في أصل اللغة ، فيقال له : أنكرنا ذلك لأن من زعم أن ربه إله واحد وشيء واحد ، ثم أثبت معه موصوفا آخر بصفاته التي توحد بها

    ---------------------------
    (1) المجادلة : 7 .

    التوحيد _ 87 _

       فهو عند جميع الأمة وسائر أهل الملل ثنوي غير موحد ومشرك مشبه غير مسلم ، و إن زعم أن ربه إله واحد وشيء واحد وموجود واحد ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون الله تبارك وتعالى متوحدا بصفاته التي تفرد بالإلهية من أجلها وتوحد بالوحدانية لتوحده بها ليستحيل أن يكون إله آخر ، ويكون الله واحدا والإله واحدا لا شريك له ولا شبيه لأنه إن لم يتوحد بها كان له شريك وشبيه كما أن العبد لما لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها كان عبدا كان له شبيه ، ولم يكن العبد واحدا وإن كان كل واحد منا عبدا واحدا ، وإذا كان كذلك فمن عرفه متوحدا بصفاته وأقر بما عرفه واعتقد ذلك كان موحدا وبتوحيد ربه عارفا.
       والأوصاف التي توحد الله عزوجل بها وتوحد بربوبيته لتفرده بها هي الأوصاف التي يقتضي كل واحد منها أن لا يكون الموصوف به إلا واحدا لا يشاركه فيه غيره ولا يوصف به إلا هو ، وتلك الأوصاف هي كوصفنا له بأنه موجود واحد لا يصح أن يكون حالا في شيء ، ولا يجوز أن يحله شيء ، ولا يجوز عليه العدم والفناء والزوال ، مستحق للوصف بذلك بأنه أول الأولين ، وآخر الآخرين ، قادر يفعل ما يشاء ولا يجوز عليه ضعف ولا عجز ، مستحق للوصف بذلك بأنه أقدر القادرين وأقهر القاهرين ، عالم لا يخفى عليه شيء ، ولا يعزب عنه شيء ، ولا يجوز عليه جهل ولا سهو ولا شك ولا نسيان ، مستحق للوصف بذلك بأنه أعلم العالمين ، حي لا يجوز عليه موت ولا نوم ، ولا ترجع إليه منفعة ولا تناله مضرة ، مستحق للوصف بذلك بأنه أبقى الباقين وأكمل الكاملين ، فاعل لا يشغله شيء عن شيء ولا يعجزه شيء ولا يفوته شيء ، مستحق للوصف بذلك بأنه إله الأولين والآخرين وأحسن الخالقين وأسرع الحاسبين ، غني لا يكون له قلة ، مستغن لا يكون له حاجة ، عدل لا يلحقه مذمة ولا يرجع إليه منقصة ، حكيم لا تقع منه سفاهة ، رحيم لا يكون له رقة فيكون في رحمته سعة ، حليم لا يلحقه موجدة ، ولا يقع منه عجلة ، مستحق للوصف بذلك بأنه أعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين ، وذلك لأن أول الأولين لا يكون إلا واحدا وكذلك أقدر القادرين وأعلم العالمين وأحكم الحاكمين وأحسن

    التوحيد _ 88 _

       الخالقين ، وكلما جاء على هذا الوزن ، فصح بذلك ما قلناه ، وبالله التوفيق ومنه العصمة والتسديد .

    4 ـ باب تفسير قل هو الله أحد إلى آخرها

      1 ـ حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ، ثم الإيلاقي رضي الله عنه ، قال : حدثني أبو سعيد عبدان بن الفضل ، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن يعقوب بن محمد بن يوسف بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمدينة خجندة ، قال : حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن شجاع الفرغاني ، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن حماد العنبري بمصر ، قال : حدثني إسماعيل بن عبد الجليل البرقي ، عن أبي البختري وهب بن وهب القرشي ، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي الباقر عليهم السلام في قول الله تبارك وتعالى : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) قال : ( قل ) أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد ، وهو اسم مكنى مشار إلى غائب ، فالهاء تنبيه على معنى ثابت ، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس ، كما أن قولك ( هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس (1) وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك (2) فقالوا : هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار ، فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه ، فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو الله أحد ، فالهاء تثبيت للثابت (3) والواو إشارة

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ج ) ( المشاهد ) بصيغة المفعول من باب المفاعلة ، وهو الأصح ، و كذا فيما يأتي على الاحتمال الأول فيه .
    (2) يحتمل أن يكون إشارة مضافا إلى الشاهد المدرك ويكون مفعول نبهوا محذوفا ويحتمل أن يقرأ بالتنوين ويكون الشاهد المدرك مفعول نبهوا فالمدرك على الاحتمال الأول بصيغة المفعول وعلى الثاني بصيغة الفاعل.
    (3) نظير هذا يوجد في أحاديثهم عليهم السلام كتفسير الحروف المقطعة في أوائل السور وهذا منهم لا أنه وضع لغوي .

    التوحيد _ 89 _

       إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وأنه تعالى عن ذلك ، بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواس.
      2 ـ حدثني أبي (1) ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال : رأيت الخضر عليه السلام في المنام قبل بدر بليلة ، فقلت له : علمني شيئا أنصر به على الأعداء ، فقال :
       قل : يا هو يا من لا هو إلا هو ، فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال لي : يا علي علمت الاسم الأعظم ، فكان على لساني يوم بدر .
       وإن أمير المؤمنين عليه السلام قرأ قل هو الله أحد فلما فرغ قال : يا هو ، يا من لا هو إلا هو ، اغفر لي و انصرني على القوم الكافرين ، وكان علي عليه السلام يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد ، فقال له عمار بن ياسر : يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات ؟ قال : اسم الله الأعظم وعماد التوحيد لله لا إله إلا هو (2) ثم قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو (3) وآخر الحشر ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال.
       قال : وقال أمير المؤمنين عليه السلام : الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق و يؤله إليه ، والله هو المستور عن درك الأبصار ، المحجوب عن الأوهام والخطرات .
       قال الباقر عليه السلام : الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته (4) ويقول العرب : أله الرجل إذا تحير في الشيء فلم يحط به علما ، ووله إذا فزع إلى شيء مما يحذره ويخافه فالإله هو المستور عن حواس الخلق (5).

    ---------------------------
    (1) من تتمة كلام الباقر عليه السلام.
    (2) عماديته باعتبار اشتماله على هو الذي هو إشارة إلى الثابت الموجود الذي لا يستطيع أحد أن ينكره ولا أن يثبت له ثانيا .
    (3) آل عمران : 18.
    (4) أي تحير الخلق بتضمين معنى عجز وإلا فهو يتعدى بفي لا بعن .
    (5) تفريع على المعنى الأول ، وذكر العلامة المجلسي رحمه الله تعالى في البحار باب التوحيد ونفي الشريك في ذيل هذا الخبر اشتقاق لفظ الجلالة أو عدمه ومن أي شيء اشتق واختلاف الأقوال فيه وأنه عربي أم لا ، وللصدوق رحمه الله تعالى كلام في اشتقاقه ذيل الحديث التاسع من الباب التاسع والعشرين ، وفي هذا الباب في الحديث الثالث عشر صرح الإمام عليه السلام باشتقاقه .

    التوحيد _ 90 _

       قال الباقر عليه السلام : الأحد الفرد المتفرد ، والأحد والواحد بمعنى واحد ، وهو المتفرد الذي لا نظير له ، والتوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد ، والواحد المتبائن الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء ، ومن ثم قالوا : إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله : الله أحد : المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته ، متعال عن صفات خلقه .
      3 ـ قال الباقر عليه السلام : حدثني أبي زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام أنه قال : الصمد الذي لا جوف له (1) والصمد الذي قد انتهى سؤدده ، والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب ، والصمد الذي لا ينام ، والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال .
       قال الباقر عليه السلام : كان محمد بن الحنفية رضي الله عنه يقول : الصمد القائم بنفسه ، الغني عن غيره ، وقال غيره : الصمد المتعالي عن الكون والفساد ، والصمد الذي لا يوصف بالتغاير .
       قال الباقر عليه السلام : الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه .
       قال : وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام ، عن الصمد ، فقال : الصمد الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء .
      4 ـ قال وهب بن وهب القرشي : قال زيد بن علي زين العابدين عليه السلام : الصمد هو الذي إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا ، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند .
      5 ـ قال وهب بن وهب القرشي : وحدثني الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه الباقر عن أبيه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما السلام ، يسألونه عن الصمد

    ---------------------------
    (1) هذا المعنى يرجع فيه تعالى إلى أنه كامل ليس فيه جهة إمكان ونقصان.

    التوحيد _ 91 _

       فكتب إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار ، وإن الله سبحانه قد فسر الصمد فقال : ( اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ) ثم فسره فقال : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ).
       ( لَمْ يَلِدْ ) لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا يتشعب منه البدوات كالسنة والنوم و الخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع ، تعالى أن يخرج منه شيء ، وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف .
       ( وَلَمْ يُولَدْ ) لم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع و الثمار من الأشجار ، ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الأذن والشم من الأنف والذوق من الفم (1) والكلام من اللسان والمعرفة والتميز من القلب (2) وكالنار من الحجر ، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ، مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه (3) فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، ولم يكن له كفوا أحد.

    ---------------------------
    (1) هذه الثلاثة من قبيل خروج القوة وظهورها في محلها لا خروجها إلى خارج المحل كخروج قوة البصر إلى خارج العين على القول بالشعاع ، ويمكن أن تكون كذلك ولما يدركها الإنسان.
    (2) كخروج النور من النير.
    (3) علق عليه السلام تلاشى الفاني بالمشيئة وبقاء الباقي بالعلم لمناسبة المشيئة المحدثة لما يفنى والعلم القديم لما يبقى لأنها في مذهب أهل البيت عليهم السلام محدثة ، وإلا فلا شيء خارج عن تعلق العلم والمشيئة.

    التوحيد _ 92 _

      6 ـ قال وهب بن وهب القرشي : سمعت الصادق عليه السلام يقول : قدم وفد من أهل فلسطين على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم ، ثم سألوه عن الصمد ، فقال : تفسيره فيه ، الصمد خمسة أحرف : فالألف دليل على إنيته وهو قوله عزوجل : ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ) (1) وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس ، واللام دليل على إلهيته بأنه هو الله ، والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان (2) ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ولا تقع في لسان واصف ، ولا أذن سامع ، لأن تفسير الإله هو الذي إله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم ، لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس ، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة ، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمسة ، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف ، فمتى تفكر العبد في ماهية البارئ وكيفيته أله فيه وتحير ولم تحط فكرته بشيء يتصور له لأنه عزوجل خالق الصور ، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عزوجل خالقهم و مركب أرواحهم في أجسادهم.
       وأما الصاد فدليل على أنه عزوجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق وأما الميم فدليل على ملكه وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه .
       وأما الدال فدليل على دوام ملكه وأنه عزوجل دائم تعالى عن الكون والزوال بل هو عزوجل يكون الكائنات ، الذي كان بتكوينه كل كائن ، ثم قال عليه السلام : لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزوجل حملة لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان و الدين والشرائع من الصمد ، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر : ( سلوني قبل أن تفقدوني

    ---------------------------
    (1) آل عمران : 18.
    (2) في حال الوصل ، وهذا معنى الادغام اللغوي.

    التوحيد _ 93 _

       فإن بين الجوانح مني علما جما ، هاه هاه إلا لا أجد من يحمله ، ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ).
       ثم قال الباقر عليه السلام : الحمد لله الذي من علينا ووفقنا لعبادته ، الأحد الصمد (1) الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، وجنبنا عبادة الأوثان ، حمدا سرمدا وشكرا واصبا ، وقوله عزوجل : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) يقول : لم يلد عزوجل فيكون له ولد يرثه (2) ولم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته وملكه ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) فيعاونه في سلطانه (3).
      7 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد ابن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الربيع بن مسلم ، قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام وسئل عن الصمد فقال : الصمد الذي لا جوف له .
      8 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن علي بن إسماعيل ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : انسب لنا ربك ، فلبث ثلاثا لا يجيبهم ، ثم نزلت هذه السورة إلى آخرها ، فقلت له : ما الصمد ؟ فقال : الذي ليس بمجوف .
      9 ـ أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن أبي السري (4) ، عن جابر بن يزيد ،

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( ط ) و ( ن ) ( ووفقنا لعبادة الأحد الصمد ) ـ الخ ).
    (2) في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) و ( و ) ( يرثه في ملكه ).
    (3) في نسخة ( ج ) ( فيعارضه في سلطانه ) وفي البحار ( فيعازه في سلطانه ).
    (4) في نسخة ( و ) و ( د ) و ( ب ) ( الحسين بن أبي السري ) وكلاهما تصحيف والصحيح الحسن بن السري كما في الكافي باب تأويل الصمد وفي البحار في الحديث السادس عشر من الباب السادس في الجزء الثالث من الطبعة الحديثة ، وفي جامع الرواة.

    التوحيد _ 94 _

       قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن شيء من التوحيد ، فقال : أن الله ـ تباركت أسماؤه التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه ـ واحد ، توحد بالتوحيد في علو توحيده ، ثم أجراه على خلقه (1) فهو واحد ، صمد ، قدوس ، يعبده كل شيء ويصمد إليه كل شيء ، ووسع كل شيء علما.
      10 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ولقبه شباب الصيرفي ، عن داود بن القاسم الجعفري ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك ما الصمد ؟ قال : السيد المصمود إليه في القليل والكثير.
      11 ـ حدثنا أبو نصر أحمد بن الحسين المرواني ، قال : حدثنا أبو أحمد محمد ابن سليمان بفارس ، قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الرواسي (2) قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن يزيد الرشك (3) عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن حصين ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية واستعمل عليها عليا عليه السلام ، فلما رجعوا سألهم فقالوا : كل خير غير أنه قرأ بنا في كل صلاة بقل هو الله أحد ، فقال : يا علي لم فعلت هذا ؟ فقال : لحبي لقل هو الله أحد ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أحببتها حتى أحبك الله عزوجل .
      12 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن أحمد بن ـ

    ---------------------------
    (1) إجراء التوحيد على الخلق هو فطرهم بفطرة التوحيد كما ذكر في الكتاب و فسر به في الآثار ، وإليه يصمد كل شيء بالفطرة وإن غشيتها في البعض كدورات العلائق المادية فغفلوا عنها.
    (2) في نسخة ( ب ) و ( د ) ( محمد بن عبد الله الرقاشي ).
    (3) هو يزيد بن أبي يزيد الضبعي أبو الأزهر البصري ، يعرف بالرشك ـ بكسر الراء المهملة وسكون الشين المعجمة ـ قال ابن حجر : ثقة عابد وقال الذهبي وثقه أبو حاتم وأبو زرعه ، روى عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وروى عنه جعفر بن سليمان الضبعي الإمامي.

    التوحيد _ 95 _

       هلال ، عيسى بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر الله له عزوجل ذنوب خمسين سنة .
      13 ـ حدثنا أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على سعد بن معاذ ، فقال : لقد وافى من الملائكة للصلاة عليه سبعون ألف ملك وفيهم جبرئيل يصلون عليه ، فقلت : يا جبرئيل بم استحق صلاتكم عليه ؟ قال : بقراءة قل هو الله أحد قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا .
      14 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن سيف بن عميرة ، عن محمد بن عبيد ، قال : دخلت علي الرضا عليه السلام ، فقال لي : قل للعباسي : يكف عن الكلام في التوحيد وغيره ، ويكلم الناس بما يعرفون ، ويكف عما ينكرون ، وإذا سألوك عن التوحيد فقل كما قال الله عزوجل : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ * ) وإذا سألوك عن الكيفية فقل كما قال الله عزوجل ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) وإذا سألوك عن السمع فقل كما قال الله عزوجل : ( هو السميع العليم ) فكلم الناس بما يعرفون .
      15 ـ حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي ـ عبد الله عليه السلام ، قال : من قرأ قل هو الله أحد مرة واحدة فكأنما قرأ ثلث القرآن و ثلث التوراة وثلث الإنجيل وثلث الزبور.

    التوحيد _ 96 _

    5 ـ باب معنى التوحيد والعدل

      1 ـ حدثنا أبو الحسن محمد بن سعيد بن عزيز السمرقندي ـ الفقيه بأرض بلخ (1) قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن محمد الزاهد السمرقندي بإسناده رفعه إلى الصادق عليه السلام ، أنه سأله رجل فقال له : إن أساس الدين التوحيد والعدل ، و علمه كثير ، ولا بد لعاقل منه ، فاذكر ما يسهل الوقوف عليه ويتهيأ حفظه ، فقال عليه السلام : أما التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز عليك ، وأما العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لا ملك عليه .
      2 ـ حدثنا محمد بن أحمد الشيباني المكتب رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا سهل بن زياد الآدمي ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن الإمام علي بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه الرضا علي بن موسى عليهم السلام ، قال : خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق عليه السلام ، فاستقبله موسى ابن جعفر عليهما السلام فقال له : يا غلام ممن المعصية ؟ قال : لا تخلو من ثلاث : إما أن تكون من الله عزوجل ، وليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه وإما أن تكون من الله عزوجل ومن العبد ، وليس كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف ، وإما أن تكون من العبد وهي منه ، فإن عاقبه الله فبذنبه وإن عفا عنه فبكرمه وجوده .
      3 ـ حدثنا أبو الحسين علي بن أحمد بن حرابخت الجير فتي النسابة (2) قال : حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الصائغ ، قال :

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ب ) وحاشية نسخة ( د ) ( محمد بن سعيد بن عزيز ) بالراء المهملة في آخره.
    (2) في نسخة ( د ) ( خدابخت ) وأظن أنه الصحيح ، والكلمة عجمية مركبة من خدا بمعنى مالك وبخت بمعنى الحظ ، وحرابخت معنى خوشبخت ، وجيرفت قرية قرب كرمان ، وفي بعض الأسماء المذكورة في السند اختلاف في النسخ لم نذكره لقلة الجدوى.

    التوحيد _ 97 _

       حدثنا خالد العرني ، قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا أبو سفيان مولى مزينة عمن حدث عن سلمان الفارسي رحمه الله ، أنه أتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله إني لا أقوى على الصلاة بالليل ، فقال : لا تعص الله بالنهار ، وجاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين إني قد حرمت الصلاة بالليل ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أنت رجل قد قيدتك ذنوبك .

    6 ـ باب إنه عزوجل ليس بجسم ولا صورة

      1 ـ حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله ، قال : أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن محمد بن حكيم ، قال : وصفت لأبي الحسن عليه السلام قول هشام الجواليقي وما يقول في الشاب الموفق (1) و وصفت له قول هشام بن الحكم ، فقال : إن الله عزوجل لا يشبهه شيء .
      2 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا علي بن محمد ، رفعه ، عن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم ، و هشام بن سالم في الصورة ، فكتب عليه السلام : دع عنك حيرة الحيران ، واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان (2).
      3 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن سهل بن زياد ، عن حمزة بن محمد ، قال : كتبت إلى أبي ـ الحسن عليه السلام : أسأله عن الجسم والصورة ، فكتب عليه السلام : سبحان من ليس كمثله

    ---------------------------
    (1) الموفق على بناء الفاعل من باب الأفعال : الذي حسنت خلقته وجملت صورته لتوافق أعضائه وتناسب هندسة أشكاله.
    (2) لا ريب في جلالة قدر الهشامين عند الأصحاب ، وفي كتب الرجال والأخبار توجيهات لما يزريهما .
       راجع هامش شرح أصول الكافي للمولى صالح المازندراني ج 3 ص 288.

    التوحيد _ 98 _

       شئ لا جسم ولا صورة .
      4 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم : أن الله عزوجل جسم ، صمدي ، نوري ، معرفته ضرورة ، يمن بها على من يشاء من خلقه (1) فقال عليه السلام : سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، لا يحد ، ولا يحس ، ولا يجس ولا يمس ، ولا تدركه الحواس ، لا يحيط به شيء ، لا جسم ، ولا صورة ، ولا تخطيط ، ولا تحديد .
      5 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيغ ، عن محمد ابن زيد ، قال : جئت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد ، فأملي علي : الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته ، لا من شيء فيبطل الاختراع ، ولا لعلة فلا يصح الابتداع (2) خلق ما شاء كيف شاء ، متوحدا بذلك لا ظهار حكمته وحقيقة ربوبيته ، لا تضبطه العقول ، ولا تبلغه الأوهام ، ولا تدركه الأبصار ، ولا يحيط به مقدار ، عجزت دونه العبارة ، وكلت دونه الأبصار ، وضل فيه تصاريف ـ الصفات ، احتجب بغير حجاب محجوب .
       واستتر بغير ستر مستور ، عرف بغير رؤية ووصف بغير صورة ، ونعت بغير جسم ، لا إله إلا الله الكبير المتعال.

    ---------------------------
    (1) أي ليست معرفته من صنع العباد بل ضرورية بالفطرة كما يأتي الأخبار بذلك في الباب الثالث والستين.
    (2) العلة المنفية ليست الفاعلية لأنه تعالى فاعل الأشياء ، ولا المادة إذ نفاها قبل هذا ، ولا الصورة إذ هي في الحقيقة نفس الشيء المعلول.
       ولا الغاية إذ لا يناسب التفريع، بل المراد بها مثال سابق خلق الأشياء على ذلك المثال كما وقع كثيرا في كلامه وكلام آبائه عليهم السلام في هذا الكتاب وغيره ، ويستفاد ذلك من التفريع لأن الابتداع هو إنشاء الشيء من دون أن يكون له مثال سبقه .

    التوحيد _ 99 _

      6 ـ حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رضي الله عنه ، عن أبيه ، عن جده أحمد بن أبي عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن محمد بن حكيم ، قال : وصفت لأبي إبراهيم عليه السلام قول هشام الجواليقي ، وحكيت له قول هشام بن الحكم : إنه جسم ، فقال : إن الله لا يشبهه شيء ، أي فحش أو خناء أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد أو أعضاء ؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
      7 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن الحسين بن الحسن ، والحسين بن علي ، عن صالح بن أبي حماد (1) عن بكر بن صالح ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن محمد بن زياد ، قال : سمعت يونس بن ظبيان يقول : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له : إن هشام بن الحكم يقول قولا عظيما إلا أني أختصر لك منه أحرفا ، يزعم : أن الله جسم لأن الأشياء شيئان : جسم و فعل الجسم ، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ، ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : ويله ، أما علم أن الجسم محدود متناه ، والصورة محدودة متناهية ، فإذا احتمل الحد احتمل الزيادة والنقصان ، وإذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقا ، قال : قلت : فما أقول ؟ قال : لا جسم ولا صورة ، وهو مجسم الأجسام ، ومصور الصور ، لم يتجزء ، ولم يتناه .
       ولم يتزايد ، ولم يتناقص ، لو كان كما يقول لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق ، ولا بين المنشئ والمنشأ ، لكن هو المنشئ ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه إذ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئا (2).

    ---------------------------
    (1) هذا الحديث بعين السند والمتن مذكور في الكافي باب النهي عن الجسم والصورة وليس هناك في السند : ( والحسين بن علي ، عن صالح بن أبي حماد ).
    (2) فرق على صيغة المصدر ، ومعادل كلمة بين محذوف أي وبينه ، ومر نظير هذا في الحديث السابع عشر من الباب الثاني بذكر المعادل ، وكون فرق بصيغة الفعل الماضي حتى لا يحتاج إلى المعادل بعيد المناسبة لما قبله ، وقوله : ( إذ كان ـ الخ ) بيان وتعميم للفرق أي من جميع الجهات.

    التوحيد _ 100 _

      8 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني (1) ، قال : قلت لأبي الحسن موسى ابن جعفر عليهما السلام : إن هشام بن الحكم زعم : أن الله جسم ليس كمثله شيء ، عالم سميع ، بصير ، قادر متكلم ، ناطق ، والكلام والقدرة والعلم تجري مجرى واحدا ليس شيء منها مخلوقا ، فقال : قاتله الله ، أما علم أن الجسم محدود ، والكلام غير المتكلم (2) معاذ الله وأبرء إلى الله من هذا القول ، لا جسم ولا صورة ولا تحديد ، وكل شيء سواه مخلوق وإنما تكون الأشياء بإرادته ومشيته من غير كلام ولا تردد في نفس ، ولا نطق بلسان .
      9 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، قال كتبت إلى الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام : أن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول جسم ، ومنهم من يقول صورة ، فكتب عليه السلام بخطه : سبحان من لا يحد ، ولا يوصف ، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ـ أو قال : البصير ـ.
      10 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عيسى ، عن هشام بن إبراهيم ،

    ---------------------------
    (1) المظنون أن الحسن بن الحسين بن عبد الله مكان هذا الرجل كما في نسخة ( ط ) و ( ن ) اشتباه من النساخ لشهادة سائر النسخ والحديث السابع باب النهي عن الجسم والصورة من الكافي والحديث التاسع عشر باب نفي الجسم والصورة من البحار.
    (2) تعرض عليه السلام لإبطال شيئين في كلام هشام ليسا بالحق : كونه تعالى جسما وكلامه تعالى كالعلم والقدرة من صفات الذات ، وسكت عن الباقي لكونه حقا .

    التوحيد _ 101 _

       قال : قال العباسي قلت له ـ يعني أبا الحسن عليه السلام ـ : جعلت فداك أمرني بعض مواليك أن أسألك عن مسألة قال : ومن هو ؟ قلت : الحسن بن سهل (1) قال : في أي شيء المسألة ؟
       قال : قلت في التوحيد ، قال : وأي شيء من التوحيد ؟ قال : يسألك عن الله جسم أو لا جسم ؟ قال : فقال لي : إن للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب مذهب إثبات بتشبيه ، و مذهب النفي ، ومذهب إثبات بلا تشبيه. فمذهب الاثبات بتشبيه لا يجوز ، ومذهب النفي لا يجوز ، والطريق في المذهب الثالث إثبات بلا تشبيه .
      11 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ، عن عمران بن موسى ، عن الحسن بن العباس ابن حريش الرازي ، عن بعض أصحابنا ، عن الطيب يعني علي بن محمد ، وعن أبي جعفر الجواد عليهما السلام أنهما قالا : من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة ولا تصلوا وراءه.
      12 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال ، حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن علي القاساني ، قال : كتبت إليه عليه السلام : أن من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد ، قال : فكتب عليه السلام : سبحان من لا يحد ، ولا يوصف ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير.
      13 ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الآدمي ، عن بشر بن بشار النيسابوري ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام بأن من قبلنا قد اختلفوا في التوحيد ، منهم من يقول هو جسم ، ومنهم من يقول صورة ، فكتب عليه السلام : سبحان من لا يحد ، ولا يوصف ، ولا يشبهه شيء ، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
      14 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، عن أبيه ، عن سهل بن زياد ، قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين : قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد منهم من يقول هو جسم ، ومنهم من يقول هو صورة ، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولا على

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ب ) و ( د ) ( الحسين بن سهل ).

    التوحيد _ 102 _

       عبدك ، فوقع عليه السلام بخطه : سألت عن التوحيد ، وهذا عنكم معزول (1) ، الله تعالى واحد ، أحد ، صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، خالق وليس بمخلوق ، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك ، ويصور ما يشاء ، وليس بمصور ، جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ، وتعالى عن أن يكون له شبيه ، هو لا غيره (2) ليس كمثله شيء ، وهو السمع البصير.
      15 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا العباس بن معروف ، قال : حدثنا ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان ، عن عبد الرحيم القصير ، قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل ، فيها : أخبرني عن الله عزوجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط ؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد فكتب عليه السلام بيدي عبد الملك بن أعين : سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك ، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله ، واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزوجل ، فانف عن الله البطلان والتشبيه ، فلا نفي ولا تشبيه ، هو الله الثابت الموجود ، تعالى الله عما يصفه الواصفون ، ولا تعد القرآن فتضل بعد البيان.
      16 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، عن أبيه ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابنا ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الجسم و الصورة ، فكتب : سبحان من ليس كمثله شيء ولا جسم ولا صورة .
      17 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه ، عن أبيه ، عن سهل

    ---------------------------
    (1) أي البحث عن ذاته تعالى وأنها ما هي لأنه خارج عن طوق المخلوق فيقع في الباطل كما وقع كثير ، بل صفوه بصفاته ودلوا عليه بآياته .
    (2) إما عطف على هو أي هو ليس كمثله شيء لا غيره لأن غيره من المخلوق له الأمثال ، أو خبر له أي هو لا يكون غيره بل مبائن له بالذات والصفات .

    التوحيد _ 103 _

       ابن زياد الآدمي ، عن حمزة بن محمد ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الجسم والصورة ، فكتب : سبحان من ليس كمثله شيء .
      18 ـ حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رحمه الله ، عن أبيه ، عن جده أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن عبد الله بن بحر ، عن أبي ـ أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروون أن الله عزوجل خلق آدم على صورته (1) فقال : هي صورة محدثة مخلوقة ، اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة ، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه .
       فقال : ( بَيْتِيَ ) (2) وقال : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (3).
      19 ـ حدثني محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن يعقوب السراج ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل صورة الإنسان ، وقال آخر : إنه في صورة أمرد جعد قطط ، فخر أبو عبد الله ساجدا ، ثم رفع رأسه ، فقال : سبحان الله الذي ليس كمثله شيء ، ولا تدركه

    ---------------------------
    (1) في هذا الكلام وجوه محتملة : فإن الضمير أما يرجع إلى الله تعالى فالمعنى ما ذكره الإمام عليه السلام هنا على أن يكون الإضافة تشريفية كما في نظائرها أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صفته في مرتبة الامكان وجعله قابلا للتخلق بأخلاقه ومكرما بالخلافة الإلهية ، وأما يرجع إلى آدم عليه السلام فالمعنى أنه تعالى خلق جوهر ذات آدم على صورته من دون دخل الملك المصور للأجنة في الأرحام كما لا دخل لغيره في تجهير ذاته وذات غيره أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته هذه من ابتداء أمره ولم يكن لجوهر جسمه انتقال من صورة إلى صورة كالصورة المنوية إلى العلقة إلى غيرهما ، أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته التي قبض عليها ولم يتغير وجهه وجسمه من بدئه إلى آخر عمره ، وأما يرجع إلى رجل يسبه رجل آخر كما فسر به في الحديث العاشر والحادي عشر من الباب الثاني عشر فراجع.
    (2) البقرة : 125.
    (3) الحجر : 29.

    التوحيد _ 104 _

       الأبصار ، ولا يحيط به علم ، لم يلد لأن الولد يشبه أباه ، ولم يولد فيشبه من كان قبله ، ولم يكن له من خلقه كفوا أحد ، تعالى عن صفة من سواه علوا كبيرا .
      20 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن الصقر بن ( أبي ) دلف ، قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام عن التوحيد ، وقلت له : إني أقول بقول هشام ابن الحكم ، فغضب عليه السلام ثم قال : ما لكم ولقول هشام ، إنه ليس منا من زعم أن الله عزوجل جسم (1) ونحن منه براء في الدنيا والآخرة ، يا ابن ( أبي ) دلف إن الجسم محدث ، والله محدثه ومجسمه .
       وأنا أذكر الدليل على حدوث الأجسام في باب الدليل على حدوث العالم من هذا الكتاب إن شاء الله.

    7 ـ باب أنه تبارك وتعالى شيء

      1 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله الأشعري ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن عيسى ، عمن ذكره ، قال : سئل أبو جعفر عليه السلام أيجوز أن يقال : إن الله عزوجل شيء ؟ قال : نعم ، يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه (2).
      2 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن العباس بن عمرو عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال للزنديق حين سأله ما هو ؟
       قال : هو شيء بخلاف الأشياء ، ارجع بقولي : ( شيء ) إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية ، غير أنه لا جسم ولا صورة (3).

    ---------------------------
    (1) قوله : ( من زعم ـ الخ ) اسم ليس و ( منا ) خبره قدم على اسمه.
    (2) أما خروجه عن حد التعطيل أي الإبطال والنفي فواضح ، وأما عن حد التشبيه فبانضمام قوله تعالى ، ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ).
    (3) في المجمع عن القاموس : الزنديق معرب زندين أي دين المرأة ، أقول : و يكون بمعنى من كان على دين المرأة كما يقال : زن صفت أي من كان على صفة المرأة ، والمعنى الثاني هو المناسب هنا ، ويحتمل أن يكون معرب ، زند دين وزند كتاب للمجوس زعموا أنه الذي جاء به زرادشت الذي ادعوا أنه نبي وعلى هذا فالزنديق هو الذي يكون على دين المجوس ، وقال في مجمع البحرين : وفي الحديث : الزنادقة هم الدهرية الذي يقولون : لا رب ولا جنة ولا نار وما يهلكنا إلا الدهر ـ انتهى ، وأتى به هنا معرفا لسبق ذكره في الحديث الذي ذكره الصدوق رحمه الله بتمامه في الباب السادس والثلاثين ، وقوله : ( وأنه شيء ـ الخ ) إما بكسر الهمزة مستأنفا أو عطفا على أول الكلام ، وإما بفتحها عطفا على معنى أي إثبات معنى وإثبات أنه شيء ـ الخ ، وفي البحار باب النهي عن التفكر في ذات الله عن الاحتجاج : ( ارجع بقولي شيء إلى أنه شيء ـ الخ ) وفي البحار أيضا باب إثبات الصانع : ( ارجع بقولي شيء إلى إثباته وأنه شيء ـ الخ ) وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ارجع بقولي شيء إلى إثبات معنى أنه شيء ـ الخ ) وفي الكافي باب حدوث العالم وباب إطلاق القول بأنه شيء : ( ارجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شيء ـ الخ ).

    التوحيد _ 105 _

      3 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن زرارة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه (1) وكل ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله عزوجل فهو مخلوق ، والله خالق كل شيء ، تبارك الذي ليس كمثله شيء .
      4 ـ حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله ، قال : أخبرنا علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن عطية ، عن خيثمة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه ، وكل ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله عزوجل فهو مخلوق والله تعالى خالق كل شيء .
      5 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله قال : حدثنا علي بن إبراهيم

    ---------------------------
    (1) إشارة أما إلى المباينة بالذات والآنية بينه وبين خلقه وأما إلى عدم الحلول.

    التوحيد _ 106 _

       ابن هاشم عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي المغرا (1) ، رفعه عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : إن الله تبارك وتعالى خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه وكل ما وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا الله عزوجل.
      6 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن التوحيد ، فقلت : أتوهم شيئا (2) فقال : نعم غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ، ولا تدركه الأوهام كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصور في الأوهام ، إنما يتوهم شيء غير معقول ولا محدود (3).

    ---------------------------
    (1) أبو المغرا بالغين المعجمة والراء المهملة مقصورا وقد يمد. وهو حميد بن المثنى العجلي الكوفي ، ثقة .
    (2) الهمزة للاستفهام والفعل مجهول من باب التفعل يرجع ضميره إلى الله و ( شيئا ) منصوب على التميز ، أو الكلام إخبار والفعل بصيغة المتكلم و ( شيئا ) مفعوله .
    (3) كلمة ( إن ) من الحروف الستة و ( ما ) موصولة مبتدء صلته ( يتوهم ) على بناء المجهول وخبره ( شيء ) أي إن الذي يتوهم شيء غير محدود وغير معقول ، وأما كون ( شيء ) نائب الفاعل ليتوهم و ( إنما ) للحصر فمحتمل على أشكال وإن كان كتبه في النسخ متصلا ، ولب المراد في هذا الباب أن ذاته تعالى حقيقة محض الحقيقة والوجود فلا يكون هالكا منفيا ولا مخلوقا ولا شبيها به ولا جسما ولا صورة ولا حالا في شيء ولا حالا فيه شيء ولا محدودا ولا مدركا بالحواس والأوهام والعقول ، بل الذي يقع في أوهامنا وأذهاننا منه تعالى هو عنوان الشيء والموجود بما هو هو من دون تقيد بهذه الخصوصيات وغيرها التي تخرج الشيء عن الصرافة ، وهكذا جميع صفاته الذاتية ، ثم إنا لو لم نتصوره أيضا بعنوان الشيء والموجود والعالم والقادر و غيرها مجردا عن الخصوصيات الامكانية مع عدم إمكان تصور ذاته وصفاته الذاتية بحقيقتها لكان التوحيد والمعرفة عنا مرتفعا كما قال الإمام عليه السلام في الحديث الأول من الباب السادس والثلاثين.

    التوحيد _ 107 _

      7 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن الحسين بن الحسن عن بكر بن صالح ، عن الحسين بن سعيد ، قال : سئل أبو جعفر الثاني عليه السلام يجوز أن يقال لله : إنه شيء ؟ فقال : نعم ، يخرجه من الحدين حد التعطيل وحد التشبيه.
      8 ـ حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن بطة ، قال : حدثني عدة من أصحابنا ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : ما تقول إذا قيل لك : أخبرني عن الله عزوجل شيء هو أم لا ؟ قال فقلت له : قد أثبت الله عزوجل نفسه شيئا حيث يقول : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) (1) فأقول : إنه شيء لا كالأشياء ، إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه ، قال لي : صدقت وأصبت ، ثم قال لي الرضا عليه السلام : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي ، وتشبيه ، وإثبات بغير تشبيه ، فمذهب النفي لا يجوز ، ومذهب التشبيه لا يجوز لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء ، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه .

    8 ـ باب ما جاء في الرؤية

      1 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهم السلام قال : مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : غض بصرك فإنك لن تراه .
       وقال : ومر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اقصر من يديك فإنك لن تناله (2).

    ---------------------------
    (1) الأنعام : 19.
    (2) إنه صلى الله عليه وآله علم أنهما يتوقعان رؤيته تعالى هناك فزجرهما وإلا فرفع اليد والبصر وتقلب الوجه إلى السماء مما أمر به كما ذكر في الحديث الأول من الباب السادس والثلاثين .

    التوحيد _ 108 _

      2 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن علي بن أبي القاسم ، عن يعقوب بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟! فوقع عليه السلام يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى .
       قال : وسألته هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه ؟ فوقع عليه السلام إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب.
      3 ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله ، عن أبيه ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، قال : ذا كرت أبا عبد الله عليه السلام فيما يروون من الرؤية ، فقال : الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر ، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب (1).
      4 ـ أبي رحمه الله قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، قال : حدثنا ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطأه جبرئيل قط ، فكشف لي فأراني الله عزوجل من نور عظمته ما أحب.
      5 ـ أبي رحمه الله قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبيه ، قال : حضرت أبا جعفر عليه السلام فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له : يا أبا جعفر أي شيء تعبد ؟ قال : الله ، قال : رأيته ؟ قال : لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان لا يعرف بالقياس ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يشبه بالناس ، موصوف بالآيات ، معروف بالعلامات ، لا يجور في حكمه ، ذلك الله لا إله إلا هو .
       قال : فخرج الرجل وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته .

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( د ) و ( ج ) وحاشية نسخة ( ب ) ( ليس دونها حجاب ).

    التوحيد _ 109 _

      6 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الموصلي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : جاء حبر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته ؟ فقال : ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره ، قال : وكيف رأيته ؟ قال : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.
      7 ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله ، عن أبيه ، عن أحمد بن إسحاق ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما فيه الناس فكتب عليه السلام لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين والمرئي هواء ينفذه البصر ، فإذا انقطع الهواء وعدم الضياء بين الرائي والمرئي لم تصح الرؤية وكان في ذلك الاشتباه(1) لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان في ذلك التشبيه ، لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات (2).
      8 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي ابن سيف ، عن محمد بن عبيدة ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الرؤية وما ترويه العامة والخاصة ، وسألته أن يشرح لي ذلك ، فكتب عليه السلام بخطه

    ---------------------------
    (1) ( عدم ) فعل ماضي على بناء المجهول ، وفي البحار ( عن الرائي والمرئي ) ، وفي نسخة ( ج ) و ( د ) و ( و ) ( فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي ـ الخ ).
    (2) حاصل كلامه عليه السلام قياس استثنائي لإثبات امتناع رؤيته تعالى وهو أنه تعالى لو كان مرئيا لكان بينه وبين الرائي هواء وضياء لأنهما من شرائط الرؤية فلا تصح بدونهما كسائر شرائطهما ، والتالي باطل لأن في ذلك له الاشتباه أي التشابه مع الرائي في كون كل منهما مرئيا لأنهما متساويان متشاركان في السبب الموجب للرؤية الذي هو كون كل منهما في جهة وحيز ، بينهما هواء وضياء ، وكان في ذلك تشبيهه تعالى بالرائي في الجسمية والاحتياج إلى الحيز سبحانه وتعالى عن ذلك ، ولا يمكن أن يقال : هو تعالى مرئي من دون هذا السبب لأن السبب لا بد من اتصاله بالمسبب إذ يمتنع وجود المسبب بدونه .

    التوحيد _ 110 _

       اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة ، فإذا جاز أن يرى الله عزوجل بالعين وقعت المعرفة ضرورة ، ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان ، فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها ضده فلا يكون في الدنيا أحد مؤمنا لأنهم لم يروا الله عز ذكره ، وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي هي من جهة الاكتساب أن تزول أو لا تزول في المعاد ، فهذا دليل على أن الله عز ذكره لا يرى بالعين ، إذ العين تؤدي إلى ما وصفنا (1).
      9 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن

    ---------------------------
    (1) إن كلامه عليه السلام رد على الذين يدعون جواز رؤيته تعالى في الآخرة فقط لا مطلقا ، فإن القائلين على فرقتين فيرد قول المجوزين مطلقا بطريق أولى ، وتوضيحه أن الرؤية تستلزم المعرفة ضرورة وقطعا ، والمعرفة التي حصلت من جهة الرؤية هي العلم بكونه تعالى في جهة وحيز ، متكمما بكميات ، متكيفا بكيفيات ، حاضرا في مكان ، غائبا عن آخر ، واقعا في شيء ، محمولا على شيء ، مركبا ، مبعضا ، محدودا ، فلو جاز أن يرى الله تعالى بالعين لكانت معرفتنا به هكذا ، ولكن التالي باطل فالمقدم مثله ، والملازمة ظاهرة ، وأما بيان بطلان التالي فإن المعرفة هكذا إما إيمان أو ليست بإيمان ، فإن كانت إيمانا فالمعرفة التي حصلت من جهة الاكتساب بالبرهان في الدنيا ليست بإيمان لأنها العلم بكونه تعالى على نقائض هذه الأوصاف فلزم أن يكون أحد في الدنيا ممن قبل الأنبياء عليهم السلام إيمانهم مؤمنا ، لأن معرفة الناس إنما هي بالاكتساب لا بالرؤية ، وهذا لا ينكره عاقل ، وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية في الآخرة إيمانا فأما أن تزول في الآخرة المعرفة الاكتسابية بالبرهان التي هي نقيضها فلزم عدم الإيمان بالله تعالى في الآخرة أصلا ، وهذا أمر باطل منكر بالعقل والنقل ، وأما أن لا تزول فلزم اجتماع النقيضين أي الإيمان واللا إيمان لأن المفروض أن المعرفة من جهة الرؤية لا إيمان والمعرفة الاكتسابية إيمان.

    التوحيد _ 111 _

       يحيى ، قال : سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي ، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله التوحيد ، فقال أبو قرة : إنا روينا أن الله عزوجل قسم الرؤية والكلام بين اثنين ، فقسم لموسى عليه السلام الكلام ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الرؤية ، فقال أبو الحسن عليه السلام فمن المبلغ عن عزوجل إلى الثقلين الجن والإنس ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) (1) ( ويُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) (2) ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (3) أليس محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قال : بلى ؟ قال : فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) ( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ثم يقول : أنا رأيته بعيني ، وأحطت به علما وهو على صورة البشر ، أما تستحيون ؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي عن الله بشيء ، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر! (4).
       قال أبو قرة : فإنه يقول : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ) (5) فقال أبو الحسن عليه السلام : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى ، حيث قال : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) يقول : ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما رأت عيناه ، ثم أخبر بما رأى فقال : لقد رأى من آيات ربه الكبرى ، فآيات الله عزوجل غير الله : وقد قال : ( وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم (6) ووقعت المعرفة ، فقال أبو قرة فتكذب بالروايات فقال أبو الحسن عليه السلام : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبت

    ---------------------------
    (1) الأنعام : 103.
    (2) طه : 110.
    (3) الشورى : 11.
    (4) قوله : ( ما قدرت الزنادقة ـ الخ ) استفهام تقرير ، أي ألم تقدر الزنادقة أن ترميه بهذا القبيح ، وقوله : ( أن يكون يأتي ـ الخ ) عطف بيان لهذا .
    (5) النجم : 13.
    (6) أي فقد أحاطت به الأبصار علما فإن التميز قد يأتي معرفة ، والنسخ متفقة في هذه العبارة حتى الكافي والبحار .

    التوحيد _ 112 _

       بها (1) وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علم (2) ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء .
      10 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَار ) قال : إحاطة الوهم ، ألا ترى إلى قوله : ( قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ ) (3) ليس بمعنى بصر العيون ( فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ) ليس يعني من البصر بعينه ( ومن عمي فعليها ) لم يعن عمي العيون ، إنما عنى إحاطة الوهم كما يقال : فلان بصير بالشعر ، وفلان بصير بالفقه ، وفلان بصير بالدراهم وفلان بصير بالثياب ، الله أعظم من أن يرى بالعين (4).
      11 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ، عن أبي هاشم الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الله عزوجل هل يوصف ؟ فقال : أما تقرء القرآن ؟!
       قلت : بلى ، قال : أما تقرء قوله عزوجل : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) قلت : بلي ، قال : فتعرفون الأبصار ؟ قلت : بلى ، قال : وما هي ؟ قلت : أبصار العيون

    ---------------------------
    (1) أي كذبت بها بالمعني الذي تزعمونه ، وإلا فأحاديث الرؤية واللقاء والنظر كالآيات كثيرة متواترة كما أشار إلى كثرتها المصنف في هذا الباب ، فتؤول إلى المعنى الصحيح اللائق بجناب قدسه تعالى .
    (2) هكذا في النسخ والظاهر أنه اشتباه من النساخ ، والصواب ( لا يحاط بعلم ).
       وفي البحار باب نفي الرؤية : ( أنه لا يحيط به علم ) كما مر في ص 104 وفي الكافي باب إبطال الرؤية ( ولا يحاط به علما ).
    (3) الأنعام : 104 والآية بعد آية ( لا تدركه الأبصار ).
    (4) أي الله أعظم من أن يرى بالعين بالبديهة فلا حاجة إلى نفي إدراك العيون عنه ، بل المنفي إدراك الأوهام التي تدرك المعاني.

    التوحيد _ 113 _

       فقال : إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون (1) فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام.
      12 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عمن ذكره ، عن محمد بن عيسى ، عن داود بن القاسم عن أبي هاشم الجعفري ، قال : قلت لأبي جعفر ابن الرضا عليهما السلام ( لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار ) ؟ فقال : يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك ، فأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون.
      13 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن الحسين ابن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن الحسين بن سعيد (2) عن إبراهيم بن محمد الخزاز ، ومحمد بن الحسين ، قالا : دخلنا على أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له ما روي أن محمدا صلى الله عليه وآله رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة رجلاه في خضرة (3) وقلت : إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون :

    ---------------------------
    (1) في نسخة ( ب ) و ( و ) و ( د ) ( أكبر من إبصار العيون ).
    (2) الحسن والحسين ابنا سعيد بن حماد الأهوازي كانا من أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام ، موثقان عند الأصحاب ، وكثيرا ما يذكر أحدهما مكان الآخر في إسناد الأحاديث ولا بأس به لما قال الشيخ رحمه الله في الفهرست : الحسن بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران الأهوازي من موالي علي بن الحسين عليهما السلام أخو الحسين بن سعيد ثقة ، روى جميع ما صنفه أخوه عن جميع شيوخه ، وزاد عليه بروايته عن زرعة عن سماعة فإنه يختص به الحسن ، والحسين إنما يرويه عن أخيه عن زرعة ، والباقي هما متساويان فيه وسنذكر كتب أخيه إذا ذكرناه ، والطريق إلى روايتهما واحد ـ انتهى.
    (3) قد مر تفسير الموفق في الحديث الأول من الباب السادس.

    التوحيد _ 114 _

       إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد ، فخر ساجدا ، ثم قال : سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك ، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك ، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك ، إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك ، ولا أشبهك بخلقك ، أنت أهل لكل خير فلا تجعلني من القوم الظالمين ) ثم التفت إلينا ، فقال : ما توهمتم من شيء فتوهموا الله غيره ، ثم قال : نحن آل محمد النمط الأوسط (1) الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي ، يا محمد إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين نظر إلى عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة يا محمد عظم ربي وجل أن يكون في صفة المخلوقين ، قال : قلت : جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة ؟ قال : ذاك محمد صلى الله عليه وآله كان إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب ، إن نور الله منه اخضر ما ـ اخضر ، ومنه احمر ما احمر ، ومنه ابيض ما ابيض ، ومنه غير ذلك (2) يا محمد

    ---------------------------
    (1) في أكثر النسخ النمط الوسطي بمعنى الطريقة صح تأنيثه باعتبارها ، ويأتي بمعان أخر.
    (2) النور تجلى الشيء وظهوره فكل موجود إذا تجلى لموجود كان هذا في نور الموجود المتجلى وعارفا به بقدر نورانية نفسه وذاك مستبينا له ، وكلما كان النورانية أشد كان التجلي أكثر ، فالعرفان أتم ، فالنبي صلى الله عليه وآله تجلى له كل شيء بكماله لأنه أشد نورا من كل شيء إلا الله تعالى فإنه تعالى تجلى له على قدره لا على قدره لأنه لا يتناهى فقال صلى الله عليه وآله : ( ما عرفناك حق معرفتك ) وقال : ( لا أثنى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) ووصف النور بهذه الألوان إشارة إلى مراتب أنوار الأشياء التي كلها من نور الله تعالى .
       والنور التام فوق التمام هو نور الله وأضعف الأنوار نور عالمنا الجسماني الذي يكاد أن يكون ظلمه ، والمتتبع الناظر في مواضع ذكر النور في الكتاب والسنة يظهر له أحكامه ، وفي الكافي باب النهي عن الصفة : ( إن نور الله منه أخضر ومنه أحمر ومنه أبيض ومنه غير ذلك ) وفي حديث العرش في الباب الخمسين من هذا الكتاب : ( فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة الخ ـ ).

    التوحيد _ 115 _

       ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به .
      14 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد وغيره ، عن محمد بن سليمان عن علي بن إبراهيم الجعفري ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال : إن الله عظيم ، رفيع ، لا يقدر العباد على صفته ، ولا يبلغون كنه عظمته ، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، ولا يوصف بكيف ولا أين ولا حيث (1) فكيف أصفه بكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا ، فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف ، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الأين حتى صار أينا ، فعرفت الأين بما أين لنا من الأين ، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثا ، فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث ، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان ، وخارج من كل شيء ، لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، لا إله إلا هو العلي العظيم ، وهو اللطيف الخبير.
      15 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن سنان ، عن إبراهيم والفضل ابني محمد الأشعريين عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنزل عليه الوحي ؟ فقال : ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد ، ذاك إذا تجلى الله له ، قال : ثم قال : تلك النبوة يا زرارة ، و اقبل متخشع (2).

    ---------------------------
    (1) المراد به الزمان على ما قيل : أنه يأتي له قليلا ، أو المراد به اختلاف الجهات والحيثيات في ذات الشيء الموجب للتكثر .
    (2) يحتمل أن يكون ( أقبل ) فعل ماض من الاقبال وضميره يرجع إلى الإمام عليه السلام أي وأقبل عليه السلام إلى الله تعالى حين التكلم بهذا الكلام بحالة التخشع والخضوع ، وفي نسخة ( د ) و ( ب ) و ( و ) ( يتخشع ) على صيغة المضارع.
       ويحتمل أن يكون فعل أمر من القبول خطابا لزرارة أي واقبل ما قلت بقلبك بتخشع وخضوع .
       إلا أنه لا يناسب نسخة ( يتخشع ) ، وفي نسخة ( ج ) وحاشية نسخة ( و ) ( وقال يتخشع ) أي وقال زرارة : يتخشع الإمام عليه السلام حين التكلم بهذا الكلام.

    التوحيد _ 116 _

       حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عزوجل يعني بقلبه (1) . وتصديق ذلك :
      17 ـ ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه عزوجل ؟ فقال : نعم بقلبه رآه ، أما سمعت الله عزوجل يقول : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) أي لم يره بالبصرة ، لكن رآه بالفؤاد .
      18 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد الإصفهاني عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث أو غيره ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ) (2) قال : رأى جبرئيل على ساقه الدر مثل القطر على البقل ، له ستمائة جناح قد ملأ ما بين السماء إلى الأرض.
      19 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن هارون الصوفي ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى الروياني ، قال : حدثنا عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قال علي بن موسى الرضا عليهما السلام في قول الله عزوجل : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (3) يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها.

    ---------------------------
    (1) كلام المؤلف رحمه الله.
    (2) النجم : 18.
    (3) القيامة : 23.

    التوحيد _ 117 _

      20 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قلت له : أخبرني عن الله عزوجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة ؟ قال : نعم ، وقد رأوه قبل يوم القيامة ، فقلت : متى ؟ قال : حين قال لهم : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) ثم سكت ساعة ، ثم قال : وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا ؟ قال أبو بصير : فقلت له : جعلت فداك فأحدث بهذا عنك ؟ فقال لا ، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر (1) وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين ، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون.
       21 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله ، قال : حدثنا علي ابن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : قلت لعلي بن موسى الرضا عليهما السلام ، : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة ؟ فقال عليه السلام : يا أبا الصلت إن الله تبارك وتعالى فضل نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم على جميع خلقه من النبيين والملائكة ، وجعل طاعته طاعته ومتابعته متابعته وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته فقال عزوجل : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) ، وقال : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار الله ) درجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة أرفع الدرجات ، فمن زاره إلى درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى .
       قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فما معنى الخبر الذي رووه أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله ؟ فقال عليه السلام : يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر ولكن وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم ، هم الذين بهم

    ---------------------------
    (1) ( كفر ) فعل ماض جواب إذا.

    التوحيد _ 118 _

       يتوجه إلى الله وإلى دينه ومعرفته ، وقال الله عزوجل : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) (1) وقال عزوجل : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) (2) فالنظر إلى أنبياء الله ورسله وحججه عليهم السلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة ) وقال عليه السلام : ( إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني ) يا أبا الصلت إن الله تبارك و تعالى لا يوصف بمكان ، ولا تدركه الأبصار والأوهام .
       فقال : قلت له : يا ابن رسول الله فأخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم مخلوقتان ؟ فقال : نعم ، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قد دخل الجنة ورأى النار لما عرج به إلى السماء ، قال : فقلت له : إن قوما يقولون : إنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقتين ، فقال عليه السلام : ما أولئك منا ولا نحن منهم ، من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي صلى الله عليه وآله وكذبنا ، ولا من ولايتنا على شيء ، ويخلد في نار جهنم ، قال الله عزوجل : ( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ) (3) وقال النبي صلى الله عليه وآله : ( لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي ، فلما أهبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة عليها السلام ، ففاطمة حوراء إنسية ، وكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام.
       22 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه محمد بن خالد ، عن أحمد ابن النضر ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبي الصالح ، عن عبد الله بن عباس في قوله عزوجل : ( فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) قال : يقول : سبحانك تبت إليك من أن أسألك الرؤية وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى .

    ---------------------------
    (1) الرحمن : 27.
    (2) القصص : 88.
    (3) الرحمن : 44.
    (4) الأعراف : 143.

    التوحيد _ 119 _

       قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : إن موسى عليه السلام علم أن الله عزوجل لا يجوز عليه الرؤية ، وإنما سأل الله عزوجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك ، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه ، فقال : رب أرني أنظر إليك ، قال : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه في حال تزلزله فسوف تراني ، ومعناه أنك لا تراني أبدا لأن الجبل لا يكون ساكنا متحركا في حال أبدا ، وهذا مثل قوله عزوجل : ( وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ) (1) ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبدا كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبدا ، فلما تجلى ربه للجبل أي ظهر للجبل بآية من آياته وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل جعله دكا وخر موسى صعقا من هول تزلزل ذلك الجبل على عظمه وكبره (2) فلما أفاق قال : سبحانك إني تبت إليك أي رجعت إلى معرفتي بك عادلا عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية ، ولم تكن هذه التوبة من ذنب لأن الأنبياء لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا ، ولم يكن الاستيذان قبل السؤال بواجب عليه ، لكنه كان أدبا يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله ، على أنه قد روي قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عزوجل وقوله : وأنا أول المؤمنين يقول : وأنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه بأنك لا ترى .
       والأخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنا رضي الله عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة ، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عزوجل وهو لا يعلم .
       والأخبار التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره والتي أوردها محمد بن

    ---------------------------
    (1) الأعراف : 40.
    (2) في نسخة ( و ) و ( ج ) ( تدكدكه وتدكدك ذلك الجبل ) مكان ( تزلزله وتزلزل ذلك الجبل ) في الموضعين.

    التوحيد _ 120 _

       أحمد بن يحيى في جامعه في معنى الرؤية صحيحة لا يردها إلا مكذب بالحق أو جاهل به وألفاظها ألفاظ القرآن ، ولكل خبر منها معنى ينفي التشبيه والتعطيل ويثبت التوحيد ، وقد أمرنا الأئمة صلوات الله عليهم أن لا نكلم الناس إلا على قدر عقولهم .
       ومعنى الرؤية الواردة في الأخبار العلم ، وذلك أن الدنيا دار شكوك و ارتياب وخطرات ، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه ما يزول به الشكوك ويعلم حقيقة قدرة الله عزوجل ، وتصديق ذلك في كتاب الله عزوجل ( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) (1) فمعنى ما روي في الحديث أنه عزوجل يرى أي يعلم علما يقينا ، كقوله عزوجل : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ) (2) وقوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ ) (3) وقوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْت ) (4) وقوله : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) (5) وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين ، وأما قول الله عزوجل : ( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ) فمعناه لما ظهر عزوجل للجبل بآية من آيات الآخرة التي يكون بها الجبال سرابا والتي ينسف بها الجبال نسفا تدكدك الجبل فصار ترابا لأنه لم يطق حمل تلك الآية ، وقد قيل : إنه بدا له من نور العرش.
       23 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الإصفهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث النخعي القاضي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، عن قول الله عزوجل : ( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ) قال : ساخ الجبل في البحر فهو يهوي حتى الساعة (6).

    ---------------------------
    (1) ق : 22.
    (2) الفرقان : 45.
    (3) البقرة : 258.
    (4) البقرة : 243.
    (5) الفيل : 1.
    (6) لا بعد في ذلك فإن الأرض كروية يهوى فيها دورا ، ولو كان هوية بالاستقامة لكان في غاية البطء ، ولا ظاهر من العبارة أنه يهوى في البحر خاصة دون أعماق الأرض بعد الوصول إلى قعر البحر ، وحكمه الهوى خافية علينا ، وحفص بن غياث عامي المذهب ، كان قاضيا من قبل هارون ، وهذا الحديث معترض بين ما ذكره وبين تصديق ما ذكره .

    التوحيد _ 121 _

       24 ـ وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه ، قال : حدثني أبي ، عن حمدان بن سليمان النيسابوري ، عن علي بن محمد بن الجهم ، قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون ؟ قال : بلى ، فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله إن قال له : فما معنى قول الله عزوجل : ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ـ الآية ) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟ فقال الرضا عليه السلام : إن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أن الله ، تعالى عن أن يرى بالأبصار ، و لكنه لما كلمه الله عزوجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عزوجل كلمه وقربه وناجاه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت ، و كان القوم سبعمائة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفا ، ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة ، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه ، فخرج بهم إلى طور سيناء ، فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسى عليه السلام إلى الطور وسأل الله تبارك و تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه ، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لأن الله عزوجل أحدثه في الشجرة ، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة ، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا ، بعث الله عزوجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسى : يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا : إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن

    التوحيد _ 122 _

       صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك ، فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنك لو سألت الله إن يريك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته ، فقال موسى عليه السلام : يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى عليه السلام يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جل جلاله إليه : يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليه السلام : ( رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه ( وهو يهوي ) فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل ( بآية من آياته ) جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك ( يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي ) وأنا أول المؤمنين ) منهم بأنك لا ترى ، فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن.
       والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته بتمامه في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.
       ولو أوردت الأخبار التي رويت في معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها و شرحها وإثبات صحتها ، ومن وفقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن الأئمة عليهم السلام بالأسانيد الصحيحة ، وسلم لهم ، ورد الأمر فيما اشتبه عليه إليهم إذ كان قولهم قول الله وأمرهم أمره ، وهم أقرب الخلق إلى الله عزوجل وأعلمهم به صلوات الله عليهم أجمعين.